المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصص المراجعات - - !؟! - - نماذج ربّانية من العبودية في المجاهدات



خلوصي
09-04-2011, 02:34 PM
قصص المراجعات - - - - - !؟! - - - - - نماذج ربّانية من العبودية في المجاهدات .

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان ... إلى يوم الدين ..

ما أحوجنا أيها الركب المبارك إلى أن نراجع أنفسنا دوما .. و في كل آن ! ..
و لذلك أسباب يطول ذكرها .. و عسى أن نتذاكرها معا في موضوع آخر أو في هذا الموضوع ..
و لا تخرج عن ضعف الإنسان في أوهامه و أهوائه ..
و كل منها يشد من أزر الآخر من حيث يدري و لا يدري !؟!
.......

و قصص المراجعات من أجل أنواع القصص .. !
إذ بها يتنبّه الإنسان إلى أن ثمة ما يغيب عنه في أثناء سيره إلى الله ..!
فيعرف كيف أنه بنى تصوّراً خاطئاً هناك ....
و كيف طبّق هنا الصحيح من تصوّراته تطبيقاً خاطئاً ..
و كيف يمكن أن يلتبس عليه حظّ نفسه بالدفاع عن دين الله .. فيتترس بالنصوص تعظيماً للنفوس من نشأته العلمية الحدية .. فيعبد رأيه القديم لا ربه العظيم ..
و كيف .. و كيف .. و كيف .. !؟!

و المراجعات فكر ناضج لأنه يجيء ممن يعترف بخطئه أمام نفسه و أمام الملأ .. فهو صادق ..
ثم إنها عبودية لله تظهر عليها مسحة الخوف من الرب الجليل ..

فاللهم اجعلنا ممن احترق بصدقه إليك !






القصة الأولى


بقلم فضيلة الشيخ / محمد ابراهيم التويجري
رئيس قسم الجاليات في رابطة العالم الاسلامي
نقلا عن الشيخ / مجدي أبو عريش


منذ أربع سنوات والعالم الأخ محمد بن ابراهيم التويجري (وهو رئيس قسم الجاليات في رابطة العالم الاسلامي) يحضر مؤتمر رايوند كل سنة, وهذه السنة الماضية خرج معهم اربعين يوما, فيجد من الفكر الطيب والايمان المبارك والمفاهيم العميقة خيرا كثيرا, فيقول متعجبا ومؤيدا:
" ان جهد الاقدام هو باب النور للعلم والايمان, فنور العلم والايمان انما يتحصل عليه هاهنا,
وجهد الاقلام انما هو مقدمة مساعدة لجهد الاقدام,
والعلم نور, وانما يؤتى لأهل المجاهدة العاملين كما قال الامام الشافعي: (رحمة الله عليه): شكوت الى وكيع سوء حفظي... والله تعالى يقول: (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )).




لقد درست التفسير ثلاث مرات والحمد لله تعالى, وختمت القرآن مئات المرات ولله الحمد سبحانه,
ولكن الآن أفهم منه - في ميدان الدعوة – ما لم اكن افهمه من قبل...
في بيئة التضحية في المساجد,
بل اظن نفسي أنني ما كنت فهمته
على الحقيقة, حقيقة الهداية والتضحية,
الآن أعيد دراسة التفسير
وأتدبره من جديد فأرى العجب من الفتح في الفهم والاستنباط, ولا عجب فهو الفرق بين العلم النظري والميدان العملي, بين المعلومات والمعمولات ..


حسبي الله من شر نفسي ومن شر الشيطان

ومن شر سائر الاحوال المخالفة لما يحبه الله تعالى ويرضاه.



ولو دونتُ أو اشرتُ الى بعض هذه المفاهيم والاستنباطات في التفسير والفقه والاعتقاد وفقه الدعوة لطال ذلك, والاشارة اليه تكفي والله الكافي الشافي سبحانه.

لقد وجدت توحيد العبودية (الألوهية) يتكرر في كلامهم كثيرا, فلا يكاد يخلو منه كلامهم في البيانات, والتعليمات للخارجين والعائدين وبألفاظ مختلفة:
(لا معبود في الوجود الا الله), (لا معبود بحق الا الله تعالى),(الله سبحانه هو المعبود, لا معبود غيره), (الله سبحانه هو المسجود له, لا مسجود له غيره), (كل شيء نسأله من الله تعالى بالدعاء وفي الصلاة), (نتعلم قضاء حوائجنا في الصلاة, فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اذا حزبه أمر فزع الى الصلاة), (الله سبحانه هو المقصود وهو المطلوب), (نتوجه الى الله تعالى في كل حال, فبيده وحده سبحانه خزائن كل شيء), (نستفيد من خزائن الله تعالى) .

ولقد وجدتهم يتكلمون في الصفات, ويذكرون صفات زائدة على الصفات العقلية التي يؤمن بها الاشاعرة والماتريدية مثل (صفة العلو), و(صفتي الغضب والرضى), و(صفة الرحمة), و(صفة الفرح), وهذه ليست فقط في البيانات بل في أصول الدعوة هنا في (رايوند) فيما يسمى (الهدايات) التي تعطى للدعاة في أصول الدعوة قبل خروجهم للدعوة وبعد رجوعهم من دعوتهم .

بل وجدتهم يربطون شعب الايمان الستة أو الصفات الستة يربطونها بتوحيد العبودية, فيقولون:
الصفة الاولى: (اليقين بالله تعالى) المتمثل بالكلمة الطيبة " شهادة أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله"... اقرار بالعبودية.
الصفة الثانية: (الصلاة ذات الخشوع والخضوع)... لاظهار العبودية.
الصفة الثالثة: (العلم مع الذكر)... لتصحيح العبودية.
الصفة الرابعة: (اكرام المسلم وحسن الخلق)... لتقوية العبودية .
الصفة الخامسة: ( تحصيح النية واخلاصها لله تعالى)... لقبول العبودية.
الصفة السادسة: (الدعوة الى الله والخروج في سبيله)... لنشر العبودية.

بل وجدتهم اكثر الناس حثا على اليقين بالله تعالى وبمعيته السمعية والبصرية والعلمية, وقلما يوجد احد يدعو ويربط الناس بخالقهم ايمانا وحبا وتعظيما ورغبة ورهبة مثلهم, أي والله,



وقد خبرنا الذي عندنا – كسلفيين – وعند غيرنا من الدعاة... هذا فضل الله عليهم لا نحسدهم عليه, فرحم الله من رأى حقا فأقر به فرحا باصابة أخيه للحق,

ورحم الله من رأى فضلا فأقر به متواضعا للحق وللخلق, ان الله سبحانه وتعالى هو صاحب الفضل ومعطيه ومسديه سبحانه.

ولقد تعلمنا من القرآن وأسلوبه, ومن كلام العلماء الربانيين ان توحيد العبودية انما يبنى على هذه المعرفة الربانية (ويسمى توحيد المعرفة والاثبات), وهي معرفة الله تعالى بربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله وأنعمه سبحانه وتعالى, فعلى قدر هذه المعرفة تكون العبادة والتوجه والقصد لله سبحانه وتعالى.

ولقد يوجد بينهم من يتبنى رأي التأويل او التفويض لمعاني الصفات, لكن بصفة فردية فانه درس هذا المذهب وتعلمه, ولكنه لا يدعو أو يربي عليه, ولا يجعله منهجا للدعوة لا هو ولا غيره, وذلك ان الدعوة الايمانية التربوية والتي تسمى ( بدعوة الايمان واليقين) هي ثمرة الاعتقاد الغيبي, وثمرة التوحيد الالهي وملخصها ان نقول:

1- ان جميع الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة هو فقط بيد الله تعالى, والفوز والفلاح يشمل قضاء الحاجات, وتفريج الكربات, والطمأنينة والسعادة, والعزة, والرفعة في الدنيا والآخرة.

2- ان الله تعالى بيده وحده خزائن كل شيء... خزائن المحسوسات, وخزائن المعنويات كالرحمة والهداية ونحوها.

3- ان الله تعالى خالق الاشياء وخالق الاحوال وخالق صفاتها.

4- انه تعالى يفعل ما يشاء بقدرته ولا يحتاج لاحد من خلقه... لا يحتاج الى قدرتهم, ولا يحتاج الى طاعتهم, وانه سبحانه هو الصمد الذي تصمد الخلائق كلها اليه في حاجاتها.

5- وثمرة ذلك:
كيف نستفيد من خزائن الله تعالى؟ وكيف نتيقن بصفات الله سبحانه ؟ وكيف نستيقن بوعد الله تعالى ووعيده ؟

قال تعالى:{ يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون} (2-الرعد), ويقول تعالى:{ وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين} (75- الأنعام), وقال تعالى:{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} ( 24- السجدة) .

وان هذه الدعوة الايمانية – والتي أشبهها بمدرسة الامام ابن القيم (رحمه الله تعالى) – لا يمكن ان تقوم الا على الصفات الالهية واثباتها لله سبحانه وتعالى من غير تعطيل (سواء كان التعطيل تأويلا او تفويضا) والله المستعان.

بل زبدة دعوتهم وجهدهم وخروجهم وتضحياتهم وهدفهم الصريح ومقصدهم الواضح يعبرون عنه بصيغة السؤال والجواب هكذا:
ما هو مقصد هذا الجهد ؟ وماذا نريد من الناس في هذا الجهد ؟




مقصد هذا الجهد ان يقوم المسلم بأوامر الله تعالى في كل مكان, في كل زمان, في كل حال, ولا سبيل الى ذلك الا عن طريق جهد ودعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) .

ووجدنا من السهل النصح والتأثير على هؤلاء الاشياخ والافراد من الدعاة, لحسن خلقهم وطيب سجيتهم وكثرة تواضعهم واخلاصهم, خاصة من يأتيهم بالمحبة والحكمة, فانه يجد باب القبول فيهم مفتوحا على مصراعيه.


وهي حكمة مشايخنا الكبار الذين نصحونا بمشاركتهم ونصحهم والاستفادة من جهدهم وخبرتهم وتضحياتهم,
تعاونا شرعيا يبني ولا يهدم, ويؤلف ولا يفرق, ويصلح ولا يفسد, ويجدد ولا يبلي, ويوضح ولا يلبس... وبمثل هذا التعاون الشرعي نختصر الطريق على أمتنا المسلمة في نصرة الدين واستئنافها حياتها الاسلامية من جديد .

خلوصي
11-11-2011, 11:08 AM
القصة الثانية

مع فضيلة الشيخ الجليل الجميل أ.د. عبدالعزيز الحميدي
أستاذ أصول الدين سابقا في جامعة أم القرى .. و عميد معهد إعداد الأئمة و الخطباء برابطة العالم الإسلامي سابقا
و من أقدم تلاميذ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى رحمة واسعة ..
يقول في كتاب " الرسائل الشمولية "


الخاتمة

قد يتساءل الإخوة الذين يعرفونني جيدًا: كيف انتهجت هذا المنهج الوسط في الحكم على المخالفين في العقيدة؛ مع أنني قد نشأت في وسط علمي لا يعتمد هذا المنهج، ويعمم وصف التعطيل على كل من أوَّل شيئًا من الصفات؛ سواء كان قليلاً أو كثيرًا؟!

والحقيقة أنني كنت في مراحل دراستي الأولى -بما في ذلك المرحلة الجامعية- على هذا المنهج، ثم إنني وجدت علماء كبارًا من فضلاء الأمة ساروا على التأويل في بعض آيات الصفات؛ كالنووي وابن حجر العسقلاني وابن الجوزي وابن عقيل والعز بن عبد السلام، فرأيت أن وصف هؤلاء وأمثالهم بالضلال والتعطيل غير سائغ شرعًا، كما أن وصف الأئمة الذين أجْرَوا جميع نصوص الصفات على ظاهرها -كابن قدامة وابن تيمية وابن القيم- بالضلال والتشبيه والتجسيم؛ غير سائغ شرعًا.

ثم إنني؛ بحكم تخصصي في التفسير والحديث،
قد اطلعت في أثناء تحضير رسالَتيْ الماجستير والدكتوراه على كتب التفسير
المطبوعة التي توافرت لدي، ومما لفت نظري أن جميع المفسرين -حسب اطلاعي- أوَّلوا بعض آيات الصفات، إنْ قليلاً وإن كثيرًا، حتى الذين اشتهر عنهم أنهم من أئمة علماء السنة؛ مثل ابن جرير الطبري وابن كثير والشوكاني، ما عدا مفسرَين معاصرين؛ هما فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتابه "تيسير الكريم الرحمن"، وفضيلة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه "أضواء البيان"، وقد أكَّد لي هذا الحكم ما توصل إليه الشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي في استقصائه الذي قام به في كتابه: "المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات"؛ حيث أثبت أن جميع المفسرين أتوا بشيء من التأويل في آيات الصفات، وتعقَّبهم في ذلك، ما عدا الشيخين المذكورين.

وحينما درَّست مادة العقيدة في المعهد العالي لإعداد الدعاة، قمت بقراءة "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية وبعض كتبه الأخرى،

فأذهلني ما قرأت

من كثرة النصوص التي ظهر فيها هذا الإمام بالسماحة والرحمة والعدل وسعة الأفق، وذلك في حكمه على المخالفين في أمور العقيدة من العلماء المجتهدين، حيث اقتصر حكمه عليهم بالخطأ، ولم يضللهم ولم يبدعهم.

ثم توج هذه الرؤى الحميدة ما قمت به من قراءة كتاب "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي، حيث يوافق شيخ الإسلام ابن تيمية في السماحة والعدل في الحكم، فأصبحَتْ لديَّ قناعة تامة بهذا المنهج الوسط الذي سطرت من أجله هذه الرسالة.

وكان لزامًا عليَّ أن أنشر ما هداني الله جل وعلا إليه من هذا العلم؛

ليقيني بالوعيد الشديد على كتمان العلم،

كما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم

: "ما من رجل يحفظ علمًا فيكتمه؛ إلا أتي به يوم القيامة ملجمًا بلجام من النار"،

أخرجه الحافظان ابن ماجه، والترمذي وحسنه، من حديث أبي هريرة ( ).

أبو القـاسم
11-11-2011, 11:33 AM
بسم الله الرحمن الرحيم ..

كما أن وصف
هذه الوصلة المشعرة بالمماثلة عدول عن الإنصاف ,فمن وقع في تحريف الصفات وسمى فعله تأويلا : اقترف خطأ
ومن أثبت الصفات كما هي عقيدة الرسول (ص) وأصحابه وعامة السلف فقد أصاب كبد الحق, والخلاف هنا ليس سائغا

أن جميع المفسرين أتوا بشيء من التأويل في آيات الصفات
-قوله "جميع" ليس بصحيح , تفاسير أئمة السلف ليس فيها مثل ذلك ,
-والعالم قد لايرى الآية من آيات الصفات أصلًا,فلا يكون كلامه حينئذ من بابة ما يسمى "تأويلا"
الدعوة إلى الله واجبة نعم , لكن إيجاب سبيل مخصوصة في تحقيق هذا الواجب : ليس صوابا
والله الموفق لبلوغ الحق

خلوصي
11-20-2011, 04:11 PM
القصة الثالثة
الفريد الأنصاري
...ولقد تهتُ شخصياً عن هذا المعنى زمنا!




ولي في هذا الشأن قصة أذكرها لعل فيها ما ينبئ عما تعانيه حركة التدين في المجتمع اليوم؛ عسى أن نتمكن من تشخيص مكمن الداء.




وذلك أني في فهمي للدين عموماً، وللعقيدة منه خصوصاً، مررت بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى
هي التي ورثتها عن بيئتي الإسلامية التقليدية؛ حيث كان الدين بالنسبة لي سلوكاً خاصاً بالشيوخ، وكأنما هو على طائفة الشباب نفل وتطوع، ثم إن معنى «لا إله إلا الله» كان أقرب عندي إلى الشعار منه إلى (الشهادة)! فلم أكن أفهم منها أكثر من مجرد كونها عنوان الدخول إلى الإسلام، واكتساب صفة (مسلم)، كما هي عند سائر الناس. لكن هذا المعنى ولله الحمد لم يدم في تصوري طويلاً؛ فقد انتبهت في مرحلة الشباب الأولى إلى شيء اسمه (الحركة الإسلامية)؛ وذلك بسبب ما كان يصلني عنها من أصداء وصراعات، خاصة في الصف الطلابي بالجامعة! وأنا آنئذ ما أزال تلميذاً بالصف الثانوي.




فكانت تلك إذن هي




المرحلة الثانية في حياتي الدينية،
وبحلولها زالت الصورة الأولى التقليدية من ذهني، وأبدلتها بما صرت أتلقاه من أدبيات إصلاحية، ومقولات دعوية جديدة، مثل: (الإسلام دين ودولة، ومصحف وسيف.. إلخ). ثم بدأ الوعي يتطور في الاتجاه نفسه، إلى تقرير أن (لا إله إلا الله منهج حياة!) وأن (الحاكمية لله) وهكذا بدأ الوعي الديني يتسع في وجداني شيئاً فشيئاً، حتى انخرطتُ في حركة الوعي الإسلامي عاملاً بهذه المفاهيم مجاهداً في سبيلها.




لكني أصدقكم القول: لقد مر عليَّ دهر وأنا أعمل على هذه التصورات، دون أن أجد للدين لذة في وجداني؛ هذه هي الحقيقة.
إنني لا أتهم تلك التصورات بالقصور،
كلا؛ فما زلت أومن بأن الإسلام مصحف وسيف، ودين ودولة! وأن (لا إله إلا الله) منهج حياة بالفعل. وما أحسب أن ذلك يخالف فيه أحد من المسلمين الصادقين.
ولكن.. كانت ظروف التلقي سيئة للغاية.
لقد انفتح وعيي الجديد هذا على مرحلة (رد الفعل غير المتوازن) في تاريخ الأمة المعاصر، فكان أن تلقيت كل التصورات الجديدة في سياق مواجهة الغرب، ومقاتلة العلمانية، ومدافعة الماركسية؛ ومجاهدة الطغيان السياسي، والظلم الاجتماعي؛
فاكتسبت من صفات المحامي كثيراً، بيد أني لم أكتسب من سلوك المؤمن إلا قليلاً، فعشت مع الناس أكثر مما عشت مع الله؛
لأن هذه الظروف جعلتني أفهم عقيدة «لا إله إلا الله» في سياق واحد ووحيد: هو أن (الحاكمية) إنما هي لله. وبدا لي زمناً أن ما سوى تصحيح قضية الحكم والتشريع في الدولة جزئيات من الدين، لا تستحق أي اهتمام! وكانت لنا أنشطة في هذه الاتجاهات، فبدأت ألاحظُ أن معي على الجبهة الواحدة، من يخطب الليل كله، ولا يصلي لله فريضة واحدة في وقتها! فإن فعل فبلا خشوع ولا طمأنينة، ينقرها نقر الغراب.
لقد تعلمنا شهوة الكلام. نعم!
اتبعنا الشهوات وأضعنا الصلاة إلا قليلاً.
وبدأت أرى الآفات الخطيرة تعصف بالصف الإسلامي: العُجْب، وحب الرياسة، والتصدر أمام وسائل الإعلام. ورأيت بأم عيني أن هناك فتنة أخرى، لم أعرفها من قبل:
هي فتنة (الكاميرا)، أو فتنة (الميكرفون) كما سماها بعض الظرفاء! ورأيت رقة في الدين تجتاح الصفوف المتدينة كالوباء الفتاك، وسقوطاً هنا وهناك، يتتابع بين الإخوان والأخوات على السواء!




المنادي ينادي للصلاة: حي على الصلاة! حي على الفلاح! وخطاب الواجهة الفاتنة المفتونة مستمر كأنه لا يسمع شيئاً. وضربت الصفوفَ الدينية آفاتُ المجتمع المريض، من رعونة وتحلل خلقي، وانسياق وراء كثير من مغريات الحياة الدنيا وفتنتها. وبدأت أسأل نفسي متهماً إياها: أي دين هذا؟ وأي صلاح هذا؟ وبدل أن يتنافس شباب الصحوة الإسلامية حول منازل العلم، ومقامات التقوى والورع، بدؤوا يتنافسون حول حدود الشبهات، ويتبارون أيهم أقدر على الرعي حول الحمى دون أن يقع فيه! زعموا..! وانطلق السباق نحو الهاوية. أين المشكلة إذن؟




هذه هي البرامج التربوية تترى تأليفاً وتنظيراً، وهذه هي المطبوعات التصورية تتواتر، ولكن بلا جدوى، وبلا فائدة؛ فإنها جميعها تبقى على رفوف مقرات الحركات ومكاتبها موقَّرة إلى إشعار آخر؛




فأين الخلل؟




ولطالما وُضِع هذا السؤال، ولكن أين من يتابعه؟




وبقي الأمر بالنسبة لي غامضاً، حتى لقيت بعض أساتذتي الأجلاء، ممن تتلمذت عليهم، وأخذت عنهم علم الدعوة وعلم البحث العلمي، فكانت لي معه جلسة مذاكرة حول بعض مفاهيم القرآن الكريم، وتحدثنا عن بعض النماذج من بينها مفهوم (الإله) في القرآن الكريم، فنبهني إلى الأصل اللغوي لهذه العبارة، من أنه راجع إلى معنى قلبي وجداني، وذكر لي شيئاً من الدلالة اللغوية على المحبة، مما بينته قبل قليل،




فكانت بالنسبة لي مفاجأة حقيقية، لا على مستوى الفهم فقط؛ ولكن على مستوى الوجدان والشعور.




نعم! أذكر أني قرأت مثل هذا قبل ذلك بكثير، ولكن اندماجي الكلي في تصوراتي الأخرى، وانغلاقي على (توحيد الحاكمية) إن صح التعبير، أعماني عن مشاهدة (توحيد المحبة!) الذي هو الأصل، والمفتاح الحقيقي لتوحيد الإلهية، والذي منه تفرعت فروع شتى منها توحيد الحاكمية نفسه. لقد جعلت الجزء محل الكل، وجعلت الفرع محل الأصل؛ وعشت في فهمي متناقضاً. فسِرْتُ في تديني مختلاً كسائر المختلين؛ حتى مَنَّ الله باللحظة التي انتقلت خلالها إلى

مرحلتي الجديدة:



حيث بدأت المراجعة في حياتي كلية، واكتشفت حقيقة أن هـــناك شيئاً اسمه (حــلاوة الإيمـــان)، ذوقاً لا تصورا! وحقيقة لا تخيلا! ثم بدأت أعود إلى القرآن.. فوجدت أني كنت بعيداً جداً عن بشاشته وجماله، وبدأت أعود إلى السنة؛ فوجدت أني كنت أجهل الناس بأخلاق محمد عليه الصلاة والسلام. وبدأت أراجع ما قرأته عن العقيدة، فوجدت صفحات مشرقة مما كتب السلف الصالح، قد مررت عليها مرور الأعمى ـ لا مرور الكرام ـ بسبب ما غطى بصري من فهوم سابقة حتى كأني لم أقرأ قط.



قلت: لم تكن مفاجأتي علمية بقدر ما كانت وجدانية! لقد كنت أقرأ عبارات «المحبة، والشوق، والخوف، والرجاء» ولكن دون أن أجد لها شيئاً من نبض الحياة بقلبي.



فمثلاً هذا كتاب (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ـ وهو خلاصة للعقيدة السلفية ـ قد خضت به معارك ضد أهلي وعشيرتي زمناً؛ وأنا أقرب إلى المراهقة يومئذ مني إلى الشباب؛ ولقد ظللت أحارب به البدع والضلالات والمنكرات، في الاعتقاد والعبادات، اقتداء بشيخ شيوخنا العلاَّمة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله؛ بَيْدَ أني كنت ألحظ أن كثيراً من هؤلاء (المبتدعة) هم أفضل مني حفظاً للصلاة وأوقاتها! إني لا أتهم الكتاب المذكور، ولكني أتهم نفسي ومنهجي في القراءة والاستعمال. لقد كانت العقيدة السلفية عندي عصا من خشب أصم أضرب بها غيري.. ولم أدرك أنما هي تربية ورحمة للعالمين. وإني لأعجب كيف لم أنظر إلى هذا المعنى من قبلُ في الكتاب المذكور؟



عجباً!.. أين كنت أنا إذن من مثل هذا الكلام؟
(السكون إلى حب الله.. الذي تألهه القلوب)
أهي عقيدة قلبية وجدانية إذن؟ وهو إجماع من العلماء؟



أي عمى هذا الذي ركضت وراءه في نقع الخصومات والجدالات التي لا تغني ولا تسمن من جوع؟
وهذا قلبي ظل فارغاً من عبادة الحب وأذواق التعبد. أليس ذلك هو الضلال المبين؟

لقد أسأت زمناً طويلاً في فهم عقيدة السلف الصالح.



لقد رسخ في ذهني ـ بعد المشاهدة والمعاينة للآثار السلبية التي ترتبت عن التكوين العقدي القائم على نفسية ردود الأفعال المتشنجة، وعقلية التفتيش المذهبي ـ
أننا في حاجة ماسة ومستعجلة؛ لإعادة قراءة عقيدة السلف الصالح من مصادرها الأولى، وإلى إعادة قراءة أعلامها الكبار الذين تميزوا
في التاريخ الإسلامي بالريادة والقيادة، وأسهموا في بناء صرح الأمة وتجديد حياتها، كالأئمة الأربعة أبي حنيفة، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ومن جاء بعدهم من المتميزين في هذا السياق، مثل حافظ المغرب أبي يوسف عمر بن عبد البر، ومجدد زمانه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم... إلخ.



هؤلاء وأضرابهم جميعاً،
وقع خطأ منهجي كبير في قراءتهم.
لقد كان الفكر السلفي المعاصر ـ في بعض تجلياته ـ إذ يقرأ تراثهم إنما يقرؤه ـ في كثير من الأحيان ـ



بمنهج تجزيئي إسقاطي.


فأما كونه تجزيئياً؛
فلأنه كان يقرؤه بعين واحدة، فلا يرى من حقيقته إلا ما تتيحه له تلك الرؤية الجزئية المحدودة؛ فلا يتصور حقيقته في شموليته الكلية. فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً، لا تصوره كثير من المصنفات المعاصرة إلا شخصاً مقاتلا محارباً متخصصاً في تفصيل في مذاهب أهل النار؛ دون مذاهب أهل الجنة؛ فكل من أراد أن يَصِمَ شخصاً بصك الجحيم، فما عليه إلا أن يُخرج عليه سيف المقولة المشهورة. (قال شيخ الإسلام ابن تيمية) وكأن ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ما خلقه الله إلا للاستشهاد به على أهل الضلال وحسب؛ وكأنما تحولت نصوصه وفتاواه إلى مجـرد صكــوك اتهــام، تقــرأ على الضحــية عنــد تنفيذ حكم الإعـدام.



أين ابن تيمية الداعية إلى الله؟
أين ابن تيمية المربي؟
وأين ابن تيمية السالك إلى مولاه عبر منازل الخوف والرجاء؟ والشوق والمحبة؟
وأين ابن تيمية صاحب الأذواق الإيمانية والأحوال السنية؟..




ولقد حفلت كتبه وفتاواه بمعاني (الجمالية)، ومقاصد (الربانية) في الدعوة والتربية والتعليم؛ مما يصعب ـ لغزارته ـ حصره واسقصاؤه! كما أن تلميذه الإمام الرباني ابن القيم ـ رحمه الله ـ قد حكى عنه من ذلك الشيء الكثير!



فأين ضاع ذلك كله؟

وأما كونه إسقاطيا ..
فلأنه تم استعمال ابن تيمية للتعبير عن مشكلات العصر النفسية والسياسية بصورة حرفية!
ففُسِّرت نصوصُه بما تقتضيه حــالة رد الفعــل النفــسي والاجتماعــي ـ بصورة غير متوازنة ـ عن ظروف الظلم السياسي، ومظاهر الخلاف العقدي والمذهبي، بين طوائف وجماعات، ودول وتحالفات! وتم إسقاط زماننا على زمانه رحمه الله، وإلباس أحوالنا لأحواله دون مراعاة الفروق بين الثوابت والمتغيرات، سواء منها ما تعلق بالنصوص أو بتحقيق المناطات؛
وفي ذلك ما فيه من الشطط العلمي والانحراف المنهجي.

ولذلك فقد تمت عملية (إخراج) سيئة لشخص ابن تيمية ـ لدى بعضهم ـ على أنه شخص لا ذوق له ولا وجدان؛ وإنما هو السب والشتم واللعان؛ وما أبعد شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ عن ذلك وأبرأه.

ولو تتبع متتبع نصوص فتاواه ومؤلفاته جميعا؛ لجمع من مشاهد الجمالية وأذواقها عنده في الدين والتدين الشيء الكثير،
ولولا أن نخرج عن غرض هذا المقال لعرضنا من نصوصه مواجيد وأذواقاً وأحوالاً رِقَاقاً، ولكن لك أن تقرأ من ذلك هذه الإشارات؛ فقد تحدث ـ رحمه الله ـ عن أحوال المؤمن لدى سماع القرآن الكريم، وذلك في سياق ذكر (السماع) بمعناه الشرعي، وأورد فيه آيات وأحاديث، ثم قال:

(وهذا كان سماع سلف الأمة، وأكابر مشائخها، وأئمتها، كالصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المشائخ كإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي، وأمثال هؤلاء.. وكان عمر بن الخطاب ـ رضـي الله عنه ـ يقول لأبي موسى الأشعري: يا أبا موسى! ذَكِّرنا ربَّنا! فيقرأ، وهم يسمعون ويبكون. ولهذا السماع من المواجيد العظيمة، والأذواق الكريمة، ومزيد المعارف، والأحوال الجسيمة؛
ما لا يتسع له خطاب،
ولا يحويه كتاب.
كما أن في تدبر القرآن وتفهمه؛ من مزيد العلم والإيمان، ما لا يحيط به بيان.

قال الشارح ـ رحمه الله ـ في سياق ذكر كلام العلماء في معنى (لا إله إلا الله): (وقال شيخ الإسلام [ابن تيمية]: الإله هو المعبود المطاع؛ فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يُعبد. وكونه يستحق أن يعبد هو: بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع، قال: فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها، وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده. ولهذا كانت «لا إله إلا الله» أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه؛ فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصححها العبد؛ فالفساد لازم له في علومه وأعماله.

وقال ابن القيم: (الإله) هو الذي تألهه القلوب محبة، وإجلالاً، وإنابة، وإكراماً، وتعظيماً، وذلاً، وخضوعاً، وخوفاً، ورجاء، وتوكلاً.

وقال ابن رجب: (الإله) هو الذي يطاع فلا يعصى؛ هيبة له وإجلالاً، ومحبة، وخوفاً، ورجاء، وتوكلاً عليه.

وقال البقاعي: «لا إله إلا الله»: أي انتفاءً عظيماً أن يكون معبودٌ بحق غير الملك الأعظم؛ فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة.

وقال الطيبي: (الإله) فِعال بمعنى مفعول، كالكتاب بمعنى المكتوب، من ألِه إلهةً، أي: عبَدَ عبادةً.

قال الشارح: وهذا كثير في كلام العلماء وإجماع منهم)(1).

ومما ينبغي التفطن له أن الله ـ سبحانه ـ قال في كتابه: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31]؛ فبيَّن ـ سبحانه ـ أن محبته توجب اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأن اتباع الرسول يوجب محبة الله للعبد، وهذه محبةٌ امتحن الله بها أهل دعوى محبة الله؛ فإن هذا الباب تكثر فيه الدعاوى والاشتباه؛ ولهذا يُرْوَى عن ذي النون المصري أنهم تكلموا في مسألة المحبة عنده؛ فقال: «اسكتوا عن هذه المسألة؛ لئلا تسمعها النفوس فتدعيها».

وكان المشائخ المصنفون في السنَّة يذكرون في عقائدهم مجانبة من يكثر دعوى المحبة، والخوض فيها من غير خشية، لِـمَا في ذلك من الفساد الذي وقع فيه طوائف من المتصوفة.

وما وقع في هؤلاء من فساد الاعتقاد والأعمال أوجب إنكار الطوائف لأصل طريقة المتصوفة بالكلية، حتى صار المنحرفون صنفين:
صنف يقر بحقها وباطلها، وصنف ينكر حقَّها وباطلَها! كما عليه طوائف من أهل الكلام، والفقه.

والصواب: إنما هو الإقرار بما فيها وفي غيرها من موافقة الكتاب والسنة، والإنكار لِـمَا فيها وفي غيرها من مخالفة الكتاب والسنة(2).

فأي جمال هذا وأي إحسان؛ وأي فقه هذا وأي ميزان! ألا رحم الله شيخ الإسلام!

د. فريد الانصارى *

ابو هزبر
11-27-2011, 11:07 AM
بارك الله فيك اخي الكريم:

ان المراجعة نوعا من التقييم والاستغفار والتوبة والعودة الى الله.. واحق للحق وازهاق للباطل...

فبارك الله في من استغفر وتاب..