المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقامة نكبة البراذين



هشام بن الزبير
09-25-2011, 02:19 PM
cl1UjrhwFbc


نكبة البراذين


حدثنا ناصر الكسعوم قال:

قدم علينا من قِبل المشرق حمار حكيم, عركه الدهر وأدركه المشيب, وابيض فروه القشيب, وبدا في إهابه النحيل وذيله السحيل كأبهى ما أنت راء من المراكب, وإن رق منه العظم وكلّت المناكب, ولما لمحته على قارعة الطريق, سمعت منه صوتا لا كالنهيق, وخيل إلي أنه يقول:
"دلو من ماء بحق رافع السماء."
فظننت بعقلي الظنون, وأن بي مسا من جنون, فأسلمت ساقي للريح, وجرى لساني بالإستعاذة والتسبيح, فلم أشعر إلا وهو على أثري يهملج, فدخلت الغابة وسألت ربي خير المولج, ثم مررنا بعين ماء فقصدها يكرع, ثم قال بلسان فصيح "لم تُرع."
قلت: "عجبا حمار يفصح ويبين, وينطق بلسان عربي مبين!"
فقال: "إني محدثك بما هو أغرب وأعجب, ففي بني جنسي من هو أفصح وأنجب."
قلت: "فما أمرك وما خبرك؟ ولأي شيء شاب وبرك؟"
فأجابني: "أما وقد ارتويت, فأصخ السمع حتى تعي ما رويت, إني رأيت أهوالا تشيب لها الجحوش, وتركت أرضا تملَّكها الوحوش, فلم يسلم منهم صامت ولا ناطق, ولا إنسي ولا حيوان أعجم, ولا شجر ولا حجر, ولا بشر ولا ذو وبر, ولا حمار ولا أتان, كانوا غلاظا يسوقهم ذو العنق المديد, شادوا ملكهم على النار والحديد, فضجت من ظلمهم الأنام, وبقيت في سربي شهورا لا أنام, حتى أفتانا نقيب الحمير الملهم, وهو المسمى فينا العمكوس بن أيهم, سليل المجد والكرم, من ملك أسلافه حمير القرم, أفتانا ألا مناص من الرحيل..."
فقاطعه جلعد فحيل: "بل أموت دون الحجش والأتان, وأفدي بدمي الخلان والأختان..."
فانتهره سيد الكنادر, وأحزم من مشى على حافر: "سترى مغبة الطيش, حين يحل بساحتنا الجيش, وأي شيء يجدي الكلام, يا غر يا ابن دلام؟ سنرى كيف تعدو أيها الصُّلاصل, حين تُرمى وتهشَّم منك المفاصل."
فقال الجحش الثائر, وقد أرخى على ناصيته ظفائر: "لأصبرن عند اللقاء صبر كل حمار جلعد, حتى أوسد الثرى أو يهلك الأبعد, فإن القوم نُهوا عن اتخاذنا غرضا, فلا تُخذّلنا ولا تزدنا مرضا, فلأثخنن فيهم ركلا ورفسا, حتى أشفي غيظ قلبي وأطيب نفسا, وحتى تسمع الدنيا صدى اسمي الرنان, وأني شرفت بمدح الأعشى لجدي الفنان إذ قال:

وإِنْ يَكُ تَقْرِيبٌ من الشَّدِّ غالَها*** بمَيْعَةِ فَنَّانِ الأَجارِيِّ مُجْذِم

أونسيتم من ملك هذي الأرض يوما, وفاق الفرسان حزما وإقداما وعزما, فتلقب لذلك بالحمار المملوك, فنعم الرهط من يتلقب بأسمائهم الملوك."
ثم ختم خطبته العصماء بهذا البيت مفاخرا:

زيادٌ لستُ أدري منْ أبوهُ***ولكنّ الحمارَ أبُو زِيادِ

فلما أن يئسنا منه توجهنا صوب الحدود, ونحن ننهق جزعا على فراق أرض الجدود, فلم نشعر إلا وقد أحاط بنا العساكر من كل جنب, فأهانوا سربي بغير ذنب, وسخر من شيبتي الأنجاس, ثم أزالوا عن ظهورنا الأحلاس, ثم جمعونا وأشهروا في ظهورنا السلاح, فسالت منا المدامع الملاح, فاستجمعت حبي للحياة, وأزمعت سعيي في النجاة, فركضت ركض الخيل العتاق, وقد اصطفت خفافا للسباق, فأمطرنا الرعاع بالرصاص, ومنّ علي ربي بالخلاص, فمُزق رهطي واستؤصل حافرهم, وفنيت عشيرتي وقطع دابرهم, فتلك نكبة البراذين التي لم يسمع بمثلها الأولون, وهذا خبر حكام أرضي وهم الأرذلون.

فقلت: "أبشر بالسلامة أيها الحمار الحكيم, ولأنت عندي أعقل وأبهى من بثينة وحزبها الرجيم, أما خبرك فقد طار به أهل الأنباء ونشروه, واستبشعوا فعل الأنذال ومن شايعهم واستصغروه, وكنت أتساءل عن حال ذلك الحمار النافر, وقد جد في الفرار بكل ما أوتي من حافر, أما وقد قدمت علي, وأفضيت بسرك إلي, فلأنصرنك ما استطعت, ولئن قدرت لأجعلن ظهر خصمك لك مركبا, حتى يعلم أنه شر مكانا وأخس مذهبا, ولأبوك عندي أشرف من أبيه, ولقطيعك أنبل من ملئه ومقربيه, فأين من نشأ على ضرع كل أتان لبون, ممن نشأ في حجر شمطاء كفور حيزبون؟"

horisonsen
09-28-2011, 10:21 AM
شاهد نكبة الحمير هنا (http://www.youtube.com/watch?v=u-YPBtlg2LE)