المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحرير موجز في مكانية العالم



عمرو بسيوني
11-08-2011, 04:05 PM
الحمد لله عزيز الجناب ، ملك الملوك ورب الأرباب ، قهر الأحياء بالموت وأخضع الرقاب ، لا حول ولا قوة إلا به وإليه المآب ، وصل يا مولانا على محمد ، وآله الطاهرين ، وصحبه الميامين ، ما طار ملَك وجاب ؛


* محالّ الاتفاق :
1 ـ كل جسم في مكان .

2 ـ العالم ليس في مكان ؛ إذ لو كان في مكان = تسلسل ، وهو باطل .

* تحرير :

1 ـ لكل جسم مكان بإجماع العقلاء ، القائلين بحقية الوجود الواقعي في الخارج :

أ ـ قال العلامة الطوسي : ( لكل جسم مكان طبيعي ، يطلبه عند الخروج على أقرب الطرق )

ب ـ وقال الحلي : ( كل جسم على الإطلاق ؛ فإنه يفتقر إلى مكان يحل فيه ؛ لاستحالة وجود جسم مجرد عن كل الأمكنة ، ولا بد أن يكون ذلك المكان طبيعيا له )


2 ـ العالم محدود :

لأنه لا يخلو من جواهر وأعراض ، والأعراض تقوم بالجواهر ، وسوءا كان الجسم مركبا من الجواهر ، كما هو مذهب المتكلمين ، أو بسيط متصل كما هو مذهب الحكماء ، واختيار الطوسي وغيره ممن ينكر الجزء الذي لا يتجزأ ، فالحاصل أنه ثَمَّ جسم ، وما يقوم به ( ولذا أعرضت عن استعمال الجوهر والعرض وفضلت الجسم أو القائم به ) ، فعلى الطريقتين ، فالأجسام متناهية :

أ ـ قال الطوسي : ( تشترك الأجسام في وجوب التناهي )

ب ـ قال الحلي : ( اتفق أكثر العقلاء عليه ، وإنما خالف فيه حكماء الهند ) .


3 ـ للعالم المحدود [ شكل ] ( بهيئته الاجتماعية التي تحوي الأجسام وما يقوم بها ) :

الدليل عليه أن الأجسام متناهية ، والعالم متناه قطعا ، خلافا للملحدة ، فلزم أنه محدود ، فكل متناه محدود ، والمحدود وجب له شكل في الهندسة ، والفلك ، والمنطق .

قال شيخ الإسلام : " إن العالم المشهود جسم تقوم به الحركات فإن الفلك جسم وكذلك الشمس والقمر والكواكب أجسام تقوم بها الحركات والصفات "

أ ـ قال الحلي : ( كل جسم متناه ، على ما يأتي ، وكل متناه مشكل بالضرورة )

ب ـ قال الطوسي : ( والشكل هيئة إحاطة الحد أو المحدود بالجسم )

جـ قال الحلي : ( قيل في تعريف الشكل : أنه ما أحاط به حد واحد ، أو حدود ، وفي التحقيق : أنه من الكيفيات المختصة بالكميات ، وهو هيئة إحاطة الحد الواحد ، أو الحدود بالجسم ) .

دـ قال الجرجاني : ( الشكل: هو الهيئة الحاصلة للجسم بسبب إحاطة حدٍّ واحد بالمقدار، كما في الكرة، أو حدود، كما في المضلعات من المربع والمسدس ) .

4 ـ الشكل منه طبيعي ، ومنه قسري ، والطبيعي هو الكرة :

أ ـ قال الطوسي : ( والطبيعة منه الكرة ) .

ب ـ قال الحلي : ( لا شكل أبسط من الاستدارة ، فيكون الشكل الطبيعي هو المستدير ، وباقي الأشكال قسري ) .

ودل الكتاب والسنة وإجماع العلماء أن السماوات السبع وما فيهن كريات مستديرات ، قبتها عرش القدوس ، تبارك وتعالى ، فالعرش سقف العالم ، وهو أوسط الجنة وأعلاها كما في الحديث ، والأوسط والأعلى لا يكون ـ من حيث علم الهيئة والهندسة ـ إلا في الكرة .

5 ـ محل الإشكال : كون كل جسم في مكان ، والعالم لو فرض كونه في مكان = لزم التسلسل ، فيلزم وجود الجسم لا في مكان ، وهو محال مخالف للفرض الأول من وجوب كون الجسم في المكان ،

فالهيئة الكرية المحدودة المشكلة المتناهية للعالم ، بقبته ( عرش الرحمن ) ، أين تكون ؟

لابد لها من مكان ، أو حيز .

6ـ كل محدود فهو في حيز :

قال الجرجاني : الحيز: عند المتكلمين هو الفراغ المتوهم الذي يشغله شيء ممتد، كالجسم، أو غير ممتد، كالجوهر الفرد. وعند الحكماء: هو السطح الباطن من الحاوي المماس للسطح الظاهر من المحوى.
الحيز الطبيعي: ما يقتضي الجسم بطبعه الحصول فيه.


6 ـ حل الإشكال :

أن للمكان ـ وللحيز ـ مفهومين ـ أو ثلاثة ـ في الاصطلاح :

أ ـ البعد المساوي لبعد المتمكن : وهذا مذهب أفلاطون ، وأبي البركات بن ملكا البغدادي ، والطوسي ، والحلي .

ب ـ السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي : وهو مذهب أرسطو ، وابن سينا .

ج ـ الفراغ المتوهم الذي يشغله الجسم ، وتنفذ فيه أبعاده : وهو تعريف جمهور المتكلمين .

والتعريف الثاني فاسد ، أقام المتكلمون والفلاسفة ـ كالطوسي والحلي والرازي وابن تيمية ـ الأدلة على بطلانه ، ومن تلك الأدلة : ( التسلسل ) .

والتعريف الأول والثالث ، قريبان ، والخلاف بينهما شبه لفظي .

فبقي أن العالم ليس في مكان : بالمعنى الثاني ، الوجودي ، لأنه يلزم عليه التسلسل .

وهو في مكان : باعتبار الفراغ المتوهم ، الطبيعي الذي يحل فيه العالم ، لانه يلزم كل جسم ، أو كل مشكل ، أو كل محدود ، أو كل متناهٍ = أن يكون في مكان ، وفي حيز ، وهو ـ أي المكان والحيز ـ بهذا المعنى العدمي .

قال ابن تيمية : المتكلمون يريدون بالتحيز ما شغل الحيز ، والحيز عندهم تقدير مكان ليس أمرا موجودا ، فالعالم عندهم متحيز وليس في حيز وجودي .


7 ـ هذا المكان العدمي أو الحيز العدمي ليس مخلوقا ، ولا قديما :

لأنه عدم محض ، والعدم المحض يرتفع فيه النقيضان ، لأنه معدوم .

قال الكفوي : " العدم الْمَحْض: هُوَ الَّذِي لَا يُوصف بِكَوْنِهِ قَدِيما وَلَا حَادِثا وَلَا شَاهدا وَلَا غَائِبا " ،

ولا مخالف في ذلك من المتكلمين ، حتى من القائلين بشيئية المعدوم ، أو القائلين بالأحوال ، لأن كلامهم في الأعدام المخصوصة لا المحضة .


وبذلك التقرير = ينكسر التسلسل ، ويستقيم الفهم للوجود ، والمكان .

*الخلاصة :

1 ـ كل جسم في مكان .
2 ـ الأجسام متناهية .
3 ـ العالم متناه محدود مشكل .
4 ـ العالم في حيز ومكان عدمي ، هو فراغ متوهم ، ليس شيئا وجوديا ، وليس قدرا زائدا على المتمكن .
5 ـ إثبات ما سبقت سياقته في الشكل البرهاني المختصر هو ما يكسر التسلسل ، ويحقق الوجود الواقعي الخارجي للعالم .

عمرو بسيوني
11-08-2011, 04:16 PM
ملاحظة منهجية :

أغلب الاستدلال من كلام الطوسي والحلي ، مع بعض المواطن اليسيرة لابن تيمية ، وبعض متكلمة الأشعرية .

والسبب في ذلك أن هذه الورقة البحثية كانت مكتوبة مخصصا لبعض الكلاميين من الإمامية ، وربما أنشط لتطعيمه ببعض نقول الجويني والرازي ، ومناقشات شيخ الإسلام ، وتعميق كلام الفلاسفة في المكان ، وأوسع فيه النفس في دراسة أكبر ، لكن لم أرد أن يحجز هذا عن الانتفاع بما فيه ، إذ ربما تشغل الشواغل عن ذلك .

والله أعلم

د. هشام عزمي
11-08-2011, 04:31 PM
ورقة نافعة يا شيخ عمرو .. نفعنا الله بعلمك ..