المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلان [بعد طول تجربةٍ ومِراس] : برهانٌ مختصر يأتي على الإلحاد من أصله.



عبدالله الشهري
09-22-2011, 01:38 AM
لا يمكن لإنسان أياً كان في قضية وجود الخالق أن يحكم على الخالق بحكم إلا وقد سبق ذلك الحكم تصور معيّن عن الخالق الذي يريد الحكم عليه. حتى المُلحد الجلد لا يمكنه إنكار الصانع إلا وحكمه فرع عن تصور معين لخالق يأباه و لا يوافق عليه، إذ يستحيل أن يخوض المُلحد في قضية ممتنعة لذاتها (أي مستحيلة استحالة تامة) أو قضت ضرورة العقل بانتفائها، فهذا عبث وسفه، مثال ذلك أنك لا تجد عاقلاً يخوض بنظره ويجول بفكره للبرهنة على إمكان اجتماع النقيضين – كاجتماع الوجود والعدم - لأن علم ذلك (أي علم استحالة اجتماعهما) ضروري مركوز في النفس ومجرد محاولة البرهنة على إمكان ضد ذلك سفه وجنون يتباعد عنه حتى أخبث الملاحدة. وهكذا الخالق فإنه ليس شيئاً ممتنعاً لذاته ولا يحكم العقل بضرورة انتفاء وجوده، لأنه لو كان كذلك لكان إثبات امتناع وجوده أسهل من إثبات وجوده، بل لن يكون هناك حاجة لتجشم إثبات امتناع وجوده لأن الضرورات لا تفتقر إلى نظر، وعليه فوجود الخالق ممكن في أقل الأحوال مجاراةً للمخالف، والممكن لا يُمكن الحكم عليه بنفي أو إثبات إلا بدليل، فوجب على المُلحد إثبات عدم وجود الخالق بالأدلة كما أنه هو يطلب من المثبتين المؤمنين إبراز الأدلة على وجوده. وإذا بلغنا هذه المرحلة - أي الكلام في الممكنات - لعبت التصورات الشخصية والميول النفسية دوراً "عظيماً" في هذه المسألة، فعاد إلحاد الملاحدة إلى تصور معين لا إلى أن عدم وجود الخالق مسألة ضرورية أو أن النظر في الأدلة لا يقضي إلا بذلك، فهم لا يقولون بذلك ولا يجرؤون، ولكن الدهاة منهم يحاولون بالتمويه أن يصوروا لعامة الناس أن المسألة كذلك، وهذا ليس بشيء. فافهم هذا التأصيل وتأمله جيداً يزول عنك بإذن الله أصل الإشكال أو أكثره

حسام الدين حامد
09-22-2011, 04:32 AM
بارك الله فيكم أستاذنا الفاضل.. هل هذا النظر هو شبيهٌ بما نقله د. مصطفى حلمي عن المقدسي (كتاب البدء والتاريخ، ج1 ص 57 -71 مكتبة المثنى ببغداد ومؤسسة الخانجي بمصر) فقال:

(ويمضي المقدسي فيستدل بأدلة أخرى مستقاة من كتب السابقين ، وهي في شكل سؤال وجواب بين ملكٍ وحكيم :

سأل الملكُ الحكيم : ما أدل الأمور على الله ؟
فقال له : ..........
قال الملك : ثم ماذا ؟
قال : شكُّ الشاكين، فإنما يشك فيما هو، لا فيما لا هو .
قال الملك : ثم ماذا ؟
قال : وله الفطن إليه ( أي التفكير فيه سبحانه ) الذي لا يستطيع الامتناع منه.)
"قواعد المنهج السلفي - د.مصطفى حلمي- صـ 39 – 40 في الهامش اقتصارًا على محل الشاهد".

؟؟

عبدالله الشهري
09-22-2011, 02:47 PM
وفيكم بارك وبعلمكم وعملكم نفع يا شيخ حسام.
جزئية التشكيك لها علاقة، وقد أومأت إلى مرتبتها وما يترتب عليها في موضوع (مراتب الملاحدة وطبقات المؤمنين) ، قسم المواضيع والمناقشات. وهذه الجزئية هي اقرب للمشاركة من قضية الوله لأن الحوار مفترض فيمن كان لا يتجاوز دليل العقل، أما دليل الشعور، فسوف أتناوله إن شاء الله في موضوع مستقل عن الافتقار الذاتي، ولكن بطريقة جديدة، نسخة مطورة إن صح التعبير.
وفي الحقيقة الأقرب للموضوع من كلام صاحب كتاب البدء والتاريخ - واسمه أحمد بن سهل البلخي توفي 322 هــ - هو الجزء الذي تركته عزيزي حسام منقوطاً، حيث قال [ص44] :"الدلائل كثيرة وأولها مسألتك عنه لأن السؤال لا يقع على لا شيء" [كتاب البدء والتاريخ: جــ 1 ، ص 44، ط. العلمية: حاشية خليل منصور]. ووجه المناسبة والقرب هو أن كلامي عن أنه لا يمكن لملحد أو غيره أن يخوض ويناقش في شيء يوقن سلفاً أنه ممتنع لذاته أو قضت الأدلة بضرورة انتفاء وجوده، أي لا بد إذا ناقش أن يناقش في شيء هو يعلم في قرارة نفسه أنه ممكن الوجود، فيستحق أن يصرف فيه وقته ونظره، لا أن يناقش في لا شيء، كما قال البلخي، وهنا ترجح كفة التوقعات والميولات الشخصية بشكل كبير، لأن حيز الإمكان كثيراً ما يكون فضاء لذلك، وهو ميدان امتحان لرغبات النفس، حكمة من الله، الذي أراد أن يجعل لفجور النفس أو تقواها أسباباً حقيقية ذاتية - subjective - تجعل الحساب والعقاب والثواب قضية عادلة مشروعة، وكذلك تجعل مسألة حرية الاختيار البشري مسألة واقعة وأصيلة - genuine - لا وهمية.
بارك الله فيكم ولي عودة إن أذنت لموضوعكم المتميز عن موقف د. عمرو من التطور، فإن فيه مواضع تواردت فيه الأفكار وتطابقت في أحيان، ولكن بتعبيرات مختلفة، تجدها مضمّنة في موضوع (الجواب الذي أسعدها: حوار قصير...).

عبدالله الشهري
09-22-2011, 03:04 PM
لا يمكن لإنسان أياً كان في قضية وجود الخالق أن يحكم على الخالق بحكم إلا وقد سبق ذلك الحكم تصور معيّن عن الخالق الذي يريد الحكم عليه. حتى المُلحد الجلد لا يمكنه إنكار الصانع إلا وحكمه فرع عن تصور معين لخالق يأباه و لا يوافق عليه
مصداق كلامي هذا يا شيخ حسام من الواقع أنك تجد من ينكر التصميم من الملاحدة لأن لديه سقف "معين" من التصميم يشترطه لعلم وحكمة وقدرة الخالق حتى يُقر بوجود هذا الخالق الذي يريده - وهو في الحقيقة لا يريده...حتى لو كان التصميم على شرطه...لأسباب نفسية أخرى - ومن ثم جاؤوا بــ non-optimal organs وما شابهها. فأنت ترى الآن أن تصورهم المسبق عمّا يجوز ومالا يجوز للخالق، وما يليق وما لا يليق به، هو أساس إلحادهم. والسؤال الذي يضعهم في مأزق - بمناسبة التصميم - هو أن تسألهم: أخبروني ما هو التصميم الذي لا يختلف اثنان على ملائمته لكل العوالم الممكنة، لا عالمنا فحسب؟ لن يجيبوك، ولن يقدروا.

المقدسي السلفي
09-22-2011, 04:02 PM
مررت من هنا صامتا فليس مثلي له ان يتكلم شكرا لأستذتنا الكرام ,,,,,

حسام الدين حامد
09-22-2011, 07:34 PM
بارك الله فيكم..

شيخنا الفاضل.. يشرفني مرورك على أي موضوعٍ أكتبه، أستفيد من توجيهك ونصحك.. ولا يخفاك أنّ موضوع نظرية التطور وتأصيل الرد عليها لم يُخدم جيدًا، وما يكن كذلك فبواكير الردود تكون في الكليات لأنّ التطرق إلى التفاصيل قد يستغرق سنين عددًا -وإن كان الاهتمام بالتفاصيل مما أعزم عليه إن شاء الله- والكليات التي تتناقض مع نظرية التطور تتعلق في الغالب بمباحث الحكمة والإرادة، وهذا هو الذي خُدم جيدًا على أيدي أئمة الإسلام، ودوري في الغالب هو استنباط مواطن الربط بين الموضوعين وإعادة الطرح في نسخة مطورة على حد قولك، وعليه فلا أخفيك سعادتي بمشاركتك في الموضوع بتعليقات ستفتح أبوابًا جديدة كان مغلقة دوني، وستدفعني للأمام في الطرق التي ولجت إليها، ومثل هذا لا يُستأذن فيه يا شيخنا :).

وعودًا إلى الموضوع...

كنت نقلتُ هذا الموضع لأخي ناصر الشريعة فكان له تعليقٌ على الموضع المنقوط الذي تفضلتَ بنقله قال فيه: (قوله (لأن السؤال لا يقع على لا شيء) ينتقض بأن السؤال يقع عن المعدوم كما يقع على الموجود، ومنه قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ولو جعل الحجة في الباعث الاضطراري على السؤال عن الله تعالى لكان صوابا)، وقال (قوله (شكُّ الشاكين، فإنما يشك فيما هو، لا فيما لا هو) ينتقض بالشك فيما لا دليل عليه، كالشك في حدوث أمر لعدم العلم بحدوثه، وقوله (فيما هو) لا حاصل تحته، فإن الشك كما يكون في ما هو بالخارج يكون كذلك في ما هو في الذهن، ويكون في العمليات والعلميات، فلا يلزم من مجرد الشك ثبوت المشكوك به، وإنما يلزم منه حدوث الشك فحسب، ولو جعل الشك في مقابلة الحقائق الثابتة بالبرهان لكان له وجه، فإن الشك لا يعرض في الغالب إلا للحقائق، فيكون معارضة الحقائق بمجرد الشك دليلا على عدم الناقض لها المبطل لثبوتها وكونها حقائق مبرهن عليها.).

هذا من جهة .. ومن جهةٍ أخرى فهل هذا المطروح يُشبه قول الشعراوي رحمه الله (كلمة "الله" سبحانه وتعالى من أين جاءت؟ إن الثابت لغويا أن المعنى لابد ان يوجد أولًا ثم يوجد اللفظ أو الاسم، فإذا لم يوجد المعنى لم يوجد اللفظ في اللغة... فإن العقل البشري يعجز عن فهم أي لفظ إذا لم يوجد في عقولنا المعنى أولًا، حتى إذا حدثت أي إنسان بلفظ لا يفهمه فلابد أن يعرف المعنى أولا ثم بعد ذلك يفهم اللفظ، ولكن الله سبحانه وتعالى غيب عنا لم يره أحد، فإن لفظ الجلالة موجود في كل لغات العالم، والعقول كلها تفهمه، فكيف يمكن أن يحدث هذا إلا إذا كان في داخلنا الإيمان الفطري الذي يعرفنا معنى لفظ الجلالة) "الأدلة المادية على وجود الله: 121 مختصرا"، ووجه الشبه في القول بأنه لا يقع لفظ من غير معنى، كما أنه لا يقع سؤال على لا شيء... ؟؟

أمّا الإطار الغيبي النفسي الذي يحتوش العلماء التجريبيين -والذي مثلت له بالتصميم- فهو مشاهد في كثير من مباحث العلم بل عليه قام العلم أصلًا.. لعل موطن نقاش ذلك يكون في موضوع د.عمرو ونظرية التطورن حتى يتحقق إثراء هذا الموضوع بالنقاش حول ما ذكرته من البرهان وما يشبهه من البراهين..

بارك الله فيكم أستاذنا الفاضل وزادكم من فضله، وجزى الله أخانا المقدسي السلفي خيرًا على طيب مروره وبالغ تواضعه..

نور الدين الدمشقي
09-22-2011, 11:32 PM
بارك الله فيكم...وأستأذنكم في هذه المشاركة والنقد.
أما الدليل الذي طرحت اخي الفاضل عبد الله...فهو جد مختصر ويأتي على الالحاد من جذره بالفعل. وأنوه بأن كثيرا من الملحدين أدركوا هذا المأزق فصاروا يقولون: بأن وجوده غير ممتنع ولكنه بنسبة احتمال صغيرة...وبذلك يصبحون في الحقيقة لاأدريين لكنهم يلتحفون في ثياب الالحاد ليخفوا عجزهم.


في الحقيقة الأقرب للموضوع من كلام صاحب كتاب البدء والتاريخ - واسمه أحمد بن سهل البلخي توفي 322 هــ - هو الجزء الذي تركته عزيزي حسام منقوطاً، حيث قال [ص44] :"الدلائل كثيرة وأولها مسألتك عنه لأن السؤال لا يقع على لا شيء" [كتاب البدء والتاريخ: جــ 1 ، ص 44، ط. العلمية: حاشية خليل منصور]. ووجه المناسبة والقرب هو أن كلامي عن أنه لا يمكن لملحد أو غيره أن يخوض ويناقش في شيء يوقن سلفاً أنه ممتنع لذاته أو قضت الأدلة بضرورة انتفاء وجوده، أي لا بد إذا ناقش أن يناقش في شيء هو يعلم في قرارة نفسه أنه ممكن الوجود
أرى بأن الدليل على وجود الله يجب ان ينقلنا من الامتناع الى الوجوب وليس الى الامكان...فهذا غير كاف حيث أن الممكنات قد تكون موجودة او معدومة في الحقيقة. لذلك أوافق على ان الدليل يأتي على الاحاد من جذره...(عدم الامتناع) لكنني اخالف في أن هذا الدليل دليل على وجود الله (دليل الوجوب).
ولذلك أوافق اخي الفاضل ناصر الشريعة على انتقاده...ولا أرى بأن الحجة السليمة هي ضرورة وجود معنى للفظ...او كما نقل عن الشيخ الشعراوي رحمه الله...لأن المعنى واللفظ قد يتعلم منذ الصغر وهو ليس بالضرورة معروفا "بالفطرة". ولكن أقول كما قال اخونا ناصر الشرعية:

ولو جعل الحجة في الباعث الاضطراري على السؤال عن الله تعالى لكان صوابا
والله أعلم

عبدالله الشهري
09-23-2011, 03:13 PM
كنت نقلتُ هذا الموضع لأخي ناصر الشريعة فكان له تعليقٌ على الموضع المنقوط الذي تفضلتَ بنقله قال فيه: (قوله (لأن السؤال لا يقع على لا شيء) ينتقض بأن السؤال يقع عن المعدوم كما يقع على الموجود، ومنه قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ولو جعل الحجة في الباعث الاضطراري على السؤال عن الله تعالى لكان صوابا)، وقال (قوله (شكُّ الشاكين، فإنما يشك فيما هو، لا فيما لا هو) ينتقض بالشك فيما لا دليل عليه، كالشك في حدوث أمر لعدم العلم بحدوثه، وقوله (فيما هو) لا حاصل تحته، فإن الشك كما يكون في ما هو بالخارج يكون كذلك في ما هو في الذهن، ويكون في العمليات والعلميات، فلا يلزم من مجرد الشك ثبوت المشكوك به، وإنما يلزم منه حدوث الشك فحسب، ولو جعل الشك في مقابلة الحقائق الثابتة بالبرهان لكان له وجه، فإن الشك لا يعرض في الغالب إلا للحقائق، فيكون معارضة الحقائق بمجرد الشك دليلا على عدم الناقض لها المبطل لثبوتها وكونها حقائق مبرهن عليها.).


أحسن الله إليك وجهودكم النقدية القيّمة فيما تكتبون واضحة جلية كثّر الله من أمثالكم.
أبدأ بموضوع الشعراوي رحمه الله فأقول: كلام الشيخ له مأخذ نفسي مهم، ولولا أن هؤلاء القوم البهت يحصرون طرق العلم لكان ما قاله الشيخ من جملة الحجج التي لا يسعهم إنكارها. وهذا له تعلق لطيف بمبحث عند النحاة هو: " هل الإسم هو المسمى؟" [انظر: نتائج الفكر في النحو ، للسهيلي] ، وهذا لما بينهما من التقارب والتلازم، وقد رجح السهيلي وغيره أنهما مفترقان.
أما تعقيب الأخ ناصر الشريعة فمسلّم لو أن المعدوم مغاير من كل وجه لــ "اللاشيء"، وإن كانا سواء من حيث التحقق الخارجي، فإن المعدوم الذي تحققت عدميته لا شيء كما حققه ابن تيمية وغيره خلافاً لما قرره بعض المتكلمين، أما من حيث التحقق الذهني فهما موجودان ذهنياً، أي هما شيئان ذهنيان أو كينونيتان ذهنيتان، وهنا بيت القصيد كما يقال، إذ أنّا نجادل هؤلاء في البُعد النفسي، فكأنا نقول: إذا كان لا يمتنع عليكم تصور المعدوم والحديث عنه - كما في حديثهم عن إمكان extraterrstial life - فلِم "الخالق" مستثنى من هذا عندكم، وعلى أي أساس ؟! وفرق آخر جوهري بين المعدوم واللاشيء، وهو أن المعدوم قد يكون ممكن أو غير ممكن، أما اللاشيء فلا يكون إلا غير ممكن لأن المعنى فيه متعلق بــ "لا شيئيته" أي أنه يتعذر تماماً أن يكون له هيئة وجودية، أما المعدوم فمنه ما هو متعذر الوجود مطلقاً ومنه ما هو متعذر في وقت دون وقت، وعليه إيراد الانتقاض فيه نظر، لأنه فعلاً لا يمكن السؤال عن اللاشيء (المعدوم غير الممكن) أما ما هو معدوم ممكن فيمكن ذلك، والملحد يقر أن الله من النوع الثاني ولا يجرؤ أن يجعله من الأول، فيكون السؤال عن "لا شيء ممكن" لا "لا شيء غير ممكن"، والله أعلم. أما قول أخينا ناصر "ولو جعل الحجة في الباعث الاضطراري على السؤال عن الله تعالى"، فإن هذا استدلال بمحل النزاع مع المخالف، لأنه يُنكر أن يكون الباعث اضطرارياً، وإن كان لا ينكر وجوده أو إمكانه. وقوله "فلا يلزم من مجرد الشك ثبوت المشكوك به" صحيح لا غبار عليه، ولكن في سياق حديثنا في هذا الموضوع يلزم من الشك إمكان وجود المشكوك فيه، مجاراةً للمخالفين الملحدين في أصول استدلالهم، لأن الشك لا يكون فيما هو ممتنع لذاته، فكما أن بعضهم يشك في وجود extraterrstial life فقد أجازوا في ذات الوقت وجود ذلك إلى درجة أنه قد ترتب على هذا الإمكان التحفز والتأهب للبحث والاستكشاف، فلِم يا ملاحدة "وعلى أي أساس يستثنى الخالق من هذا الطريق النظري مع ظهور الأدلة والقرائن على وجوده، ولا يضر أن الأدلة على وجوده ليست قطعية عندكم تماماً مثلما أنها لم تضركم في افتراضكم لوجود extraterrstial life .

عبدالله الشهري
09-23-2011, 03:26 PM
بارك الله فيكم...وأستأذنكم في هذه المشاركة والنقد.
أرى بأن الدليل على وجود الله يجب ان ينقلنا من الامتناع الى الوجوب وليس الى الامكان...فهذا غير كاف حيث أن الممكنات قد تكون موجودة او معدومة في الحقيقة. لذلك أوافق على ان الدليل يأتي على الاحاد من جذره...(عدم الامتناع) لكنني اخالف في أن هذا الدليل دليل على وجود الله (دليل الوجوب).
والله أعلم
بارك الله فيك، صحيح، ولكن هذا الذي ذكرت هو معترك العمليات النفسية العميقة في الذات البشرية لحكمة أرادها الله، وقد قال الله تعالى (اللذين يؤمنون بالغيب) ،فوجود الله أمر غيبي من جهة الدليل الحسي المباشر على وجوده - كما في قول المعاندين (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا) - لكنه أمر حضوري من جهة الدليل الآفاقي والدليل النفسي (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم)، وهذا الميدان تكفي فيه هداية الدلالة مني ومنك ومن الإخوة ولا نستطيع أن نضمن استجابته لأدلة اعتقاد وجوب وجود الخالق كما نستجيب لها نحن لأن هناك عوامل نفسية واختيارات شخصية عميقة تعيق الوصول إلى هذه الدرجة (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى)، اللهم ارحمنا وثبتنا حتى نلقاك.

نور الدين الدمشقي
09-23-2011, 05:07 PM
هذا الميدان تكفي فيه هداية الدلالة مني ومنك ومن الإخوة ولا نستطيع أن نضمن استجابته لأدلة اعتقاد وجوب وجود الخالق كما نستجيب لها نحن لأن هناك عوامل نفسية واختيارات شخصية عميقة تعيق الوصول إلى هذه الدرجة
نعم بارك الله فيك ونفع بك...كلام قيم وهام في الحقيقة. الا أنني أرى والعلم عند الله بأن هذا الدليل النفسي هو بحد ذاته دليل عقلي يلزم به المخالف كذلك. لذلك اخالفكم اخي الفاضل والحبيب في قولكم:

إن هذا استدلال بمحل النزاع مع المخالف.
لماذا؟ لأن محل النزاع مع المخالف هو تحديدا وجود الله. أما هذا الاستدلال فهو قائم على وجود رغبة في النفس تبحث عن حقائق الوجود وتسأل عن الله...وهذه الرغبة موجودة لا يخالف فيها مؤمن ولا ملحد..وانما الاختلاف بينهما في تفسيرها وعزوها اما الى الله سبحانه أو مادية مختزلة أو صدفة موهومة. والله أعلم.

عبدالله الشهري
09-24-2011, 12:58 AM
بارك الله فيك أخي نور الدين. تحفظكم على العين والرأس، ولكن الإشكال - وهو ظاهر - أنك تحاور الملحد بحسب ما يدعيه وبناء على ما يكتبه ونسمعه ويزعمه بلسانه أو قلمه، أما بالنسبة لي ولك ولكل مؤمن فإن الملحد لا يعنيه إصرارنا أن هذا دليل اضطراري رغماً عنه، مع أنه بالنسبة لي ولك كذلك، وهو أيضاً له كذلك في الباطن، ولكنا نحاوره بمقارعة الحجة بالحجة، ومنهجنا في ذلك قرآني أصيل (إنا أو إياكم لعلى هدى أو ضلال مبين) ، فحتى القرآن يضعنا في هذا الاحتمال ؟! ما أروع كتاب الله، ولا يفهم سر هذا الافتراض إلا من تفكر فيه، فهو موضوع لغرض جدلي، ودعوة للحوار بالبراهين، ولكن المخالف يحصر طرق العلم ليتم له ما يريد، فالأولى أن نخاصمه ونحجه في هذا الأصل أولاً، ثم إذا تقرر أن الانجذاب الفطري المطّرد طريق من طرق العلم بالخالق، أزلزمناه به، مع أنه ملزوم به رغماً عنه في الباطن، ولكن أمام الناس المتابعين بكافة شرائحهم، لا نملك إلا البرهنة والاحتجاج بإقامة الأدلة ولو اقتضى ذلك البرهنة على عدم انحصار طرق العلم بالخالق. ولنأخذ مثالاً قصة إبراهيم مع ذلك المعاند، إذ لما ادّعى أنه قادر على الإحياء والإماتة - وهو كاذب وهذه فذلكه كما أن الملحد كاذب كذلك في إنكاره للشعور الاضطراري - انتقل به الخليل عليه الصلاة والسلام إلى دليل لا قِبَل له به ولا يحتمل الإنكار لأنه ظاهر مشاهد وليس باطنياً يمكن جحده أو لغوياً يمكن تحريفه، فكذلك أقصد في حوارنا مع هؤلاء - مع اتفاقي معك مائة بالمائة أن الشعور الاضطراري بالاتجاه نحو الخالق مركوز في نفس الملحد وإن أخطأ الطريق إلى حقيقته [1] - وكما وعدت سابقاً سيكون لدليل الشعور الاضطراري موضوع مستقل بدأت أكتب تأملاتي فيه تحت عنوان: دليل الافتقار الذاتي بثوبه الجديد أو نحو هذا المعنى. وليُعلم أن الأدلة على وجود الخالق تهجم على الإنسان دفعة واحدة عند أول وعيه بوجوده في هذا العالم، فهي تهجم من كل حدب وصوب محتشدة، آفاقياً ونفسياً على كافة درجات الوعي، ولا تأتيه مرتبة واحدة تلو الأخرى كما نفعل نحن هنا حيث نناقش الأدلة كل على حدة يوماً بعد يوم أو شهراً بعد شهر...وإحاطة هذه الأدلة بالإنسان في شمولها قد استوعبها القرآن بأخصر وأبلغ عبارة : (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض) هكذا قال المولى عز وجل وكفى.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
[1]بالمناسبة هذا الشعور بالانجذاب نحو شيء مطلق لا وجود للوجود إلا به قد أشار إليه ابن تيمية في عبارة لطيفة، فقال: "إذا علمنا بالدليل أن الفاعل القديم لا يكون إلا واحداً، والفاعل الواجب بنفسه لا يكون إلا واحدا، لم يكن في ذلك ما يدل على عينه بل إنما يدل على واحد مطلق عندنا (كما هو إله الفلاسفة وكما هو إله دوكنز الذي قال أنه قد يميل إلى الإيمان به)، وإن كان معيناً في نفس الأمر (أي الله بأسماء وصفات)".
انتهى من [شرح الأصبهانيــة ، ص 394 ، تحقيق/ د. السعوي].

نور الدين الدمشقي
09-24-2011, 01:34 AM
بارك الله فيكم...أوجزت..وظهر لي بأننا لسنا مختلفين أصلا.

عبدالله الشهري
09-24-2011, 02:27 AM
(إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)
تصحيح. وجزاك الله خيرا أخي نور الدين نور الله قلبي وقلبك.

حسام الدين حامد
09-24-2011, 08:49 PM
بارك الله فيكم شيخنا الحبيب..

فما توجيه قوله تعالى "أم لهم إلهٌ غير الله" عندك؟ أليس سؤالًا عن معدومٍ غير ممكن أم له محمل آخر؟

وعلى ذكر سام هاريس، فقد كنت أراجع أوراقه عندي بسبب الموضوع الذي فتحه أحد الإخوة عنه، ومررت على موضعٍ له صلةٍ بما نحن فيه، في محاضرته عن "مشكلة مصطلح الإلحاد "إنكار وجود الإله" The problem with atheism"، يقول في موضعٍ منها:

I think that "atheist" is a term that we do not need, in the same way that we don't need a word for someone who rejects astrology. We simply do not call people "non-astrologers."

("أظن أن "منكر وجود الإله"(الملحد) هو مصطلح لسنا في حاجةٍ إليه، كما أننا لا نحتاج لفظًا يصف من لا يصدق بالتنجيم، فنحن ببساطة لا نسمي الناس "منكري التنجيم")

وهو يرى أنّ هذا هو الشق الفلسفي في رفضه التسمية بالملحد atheist وبقية النقاط التي ذكرها هي الشق الاستراتيجي، وقد قام بالرد عليه في ذلك عدد من الملاحدة..

فالإيمان بالخالق كمدلول واسع لكلمة theism هو الأصل ولذلك كان الإلحاد وهو "عدم" الإيمان بالخالق atheism شذوذًا يستدعي اصطلاحًا عليه رغم أنّه أمر عدمي في الذهن، وكذلك "الدين" والـ(لا)دينيون، وفي لغتنا فالإلحاد هو الميل، فالملحد هو المائل عن الصراط المستقيم، فالأصل هو هذا الصراط المستقيم، والاستعمال الشرعي للفظ الإلحاد أعم من استعماله في حق منكر وجود الخالق فحسب، المقصود أنه في اللغتين هناك ما يشعرك أن الأصل هو الدين والإيمان، وأن الإلحاد طارئ(*).

هذا المذكور عن سام هاريس هو استطراد له تعلق بكلام الشعراوي رحمه الله، أرجو ألا يكون فيه تشتيت للموضوع، وإنما هو طمع في إثراء الموضوع بخبرتك وعلمك.

(*) محاولة الترجمة وتسهيل الكلام ليس المقصود بها إلا تعميم الفائدة لأكبر قدر ممكن من القراء ليس إلا.
وجزاكم الله خيرًا ونفعنا بعلمكم

عبدالله الشهري
09-25-2011, 01:24 AM
عزيزي وحبيبي حسام زاده الله علماً وبصيرة ونفعنا الله بفوائده. يشرفني الحوار معك كلما سنحت الفرصة، ولكن تعليقك اشتمل على مبحث مهم يحتاج تحرير الجواب فيه إلى وقت وسوف أتأخر لبعض المشاغل اليوم ويوم غد.
دمت والإخوة في حفظ الله ورعايته.

عبدالله الشهري
10-03-2011, 10:42 PM
الأستاذ المكرّم حسام الدين حسم الله به شرور أعداءه:
توجيه ماذكرت - والله أعلم - مقتض للنظر في أصل قبله، وهو أصل لغوي عقدي، وهو أن السؤال يختلف معناه باختلاف المتكلم، والمتكلم هنا هو الباري جل وعلا، فالسؤال صورته صورة استفهام واستخبار، وإلا فهو في حقيقته تبكيت وإنكار، وليس سؤال عن معدوم حقيقة، لأن الاستفهام الحقيقي منتف عن الله، فكأنه يقول: ليس لهم إله غير الله ضمناً على سبيل الإنكار. ومحل الخلاف كما لا يخفاكم فيما إذا كان المتكلم غير الباري الذي يعلم ما كان وما سيكون، أي نحن البشر. [للفائدة انظر: (مع الحاشية) "نكت القرآن" للإمام الكرجي (جــ 2، ص 286، ط. دار ابن القيم وابن عفان) ].

أما بخصوص اللفظ atheism فلا يخفاك أنه مشتمل على أداة تفيد السلب وهي "a"، فالأدق أن يقال "عدم الإيمان بالإله"، وليس أي إله وإنما إله الأديان العليا higher religions – كما يقولون – لأن theism عندهم في الغالب تعبير عن مفهوم الإله في الكتب السماوية الثلاثة، أي الإله بأسماء وصفات، الإله المتعال البائن عن خلقه transcendent ، الذي جحده دارون وسبينوزا وأينشتاين ودوكنز، لذا تجد بعضهم كالثلاثة الآخرين ودارون في بعض المواضع لا يُمانع أن يؤمن بإله اتحادي/حلولي (pantheistic) مع/في الوجود، أو إله مطلق غير معيّن – ولابن تيمية في شرح العقيدة الأصبهانية عبارة مختصرة في تشخيص هذا التصور- لا علاقة له إطلاقاً بالبشر والأخلاق والعقاب والثواب أو أي شيء يؤثر في مصير الإنسان، فهذا من جهة لغوية صرفة، أن "a" وظيفتها السلب والإعدام، أما قولنا "إنكار الخالق أو وجود الخالق" فهو معنى زائد على مجرد السلب لأنه مشتمل على الإنكار، فتكون الترجمة الأدق هي disbeliever ليتضمن معنى الإنكار، لأن اللاحقة dis- أنسب للإنكار وأدل عليه من "a"، ولعل من اللطائف التي يمكن توظيفها اصطلاح "التعطيل" الذي استعمله علماؤنا في باب الأسماء والصفات، لأن التعطيل سلب الله الأسماء والصفات كما جاءت عند السلف، وهكذا اللاحقة القبلية "a" في "atheism" فهي تعطل وجود الخالق، أي أن الملحد يُعطل الوجود من وجود الخالق،. كما قلت: كل ما سبق من جهة الصناعة اللغوية فقط أما من جهة نفسية واقعية، فإني مؤمن أن القوم في حقيقتهم يجحدون أو يتجاهلون شعورهم بضرورة وجوده (أفي الله شك فاطر السموات والأرض).

هاشمي
10-04-2011, 05:55 PM
استاذنا عبد الله لدي تسائل اذا تكرمت
اليوم قرأت خبر حصول علماء في الفيزياء جائزة نوبل لاكتشافهم تسارع اتساع الكون اي ان الكون يتسع الى مالا نهاية ما تعليقك على هذا الخبر ؟ هل يقوي وجهة نظر الملاحدة في قولهم بأزليه الكون ؟

http://www.scientificamerican.com/article.cfm?id=the-2011-nobel-prize-in-prize-physics
وجزاك الله خير

عبدالله الشهري
10-04-2011, 09:30 PM
حياك الله أخي هاشمي
من أين يكون لهم ذلك وهم يعلمون أن الكون حادث، وله بداية. بل إن التسارع دليل عليهم لا لهم لو تأملت لأنه يدل حدوث الكون.