المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقد: مفهوم اللاأدرية و البحث العلمي



ســــاهر
10-20-2005, 08:25 PM
مفهوم الــلاأدريـــة و البـحــث الــعـلـمـي





في هذه الأيام أصبحت اللاأدرية موقفا يستند إليه الكثير ممن لم تسعفهم الطرق العقلية للإستدلال على وجود الشيء الغائب من الواقع المشاهد. و المشكلة أن اللاأدرية أصبحت تحكم على صحة إثبات الشيء من عدم ثبوته بعدما كانت و ما زالت مشتقة من الحالة الواصفة للفكر الذي " لا يدري " أي الشاك حتى بشكوكه. بل و أصبحت اللاأدرية حسب فهم معتنقيها إسلوبا علميا يتبجحون بتطبيقها في مجالات البحث العلمية و التجارب العملية.

لذلك إقتضى الأمر أن نقف وقفة ناقدة على تلك المفاهيم التي لم تفهم على وجهها الصحيح لنبينها بتحليل واقعي و أقرب لحقيقة الأمور.

و لنبدأ بتبيان الفرق بين الطريقة العقلية و الطريقة العلمية لأنهما أساس التفكير و الإدراك و لأن كلا منهما محله العقل المفكر و الذي ينتج عنه إدراك الأشياء المادية و الغير مادية في الواقع المحسوس و المشاهد.

لكي تحصل أي عملية عقلية، يجب أن تتوفر معلومات سابقة عن الواقع و بدون هذه المعلومات لا تتم هذه العملية العقلية في أي عقل مفكر. فالطفل مثلا لن يخاف من وضع يده بالنار بالرغم من توفر العقل و توفر الواقع ( النار) و ذلك لأنه يفتقر تلك المعــلــومة التي هي خاصية الحرق بالنار. إذا توفر العقل وحده لا يكفي لإتمام العملية العقلية فكثيرا ما نجد بعض الأشخاص الذين يعانون من شلل دماغي و لكنهم ماهرون في الرسم أو غير ذلك من المهارات. مما سبق نستنتج أن المعلومات و العقل هما الأساس الذي تبنى عليه العملية العقلية.

و هنا يجب التنويه لنقطة هامة، و هي أن العملية العقلية لا تبنى على آراء و إنما على ربط بين المعلومات المتعلقة بالواقع، فالمحتم في الطريقة العقلية ليس وجود رأي أو آراء سابقة عن الواقع، بل وجود معلومات سابقة عنه أو متعلقة به.

الطريقة العقلية تثبت وجود الشيء بشكل قطعي، و لكن قابلية الخطأ في الحكم تقع عند محاولة توظيف العملية الفكرية لإثبات حقيقة الشيء أو صفاته، فمثلا: من خلال الربط بواقع جسم الإنسان و المعلومات الفسيولوجية فيه يمكن إثبات "وجود الروح" بشكل قطعي، و لكن ما زالت "الروح" سرا غير قابل لتفسير أو معرفة حقيقتها و ماهيتها خصوصا بعد موت الإنسان و هنا يكمن الخطأ الذي ينجم عن توظيف الطريقة العقلية لإثبات " حقيقة و صفات الروح" الرغم من ثبوت قطعي بوجودها.


أما الطريقة العلمية، فهي إسلوب عقلاني و لكنها محصورة في مجال الواقع المادي المحسوس و خاصة بالعلوم التجريبية، و تتمثل بإتباع منهج البحث للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه، عن طريق إجراء تجارب على الشيء. و ينطبق عليها الشرط بالأخذ بالمعلومات فقط و طرح الأراء جانبا، و تبدأ عادة بالملاحظة و إجراء التجارب، ثم بتثبيت بعض المتغيرات و موازنتها بإسلوب مدروس، ثم تفسير النتائج للوصول إلى إستنتاجات بالإستنباط القائم عما سبق.
هذه الإستناجات الناجمة عن الطريقة العلمية قابلة للخطأ، لأن البحث يكمن في حقيقة الشيء المراد بحثه، أي أن وجوده حاصل بطبيعة الحال.

النقطة الأهم هنا، أن الطريقة العلمية ليست أساس التفكير بل هي إسلوب للتفكير يسبقه توفر معلومات توجدها الطريقة العقلية عن طريق الملاحظة و ربط المشاهدات أولا و بعد ذلك تتم العملية الفكرية للحصول على معلومات أولية نستخدمها للإنطلاق بالطريقة العلمية. لأن المعلومات الأولية، لأول بحث علمي لا يمكن أن تكون معلومات تجريبية لأن ذلك لم يحصل بعد.

بعد هذه المقدمة، نأتي لموقف "اللاأدرية"، فهل لموقف اللاأدرية أي وجود في الطريقة العلمية؟
الجواب ببساطة، ليس لها وجود إيجابي على الإطلاق، و ذلك لأن اللاأدري يقف موقف الشاك في كل حقيقة علمية و بشكل سلبي، و هذا الشك لا يفرق بين الشك بالمعلومات السابقة الضرورية لأي بحث علمي و بين الأراء السابقة التي هي مستثناة بطبيعة الحال من أي عملية فكرية. فأين هي اللاأدرية هنا؟

اللاأدرية التي ترفض أي حقيقة غير مثبتة بشكل قطعي و بيقين مطلق، و في نفس الوقت ينادون بشعار " نسبية الحقيقة" !
أليس في هذا الموقف تناقض في أسسهم، كيف يطالبون بيقين الحقيقة القاطع بينما هم يشكون حتى بمبدأ الشك الذين يتخذونه أساسا للاأدريتهم.

كباحث في المجال الهندسي، هناك مئات الظواهر التي لم تفسر هندسيا كسلوك المواد و المعادن و التفاعلات الكيميائية و مع هذا نجد تطبيقات صناعية و تقدما تكنولوجيا ناتجة عن إستخدام تلك الظواهر الغير مفسرة. فلو أن كل المهندسين يتبنون موقف اللاأدرية في أبحاثهم لما تقدم العلم على الإطلاق.

يقول العالم إلبرت أينشتاين:" لو أننا عرفنا حقيقة كل شيء أثناء البحث به، لــــمــــا سمي ما نقوم به بــــحــــثـــــا".

إقتباس:


If we knew what it was we were doing, it would not be called research,would it?" --Albert Einstein


و يقول الفيلسوف نيتشه:" لا يوجد هناك أكثر كسلا و تقاصعا من الذي يقف موقف اللاأدري".

إقتباس:

There is no better soporific and sedative than skepticism." -Nietzche



أخيرا، في أي بحث علمي تكون الخطوة الأولى بمراجعة كل الدراسات و البحوث السابقة في مجال الموضوع المراد دراسته و يوضع في أي تقرير أو بحث منشور في أي مجلة أبحاث علمية تحت بند مهم يسمى "Literature Survey " و بالتالي فإنكار المعلومات العلمية المنشورة و المتعلقة بموضوع معين يتعارض مع شروط و أساسيات البحث العلمي، و عليه يأتي السؤال الذي طرح سابقا " أين اللاأدرية في البحث العلمي و التطبيقات العلمية الحديثة ؟". عمليا وعلميا و واقعيا، الجواب ببساطة لا وجود لمفهوم اللاأدرية في تطبيقات العلم الحديث.لأن اللاأدرية ليست إلا تطبيقا لظاهرة " Zeno's Paradox " و التي تجعل أي تقدما للأمام شبه مستحيل، بل فقط وقوف في مكان ثابت يشك بشكل سلبي بدون أي حجة أو دليل.

أبو مريم
10-21-2005, 12:08 AM
جزاك الله خيرا يا أخ ساهر على هذا المقال الرائع فعلا مذهب اللاأدرية نقيض للعلم وهو يختلف كثيرا عن الشك المنهجى الذى هو أولى مراحل الوصول لليقين عن طريق التجرد من المؤثرات وإخضاع كل الاحتمالات للفحص والنظر أما الشك المطلق فهو حالة ثابتة لا تتحول عن صاحبها ولا تدفع صاحبها إلا إلى العدم والتناقض فهو من ناحية لا ينكر الكثير من الحقائق ويتصرف وفقا لإيمانه القاطع بوجودها ومن ناحية أخرى ينكر حقائق أعظم منها جلاء لا لشىء إلى لكونه يردد بعض العبارات الجوفاء والتى يشك فى حقيقتها بدورها فهو منكر للحقائق ولا يقين لديه وأغلب الظن أنها إما أكذوبة أو حالة من عدم الشعور بالشعور أونفاق للنفس .

أبو جهاد الأنصاري
10-21-2005, 01:03 AM
جزاكما الله خير.
وأود أن أضيف بعضاً على ما قدمتماه.
(1) أن مذهب اللاأدرية هذا ليس بمذهب حديث ، بل هو قديم ،فقد ذكره ذكره الشهرستانى فى الملل والنحل وإن كان ليس بهذا المسمى ، ولكنه وصف به من يدعون نسبية الحقائق ،كما أورد البرهان العقلى علىنقض هذا المذهب بأن قال :
إذا سئل أحدهم :
هل مقولتك هذه (نسبية الحقائق) ، تعد قولاً أم لا تعد؟
فإن قال : لا أدرى
قلنا له : كيف تطالبنا بما لاتدريه.
وإن قال : يعد قولاً ، فقد تناقض. (بتصرف)
(2) وفى رأيى أن هؤلاء كانت السقطة عندهم ناشئة عن عدم قدرتهم عن التفرقة بين الحقائق المجردة وبين مدركاتهم.
فشتان بين ما يكون عليه الواقع وبين ما نعرفه منه. وساسوق مثالاً:
هل يمكن أن يكون رقم 8 = 11 ؟
طبعاً : لا
ولكن فى الواقع هناك حالة يكون فيها رقم 8 = 11
وهى فىحالة شريطى القطار يسيران متوازيان لا يتقاطعان أبداً تماماً كالرقم 11
ولكن من منا نظر إلى شريطى القطار ولم يجدهما متقابلين على مرمى البصر ؟
جميعاً يجزم أنه يراهما متقابلين مكونين لرقم 8
فهل هما فعلاً هكذا فىالحقيقة؟
لا طبعاً
ولكن لظروف أحاطت بعملية الرؤية منها قدرة العين على الإبصار وتحدب الأرض وعوامل أخرى أدت إلى هذا المنتج النهائى وهو أن ترى العين الشريطين متقابلين.
فالرقم 11 يعبر عن الحقيقة التى يوجد عليها الشريطان
بينما الرقم 8 يعبر عن ما أدركناه نحن من هذه الحقيقة.
لذلك فمن الخطأ كل الخطأ أن نقول بنسبية الحقيقة
ولكن من الصواب أن نقول بنسبية المدركات
وهذا شئ جائز ولا غضاضة فيه البتة.
وبناءً على ما تقدم فإن ادعوا أن اللاأدرية تعبر عن منهج استدلال علمى - حتى إن ادعوا هذه - فقد بطل هذا الاستدلال ، ومن ثم يبطل كل ما ترتب عليه خاصة إذا ما خالف أساليب أخرى فى البحث والاستدلال العلميين.
(3) إن الحقائق مختلفة فى طبيعتها ، فهناك حقائق حسية مادية ،وهناك حقائق عقلية غير حسية ، وعليه فلا نستطيع أن نقول أن هناك منهجاً علمياً واحداً فقط يكون هو المنهج الصواب ، بل يجب أن يكون هناك عدة مناهج للاستدلال ، ويجب الاختيار الصحيح بحيث يتوافق نمط أسلوب البحث العلمى مع طبيعة المدركات (مادية - غير مادية) كما يستحب استخدام أكثر من منهج واحد فى البحث والاستدلال.
والعلوم الاجتماعية تتوفر فيها العديد من أشكال البحث العلمى والباحث الحاذق يجب عليه أن يتخير المنهج المناسب فى الموضع المناسب.

د. أحمد إدريس الطعان
10-21-2005, 01:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ ساهر بارك الله فيك ووفقك وسددك ..
أولاً أشعر بالخجل منك لأنك طلبت مني ذات يوم أن أكتب حول المواطنة والعلمانية ووعدتك ولم أف بوعدي بسبب ضيق الوقت وكثرة المشاغل .. أرجو منك المعذرة وأنا لم أنس الموضوع ولعل الله عز وجل يهيئ لنا من أمرنا رشداً ..
بالنسبة لما كتبتموه حول اللأدرية مهم جداً ويحتاج إلى تعميق أكثر ومتابعة أشد إذا كنت تحب أن تكتب في الموضوع بشكل موسع ومنهجي وأكاديمي ..
فالللأدرية ليست فكرة جديدة بل هي موغلة في القدم والفلاسفة الغربيون أعادوا مع تفصيل ما ردده أساتذتهم اليونانيين والعلمانيون العرب يجترون ما تقيأه الغربيون ...اللأدرية موقف مستحيل من حيث الواقع وهي ممكنة فقط من حيث المماحكات الكلامية الفلسفية ...وإذا سلمنا جدلاً بأنها ممكنة فهي إذن موقف واعتقاد تقع في وسط الخط المستقيم بين الإيجاب والسلب ..ولكن هذه النقطة الوسيطة تتعرض للشد من الطرفين وتكافؤ القوتين على مبدأ الاعتماد الكلامي لا يمكن أن يستمر فلا بد إذن أن تميل الكفة مع أحد الطرفين ولذلك يرى كثير من الباحثين أن حالة الشك المطلق واللأدرية المطلقة حالة لا وجود لها ...
أحيلك الآن إلى قسم كتاب ومقالات فقد وضعت مقالاً يصب في نفس الفكرة كما يبدو لي ...
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?p=24604#post24604

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبد الواحد
10-21-2005, 01:52 PM
اخي الحبيب الساهر جزاك الله خيراً على هذا الموضوع الجميل.
سبق للزميل دارون ووليد وغيرهما الادعاء "بيقينهم انهم غير متيقنين من يقينهم الاول بعدم وجود اليقين"
لكني لم اعلم قبل قراءة هذا الموضوع ان هناك مذهب كامل يقول لا أدري. وكما ذكر الاخ الحبيب ابو جهاد في سؤاله كيف تدري انك لا تدري أي شيء.

مشاركتي اشبه ما تكون بالارتجال ارجو ان اصيب فيها بعض الحق.

التجربة نوعان. نوع خاص بالمنهج العقلي وآخر خاص بالمنهج العلمي.
الفرق الاول بينهما ان المنهج العلمي يقوم بتجارب على اشياء واقعة.
اما المنهج العقلي فيتخطى ذلك ليقوم بتجارب على اشياء افتراضية.
الفرق الثاني ان المنهج العلمي لا يقتضي منا سوى اطلاق التجربة وانتظار نتائجها
أما المنهج العقلي لا يُعتبر إلا اذا برهنت على كل مرحلة من مراحل تجربتك الافتراضية ذاتها.

لنفترض انه ُطلب منك برهنة صحة او خطأ مقولة ما او قاعدة منطقية.
فهناك ثلاثة حالات لا رابع لهما:
1- الاحتمال الأول: الاعتماد على الظن فقط. والظن لا يغني من الحق شيئاً.

2- الاحتمال الثاني:انك تعلم علماً مسبقاً طريقة البرهنة الخاصة بتلك القاعدة محل النقاش. ونسأل من اين جئت بهذا العلم؟
فان لم يخبرك احد بذلك نقول ان علمك مطلق كامل ولا تحتاج الى تعلم وبذلك تهدم قولك باللاادرية علاوة على ادعائك الالوهية.
وإن كان علمك مصدره شخص آخر نقول لك انت وعاء لا أكثر تكرر ما سبق الوصول اليه. والأفضل ان نسأل من اخبرك.

3- الاحتمال الثالث: انك لا تعلم طريقة البرهنة وهنا تضطر الى القيام بالتجربة التي يسبقها حدسك فترجح طريقة لتبدأ منها.
وهذه المرحلة معروفة عند الرياضيين بمصطلح "الإبحار". فتختار اتجاهاً معيناً للاستدلال على امل ان يوصلك الى الهدف. فإذا قابلك تناقض تعلم ان ذلك الطريق خطأ وإذا لم يقابلك تناقض وطال عليك الطريق في الغالب تفقد الامل وتعاود الكرة من طريق ثاني وثالث الى ان تصل الى ان تصل الى نتيجة.

الخلاصة ان الانسان لا يصل الى حقيقة جديدة دون تجربة ذهنية لطرق استدلال لم يكن يعلم يقيناً انها ستوصله الى ما يبحث عنه.
ملاحظة مهمة: لا توجد منطقة وسطى
. بين علم الغيب و العلم المطلق
. وبين العلم عن طريقة تجربة طرق استدلال التي لم نكن نعلم جدواها من قبل.

وهنا نطرح السؤال للاادريين. كيف توصلتم الى اقوالكم؟ بتجربة عدة طرق استدلال ؟ام بالعلم المسبق؟ام بالظن فقط؟
وطبعاً الجواب الأبعد عن العبث هو قبولكم بالمنهج التجريبي بتجربة عدة طرق استدلال قبل توصلكم لأي قول تتبنوه.
وهذا لا يتم إلا اذا قبلتم نتائج التجارب الذهنية وبذلك تنهار فلسفتكم كلها.
اما اذا لم تقبلوا نتائج استدلالاتكم فكيف تطمعون ان يقبلها غيركم؟

اعود ان شاء الله لاحقاً للتعليق على نسبية الحقيقة
والسلام عليكم ورحمة الله.

ســــاهر
01-07-2008, 04:46 PM
يرفع لعل أحد اللاأدريين يتحفنا برأي أو شرح مخالف.

حمادة
01-07-2009, 05:15 AM
اعود ان شاء الله لاحقاً للتعليق على نسبية الحقيقة
والسلام عليكم ورحمة الله.في انتظار الاخ عبد الواحد ان ياتي لاكمال تعليقه

جـواد
09-09-2009, 07:37 PM
للرفع

اخت مسلمة
11-22-2009, 01:24 AM
درر جميلة وجب رفعها


تحياتي للموحدين

أمةُ الله
05-18-2012, 07:39 AM
يرفع ، رفع الله راية الإسلام والمسلمين. (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?3162-%E3%CC%C7%D2%DD%C9-%C7%E1%DA%DE%E1&p=24604#post24604)