المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستاذ منير شفيق من الماركسية الى الاسلام



samahoo
11-18-2005, 06:22 AM
الاخوان الكرام
السلام عليكم
اظن ان قصة اسلام الاستاذ منيز شفيق تستحق ان نتوقف عندها بعض الشيء طلبا للعبرة و الاتعا ض خصوصا
من الزملاء الذين لا زالوا يدينون بالما ركسية , فالرجل فضلا عن كونه كان ينحدر ثقافيا من اسرة مسيحية , كان من كبار
منظري و مناضلي الفلسفة الماركسية انذاك , حتى ان بعض مؤلفاته ودراساته السابقة في تلك الفلسفة لا زال يحتفى بها في
اروقة الفصائل الماركسية في الجامعة عندنا هنا في بلدي !!!

الرجل الان يعتبر من ابرز المفكرين الاسلاميين الذين اغنوا الساحة الاسلامية بدراسات و جتهادات مرموقة خصوصا تلك
التي تعرضت للغرب و افكاره بالنقد و التحليل .
تبقى الاشا رة الى ان الحوار الذي يعرض فيه الاستاذ منير شفيق كيفية تحوله الى الاسلام ,منقول من موقع ثروة على النت .


لقاء مع المفكر الإسلامي الفلسطيني منير شفيق

10 أيار، 2005


تعتبر تجربة المفكر الإسلامي الفلسطيني منير شفيق وكيفية اعتناقه الإسلام إحدى أهم التجارب المثيرة للاهتمام والوقوف عندها طويلا .. فالمفكر شفيق كان مسيحيا على الصعيد الديني .. وماركسيا على الصعيد الفكري ..وحين كان ماركسيا كانت كتبه تعتمد كمادة نظرية أساسية لدى معظم الأحزاب الشيوعية العربية .. وحتى عندما تحول إلى الاتجاه القومي اصبح كتابه " من التجزئة إلى الوحدة " أحد المراجع الأساسية في الأحزاب القومية العربية , وبعد ان اعتنق الإسلام اصبح ايضا أحد المفكرين الإسلاميين البارزين ..وقد سبق ل شفيق وعمل طويلا في صفوف المقاومة الفلسطينية فكان مديرا لمركز الأبحاث الفلسطينية واحد أهم المنظرين السياسيين للمقاومة لفلسطينية.

" ثروة " التقت المفكر والباحث منير شفيق وحاورته حول تجربته وانتقاله إلى الإسلام .. وتطرق الحديث إلى مفهوم الخطاب الإسلامي المعاصر بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر والإسلام السياسي .


- : من المعروف أنك كنت مسيحياً على الصعيد الديني، وماركسياً على الصعيد الفكري، ثم انتقلت إلى الصف القومي، ومن ثم اعتنقت الإسلام، والسؤال هو ما الذي هداك إلى الإسلام؟ وكيف تم هذا التحول؟

¤¤ عندما اعتنقت الإسلام لم أكن شيوعياً على المستوى التنظيمي، فقد كنت قد تركت الحزب الشيوعي منذ سنوات عديدة، ولكن خلفيتي الماركسية كانت تحاول دائماً أن تدرس القضايا التي تواجه الأمة دراسة أصلية غير معقدة على أي من الموضوعات المسلَّم بها في الماركسية، وكنا نسعى دائماً للاقتراب أكثر فأكثر من نبض الشعب، في محاولة لمعرفة السمات الحقيقية التي تتسم بها بلادنا، والتي تسمح بالتغيير في هذه البقعة من العالم.
ومنذ أواخر عام 6791 بدأ النقد الحقيقي للماركسية في أساسياتها أي في فلسفتها المادية، وفي منهجها الديالكتيكي، وفهمها للاقتصاد السياسي، حتى وصل الأمر إلى نقد رؤيتها وتحليلها لأوربا وليس فقط لبلاد المشرق.


¤ تتحدث بــ " نون الجماعة " فهل يعني هذا أنك كنت جزءاً من مجموعة أو تيار اتخذ الاتجاه والمسار نفسه في انتقاله للصف الإسلامي؟
¤¤ هذا صحيح، فإن انتقالي لم يكن عملية فردية، فأنا لم أتحول إلى الإسلام لظروف خاصة أو لقناعة شخصية، وإنما كنت جزءاً من تيار واسع كان يضم عدداً كبيراً من الشباب المثقف والمبدع، وهم ذوو اطلاع متعمق في الماركسية، وفي التاريخ، وفي الاقتصاد، ومع أننا لم نكن تنظيماً، ولكن كنا نلتقي دائماً ونناقش القضايا بعمق لعدة أشهر، وبالطبع كانت هناك خلافات ووجهات نظر متضاربة، إلى هذا الحد أو ذاك، ولم نكن نخرج برأي إلا بعد أن نكون قد قتلناه بحثاً ونقاشاً، لذلك كانت عملية الانتقال خطوة خطوة باتجاه تعميق هذا الفكر، والذي كان لي فضل صياغته أو طرحه بشكل متميز، ومع نهاية عام 7791 توصل الجميع تقريباً إلى ضرورة البدء بصياغة نظرية فلسفية تتعلق برؤية العالم، وتحليل المجتمعات، ورؤية التاريخ بحيث تكون هذه النظرية نابعة من صميم واقعنا، وفي الوقت نفسه نعلن طلاقنا الكامل مع الماركسية، والحقيقة أن الكثير من أوراق هذه المرحلة لا يزال في حوزتي، ويمكن أن أعيد كتابته مظهراً كيف دار النقاش وكيف تطوّر.


¤ كم استغرقت هذه الفترة تقريباً، وما هي المواضيع التي شغلتكم في البحث والنقاش أكثر من غيرها؟
¤¤ استغرق النقاش في موضوع الإسلام حوالي السنتين، ناقشنا فيه الإسلام من زواياه الحضارية والثقافية، ومن أهميته السياسية، واستطاع هذا التيار بمجموعه تقريباً أن ينتقل في تفكيره إلى إدراك أن لا ثورة ولا تغيير ولا تنمية في بلادنا ولا استقلال ولا وحدة ولا تحرير لفلسطين إلا من خلال الإسلام، ومن خلال تبني الجماهير للشعارات الإسلامية، ومن خلال النهوض على أساس الإسلام. كنا نرى في هذا الموضوع قضية موضوعية سواء آمنا بالإسلام أم لم نؤمن به، فهذه المسألة لا دخل لها بالإرادات ولا بالأوضاع، على الأقل في ذلك الوقت، وخرجنا بنتيجة أن التغيير في بلادنا يجب أن يقوم على أساس الإسلام، اللهم إلا إذا كان هناك أحد يريد أن يفرض تغييراً بالقوة والقسر، ولكن هذا التغيير لا يستطيع أن ينجز أو يحقق الهدف المنشود منه، وسيكون حاله كحال التغريب، وأخذنا نعيد النظر في قراءتنا للتاريخ، فلم يعد تاريخنا بالنسبة إلينا كما كانت تتحدث عنه الماركسية، وللحقيقة كنا ننظر دائماً إلى تاريخنا بنظرة اعتزاز، فهو تاريخ مشرق، ولا علاقة له بالعهود المظلمة، كما يفكر الغربيون.

¤ هل يفهم من هذا أن علاقتكم بالإسلام لم تتجاوز كونه محركاً للثورة والجماهير، وبالتالي كيف نظرتم إلى الناحية الإيمانية والعقيدة، وهي ركن أساسي في التعامل مع الإسلام؟
¤¤ بعد أن تعمقنا في دراسة الإسلام ووجدنا تلك الميزات العظيمة التي يتميز بها حضارياً وثقافياً وسياسياً، وكونه محركاً للجماهير وموضع ثقتها، توصلنا إلى أن هذه الميزات ليس لها أي قيمة دون المحور الأساسي الذي تقوم عليه، وهو "العقيدة" فهي التي تولّد كل هذه المزايا وهذه المعطيات، وتوصلنا بالتالي إلى أننا لو كنا جادين فعلاً في فهم الإسلام كمشروع سياسي وتنموي وإنقاذي للبلاد، فلن نستطيع فهمه وإقامته بصورة سليمة إلا إذا استندنا إلى محوره المحرك " العقيدة"، وإذا لم نفهم عقيدة التوحيد جيداً فلا يمكن أن يقوم هذا البناء، وهنا بدأنا نبحث تلك القضايا المتعلقة بالعقيدة، ولا أخفي أن بعضنا كان لا يفكر في بحث مسألة الخلق، حتى إن بعضنا كان ينكر الخالق ــ أستغفر الله ــ وبعضهم الآخر طوى إيمانه بالله تحت طبقات من الإهمال، وهكذا عادت المناقشات المعمقة.. كيف حدث الخلق؟ وهل هناك خالق؟ وخرجت أمامنا كل النظريات المادية، والنظريات الإلحادية في مقابل نظريات الإيمان، ونظريات الإثبات لوجود الخالق عز وجل، وكانت الحجج التي قُدمت في مجال الإيمان أقوى بكثير من الحجج الأخرى، وتوصل الكثيرون منا إلى أن الله تعالى هو الذي خلق الأكوان، وهو مدبرها، وأن عظمة القرآن والإسلام ما كانت لتكون على هذا القدر من الفاعلية لو لم يكن القرآن منزّلاً من الله تعالى، ولو لم يكن الرسول محمد رسولاً نبياً من عند الله ، وهو خاتم النبيين، ومن هنا دخلنا معركة جديدة مع أنفسنا في داخل هذا التيار، وتقدم البعض أكثر من الآخر، فهنالك من اهتدى وحسن إسلامه، وهناك من بقي يناقش، وهناك من بقي يقدم قدماً ويؤخر أخرى. المهم أن هذا التيار الفكري الثقافي ــ السياسي بدأ يسير على السكة الصحيحة والصراط المستقيم فيما يتعلق بإمساك الموضوع من جوهره.

¤ هل يمكن أن تحدثنا عن أهم القضايا التي واجهتكم في هذه المرحلة بالذات؟
¤¤ المسألة الهامة التي واجهت الذين اقتنعوا قناعة كاملة هي كيف ندخل إلى ذلك الشيء الآخر في الإيمان، وهو الخوف والرهبة من الله تعالى، الحب لله عز وجل، الاشتياق إليه، هذه القضايا الوجدانية كانت تحتاج إلى نوع من الشفافية التي يفتقدها التفكير المادي السابق، يفتقدها الفكر الفلسفي، وهنا لم تعد المسألة مسألة جماعية، وكانت هذه القضية الوحيدة التي لم نستطع مناقشتها بشكل جماعي، وإنما تم تسليط الضوء عليها، وقلنا: إنه لابد أن يصحب هذا الإيمان شفافية وتقوى ووجدان وأحاسيس ومشاعر وأنواع من الشوق، كل هذه القضايا كانت مسائل فردية تتعلق بكل واحد من هذه المجموعة على حدة، وأذكر أنني ذهبت مرة إلى أحد الأخوة وكان طبيباً، ونمت عنده تلك الليلة وعندما استيقظت لصلاة الفجر وجدته يقرأ القرآن ويشهق باكياً مبللاً بدموعه القرآن الكريم، هزني هذا المنظر جداً، وتمنيت أن أصل إلى هذا المستوى من الإيمان والإحساس بالخشوع.

¤ كيف تنظر إلى مصطلح " الخطاب الإسلامي المعاصر" ؟
** بداية لا يمكن التحدث عن الخطاب الإسلامي المعاصر هكذا لأن ثمة مجموعة خطابات إسلامية معاصرة، وربما أكثر من أية مرحلة سابقة، فالتعدد إلى حد التناقض هو السمة العامة لهذا الخطاب كما هو الحال بالنسبة إلى الخطاب القومي أو اليساري أو الليبرالي..من هنا يجب أن نحدد أي خطاب إسلامي نقصد هل هو الخطاب الوسطي، كما يصف نفسه خطاب الاتحاد العالمي للمسلمين الذي يترأسه الشيخ يوسف القرضاوي، وهو وصف يطلقه أيضا الأخوان المسلمون على خطابهم كما عدد كبير من علماء مدرسة السلفية إلى جانب من يصنفهم البعض يصفون أنفسهم بالإصلاحيين أو المجددين.. لكن في الحقيقة نواجه في هذا التصنيف تعدداً هائلاً حتى بالنسبة في الفئة الواحدة أحياناً..ناهيك عن العلماء الكبار .. أم يقصد خطاب من يعتبرهم البعض بالمتطرفين – المتشددين ؟.

وأخيراً وليس أخرا من يتهمون بالتفريط في حد التخلي عما هو معلوم في الدين؟
من جهة أخرى فإن التمييز الدقيق داخل الخطاب الإسلامي عموما فلا يصح إلا في تحديد الموضوع إذ حول كل قضية يمكن ان تنقسم المواقف بين اعتدال وتطرف أو تشدد أو تفريط وبالتالي فالمسألة ليست واحدة بالنسبة إلى كل قضية. فمثلاً أن تصنيف قضية المرأة غيره في قضية النظام السياسي وغيره في قضية فلسطين اواحتلال العراق أو الإرهاب الخارجي أو العنف الداخلي أو المواقف من هذا التيار أو ذاك ولا بد من إعادة خريطة التصنيف مع كل قضية . فالذين يقفون في جانب المقاومة في فلسطين أو العراق أو أفغانستان قد يختلفون عندما تبحث قضية المرأة أو النظام السياسي .. بل يمكن القول إن المعيار في تحديد الخطاب وما يبتعد منه إلى هذا الحد أو ذاك يختلف من جهة عما جرى أو من قضية إلى قضية.

إذا أخذنا مثلاً الخطاب الإسلامي بتعدده الواسع الغني والخصب من قضية فلسطين، أو عدم الاعتراف بالدولة العبرية، أو تأييد المقاومة لوجدنا إجماعاً، ربما مع شذوذ في هذا الإجماع يكاد لا يذكر. أما لو جئنا إلى قضية الاحتلال الأمريكي للعراق وأشكال مقاومته فسنجد الموقف مع رفض الاحتلال ومع تأييد مقاومته وممانعته، كما نجد فيه من هو ضد أعمال العنف والإرهاب والاغتيالات الداخلية الموجهة العراقيين لكن الأقلية في هاتين الحالتين نسبية ولكن ضمن بقائها أقلية في كل الأحوال.

أما في موضوع المرأة فقد تتبدل هنا النسبة لتشكل أغلبية واضحة فان الاعتدال أو الإفراط والتفريط في هذه المسألة وفقاً لكل قضية تمس هذا الجانب وذاك في موضوع المرأة. فالمواقف هنا ليست نفسها في موضوع عمل المرأة أو نوع العمل أو الاختلاط المأمون أو مستوى التعلم أو الدور في الحياة العامة وحتى اللباس وما شابه.

على أن الخطاب الإسلامي المتعدد في غالبيته الساحقة حدد موقفاً رافضاً لهجمات /11/ أيلول / سبتمبر ودانها، ورفض النهج الذي يستسهل التعاطي والدماء والتفكير. ويذهب ضحيته أبرياء ومدنيون لا ذنب لهم سوى التواجد صدفة أو غير صدفة في المكان.

أما من جهة أخرى فإن القضية التي أخذت تبرر في الآونة الأخيرة وقد تكون موضع خلافية شديدة كلما تم تكريس اتجاهها، فهي إشارات التوجه لفتح حوار من جانب الاتحاد الأوربي مع من أسموهم الإسلام المعتدل، أو الحركات الإسلامية المعتدلة، وحتى حركات المقاومة مثل حزب الله وحماس والجهاد وصولاً إلى المقاومة التي تلتزم قتال قوات الاحتلال فقط في العراق ..

ويبدو أن ثمة تياراً داخل أمريكا أخذ يعطي إشارات مماثلة كذلك.

هذا الموضوع سيفتح باباً واسعاً لتعدد المواقف داخل الخطاب الإسلامي تزيده تعدداً وخلافيات وعمقاً وخصوبة في التحليل والاستنتاج والاجتهاد، كما التوزع بين اعتدال وتفريط وإفراط.

¤¤ هناك خطاب إسلامي صحيح هو الذي يقدمه العلماء والمفكرون في كل زمان ومكان، وفي كل مرحلة، وفقاً لتلك المرحلة ولظروفها، وهذا الخطاب الإسلامي الصحيح هو خطاب معاصر دائماً من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى زمننا هذا، فالمعاصرة يجب أن ترتبط بالسلامة والدقة، ولو ادعى أحد أنه يقدم خطاباً إسلامياً معاصراً ولكن هذا الخطاب لم يكن مؤصلاً تأصيلاً سليماً، ولا يستند إلى القرآن والسنة استناداً حقيقياً فلا يمكن اعتباره معاصراً، فالخطاب المعاصر هو الذي تمتد جذوره عميقاً في التأصيل، ثم ينظر إلى هذا العالم نظرة عميقة لفهم الظروف والقوانين التي تحكمه، والحاجات الحقيقية التي يجب أن تعالج في هذا العصر، وهناك خطاب يمكن أن يسمي نفسه معاصراً لكنه في الحقيقة لا يواجه تحديات، وإنما يحني رأسه لتحديات الغرب، فالمعاصرة تكون بالتحدي، وبالوقوف في وجه ما يسمى بالعبارات العصرية أو المواقف العصرية، لأن من أهم سمات الحضارة الغربية أنها جاءت لتكتسحنا، وأنها لا تقبل حتى المعاصرة معنا، بل هي تريد إنهاء موضوع الإسلام بكل خطاباته المعاصرة والتقليدية، فالمطلوب من الخطاب الإسلامي المعاصر أن يفهم الغرب فهماً عميقاً، ويعرف نقاط الضعف فيه لمواجهته وتحديه، وليس للخنوع له والانبهار بقوته العسكرية والتكنولوجية، والنظر فعلاً إلى الإنسان الغربي، وأين وصلت به المادية التي جردته من إنسانيته، فالمشروع الإسلامي يمكن أن يقدم لهذا الإنسان حبل النجاة.

¤ أشرت إلى " الإسلام السياسي" ، فكيف تفهمون هذا المصطلح؟
¤¤ أعتقد أن هذه العبارة قد أسيء استخدامها، أو أراد بعضهم أن يساء استخدامها، فكل إنسان سياسي، ولا بد أن يتحدث بالسياسة، وكل ما يفعله له علاقة بالسياسة، ولا يستطيع إنسان أن يهرب من السياسة، لكن المسألة الخلافية هي في المرجعية السياسية، بمعنى هل نؤمن بالإسلام ونعتمده مرجعية وتأصيلاً لفهمنا وتعاملنا مع السياسة؟ أم أن السياسة تعتمد مرجعية أخرى كالمرجعية الغربية مثلاً. فأنا أرى أن مفهوم السياسة عند الغرب يقوم على النفعية وعلى النظرة البراغماتية، ولا مكان للقيم الأخلاقية في الصراع السياسي الغربي، وعندما أقول يجب أن نتمسك بالإسلام فهذا يعني أن يقوم العمل السياسي أولاً على الهداية، وأن تكون له مرتكزات أخلاقية وقيم واستقامة وصدق ومحاسبة، أما أن يُستخدم الدين كغطاء للسياسة فهذا شيء لا نقره، وكما نرى أن العلمانيين يستخدمون الدين كغطاء للسياسة أكثر من غيرهم، فهناك العديد من القادة الذين يحاولون أن يظهروا بمظهر إسلامي، وهم أبعد ما يكون عن الإسلام.

المهم أن نناقش الموضوع تحت سؤال: على أي أسس تكون السياسة؟ وكيف يكون السياسي؟ وما هي أخلاقياته؟
هناك اتجاهان: اتجاه لا يريد أن يناقش هذا الأمر، ويريد أن يطبق النمط الغربي في الصراعات السياسية والحزبية، في حين أننا نرى أن لدينا ديناً، وتقاليد، وتاريخاً يستهوينا، مثلاً القائد الذي يشبه عمر بن الخطاب، أوالامام علي بن أبي طالب، أو أبو بكر الصديق، أي لدينا نماذج للحاكم ، وطبعاً أول وأهم أسوة هو سيدنا محمد (ص) .

¤ هذا الكلام يجرنا إلى سؤال حول مفهوم الديمقراطية في الإسلام وموقفه من تعدد الأحزاب؟
¤¤ هناك في الآونة الأخيرة رأي غالب بين الحركات الإسلامية والمفكرين الإسلاميين يرى ضرورة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع فيما يتعلق بمسألة الدخول إلى الحكم، وإعطاء مجال أوسع للحرية الفكرية، هذه القضية أصبحت من المسلمات، والمطلوب الآن إيجاد صيغ لها وتحويلها إلى حقيقة واقعية، وهذا طبعاً لا يلغي وجود بعض من يقول لا ديمقراطية، ولا صناديق اقتراع، ولا برلمان، ولكن هذا لا يمثل الاتجاه السائد.

وفي رأيي إن الوصول إلى كلمة سواء على مستوى الشعوب الإسلامية والحكام لا يكون إلا بالتعددية، واعتماد الانتخابات النزيهة، واحترام صناديق الاقتراع، ومحاولة تثبيت نوع من التقاليد المؤسسة والدستورية، أو منظومة من العلاقات تسمح بتوجيه هذا الأمر إلى طريق عام، ويجب أن تؤصل هذه المسائل.

¤ هناك خوف من كلمة " الديمقراطية " لدى بعض الاتجاهات الإسلامية؟
¤¤ لا أحبذ استخدام كلمة " الديمقراطية " لأنها أحياناً تحمل كثيراً من الغموض، وأحياناً تُفهم على الطريقة الغربية، والمطلوب تفكيكها إلى عناصر، ونرى ما يمكن أن ينسجم من هذه العناصر مع العقيدة والإيمان، وبعد ذلك لن تكون هناك مشكلة، المهم أن يكون المحتوى واضحاً وحاضراً ومجسداً.

بالنسبة إلى الطريقة التي يجب أن تطبق فيها التعددية والشورى والاحتكام إلى الجماعة، واختيار أهل الحل والعقد، ومحاولة اختيار نواب الشعب والابتعاد عن فرض الرأي بالقوة وبالعنف أو الوثوب إلى السلطة بأشكال غير دستورية. لابد أن نترك فسحة لكل بلد حسب ظروفه الخاصة، فحتى الدول الغربية لا تخضع إلى نمط واحد من الديمقراطية، والذين يحملون العصا في كل مناسبة؛ ويقولون افعلوا كما يفعل الغرب، وكما تفعل أمريكا وإلا ستكونون مدانين بقضايا حقوق الإنسان، وبمعاداتكم للديمقراطية، هؤلاء يريدون أن يخلطوا الأمور. فمن حق شعوب العالم الثالث والشعوب الإسلامية أن تبحث عن صيغها.

¤ كيف تنظر إلى مسألة التقريب بين المذاهب؟
¤¤ إن الوحدة الإسلامية ضرورة، وليست فقط مجرد واجب إيماني وعقيدي، فلا بد أن يتقرب المسلمون من بعضهم، وأن يزيلوا الخلافات فيما بينهم، وخاصة فيما يتعلق بقضايا أساسية في الإسلام، فالتحديات التي تواجه الأمة تفرض أن تقوم محاولات جادة للتقريب وللتوحيد، وللبحث عن القضايا المشتركة للتعايش، ولبناء تقاليد جديدة بالحوار بعيداً عن المهاترة وعن العنف وعن تسقط المواقف والأخطاء، حتى لا تضخم الخلافات، وهذا لا يعني بالضرورة أن يتخلى أحد عن نظرياته أو مفاهيمه، فليحتفظ كلٌ برأيه كما يشاء، ولكن يجب أن نجد القضايا المشتركة لنعمل بها، ولنصدّ هذه الهجمة التي تستهدف الجميع دون استثناء، وهذا لابد أن يحدث إن لم يكن الآن فبعد عشرين سنة أو بعد خمسين سنة، ولكن لابد أن يحدث، لأن الفكر الإسلامي في حالة تعمق وتطور أكثر فأكثر، في فهم الضرورات، وفهم الظروف، وأعتقد أن هذه المسألة لا تقف فقط عند المذاهب، بل علينا نحن أهل هذا المشروع الإسلامي أن نحمل عملية التقريب والتوحيد والتضامن حتى مع شعوب العالم الثالث، وأن نجد أرضية مشتركة كي نوحد مواقف المستضعفين من المسلمين وغير المسلمين في وجه هذا الاستكبار