السيد إبراهيم أحمد
08-17-2011, 01:23 AM
يُوسُف .. أيها الإيرانى ...
السيد إبراهيم أحمد
صفق البعض للدراما الإيرانية مثلما صفق للدراما التركية قبلها ، غير أن المنطق الإيرانى للدراما كان صادماً عندما تناول حياة بعض الشخصيات الدينية المقدسة مثل : أصحاب الكهف ومريم العذراء ثم تمادى هذا المنطق وتجاوز حين دخل دائرة الأنبياء فبدأ بمسلسل عن سيدنا أيوب عليه السلام فلما لم يجد صداماً توغل المنطق والتصورالإيرانى الصادم فخرج علينا بمسلسل : ( يوسف الصديق ) الأمرالذى أثار نوعاً من القلق والنفور الذى تطورلاحتجاجات صدرت عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهرالشريف وكذلك نقابة المحامين بتونس واللتان طالبتا بوقف عرض المسلسل لظهورشخصيات يحرم ظهورها ؛ فبالإضافة لظهورالنبي يوسف أيضاً والده النبي يعقوب وأمين الوحي جبريل عليهم السلام خاصةً وأن مجمع البحوث كان قد سبق له أن اتخذ قرارًا بمنع تجسيد الرسل والأنبياء وكذلك آل البيت الكرام بل أن هناك إجماعاً فقهياً من علماء الأمة الإسلامية حول حرمة تجسيد شخصيات الأنبياء في السينما والتلفزيون.
والعمل برغم الهالة الإعلامية التى سبقته وصاحبته عن الجهد الفنى المبذول إلا أنه فى كل الأحوال أتى بأخطاء تاريخية كارثية ما أنزل الله بها من سلطان ، وذلك رغم ما أشيع عن العدد الغفير من كتاب السيناريو الذين انكبوا على كتابته بعد الرجوع إلى مصادر شيعية وسنية وعبرانية وغيرها ، لكنك ـ لاشك ـ لن تسكت عن الخطأ الفادح الفاضح فى أنهم أسكنوا يوسف مصر فى زمن غير زمنه ليعاصر أناساً غير المفروض أنه عاصرهم لهدف سكن فى خيالهم لن يتعب السيناريست المحترف حتماً من اكتشافه ؛ فأما أن يوسف قد عاصر أخناتون فهذا ما لم يشهد به من تناول سيرة أخناتون لا من الغرب ولا الشرق ويشهد بهذا ( سيريل ألدريد) الكاتب البريطانى الذى عكف سبعة عشر عاماً متفرقة يكتب فيها كتاب:
(أخناتون) والذى استند فيه على ما كتبه ( جيمس هنرى برستيد ) فى كتابه الهام ( فجر الضمير) الذى أثبت أن أفكار أخناتون سبقت الفكر العبرانى بحوالى سبعة أو ثمانى قرون ، فكيف أوحى إليه يوسف بأفكاره عن التوحيد ذلك التوحيد الأخناتونى الذى حير العلماء فيما كان هو سبقاً تاريخياً أم امتداداً لأفكار سبقته أم مزيج بينهما ؟!
كيف التقى الصديق أخناتون وهوالذى حكم مصر بين سنة 1372 و1354ق.م وأنتقل في العام السادس من حكمه إلى منطقة تل العمارنة، حيث شيد هناك مدينة (أخيتاتون) لعبادة آتون واتخذ منها عاصمة سياسية ودينية جديدة ، بينما وفد سيدنا يوسف فى عهد الأسرتين الخامسة عشر والسادسة عشر وكان ملوكها من الهكسوس وهم غزاة أجانب وكانت عاصمتهم أواريس في شمال الدلتا فيما يسمى بعصر الانتقال الثانى أو عصر الاضمحلال الثانى .
ولوـ حقاً ـ رجع كتاب السيناريو حتى للمصادر المسيحية لوجدوا كتاب ( خليل الله فى اليهودية والمسيحية والإسلام) لمؤلفه حبيب سعيد يشهد بأن يوسف دخل فى عهد الهكسوس ، كما يؤكد هذا الأثريون المتخصصون وعلى رأسهم الدكتور زاهى حواس ، ولو قلبوا صفحات كتاب مصر فى القرآن والسنة للدكتور أحمد عبد الحميد يوسف ليؤكد مع كل من تقدم ذكرهم أن الهكسوس اتخذوا من الأسماء الفرعونية أسماء لملوكهم ولهذا فقد ظن من كتب أنهم فراعنة ، وعلى هذا فلا زليخة ـ التى تسميها الاسرائليات كذلك ـ ولا زوجها ( فوطيفارع) ينتمون إلى مصر من أى جهة ؛ لأن المصريون لا يعرفون التسامح تجاه زوجاتهن اللوائى تقدمن على الزنا وعلى من أراد التحقق عليه الرجوع إلى بردية (تسشتر بيتى) الثانية وكذلك بردية (دور بينى) .
كما يثبت كتاب حياة بني إسرائيل في مصر بين حقائق الدين و مصادر التاريخ لمؤلفه هشام سرايا بالأدلة أن دخولهم ـ أى بنى إسرائيل ـ مصر كان في عهد الهكسوس معارضاً ما تسوقه التوراة من معلومات تتعارض منطقياً وتاريخياً مع تواريخ أخري وردت في التوراة نفسها مستنداً فى
أن القرآن الكريم يتفق وأدق التفاصيل التى كشفت عنها الآثار فى العصر الحديث وذلك عندما استخدم فى سورة يوسف لقب "ملك" فى حين أنه يلقب الحاكم الذى عاصر "موسى" بـ "فرعون" فهذا التعبير القرآنى الذى يميز بين حاكم مصر فى عهد يوسف عن عهد موسى، يؤكد أن يوسف عليه السلام قد وصل إلى مصر فى عصر لم يكن فيه الملوك المصريون يتخذون لقب "فرعون" الذى بدأ استعماله فى الأسرة الثامنة عشرة،
كما أنه لم يكن ممكناً لسيدنا يوسف عليه السلام وهو مجرد بدوى عبرانى أن يقوم مقام نائب الملك أوعزيزمصرويحكم فى مصر الحرة ذات النعرة المتعالية على الأجانب ومصر لم تزل على فرعونيتها .
ولعل السبب المرجح للجوء كتاب السيناريو إلى زرع يوسف عليه السلام فى زمن أخناتون رغم البعد الزمنى بينهما وهو حوالى 400 سنة ولم يرجعوه لحقبته الأصلية التى عاش فيها ، هو خلو فترة حياته فى زمن الهكسوس من الحبكة الدرامية التى تستتبع وجود الصراع والتصعيد الدرامى ولا يتوافر هذا إلا فى زمن أخناتون بطبيعة الحال حين فرض عقيدته الجديدة على المصريين مما ألب عليه كهنة آمون فباتوا يعدون المؤامرات والدسائس ، وكذلك الوزراء والقواد الذين حنقوا عليه بالإضافة إلى جموع من الشعب الذين كانوا يزمجرون فى صمت ويعبدون آلهتهم بعيداً عن آتون فى صمتٍ أيضاً ، كل هذا وغيره كان لابد أن يزيف السيناريست التاريخ لنقل الأحداث فى بؤرة صراع تعينه على سرد أحداث وهمية ليتعامل لا مع التاريخ فقط بل مع المقدس فى استهانة لا لشىء وإنما لأن العقل الجمعى للشيعة يتصور ذلك وأكثر منه فيجعل من اللامعقول معقولاً ، ومن الخرافة حقيقة ، ومن الخيال واقع، وليس أدل علي ذلك من أن الإمام المهدى مازال يعيشً فى سردابه والأدهى أنهم مازالوا فى انتظار خروجه عجل الله تعالى فرجه .
ولا يستغربن أحد ظهور الإمام علي بن موسى الرضاـ ثامن الأئمة ـ فى أحد المسلسلات الإيرانية التى تبثها قناة الثقلين الشيعية أو بالأحرى عدم ظهوره فهناك هالة ضوئية تخفى وجهه ويتساءل لماذا لم يفعلوا هذا مع الأنبياء إذا ما علم أن مقام الأئمة المعصومين من آل البيت رضوان الله عليهم هم فى مكانة ومقام أعلى من مقام الأنبياء عليهم السلام استناداً إلى ما قاله الإمام الخميني فى كتابه الحكومة الإسلامية ويدور حول مقولته جمع من أهل العلم الشيعى كالمجلسى والصدوق والمفيد قى كتبهم الهداية والمقالات وغيرها:( وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل).
وحسناً فعلت القنوات العربية الرسمية حين تضامنت فى عدم إذاعة أياً من حلقات تلك المسلسلات التى تتعمد إبراز شخوص الأنبياء وآخرها مسلسل يوسف الصديق ، غير أن الذى كسر هذا التضامن العربى هى قناة المنار لتثبث من جديد أن هواها إيرانى وأن الادعاء من قبل القائمين عليها أو الحزب الذى تتبعه إنها عربية المنبع والمصب هو ضربٌ من خيال ، ليظهر أمام الكافة أن هناك من هو إيرانى أكثر من الإيرانيين وينفذ بصدق أجندةً كثيراً ما حاول ايهامنا أنه محايد تجاهها ،وأن هناك أكثر من يوسف إيرانى يعيش بيننا فى زى عربى .
السيد إبراهيم أحمد
صفق البعض للدراما الإيرانية مثلما صفق للدراما التركية قبلها ، غير أن المنطق الإيرانى للدراما كان صادماً عندما تناول حياة بعض الشخصيات الدينية المقدسة مثل : أصحاب الكهف ومريم العذراء ثم تمادى هذا المنطق وتجاوز حين دخل دائرة الأنبياء فبدأ بمسلسل عن سيدنا أيوب عليه السلام فلما لم يجد صداماً توغل المنطق والتصورالإيرانى الصادم فخرج علينا بمسلسل : ( يوسف الصديق ) الأمرالذى أثار نوعاً من القلق والنفور الذى تطورلاحتجاجات صدرت عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهرالشريف وكذلك نقابة المحامين بتونس واللتان طالبتا بوقف عرض المسلسل لظهورشخصيات يحرم ظهورها ؛ فبالإضافة لظهورالنبي يوسف أيضاً والده النبي يعقوب وأمين الوحي جبريل عليهم السلام خاصةً وأن مجمع البحوث كان قد سبق له أن اتخذ قرارًا بمنع تجسيد الرسل والأنبياء وكذلك آل البيت الكرام بل أن هناك إجماعاً فقهياً من علماء الأمة الإسلامية حول حرمة تجسيد شخصيات الأنبياء في السينما والتلفزيون.
والعمل برغم الهالة الإعلامية التى سبقته وصاحبته عن الجهد الفنى المبذول إلا أنه فى كل الأحوال أتى بأخطاء تاريخية كارثية ما أنزل الله بها من سلطان ، وذلك رغم ما أشيع عن العدد الغفير من كتاب السيناريو الذين انكبوا على كتابته بعد الرجوع إلى مصادر شيعية وسنية وعبرانية وغيرها ، لكنك ـ لاشك ـ لن تسكت عن الخطأ الفادح الفاضح فى أنهم أسكنوا يوسف مصر فى زمن غير زمنه ليعاصر أناساً غير المفروض أنه عاصرهم لهدف سكن فى خيالهم لن يتعب السيناريست المحترف حتماً من اكتشافه ؛ فأما أن يوسف قد عاصر أخناتون فهذا ما لم يشهد به من تناول سيرة أخناتون لا من الغرب ولا الشرق ويشهد بهذا ( سيريل ألدريد) الكاتب البريطانى الذى عكف سبعة عشر عاماً متفرقة يكتب فيها كتاب:
(أخناتون) والذى استند فيه على ما كتبه ( جيمس هنرى برستيد ) فى كتابه الهام ( فجر الضمير) الذى أثبت أن أفكار أخناتون سبقت الفكر العبرانى بحوالى سبعة أو ثمانى قرون ، فكيف أوحى إليه يوسف بأفكاره عن التوحيد ذلك التوحيد الأخناتونى الذى حير العلماء فيما كان هو سبقاً تاريخياً أم امتداداً لأفكار سبقته أم مزيج بينهما ؟!
كيف التقى الصديق أخناتون وهوالذى حكم مصر بين سنة 1372 و1354ق.م وأنتقل في العام السادس من حكمه إلى منطقة تل العمارنة، حيث شيد هناك مدينة (أخيتاتون) لعبادة آتون واتخذ منها عاصمة سياسية ودينية جديدة ، بينما وفد سيدنا يوسف فى عهد الأسرتين الخامسة عشر والسادسة عشر وكان ملوكها من الهكسوس وهم غزاة أجانب وكانت عاصمتهم أواريس في شمال الدلتا فيما يسمى بعصر الانتقال الثانى أو عصر الاضمحلال الثانى .
ولوـ حقاً ـ رجع كتاب السيناريو حتى للمصادر المسيحية لوجدوا كتاب ( خليل الله فى اليهودية والمسيحية والإسلام) لمؤلفه حبيب سعيد يشهد بأن يوسف دخل فى عهد الهكسوس ، كما يؤكد هذا الأثريون المتخصصون وعلى رأسهم الدكتور زاهى حواس ، ولو قلبوا صفحات كتاب مصر فى القرآن والسنة للدكتور أحمد عبد الحميد يوسف ليؤكد مع كل من تقدم ذكرهم أن الهكسوس اتخذوا من الأسماء الفرعونية أسماء لملوكهم ولهذا فقد ظن من كتب أنهم فراعنة ، وعلى هذا فلا زليخة ـ التى تسميها الاسرائليات كذلك ـ ولا زوجها ( فوطيفارع) ينتمون إلى مصر من أى جهة ؛ لأن المصريون لا يعرفون التسامح تجاه زوجاتهن اللوائى تقدمن على الزنا وعلى من أراد التحقق عليه الرجوع إلى بردية (تسشتر بيتى) الثانية وكذلك بردية (دور بينى) .
كما يثبت كتاب حياة بني إسرائيل في مصر بين حقائق الدين و مصادر التاريخ لمؤلفه هشام سرايا بالأدلة أن دخولهم ـ أى بنى إسرائيل ـ مصر كان في عهد الهكسوس معارضاً ما تسوقه التوراة من معلومات تتعارض منطقياً وتاريخياً مع تواريخ أخري وردت في التوراة نفسها مستنداً فى
أن القرآن الكريم يتفق وأدق التفاصيل التى كشفت عنها الآثار فى العصر الحديث وذلك عندما استخدم فى سورة يوسف لقب "ملك" فى حين أنه يلقب الحاكم الذى عاصر "موسى" بـ "فرعون" فهذا التعبير القرآنى الذى يميز بين حاكم مصر فى عهد يوسف عن عهد موسى، يؤكد أن يوسف عليه السلام قد وصل إلى مصر فى عصر لم يكن فيه الملوك المصريون يتخذون لقب "فرعون" الذى بدأ استعماله فى الأسرة الثامنة عشرة،
كما أنه لم يكن ممكناً لسيدنا يوسف عليه السلام وهو مجرد بدوى عبرانى أن يقوم مقام نائب الملك أوعزيزمصرويحكم فى مصر الحرة ذات النعرة المتعالية على الأجانب ومصر لم تزل على فرعونيتها .
ولعل السبب المرجح للجوء كتاب السيناريو إلى زرع يوسف عليه السلام فى زمن أخناتون رغم البعد الزمنى بينهما وهو حوالى 400 سنة ولم يرجعوه لحقبته الأصلية التى عاش فيها ، هو خلو فترة حياته فى زمن الهكسوس من الحبكة الدرامية التى تستتبع وجود الصراع والتصعيد الدرامى ولا يتوافر هذا إلا فى زمن أخناتون بطبيعة الحال حين فرض عقيدته الجديدة على المصريين مما ألب عليه كهنة آمون فباتوا يعدون المؤامرات والدسائس ، وكذلك الوزراء والقواد الذين حنقوا عليه بالإضافة إلى جموع من الشعب الذين كانوا يزمجرون فى صمت ويعبدون آلهتهم بعيداً عن آتون فى صمتٍ أيضاً ، كل هذا وغيره كان لابد أن يزيف السيناريست التاريخ لنقل الأحداث فى بؤرة صراع تعينه على سرد أحداث وهمية ليتعامل لا مع التاريخ فقط بل مع المقدس فى استهانة لا لشىء وإنما لأن العقل الجمعى للشيعة يتصور ذلك وأكثر منه فيجعل من اللامعقول معقولاً ، ومن الخرافة حقيقة ، ومن الخيال واقع، وليس أدل علي ذلك من أن الإمام المهدى مازال يعيشً فى سردابه والأدهى أنهم مازالوا فى انتظار خروجه عجل الله تعالى فرجه .
ولا يستغربن أحد ظهور الإمام علي بن موسى الرضاـ ثامن الأئمة ـ فى أحد المسلسلات الإيرانية التى تبثها قناة الثقلين الشيعية أو بالأحرى عدم ظهوره فهناك هالة ضوئية تخفى وجهه ويتساءل لماذا لم يفعلوا هذا مع الأنبياء إذا ما علم أن مقام الأئمة المعصومين من آل البيت رضوان الله عليهم هم فى مكانة ومقام أعلى من مقام الأنبياء عليهم السلام استناداً إلى ما قاله الإمام الخميني فى كتابه الحكومة الإسلامية ويدور حول مقولته جمع من أهل العلم الشيعى كالمجلسى والصدوق والمفيد قى كتبهم الهداية والمقالات وغيرها:( وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل).
وحسناً فعلت القنوات العربية الرسمية حين تضامنت فى عدم إذاعة أياً من حلقات تلك المسلسلات التى تتعمد إبراز شخوص الأنبياء وآخرها مسلسل يوسف الصديق ، غير أن الذى كسر هذا التضامن العربى هى قناة المنار لتثبث من جديد أن هواها إيرانى وأن الادعاء من قبل القائمين عليها أو الحزب الذى تتبعه إنها عربية المنبع والمصب هو ضربٌ من خيال ، ليظهر أمام الكافة أن هناك من هو إيرانى أكثر من الإيرانيين وينفذ بصدق أجندةً كثيراً ما حاول ايهامنا أنه محايد تجاهها ،وأن هناك أكثر من يوسف إيرانى يعيش بيننا فى زى عربى .