المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قاعدة في الفرق بين الشبهة والدليل



عمرو بسيوني
10-20-2011, 09:30 PM
ـ القاعدة :
*الشبهة من حيث اللغة : ما فيه اشتباه ، فكل ما اشتبه على الناظر ، وتردد فيه ؛ فهو شبهة .
ولا إشكال في أن هذا على طريقة المناطقة ؛ دور قادح في التعريف ؛ لأن شروط حدودهم لا تشترط هاهنا .
أما المراد بها في الاستخدام العلمي : فهي فرد من جنس الأدلة في الجملة ، لا يدل على المدلول في نفس الأمر ، يعارض الثابت في نفس الأمر بالدليل .
ـ وقيد المعارضة للثابت في نفس الأمر بالدليل ؛ يخرج به الدليل الفاسد مطلقا ، لأن الدليل الذي لا يصح ، أو لا يدل على المدلول ، أو كلاهما = دليل فاسد ، لكنه متى ما عارض ما دل عليه الدليل الصحيح = كان شبهة على الدليل الصحيح .
فصار بينهما عموم وخصوص مطلق ، فكل شبهة = دليل فاسد ، ولا عكس .
مثال الدليل الفاسد الذي ليس بشبهة : الاستدلال بحديث ضعيف على وجوب الختان للذكور .
ومثال الدليل الفاسد الذي هو شبهة : الاستدلال بحديث ضعيف على استحباب الختان للذكور .

*والدليل في اللغة : ما يوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري .

فإنتاج المدلول من الدليل إنما هو بالقوة ، ولا يشترط فيه بالفعل ، فإذا كان الدليل في نفسه يدل على المدلول لم يضره عدم تحصيل المدلول منه لقصور في النظر أو فساد .

ومتي لم يكن الدليل دالا على المدلول بالقوة ، لم يكن دالا عليه بالفعل بالضرورة ، فلم يكن دليلا على المدلول المعين حقا .
ومتى لم يكن الدليل دالا على المدلول بالقوة ؛ ودلَّ عليه بالفعل ، كان ذلك الفعل غلطا ، ونظرا فاسدا ، وهو معنى قولهم ( بصحيح النظر فيه ) .

فمتى استخدم الدليل على ما لا يدل عليه في نفس الأمر ، كان دليلا فاسدا.
ومتى عارض الدليلُ الذي لا يدل على المدلول في نفس الأمر ، الدليلَ الذي يدل على المدلول في نفس الأمر ؛ كان دليلا فاسدا وشبهة .

ـ ملحوظات :
1 ـ الدليل المراد منه تعريفه فوق بإطلاق ، فيشتمل العقلي والنقلي ، والاتفاقي والخلافي خلافا سائغا ، أما مالم يكن من جنس الأدلة أصلا كالرؤى و الذوق المجرد ؛ فليس شيئا .

2 ـ يشترط في الشبهة بعد أن تكون من جنس الأدلة = أن تكون معتبرة ، فإن لم تكن ؛ فليست بشيء ، فالحديث الموضوع والقياس الغلط والإجماع المخروم البين نقضه من جنس الأدلة من حيث الأصل ، لكنها ليست معتبرة ، فلما لم تكن معتبرة لم تكن حديثا ولا قياسا ولا إجماعا ، فخرجت من حنس الأدلة .

3 ـ يشترط في الشبهة بناء على ما سبق أن تكون شيئا وجوديا ، ولو جهلا مركبا ، أما الجهل البسيط ( العدمي ) ، الذي هو فراغ النفس عن التصور ، فليست شبهة .

4 ـ بناء على ما ذكر كله ، يتبين أن الشبهة أمر نسبي ، فقد يشتبه على الإنسان ما لا يشتبه على غيره ، بل قد يشتبه على الإنسان نفسه في حال ، مالا يشتبه عليه في أخرى .
وقد يسمى كل من المخالفين أدلة مخالفه ( شبهة ) ، لكونها تعارض الثابت عنده في نفس الأمر بالأدلة ، ولا تدل على المطلوب المعارض في نفسها .
وهذا نفسه ( يعني وصف الدليل بالشبهة من عدمها ) = مسألة اجتهادية سائغة ، من أهلها ، في محلها .
وتقييد ذلك بالقول ( في محلها ) يفيد أنه ربما أقول :
إنه يقبح تسمية الأدلة المخالفة في مسألة مشهورٌ فيها الخلاف وقوته ، تكره تسميتها ( شبهات ) كما يحدث عند كثير من المعاصرين ، يؤلف في مسألة الخلاف فيها أشهر من أن يذكر ، ثم يسمي أدلة المخالفين شبهات بإطلاق هكذا .

5 ـ متى استقر في نفس المجتهد حكم المسألة بأدلتها ، وعارضها غيرها بأوجه لا تجتمع مع ما توصل إليه = كان المعارض عنده شبهة لا دليلا .

ـ وهذه نقطة كنت قد تأملت فيها طويلا في أوقات قديمة ، وهي ( أوجه الدفوع التي يذكرها جلة من العلماء ويكون ضعفها لائحا عند الناظر ) ، وهي في تقديري من المسائل التي تجرئ المبتدئين على أهل العلم .

وسبب ذلك أننا كنا نقرأ في الكتب ، أن الإمام الفلاني ( النووي ، ابن القيم ، ابن حجر ، ..) ، بعدما يعرض مسألة بحكمها عنده ودليلها ، قد يورد أدلة المخالفين ، فنجد الشيخ يجيب إجابة ، قد يصدرها بـ " ربما " ، وقد يصدرها بكلمة : " وهذا يحمل على كذا " ، أو يقول : " ولعل المراد منه كذا" .
كل ذلك بحيث لا يخالف الحكمَ الذي قرره في المسألة محل البحث .
فيأتي الاعتراض من القارئ أن أغلب ما يذكره الشيخ على الظاهر = ضعيف ، فـ " ربما " قد لا تكون " ربما " ! ، والحمل لا يسلم للشيخ من المخالف ، و" لعله " لا تغني ولا تسمن من جوع ! ، ويجب إعمال الأدلة ما استطيع إلى ذلك سبيلا ، ونحو ذلك .

فكان وجه تأملي = أن الأوجه التي تتقافز في ذهن القارئ لا تخفى على المبتدئة من الطلاب ـ بدليل القارئ نفسه ـ فبأي وجه تفوت على المؤلف ؟
و ليس له علاقة بعصمة المؤلف ، لكنها أوجه في الرد والدفع لا يفوت أحدا ممن ينظر إليها مستقلة أن فيها ضعفا .
ثم بدا لي بعد النظر الطويل في سياقات أقوالهم تلك ، أن في النظر فيها بتلك الطريق نوع إجحاف وعدم فهم .
وأن العالم متى استقر في نفسه حكم الله في المسألة ، ورأى الأدلة التى تتكامل وتتعاضد = يرسخ في نفسه الرأي الذي استولده منها .
ثم متى عارضها من الأدلة ما ( يشتبه عنده ) أنها معارضة ، فإنه يرد تلك الدلالة للجمع مع أدلته ودفع المعارضة ، بأوجه لو استقلت في ميزان النظر والفقه = ربما لم تكن تنهض على مطلوبه منها .

والله أعلم

د. هشام عزمي
10-21-2011, 12:23 AM
ما شاء الله .. بارك الله فيك ..

اخت مسلمة
10-21-2011, 03:25 AM
كم نحتاج لمثلِ هذه التأصيلات ..!
جزاك الله خير الجزاء

عَرَبِيّة
10-21-2011, 03:52 AM
ماشاء الله ممتاز جداً , بارك الله فيك .. ومن بعدِ إذنك ,
أتوضّح هذا وتُردف مثالاً عليه رزقكَ الله الجنّة :

فإنتاج المدلول من الدليل إنما هو بالقوة ، ولا يشترط فيه بالفعل

عمرو بسيوني
10-22-2011, 05:11 AM
جزاكم الله خيرا .

معنى أن الدليل ينتج المدلول بالقوة = أنه صالح للدلالة ، ويحتوى عليها .

ومعنى أنه ينتجها بالفعل = أن يوجد ذلك الإجراء ( الاستدلال ) في الخارج فعلا .

مثال الأول : صلاحية قوله تعالى ( وأقيموا الصلاة ) على الدلالة على وجوب الصلاة .
ومثال الثاني : استدلال الشافعي بقوله ( واقيموا ) على وجوب الصلاة .

فتحرر : أن الذي بالقوة ( مطلق ذهني ) ، وأن الذي بالفعل ( معين واقعي ) .

والحاصل : أن كون الدليل يدل على المدلول بالقوة = يعني ( إمكان ) أن يؤدي إليه بالفعل .
لا ضرورة ذلك ، ولهذا قلت إنه لا يشترط .

وهذا في حق الأفراد بلا نزاع ، فقد يستدل المجتهد على الحكم بدليل ولا يستدل عليه بدليل آخر صحيح ، غفلة عنه ، أو قصورا عن معرفة وجه الدلالة فيه .

وهل يصح ذلك في عموم الأمة ، فيه بحث
لعل الأصوب أن يقال : إن كان ذلك الحكم لا يتوقف على ذلك الدليل بخصوصه ، فيمكن أن لا يستدل به مطلقا ، ويستدل بغيره ، ويكون ذلك مما يعرفه الناس يوم القيامة في الجنة ، حيث تتسامى علومهم ، ونحو ذلك .

إذ المطلوب من العبيد تحصيله ؛ الاجتهاد في معرفة الحكم ، ثم لا يخلو في الأمة من يعرف الحق في المسألة الواحدة ن لكنه لا يلزم أن يعرف كل ما يدل عليها من الأدلة ، فمتى تخقق معرفة الحق بدليله فلا يجب أن يُعرف كل دليل عليه .

والله أعلم

عَرَبِيّة
10-23-2011, 03:47 PM
واضح جداً , زادك الله علماً وعملاً .