حسن الخطاف
11-12-2005, 09:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت ما كتبه السيد مالك مناع في قسم التوحيد حول إثارة موضوع الاستدلال على صفات الله انطلاقا مما يسمى " بقياس الأولى " كل صفة كمال في حق المخلوق فهي في الخالق من باب أولى". وكذا تعليق السيد هشام عزمي والسيد أبو مريم ، وأقول للجميع مشكورين هذا الموضوع على غاية من الأهمية ، وأنا أضم صوتي إليهم مؤكدا أنه يندرج تحت قياس الغائب على الشاهد ، وهو القياس المفضل لدى كثير من المتكلمين في الاستدلال على صفات الله ، والذي أبغيه من وراء هذه المداخلة مع السادة الأفاضل الذين سبق ذكرهم أن نصل إلى الحق في هذه المسألة وهذا هو مبتغانا ، وأبدأ مداخلتي بالقول " كيف نميز بين ما هو كمال للإنسان حتى نثبت لله كمال هذه الصفة ، وبين ما هو نقص حتى ننفي عن الله هذه الصفة"؟ وعليه فإني أرى أن هذا القياس قليل الجدوى في إثبات صفات الله تعالى ، لا هو ولا أصله المسمى قياس الغائب على الشاهد ، وقد جر هذا القياسُ المتكلمين إلى مزالق يعرفها كل من اطلع على كتب الكلام .
ومن الملاحظ أن ابن تيمية رحمه الله أخذ بقياس الأولى وهو أكثر من اعتد بهذا القياس فقد دافع عنه نظرا واستعمله تطبيقا في إثبات صفات الله تعالى،ورأى أن هذا المنهج هو منهج السلف في إثبات الصفات ‹ › وقياس الأولى عند ابن تيمية هو" أن يكون الحكم المطلوب أولى بالثبوت من الصورة المذكورة في الدليل الدال عليه"‹ ›.
وعند تطبيق هذا التعريف على الصفات الإلهية يكون الحكم المطلوب هو المتعلق بالغائب/الله ، ويكون هذا الحكم أولى من الصورة المذكورة المتعلقة بالشاهد ، وهذا هو في الحقيقة عين قياس الغائب على الشاهد ، ويمكن القول إن الفرق بينهما هو أن القائل بهذا القياس يرى أن الحكم الذي يراد إثباته لله أولى مما هو موجود في الشاهد ، ولتقريب هذا المفهوم يمكن أن نمثل له بنهي الله عن إيذاء الوالدين عملا بقول تعالى )فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(23)([الإسراء] ، فإذا كان التأفف من الوالدين أمرا منهيا عنه ، فلأن ينهى عن الضرب من باب أولى ، لأنه أشد إيذاء ، وهذا هو الحكم الذي يراد إثباته ، فهو أولى بالنهي من التأفف ، والجامع بينها الإيذاء إلا أن الضرب أكثر إيلاما من التأفف فكان الحكم بالنهي عنه مستندا إلى قياس الأولى .
هذا من حيث التعريف عند ابن تيمية ، أما من حيث الاستعمال لإثبات الصفات فقد وضع ابن تيمية شبه ضابط لذلك وهو أن " كل كمال ثبت للمخلوق ، فالخالق أولى به ، وكل نقص ينزه عنه مخلوق فالخالق أولى أن ينزه عنه"‹ ›.
لكن من أين عرفنا أن كل كمال فالرب أولى بالاتصاف به ، وكل نقص في المخلوق يكون الرب أولى بالتنزه عنه ؟ يجيب ابن تيمية عن هذا السؤال بأن الكمال الموجود في المخلوق مستفاد " من ربه وخالقه،فإذا كان هو مبدعا للكمال وخالقا له ، كان من المعلوم بالاضطرار أن معطي الكمال وخالقه ومبدعه أولى بأن يكون متصفا به"‹ ›.
وقد أثبت ابن تيمية اعتمادا على هذا المنهج كل كمال من حيث الجملة وكثيراً من الصفات من حيث التفصيل من ذلك صفة السمع والبصر والكلام والحياة‹ ›.
يمكن الاعتراض على هذا المنهج من جهتين، من جهة مَن الذي يحكم على أن هذه الصفة الموجودة في المخلوق هي صفة كمال أم نقص ؟ ثم هل الكمال أمر نسبي أم مطلق؟
الناظر في كلام ابن تيمية لايجد جوابا عن السؤال الأول فمن هو الذي يقرر ويحكم بأن هذه الصفة صفات كمال أم نقص ، ولنأخذ مثالا على ذلك صفة التذوق والشم فهل هي صفة كمال في الإنسان أم نقص؟ إن قلنا إنها صفة كمال فينبغي أن ننسب لله أنه يشم ويذوق ، وإن قلنا إنها صفة نقص ، فهذا على خلاف الواقع ، لأنا نجد الإنسان الفاقد للتذوق أو الشم موصوفا بالنقص، وعدم تحديد الصفات التي تجلب النقص أو الكمال مرتبط بالاعتراض الآخر الذي يعترض به على هذا المنهج ، وهو هل الكمال أمر نسبي أم مطلق ؟
يفهم من كلام ابن تيمية أن الكمال المطلق لله وحده ، وكلما كان المخلوق متصفا بهذه الصفات فهو أقرب إلى الكمال ، ولذلك يكون الله أكمل من الإنسان في صفات الكمال الموجودة في الإنسان ، فإذا فرضنا أن العلم صفة كمال للإنسان فالله أولى بهذه الصفة باعتبار أن هذه الصفة مستفادة من الله بمعنى أنه هو المبدع لها ، وكمال هذه الصفة يكون في الله بحيث يعلم كل شيء‹ ›، والإنسان أكمل من الجماد في صفة العلم، لأنه قابل للعلم على خلاف الجماد ، وصفة البصر صفة كمال عند الإنسان ، ولكن كمالها المطلق عند الله ، كما أن الإنسان الذي يبصر هو أكمل من الإنسان الأعمى " والإنسان الأعمى أكمل من الحجر " والفرق بينهما أن الأعمى قابل في أصله للبصر ، على خلاف الحجر.
إذا لا يوجد هناك كمال مطلق إلا الله ، فهو كامل في كل صفاته ، والذي يبدو لي أن هذا هو أساس الإشكال في هذه القضية ، والذي أراه أن الكمال أمر نسبي مرتبط بكل نوع ، بل إن الكمال موجود داخل هذه الأنواع، فمن الكمال أن يتصف الإنسان بحاسة الشم والذوق ، بحيث لو ولد عاجزا عن القيام بذلك لوسم بالنقص ، ومن الكمال أن تتصف بعض الحيوانات ببعض الصفات تتميز بها عن الإنسان من جهة ، وعن بعضها من جهة أخرى، كما أن هذا الكمال شامل للصفات الجسمية فمن الكمال في حق الإنسان أن تكون له رجلان ويدان وفم وأسنان ...ومن الكمال في الطائر أن يحسن الطيران... ، والكمال قد يكون أخص من ذلك ، فمن الكمال أن يكون الإنسان أبيض البشرة ذو صفة معينة عندما يكون من سلالة بيضاء، ومن الكمال أن تكون بعض الحيوانات على صفات معينة إذا كانت من سلالة معينة.
والملاحظ هنا أن مسـألة تقويم الكمال وعدمه أمر يرجع إلى النوع ذاته ، لا بالمقارنة مع غيره كما يرى ابن تيمية رحمه الله ، وعليه لا يصح أن نقول أن من عدم كمال الجماد أنه لا يبصر، لأن عدم الإبصار صفة من صفات الجماد ، وليس من صفات الحيوان، ولو كان يبصر لخرج من دائرة الجماد ،ودخل في دائرة الحيوان، ويترتب على هذا أن عدم الإبصار ليس نقصا في الجماد، لأن النقص يكون عندما يكون الأصل فيه أن يبصر، ولا يبصر كالإنسان والحيوان.
وإذا كان الكمال وعدمه أمر راجع إلى النوع ، فلا يعني هذا أن المقارنة بين النوعين لا تكشف عن أوجه الكمال، نعم هي تكشف عن أوجه الكمال ، لكن الكمال في أحد النوعين بالمقارنة مع الآخر ، لا يعد نقصا في الآخر ، وذلك مثل الخيمة عندما تكون مبنية بكل مستلزماتها من الأوتاد والحبال ...فهي كاملة بالنظر إلى أمثالها ، ولكن البيت المبني بالحجارة والحديد أكثر كمالاً من حيث وقايته للحر والبرد...ولكن هذا الكمال لا يعني نقصا في الخيمة ، لأن الخيمة حققت كل ما يمكن أن يطلق عليه وصف الخيمة ، وعلى هذا الشكل ننزل قوله تعالى:) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(4)([التين]، فقد خلق على هيئة أحسن من هيئة الحيوان ، وكان من الممكن أن يخلقه الله بهيئة صنف من أصناف الحيوان ، وشكله هذا هو أجمل لكن هذا الجمال لايعني نقصا في غير ه من الحيوانات ، لأنها هي كاملة بالنظر إلى نوعها.
قد يقال هنا لافرق بين قول ابن تيمية وبين هذا القول فالقول هنا نوع من القياس ، فما عرفنا كمال البيت إلا بالقياس على الخيمة ، وما عرفنا كمال الإنسان إلا بالمقارنة بالحيوان ، فلنقس على ذلك صفات الله ، وكل كمال للإنسان فالله أولى بها.
والجواب أن هناك فرقا بين القولين فالذي أراه أن الكمال الحقيقي مختص بكل نوع ، وهذا على خلاف ابن تيمية ، حيث يرى أن الكمال الحقيقي في الله وحده ، ويترتب على القول بأن الكمال موجود في كل نوع عدم إثبات النقص في النوع الآخر ، وهذا على خلاف وجهة نظر ابن تيمية حيث ترتب عليها أن كل ما كان كمالا للنوع فهو نقص في النوع الآخر .
والفائدة العملية من الخلاف مع ابن تيمية رحمه الله هو عدم قياس الخالق على المخلوق بقياس الأولى ، وإذا كان البيت أكمل من الخيمة ، والإنسان أحسن هيئة من الحيوان ، فلأن القياس جرى بين شاهدين ، لا بين شاهد وغائب، كما هو قياس الأولى عند ابن تيمية ، ثم إن القياس هنا جرى مع معرفتنا بالكمال ،ففيما يتصل بالخيمة مثلا هي أقل كمالاً من البيت إذا لاحظنا أن البيت أكثر ردا لحر الصيف ، ولبرد الشتاء ، أي أن المنفعة هي التي حددت الكمال ، وعليه يمكن أن تكون الخيمة أكمل في بعض الجوانب كسرعة التحول والانتقال بالنسبة إلى الرعاة ، وهذا القياس لا يجري بين الخالق والمخلوق في قياس الأولى ، لأن القائس عاجز عن درك الفروق بين ما هو كمال في الإنسان ليثبت هذا الكمال لله ، وما هو نقص في الإنسان لينفيه عن الله .
والمنهج الذي ذكره ابن تيمية يصح لو استطاع المرء أن يضبط بدقة ما هي صفات الكمال عند الإنسان حتى يسندها لله؟ مع فارق الكمال استنادا إلى قياس الأولى ، وما هي صفة النقص في الإنسان حتى ينزه الله عنها؟ استنادا إلى قياس الأولى ، وقد تبين من خلال النصوص السابقة أن ابن تيمية لم يضع ضابطا دقيقا يُميَّز به الكمال من النقصان ، كما أن الأمثلة التي قدمها لا تسعف في هذا المجال ، لأن ما ذكره من إسناد صفة السمع والبصر والكلام ، لم يكن في الواقع انطلاقا من قياس الأولى ، وإنما استند في الأساس على النص القرآني ، ثم أخذ ينزه الله عما يضادها من الصفات باعتبارها صفات نقصان، يقول ابن تيمية في إثبات السمع والبصر والكلام " إن نفي هذه الصفات نقائص مطلقا ، سواء نفيت عن حي أو جماد ، وما انتفت عنه هذه الصفات لا يجوز أن يَحدُث عنه شيء ، ولا يخلقه ، ولا يجيب سائلا ، ولا يُعبد ولا يُدعى ، كما قال الخليل ) يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا(42)( [مريم] ، وقال إبراهيم لقومه : ) هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ(72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ(73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(74)([الشعراء] ، وقال تعالى :) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ(148) ( [الأعراف] ‹ ›.
إذا الأساس الذي انطلق منه ابن تيمية في التمييز بين صفة الكمال وغيرها هو النص القرآن لا غير ، فإذا تجاوزنا النص القرآن ، فكيف نضبط ما هو كمال وما هو نقصان ، فهل التذوق كمال أم نقصان ؟ وهل الشم كمال أم نقصان؟ ...
استنادا إلى ما تقدم لا أرى فرقا جوهريا بين هذا القياس ، وقياس الغائب على الشاهد ، ولا أرى أن هذا القياس يصلح حجة في الإلهيات ، وفيه من العثرات ما تجعلنا نحيد عنه ، ولمزيد من إظهار ذلك نقفل هذا المبحث بقول أحمد أمين عن هذا القياس:" ولعل نقطة الضعف فيهم[في المعتزلة]أنهم أفرطوا في قياس الغائب على الشاهد، وأخضعوا الله تعالى لقوانين هذا العالم ، فقد ألزموا الله مثلا بالعدل كما يتصوره الإنسان ...وفاتهم أن معنى العدل حتى في الدنيا معنى نسبي يتغير تصوره بتغير الزمان ...فكيف إذا انتقلنا من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة ...وكذلك قولهم في أن صفات الله هي عين الله أو غير الله ‹ ›، كل براهينهم مبنية على قياس الغائب على الشاهد ، وقد فرضوا أن العينية والغيرية والزمانية والمكانية والسببية والمسببية ونحوها قوانين لازمة لكل موجود ، وهذا خطأ فهي قوانين إنسانية...ولسنا نستطيع القول بأنها تنطبق على غير عالمنا أو لا تنطبق ، فإصدارأحكام على الله على اعتقاد أنها قوانين شاملة للإنسان والله جرأة لا يرتضيها العقل الذي يعرف قدره" ‹ ›
الحواشي :
‹ › العقيدة الأصفهانية:117
‹2 › م.س.74.
‹3› العقيدة الأصفهانية:117
‹4› م.س.118.
‹5› م.س.117-119، درء التعارض :2/ 276.
‹6› العقيدة الأصفهانية:117.
‹7› العقيدة الأصفهانية:118.
‹8› يقصد بذلك المعتزلة وأهل السنة ، ولكن هذا القول يحتاج إلى دقة أكثر ، فجمهور المعتزلة يقولون عالم بذاته قادر بذاته ، وخالف ذلك أبو الهذيل العلاف وقال عالم بعلم هوهو ، انظر: القاضي عبد الجبار،شرح الأصول الخمسة:182-183،الشهرستاني، الملل والنحل:49-50، وهناك فرق بين القولين ، فالأول أثبت الذات ونفى الصفات بينما الثاني وحد بين الذات والصفات ، انظر: الشهرستاني.م.س.50، وعليه يكون قول أحمد أمين مرادا به العلاف .
بينما قال أهل السنة من أشعرية وماتريدية إن الله تعالى عالم بعلم قادر بقدرة...وهذه الصفات من العلم والقدرة... ليست هي ذات الله ، وليست هي غير الله ، انظر : القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة:182-183، الأشعري، رسالة أهل الثغر :70-71، اللمع :28، الأسفراييني ، التبصير في الدين:147، الشهرستاني، نهاية الإقدام:200، النسفي ، تبصرة الأدلة: 1/200.
أي أنهم لم يقولوا إن الصفات غير الذات كما يفهم من عبارة أحمد أمين ، وهذا الفهم من الأشعرية والماتريدية جاء بناء على فهم الغيرية وهي كل شيئين يصح مفارقتهما بوجه من الوجوه ،انظر:الأشعري ،اللمع، ن.م.
وهذا الفهم للغيرية هو نوع من تنزيل الصفات الإلهية على أحكام الدنيا ، وقد لاقى الفهم الأشعري والماتريدي لعلاقة الذات مع الصفات نقدا من ابن حزم[ت:456] الذي رماه بالفساد والتناقض باعتبار أن الشيء إن لم يكن عين الذات فهو غيره ، وإن لم يكن غيره فهو ذاته ، ولا ثالث لهذين القسمين ، انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل:2/106، وسار الدكتور محمود قاسم على نهج ابن حزم ، انظر له مقدمة مناهج الأدلة لابن رشد:41-42.
ولابد من الاعتراف أن كون الصفات ليست هي الذات ولا غير الذات لاتفهم إلا على ضوء تنزيل الغائب على الشاهد،ولهذا عندما حاول ابن فورك[ت:406] -في تصوير مذهب شيخه الأشعري- والغزالي[ت:505] تعقيل المسألة بإقناع الآخرين بوجهة نظرهما ، لم يجدا دليلا إلا هذا القياس ، فعندهما أن الشيء يمكن أن يقال عنه إنه ليس ذات الشيء الآخر ، وليس غيره " فيد زيد ليس هو زيد ، ولا هو غير زيد " ، الغزالي ، الاقتصاد في الاعتقاد:128، أي أن بعضَ الكلِ كيد زيد -فاليد بعض من كلٍ هو زيد- ليس هو الكل ، لأن الكل وهو زيد يشتمل على الجسم ، ومن جملة ذلك اليد ، كما أن هذا البعض ليس هو غير الكل باعتبار انضوائه تحت الكل، ويمثل لذلك ابن فورك بالجزء من العشرة ، فالجزء من العشرة كرقم خمسة ، ليس هو العشرة لأن العشرة تتناوله وتتناول غيره ، كما أن رقم خمسة ليس هو غير العشرة باعتباره منضويا تحته، انظر: ابن فورك مجرد مقالات الأشعري :268 -269.
هذا التعقيل للقضية لإقناع الآخرين بها مرتكز على هذا القياس، ولكن هل يمكن أن نطبق القوانين التي نخضع لها على الله! هذا ما حذر منه أحمد أمين.
‹9› ضحى الإسلام:3/70.
قرأت ما كتبه السيد مالك مناع في قسم التوحيد حول إثارة موضوع الاستدلال على صفات الله انطلاقا مما يسمى " بقياس الأولى " كل صفة كمال في حق المخلوق فهي في الخالق من باب أولى". وكذا تعليق السيد هشام عزمي والسيد أبو مريم ، وأقول للجميع مشكورين هذا الموضوع على غاية من الأهمية ، وأنا أضم صوتي إليهم مؤكدا أنه يندرج تحت قياس الغائب على الشاهد ، وهو القياس المفضل لدى كثير من المتكلمين في الاستدلال على صفات الله ، والذي أبغيه من وراء هذه المداخلة مع السادة الأفاضل الذين سبق ذكرهم أن نصل إلى الحق في هذه المسألة وهذا هو مبتغانا ، وأبدأ مداخلتي بالقول " كيف نميز بين ما هو كمال للإنسان حتى نثبت لله كمال هذه الصفة ، وبين ما هو نقص حتى ننفي عن الله هذه الصفة"؟ وعليه فإني أرى أن هذا القياس قليل الجدوى في إثبات صفات الله تعالى ، لا هو ولا أصله المسمى قياس الغائب على الشاهد ، وقد جر هذا القياسُ المتكلمين إلى مزالق يعرفها كل من اطلع على كتب الكلام .
ومن الملاحظ أن ابن تيمية رحمه الله أخذ بقياس الأولى وهو أكثر من اعتد بهذا القياس فقد دافع عنه نظرا واستعمله تطبيقا في إثبات صفات الله تعالى،ورأى أن هذا المنهج هو منهج السلف في إثبات الصفات ‹ › وقياس الأولى عند ابن تيمية هو" أن يكون الحكم المطلوب أولى بالثبوت من الصورة المذكورة في الدليل الدال عليه"‹ ›.
وعند تطبيق هذا التعريف على الصفات الإلهية يكون الحكم المطلوب هو المتعلق بالغائب/الله ، ويكون هذا الحكم أولى من الصورة المذكورة المتعلقة بالشاهد ، وهذا هو في الحقيقة عين قياس الغائب على الشاهد ، ويمكن القول إن الفرق بينهما هو أن القائل بهذا القياس يرى أن الحكم الذي يراد إثباته لله أولى مما هو موجود في الشاهد ، ولتقريب هذا المفهوم يمكن أن نمثل له بنهي الله عن إيذاء الوالدين عملا بقول تعالى )فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(23)([الإسراء] ، فإذا كان التأفف من الوالدين أمرا منهيا عنه ، فلأن ينهى عن الضرب من باب أولى ، لأنه أشد إيذاء ، وهذا هو الحكم الذي يراد إثباته ، فهو أولى بالنهي من التأفف ، والجامع بينها الإيذاء إلا أن الضرب أكثر إيلاما من التأفف فكان الحكم بالنهي عنه مستندا إلى قياس الأولى .
هذا من حيث التعريف عند ابن تيمية ، أما من حيث الاستعمال لإثبات الصفات فقد وضع ابن تيمية شبه ضابط لذلك وهو أن " كل كمال ثبت للمخلوق ، فالخالق أولى به ، وكل نقص ينزه عنه مخلوق فالخالق أولى أن ينزه عنه"‹ ›.
لكن من أين عرفنا أن كل كمال فالرب أولى بالاتصاف به ، وكل نقص في المخلوق يكون الرب أولى بالتنزه عنه ؟ يجيب ابن تيمية عن هذا السؤال بأن الكمال الموجود في المخلوق مستفاد " من ربه وخالقه،فإذا كان هو مبدعا للكمال وخالقا له ، كان من المعلوم بالاضطرار أن معطي الكمال وخالقه ومبدعه أولى بأن يكون متصفا به"‹ ›.
وقد أثبت ابن تيمية اعتمادا على هذا المنهج كل كمال من حيث الجملة وكثيراً من الصفات من حيث التفصيل من ذلك صفة السمع والبصر والكلام والحياة‹ ›.
يمكن الاعتراض على هذا المنهج من جهتين، من جهة مَن الذي يحكم على أن هذه الصفة الموجودة في المخلوق هي صفة كمال أم نقص ؟ ثم هل الكمال أمر نسبي أم مطلق؟
الناظر في كلام ابن تيمية لايجد جوابا عن السؤال الأول فمن هو الذي يقرر ويحكم بأن هذه الصفة صفات كمال أم نقص ، ولنأخذ مثالا على ذلك صفة التذوق والشم فهل هي صفة كمال في الإنسان أم نقص؟ إن قلنا إنها صفة كمال فينبغي أن ننسب لله أنه يشم ويذوق ، وإن قلنا إنها صفة نقص ، فهذا على خلاف الواقع ، لأنا نجد الإنسان الفاقد للتذوق أو الشم موصوفا بالنقص، وعدم تحديد الصفات التي تجلب النقص أو الكمال مرتبط بالاعتراض الآخر الذي يعترض به على هذا المنهج ، وهو هل الكمال أمر نسبي أم مطلق ؟
يفهم من كلام ابن تيمية أن الكمال المطلق لله وحده ، وكلما كان المخلوق متصفا بهذه الصفات فهو أقرب إلى الكمال ، ولذلك يكون الله أكمل من الإنسان في صفات الكمال الموجودة في الإنسان ، فإذا فرضنا أن العلم صفة كمال للإنسان فالله أولى بهذه الصفة باعتبار أن هذه الصفة مستفادة من الله بمعنى أنه هو المبدع لها ، وكمال هذه الصفة يكون في الله بحيث يعلم كل شيء‹ ›، والإنسان أكمل من الجماد في صفة العلم، لأنه قابل للعلم على خلاف الجماد ، وصفة البصر صفة كمال عند الإنسان ، ولكن كمالها المطلق عند الله ، كما أن الإنسان الذي يبصر هو أكمل من الإنسان الأعمى " والإنسان الأعمى أكمل من الحجر " والفرق بينهما أن الأعمى قابل في أصله للبصر ، على خلاف الحجر.
إذا لا يوجد هناك كمال مطلق إلا الله ، فهو كامل في كل صفاته ، والذي يبدو لي أن هذا هو أساس الإشكال في هذه القضية ، والذي أراه أن الكمال أمر نسبي مرتبط بكل نوع ، بل إن الكمال موجود داخل هذه الأنواع، فمن الكمال أن يتصف الإنسان بحاسة الشم والذوق ، بحيث لو ولد عاجزا عن القيام بذلك لوسم بالنقص ، ومن الكمال أن تتصف بعض الحيوانات ببعض الصفات تتميز بها عن الإنسان من جهة ، وعن بعضها من جهة أخرى، كما أن هذا الكمال شامل للصفات الجسمية فمن الكمال في حق الإنسان أن تكون له رجلان ويدان وفم وأسنان ...ومن الكمال في الطائر أن يحسن الطيران... ، والكمال قد يكون أخص من ذلك ، فمن الكمال أن يكون الإنسان أبيض البشرة ذو صفة معينة عندما يكون من سلالة بيضاء، ومن الكمال أن تكون بعض الحيوانات على صفات معينة إذا كانت من سلالة معينة.
والملاحظ هنا أن مسـألة تقويم الكمال وعدمه أمر يرجع إلى النوع ذاته ، لا بالمقارنة مع غيره كما يرى ابن تيمية رحمه الله ، وعليه لا يصح أن نقول أن من عدم كمال الجماد أنه لا يبصر، لأن عدم الإبصار صفة من صفات الجماد ، وليس من صفات الحيوان، ولو كان يبصر لخرج من دائرة الجماد ،ودخل في دائرة الحيوان، ويترتب على هذا أن عدم الإبصار ليس نقصا في الجماد، لأن النقص يكون عندما يكون الأصل فيه أن يبصر، ولا يبصر كالإنسان والحيوان.
وإذا كان الكمال وعدمه أمر راجع إلى النوع ، فلا يعني هذا أن المقارنة بين النوعين لا تكشف عن أوجه الكمال، نعم هي تكشف عن أوجه الكمال ، لكن الكمال في أحد النوعين بالمقارنة مع الآخر ، لا يعد نقصا في الآخر ، وذلك مثل الخيمة عندما تكون مبنية بكل مستلزماتها من الأوتاد والحبال ...فهي كاملة بالنظر إلى أمثالها ، ولكن البيت المبني بالحجارة والحديد أكثر كمالاً من حيث وقايته للحر والبرد...ولكن هذا الكمال لا يعني نقصا في الخيمة ، لأن الخيمة حققت كل ما يمكن أن يطلق عليه وصف الخيمة ، وعلى هذا الشكل ننزل قوله تعالى:) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(4)([التين]، فقد خلق على هيئة أحسن من هيئة الحيوان ، وكان من الممكن أن يخلقه الله بهيئة صنف من أصناف الحيوان ، وشكله هذا هو أجمل لكن هذا الجمال لايعني نقصا في غير ه من الحيوانات ، لأنها هي كاملة بالنظر إلى نوعها.
قد يقال هنا لافرق بين قول ابن تيمية وبين هذا القول فالقول هنا نوع من القياس ، فما عرفنا كمال البيت إلا بالقياس على الخيمة ، وما عرفنا كمال الإنسان إلا بالمقارنة بالحيوان ، فلنقس على ذلك صفات الله ، وكل كمال للإنسان فالله أولى بها.
والجواب أن هناك فرقا بين القولين فالذي أراه أن الكمال الحقيقي مختص بكل نوع ، وهذا على خلاف ابن تيمية ، حيث يرى أن الكمال الحقيقي في الله وحده ، ويترتب على القول بأن الكمال موجود في كل نوع عدم إثبات النقص في النوع الآخر ، وهذا على خلاف وجهة نظر ابن تيمية حيث ترتب عليها أن كل ما كان كمالا للنوع فهو نقص في النوع الآخر .
والفائدة العملية من الخلاف مع ابن تيمية رحمه الله هو عدم قياس الخالق على المخلوق بقياس الأولى ، وإذا كان البيت أكمل من الخيمة ، والإنسان أحسن هيئة من الحيوان ، فلأن القياس جرى بين شاهدين ، لا بين شاهد وغائب، كما هو قياس الأولى عند ابن تيمية ، ثم إن القياس هنا جرى مع معرفتنا بالكمال ،ففيما يتصل بالخيمة مثلا هي أقل كمالاً من البيت إذا لاحظنا أن البيت أكثر ردا لحر الصيف ، ولبرد الشتاء ، أي أن المنفعة هي التي حددت الكمال ، وعليه يمكن أن تكون الخيمة أكمل في بعض الجوانب كسرعة التحول والانتقال بالنسبة إلى الرعاة ، وهذا القياس لا يجري بين الخالق والمخلوق في قياس الأولى ، لأن القائس عاجز عن درك الفروق بين ما هو كمال في الإنسان ليثبت هذا الكمال لله ، وما هو نقص في الإنسان لينفيه عن الله .
والمنهج الذي ذكره ابن تيمية يصح لو استطاع المرء أن يضبط بدقة ما هي صفات الكمال عند الإنسان حتى يسندها لله؟ مع فارق الكمال استنادا إلى قياس الأولى ، وما هي صفة النقص في الإنسان حتى ينزه الله عنها؟ استنادا إلى قياس الأولى ، وقد تبين من خلال النصوص السابقة أن ابن تيمية لم يضع ضابطا دقيقا يُميَّز به الكمال من النقصان ، كما أن الأمثلة التي قدمها لا تسعف في هذا المجال ، لأن ما ذكره من إسناد صفة السمع والبصر والكلام ، لم يكن في الواقع انطلاقا من قياس الأولى ، وإنما استند في الأساس على النص القرآني ، ثم أخذ ينزه الله عما يضادها من الصفات باعتبارها صفات نقصان، يقول ابن تيمية في إثبات السمع والبصر والكلام " إن نفي هذه الصفات نقائص مطلقا ، سواء نفيت عن حي أو جماد ، وما انتفت عنه هذه الصفات لا يجوز أن يَحدُث عنه شيء ، ولا يخلقه ، ولا يجيب سائلا ، ولا يُعبد ولا يُدعى ، كما قال الخليل ) يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا(42)( [مريم] ، وقال إبراهيم لقومه : ) هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ(72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ(73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(74)([الشعراء] ، وقال تعالى :) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ(148) ( [الأعراف] ‹ ›.
إذا الأساس الذي انطلق منه ابن تيمية في التمييز بين صفة الكمال وغيرها هو النص القرآن لا غير ، فإذا تجاوزنا النص القرآن ، فكيف نضبط ما هو كمال وما هو نقصان ، فهل التذوق كمال أم نقصان ؟ وهل الشم كمال أم نقصان؟ ...
استنادا إلى ما تقدم لا أرى فرقا جوهريا بين هذا القياس ، وقياس الغائب على الشاهد ، ولا أرى أن هذا القياس يصلح حجة في الإلهيات ، وفيه من العثرات ما تجعلنا نحيد عنه ، ولمزيد من إظهار ذلك نقفل هذا المبحث بقول أحمد أمين عن هذا القياس:" ولعل نقطة الضعف فيهم[في المعتزلة]أنهم أفرطوا في قياس الغائب على الشاهد، وأخضعوا الله تعالى لقوانين هذا العالم ، فقد ألزموا الله مثلا بالعدل كما يتصوره الإنسان ...وفاتهم أن معنى العدل حتى في الدنيا معنى نسبي يتغير تصوره بتغير الزمان ...فكيف إذا انتقلنا من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة ...وكذلك قولهم في أن صفات الله هي عين الله أو غير الله ‹ ›، كل براهينهم مبنية على قياس الغائب على الشاهد ، وقد فرضوا أن العينية والغيرية والزمانية والمكانية والسببية والمسببية ونحوها قوانين لازمة لكل موجود ، وهذا خطأ فهي قوانين إنسانية...ولسنا نستطيع القول بأنها تنطبق على غير عالمنا أو لا تنطبق ، فإصدارأحكام على الله على اعتقاد أنها قوانين شاملة للإنسان والله جرأة لا يرتضيها العقل الذي يعرف قدره" ‹ ›
الحواشي :
‹ › العقيدة الأصفهانية:117
‹2 › م.س.74.
‹3› العقيدة الأصفهانية:117
‹4› م.س.118.
‹5› م.س.117-119، درء التعارض :2/ 276.
‹6› العقيدة الأصفهانية:117.
‹7› العقيدة الأصفهانية:118.
‹8› يقصد بذلك المعتزلة وأهل السنة ، ولكن هذا القول يحتاج إلى دقة أكثر ، فجمهور المعتزلة يقولون عالم بذاته قادر بذاته ، وخالف ذلك أبو الهذيل العلاف وقال عالم بعلم هوهو ، انظر: القاضي عبد الجبار،شرح الأصول الخمسة:182-183،الشهرستاني، الملل والنحل:49-50، وهناك فرق بين القولين ، فالأول أثبت الذات ونفى الصفات بينما الثاني وحد بين الذات والصفات ، انظر: الشهرستاني.م.س.50، وعليه يكون قول أحمد أمين مرادا به العلاف .
بينما قال أهل السنة من أشعرية وماتريدية إن الله تعالى عالم بعلم قادر بقدرة...وهذه الصفات من العلم والقدرة... ليست هي ذات الله ، وليست هي غير الله ، انظر : القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة:182-183، الأشعري، رسالة أهل الثغر :70-71، اللمع :28، الأسفراييني ، التبصير في الدين:147، الشهرستاني، نهاية الإقدام:200، النسفي ، تبصرة الأدلة: 1/200.
أي أنهم لم يقولوا إن الصفات غير الذات كما يفهم من عبارة أحمد أمين ، وهذا الفهم من الأشعرية والماتريدية جاء بناء على فهم الغيرية وهي كل شيئين يصح مفارقتهما بوجه من الوجوه ،انظر:الأشعري ،اللمع، ن.م.
وهذا الفهم للغيرية هو نوع من تنزيل الصفات الإلهية على أحكام الدنيا ، وقد لاقى الفهم الأشعري والماتريدي لعلاقة الذات مع الصفات نقدا من ابن حزم[ت:456] الذي رماه بالفساد والتناقض باعتبار أن الشيء إن لم يكن عين الذات فهو غيره ، وإن لم يكن غيره فهو ذاته ، ولا ثالث لهذين القسمين ، انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل:2/106، وسار الدكتور محمود قاسم على نهج ابن حزم ، انظر له مقدمة مناهج الأدلة لابن رشد:41-42.
ولابد من الاعتراف أن كون الصفات ليست هي الذات ولا غير الذات لاتفهم إلا على ضوء تنزيل الغائب على الشاهد،ولهذا عندما حاول ابن فورك[ت:406] -في تصوير مذهب شيخه الأشعري- والغزالي[ت:505] تعقيل المسألة بإقناع الآخرين بوجهة نظرهما ، لم يجدا دليلا إلا هذا القياس ، فعندهما أن الشيء يمكن أن يقال عنه إنه ليس ذات الشيء الآخر ، وليس غيره " فيد زيد ليس هو زيد ، ولا هو غير زيد " ، الغزالي ، الاقتصاد في الاعتقاد:128، أي أن بعضَ الكلِ كيد زيد -فاليد بعض من كلٍ هو زيد- ليس هو الكل ، لأن الكل وهو زيد يشتمل على الجسم ، ومن جملة ذلك اليد ، كما أن هذا البعض ليس هو غير الكل باعتبار انضوائه تحت الكل، ويمثل لذلك ابن فورك بالجزء من العشرة ، فالجزء من العشرة كرقم خمسة ، ليس هو العشرة لأن العشرة تتناوله وتتناول غيره ، كما أن رقم خمسة ليس هو غير العشرة باعتباره منضويا تحته، انظر: ابن فورك مجرد مقالات الأشعري :268 -269.
هذا التعقيل للقضية لإقناع الآخرين بها مرتكز على هذا القياس، ولكن هل يمكن أن نطبق القوانين التي نخضع لها على الله! هذا ما حذر منه أحمد أمين.
‹9› ضحى الإسلام:3/70.