المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإعتصام بالكتاب و السنة و ترك عبادة الهوى و الأئمة



عبد الله بن محمد
11-19-2011, 08:03 AM
الحمد لله الذي بعث في المؤمنين رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين

قال تعالى "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا" (الفرقان 43)
و قال تعالى "اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ" (الأعراف 3)
و قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا" (النساء 174-175)

إن الله تعالى خلق الجن و الإنس ليعبدوه وحده لا شريك له
قال تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"

و العبادة إنما تقوم بأمرين
تلقي الأحكام و التشريع من المعبود وحده
و التوجه إليه وحده في الصلاة و الدعاء و الاستعانة و الاستغاثة و النسك و طلب النصرة و الخضوع و التذلل

و يجتمع في هذين الأمرين أركان العبادة:
الحب و الخوف و الرجاء

و الانسان بطبيعته يتجه للعبادة سواء بتوجيه أو بغير توجيه
فالانسان منذ أن يدرك ما حوله في هذه الدنيا يدرك قصوره الشديد عن معرفة كل ما يحيط به في الدنيا و أسرار هذا الكون و عن تصور ماذا يمكن أن يكون بعد الموت و عن معرفة ما هو الأصلح له وما هو طريق السعادة ليسلكه و ما هو طريق الشقاء فيتجنبه و عن معرفة أفضل الحلول لما يتعرض له هو و يتعرض له عالمه من مشكلات
كل هذا جعل الإنسان لابد له من معبود إن لم يُعَّرف به و يُوجَّه إليه فسيبحث هو عن معبود فهو في حاجة إلى من يثق به الثقة التامة بحيث يكون هو مصدره الذي يتلقى منه العلم و التوجيه و الإرشاد المطلق الذي يثق به بدون مناقشة و لا مسائلة فلا يطلب الدليل على صحة ما معبوده من علم أو تشريع أو إرشاد

فالمسلم الموحد الذي يعبد الله وحده لا شريك له لا يصرف أي من هذا إلا لله تعالى وهذا المعنى موجود كثيرا في كتاب الله
قال تعالى عن نفسه "لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ" (الأنبياء 23)
و قال تعالى عن كتابه "لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (فصلت 42)
و قال تعالى "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ" (الأنعام 57)
و قال تعالى " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (الشورى 21)
و قال تعالى "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 89)
و قال تعالى "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" (آل عمران 164)

وهذه الآيات البينات توضح أن مصدر التلقي للتشريع و العلم المقطوع بصحته و الثقة فيه و مصدر الإرشاد لطريق الخير و السعادة هو ما جاء من الله تعالى في كتابه و على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم و هذا هو الذي عليه أهل الحق

وأما غيرهم سواء من غير المسلمين أو ممن ينتسبون للإسلام وضلوا عن الصراط المستقيم فإنهم لما لم يتخذوا الله معبودا لا شريك له و تركوا أو ابتعدوا عن الكتاب و السنة كان مؤدى هذا أن جنحوا إلى معبود آخر يتلقون منه التشريع أو العلم و الإرشاد و يتخذونه المثل الأعلى سواء سموه إلاها أو معبودا أو سموه اسما آخر

فكما سبق ذكره أن الانسان في حاجة لمعبود ينتهى إليه تلقي العلم و التشريع و الثقة التامة والمثل الأعلى الذي لا يُخَطَّأ ولا يُسأل ولا يُحاسب فإن لم يكن الكتاب و السنة هما مصدر تلقيه وثقته فاتخذ مصدر آخر سواء استبدل به الكتاب و السنة أو أشركه معهما فهو لم يصرف العبودية لله وحده بل اتخذ معبودا آخر سواه أو معه شاء أم أبى وسواء سماه معبودا أم لم يسمه
فالألفاظ هي أوعية للمعاني و الحقائق الشرعية إنما تثبت بالمعاني مصحوبة بالقصد أي بقصد المعنى و ليس بالضرورة قصد الحكم الذي يترتب على المعنى
وهذا الذي يعبر عنه بالقاعدة الأصولية
"العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني"

و لذا فإن الرجل الذي أخطأ من شدة فرحه فبدلا من أن يقول "اللهم أنت ربي وأنا عبدك" قال عكس ذلك فمع أن اللفظ الذي قاله كفر لكنه لم يكفر
والمانع من كفره أنه:
لم يقصد معنى العبارة التي قالها
و ليس المانع من كفره أنه لم يقصد الكفر ذاته و هو "الحكم المترتب على المعنى"
فكما قال ابن تيمية في الصارم المسلول: "إذ لا يكاد يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله." اهـ
فلو كان الكفر لا يقع إلا لمن قصد أن يكفر فربما لم يكفر أحد
فالنصارى ما قصدوا الكفر لكنهم قصدوا محبة الله و اعتقدوا في الله ما تنزه تعالى عنه ظنا منهم أن الله رضي بهذا و أن هذا هو الحق و لكنهم كفروا لأنهم لم يحبوا الله على مراده و لم يعتقدوا فيه ما ثبت عنه نصا و معنا فضلوا بذلك

كذلك ممن ينتسبوا للقبلة كغلاة القدرية النفاة الذين نفوا أن ما يقع في الكون هو بإرادة الله و قدره فقالوا الأمر أنف فقصدوا بذلك تنزيه الله عن أن يشاء بالمعاصي و يحاسب عليها لكنهم لم ينزهوا الله تعالى وفق مراده الذي يُعرف من الكتاب والسنة إنما نزههوه وفقا لأهوائهم فضلوا وكان نتيجة ضلالهم قولهم أن الله يقع في ملكه ما لا يعلمه و لم يقدر على منعه فنفوا علم الله للغيب و ادعوا أنه يقع في ملكه ما لا يشاء فكفروا بذلك

فهذا يدل على أن سلامة القصد وحدها إن لم يكن معها اتباع فهي عبادة للهوى
و الاتباع المطلق إن لم يكن لكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و كان اتباعا لما يقوله إمام أو فقيه بعينه فهو عبادة لهذا الإمام وكلاهما شرك بالله والعياذ بالله

فالصنف الأول هو عابد هواه

قال تعالى "أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا" (الفرقان 43)
قال الحافظ بن كثير في تفسير الآية:
أي : مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه ، كان دينه ومذهبه ، كما قال تعالى : ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) اهــ

و قال القرطبي في تفسيره:
وقيل : اتخذ إلهه هواه أي أطاع هواه . اهــ

و قال محمد بن المختار الشنقيطي في أضواء البيان:
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ، أنه قيل له : أفي أهل القبلة شرك ؟ قال : نعم ، المنافق مشرك ، إن المشرك يسجد للشمس والقمر من دون الله ، وإن المنافق عبد هواه ، ثم تلا هذه الآية : أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا .

وأخرج الطبراني عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع " ، انتهى محل الغرض من كلام صاحب " الدر المنثور " .

وإيضاح أقوال العلماء المذكورة في هذه الآية أن الواجب الذي يلزم العمل به ، هو أن يكون جميع أفعال المكلف مطابقة لما أمره به معبوده جل وعلا ، فإذا كانت جميع أفعاله تابعة لما يهواه ، فقد صرف جميع ما يستحقه عليه خالقه من العبادة والطاعة إلى هواه ، وإذن فكونه اتخذ إلهه هواه في غاية الوضوح .

وإذا علمت هذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، فاعلم : أن الله جل وعلا بينه في غير هذا الموضع ، في قوله : أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله الآية [ 45 \ 23 ] [ ص: 59 ] وقوله تعالى : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء الآية [ 35 \ 8 ] . اهــ

فمثل هذا المذكور في الآية ليس بالضرورة أن يقول صراحة أنه يعبد هواه بل لا يعلم أن أحدا قال بذلك
لكن المقصود هو اتباعه لهواه و ليس المقصود بالضرورة أيضا أن يقول لغيره أو في نفسه أنه يتبع هواه فكما ذكرنا العبرة بالمقاصد و المعاني لا بالألفاظ و المباني
بل الغالب في حال هؤلاء أنه يدعي اتباعه للشرع لكنه يجعل استحسانه العقلي حاكما على النص و حاكما في مسائل الخلاف فتجده في المسائل الخلافية مثلا الاعتبار عنده ليس ما ترجح دليله من حيث الثبوت و الدلالة ولكن ما له فيه هوى أو ما استحسنه
فمن الناس من تكون الفكرة مختمرة و مستحسنة عنده و هو يريد أن يأخذ أن يأخذ بها فيفتش في كتب الشريعة و أقوال العلماء حتى يجد ما يؤيد رأيه حتى يقنع نفسه أنه متبع و حتى يحتج على مخالفوه بأن هذا قول فلان من العلماء و هو في الحقيقة ما أخذ بقول هذا العالم لأنه على مذهبه أو لأن دليله أرجح باتباع الاسلوب العلمي إنما كل ما يعنيه أن يكون هذا القول موجود و له سلف في هذا فمثل هذا ضال متبع لهواه و لو أصاب الحق أحيانا

لذا يقال "استدل ثم اعتقد ولا تعتقد ثم تستدل فتضل"

و الإمام أحمد بن حنبل قال: "من تتبع رخص الفقهاء فقط اجتمع فيه الشر كله"

و قال الإمام الشافعي رحمه الله:
"من استحسن فقد شَرَّع ومن شَرَّع فقد كفــر"


الصنف الثاني هو عابد إمام من الأئمة

والإمام قد يكون نظاما أو طريقا كما في قوله تعالى "فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ" (الحجر 79)
و إمام مبين هنا كما جاء في التفاسير يعني طريق مبين

وقد يكون شخصا كإمام في الفقه أو الحديث أو شيخ أو أي شخص آخر

فالديمقراطية و الليبرالية و الشيوعية كل هذه هي أديان ولو أنكر أصحابها ذلك
فالديمقراطية نظام يكون الشعب فيه هو مصدر السلطات و له السيادة الكاملة و هذه السيادة في مفهوم الدولة المدنية يمارسها الشعب على أساس الفصل بين السلطات:
التشريعية و القضائية و التنفيذية

وهذا مخالف لمعنى العبودية لله

فالسيادة الكاملة تضاهي قوله تعالى "لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ"
ففي الإسلام الله تعالى وحده الذي لا يُسأل عما يفعل أما غير الله فيُسأل و يُحاسب ولو كان شعبا كاملا
أما في الديمقراطية فالشعب ممثل في الأغلبية لا يُسأل ولا يجوز أن يتهمه بالخطأ ما تختاره الأغلبية هو الحق و يجب على الجميع الإقرار بشرعية هذا الخيار و الرضوخ له
هذه السيادة المطلقة هي حق الله وحده

كما أن التشريع الذي يمارسه الشعب هو حق الله وحده
فالديمقراطية بذلك هي دين عند أصحابها المعبود فيها هو أغلبية الشعب

وأما من يدعي أن الديمقراطية هي الشورى و صناديق الانتخاب فقوله مردود

أما الشورى:
فهناك فرق واضح بينها وبين الديمقراطية
الشورى تطرح اختيارات و الديمقراطية تفرض اختيار الأغلبية
في الشورى يكون الأساس هو اتباع شرع الله و الاختيار يكون من هو أو ما هو الأنسب أو الأقرب لتطبيق الشرع ففي حالة اختيار الإمام يكون الاختيار محصور فقط فيمن تتوافر فيهم شروط الإمامة الشرعية و من أهمها حسن الإسلام , سلامة العقيدة , سلامة المنهج , متعهدا بتطبيق الشريعة كاملة , حبه للجهاد و مناصرته للحق
أما في الديمقراطية فأصحاب التيارات و الفرق المختلفة لهم فرص متكافئة مع أصحاب الدين سواء بسواء نصرانيا كان أو يهوديا أو شيوعيا أو علمانيا

و أما صناديق الانتخابات:
فهي مجرد وسيلة لتحقيق الديمقراطية و ليست هي الديمقراطية ذاتها فالديمقراطية عند أصحابها ثلاث أقسام:
ديمقراطية مباشرة
و ديمقراطية نيابية
و ديمقراطية ليبرالية

الأولى و هي المباشرة بمارس فيها الأفراد حقوقهم السياسية مباشرة وليس فيها انتخابات أصلا وهذه عندهم لا تصلح إلا للمحليات و القرى الصغيرة حيث يمكن ترتيب اجتماعات دورية تشمل كل أهل الحي أو القرية

أما الديمقراطية المعروفة في معظم العالم اليوم هي الديمقراطية النيابية وهي تناسب عندهم المجتمعات الكبيرة حيث يصعب عمليا أن يجتمع أهل الدولة كلهم و يمارسوا العمل السياسي مباشرة ولذلك برزت فكرة اختيار ممثلين للشعب بحيث يمثل فرد واحد مجموعة كبيرة أو حي من الأحياء فيكون ممثلا لهم و معبرا عن آرائهم فلذا كانت صناديق الاقتراع تحدد من هو الذي سيمثل كل منطقة
فالانتخابات هذه إذن هي أداة لإختيار نواب عن الشعب ليس إلا أخا الديمقراطية هي ما سيمارسه هؤلاء داخل الأروقة من سلطات تشريعية و قضائية و تنفيذية فالإنتخابات إذن وسيلة من وسائل تحقيق الديمقراطية و ليست هي الديمقراطية ذاتها
فالدبمقراطية دين معبوده هو (غالبية الشعب) يشرع من دون الله و لا يُسأل عندهم عما يفعل

وقد يكون هذا الإمام المعبود شخصا شيخا كان أو غيره
و يحصل هذا عادة عندما يضع أحد محبته و ثقته الكاملة في شيخ فهذا الشيخ هو مصدره - وربما مصدره الوحيد - في تلقي العلم و الفتوى

فتجده يأخذ بفتوى هذا الإمام و يترك من سواه حتى لو كانت فتوى هذا الإمام غير مبينة للدليل الشرعي من بالكتاب والسنة و أقوال سلف الأمة بيانا يطمئن إليه الفؤاد ولا يلقى معارضة من علماء آخرين
بل على العكس من ذلك قد يفتي آخرون بقول مخالف لكنه لا يلتفت إليه ولا يحاول الترجيح فما قاله شيخه هو عليه و قد يكون أيضا شيخه هذا لا يؤمَن عليه الخوف من السلطان و الخشية من الأذى و مع ذلك هو تابع له
فهذا أيضا اتخذ شيخه معبودا من دون الله والعياذ بالله
فصار بالنسبة له لا يُسأل عما يفعل

والبعض لا يكتفي بهذا الاتباع فقط بل يفتي لغيره بهذه الفتوى و ينشرها بل وقد يحاجج بها و يناظر عليها المخالفون و هذا من الجهل و الضلال

لابد أن يعلم كل مسلم أن طلب العلم فريضة عليه
قال تعالى "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير" و قال تعالى "وقل رب زدني علما"

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"طلب العلم فريضة على كل مسلم"
رواه ابن ماجه في مقدمته وصححه الألباني و حسنه الحافظ ابن حجر والمزي, والسيوطي و الزركشي
و ضعفه آخرون لكن حتى من ضعفه إنما ضعف السند و أقر المعنى كالامام النووي
حيث قال بعد الحكم على سنده "وإن كان معناه صحيحا"
كذا قال ابن عبد البر "معناه صحيح"

ويجدر الحديث هنا عن مسألة التقلـــيد

التقليد : فأصله في اللغة مأخوذ من القلادة ، التي يقلد غيره بها ، ومنه تقليد الهدي ، فكأن المقلد جعل ذلك الحكم ، الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده .

وفي الاصطلاح : هو العمل بقول الغير من غير حجة

وللإمام الشوكاني كلام نفيس في ذلك في كتابه "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول"
يقول:
اختلفوا في المسائل الشرعية الفرعية ، هل يجوز التقليد فيها أم لا ؟

فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يجوز مطلقا .

قال القرافي : مذهب مالك ، وجمهور العلماء : وجوب الاجتهاد ، وإبطال التقليد ، وادعى ابن حزم الإجماع على النهي عن التقليد .

قال : ونقل عن مالك أنه قال : أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وما لم يوافق فاتركوه . وقال عند موته : وددت أني ضربت بكل مسألة تكلمت فيها برأي سوطا ، على أنه لا صبر لي على السياط .

قال ابن حزم : فهاهنا مالك ينهى عن التقليد ، وكذلك الشافعي ، وأبو حنيفة وقد روى المزني عن الشافعي في أول مختصره أنه لم يزل ينهى عن تقليده ، وتقليد غيره انتهى .

وقد ذكرت نصوص الأئمة الأربعة المصرحة بالنهي عن التقليد في الرسالة التي سميتها القول المفيد في حكم التقليد فلا نطول المقام بذكر ذلك وبهذا تعلم أن المنع من التقليد إن لم يكن إجماعا ، فهو مذهب الجمهور ، ويؤيد هذا ما سيأتي في المسألة التي بعد هذه ، من حكاية الإجماع على عدم جواز تقليد الأموات ، وكذلك ما سيأتي من أن عمل المجتهد برأيه إنما هو رخصة له ، عند عدم الدليل ، ولا يجوز لغيره أن يعمل به بالإجماع ، فهذان الإجماعان يجتثان التقليد من أصله ، فالعجب من كثير من أهل الأصول ، حيث لم يحكوا هذا القول إلا عن بعض المعتزلة .

وقابل مذهب القائلين بعدم الجواز بعض الحشوية وقال : يجب مطلقا ، ويحرم النظر ، وهؤلاء لم يقنعوا بما هم فيه من الجهل ، حتى أوجبوه على أنفسهم ، وعلى غيرهم ، فإن التقليد جهل وليس بعلم .

( والمذهب الثالث ) : التفصيل ، وهو أنه يجب على العامي ، ويحرم على المجتهد ، وبهذا قال كثير من أتباع الأئمة الأربعة ، ولا يخفاك أنه إنما يعتبر في الخلاف أقوال المجتهدين ، وهؤلاء هم مقلدون ، فليسوا ممن يعتبر خلافه ، ولا سيما وأئمتهم الأربعة يمنعونهم من تقليدهم وتقليد غيرهم ، وقد تعسفوا ، فحملوا كلام أئمتهم هؤلاء على أنهم أرادوا المجتهدين من الناس ، لا المقلدين فيالله العجب .

وأعجب من هذا أن بعض المتأخرين ممن صنف في الأصول نسب هذا القول إلى الأكثر ، وجعل الحجة لهم الإجماع على عدم الإنكار على المقلدين ، فإن أراد إجماع خير القرون ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، فتلك دعوى باطلة فإنه لا تقليد فيهم ألبتة ، ولا عرفوا التقليد ولا سمعوا به بل كان المقصر منهم يسأل العالم عن المسألة التي تعرض له فيفتيه بالنصوص التي يعرفها من الكتاب والسنة ، وهذا ليس من التقليد في شيء بل هو من باب طلب حكم الله في المسألة ، والسؤال عن الحجة الشرعية .

وقد عرفت في أول هذا الفصل أن التقليد إنما هو العمل بالرأي لا بالرواية ، وليس المراد بما احتج به الموجبون للتقليد ، والمجوزون له من قوله - سبحانه - : فاسألوا أهل الذكر إلا السؤال عن حكم الله في المسألة ، لا عن آراء الرجال ، هذا على تسليم أنها واردة في عموم السؤال ، كما زعموا ، وليس الأمر كذلك بل هي واردة في أمر خاص ، وهو السؤال عن كون أنبياء الله رجالا ، كما يفيده أول الآية وآخرها حيث قال : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر
وإن أراد إجماع الأئمة الأربعة ، فقد عرفت أنهم قالوا بالمنع من التقليد ، ولم يزل في عصرهم من ينكر ذلك ، وإن أراد إجماع من بعدهم ، فوجود المنكرين لذلك منذ ذلك الوقت إلى هذه الغاية معلوم بكل من يعرف أقوال أهل العلم ، وقد عرفت مما نقلناه سابقا أن المنع قول الجمهور ، إذ لم يكن إجماعا ، وإن أراد إجماع المقلدين للأئمة الأربعة خاصة ، فقد عرفت مما قدمنا في مقصد الإجماع أنه لا اعتبار بأقوال المقلدين في شيء ، فضلا عن أن ينعقد بهم إجماع .

والحاصل أنه لم يأت من جوز التقليد ، فضلا عمن أوجبه ، بحجة ينبغي الاشتغال بجوابها قط ، ولم نؤمر برد شرائع الله - سبحانه - إلى آراء الرجال ، بل أمرنا بما قاله - سبحانه - : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول أي كتاب الله وسنة رسوله ، وقد كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يأمر من يرسله من أصحابه بالحكم بكتاب الله ، فإن لم يجد فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فإن لم يجد فبما يظهر له من الرأي كما في حديث معاذ .

وأما ما ذكروه من استبعاد أن يفهم المقصرون نصوص الشرع ، وجعلوا ذلك مسوغا للتقليد ، فليس الأمر كما ذكروه ، فهاهنا واسطة بين الاجتهاد والتقليد ، وهو سؤال الجاهل للعالم عن الشرع فيما يعرض له ، لا عن رأيه البحت واجتهاده المحض ، وعلى هذا كان عمل المقصرين من الصحابة والتابعين ، وتابعيهم ، ومن لم يسعه ما وسع أهل هذه القرون الثلاثة ، الذين هم خير قرون هذه الأمة على الإطلاق ، فلا وسع الله عليه ، وقد ذم الله - تعالى - المقلدين في كتابه العزيز في كثير من الآيات إنا وجدنا آباءنا على أمة اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل وأمثال هذه الآيات ، ومن أراد استيفاء هذا البحث على التمام ، فليرجع إلى الرسالة التي قدمت الإشارة إليها ، وإلى المؤلف الذي سميته " أدب الطلب ومنتهى الأرب " وما أحسن ما حكاه الزركشي في البحر عن المزني أنه قال : يقال لمن حكم بالتقليد هل لك من حجة ، فإن قال : نعم أبطل التقليد ؛ لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد ، وإن قال : بغير علم ، قيل : له فلم أرقت الدماء ، وأبحت الفروج والأموال ؟ وقد حرم الله ذلك إلا بحجة ، فإن قال : أنا أعلم أني أصبت ، وإن لم أعرف الحجة ؛ لأن معلمي من كبار العلماء ، قيل له : تقليد معلم معلمك أولى من تقليد معلمك ؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عنك ، فإن قال : نعم ، ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه ، ثم كذلك حتى ينتهي إلى العالم من الصحابة ، فإن أبى ذلك نقض قوله وقيل : له كيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علما ، ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأغزر علما ؟ وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه حذر من زلة العالم .

وعن ابن مسعود أنه قال : " لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن ، وإن كفر كفر ، فإنه لا أسوة في الشر " انتهى .

( قلت ) : تتميما لهذا الكلام : وعند أن ينتهى إلى العالم من الصحابة يقال له : هذا الصحابي أخذ علمه من أعلم البشر ، المرسل من الله - تعالى ، إلى عباده ، المعصوم من الخطأ في أقواله ، وأفعاله ، فتقليده أولى من تقليد الصحابي ، الذي لم يصل إليه إلا شعبة من شعب علومه وليس له من العصمة شيء ، ولم يجعل الله - سبحانه - قوله ، ولا فعله ، ولا اجتهاده حجة على أحد من الناس .

واعلم : أنه لا خلاف في أن رأي المجتهد ، عند عدم الدليل ، إنما هو رخصة له ، يجوز له العمل بها عند فقد الدليل ، ولا يجوز لغيره العمل بها بحال من الأحوال ، ولهذا نهى كبار الأئمة عن تقليدهم ، وتقليد غيرهم ، وقد عرفت ( من تحقيق ) حال المقلد أنه إنما يأخذ بالرأي ، لا بالرواية ، ويتمسك بمحض الاجتهاد غير مطالب بحجة ، فمن قال : إن رأي المجتهد يجوز لغيره التمسك به ، ويسوغ له أن يعمل به ، فيما كلفه الله ، فقد جعل هذا المجتهد صاحب شرع ، ولم يجعل الله ذلك لأحد من هذه الأمة ، بعد نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا يتمكن كامل ولا مقصر أن يحتج على هذا بحجة قط .

وأما مجرد الدعاوى والمجازفات في شرع الله - تعالى ، فليست بشيء ولو جازت الأمور الشرعية بمجرد الدعاوى ، لادعى من شاء ما شاء ، وقال من شاء بما شاء . اهــ
(إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول - المقصد السادس الاجتهاد والتقليد - ج2 ص 760 - 765 )

لله دره , كلام نفيس جدا فتأمله جيدا


و هذه بعض أقوال العلماء الآخرين في المسألة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى ج9 / ص 66-71):
فصل في الاكتفاء بالرسالة والاستغناء بالنبي صلى الله عليه وسلم عن اتباع ما سواه اتباعا عاما

وأقام الله الحجة على خلقه برسله فقال تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } إلى قوله : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } .

فدلت هذه الآية على أنه لا حجة لهم بعد الرسل بحال وأنه قد يكون لهم حجة قبل الرسل .

ف " الأول " يبطل قول من أحوج الخلق إلى غير الرسل حاجة عامة كالأئمة .

و " الثاني " يبطل قول من أقام الحجة عليهم قبل الرسل من المتفلسفة والمتكلمة .

وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } فأمر بطاعة أولي الأمر من العلماء والأمراء إذا لم يتنازعوا وهو يقتضي أن اتفاقهم حجة وأمرهم بالرد عند التنازع إلى الله والرسول فأبطل الرد إلى إمام مقلد أو قياس عقلي فاضل .

وقال تعالى : { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } فبين أنه بالكتاب يحكم بين أهل الأرض فيما اختلفوا فيه .

وقال تعالى : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } وقال تعالى : { كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين } { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء } ففرض اتباع ما أنزله من الكتاب والحكمة وحظر اتباع أحد من دونه . وقال تعالى : { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } فزجر من لم يكتف بالكتاب المنزل . وقال تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي } الآيات . وقال تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقال تعالى : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا } الآيات . وقال تعالى : { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها } الآيتين . فدلت هذه لآيات على أن من أتاه الرسول فخالفه فقد وجب عليه العذاب وإن لم يأته إمام ولا قياس .

وأنه لا يعذب أحد حتى يأتيه الرسول وإن أتاه إمام أو قياس .

وقال تعالى : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } { ومن يعص الله ورسوله } الآية . وقد ذكر سبحانه هذا المعنى في غير موضع فبين أن طاعة الله ورسوله موجبة للسعادة وأن معصية الله موجبة للشقاوة وهذا يبين أن مع طاعة الله ورسوله لا يحتاج إلى طاعة إمام أو قياس ومع معصية الله ورسوله لا ينفع طاعة إمام أو قياس . ودليل هذا الأصل كثير في الكتاب والسنة وهو أصل الإسلام " شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله " وهو متفق عليه بين الذين أوتوا العلم والإيمان قولا واعتقادا ; وإن خالفه بعضهم عملا وحالا . فليس عالم من المسلمين يشك في أن الواجب على الخلق طاعة الله ورسوله وأن ما سواه إنما تجب طاعته حيث أوجبها الله ورسوله .

وفي الحقيقة فالواجب في الأصل إنما هو طاعة الله ; لكن لا سبيل إلى العلم بمأموره وبخبره كله إلا من جهة الرسل والمبلغ عنه إما مبلغ أمره وكلماته فتجب طاعته وتصديقه في جميع ما أمر وأخبر وإما ما سوى ذلك فإنما يطاع في حال دون حال كالأمراء الذين تجب طاعتهم في محل ولايتهم ما لم يأمروا بمعصية الله والعلماء الذين تجب طاعتهم على المستفتي والمأمور فيما أوجبوه عليه مبلغين عن الله أو مجتهدين اجتهادا تجب طاعتهم فيه على المقلد ويدخل في ذلك مشايخ الدين ورؤساء الدنيا حيث أمر بطاعتهم كاتباع أئمة الصلاة فيها واتباع أئمة الحج فيه واتباع أمراء الغزو فيه واتباع الحكام في أحكامهم واتباع المشايخ المهتدين في هديهم ونحو ذلك .

والمقصود بهذا الأصل أن من نصب إماما فأوجب طاعته مطلقا اعتقادا أو حالا فقد ضل في ذلك كأئمة الضلال الرافضة الإمامية حيث جعلوا في كل وقت إماما معصوما تجب طاعته فإنه لا معصوم بعد الرسول ولا تجب طاعة أحد بعده في كل شيء والذين عينوهم من أهل البيت منهم من كان خليفة راشدا تجب طاعته كطاعة الخلفاء قبله وهو علي . ومنهم أئمة في العلم والدين يجب لهم ما يجب لنظرائهم من أئمة العلم والدين كعلي بن الحسين . وأبي جعفر الباقر ; وجعفر ابن محمد الصادق . ومنهم دون ذلك .

وكذلك من دعا لاتباع شيخ من مشايخ الدين في كل طريق من غير تخصيص ولا استثناء وأفرده عن نظرائه كالشيخ عدي ; والشيخ أحمد ; والشيخ عبد القادر ; والشيخ حيوة ; ونحوهم .

وكذلك من دعا إلى اتباع إمام من أئمة العلم في كل ما قاله وأمر به ونهى عنه مطلقا كالأئمة الأربعة .

وكذلك من أمر بطاعة الملوك والأمراء والقضاة والولاة في كل ما يأمرون وينهون عنه من غير تخصيص ولا استثناء لكن هؤلاء لا يدعون العصمة لمتبوعيهم إلا غالية أتباع المشايخ كالشيخ عدي وسعد المديني بن حمويه ونحوهما ; فإنهم يدعون فيهم نحوا مما تدعيه الغالية في أئمة بني هاشم من العصمة ثم من الترجيح على النبوة ثم من دعوى الإلهية .

وأما كثير من أتباع أئمة العلم ومشايخ الدين فحالهم وهواهم يضاهي حال من يوجب اتباع متبوعه لكنه لا يقول ذلك بلسانه ولا يعتقده علما فحاله يخالف اعتقاده بمنزلة العصاة أهل الشهوات وهؤلاء أصلح ممن يرى وجوب ذلك ويعتقده . وكذلك أتباع الملوك والرؤساء هم كما أخبر الله عنهم بقوله : { إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا } فهم مطيعون حالا وعملا وانقيادا وأكثرهم من غير عقيدة دينية وفيهم من يقرن بذلك عقيدة دينية . ولكن طاعة الرسول إنما تمكن مع العلم بما جاء به والقدرة على العمل به فإذا ضعف العلم والقدرة صار الوقت وقت فترة في ذلك الأمر فكان وقت دعوة ونبوة في غيره فتدبر هذا الأصل فإنه نافع جدا والله أعلم
انتهى كلامه

و نقل الشيخ الألباني رحمه الله في كتاب "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها" ص45 - 54 :
أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها
ومن المفيد أن نسوق هنا ما وقفنا عليه منها أو بعضها لعل فيها عظة وذكرى لمن يقلدهم - بل يقلد من دونهم بدرجات تقليدا أعمى - ويتمسك بمذاهبهم وأقوالهم كما لو كانت نزلت من السماء والله عز وجل يقول :
(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون)

1 - أبو حنيفة رحمه الله
فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله وقد روي عنه أصحابه أقوالا شتى وعبارات متنوعة كلها تؤدي إلى شيء واحد وهو وجوب الأخذ بالحديث وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة لها :
1 - ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) . ( ابن عابدين في " الحاشية " 1 / 63 )
2 - ( لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه ) . ( ابن عابدين في " حاشيته على البحر الرائق " 6 / 293 )

وفي رواية : ( حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي )
زاد في رواية : ( فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا )
وفي أخرى : ( ويحك يا يعقوب ( هو أبو يوسف ) لا تكتب كل ما تسمع مني فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد )

3 - ( إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي ) . ( الفلاني في الإيقاظ ص 50 )

2 - مالك بن أنس رحمه الله وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال :
1 - ( إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2 / 32 )

2 - ( ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2 / 91 )
3 - قال ابن وهب : سمعت مالكا سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء فقال : ليس ذلك على الناس . قال : فتركته حتى خف الناس فقلت له : عندنا في ذلك سنة فقال : وما هي قلت : حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحنبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه . فقال : إن هذا الحديث حسن وما سمعت به قط إلا الساعة ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع . ( مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص 31 - 32 )
3 - الشافعي رحمه الله
وأما الإمام الشافعي رحمه الله فالنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب

وأتباعه أكثر عملا بها وأسعد فمنها :
1 - ( ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي ) . ( تاريخ دمشق لابن عساكر 15 / 1 / 3 )
2 - ( أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد ) . ( الفلاني ص 68 )
3 - ( إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت ) . ( وفي رواية ( فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد ) . ( النووي في المجموع 1 / 63 )
4 - ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) . ( النووي 1 / 63 )

5 - ( أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به أي شيء يكون : كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا ) . ( الخطيب في الاحتجاج بالشافعي 8 / 1 )
6 - ( كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي ) . ( أبو نعيم في الحلية 9 / 107 )

7 - ( إذا رأيتموني أقول قولا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب ) . ( ابن عساكر بسند صحيح 15 / 10 / 1 )

8 - ( كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى فلا تقلدوني ) . ( ابن عساكر بسند صحيح 15 / 9 / 2 )

9 - ( كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي وإن لم تسمعوه مني ) . ( ابن أبي حاتم 93 - 94 )

4 - أحمد بن حنبل رحمه الله
وأما الإمام أحمد فهو أكثر الأئمة جمعا للسنة وتمسكا بها حتى ( كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي ) ولذلك قال :

1 - ( لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا ) . ( ابن القيم في إعلام الموقعين 2 / 302 )
وفي رواية : ( لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير )
وقال مرة : ( الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد التابعين مخير ) . ( أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 276 - 277 )

2 - ( رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي وهو عندي سواء وإنما الحجة في الآثار ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2 / 149 )

3 - ( من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة ) . ( ابن الجوزي في المناقب ( ص 182 )
تلك هي أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث والنهي عن تقليدهم دون بصيرة وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلا وعليه فإن من تمسك بكل ما ثبت في السنة ولو خالف بعض أقوال الأئمة لا يكون مباينا لمذهبهم ولا خارجا عن طريقتهم بل هو متبع لهم جميعا ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وليس كذلك من ترك السنة الثابتة لمجرد مخالتفها لقولهم بل هو بذلك عاص لهم ومخالف لأقوالهم المتقدمة والله تعالى يقول : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما

وقال : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى :
( فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأى أي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة وربما أغلظوا في الرد لا بغضا له بل هو محبوب عندهم معظم في نفوسهم لكن رسول الله أحب إليهم وأمره فوق أمر كل مخلوق فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع

ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفورا له بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه
قلت : كيف يكرهون ذلك وقد أمروا به أتباعهم كما مر وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة بل إن الشافعي رحمه الله أمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه ولو لم يأخذ بها أو أخذ بخلافها ولذلك لما جمع المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث فيها انفرادا واجتماعا في مجلد ضخم قال في أوله :
( إن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام وإنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم )
ترك الأتباع بعض أقوال أئمتهم اتباعا للسنة

ولذلك كله كان أتباع الأئمة ثلة من الأولين . وقليل من الآخرين لا يأخذون بأقوال أئمتهم كلها بل قد تركوا كثيرا منها لما ظهر لهم مخالفتها للسنة حتى أن الإمامين : محمد بن الحسن وأبا يوسف رحمهما الله قد خالفا شيخهما أبا حنيفة ( في نحو ثلث المذهب ) وكتب الفروع

كفيلة ببيان ذلك ونحو هذا يقال في الإمام المزني وغيره من أتباع الشافعي وغيره ولو ذهبنا نضرب على ذلك الأمثلة لطال بنا الكلام ولخرجنا به عما قصدنا إليه في هذا البحث من الإيجاز فلنقتصر على مثالين اثنين :
1 - قال الإمام محمد في " موطئه " ( ص 158 ) : ( قال محمد : أما أبو حنيفة رحمه الله فكان لا يرى في الاستسقاء صلاة وأما في قولنا فإن الإمام يصلي بالناس ركعتين ثم يدعو ويحول رداءه ) إلخ
2 - وهذا عصام بن يوسف البلخي من أصحاب الإمام محمد ومن الملازمين للإمام أبي يوسف ( كان يفتي بخلاف قول الإمام أبي حنيفة كثيرا لأنه لم يعلم الدليل وكان يظهر له دليل غيره فيفتي به " ولذلك ( كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه ) كما هو في السنة المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم فلم يمنعه

من العمل بها أن أئمته الثلاثة قالوا بخلافها وذلك ما يجب أن يكون عليه كل مسلم بشهادة الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم
وخلاصة القول إنني أرجو أن لا يبادر أحد من المقلدين إلى الطعن في مشرب هذا الكتاب وترك الاستفادة مما فيه من السنن النبوية بدعوى مخالفتها للمذهب بل أرجو أن يتذكر ما أسلفناه من أقوال الأئمة في وجوب العمل بالسنة وترك أقوالهم المخالفة لها وليعلم أن الطعن في هذا المشرب إنما هو طعن في الإمام الذي يقلده أيا كان من الأئمة فإنما أخذنا هذا المنهج منهم كما سبق بيانه فمن أعرض عن الاهتداء بهم في هذا السبيل فهو على خطر عظيم لأنه يستلزم الإعراض عن السنة وقد أمرنا عند الاختلاف بالرجوع إليها والاعتماد عليها كما قال تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [ النساء : 65 ]
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن قال فيهم : إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون . ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون
انتهى

و لله الحمد و المنة

ابو هزبر
11-19-2011, 07:08 PM
بارك الله فيك أخي الكريم ونفع بك المسلمين،،

لقد قلت ما أظنه حق،، فقد اتبع الكثير من المسلمين مشايخهم وأهوائهم ولم يعد يصغون إلى أي شيء يخالف ما تلقوه منهم حتى ولو كان من الكتاب والسنة،، ولم يعد يجدي معهم نصح ولا تذكير.. ولا ادشري متى سيعود هؤلاء إلى صوابهم ويعرفوا أن الإسلام هو دين الاعتصام بالكتاب و السنة و وليس عبادة الهوى و الأئمة والمشايخ والزعماء والقيادات وغيرها.

عبد الله بن محمد
11-19-2011, 09:39 PM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل ابو هزبر
صدقت و الله
نسأل الله أن يعيد لهذه الأمة أمر رشدها