المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال عن أهل الفترة



عبدالعزيز الباروني
11-07-2005, 03:00 AM
الإسلام
مضى على مولد السيد المسيح نحو ستة قرون قبل ظهور الإسلام تشعبت في خلالها المذاهب المسيحية ...

بنسبة لهذا أردت أن أسألك

لماذا ترك الله البشر 600 عام ؟؟

و ما هو جزاء الذين عاشوا خلال تلك الفترة ؟

الذين لم يكن لهم نبي يرشدهم


طبعاً سؤالي للإفادة فقط


و أنا في انتظارك

تم نقل هذه المداخلة من موضوع "كتاب / الله / عباس محمود العقاد" إلى هذا الموضوع المنفصل

متابعة إشرافية
مراقب 1

بنت الشاطئ
11-07-2005, 12:44 PM
العنوان لا يفي بالمضمون هنا لأن العنوان سؤال عن بعثة المسيح عليه السلام لكن الموضوع به أكثر من سؤال فينبغي تعديل العنوان إلى سؤال عن (أهل الفترة) أو (سؤال عمن لم يبعث لهم نبي) أو ما ترونه مناسبا.


بالنسبة لسؤالك الأول: لماذا ترك الله البشر 600عام؟ فهو خطأ أيضا لأن الله لم يترك البشر لحظة واحد قط (لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم) عز وجل ، فهو لم يترك عباده قط ، ولكن كان ينبغي عليك أن تجعل صيغة سؤالك: لماذا لم يرسل الله عز وجل نبيا إلى البشر لمدة600 عام؟

وبعد التعديل المذكور والذي يمكن استنباطه من كلامك أخي سنجد أن السؤال خطأ أيضا لأن الله عز وجل لم يتركهم بلا نبي أبدا فأول الخلق آدم عليه السلام كان نبيا وهكذا تتابع الرسل والأنبياء بعده إلى بني البشر حتى ختمهم الله عز وجل بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
كل ما في الموضوع أن الله عز وجل كان يرسل الرسل إلى بني إسرائيل قوم الجحود والنكران بكثرة كثيرة جدا ، حتى ربما أرسل لهم رسولين في وقت واحد كما أرسل موسى وهارون معا ، لكنه سبحانه أطال فترة انقطاع الرسل بين عيسى عليه السلام وخاتم الأنبياء محمد عليه السلام لحكم عديدة ، يمكن لنا أن نستنبط منها أخي تعويد البشر على طول أمد ومدة الرسالة السماوية كبداية وتمهيد لختم الأنبياء والمرسلين بني خاتم تظل رسالته إلى آخر الزمان.

لكنه سبحانه وتعالى لم يترك البشر طوال هذه المدة بعد عيسى عليه السلام ، فقد كانت الرسالة عندهم متوفرة ، وبقايا الرسل حاضرة ، فإبراهيم عليه السلام كانت بقايا رسالته موجودة في العرب وكان بعض العرب يتعبدون ويتحنثون على دين إبراهيم ، بل حتى النبي صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين كان يتحنث الليالي ذوات العدد أي يتعبد كما ورد في حديث بدء الوحي وذلك قبل نزول الوحي عليه ، فهو إنما كان يتعبد بناء على دين ورسالة أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام كما هو معلوم.
وكذلك كانت رسالة موسى وعيسى موجودة في الناس وله أصحاب وعلماء يعرفونها ، والأحاديث كثيرة جدا تبين لنا أن بعض الصحابة أنفسهم اطلعوا على كتب أهل الكتاب وأنها كانت موجودة في عصرهم ، بل وامتدت بعد عصرهم إلى يومنا هذا ، رغم وجود التحريف والتغيير فيها ، لكن وجود اليهود والنصارى الآن أكبر دليل على وجودهم زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقبل زمنه ، وهذا مما لا خلاف فيه ولا ينكره أحد بتاتا ، فوجودهم يعني وجود الرسالات السماوية وأنها لم تنقطع ، وانقطاع الرسل والأنبياء لا يعني انقطاع الرسالات ، فقد انقطع الرسل والأنبياء وختموا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ومع هذا فالرسالة الإسلامية باقية بيننا.


أما سؤالك الثاني: و ما هو جزاء الذين عاشوا خلال تلك الفترة ؟ الذين لم يكن لهم نبي يرشدهم؟

فقد أجاب عنه الحق سبحانه وتعالى حين قال: (وما كنا مُعَذِّبِين حتى نبعثَ رسولا) فالحساب يأتي بعد بلاغ الرسالة وبعث الرسل ، فمن وصلته رسالة فسيحاسب بناء عليها ، ومن لم تصله رسالة ومات لم يعلم بدين قط ولا برسالة قط فهؤلاء يسميهم العلماء أهل فترة ، وقد أجاب الشيخ الشنقيطي الله يرحمه في كتابه العظيم في التفسير (أضواء البيان) على هذه المسألة عند تفسير الآية المذكورة هنا ولعل بعض الإخوان الكرام يكتب لنا كلامه كله هنا لأنه جواب طويل ومفيد ما شاء الله عليه.

وجزاكم الله خيرا

قرآن الفجر
11-07-2005, 05:55 PM
كلام الشيخ الشنقيطي في تفسير هذه الآية:
قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً}. ظاهر هذه الآية الكريمة: أن الله جلَّ وعلا لا يعذب أحداً من خلقه لا في الدنيا ولا في الآخرة. حتى يبعث إليه رسولاً ينذره ويحذره فيعصى ذلك الرسول، ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار.
وقد أوضح جلَّ وعلا هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ} فصرح في هذه الآية الكريمة: بأن لا بد أن يقطع حجة كل أحد بإرسال الرسل، مبشرين من أطاعهم بالجنة، ومنذرين من عصاهم النار.
وهذه الحجة التي أوضح هنا قطعها بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين. بينها في آخر سورة طه بقوله {وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَـٰهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَـٰتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ}.
وأشار لها في سورة القصص بقوله: {وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتِّبِعَ ءايَـٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}، وقوله جلَّ وعلا: {ذٰلِكَ أَن لَّمْ
يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَـٰفِلُونَ}، وقوله: {يَـأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ}، وكقوله: {وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَأَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَـٰبُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَـٰفِلِينَأَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَـٰبُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ}، إلى غير ذلك من الآيات.
ويوضح ما دلت عليه هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن العظيم من أن الله جلَّ وعلا لا يعذب أحداً إلا بعد الإنذار والإعذار على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام ـ تصريحه جلَّ وعلا في آيات كثيرة: «بأن لم يدخل أحداً النار إلا بعد الإعذار والإنذار على ألسنة الرسل. فمن ذلك قوله جلَّ وعلا: {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌقَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍ}.
ومعلوم أن قوله جلَّ وعلا: {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ} يعم جميع الأفواج الملقين في النار.
قال أبو حيان في «البحر المحيط» في تفسير هذه الآية التي نحن بصددها ما نصه: «وكلما» تدل على عموم أزمان الإلقاء فتعم الملقين. ومن ذلك قوله جلَّ وعلا: {وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ}،وقوله في هذه الآية: {وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ} عام لجميع الكفار.
وقد تقرر في الأصول: أن الموصولات كالذي والتي وفروعهما من صيغ العموم. لعمومها في كل ما تشمله صلاتها، وعقده في مراقي السعود بقوله في صيغ العموم: صيغة كل أو الجميع وقد تلا الذي التي الفروع
ومراده بالبيت: أن لفظة «كل، وجميع، والذي، والتي» وفروعهما كل ذلك من صيغ العموم. فقوله تعالى: {وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً} إلى قوله {يَوْمِكُمْ هَـٰذَا} عام في جميع الكفار. وهو ظاهر في أن جميع أهل النار قد أنذرتهم الرسل في دار الدنيا. فعصوا أمر ربهم كما هو واضح.
ونظيره أيضاً قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍوَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ}. فقوله {وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ} إلى قوله {ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ} عام أيضاً في جميع أهل النار. كما تقدم إيضاحه قريباً.
ونظير ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِى ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِقَالُوۤاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ قَالُواْ بَلَىٰ قَالُواْ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ}، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن جميع أهل النار أنذرتهم الرسل في دار الدنيا.
وهذه الآيات التي ذكرنا وأمثالها في القرآن تدل على عذر أهل الفترة بأنهم لم يأتهم نذير ولو ماتوا على الكفر. وبهذا قالت جماعة من أهل العلم.
وذهبت جماعة أخرى من أهل العلم إلى أن كل من مات على الكفر فهو في النار ولو لم يأته نذير، واستدلوا بظواهر آيات من كتاب الله، وبأحاديث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم. فمن الآيات التي استدلوا بها قوله تعالى: {وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}، وقوله: {إِن ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلـٰئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ}، وقوله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلاٌّرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّـٰصِرِينَ}، وقوله: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ}، وقوله: {وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ}، وقوله {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ}، وقوله: {قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ}،إلى غير ذلك من الآيات.
وظاهر جميع هذه الآيات العموم. لأنها لم تخصص كافراً دون كافر، بل ظاهرها شمول جميع الكفار.
ومن الأحاديث الدالة على أن الكفار لا يعذرون في كفرهم بالفترة ما أخرجه مسلم في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أَنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، أَين أَبي؟. قال: «في النَّار» فلما قفى دعاه فقال: «إنَّ أَبي وأباك في النَّار» اهـ وقال مسلم رحمه الله في صحيحه أيضاً: حدثنا يَحْيَى بن أيوب، ومحمد بن عباد ـ واللفظ ليحيى ـ قالا: حدثنا مروان بن معاوية، عن يزيد يعني ابن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي» حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب قالا: حدثنا محمد بن عبيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: زار النَّبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأَبكى من حوله. فقال: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكِّر الموت» اهـ إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على عدم عذر المشركين بالفترة.
وهذا الخلاف مشهور بين أهل الأصول ـ هل المشركون الذين ماتوا في الفترة وهم يعبدون الأوثان في النار لكفرهم. أو معذورون بالفترة؟ وعقده في «مراقي السعود» بقوله: ذو فترة بالفرع لا يراع وفي الأصول بينهم نزاع
وممن ذهب إلى أن أهل الفترة الذين ماتوا على الكفر في النار: النووي في شرح مسلم، وحكى عليه القرافي في شرح التنقيح الإجماع. كما نقله عنه صاحب «نشر البنود».
وأجاب أهل هذا القول عن قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً} من أربعة أوجه:
الأول ـ أن التعذيب المنفى في قوله {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ}، وأمثالها من الآيات. إنما هو التعذيب الدنيوي. كما وقع في الدنيا من العذاب بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم موسى وأمثالهم. وإذاً فلا ينافي ذلك التعذيب في الآخرة.
ونسب هذا القول القرطبي، وأبو حيان، والشوكاني وغيرهم في تفاسيرهم إلى الجمهور.
والوجه الثاني ـ أن محل العذر بالفترة المنصوص في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} وأمثالها في غير الواضح الذي لا يخفى على أدنى عاقل. أما الواضح الذي لا يخفى على من عنده عقل كعبادة الأوثان فلا يعذر فيه أحد. لأن الكفار يقرون بأن الله هو ربهم، الخالق الرازق، النافع، الضار. ويتحققون كل التحقق أن الأوثان لا تقدر على جلب نفع ولا على دفع ضر. كما قال عن قوم إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ} وكما جاءت الآيات القرآنية بكثرة بأنهم وقت الشدائد يخلصون الدعاء لله وحده. لعلمهم أن غيره لا ينفع ولا يضر. كقوله {فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ}، وقوله: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ}، وقوله: {وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِى ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَ إِيَّاهُ}، إلى غير ذلك من الآيات. ولكن الكفار غالطوا أنفسهم لشدة تعصبهم لأوثانهم ـ فزعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى، وأنها شفعاؤهم عند الله. مع أن العقل يقطع بنفي ذلك.
الوجه الثالث ـ أن عندهم بقية إنذار مما جاءت به الرسل الذين أرسلوا قبل نبينا صلى الله عليه وسلم. كإبراهيم وغيره. وأن الحجة قائمة عليهم بذلك. وجزم بهذا النووي في شرح مسلم، ومال إليه العبادي في (الآيات البينات).
الوجه الرابع ـ ما جاء من الأحاديث الصحيحة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، الدالة على أن بعض أهل الفترة في النار. كما قدمنا بعض الأحاديث الواردة بذلك في صحيح مسلم وغيره.
وأجاب القائلون بعذرهم بالفترة عن هذه الأوجه الأربعة ـ فأجابوا عن الوجه الأول، وهو كون التعذيب في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً} إنما هو التعذيب الدنيوي دون الأخروي من وجهين:
الأول ـ أنه خلاف ظاهر القرآن. لأن ظاهر القرآن انتفاء التعذيب مطلقاً، فهو أعم من كونه في الدنيا. وصرف القرآن عن ظاهره ممنوع إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
الوجه الثاني ـ أن القرآن دل في آيات كثيرة على شمول التعذيب المنفي في الآية للتعذيب في الآخرة. كقوله: {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌقَالُواْ بَلَىٰ} وهو دليل على أن جميع أفواج أهل النار ما عذبوا في الآخرة إلا بعد إنذار الرسل. كما تقدم إيضاحه بالآيات القرآنية.
وأجابوا عن الوجه الثاني ـ وهو أن محل العذر بالفترة في غير الواضح الذي لا يخفى على أحد ـ بنفس الجوابين المذكورين آنفاً. لأن الفرق بين الواضح وغيره مخالف لظاهر القرآن، فلا بد له من دليل يجب الرجوع إليه، ولأن الله نص على أن أهل النار ما عذبوا بها حتى كذبوا الرسل في دار الدنيا، بعد إنذارهم من ذلك الكفر الواضح، كما تقدم إيضاحه.
وأجابوا عن الوجه الثالث الذي جزم به النووي، ومال إليه العبادي وهو قيام الحجة عليهم بإنذار الرسل الذين أرسلوا قبله صلى الله عليه وسلم بأنه قول باطل بلا شك. لكثرة الآيات القرآنية المصرحة ببطلانه، لأن مقتضاه أنهم أنذروا على ألسنة بعض الرسل والقرآن ينفي هذا نفياً باتاً في آيات كثيرة. كقوله في «يس»: {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ فَهُمْ غَـٰفِلُونَ} و«مَا» في قوله {مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ} نافية على التحقيق، لا موصولة، وتدل لذلك الفاء في قوله {فَهُمْ غَـٰفِلُونَ}، وكقوله في «القصص»: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَـٰهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ}، وكقوله في «سبأ» {وَمَآ ءَاتَيْنَـٰهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ}، وكقوله في «ألم السجدة»: {أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَـٰهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ}، إلى غير ذلك من الآيات.
وأجابوا عن الوجه الرابع ـ بأن تلك الأحاديث الواردة في صحيح مسلم وغيره أخبار آحاد يقدم عليها القاطع، وهو قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً}، وقوله: {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌقَالُواْ بَلَىٰ}، ونحو ذلك من الآيات.
وأجاب القائلون بالعذر بالفترة أيضاً عن الآيات التي استدل بها مخالفوهم كقوله:
{وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}، إلى آخر ما تقدم من الآيات ـ بأن محل ذلك فيما إذا أرسلت إليهم الرسل فكذبوهم بدليل قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً}. وأجاب القائلون بتعذيب عبده الأوثان من أهل الفترة عن قول مخالفيهم: إن القاطع الذي هو قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً} يجب تقديمه على أخبار الآحاد الدالة على تعذيب بعض أهل الفترة، كحديثي مسلم في صحيحه المتقدمين ـ بأن الآية عامة، والحديثين كلاهما خاص في شخص معين. والمعروف في الأصول أنه لا يتعارض عام وخاص. لأن الخاص يقضي على العام كما هو مذهب الجمهور، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، كما بيناه في غير هذا الموضع.
فما أخرجه دليل خاص خرج من العموم، وما لم يخرجه دليل خاص بقي داخلاً في العموم. كما تقرر في الأصول.
وأجاب المانعون بأن هذا التخصيص يبطل حكمة العام. لأن الله جل وعلا تمدح بكمال الإنصاف. وأنه لا يعذب حتى يقطع حجة المعذب بإنذار الرسل في دار الدنيا، وأشار لأن ذلك الإنصاف الكامل، والإعذار الذي هو قطع العذر علة لعدم التعذيب. فلو عذب إنساناً واحداً من غير إنذار لاختلت تلك الحكمة التي تمدح الله بها، ولثبتت لذلك الإنسان الحجة التي أرسل الله الرسل لقطعها. كما بينه بقوله: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ}، وقوله: {وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَـٰهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَـٰتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ} كما تقدم إيضاحه.
وأجاب المخالفون عن هذا ـ بأنه لو سلم أن عدم الإنذار في دار الدنيا علة لعدم التعذيب في الآخرة، وحصلت علة الحكم التي هي عدم الإنذار في الدنيا، مع فقد الحكم الذي هو عدم التعذيب في الآخرة للنص في الأحاديث على التعذيب فيها. فإن وجود علة الحكم مع فقد الحكم المسمى في اصطلاح أهل الأصول. بـ «النقض» تخصيص للعلة، بمعنى أنه قصر لها على بعض أفراد معلولها بدليل خارج كتخصيص العام. أي قصره على بعض أفراده بدليل. والخلاف في النقض هل هو إبطال للعلة، أو تخصيص لها معروف في الأصول، وعقد الأقول في ذلك صاحب «مراقي السعود» بقوله في مبحث القوادح: منها وجود الوصف دون الحكم سماه بالنقض وعاة العلم
والأكثرون عندهم لا يقدح بل هو تخصيص وذا مصحح
وقد روي عن مالك تخصيص إن يك الاستنباط لا التنصيص
وعكس هذا قد رآه البعض ومنتقى ذي الاختصار النقض
إن لم تكن منصوصة بظاهر وليس فيما استنبطت بضائر
إن جا لفقد الشرط أو لما منع والوفق في مثل العرايا قد وقع
فقد أشار في الأبيات إلى خمسة أقوال في النقض: هل هو تخصيص، أو إبطال للعلة، مع التفاصيل التي ذكرها في الأقوال المذكورة.
واختار بعض المحققين من أهل الأصول: أن تخلف الحكم عن الوصف إن كان لأجل مانع منع من تأثير العلة، أو لفقد شرط تأثيرها فهو تخصيص للعلة، وإلا فهو نقض وإبطال لها. فالقتل العمد العدوان علة لوجوب القصاص إجماعاً.
فإذا وجد هذا الوصف المركب الذي هو القتل العمد العدوان، ولم يوجد الحكم الذي هو القصاص في قتل الوالد ولده لكون الأبوة مانعاً من تأثير العلة في الحكم ـ فلا يقال هذه العلة منقوضة. لتخلف الحكم عنها في هذه الصورة، بل هي علة منع من تأثيرها مانع. فيخصص تأثيرها بما لم يمنع منه مانع.
وكذلك من زوج أمته من رجل، وغره فزعم له أنها حرة فولد منها. فإن الولد يكون حراً، مع أن رق الأم علة لرق الولد إجماعاً. لأن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها. لأن الغرور مانع منع من تأثير العلة التي هي رق الأم في الحكم الذي هو رق الولد.
وكذلك الزنى: فإنه علم للرجم إجماعاً.
فإذا تخلف شرط تأثير هذه العلة التي هي الزنى في هذا الحكم الذي هي الرجم، ونعني بذلك الشرط الإحصان. فلا يقال إنها علة منقوضة، بل هي علة تخلف شرط تأثيرها. وأمثال هذا كثيرة جداً. هكذا قاله بعض المحققين.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر: أن آية «الحشر» دليل على أن النقض تخصيص للعلة مطلقاً، والله تعالى أعلم. ونعني بآية «الحشر» قوله تعالى في بني النضير: {وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى ٱلاٌّخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ}.
ثم بين جل وعلا علة هذا العقاب بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ}. وقد يوجد بعض من شاق الله ورسوله، ولم يعذب بمثل العذاب الذي عذب به بنو النضير، مع الاشتراك في العلة التي هي مشاقة الله ورسوله.
فدل ذلك على أن تخلف الحكم عن العلة في بعض الصور تخصيص للعلة لا نقض لها. والعلم عند الله تعالى.
أما مثل بيع التمر اليابس بالرطب في مسألة بيع العرايا فهو تخصيص للعلة إجماعاً لا نقض لها. كما أشار له في الأبيات بقوله: * والوفق في مثل العرايا قد وقع *
قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر أن التحقيق في هذه المسألة التي هي: هل يعذر المشركون بالفترة أو لا؟ هو أنهم معذورون بالفترة في الدنيا، وأن الله يوم القيامة يمتحنهم بنار يأمرهم باقتحامها. فمن اقتحمها دخل الجنة وهو الذي كان يصدق الرسل لو جاءته في الدنيا. ومن امتنع دخل النار وعذب فيها، وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا. لأن الله يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل.
وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق في هذه المسألة لأمرين:
الأول ـ أن هذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبوته عنه نص في محل النزاع. فلا وجه للنزاع ألبتة مع ذلك.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية التي نحن بصددها، بعد أن ساق الأحاديث الكثيرة الدالة على عذرهم بالفترة وامتحانهم يوم القيامة، رادا على ابن عبد البر تضعيف أحاديث عذرهم وامتحانهم، بأن الآخرة دار جزاء لا عمل، وأن التكليف بدخول النار تكليف بما لا يطاق وهو لا يمكن ـ ما نصه:
والجواب عما قال: أن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نص على ذلك كثير من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضيف يتقوى بالصحيح والحسن. وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط، أفادت الحجة عند الناظر فيها. وأما قوله: إن الدار الآخرة دار جزاء، فلا شك أنها دار جزاء، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار. كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من امتحان الأطفال، وقد قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ}.
وقد ثبت في الصحاح وغيرها: «أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة، وأن المنافق لا يستطيع ذلك، ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقاً واحداً، كلما أراد السجود خر لقفاه». وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجاً منها: «أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه ألا يسأل غير ما هو فيه، ويتكرر ذلك منه، ويقول الله تعالى: يا بن آدم، ما أعذركٰ ثم يأذن له في دخول الجنة» وأما قوله: فكيف يكلفهم الله دخول النار، وليس ذلك في وسعهم؟ فليس هذا بمانع من صحة الحديث. «فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط وهو جسر على متن جهنم أحد من السيف وأدق من الشعر، ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم، كالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب. ومنهم الساعي، ومنهم الماشي، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم المكدوس على وجهه في النار» وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا، بل هذا أطم وأعظمٰ
وأيضاً ـ فقد ثبتت السنة بأن الدجال يكون معه جنة ونار، وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار فإنه يكون عليه برداً وسلاماً. فهذا نظير ذلك.
وأيضاً ـ فإن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم. فقتل بعضهم بعضاً حتى قتلوا فيما قيل في غداة واحدة سبعين ألفاً، يقتل الرجل أباه وأخاه، وهم في عماية غمامة أرسلها الله عليهم. وذلك عقوبة لهم على عبادة العجل. وهذا أيضاً شاق على النفوس جداً لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور. والله أعلم. انتهى كلام ابن كثير بلفظه.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى أيضاً قبل هذا الكلام بقليل ما نصه:
ومنهم من ذهب إلى أنهم يمتحنون يوم القيامة في عرصات المحشر. فمن أطاع دخل الجنة، وانكشف علم الله فيه بسابق السعادة. ومن عصى دخل النار داخراً، وانكشف علم الله فيه بسابق الشقاوة.
وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة، الشاهد بعضها لبعض.
وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب (الاعتقاد) وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد. انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير رحمه الله تعالى، وهو واضح جداً فيما ذكرنا.
الأمر الثاني ـ أن الجمع بين الأدلة واجب متى ما أمكن بلا خلاف. لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما. ولا وجه للجمع بين الأدلة إلا هذا القول بالعذر والامتحان. فمن دخل النار فهو الذي لم يمتثل ما أمر به عند ذلك الامتحان، ويتفق بذلك جميع الأدلة، والعلم عند الله تعالى.
ولا يخفى أن مثل قول ابن عبد البر رحمه الله تعالى: إن الآخرة دار جزاء لا دار عمل ـ لا يصح أن ترد به النصوص الصحيحة الثابتة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم. كما أوضحناه في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب).
رابط الكتاب لمن أراد حفظه كاملاً.
http://saaid.net/book/open.php?cat=2&book=837

مجدي
11-07-2005, 07:02 PM
خلاصة الكلام "ولا يظلم ربك أحدا"
فقد أخبر موسى فرعةون ان العذاب على من كذب وتولى .
وأهل الفترة ليسوا الذين لم يبعث بهم نبيا بخاصتهم . وانما من لم تبلغه الشريعة والتوحيد لعبادة الله الواحد القهار . فأهل الشرك ممن وصلهم دعوة نبي ليسوا أهل فترة . فليست الفترة هي الفاصل بين دعوة الانبياء وانما الفترة امر يخص كل قوم بما يتناسب معهم . .
فأهل الفترة هم الذين لم تبلغهم الرسالة . فقد تكون فترة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم او بعده ايضا وكذا قبل مبعث عيسى عليه السلام او بعده او اثناء حياته صلى الله عليه وسلم .