المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نفقه ديننا على مراد ربنا (1)



غريب من الآفاق
08-14-2011, 07:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق محمدا وجعله خاتم النبيين وأتم نعمته علينا وأتم به الدين فالصلاة والسلام عليه وأكرم به وأنعم من نبي بلغ وجاهد حتى أتاه اليقين فأقام الحجة على العالمين

أما بعد :
لقد أصيبت الأمة في مقتل منذ أن أدخلت فيها علوم الكلام المبنية على مقدمات عقلية فلسفية لتقرير حقائق الدين فكانت النتيجة أن تأصل التحريف في الدين للمصطلحات الشرعية ذات المدلول القطعي والصريح من الله تعالى ومن رسوله عليه الصلاة والسلام التي يقوم عليها أصل الإسلام فأصبحت العودة للدين تتطلب ضرورة إعادة النظر في كل مسألة لنكون على أساس قوي متين من حيث كونها من أصل الدين أو من تفصيلات الشرائع ومن حيث المعنى الدقيق والحقيقي لها .
فالتوحيد الذي هو الإسلام الذي يقوم على لا إله إلا الله يتضمن ركني النفي والإثبات, فالنفي هو: لا إله, والإثبات هو: إلا الله. وعلى هذا فكل أمر تحقق فيه النفي والإثبات فهو التوحيد أي العبادة التي لا يجوز فعلها وصرفها لغير الله تعالى.
فأما من حيث كون المسألة من أصل الدين فينظر فيها من حيث قاعدة النفي والإثبات وهي: أن كل مسألة أيا كانت هذه المسألة تضمنت هذين الركنين فهي أصل الدين وذلك بأن يأتي النص القرآني أو النص النبوي بإثباتها لله تعالى ونفيها عن غيره وبهذا تكون قد تحقق فيها ركني النفي والإثبات، فإن كانت من أفعال الله تعالى فهي من الربوبية وإن كان الفعل من المخلوق فهي من التأليه(العبادة ).
النفي والإثبات في مصطلح العبادة : لقد جاء النفي والإثبات في آيات كثيرة وأساليب متعددة كقوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (الأعراف:59), وهي دعوة كل نبي إلى قومه والتي تضمنت أن العبادة هي التأليه فأثبتها الله تعالى لنفسه ونفاها عن غيره , وقال تعالى: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (الرعد:36),وقوله تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ (الزمر:11 ).
- وأما النفي والإثبات في معاني العبادة فهو:
1- الدعـاء: فالإثبات دليله قوله تعالى: هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (غافر:65),والنفي دليله قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (الجن:18)، والنفي والإثبات معا دليله قوله: قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (الجن:20).
2- الحـكم: ولأهمية هذا الأمر جاءت الآيات متضمنة النفي والإثبات بأسلوب الحصر والقصر بقوله تعالى :ُ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (الأنعام:57), وقوله تعالى: مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (يوسف:40),وقوله تعالى: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (يوسف:67).ومن أجمع الآيات قوله تعالى: ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (غافر:12), والتي جمعت الدعاء والشرك والكفر والإيمان.
3- الـولاء فالإثبات دليله قوله تعالى: إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (الجاثية:19) وقوله تعالى: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ(الأنعام:106).
والنفي دليله قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء... الآية (الممتحنة:1), وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً (النساء:144).
وأما النفي والإثبات معا فدليله قوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الشورى:9) وقوله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (البقرة:107), وقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (التوبة:116), وقوله تعالى: وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام:153), وقوله تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (الأعراف:3),وقوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (الجاثية:18), وقوله تعالى: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (الشورى:15), وبهذا يثبت أن التوحيد هو نفي العبادة-الدعاء والحكم والولاء-بمظاهرها عن غير الله تعالى وإثباتها لله وحده.
ولا بد من الانتباه لدقة النص ومناطه مع ملاحظة أن الأصل في ذلك النص القرآني لأنه نزل لبيان هذه القضية فهذا لا يعذر فيه أحد وأما النص النبوي فيأتي لأمور اقتضت الحكمة الربانية أن تكون عبادة لله تعالى على اعتبار اكتمال الدين وهذه تخضع للأعذار والتأويل فمثلا هناك مسألتان دقيقتان هما:
الأولى:- الحلف : فقد وردت النصوص النبوية بالنهي عن الحلف بغير الله تعالى ولم ترد في النصوص القرآنية فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله ) وكانت قريش تحلف بآبائها فقال ( لا تحلفوا بآبائكم )أ.هـ متفق عليه، فهذا نفي ولكن لم ترد النصوص الشرعية بالأمر بالحلف بالله وإن كان الحلف بالله تعالى مشروعا فلم يتحقق الإثبات لأن النص جاء بالتخيير والإباحة ، فأصبح الحلف من مسائل تفصيلات الشريعة وليس من أصولها ويعامل على هذا الأساس.
الثانية:- السجود:ورد النص القرآني متضمن النفي والإثبات في قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (فصلت:37).
فهذه الآية مكية ومعنى ذلك أنها لتقرير أصل الدين وفي هذا النص القرآني ورد إثبات السجود لله تعالى ونفاه عن الشمس والقمر، فاللفظ خاص بالشمس والقمر عام بحقيقة اللفظ وهو أن الشمس والقمر من المخلوقات دون الإنسان وهي مما لا يعقل فتكون دلالة الآية وعمومها متعلق بكل ما تحقق فيه صفة الدون أو عدم العقل وهي المخلوقات ما عدا الإنسان فإن قيل ماذا بخصوص الملائكة؟ الجواب أن الملائكة من المخلوقات التي لا تتراءى للبشر فمن قال أسجد للملائكة فهذا كاذب لأنه حقيقته إما أنه سجد لـ شيطان أو لما جعله رمزا للملائكة.
فأما سجود البشر للبشر كقوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ الآية (يوسف:100)، أو بسجود الملائكة لآدم فدل ذلك على أن هذا الأمر- السجود البشر - من تفصيلات الشريعة موجود ولكن لم يأت نص بالنهي عن فعله من قبل البشر للبشر فبقي على أصل الإباحة فينظر فيه الآن من ناحيتين:
- فإن كان على سبيل العبادة فهذا لا يحتاج إلى تقرير بأنه يدخل في أصل الدين وعدم العذر والتأويل.
- وإن كان على سبيل التحية وما شابهه فهو باق على أصل الإباحة لأنه لم يتحقق فيه النفي، وبقي هذا الحكم حتى ورد النص النبوي بالنفي فعن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها أ.هـ،فأصبح هذا الفعل عبادة لله خالصة لا يشاركه فيها أحد وكون النص النافي نبوي فيخضع لقاعدة الحجة الرسالية.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين