المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلان أركان التصميم، وجود الخالق، ومآلات حالات الإدراك.



عبدالله الشهري
09-29-2011, 11:30 PM
أعجبني الموضوع الذي افترعه الأستاذ "الذكي" عبدالواحد بخصوص "التصميم الذكي". فأردت أن اذكر هنا أركان التصميم الذكي أو باصطلاح بعض السلف "الصنعة" أو اثر "الصانع" فأقول التصميم له ثلاثة أركان:
الأول: التنظيم أو النظام organization أو order، ومن اللطيف أن الملحد الشهير عالم الفلك كارل سيجن قد اعترف بأن "مظاهر النظام في الكون كثيرة"، وهذا اعتراف جزئي بالتصميم.
الثاني: التعقيد complexity أي درجة تعقيد التنظيم أو النظام، فكلما زاد التعقيد كلما تمكّن معنى التصميم في الأثر المُشَاهَد.
الثالث: الغاية والوظيفة purpose and function، وهذه هي المسألة الكبيرة التي يدور حولها أكثر الخلاف.
ويجدر بي أن أنبه القاريء على أن هذه الأركان الثلاثة تنتمي للعالم "الأنتولوجي" Ontological أي هي عبارة عن كلامنا في تجليات الوجود من حيث هو وجود في الخارج. لذا يبقى الشق الآخر الذي لا يقل أهمية، وقليلٌ جداً من يوليه الأهمية التي يستحقها، ألا وهو الشق "الإبستمولوجي" Epistemological أي حقيقة أو طبيعة المعرفة، إذ أن العالم الأنتولوجي لا قيمة له ولا معنى له بالنسبة لنا إلا إذا تحول إلى معرفة، والمعرفة تفتقر إلى كائن عارف مدرك، وهذا هو الميدان الفسيح الذي تتفاوت فيه الخبرات والتجارب من فرد إلى فرد، بحيث يؤدي البناء الكلي لهذه التجارب والخبرات إلى توليد "خلطة إدراكية" معينة تحدد أو تؤثر في موقف صاحبها من قضية وجود الخالق أو آثار التصميم، أو بعبارة أخرى هو الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى نشوء ثلاثة أنواع من الحالات الإدراكية تؤول بصاحبها إلى موقف يتناسب مع طبيعتها، ولا رابع لهذه الحالات إلا من حيث تفاوت كل منها في التمكُّن أو القوة:
الأولى: حالة إدراكية تنجذب لدواعي الإلحاد، مثال: تقديم الغامض على الواضح، الانتباه للمظاهر التي تنم عن عشوائية والاهتمام بها في مقابل التقليل من قيمة المظاهر التي تنم عن إبداع أو عظمة أو إرادة...الخ.
الثانية: حالة إدراكية تنجذب لدواعي الشك، وهذه حالة بين الأولى والتالية، ويُطلق البعض على أصحابها اللاأدريين.
الثالثة: حالة إدراكية تنجذب لدواعي الإيمان، وهي عكس الأولى ومباينة للثانية، ويمكنكم عكس مفاهيم الأمثلة للحالة الأولى للوقوف على بعض سمات أصحابها.
ختاماً: إن كان لي من عبارة ألخص فيها الفرق بين الحالتين الأولى والثالثة، فهي عبارة توظف المفهوم الذي أحب أن أسميه "المتشابه الكوني" على غرار ما جاء في كتاب الله، إذ كما أن في القرآن "متشابه تنزيلي" فإن في الوجود المادي "متشابه كوني" فالأول في الآيات المتلوة والثاني في الآيات المشاهدة، وفي كلا الحالتين الفرق بين الملحد والمؤمن أن الثاني يرُد المتشابه إلى المُحكم في المتلوة والمشاهدة والثاني يعكس فيرُد المُحكم إلى المتشابه في كلا النوعين من الآيات إن كان له اتصال بكليهما أو في النوع المشاهد فقط إن كان اتصال خبرته بالعالم المادي الفيزيائي فقط. فهنا يأتي دور البُعد النفسي في أعمق مستوياته، ولذلك نجد القرآن لا ينفي وجود "متشابهات" فعلاً، في الآيات المتلوة أو المشاهدة، ولكنه في المقابل يخبرنا أن هذه المتشابهات لا أثر لها إلا بحسب الحالة الإدراكية التي تلاحظها، فالذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، والمؤمنون ينجذبون للمُحكم ويقولون كل من عند ربنا يخلق ما يشاء ويختار.

أبو عثمان
09-30-2011, 02:06 AM
الله اكبر ..
الأسطر الاخيرة في غاية الجمال والاتزان والدقة
جمال الصياغة , اتزان في التشبيه , ودقة في التحليل والوصف
تفكرتُ فيها لوهلة فوجدتها حق , اي وربي حق
بارك الله فيك وسدّدَ قلمك .. مُحِبّك . السلام عليكم

أبو يحيى الموحد
09-30-2011, 02:21 AM
لأستاذ "الذكي" عبدالواحد بخصوص "التصميم الذكي"و انت منارة اخرى في الذكاء استاذنا الفاضل:):
حفظكم الله جميعا .

عبدالله الشهري
10-03-2011, 11:51 PM
شكرالله لكما مروركما وحسن قولكما وبارك فيكما وفي علمكما.

اخت مسلمة
10-04-2011, 06:10 AM
ختاماً: إن كان لي من عبارة ألخص فيها الفرق بين الحالتين الأولى والثالثة، فهي عبارة توظف المفهوم الذي أحب أن أسميه "المتشابه الكوني" على غرار ما جاء في كتاب الله، إذ كما أن في القرآن "متشابه تنزيلي" فإن في الوجود المادي "متشابه كوني" فالأول في الآيات المتلوة والثاني في الآيات المشاهدة، وفي كلا الحالتين الفرق بين الملحد والمؤمن أن الثاني يرُد المتشابه إلى المُحكم في المتلوة والمشاهدة والثاني يعكس فيرُد المُحكم إلى المتشابه في كلا النوعين من الآيات إن كان له اتصال بكليهما أو في النوع المشاهد فقط إن كان اتصال خبرته بالعالم المادي الفيزيائي فقط. فهنا يأتي دور البُعد النفسي في أعمق مستوياته، ولذلك نجد القرآن لا ينفي وجود "متشابهات" فعلاً، في الآيات المتلوة أو المشاهدة، ولكنه في المقابل يخبرنا أن هذه المتشابهات لا أثر لها إلا بحسب الحالة الإدراكية التي تلاحظها، فالذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، والمؤمنون ينجذبون للمُحكم ويقولون كل من عند ربنا يخلق ما يشاء ويختار.

ختامُه مسك ...ماشاء الله
خاتمة تُخاطب العقل وتقرعه دون استئذان , لِمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد , إنما يتذكّر أولو الألباب ..!!
جزاكَ الله خيراً

عبدالله الشهري
10-05-2011, 10:47 PM
بارك الله فيك أختي المسلمة جعلنا الله وإياك ممن أسلم وجهه إلى الله وهو محسن.

أبو يحيى الموحد
10-06-2011, 12:19 AM
شيخنا الفاضل عبدالله الشهري : هل تكرمت لتشرح لنا قليلا عن توقيعك الجديد....بارك الله فيك

عبدالله الشهري
10-06-2011, 12:55 AM
بارك الله فيكم اخي عبد الله...ولفتة لطيفة في الحقيقة. اسمح لي بالتعقيب على قولكم في اركان التصميم..فقد كنت خالفتك من قبل في أن التصميم ظاهر للجميع وقد نفيت ذلك...وفتحت موضوعا لكنك لم تنتبه اليه..فسابحث عنه ان شاء الله.
وفيك بارك أيها الفاضل. اعتذر فقد رأيت الموضوع ونسيت التعليق عليه. نعم بالنسبة للتصميم فليس ظاهر لكل أحد بنفس الدرجة من الوضوح، ولهذا بعد نفسي، لجملة من الأسباب منها ما أشرت إليه بنفسك كقولك
"فهناك ما هو معقد (بطرق عشوائية) من غير تصميم" ، والصواب والأدق أن تقول: "من غير تصميم ظاهرٍ للمُلاحِظ". هذا فقط سبب واحد وإلا "فالمتشابهات الكونية" كثيرة، لامتحان الناس وتمييز المؤمن من الكافر والصادق من الجاحد. آمل أن تكون قد وصلت الفكرة في هذه اللفتة المختصرة، ولا مانع عندي من الإسهاب أكثر إن أردت ولكن في موضوعك الذي فتحته.


لكن بالنسبة لأركان التصميم الذكي التي ذكرت...فاني لا أراها تطابق أو حتى تشمل ما فهمته من موضوع الاستاذ عبد الواحد. ذلك ان دليل التصميم الذكي هو تحديدا: "وجود نظام تشفير لمعلومات تخضع لقوانين لغوية معينة" - والقوانين اللغوية تشمل جميع اللغات (من دي ان اي, الى لغة الحاسوب...الخ).
نعم هذه حالة خاصة وعميقة من حالات التصميم، ولكن حديثي هو عن معالم التصميم العامة التي تُقدّم نفسها للناس كافة: الأمي والمتعلم، البدوي والحضري، الفيلسوف والعامي...كما في قوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت والى الأرض كيف سطحت)، أما أن يكون دليل التصميم الذكي هو "تحديداً" ما ذكرت فمُشكل، لأن مثل هذه الحالة الخاصة والمتخصصة المتعلقة بــــ (من دي ان اي, الى لغة الحاسوب...الخ) قد يظهر تصميمها لمن يستقل بتدقيق النظر فيها ولكنها ليست متاحة لكل الناس بمختلف فئاتهم، ولذلك جعل الله دليل "المعالم العامة" و "السمات الإجمالية" للكون والحياة كافياً جداً لمن أراد أن يؤمن، كما في قوله تعالى (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون)، فلم يأمرهم بأكثر من النظر في ملكوت السموات والأرض، إذ لو لم يكف الناظر ولم ينفعه هذا التوجيه الرباني البسيط السهل، وكان من القوم اللذين لا يؤمنون، لم تنفعه أدق آيات الخلق وإن تناهت في التصميم، وهذه النوعية من البشر موجودة، قال تعالى (ولو أنا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا)، والحديث في هذا يطول ويطول.


فالنظام ليس دليلا جازما على وجود المصمم الذكي...فان العشوائية قد تأتي بنظام بسيط لمدة بسيطة...لكنها لا تضمن بقاءه حتى تبني عليه.
هذا صحيح لو سلّمنا بأن العشوائية موجودة حقيقة في الطبيعة، وهو المذهب المعروف بــــ (Tychism) - انظر موسوعة ويكي لتكوين فكرة سريعة - ولكنها ليست حقيقية لأن الصحيح أنها ظاهرة فقط (apparent)، أي بادية لنا في نظر العين فقط ولكنها في حقيقتها ليست عشوائية لحكمة يعلمها الله، وقد أشار القرآن لبعض هذه المظاهر التي تبدو عشوائية وما هي كذلك، كما في قوله تعالى (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) ، فسقوط أوراق الشجر مظهر عشوائي في نظر كثير من البشر، ولكنه ليس كذلك ما دام أن له مآل خاضع لعلم الله. والأمر الآخر الذي أود أن يفطن له القراء هو أن قولي "نظام"، "تعقيد"، "غاية"، إنما هو باعتبار الجنس، فجنس هذه الأشياء أركان للقول بالتصميم، ولو أجريت تحليللاً بسيطاً لتعريف التصميم الذي اقترحه الأستاذ، لوجدته ببساطة يشتمل على هذه الدعائم أو يقوم عليها، فاللغة نظام، ولا تخلو من تعقيد، وتؤدي غاية، وهذا يكفي كدليل أولي على وجود الله، أما بالنسبة للمُعاند الجاحد الذي يُصرّ على التعمق من أجل يصل - بزعمه - إلى القطع والجزم، فلا ضمان حتى لهذا النوع الخاص من التصميم أن يؤدي بمن ينظر إليه إلى الإيمان فضلاً عن الجزم، والدليل أن الملاحدة يقرأون كلام الأستاذ عبدالواحد وتقع أعينهم على الأدلة الدقيقة التي يسوقها باحتراف واقتدار، ومع ذلك يُعرضون عن كل ذلك، فعاد الأمر إلى قضية نفسية وأزمة معرفية لا إلى ذات الدليل فإن ما هو دون دليل التصميم الذي اقترحه الأخ عبدالواحد وأيدته أنت فيه كاف لمن أراد الحق بالفعل.


وبالنسبة للتعقيد: فاوافقكم بأنه كلما زاد ازداد مظهر التصميم...لكنه ليس شرطا جازما للتصميم..فهناك ما هو معقد (بطرق عشوائية) من غير تصميم. وأبسط انظمة تشفير المعلومات يدلك على وجود مصمم ذكي.
قولك أخي
فهناك ما هو معقد (بطرق عشوائية) من غير تصميم خطير وله تبعات غير محمودة إن كنت فعلاً تؤمن بما تقول- والأظهر قطعاً عندي أنه أسلوب جدلي منك ولكنك صغته بطريقة لا توحي بذلك - والتعليق الذي قبل هذا يتضمن جواباً على ما ذكرت، أي هل العشوائية أساساً موجودة أصالة وحقيقة أم فقط في نظر المُلاحظ؟ ولذلك مثال أضربه للتقريب، أي مثال يوضح كيف أن العشوائية يمكن أن تكون مقصودة وغائية ! فلعبة النرد مثلاً عشوائية ولكن قبل ذلك هي لعبة "مقصودة" ، ومجعولة لغرض، هو إمتاع اللاعبين، بل قبل ذلك هي مصنوعة مصممة لأن تُلعب بطريقة عشوائية، بل حتى طريقة اللعب ليست عشوائية إذ لها قوانين يلتزمها المشاركون، ومع ذلك لا تخلو من عشوائية تضفي معنى خاصاً على اللعبة لولاه لما كان للعبة فائدة عند من صممها ولعبها. وبمناسبة الحديث عن اللهو واللعب، يقول الله تقدست أسماؤه (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون)، فمن يظن أن العشوائية والفوضى كامنتان في الطبيعة والكون لازمتان لهما حقيقة فهو من اللذين "لا يعلمون"، لأن الله قال (ما خلقناهما إلا بالحق) فكل ما يحدث فيهما أو بينهما يحدث بــــ "الحق" ، ويتبع فيه "الحق"، علمناه أم لم نعلمه، ظهر لكل أحد أم لم يظهر لكل أحد. والتعقيد دليل مؤكد على التصميم، والقرآن يدل على ذلك لأن القرآن جعل النظر إلى الوجود على نوعين: النوع الأول (نظر شاهد على أدنى درجات التعقيد) والنوع الثاني (نظر شاهد على درجات أعلى من التعقيد)، مثال الأول أمره تعالى بالنظر العام المجرد إلى خلق السماء (وإلى السماء كيف رفعت) ومثال الثاني أمره تعالى بالنظر إلى تفاصيل إضافية في خلق خلق السماء (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج)،وهذا الثاني دليل صريح - والأدلة كثيره - على أن زيادة مظاهر التعقيد أدعى للإيمان بوجود صانع عليم لأنها من الآثار التي يُستدل بها على عظمة أفعاله، وأفعاله بدورها تدل على عظمة علمه، وعلمه يدل على عظمة ذاته، كما قاله ابن القيم رحمه الله.


اما بالنسبة للغاية والوظيفة...فهذه من اقربها واقواها لكنها أيضا ليست بكافية. لماذا؟ لأنه قد يبدوا لنا ما ظاهره الغائية..وان كان عن طريق عشوائي..وهو ما سماه "بسام" محاور اخونا عبد الواحد: "تحييد الضرورة عبر انتخاب المصادفة". مثاله الانتخاب الطبيعي: فبقاء كائن معين (الطيور السوداء) مع اختفاء الآخر قد يظهر لنا بأن هناك غائية موجهة لبقاء الطيور السوداء دون البيضاء, وهو ليس الا حتمية تطابق لون الطائر مع الاشجار التي تخفيه عن نظر المفترس في بيئة عشوائية (طبعا هذا تنازلا مع المخالف حيث نتكلم في محل النزاع... لأننا نؤمن بأن الانتقاء الطبيعي آلية تخدم الغائية ..والله سبحانه مدبر في كل حركات الكون وسكناته)

بهذا يتبين ان النقاط الثلاث التي ذكرتم اخي الفاضل قد تتواجد كلها من غير ان تدل على التصميم الذكي...واؤكد مرة أخرى بأن فهمي لوجود التصميم الذكي هو تحديدا [u]وجود لغة تشفير المعلومة تخضع للغة تفهم المعاني من الرموز!
باختصار شديد، هنا مقدمات ينبني عليها الكلام لا بد من مراجعتها:
الأول: اصطلاح "التصميم الذكي" مُشكل، وهو اصطلاح مستورد لا أوافق عليه أصحابه الغربيين فيما يحمله من دلالات ومضمون، فعن أي "ذكاء" نتحدث هنا: الذكاء كصفة لآثار أفعال الخالق أم الذكاء بالمعايير البشرية أو بحسب آثار الأفعال البشرية، ولذلك لما فهم البعض الذكاء Intelleigence على ظاهره ، حرص على أن يجد في الطبيعة مثالاً واحداً لشيء مصمم تصميماً كاملاً لا تعتريه شبهة النقص من كل وجه ولا يشك أحد فيه بمجرد النظر إليه بحيث يوجب اليقين بذاته، وهذا لا يكاد يوجد بل لا يوجد في هذه الحياة التي وصفها الله بقوله (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا)، ولعل مضامين لفظة "الذكاء" ألقت بظلالها على منهجية اختيار الأمثلة، كالتركيز على أمثلة artificial intelligence كما في لغة الحاسب وما جرى مجراها، وهذا تحجير لواسع، لأن الأدلة التي تدل على وجود تصميم أو تكوين أو صنعة من وراءها خالق أبسط من هذا بكثير، لا سيما وأن من حكمة الله سبحانه أن السنن الأساسية التي تحكم العالم ما فوق الذري macrocosmic نجد كثيراً من سماتها أيضاً يحكم العالم الذري atomic وما دون الذري subatomic ، فلا حاجة لتجاوز هذا القدر المشترك بين العالمين للتدقيق في التفاصيل إلا على وجه الفضول.، وهذا تسهيل من الخالق لسبل الاستدلال على وجوده.
الثاني: أني أرى من التحكّم الذي لا دليل عليه أن يُقصر معنى التصميم على التعريف المحدد أعلاه، فمشكلة الحدود - أي التعاريف - مشكلة قديمة حديثة، فلا يوجد للتصميم تعريف جامع مانع يوجب علينا عدم الالتفات إلى غيره، فالأفضل أن نجتهد في ذكر السمات الأساسية للتصميم، مع الأخذ في الاعتبار أن التفاوت هو فقط في مدى درجة عمق كل سمة (أو ركن إن جاز التعبير) من هذه السمات، لا غير.
وأنت ارتضيت أن يكون لك تعريف خاص للتصميم هو :وجود لغة تشفير المعلومة تخضع للغة تفهم المعاني من الرموز. وهاك تحليل عابر يُبسّط الأمور ويضعها في نصابها بحول الله:
(أ) قولك "وجود" يقتضي موجداً، فمن أوجد هذه اللغة، وهذا فقط من حيث الحدوث، وهذا بحد ذاته - دون التفات للتصميم - دليل كاف عند البعض على وجود مُحدث أعظم.
(ب) قولك "لغة تشفير" فيه زيادة لا حاجة إليها إلا على وجه الإضافة التوضيحية لأن أي لغة - بشرية، بهيمية، اصطناعية - لا بد أن تشتمل على قدر من التشفير، والأمر الآخر أن اللغة نظام order أو system مكون من syntax معيّن، وأحياناً morphology معين، وأحياناً phonotactic sequence معين، فهذا ركن من أركان التصميم لا غنى عنه: النظام.
(ج) الأمر الثالث أن اللغة كما أنها نظام فهي لا يمكن أن تخلو من ركن التعقيد، سواء في أدنى مستوياته أو ما فوق ذلك - ولذلك احتج مايكل بيهي على خصومه بدليل التعقيد الذي لا أبسط منه Irreducible complexity وفيه كلام لبعض العلماء - وركن التعقيد في النظام هو الذي يتيح للغة القابلية للترميز amenability to encoding.
(د) الأمر الأخير، هو أن اللغة تؤدي وظيفة، أياً كانت هذه اللغة، وكما قال الإمام اللغوي ابن جني في تعريف اللغة الآدمية:"أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" [1]، فلا بد أن تحقق اللغة غرضاً معيناً، أياً كانت هذه اللغة.
فعاد الأمر كله إلى أجناس الأركان الثلاثة، وإن اختلفت كيفية توظيفها أو التعبير عنها.
اقبل اعتذاري عن الإطالة، والله أعلم.

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
[1] لبعض المحققين اعتراضات على أجزاء من هذا التعريف ولكن لم يستطع أحد أن يعترض على جزئية "الغرض".

عَرَبِيّة
10-06-2011, 01:08 AM
مقارنة ومقاربة بديعة بين كتاب الله المسطور وكتابه المنظور :

فهنا يأتي دور البُعد النفسي في أعمق مستوياته، ولذلك نجد القرآن لا ينفي وجود "متشابهات" فعلاً، في الآيات المتلوة أو المشاهدة، ولكنه في المقابل يخبرنا أن هذه المتشابهات لا أثر لها إلا بحسب الحالة الإدراكية التي تلاحظها، فالذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، والمؤمنون ينجذبون للمُحكم ويقولون كل من عند ربنا يخلق ما يشاء ويختار.
بارك الله فيكَ أخي عبد الله وزادكَ علماً وحِكمَة .

طالب العفو
10-06-2011, 09:51 PM
فتح الله عليك
كلماتك تفتح ابوابا من الخير

عبدالله الشهري
10-08-2011, 12:16 AM
شيخنا الفاضل عبدالله الشهري : هل تكرمت لتشرح لنا قليلا عن توقيعك الجديد....بارك الله فيك

مرحبا بك ، في الحقيقة هو توقيع قديم عاد للواجهة بسبب العودة إلى النسخة القديمة للمنتدى، ولا أخفيك أني لم انتبه إلا عندما نبهتني.
يقصد شيخ الإسلام - هذا الإنسان الفذ رحمه الله وجزاه الله خير ما جزى عالماً عن أمته - أن وجود الله قضية ضرورية كلية لا ينبغي أن تعزب عن أذهان الناس، هذا إذا تعلق الكلام بوجوده في حد ذاته، وأن الأدلة على ذلك تهجم على القلوب من كل صوب من دون استئذان أما إذا انتقل الكلام عن مجرد وجوده إلى الحديث عن كيف هو وما ينبغي له وما لاينبغي وما يجوز عليه ومالا يجوز، فهذا انتقال من قضية كلية ضرورية إلى تفاصيل تتعلق بصفاته فإنها لا تجزم في حديثها عن هذه التفاصيل – التي لا يجلّيها حقاً إلا الوحي – بقدر جزمها بضرورة وجوده و امتناع عدمه، والله أعلم.

عبدالله الشهري
10-08-2011, 12:18 AM
بارك الله فيك أختي مسلمة وأختي عربية ، وفيك أخي طالب العفو ووفقكم للمعالي.

عبدالله الشهري
11-19-2011, 02:18 AM
الزملاء الكرام، لا مفر من القول بأن الإيمان بالله هبة من الخالق من أعظم أسبابها نزوع النفس إلى تفسيرٍ معين للوجود. ولا حجة لأحد على الله لأنه قد أرسل رسله وكتبه ببيان التفسير المقبول عنده للوجود. أذكر أن محاوراً سأل ريتشارد دوكنز قائلاً:"ماذا ستقول لربك فيما لو افترضنا أنه كان موجوداً وأنك مثلت بين يديه بعد الموت؟" فأجاب:"سأقول له ما الذي دعاك لأن تتجشم كل هذا العناء من أجل أن تُخفي نفسك عن الناس؟". تأملوا جيداً دلالات مهمة حول طبيعة الإيمان يُمكن استخلاصها من كلامه لا يسعني الوقت الآن لكتابتها.
وللمؤمن أن يُرد على دوكنز فيقول:"وما الذي جعلك تتجشم إنكار ما سَهُل على كثير من الناس قبوله والتصديق به؟". وهي حجة الله في القرآن بأبلغ عبارة، قال تعالى (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم) وقال (إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون).