المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ((( أنا ))) منشأ جميع الضلالات و الغفلات و السفاهات = الكلمة الثلاثون



خلوصي
11-11-2011, 01:05 PM
الكلمة التي كشفتْ عن لغز الكون وطلسمه وحلّت سراً عظيماً من اسرار القرآن الحكيم


الكلمة الثلاثون


حرف من كتاب (أنا) الكبير


نقطة من بحر (الذرة) العظيم
هذه الكلمة عبارة عن مقصدين:
المقصد الاول:
يبحث في ماهية (أنا) ونتائجها.
المقصد الثاني:
يبحث في حركة (الذرة) ووظائفها.




المقصد الاول



بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

] إنّا عرضنا الأمانةَ على السموات والأرض والجبال فأبَيْنَ أن يحملْنَهاوأشفَقنَ منها وَحَمَلها الانسانُ إنه كان ظلوماً جهولاً [



من الخزينة العظمى لهذه الآية الجليلة، سنشير إلى جوهرة واحدة من جواهرها، وهي: أن الأمانة التي أبَت السمواتُ والارضُ والجبالُ ان يحملنها، لها معانٍ عدة، ولها وجوه كثيرة. فمعنىً من تلك المعاني، ووجهٌ من تلك الوجوه، هو :
( أنا ).

نعم ! إن ( أنا ) بذرةٌ، نشأت منها شجرة
طوبى نورانية عظيمة، وشجرة زقوم رهيبة،
تمدان أغصانَهما وتنشران فروعَهما في أرجاء عالم الانسان من لدن آدم http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/slm.png الى الوقت الحاضر.

وقبل أن نخوض في هذه الحقيقة الواسعة نبين بين يديها (مقدمة) تيسّر فهمها. وهي:


المقدمة
ان ( أنا ) مفتاح؛ يفتح الكنوز المخفية للأسماء الإلهية الحسنى، كما يفتح مغاليق الكون. فهو بحد ذاته طلسمٌ عجيب، ومعمىً غريب.
ولكن بمعرفة ماهية (أنا) ينحَلّ ذلك الطلسم العجيب وينكشف ذلك المعمى الغريب (أنا) وينفتح بدوره لغز الكون، وكنوز عالم الوجوب.
وقد ذكرنا ما يخص هذه المسألة في رسالة ( شمة من نسيم هداية القرآن ) كالآتي:
((اعلم! أن مفتاح العالم بيد الانسان، وفي نفسه، فالكائنات مع انها مفتحة الابواب ظاهراً إلاّ أنها منغلقة حقيقةً فالحق http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/sbhanh.png أودع من جهة الأمانة في الانسان مفتاحاً يفتح كل أبواب العالم، وطلسماً يفتح به الكنوز المخفية لخلاّق الكون، والمفتاح هو ما فيك من (أنا). إلاّ أن (أنا) ايضاً معمىً مغلق وطلسم منغلق. فاذا فتحتَ (أنا) بمعرفة ماهيته الموهومة وسر خلقته انفتح لك طلسم الكائنات كالآتي )) :
إن الله جلّ جلاله وضع بيد الانسان أمانةً هي: (أنا) الذي ينطوي على إشارات ونماذج يستدل بها على حقائق اوصاف ربوبيته الجليلة وشؤونها المقدسة. اي يكون (أنا) وحدة قياسية تُعرَف بها اوصاف الربوبية وشؤون الالوهية.
ومن المعلوم أنه لا يلزم أن يكون للوحدة القياسية وجود حقيقي، بل يمكن أن تركَّب وحدة قياسية بالفرض والخيال، كالخطوط الافتراضية في علم الهندسة. أي لا يلزم لـ(أنا) أن يكون له وجود حقيقي بالعلم والتحقيق.
سؤال: لِمَ ارتبطت معرفة صفات الله جلّ جلاله واسمائه الحسنى (بأنانية) (1) الانسان؟
الجواب: إن الشئ المطلق والمحيط، لا يكون له حدود ولانهاية؛ فلا يُعطى له شكل ولا يُحكَم عليه بحكم، وذلك لعدم وجود وجه تعيّنٍ وصورةٍ له؛ لذا لاتُفهم حقيقة ماهيته.
فمثلاً: الضياء الدائم الذي لا يتخلله ظلام ، لا يُشعَر به ولا يُعرَف وجودُه إلاّ إذا حُدّد بظلمة حقيقية أو موهومة.
وهكذا، فإن صفاتِ الله http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/sbhanh.png كالعلم والقدرة وأسماءَه الحسنى كالحكيم والرحيم لأنها مطلقة لا حدود لها ومحيطة بكل شئ، لا شريك لها ولاندّ، لايمكن الإحاطة بها أو تقييدها بشئ، فلا تُعرف ماهيتها، ولا يُشعر بها؛ لذا لابد من وضع حدٍّ فرضي وخيالي لتلك الصفات والأسماء المطلقة، ليكون وسيلة لفهمها حيث لا حدود ولا نهاية حقيقية لها وهذا ما تفعله (الأنانية) أي ما يقوم به (أنا)؛ إذ يتصور في نفسه ربوبيةً موهومة، ومالكيةً مفترضة وقدرة وعلماً، فيحدّ حدوداً معينة، ويضع بها حداً موهوماً لصفاتٍ محيطة وأسماء مطلقة فيقول مثلاً: من هنا الى هناك لي، ومن بعده يعود الى تلك الصفات. أي: يضع نوعاً من تقسيم الأمور، ويستعد بهذا الى فهم ماهية تلك الصفات غير المحدودة شيئاً فشيئاً، وذلك بما لديه من موازين صغيرة ومقاييس بسيطة.
فمثلاً: يفهم بربوبيته الموهومة التي يتصورها في دائرة مُلكه، ربوبيةَ خالقه المطلقة http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/sbhanh.png في دائرة الممكنات.
ويدرك بمالكيته الظاهرية، مالكيةَ خالقه الحقيقية، فيقول: كما أنني مالك لهذا البيت فالخالق سبحانه كذلك مالك لهذا الكون.
ويعلم بعلمه الجزئي، علمَ الله المطلق.
ويعرف بمهارته المكتسبة الجزئية، بدائعَ الصانع الجليل، فيقول مثلاً: كما أنني شيدتُ هذه الدار ونظّمتها، كذلك لابد من منشئ لدار الدنيا ومنظّم لها.
وهكذا.. فقد اندرجت في (أنا) آلاف الاحوال والصفات والمشاعر المنطوية على آلاف الاسرار المغلقة التي تستطيع أن تدل وتبيّن ـ الى حدٍ ما ـ الصفات الإلهية وشؤونها الحكيمة كلها.
أي أن (أنا) لايحمل في ذاته معنىً، بل يدل على معنىً في غيره ؛ كالمرآة العاكسة، والوحدة القياسية، وآلة الانكشاف، والمعنى الحرفي فهو شعرةٌ حساسة من حبل وجود الانسان الجسيم وهو خيط رفيع من نسيج ثوب ماهية البشر..
وهو حرف (ألفٍ) في كتاب شخصية بنى آدم، بحيث ان ذلك الحرف له وجهان:
وجه متوجه إلى الخير والوجود؛ فهو في هذا الوجه يتلقى الفيض ويقبله فحسب، أي يقبل الإفاضة عليه فقط؛ إذ هو عاجز عن ايجاد شئ في هذا الوجه، أي: ليس فاعلاً فيه، لأن يده قصيرة لا تملك قدرة الايجاد.
والوجه الآخر متوجه الى الشر، ويُفضي إلى العدم؛ فهو في هذا الوجه فاعل، وصاحب فعل.
ثم إن ماهية (أنا) حرفية، أي يدل على معنىً في غيره، فربوبيته خيالية، ووجوده ضعيف وهزيل الى حدٍ لايطيق أن يحمل بذاته اي شئ كان، ولا يطيق أن يُحمَل عليه شئ، بل هو ميزان ليس إلاّ؛ يبين صفات الله تعالى التي هي مطلقة ومحيطة بكل شئ، بمثل ما يبيّن ميزانُ الحرارة وميزان الهواء والموازين الاخرى مقاديرَ الاشياء ودرجاتها.



فالذي
يعرف
ماهية (أنا) على هذا الوجه،
ويذعن له،
ثم
يعمل وفق ذلك، وبمقتضاه،
يدخل ضمن بشارة قوله تعالى ] قد أفلح مَن زكّيها[
ويكون قد أدى الأمانة حقها فيدرك بمنظار (أنا) حقيقة الكائنات والوظائف التي تؤديها.
وعندما ترد المعلومات من الآفاق الخارجية الى النفس تجد في (أنا) ما يصدّقها، فتستقر تلك المعلومات علوماً نورانية وحكمة صائبة في النفس، ولا تنقلب الى ظلمات العبثية.
وحينما يؤدي (انا) وظيفته على هذه الصورة، يترك ربوبيته الموهومة ومالكيتَه المفترضة ـ التي هي وحدة قياس ليس إلاّ ـ ويفوّض المُلكَ لله وحده قائلاً: له الملك، وله الحمد، وله الحكم واليه ترجعون،
فيلبس لباس عبوديته الحقّة، ويرتقي الى مقام أحسن تقويم.


ولكن إذا نسي (أنا) حكمة خلقه، ونظر إلى نفسه بالمعنى الاسمي،تاركاً وظيفته الفطرية،معتقداً بنفسه أنه المالك، فقد خان الأمانة، ودخل ضمن النذير الإلهي:


]وقد خَابَ مَن دسّيها[




وهكذا فإن إشفاق السموات والارض والجبال من حمل الأمانة، ورهبتهن من شرك موهوم مفترض، إنما هو من هذا الوجه من ( الأنانية)
التي تُولِّد جميع انواع الشرك والشرور والضلالات.

اجل! إن(أنا) مع انه ألفٌ رقيق، خيطٌ دقيق، خطٌ مفترض،
إلاّ أنه إن لم تُعرف ماهيته ينمو في الخفاء
ـ كنمو البذرة تحت التراب ـ
ويكبر شيئاً فشيئاً، حتى ينتشر في جميع انحاء وجود الإنسان،

فيبتلعه ابتلاع الثعبان الضخم، فيكون ذلك الانسان بكامله وبجميع لطائفه ومشاعره عبارة عن ( أنا ).


ثم تمده (أنانية) النوع نافخة فيه روح العصبية النوعية والقومية، فيستغلظ بالاستناد على هذه (الأنانية) حتى يصيرَ كالشيطان الرجيم يتحدى أوامرالله ويعارضها.


ثم يبدأ بقياس كل الناس، بل كل الاشياء على نفسه ووفق هواه، فيقسم مُلك الله سبحانه على تلك الأشياء، وعلى الاسباب فيتردى في شرك عظيم ، يتبيّن فيه معنى الآية الكريمة ] إن الشرك لظلم عظيم[ (لقمان:13).
إذ كما ان الذي يسرق اربعين ديناراً من أموال الدولة لابد أن يرضي اصدقاءه الحاضرين معه بأخذ كل منهم درهماً منه كي تُسوَّغ له السرقة، كذلك الذي يقول: إنني مالك لنفسي، لابد من أن يقول ويعتقد: إن كل شئ مالك لنفسه!
وهكذا، فـ(أنا) في وضعه هذا، المتلبس بالخيانة للأمانة، إنّما هو في جهل مطبق بل هو أجهل الجهلاء،
يتخبط في درك جهالة مركبة حتى لو علِمَ آلاف العلوم والفنون،
ذلك لأن ما تتلقفه حواسُه وافكارُه من انوار المعرفة المبثوثة في رحاب الكون لايجد في نفسه مادةً تصدّقه وتنوّره وتديمه،
لذا تنطفئ كل تلك المعارف، وتغدو ظلاماً دامساً؛ اذ ينصبغ كل ما يرِد اليه بصبغة نفسه المظلمة القاتمة، حتى لو وردت حكمةٌ محضة باهرة فإنها تلبس في نفسه لبوس العبث المطلق؛ لأن لون (أنا) في هذه الحالة هو الشرك وتعطيل الخالق من صفاته الجليلة وإنكار وجوده تعالى. بل لو امتلأ الكون كله بآيات ساطعات ومصابيح هدىً فإن النقطة المظلمة الموجودة في (أنا) تكسف جميع تلك الانوار القادمة، وتحجبها عن الظهور.
ولقد فصّلنا القول في (الكلمة الحادية عشرة) عن الماهية الانسانية و (الأنانية) التي فيها من حيث المعنى الحرفي. وأثبتنا هناك إثباتاً قاطعاً كيف أنها ميزان حساس للكون، ومقياس صائب دقيق، وفهرس شامل محيط، وخريطة كاملة، ومرآة جامعة، وتقويم جامع. فمن شاء فليراجع تلك الرسالة.
إلى هنا نختم المقدمة، مكتفين بما في تلك الرسالة من تفصيل.
فيا أخي القارئ، اذا استوعبت هذه المقدمة، فهيا لندخل معاً إلى الحقيقة نفسها.
إن في تاريخ البشرية ـ منذ زمن سيدنا آدم http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/slm.png الى الوقت الحاضرـ تيارين عظيمين وسلسلتين للأفكار، يجريان عبر الازمنة والعصور، كأنهما شجرتان ضخمتان أرسلتا أغصانَهما وفروعَهما في كل صوب، وفي كل طبقة من طبقات الانسانية.
إحداهما: سلسلة النبوة والدين
والأخرى: سلسلة الفلسفة والحكمة
فمتى كانت هاتان السلسلتان متحدتين وممتزجتين، أي في أي وقت أو عصر استجارت الفلسفة بالدين وانقادت اليه وأصبحت في طاعته، انتعشت الانسانية بالسعادة وعاشت حياة اجتماعية هنيئة.
ومتى ما انفرجت الشقة بينهما وافترقتا، احتشد النور والخير كله حول سلسلة النبوة والدين، وتجمعت الشرور والضلالات كلها حول سلسلة الفلسفة.
والآن لنجد منشأ كلٍ من تلكما السلسلتين وأساسهما:



فإن سلسلة الفلسفة التي عصت الدين، اتخذت صورة شجرة زقوم خبيثة تنشر ظلمات الشرك وتنثر الضلالة حولها. حتى إنها
سلّمت الى يد عقول البشر،في غصن القوة العقلية، ثمرات الدهريين والماديين والطبيعيين ..
وألقت على رأس البشرية، في غصن القوة الغضبية ، ثمرات النماريد والفراعنة والشدادين (1)..
وربّت، في غصن القوة الشهوية البهيمية، ثمرات الآلهة والأصنام ومدّعي الالوهية.


وبجانب هذه الشجرة الخبيثة، شجرة زقوم، نشأت شجرةُ طوبى العبودية لله، تلك هي سلسلة النبوة، فأثمرت ثمرات يانعة طيبة في بستان الكرة الأرضية، ومدّتها إلى البشرية،
فتدلّت قطوفاً دانية من غصن القوة العقلية: أنبياءٌ ومرسلون وصديقون وأولياء صالحون..
كما أثمرت في غصن القوة الدافعة: حكاماً عادلين وملوكاً طاهرين طهر الملائكة..
وأثمرت في غصن القوة الجاذبة: كرماء وأسخياء ذوي مروءة وشهامة في حسن سيرة وجمال صورة ذات عفة وبراءة..

خلوصي
11-11-2011, 01:09 PM
والآن لنجد منشأ كلٍ من تلكما السلسلتين وأساسهما:
فإن سلسلة الفلسفة التي عصت الدين، اتخذت صورة شجرة زقوم خبيثة تنشر ظلمات الشرك وتنثر الضلالة حولها. حتى إنها
سلّمت الى يد عقول البشر،في غصن القوة العقلية، ثمرات الدهريين والماديين والطبيعيين ..
وألقت على رأس البشرية، في غصن القوة الغضبية ، ثمرات النماريد والفراعنة والشدادين (1)..
وربّت، في غصن القوة الشهوية البهيمية، ثمرات الآلهة والأصنام ومدّعي الالوهية.

وبجانب هذه الشجرة الخبيثة، شجرة زقوم، نشأت شجرةُ طوبى العبودية لله، تلك هي سلسلة النبوة، فأثمرت ثمرات يانعة طيبة في بستان الكرة الأرضية، ومدّتها إلى البشرية،
فتدلّت قطوفاً دانية من غصن القوة العقلية: أنبياءٌ ومرسلون وصديقون وأولياء صالحون..
كما أثمرت في غصن القوة الدافعة: حكاماً عادلين وملوكاً طاهرين طهر الملائكة..
وأثمرت في غصن القوة الجاذبة: كرماء وأسخياء ذوي مروءة وشهامة في حسن سيرة وجمال صورة ذات عفة وبراءة.. حتى اظهرت تلك الشجرة المباركة:
ان الانسان هو حقاً اكرم ثمرة لشجرة الكون.
وهكذا فمنشأ هذه الشجرة المباركة، ومنشأ تلك الشجرة الخبيثة، هما جهتا (أنا) ووجهاه، أي أن (أنا) الذي أصبح بذرة أصلية لتلكما الشجرتين، صار وجهاه منشأ كلٍ منهما.
وسنبين ذلك بالآتي:
إن النبوة تمضي آخذة وجهاً لـ (أنا).
والفلسفة تُقبل آخذةً الوجه الآخر لـ (أنا) ..

فالوجه الأول الذي يتطلع الى حقائق النبوة:
هذا الوجه منشأ العبودية الخالصة لله..أي أن (أنا):
يعرف أنه عبدٌ لله، ومطيع لمعبوده..
ويفهم أن ماهيته حرفية، أي دال على معنىً في غيره..
ويعتقد أن وجوده تَبَعيّ، أي قائم بوجود غيره وبإيجاده..
ويعلم أن مالكيته للأشياء وهمية، أي: أن له مالكية مؤقتة ظاهرية بإذن مالكه الحقيقي..
وحقيقته ظلية ـ ليست أصيلة ـ أي أنه ممكنٌ مخلوق هزيل، وظلٌ ضعيف يعكس تجلياً لحقيقة واجبة حقة..
أما وظيفته فهي القيام بطاعة مولاه، طاعة ً شعوريةً كاملة، لكونه ميزاناً لمعرفة صفات خالقه، ومقياساً للتعرف على شؤونه سبحانه.
هكذا نظر الأنبياء والمرسلون http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/slm3.png، ومَن تبعهم من الأصفياء والأولياء، إلى (أنا) بهذا الوجه..
وشاهدوه على حقيقته هكذا. فأدركوا الحقيقة الصائبة، وفوّضوا المُلك كله الى مالك الملك ذي الجلال، وأقرّوا جميعاًً أن ذلك المالك جلّ وعلا لا شريك له ولا نظير، لا في ملكه ولا في ربوبيته ولافي ألوهيته، وهو المتعال الذي لايحتاج إلى شئ، فلا معين له ولا وزير، بيده مقاليد كل شئ وهو على كل شئ قدير. وما ( الأسباب ) إلاّ أستار وحُجب ظاهرية تدل على قدرته وعظمته.. وما ( الطبيعة ) إلاّ شريعته الفطرية، ومجموعة قوانينه الجارية في الكون، اظهاراً لقدرته وعظمته http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/galgalalh.png.
فهذا الوجه الوضئ المنور الجميل، قد أخذ حكم بذرة حية ذات مغزىً وحكمة. خلق الله http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/glgalalh.png منها
شجرة طوبى العبودية،
امتدت أغصانُها المباركة إلى أنحاء عالم البشرية كافة وزيّنته بثمراتٍ طيبةٍ ساطعة، بدّدت ظلمات الماضي كلها، وأثبتت بحق أن ذلك الزمن الغابر المديد ليس كما تراه الفلسفة مقبرةً شاسعة موحشة، وميدان إعدامات مخيفة، بل هو روضة من رياض النور، للأرواح التي ألقت عبئها الثقيل لتغادر الدنيا طليقة، وهو مدار أنوار ومعراج منّور متفاوتة الدرجات لتلك الأرواح الآفلة لتتنقل الى الآخرة وإلى المستقبل الزاهر والسعادة الابدية.

أما الوجه الثاني: فقد اتخذته الفلسفة، وقد نظرت إلى (أنا) بالمعنى الاسمي..
أي تقول: إن (أنا) يدل على نفسه بنفسه..
وتقضي أن معناه في ذاته، ويعمل لأجل نفسه..
وتتلقى أن وجوده أصيل ذاتي ـ وليس ظلاً ـ أي له ذاتية خاصة به..
وتزعم أن له حقاً في الحياة، وأنه مالك حقيقي في دائرة تصرفه، وتظن زعمها حقيقة ثابتة..
وتفهم أن وظيفته هي الرقي والتكامل الذاتي الناشئ من حب ذاته.
وهكذا أسندوا مسلكهم إلى أسس فاسدة كثيرة وبنوها على تلك الأسس المنهارة الواهية.
وقد اثبتنا بقطعية تامة مدى تفاهة تلك الاسس ومدى فسادها في رسائل كثيرة ولا سيما في (الكلمات) وبالاخص في (الكلمة الثانية عشرة) و(الخامسة والعشرين) الخاصة بالمعجزات القرآنية.
ولقد اعتقد عظماء الفلسفة وروادها ودهاتها، امثال افلاطون وارسطو وابن سينا والفارابي ـ بناء على تلك الأسس الفاسدة ـ بأن الغاية القصوى لكمال الانسانية هي (التشبّه بالواجب)! أي بالخالق جلّ وعلا، فأطلقوه حكماً فرعونياً طاغياً، ومهّدوا الطريق لكثير من الطوائف المتلبسة بأنواع من الشرك، أمثال: عَبدة الأسباب وعَبدة الاصنام وعبدة الطبيعة وعبدة النجوم، وذلك بتهييجهم (الأنانية) لتجري طليقة في أودية الشرك والضلالة، فسدّوا سبيل العبودية إلى الله، وغلّقوا أبواب العجز والضعف والفقر والحاجة والقصور والنقص المندرجة في فطرة الإنسان، فضلوا في أوحال الطبيعة ولا نجوا من حمأة الشرك كلياً ولا اهتدوا إلى باب الشكر الواسع.
بينما الذين هم في مسار النبوة: فقد حكموا حكماً ملؤه العبودية الخالصة للّه وحده، وقضوا: أن الغاية القصوى للانسانية والوظيفة الاساسية للبشرية هي التخلق بالأخلاق الإلهية، أي التحلي بالسجايا السامية والخصال الحميدة ـ التي يأمر بها الله سبحانه ـ وأن يعلم الإنسانُ عجزَه فيلتجىء إلى قدرته تعالى، ويرى ضعفَه فيحتمي بقوته تعالى، ويشاهد فقره فيلوذ برحمته تعالى، وينظر إلى حاجته فيستمد من غناه تعالى، ويعرف قصوره فيستغفر ربه تعالى، ويلمس نقصه فيسبّح ويقدّس كماله تعالى.

وهكذا فلأن الفلسفة العاصية للدين قد ضلت ضلالاً بعيداً، صار (أنا) ماسكاً بزمام نفسه، مسارعاً إلى كل نوع من أنواع الضلالة.

وهكذا نبتت شجرة زقوم على قمة هذا الوجه من (أنا) غطت بضلالها نصف البشرية وحادت بهم عن سواء السبيل.
أما الثمرات التي قدمتها تلك الشجرة الخبيثة، شجرة زقوم، إلى انظار البشر فهي الأصنام والآلهة في غصن القوة البهيمية الشهوية؛ إذ الفلسفة تحبذ أصلاً القوة، وتتخذها اساساً وقاعدة مقررة لنهجها، حتى أن مبدأ (الحكم للغالب) دستور من دساتيرها، وتأخذ بمبدأ (الحق في القوة)(1) فاعجبتْ ضمناً بالظلم والعدوان، وحثت الطغاة والظلمة والجبابرة العتاة حتى ساقتهم الى دعوى الالوهية.
ثم انها ملّكت الجمال في المخلوقات، والحُسن في صورها، الى المخلوق نفسه، والى الصورة نفسها، متناسية نسبة ذلك الجمال الى تجلي الجمال المقدس للخالق الجميل والحُسن المنزّه للمصور البديع، فتقول: (ما أجملَ هذا!) بدلاً من أن تقول: (ما أجمل خلقَ هذا)! أي: جعلت ذلك الجمال في حكم صنم جدير بالعبادة!
ثم انها استحسنت مظاهر الشهرة، والحسن الظاهر للرياء والسمعة.. لذا حبّذت المرائين، ودفعتهم الى التمادي في غيّهم جاعلة من امثال الاصنام عابدةً لعبّادها(2).
وربّت في غصن القوة الغضبية على رؤوس البشر المساكين، الفراعنة والنماريد والطغاة صغاراً وكباراً.
أما في غصن القوة العقلية، فقد وضعت الدهريين والماديين والطبيعيين، وامثالهم من الثمرات الخبيثة في عقل الانسانية، فشتتت عقل الانسان أي تشتيت.
وبعد.. فلأجل توضيح هذه الحقيقة، نعقد مقارنة بين نتائج نشأت من الاسس الفاسدة لمسلك الفلسفة، ونتائج تولدت من الاسس الصائبة لمسار النبوة، وسنقصر الكلام في بضعة امثلة فقط من بين الاف المقارنات بينهما :

خلوصي
11-11-2011, 01:11 PM
المثال الاول:
من القواعد المقررة للنبوة في حياة الانسان الشخصية، التخلق باخلاق الله. أي كونوا عباد الله المخلصين، متحلين باخلاق الله محتمين بحماه معترفين في قرارة انفسكم بعجزكم وفقركم وقصوركم.
فأين هذه القاعدة الجليلة من قول الفلسفة: (تشبهوا بالواجب)! التي تقررها غايةً قصوى للانسانية!
اين ماهية الانسان التي عجنت بالعجز والضعف والفقر والحاجة غير المحدودة من ماهية واجب الوجود، وهو الله القدير القوي الغني المتعال!!
المثال الثاني:
من القواعد الثابتة للنبوة في الحياة الاجتماعية، ان (التعاون) دستور مهيمن على الكون، ابتداءً من الشمس والقمر الى النباتات والحيوانات، فترى النباتات تمد الحيوانات، والحيوانات تمد الانسان، بل ذرات الطعام تمدّ خلايا الجسم وتعاونها.
فأين هذا الدستور القويم دستور التعاون وقانون الكرم وناموس الاكرام من دستور (الصراع) الذي تقول به الفلسفة من انه الحاكم على الحياة الاجتماعية، علماً ان (الصراع) ناشئ فقط لدى بعض الظلمة والوحوش الكاسرة من جراء سوء استعمال فطرتهم، بل أوغلت الفلسفة في ضلالها حتى اتخذت دستور (الصراع) هذا حاكماً مهيمناً على الموجودات كافة، فقررت ببلاهة متناهية:(ان الحياة جدال وصراع).
المثال الثالث:
من النتائج المثلى للنبوة ومن قواعدها السامية في التوحيد، أن (الواحد لا يصدر إلاّ عن الواحد)، أي ان كل مالَه وحدةٌ لا يصدر إلاّ عن الواحد؛ اذ ما دامت في كل شئ ، وفي الاشياء كلها، وحدة ظاهرة، فلابد انها من ايجاد ذاتٍ واحدة. بينما دستور الفلسفة القديمة وعقيدتها هو (ان الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد) أي لا يصدر عن ذات واحدة إلاّ شئ واحد، ثم الاشياء الاخرى تصدر بتوسط الوسائط. هذه القاعدة للفلسفة القديمة تعطي للاسباب القائمة والوسائط نوعاً من الشراكة في الربوبية، وتُظهر ان القدير على كل شئ والغني المطلق والمستغني عن كل شئ بحاجة الى وسائط عاجزة! بل ضلوا ضلالاً بعيداً فأطلقوا على الخالق http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/glgalalh.png اسم مخلوق وهو (العقل الاول)! وقسّموا سائر ملكه بين الوسائط، ففتحوا الطريق الى شرك عظيم.
فاين ذلك الدستور التوحيدي للنبوة من هذه القاعدة - للفلسفة القديمة السقيمة - الملوثة بالشرك والملطخة بالضلالة؟
فان كان الاشراقيون الذين هم أرقى الفلاسفة والحكماء فهماً يتفوهون بهذا السخف من الكلام، فكيف يكون يا ترى كلام مَن هم دونهم في الفلسفة والحكمة من ماديين وطبيعيين؟.
المثال الرابع:
انه من الدساتير الحكيمة للنبوة، ان لكل شئ حِكَماً كثيرة ومنافع شتى حتى ان للثمرة من الحِكَمِ ما يُعدّ بعدد ثمرات الشجرة، كما تُفهم من الآية الكريمة وان من شيءٍ إلاّ يسبّح بحمده فان كانت هناك نتيجة واحدة ـ لخلقِ ذي حياةٍ ـ متوجهة الى المخلوق نفسه، وحكمة واحدة من وجوده تعود اليه، فان آلافاً من النتائج تعود الى خالقه الحكيم وآلافاً من الحكم تتوجه الى فاطره الجليل.
أما دستور الفلسفة فهو (ان حكمة خلقِ كلِ كائن حي وفائدته متوجهة الى نفسه، أو تعود الى منافع الانسان ومصالحه)! هذه القاعدة تسلب من الموجودات حِكَماً كثيرة انيطت بها، وتعطي ثمرة جزئية كحبة من خردل الى شجرة ضخمة هائلة، فتحوّل الموجودات الى عبث لاطائل من ورائه.
فاين تلك الحكمة الصائبة من هذه القواعد الفاسدة للفلسفة ـ الفارغة من الحكمة ـ التي تصبغ الوجود كله بالعبث!.
ولقد قصرنا الكلام هنا على هذا القدر، حيث اننا قد بحثنا هذه الحقيقة في الحقيقة العاشرة من الكلمة العاشرة بشئ من التفصيل.
وبعد.. فيمكنك ان تقيس على منوال هذه الامثلة الاربعة آلافاً من النماذج والأمثلة وقد أشرنا الى قسمٍ منها في رسالة (اللوامع).
ونظراً لاستناد الفلسفة الى مثل هذه الاسس السقيمة ولنتائجها الوخيمة
فان فلاسفة الاسلام الدهاة، الذين غرّهم مظهر الفلسفة البراق، فانساقوا الى طريقها كابن سينا والفارابي، لم ينالوا إلاّ أدنى درجة الايمان، درجة المؤمن العادي، بل لم يمنحهم حجة الاسلام الامام الغزالي حتى تلك الدرجة.
وكذا ائمة المعتزلة، وهم من علماء الكلام المتبحرين،
فلأنهم افتتنوا بالفلسفة وزينتها واوثقوا صلتهم بها، وحكّموا العقل، لم يظفروا بسوى درجة المؤمن المبتدع الفاسق.
وكذا ابو العلاء المعري الذي هو من أعلام ادباء المسلمين والمعروف بتشاؤمه، وعمر الخيام الموصوف بنحيبه اليتمي، وامثالهما من الادباء الاعلام ممن استهوتهم الفلسفة، وانبهرت نفوسهم الامارة بها.. فهؤلاء .. قد تلقوا صفعة تأديب ولطمة تحقير وتكفير من قبل اهل الحقيقة والكمال، فزجروهم قائلين: (ايها السفهاء انتم تمارسون السفه وسوء الادب، وتسلكون سبيل الزندقة، وتربّون الزنادقة في احضان أدبكم!).
ثم ان من نتائج الاسس الفاسدة للفلسفة:
ان (انا) الذي ليس له في ذاته إلاّ ماهية ضعيفة كأنه هواء أو بخار، لكن بشؤم نظر الفلسفة، ورؤيتها الاشياء بالمعنى الاسمي، يتميع..
ثم بسبب الأُلفة والتوغل في الماديات والشهوات كأنه يتصلب ..
ثم تعتريه الغفلة والإنكار فتتجمد تلك (الانانية) ..
ثم بالعصيان ـ لاوامر الله ـ يتكدر (أنا) ويفقد شفافيته ويصبح قاتماً..
ثم يستغلظ شيئاً فشيئاً
حتى يبتلع صاحبه..
بل لا يقف (أنا) عند هذا الحد وانما ينتفخ ويتوسع بافكار الانسان ويبدأ بقياس الناس، وحتى الاسباب، على نفسه، فيمنحها فرعونية طاغية ـ رغم رفضها واستعاذتها منها ـ
وعند ذلك يأخذ طور الخصم للاوامر الإلهية فيقول:
] من يحي العظام وهي رميم[
وكأنه يتحدى الله عزوجل، ويتهم القدير على كل شئ بالعجز ..
ثم يبلغ به الأمر ان يتدخل في اوصاف الله الجليلة، فينكر أو يحرّف أو يردّ كل ما لا يلائم هواه، أو لا تعجب فرعونيةَ نفسه.. فمثلاً:
اطلقت طائفة من الفلاسفة على الله http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/sbhanh.png: اسم (الموجب بالذات) فنفوا الارادة والاختيار منه تعالى، مكذّبين شهادة جميع الكون على ارادته الطليقة.
فيا سبحان الله! ما اعجب هذا الانسان!
ان الموجودات قاطبةً من الذرات الى الشموس لتدل دلالة واضحة على ارادة الخالق الحكيم؛ بتعيّناتها، وانتظامها، وحِكَمها، وموازينها، كيف لا تراها عينُ الفلسفة؟ أعمى الله أبصارهم!
وادّعت طائفة اخرى من الفلاسفة: (ان العلم الإلهي لا يتعلق بالجزئيات) نافين إحاطة علم الله سبحانه بكل شئ، رافضين شهادة الموجودات الصادقة على علمه المحيط بكل شئ.
ثم ان الفلسفة تمنح التأثير للأسباب، وتعطي بيد الطبيعة الايجاد والابداع، فلا ترى الآيات المتلألئة على كل موجود، الدالة على الخالق العظيم ـ كما اثبتناه في (الكلمة الثانية والعشرين) ـ فضلاً عن انها
تسند خلق قسم من الموجودات ـ التي هي مكاتيب إلهية صمدانية ـ الى الطبيعة العاجزة الجامدة الفاقدة للشعور، والتي ليست في يديها إلاّ المصادفة العشواء والقوة العمياء، جاعلة لها ـ أي للطبيعة ــ مصدرية في خلق الاشياء، وفاعلية في التأثير!فحجبت آلاف الحِكم المندرجة في الموجودات.
ثم ان الفلسفة لم تهتد الى باب الآخرة الواسع، فانكرت الحشر وادّعت أزلية الارواح، علماً ان الله http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/3za.png بجميع اسمائه الحسنى، والكون بجميع حقائقه والانبياء والرسل الكرام http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/slm3.png بجميع ما جاءوا من الحقائق، والكتب السماوية بجميع آياتها الكريمة.. تبيّن الحشر والآخرة، كما اثبتناه في الكلمة العاشرة (الحشر).
وهكذا يمكنك ان تقيس سائر مسائل الفلسفة على هذه الخرافات السخيفة.

أجل! لكأن الشياطين اختطفوا عقول الفلاسفة الملحدين بمنقار " أنا " ومخاليبه وألقوها في أودية الضلالة، ومزقوها شر ممزق.

فـ(أنا) في العالم الصغير ـ الانسان ـ كالطبيعة في العالم الكبير،
كلاهما من الطواغيت:
] فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم[ .

* * *

ولقد رأيت حادثة مثالية قبل الشروع بتأليف هذه الرسالة بثماني سنوات، عندما كنت في استانبول شهر رمضان المبارك، وكان آنئذٍ سعيد القديم ـ الذي انشغل بالفلسفة ـ على وشك ان ينقلب الى سعيد الجديد.. في هذه الفترة بالذات وحينما كنت أتأمل في
المسالك الثلاثة المشارة اليها في ختام سورة الفاتحة بـ
] صراط الذين انعمت عليهم غير المغـضوب عليهم ولا الـضالين[
رأيت تلك الحادثة الخيالية وهي حادثة أشبه ما يكون بالرؤيا. سجلتها في حينها في كتابي (اللوامع) على صورة سياحة خيالية وبما يشبه النظم. وقد حان الآن وقت ذكر معناها وشرحها، حيث انها تسلط الاضواء على الحقيقة المذكورة ...

خلوصي
11-11-2011, 01:19 PM
كنت ارى نفسي وسط صحراء شاسعة عظيمة، وقد تلبدت السماء بسحب قاتمة مظلمة، الأنفاس تكاد تختنق على الارض كافة. فلا نسيم ولا ضياء ولا ماء. كل ذلك مفقود.
توهمت ان الارض ملأى بالوحوش والضوارى والحيوانات الضارة. فخطر على قلبي ان في الجهة الاخرى من الارض يوجد نسيم عليل وماء عذب وضياء جميل، فلا مناص اذاً من العبور الى هناك.. ثم وجدتنى وانا اُساق الى هناك دون ارادتي.. دخلت كهفاً تحت الارض، اشبه ما يكون بانفاق الجبال، سرتُ في جوف الارض خطوة خطوة وانا اشاهد أن كثيرين قد سبقوني في المضي من هذا الطريق تحت الارض، دون ان يكملوا السير اذ ظلوا في اماكنهم مختنقين، فكنت أرى آثار اقدامهم، واسمع ـ حيناً ـ اصوات عددٍ منهم .. ثم تنقطع الاصوات.
فيا صديقي الذي يرافقني بخياله في سياحتي الخيالية هذه!
ان تلك الارض هي (الطبيعة) و (الفلسفة الطبيعية).
اماالنفق فهو المسلك الذي شقه اهل الفلسفة بافكارهم لبلوغ الحقيقة.
أما آثار الاقدام التي رأيتها فهي لمشاهير الفلاسفة كافلاطون وارسطو(1).
وما سمعته من اصوات هو أصوات الدهاة كابن سينا والفارابي..
نعم كنت أجد اقوالاً لإبن سينا وقوانين له في عدد من الاماكن، ولكن كانت الاصوات تنقطع كلياً، بمعنى انه لم يستطع ان يتقدم، أي انه اختنق.. وعلى كل حال فقد بينت لك بعض الحقائق الكامنة تحت الخيال لأخفف عنك تلهفك وتشوقك.. والآن اعود الى ذكر سياحتي:
استمر بي السير، واذا بشيئين يجعلان بيدي.
الاول: مصباح كهربائي، يبدد ظلمات كثيفة للطبيعة تحت الارض.
والآخر: آلة عظيمة، تفتت صخوراً ضخمة هائلة امثال الجبال.. فينفتح لي الطريق.
وهُمِس في اذني آنذاك: ان هذا المصباح والآلة، قد منحتا لك من خزينة القرآن الكريم..
وهكذا فقد سرت مدة على هذا المنوال، حتى رأيت نفسي قد وصلت الى الجهة الاخرى،
فاذا الشمس مشرقة في سماء صافية جميلة لا سحاب فيها، واليوم يوم ربيع بهيج، والنسيم يهب كأن فيه الروح، والماء السلسبيل العذب يجري. فقد رأيت عالَماً عمّته البهجة ودبّ الفرح في كل مكان، فحمدتُ الله.
ثم نظرت الى نفسي، فرأيت اني لا املكها ولا استطيع السيطرة عليها، بل ان احدهم يختبرني،
وعلى حين غرة رأيت نفسي مرة اخرى في تلك الصحراء الشاسعة،
وقد اطبقت السحب القاتمة ايضاً فاظلمت السماء، والانفاس تكاد تختنق من الضيق.. واحسست سائقاً يسوقني الى طريق آخر، اذ رأيت أني أسير في هذه المرة على الارض وليس في جوفها في طريقي الى الجهة الاخرى..فرأيت في سيرى هذا اموراً عجيبة ومشاهد غريبة تكاد لا توصف؛ فالبحر غاضب عليّ، والعاصفة تهددني وكل شئ يلقي امامي العوائق والمصاعب. إلاّ ان تلك المشاكل تُذلّل بفضل ما وُهب لي من القرآن الكريم من وسيلة سياحية. فكنت اتغلب عليها بتلك الوسيلة..
وبدأت اقطع السير خطوة خطوة، شاهدت اشلاء السائحين وجنائزهم ملقاة على طرفي الطريق، هنا وهناك فلم يُنهِ إلاّ واحدٌ من ألفٍ هذه السياحة.. وعلى كل حال فقد نجوت من ظلمات تلك السحب الخانقة، ووصلت الى الجهة الاخرى من الارض، وقابلت الشمس الحقيقية الجميلة، وتنفستُ النسيم العليل، وبدأت اجول في ذلك العالم البهيج كالجنة، وانا اردد: الحمد للّه.
ثم رأيت انني لن اُترَك هنا، فهناك مَن كأنه يريد أن يرينى طريقاً آخر، فأرجعَني في الحال الى ما كنت عليه.. تلك الصحراء الشاسعة.. فنظرت فاذا اشياء نازلة من الاعلى كنزول المصاعد (الكهربائية) بأشكال متباينة وانماط مختلفة بعضها يشبه الطائرات وبعضها شبيه بالسيارات، واخرى كالسلال المتدلية.. وهكذا.
فأيّما انسان يمكن أن يتعلق بأحدى تلك الاشياء، حسب قابليته وقوته، فإنه يُعرج به الى الاعلى.. فركبت احداها، واذا أنا في دقيقة واحدة فوق السحب وعلى جبال جميلة مخضوضرة، بل لا تبلغ السحب منتصف تلك الجبال الشاهقة.. ويُشاهد في كل مكان اجمل ضياء، وأعذب ماء وألطف نسيم.. وحينما سرحت نظري الى الجهات كلها رأيت أن تلك المنازل النورانية ـ الشبيهة بالمصاعد ـ منتشرة في كل مكان. ولقد كنت شاهدت مثلها في الجهة الاخرى من الارض في تلكما السياحتين السابقتين.. ولكن لم افهم منها شيئاً،
بيد اني الآن افهم أن هذه المنازل انما هي تجليات لآيات القرآن الحكيم.
وهكذا فالطريق الاول: هو طريق الضالين المشـار اليـه بـ ] الـضالين[ وهو مسلك الذين زلّوا الى مفهوم (الطبيعة) وتبنّوا افكار الطبيعيين.. وقد شعرتم مدى صعوبة الوصول الى الحقيقة من خلال هذا السير الملئ بالمشكلات والعوائق.
والطريق الثاني: المشار اليه بـ ] المغـضوب عليهم[ فهو مسلك عَبَدة الاسباب والذين يحيلون الخلق والايجاد الى الوسائط، ويسندون اليها التأثير، ويريدون بلوغ حقيقة الحقائق، ومعرفة الله جل جلاله عن طريق العقل والفكر وحده، كالحكماء المشائيين.
أما الطريق الثالث: المشار اليه بـ ] الذين انعمت عليهم[ فهو الصراط المستقيم والجادة النورانية لأهل القرآن، وهو أقصر الطرق وأسلمه وايسره، ومفتوح امام الناس كافة ليسلكوه، وهو مسلك سماوي رحماني نوراني.

أبو يحيى الموحد
11-11-2011, 02:24 PM
!!!!
عذرا
موضوع يدوخ الرأس

خلوصي
11-11-2011, 02:41 PM
!!!!
عذرا
موضوع يدوخ الرأس

- بسمة -
نعم أخي هو هكذا و لكن لأنه معتصر بليغ لتفسير مسالك الضلالة على وجه الأرض و في تارخ بني آدم !
سأروي لك هذه النكتة لتعلم مبلغ تعلّق حال الأرض بالموضوع :
في إسرائيل نكتة شهيرة جدا و هي أن الملحدين في إسرائل برغم أنهم لا يؤمنون بوجود الله إلا أنهم يعتقدون بأنه منح أرض إسرائيل لليهود !؟!

أمَة الرحمن
11-11-2011, 03:10 PM
و الله إن كلام سلفنا الصالح و كلام علماء أهل السنة و الجماعة لأسهل و أقوى و أعمق و أسرع احتلالاً للقلوب و العقول من هذا الكلام و من أي كلام آخر.

خلوصي
11-11-2011, 03:59 PM
و الله إن كلام سلفنا الصالح و كلام علماء أهل السنة و الجماعة لأسهل و أقوى و أعمق و أسرع احتلالاً للقلوب و العقول من هذا الكلام و من أي كلام آخر.

طيب يا أختي إن كان هذا النمط لا يوافق مزاجك فثمة كثيرون بحاجة إليه ! و هذا كلام فقيه الفلسفة المجدد الفذّ في توقيعي :

أمَة الرحمن
11-11-2011, 04:04 PM
لا علاقة للأمر بالمزاج، بل له علاقة بالتمسك بالعروة الوثقى دون تفلسف زائد. و اللبيب بالإشارة يفهم.

خلوصي
11-11-2011, 04:19 PM
لا علاقة للأمر بالمزاج، بل له علاقة بالتمسك بالعروة الوثقى دون تفلسف زائد. و اللبيب بالإشارة يفهم.

إن كان الأمر كذلك فأنت في نظري يا أختي المباركة تحتاجين مراجعات عميقة صعبة للمنهج و مدى تناقض ما تقرئين مع السلفية .. !
أو ان تريحي نفسك فلا تتحمّلي ما لا تطيقين من البحث و النظر لأن دخولك بهذه الطريقة يشوّش على " جهادنا " بغير حقّ !