المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرد على منكر " العلو " لله تبارك وتعالى



أهل الحديث
10-22-2011, 10:05 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبه أجمعين .

إن الصفات من المسائل العقائدية البحتة ، ومعرفة الله تبارك وتعالى عن طريقها لهو من أجل العلوم التي يعتقدُ بها ومن هذه المسائل هي مسألة " العلو " فإن الملاحدة أنكروا العلو لله تبارك وتعالى ، كما أنكرهُ المعطلة والمجسمة والرافضة وأضرابهم ولهذا فإن الصفات من المسائل العقائدية البحتة التي يجبُ أن يسلم بها العبدُ تسليماً كاملاً مذعناً لها ، ولأن آيات الصفات في القرآن الكريم هي من الآيات المحكمة التنزيل ، ولا يدخلُ المجاز في الصفات فإن الصفات تحمل على حقيقتها ويمكنُ إجمال هذه المسائل بالقاعدة المتفق عليها عند المتقدمين والمتاخرين وهو أن " والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب وإنكاره بدعة وما أراك إلا مبتدعا " ، و ومن العلم بالله العلم بصفاته، حيث اتفق المسلمون على أن الله متصف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص، إلا أنهم اختلفوا في جملة من الصفات التي ورد بها الكتاب، ونطق بها الرسول - صلى الله عليه وسلم –، وفي مقدمة تلك الصفات التي خالف فيها البعض صفة علو الباري سبحانه واستواءه على خلقه . حيث أثبتها السلف ولم يروا في إثباتها ما يوجب نقصاً أو يخالف نصاً، ونفاها آخرون استنادا إلى أدلة سنأتي على شرحها ومناقشها .

وقد سئل كما تعلمون الإمام مالك عن الاستواء فقال (الاستواء غير مجهول) وفي لفظ آخر قال (الاستواء معلوم) لكن الأشهر (الاستواء غير مجهول) يعني غير مجهول المعنى في اللغة (والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب وإنكاره بدعة وما أراك إلا مبتدعا) ، هذه الصفة صفة الاستواء كما قال الإمام مالك (الاستواء غير مجهول) أو (الاستواء معلوم).

يعني في اللغة ، فلهذا أهل السنة قاعدتهم في هذه الصفات أنهم يؤمنون بما وصف الله جل وعلا به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات ويفهمون ذلك ويثبتونه على مقتضى اللسان العربي ، ومعلوم أن اللسان العربي من حيث فيه المعاني الكلية وفيه المعاني الإضافية ، فهناك معاني كلية هذه - بشرط الكلية - لا توجد إلا في الأذهان ، يعني أن نتصور معنى عام للاستواء من غير إضافته لأحد ، هذا بحث لغوي بحت لكنه في الواقع غير موجود ، فكيف إذن تفسر الألفاظ اللغوية ؟

الألفاظ اللغوية تفهمها العرب وتفسرها بالمعنى العام الكلي الذي يكون في الذهن ، وإذا صار مضافا في الخارج إلى لأشخاص فإنه تكون الإضافة فيه بحسب ما يليق بالمضاف إليه .

فمثلا الاستواء ، الاستواء في اللغة معلوم المعنى غير مجهول المعنى ومعناه معنى الاستواء العلو والارتفاع ، فتقول مثلا (استويت على الراحلة) إذا علوت عليها ، الاستواء هو العلو والارتفاع
لكن هذا العلو والارتفاع مضاف إلى أي شيء ؟

علو وارتفاع المخلوق ، علو وارتفاع رجل ، علو وارتفاع صاعد لجبل
هل هو علو وارتفاع الخالق ؟ أي علو وارتفاع ؟
فإذن تفسير الاستواء بالمعنى العام في اللغة هذا هو الذي ينفي التشبيه وينفي التمثيل
لأنه يقع التمثيل إذا سوي في الخارج بين من أضيف له الاستواء ، فقيل في الرجل استوى والله جل وعلا على العرش استوى ، الملك استوى على عرشه والله جل وعلا استوى على عرشه
الاستواء من حيث كونه معنى كليا في الذهن معناه واحد ، لكن إذا أضيف ، إذا خصص به فإن المعنى يختلف ، يكون بحسب من خصص به وهذه قاعدة مهمة (أن المعاني الكلية تختلف معانيها بالإضافة والتخصيص) الإضافة والتخصيص إلى من فعل الفعل أو من اتصف بالوصف فعندنا صفة المحبة ، الله جل وعلا له المحبة والمخلوق أيضا له المحبة المحبة من حيث اللغة إذا قال ما المحبة ؟

إذا فسرها لغوي بما يجعل في ذهنه أن المراد بالمحبة محبة المخلوق فإنه هنا يغلط لأن الواجب في تفسير الألفاظ اللغوية أن تفسر بالمعاني الكلية التي لا توجد في الخارج لكي تشمل جميع الأصناف : تشمل محبة المخلوق تشمل محبة الإنسان الطبيعة كمحبة الرجل للمرأة ، المرأة للرجل محبة الحيوانات الأم لولدها والولد لأمه ، محبة الملائكة ، تشمل محبة الله
هذا المعنى الكلي هو الذي يشمل الجميع ، وإنما يختلف في الخارج باختلاف الإضافة والتخصيص ولهذا في الاستواء الله جل وعلا أثبت أن بعض خلقه له الاستواء فقال ?فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك? يعني علوتم وارتفعتم على الفلك ?فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين . أهـ . وقد إستدل السلف بادلة كثيرة على إثبات العلو .

أولاً : من القرآن الكريم .

وهي على أنواع، منها ما يصرح باستواء الله على عرشه كما في قوله تعالى:{ الرحمن على العرش استوى }(طه:5) والاستواء في الآية هو العلو والارتفاع، قال الإمام الطبري في تفسير الآية: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا . وحكى أبو عمر بن عبد البر عن أبي عبيدة في قوله تعالى: { الرحمن على العرش استوى } قال: علا . وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " وأما تفسير { استوى } علا، فهو صحيح، وهو المذهب الحق، وقول أهل السنة، لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي، وقال:{ سبحانه وتعالى عما يشركون } وهي صفة من صفات الذات " ، ومن أدلة الكتاب ما يصرح بالصعود والعروج إليه، والصعود لا يكون إلا لعلو، قال تعالى: { إليه يصعد الكلم الطيب }(فاطر: 10)، و{ الكلم الطيب } هو الذكر والدعاء . وقال تعالى: { تعرج الملائكة والروح إليه }(المعارج:4) والعروج الصعود .

ومنها ما يصرح بالرفع إليه، قال تعالى: { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي }(آل عمران: 55 ) وقال تعالى: { بل رفعه الله إليه }(النساء: 157-158)، وقال - صلى الله عليه وسلم - عن شهر شعبان وقد سئل عن سبب صومه: ( شَهْرٌ ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) رواه النسائي .ومن أدلة الكتاب أيضا التصريح بالفوقية: كما في قوله تعالى عن الملائكة: { يخافون ربهم من فوقهم }(النحل:50)، وكما في قوله:{ وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير }(الأنعام:18). ومنها التصريح بنزول الملائكة والكتب منه إلى عباده، والنزول لا يكون إلا من علو، قال تعالى: { قل نزله روح القدس }(النحل: 102) وقال تعالى:{ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم }(الزمر:1) .ومنها التصريح بأنه في السماء، كما قال تعالى: { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير }(الملك:16-17) . ومعنى { في السماء } أي: على السماء لاستحالة أن تكون السماء ظرفا للخالق ومكانا له .

قال الإمام اللالكائي في "شرح اعتقاد أهل السنة" : " فدلت هذه الآيات أنه تعالى في السماء وعلمه بكل مكان من أرضه وسمائه . وروى ذلك من الصحابة : عمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأم سلمة ومن التابعين : ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان وبه قال من الفقهاء: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل " .

ثانياً : من السنة النبوية الكريمة .

وهي كثيرة، فمنها حديث معاوية بن الحكم السلمي وفيه أنه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم - بجارية أراد تحريرها من العبودية، فسألها النبي: ( أين الله ) قالت: في السماء، قال: ( من أنا ؟ ) قالت : أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( أعتقها – حررها - فإنها مؤمنة ) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي و مالك في موطئه الشافعي في مسنده و ابن حبان وغيرهم ولم يؤول أي منهم الحديث فدل على قبولهم ظاهره.

ومنها حديث جابر - رضي الله عنه – في سرده حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه عندما خطب الناس في حجة الوداع واستشهدهم على البلاغ، فقالوا: " نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت " فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها – ويخفضها - إلى الناس، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات ) رواه مسلم في صحيحه . وهو دليل صحيح صريح على علو الله على خلقه .ومنها ما ورد في صحيح البخاري أن زينب – رضي الله عنها - كانت تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم – فتقول: " زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات " ومثل هذا القول من زينب لا يقال بالرأي، بل هو مما تلقته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فهمته من نصوص القرآن .

ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه الترمذي وصححه ومن الأحاديث التي تثبت صفة العلو لله ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ) ومنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ( لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي ) متفق عليه .

يقول الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتابه "الاستذكار الجامع لمذاهب الأمصار" تعليقا على حديث الجارية المتقدم" فعلى ذلك جماعة أهل السنة، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه، وسائر نقلته، كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه:{ الرحمن على العرش استوى }(طه:5)، وأن الله - عز وجل - في السماء وعلمه في كل مكان " . وقال الإمام البغوي : " أهل السنة يقولون الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به ويكل العلم به إلى الله عز وجل ".

وقال أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - كما في الإبانة(1/39)" إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له: نقول: إن الله - عز وجل - يستوي على عرشه استواء يليق به ".

وقال أبو مطيع البلخي في كتاب "الفقه الأكبر": سألت أبا حنيفة عمن يقول لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، قال: كفر؛ لأن الله يقول: { الرحمن على العرش استوى }(طه:5)، وعرشه فوق سبع سمواته، فقلت: إنه يقول على العرش، ولكن لا أدرى العرش في السماء أو في الأرض، فقال: إنه إذا أنكر أنه في السماء كفر، لأنه تعالى في أعلى عليين، وأنه يُدعى من أعلى لا من أسفل ". وهذا النقول تؤكد صراحة أن السلف مجمعون على أن الله – كما أخبر – عال على خلقه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله .

والله أعلم .

أهل الحديث
11-04-2011, 07:37 AM
للفائدة إن شاءا لله .

جمال البليدي
11-07-2011, 11:16 PM
بارك الله فيكم...كلامك في التفريق بين المعنى الكلي والإضافي مهم للغاية

أهل الحديث
11-08-2011, 07:25 AM
أحسن الله إليك أخي الكريم جمال ، جزاك الله عنا كل خير ورفع الله قدرك .

أهل الحديث
11-13-2011, 08:22 PM
سُبْحانَ الله وَبِحَمْدهِ .. سُبْحَانَ اللهِ العَظيمِ ..