المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأهمية الدقيقة لعلم (( العلل )) وإعتناء المحدثين بالحديث



أهل الحديث
12-07-2011, 08:06 AM
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين

أما بعد :

فإن الحديث و الفقه توآمان لا ينفكان ؛فان جزءاً كبيراً من الفقه انما هو ثمرة للحديث ؛ ذلك لأن الحديث النبوي الشريف أحد المراجع الرئيسة للفقه الإسلامي ؛ و من هنا كان علم الحديث رواية و دراية من أشرف العلوم و أجلها ، بل هو أجلها على الإطلاق بعد العلم بالقرآن الكريم الذي هو أصل الدين و منبع الطريق المستقيم ، فالحديث هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي ، بعضه يستقل بالتشريع ، و كثير منه شارح لكتاب الله تعالى مبين لما جاء فيه قال تعالى : ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم )) .

و مما لا خلاف فيه : ان الحديث النبوي الشريف لم يدون تدوينا رسميا في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم و لا في عهد الخلفاء الراشدين ؛لذا فقد لقي من السلف و الخلف عناية كبيرة ، و جهدا مميزا كي لا ينضاف الى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ليس منه ؛ لذلك نشأ بجانب علم الحديث رواية علم آخر يخدمه و هو ما أطلق عليه اسم : علم الحديث دراية ، و هذا الأخير تندرج تحته علوم كثيرة ، و من تلك العلوم : علم العلل ، و هذا الفرع من فروع علم الحديث جليل المقدار ؛لأنه كالميزان في رد أو قبول الأخبار و الآثار ، و معرفة هذا النوع من أدق فنون علم الحديث ، و أكثرها تشعبا .

وقد عُني كثير من منكرين السنة من الطعن في السنة النبوية ، من ناحية علم الرجال مدعين بكون هذا العلم (( منشأهُ منشأ إنساني )) حيث أن للبشر علاقة في هذا العلم فكيف يقدمون هذا العلم في المسائل ، وما أضعف حيلة المفلس إن لم يجد مخرجاً يخرجهُ مما هو فيه فيلجأ إلي الطعن بالسنة النبوية بلا سبب ولا طائل ، ولن نرى مثل هؤلاء إلا عند القرآنين فلم يفتئ هؤلاء مما يقولون فتبعوا بذلك المستشرقين في طعنهم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه العلوم هو علمُ (( العلل )) حيث عزمتُ تقسيم هذا البحث إلي عدة مباحث تتكلم في عدة مواضيع والمسائل التي طرحها منكرين السنة النبوية ، فأسأل الله العلي العظيم أن ييسر لنا هذا الكلام وسنضبطُ الأقوال بحقها حتى يشمل الحديث المسائل الحقيقة للرد .

وقد قسمتُ المبحث إن شاء الله تبارك وتعالى إلي عدةِ مباحث :
1- العلةُ عند أهل الإصطلاح .
2- أسباب العلة التي يعلُ لأجلها الحديث .
3- أهمية معرفة العلل في الأحاديث .
4- تدوين الحديث .
5- عناية المحدثين بنقد الأحاديث .
6- شروط قبول الرواية من عدمها ..
7- عناية المحدثين بنقد السند والمتن في الأحاديث .
8- عناية المحدثين بالحديث وفقهه .

سائل المولى عز وجل أن ييسر لنا هذا المبحث ، وأن يسهل علينا كتابتهُ إن شاء الله عز وجل ، وصلي اللهم وسلم على الحبيب محمد وعلى أله وصحبه أجمعين .

أهل الحديث
12-08-2011, 10:08 AM
المبحث الأول : العلة عند أهل الإصطلاح .

عرفها الحافظ ابن الصلاح بقوله ((هي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه)) .
و عرفها النووي بقوله: ((عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السلامة منه )) .
و بهذا يتضح لنا أن العلة شيء خارج عن الجروح الموجهة الى رجال الاسناد ؛ و ذلك لأن ميدان التعليل انما هو الأحاديث التي ظاهرها الصحة ، و لذلك يقول الحاكم : ((و انما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل )) و يقول ابن الصلاح : ((المعلل ، هو الذي أطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها ، و يتطرق ذلك الى الاسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر )).

و كل من جاء بعد ابن الصلاح و عرف المعل اشترط فيه خفاء العلة و كونها قادحة : كالطيبي و العراقي والسيوطي و أبي الفيض محمد بن محمد بن علي بن فارس و غيرهم.
لكننا مع ذلك نجد بعض العلماء يطلق العلة و يريد بها ما هو أعم من ذلك ؛ حيث يدخل فيها العلة الظاهرة ، و العلة غير الظاهرة ؛ فهذا الحافظ ابن الصلاح يقول : ((ثم اعلم انه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة الى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة ؛ و كذلك تجد في كتب العلل الكثير من الجرح بالكذب و الغفلة و سوء الحفظ و نحو ذلك من أنواع الجرح ، و سمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث ثم ان بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو ارسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط )) .

و قال الحافظ ابن حجر: ((و العلة أعم من أن تكون قادحة أو غير قادحة خفية أو واضحة)) و قد ذكر الصنعاني ما يدل على أن تقييد العلة بكونها خفية قادحة هو عنده قيد أغلبي ، حيث قال : ((و كأن هذا التعريف أغلبي للعلة ، و الا فانه سيأتي أنهم يعللون بأشياء ظاهرة غير خفية و لا غامضة)) و قد أشرت فيما سبق الى أن الصنعاني قد عد تقييد العلة في التعريف بكونها خفية قادحة قيدا أغلبيا .. و قد قال الحافظ ابن حجر ((ان الضعف في الراوي علة في الخبر و الانقطاع في الاستاد علة في الخبر ، و عنعنة المدلس علة في الخبر و جهالة حال الراوي علة في الخبر)) . وفي حوار مع استاذي العلامة الدكتور هاشم جميل قد تنبهت الى امر آخر ، وهو : ان المحدثين اذا تكلموا عن العلة باعتبار ان خلو الحديث منها يعد قيدا لا بد منه لتعريف الحديث الصحيح .فانهم في هذه الحالة يطلقون العلة و يريدون بها المعنى الاصطلاحي الخاص ، و هو : السبب الخفي القادح . و اذا تكلموا في نقد الحديث بشكل عام فانهم في هذه الحالة يطلقون العلة و يريدون بها : السبب الذي يعل الحديث به : سواء كان خفيا أو ظاهرا قادحا أو غير قادح .

و هذا توجد له نظائر عند المحدثين ، منها : المنقطع : فهو بالمعنى الخاص : ما حصل في اسناده انقطاع في موضع أو في أكثر من موضع لا على التوالي .
هذا المصطلح نفسه يستعمله المحدثون أيضا استعمالا عاما فيريدون : كل ما حصل فيه انقطاع في أي موضع في السند كان ، فيشمل :
المعلق ، و هو : الذي حصل فيه انقطاع في اول السند.
و المرسل ، و هو : الذي حصل فيه انقطاع في آخر السند.
و المعضل ، و هو : الذي حصل فيه انقطاع في أثناء السند باثنين فأكثر على التوالي . و يشمل أيضا المنقطع بالمعنى الخاص الذي ذكرناه .
و هكذا نرى أن مصطلح المنقطع يستعمله المحدثون استعمالا خاصا في المنقطع الاصطلاحي ، و يستعملونه استعمالا عاما في كل ما حصل فيه انقطاع فيشمل المنقطع الاصطلاحي ، و المعلق ، و المرسل ، و المعضل . و على هذا المنوال جرى استعمالهم لمصطلح العلة ؛ فهم يستعملونه بالمعنى الاصطلاحي الخاص ، وهو : السبب الخفي القادح ، و يستعملونه استعمالا عاما ، و يريدون به : كل ما يعل الحديث به فيشمل العلة بالمعنى الاصطلاحي ، و العلة الظاهرة ، و العلة غير القادحة . أهـ .

أهل الحديث
12-14-2011, 07:55 AM
المبحث الثاني : أسباب العلة التي يعلُ لأجلها الحديث .


فإن المحاولة التي يتدشقُ بها منكرُ السنة لإنكار علم الحديث لهي أوهنُ من بيت العنكبوت ، فيريد الطعن بهِ عن طريق السؤال هل القرآن الكريم مقدمُ على علم الرجال أم لا يقدمْ فأجبناهُ قائلين إن علم الحديث يشتملُ على ضوابطَ عدةَ في نقد الأحاديث ومن هذه القواعد (( إعلال الحديث لمخالفة القواعد العامة )) ثم ذكر في القرآن الكريم ما يثبتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله الله تبارك وتعالى بالرسالة المحمدية ليبين للناس ما خفي عنهم ، قال الله جل في علاه : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم )) فتبادرَ للذهن أن نوجه السؤال إلي من أراد أن يتكلم في علم الرجال والحديث قائلين : 1) قوله تعالى " لتبين للناس " فكيف يبينُ النبي صلى الله عليه وسلم الآيات لناس وكيف بلغنا هذا التبيين ... 2) هل وصلت هذه الأخبار وهذا البيان من النبي صلى الله عليه وسلم لنا عن طريق رواة ومحدثين أم وصلتنا من تلقاء نفسها ليأتي المنكرُ لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويقول أن علم الرجال علمٌ بشري لا يعرفُ أن علم الرجال لهُ أصولٌ قوية في القرآن الكريم ، وعلمُ الحديث يقومُ على التبينْ من روايات الأخبار وما أتانا من الأخبار فوافق قوله تعالى (( فتبينوا )) أي تأكدوا من الأخبار التي تأتيكم .

((اعلال الحديث لمخالفته القواعد العامة ، و اعلال الحديث لمخالفة عمل اهل المدينة ، و اعلال الحديث لمخالفته القياس ، و اعلال رواية الراوي اذا خالفت فتياه ، و نحو ذلك)) ، فهذه أعل بها بعض اهل العلم بعض الأحاديث ، و لم يعتبرها آخرون عللا ؛ لذلك ذكرتها على شكل علل و ذكرت أقوال أهل العلم و اتجاهاتهم فيها و مناقشاتهم لها ، وسنتطرقُ إلي تعريف العلة وكيف تكونْ في علم الحديث وما الدافع إلي الإختلاف في العلل والحديث وإلي حجية علم الحديث في الحياة العملية وفي حياة المسلم ودورهُ العظيم في صيانة الأمة من الوقوع في المنكرات ، وما شذ من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لابد من المخالف أن يعطينا من وقته الشيء القليل لكي يفهم ما نقول ، عسى الله يفتحُ على قلبهِ ويهديهِ سواء السبيل ، لأن علم الحديث الحصن الذي صان هذه الأمة من أن يدخل عليها مالم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فليت أصحاب العقول يعرفون ما يقرأون والله تعالى الموفق .

أولاً : تعريف العلة ومنها ينطلقُ مفهوم " عناية المحدثين بالحديث والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم " .
عرفها الحافظ ابن الصلاح بقوله ((هي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه)) ، و عرفها النووي بقوله: ((عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السلامة منه )) .
و بهذا يتضح لنا أن العلة شيء خارج عن الجروح الموجهة الى رجال الاسناد ؛ و ذلك لأن ميدان التعليل انما هو الأحاديث التي ظاهرها الصحة ، و لذلك يقول الحاكم : ((و انما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل )) ، يقول ابن الصلاح : ((المعلل ، هو الذي أطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها ، و يتطرق ذلك الى الاسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر )) ، لكننا مع ذلك نجد بعض العلماء يطلق العلة و يريد بها ما هو أعم من ذلك ؛ حيث يدخل فيها العلة الظاهرة ، و العلة غير الظاهرة ؛ فهذا الحافظ ابن الصلاح يقول : ((ثم اعلم انه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة الى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة ؛ و كذلك تجد في كتب العلل الكثير من الجرح بالكذب و الغفلة و سوء الحفظ و نحو ذلك من أنواع الجرح ، و سمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث ثم ان بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو ارسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط )) [ و كذلك ابن أبي حاتم كما يعلم ذلك من صنيعه في علله . أنظر حديث رقم (114) و (246) و لم يرتض العراقي هذا الاطلاق ؛ و ذلك أن الترمذي ان أراد النسخ علة في العمل فهو كلام صحيح مقبول أما ان أراد انه علة تقدح في صحة الحديث أو في صحة نقله ذلك غير مقبول لأن في كتب الصحيح احاديث كثيرة صحيحة منسوخة. انظر شرح التبصرة و التذكرة 1/239 ] .

ثانياً : أسباب العلل التي يقدحُ بها في صحة الأخبار والأحاديث " ليكونَ بدايةَ الإهتمام بعلم الحديث وسنة النبي " .
قال الشيخ الدكتور ماهر الفحل أعلى الله مقامهُ فيما أذكر : " و هو الضعف البشري الذي لا يكاد يخلو منه انسان و أن دخول الخطأ و النسيان و الوهم على الجنس البشري مما علم بالضرورة فالوهم لا يخلو منه حتى كبار الأئمة الضابطين، و هذا واضح لنا من تعريف الحديث الصحيح : (فهو الذي رواه عدل تام الضبط عن مثله الى منتهاه متصل السند ، و لا يكون شاذا و لا معللا ) . فاشتراطنا لصحة الحديث عدم الشذوذ و العلة يدل على أن الرواة التامي الضبط يدخل في حديثهم الشذوذ و العلة ، و لذا يقول الامام أحمد : (( و من يعرى من الخطأ و التصحيف ؟)) . " قال الإمام مسلم في التمييز ص124 : (( فليس من ناقل خبر و حامل أثر من السلف الماضين الى زماننا وان كانوا من أحفظ الناس و أشدهم توقيا و اتقانا لما يحفظ و ينقل – الا الغلط و السهو ممكن في حفظه و نقله )) وقال ابن معين في شرح العلل (1/436) : (( و لست اعجب ممن يحدث فيخطيء انما أعجب ممن يحدث فيصيب )) ، وبجملتهِ يعتبرُ هذا السبب العام كما أشار الدكتور ماهل الفحل أعلى الله مقامهُ في شرح العلة ، ويكونُ هذا السبب العام الذي لأجله تعلُ الأخبار والأحاديث والله تعالى الموفق .

أما الثاني : فهو خفةُ الضبط وإنظر إلي اهتمام أهل السنة بعلم الحديث لمجرد ضعفٍ خفيف في الرواي يتكلمُ في صحة الحديث ويخوضُ فيهِ علماء أهل الحديث في محاولةِ المعرفة ما إن كان يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا يثبت عن النبي فخفةُ الضبط والأوهام هي أحد أسباب إعلال الحديث وهذا يتطرقُ إلي قولٍ جلي وهو (( إهتمام أهل السنة وعلماء الحديث بالنفسيات التي هي نفسيات رواة الحديث للتأكد من صحة الأخبار أو ضعفها )) وإن دل على شيء فعلى إهتمام علماء الحديث بالرواية والحديث مخافة أن يدخل على السنة ما ليس فيها فيدخل على عقائد الناس فيعمل على تشويهها والله تعالى المستعان ، وهذا النوع الثاني من أسباب العلل يبينُ مدى إهتمام أهل الحديث بعلم العلل لصيانة السنة النبوية الصحيحة .

حيث أن كثيرا من الرواة مع صدقهم و ثبوت عدالتهم كانوا كثيري الخطأ و الوهم ، لكن ذلك ليس الغالب على حديثم و هؤلاء الذين كثر غلطهم في حديثهم مقبول عند أئمة الحديث كما صنع الامام مسلم و لكن ليس معنى ذلك ان حديثهم كله مقبول دون تمييز بل كان للأحاديث الصحيحة نصيب من حديثهم مما ترجح فيه للناقد - على ما ذكرناه آنفا- أن الراوي هنا قد ضبط و حفظ حديثه ، و لكتب العلل نصيب آخر مما تترجح للناقد أن فيه خطأً و وهما ، و من هؤلاء الرواة . محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، و عبد الرحمن بن حرملة ، و شريك بن عبد الله النخعي قاضي الكوفة ، و أبو بكر بن عياش ، و الربيع بن صبيح ، و مبارك بن فضالة ، و سهيل بن أبي صالح ، و غيرهم كما ذكره ابن رجب .

ألا وقد أعل الحديث للإختلاط وهذا هو السبب الثالث وإن من البراعةِ التي تميز بها أهل الحديث وعلماء الحديث عندنا هو معرفة إن كان هذا المحدث قد حدث بالخبر " قبل " أو " بعد " الإختلاط ومثال ذلك السنن الأبين (1/158) : (( وكذلك أيضا حكموا فيما أخرجتما من أحاديث الثقات الذين قد اختلطوا فحملوا ذلك على أنه مما روي عنهم قبل الاختلاط أو مما سلموا فيه عند التحديث على نظر في هذا القسم الآخر يحتاج إلى إمعان التأمل فبعض منها توصلوا إلى العلم بالسلامة فيه بطبقة الرواة عنهم وتمييز وقت سماعهم وبعض أشكل وقد كان ينبغي فيما أشكل أن يتوقف فيه لكنهم قنعوا أو أكثرهم بإحسان الظن بكما فقبلوه ظنا منهم أنه قد بان عندكما أمره و حسبنا الاقتداء بما فعلوا ولزوم الاتباع ومجانبة الابتداع وقد سلك أيضا هذا المسلك أبو حاتم البستي فقال في صدر كتابه وأما المختلطون في أواخر أعمارهم مثل الجريري وسعيد بن أبي عروبة وأشباههما فإنا نروي عنهم في كتابنا هذا ونحتج بما رووا إلا أنا لا نعتمد من حديثهم إلا على ما روى عنهم الثقات من القدماء الذين يعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم أو ما وافقوا الثقات من الروايات التي لا شك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى لأن حكمهم وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم وحمل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم حكم الثقة إذا أخطأ أن الواجب ترك خطئه إذا علم والاحتجاج بما يعلم أنه لم يخطيء وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات وما انفردا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سماعهم منهم قبل الاختلاط سواء انتهى ما قاله أبو حاتم البستي وفي بعض كلامه نظر فليسا سواء وتشبيهه بحال الثقة إذا أخطأ لا يساعد عليه أما ما روي عنهم قبل الإختلاط وتميز مما روي بعده فلا إشكال فيه وأما ما روي عنهم مستقيما بعد الاختلاط ففيه نظر وقد أنكره يحيى بن معين على وكيع وقال له تحدث عن سعيد بن أبي عروبة وإنما سمعت منه في الاختلاط فقال رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستو فإنه إن كان الاعتماد على الثقات الذين وافقوهم دونهم فلم يعتمد عليهم فما الفائدة في تخريج الحديث عنهم دون أولائك الثقات وإن كان الاعتماد على الرواة عنهم وعلى ماقرؤوه عليهم من صحيح كتبهم التي كتبوها في حال الصحة أو التي كتب عنهم أصحابهم قبل الاختلاط كما قال ابن معين سمعت ابن أبي عدي يقول لا نكذب الله كنا نأتي الجريري وهو مختلط فنلقنه فيجيء بالحديث كما هو في كتابنا فقد حصل في الحديث انقطاع وصار وجودهم كعدمهم ولا فرق بين أن يقرأ عليه وهو مختلط وأن يقرأ على قبره وهو ميت فآل الأمر إلى الاعتماد على الوجادة وأحسن ما يلتمس لهم أنهم لم يفرط الاختلاط فيهم بحيث يكونون مطبقين أو كانت لهم أوقات تثوب إليهم عقولهم فيها فيتحين الآخذون عنهم تلك الأوقات ويقرأون عليهم من كتبهم أو كتب أصحابهم أو يسمعون منهم ما حفظوه مما تظهر لهم السلامة فيه هذا هو الذي يجب أن يعتقد في من روى عنهم من الثقات وعلى ذلك يحمل فعل وكيع بن الجراح وغيره ممن فعله وإلا عاد ذلك بالقدح على الرواة عنهم على أن أبا حاتم البستي وإن كان من أئمة الحديث فعنده بعض التساهل في القضاء بالصحيح فما حكم بصحته مما لم يحكم به غيره إن لم يكن من قبيل الصحيح يكن من قبيل الحسن وكلاهما يحتج به ويعمل عليه إلا أن يظهر فيه ما يوجب ضعفه " ويجبُ التنبه إلي الأمور التي جعلها أهل الحديث ضوابط في سماع الراوي ممن إختلط كان قديماً والفيصل إن من كان إختلاطهُ خفيفاً قبل أهل الحديث روايتهُ بعد التفطنِ لها ولهذا فإن الشيخ الفحل يقول : و هو آفة عقلية تورث فسادا في الادراك ، و تصيب الانسان في آخر عمره ، أو تعرض له بسبب حادث : لفقد عزيز أو ضياع مال ؛ و من تصبه هذه الآفة لكبر سنه يقال فيه اختلط بأخرة فالاختلاط قد يطرأ على كثير من رواة الحديث النبوي مما يؤثر على روايته فتصبح فيهاعلة ، و معرفة المختلطين من غيرهم أمر شاق على علماء العلل ، فكان المحدثون يسمعون الحديث من الراوي مرارا حتى يعرفوا أنه خلط فيه أم لا ، قال حماد بن زيد : (ما أبالي من خالفني اذا وافقني شعبة لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة واحدة يعاود صاحبه مرارا ) إنظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، و مما يذكر في معاودة الراوي و السماع منه ما حصل لمروان بن الحكم : انه استدعى ابا هريرة رضي الله عنه واجلس كاتبه ابا الزعيزعة خلف السرير دون أن يعلم أبو هريرة ، و جعل يسأله و أبو الزعيزعة يكتب ، فلما حال الحول دعى مروان أبا هريرة و أجلس أبا الزعيزعة من وراء حجاب و جعل يسأله عما سأله عنه سابقا من ذلك الكتاب ، فأجاب دون تقديم و لا تأخير ) .

و أحيانا كان الناقد يدخل على الراوي ليختبره فيقلب عليه الأسانيد و المتون ، و يلقنه ما ليس من روايته ، فان لم ينتبه الشيخ لما يراد به فانه يعد مختلطا و يعزف الناس من الرواية عنه . قال الدكتور همام عبد الرحيم : (و لكن بصيرة الناقد و يقظة المجتمع ليس لهما تلك القدرة التي تحدد ساعات بدء الاختلاط ، اذ الاختلاط حالة عقلية تبدأ خفية ثم يتعاظم أمرها بالتدريج ، و بين الخفاء و الظهور يكون المختلط قد روى أحاديث تناقلها الثقات عن الثقات و ما دروا أنهم أخذوها عن الثقة و لكن في اختلاطه) .

و هكذا تدخل العلة في الحديث النبوي بسبب اختلاط بعض الرواة لكن العلماء عالجوا هذه القضية بواسطة الرواة عن المختلطين ، و قسموهم الى أربعة أقسام :
1- الذين رووا عن المختلط قبل اختلاطه .
2- الذين رووا عنه بعد اختلاطه .
3- الذين رووا عنه قبل الاختلاط و بعده و لم يميزوا هذا من هذا .
4- الذين رووا عنه قبل اختلاطه و بعده و ميزوا هذا من هذا .
فمن روى عن المختلط قبل الاختلاط قبلت روايته عنه و من روى عنه قبل الاختلاط و بعده و ميز ما سمع قبل الاختلاط و لم يقبل ما سمع بعد الاختلاط ، و من لم يميز حديثه أو سمع بعد الاختلاط لم تقبل روايته . أنظر العواصم و القواصم لابن الوزير 3/101-102 . فإن الأسباب الثلاثة الآنفة هي من أسباب إعلال أهل الحديث للأخبار والروايات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم (( فمنها السبب العام ، ومنها خفةُ الضبط والأوهام ، ومنها الإختلاط )) وما هذه إلا نبذة بسيطة عن إهتمام أهل الحديث بالحديث حتى بلغ الأمر أن يقلب الأسانيد والأخبار والروايات على الراوي الذي يريد أن يسمع منهُ حتى يعلم إن كان أصابه الإختلاط ، فإن ثبت ذلك ترك الرواية عنهُ مخافة أن يدخل على السنة ماليس فيها والله تعالى المستعان فلله در أهل الحديث وجعلنا الله تبارك وتعالى منهم ، لأننا كما نعلم إن أدخل المختلط إسناداً مقلوباً أو مضطرباً في المتن فإنهُ قد يأتي بشيءٍ لا تقبله الشريعة الإسلامية فيميزُ بين ما حدث به قبل أن يقع في الإختلاط ، وبعد أن وقع في الإختلاط وفي رواية من حدث عن الراوي قبل وبعد ، أو من حدث عنهُ في الأمرين وميزَ روايتهُ أكانت قبل الإختلاط أم بعد الإختلاط . والله أعلم .

ثم إعلم أن الإضطراب قد يكون لأسباب عارضة تطرأ على المحدث فيكونُ ثقة فيما حدث إلا أن هذه الظروف التي مر بها قد تدخلُ الوهم إلي روايتهِ للحديث وهذا ما يسمى الإعلال (( خفة الضبط للأسباب العارضة )) قد يكون المحدث ضابطا لروايته ثم تعرض عليه أمور طارئة تجعل الوهن في ضبطه فتدخل العلة في حديثه ، و من هذه الأمور الطارئة التي لأجلها يقعُ في حديث المحدث الإختلاط ، وقلة الضبط كثيرة في الحقيقة ومن هذه الأسباب التي دفعت أهل الحديث لوصف هذا الراوي بالإختلاط .
1- ضياع كتبه فقد يعتمد الراوي في ضبطه على كتبه ، فاذا ضاعت كتبه و حدث مما علق بذهنه دخلت العلة في حديثه كما حصل لهشيم بن بشير فقد كتب صحيفة بمكة عن الزهري ، فجاءت الريح فحملت الصحيفة فطرحتها فلم يجدها ، و كذلك علي بن مسهر الكوفي وكثير من الرواة الذين ضاعت كتبهم فكانوا يحدثونَ من حفظهم فيقع الإضطراب في روايتهم فمثلاً كتاب مصنف عبد الرزاق الصنعاني باقٍ إلا أن الصنعاني إختلط في آخرهِ فصار يحدث من حفظهِ فوقع الإضطراب في رواية عبد الرزاق الصنعاني داخل وخارج مصنفه . والله أعلم .
2- إحتراق كتبه قد يعتمد الراوي على كتبه ثم تحترق فيحدث من حفظه فتدخل العلة في ذلك ، و ممن احترقت كتبه فحدث من حفظه بعدها عبد الله بن لهيعة وقد ميز الحفاظ في رواية المحدثين عن عبد الله بن لهيعة فمنهم من قال أن رواية العبادلة عن ابن لهيعة قوية عبد الله بن وهب وعبد الله بن المبارك ، وهناك من المحدثين من سمع منهُ قبل وقوع الإختلاط والإضطراب في رواية عبد الله بن لهيعة قبل احتراق كتبهِ ، خلاف العبادلة وقال علمائنا أعلى الله مقامهم في التمييز بين رواية المحدثين الذين سمعوا من ابن لهيعة قبل الإختلاط وبعد الإختلاط فرد حديث من سمع من ابن لهيعة بعد الإختلاط ، وقبل حديث من سمع عبد الله بن لهيعة قبل الاختلاط لأن الذي سمع منهُ قبل الاختلاط يكون قد أدرك قوة حفظه وهو إمام مصر رحمه الله تعالى .
3- من لم يصحب كتابه معه و حدث من حفظه - كذلك بعض الرواة اصطحبوا كتبهم في أماكن و حدثوا منها فلم يخطئوا و حدثوا في أماكن عند غياب كتبهم فأخطأوا كمعمر بن راشد قال يعقوب بن شيبة : (سماع اهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب لأن كتبه لم تكن معه) .
4- الانشغال عن العلم من أسباب خفة الضبط فقد ضعفت روايات بعض المحدثين لانشغالهم عن العلم حفظا و كتابة بالقضاء كشريك بن عبد الله النخعي حيث ولي قضاء واسط سنة 155 هـ – قال عنه الحافظ في التقريب : ((تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة)) ، فهذه ومثلها من الأسباب العارضة التي أعل الرواة لأجلها بما يسمى عند أهل الإصطلاح الأسباب العارضة عند المحدثين والتي لأجلها أعل حديث الرواة والمحدثين (( كالسبب العام ، وخفة الضبط والأوهام ، والإختلاط ، والعلة الأخيرة وهي قلة الضبط لأسباب عارضة )) ومن هذه الأسباب العارضة يمكن أن تلخص بنقاط دون الشرح المتقدم : 1- ضياع الكتب ، 2- إحتراق الكتب ، 3- عدم إصطحاب المحدث لكتابهِ ، 4- الإنشغال عن طلب العلم بالقضاء أو غيره من الأعمال .

ومن الأسباب التي أعانت المحدثين على إعلال الأخبار (( هي قصر الصحبة )) أي قصر صحبة المحدث لمن يحدث عنهُ فهذا سببٌ قد يعلُ به الحديث ولكن ليست بالعلة القوية التي يمكنُ الإعتماد عليها في إعلال الحديث إلا أن أهل الحديث أعطوها أهمية كبيرة فيكون تعريف هذا الأمر كما قال شيخنا ماهر الفحر حفظه الله تعالى : قصر الصحبة للشيخ و قلة ممارسته لحديثه ، و هذه في الأصل ليست علة تعل بها الأحاديث لكن العلماء أعطوها أهمية كبيرة لأنه يستفاد من ذلك في ترجيح رواية على أخرى عند الاختلاف ؛ لأن من طالت صحبته لشيخه و كثرت ممارسته لحديثه يكون أتقن لحديث شيخه و تترجح روايته عمن قصرت صحبته لهذا الشيخ . وهو الصواب لأن بالكثرة تكون القوة فطالما كان المحدث مكثراً لسماع الحديث عن شيخهِ ومرافقاً لهُ في كل وقت وفي كل حين فإن المحدث سيكونُ قوياً في حديث شيخهِ ، ولهذا نميزُ بين " أصحاب شعبة " في سماعهم للحديث وبين من سمع من شعبة في مجلسهِ إن تفرد هذا الراوِ الذي حدث بالخبر وهو " ثقة " بحديث عن شعبة ولم يسمعهُ أحدٌ من أصحاب شعبة كغندر ، والطيالسي وروح وغيرهِ من أصحاب شعبة فهذا الحديث معلول لأن صحبتهم الطويلة لشعبة تجعل أكثر أحاديث شعبة معروفةً عندهم فيحفظونها بحقها ، ولهذا نعيل هذه النقطة إهتمام كبير في حين التمييز بين رواية الثقات الملازمين للشيخ وبين من سمع منهُ عرضياً والله أعلم .

ومن الأسباب التي دعت الأئمة إلا إعلال الأخبار والاحاديث ألا وهو (( التدليس )) أو ما يسمى (( تدليس الثقات )) يقول شيخنا ماهر الفحل حفظه الله : أن التدليس يكون أحيانا سببا من أسباب العلة ، و التدليس أنواع كثيرة . أشهرها تدليس الأسناد ، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه . ومثال ذلك أن يأتي جاهلٌ بعلم الحديث من منكري السنة النبوية قائلاً بأن علم الحديث لا يولى أي عناية وأن هذا العلم علم بشري أقول مثل هذا القول لا يمكنُ أن تقوم عليه شبهة بخصوص علم الحديث ولا يمكنُ الاعتماد على ضعفاء العقل في مثل هذا لأن علم الحديث وعلوم الحديث تأصلت لتكون من عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين فهم من أصلوا هذه القواعد ولكنهم لم يدونوها فأتى التابعي ليستنبط هذه القواعد التي تأصلت في عهد أصحاب النبي ويجعل منها المؤلفات التي هي الآن أعظمُ المؤلفات في معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلمَ لا يتأمل والله المستعان .
* تدليس الشيوخ : أن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف .
كما ويجب التنبيه إلي أن تدليس الثقات وتدليس الشيوخ ليس النوع الوحيد في علم الحديث فهناك أنواع كثيرة من أنواع التدليس لأجلها أعل المحدثين الأخبار وسبحان الله الذي جعلنا من أهل الحديث لنحافظ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونصونها من الوقوع في التحريف والأخطاء حتى نعرف الأصل هل لقواعد الحديث أصلٌ أم لا فيتبين لنا أن الإعلال لمجرد السبب العام ، ولمجرد الإختلاط وخفة الضبط ، وخفة الضبط للأسباب العارضة والتدليس وقلة المرافقة للشيخ لهو من أعظم ألوان الإهتمام بعلم الحديث وبالسنة النبوية التي هي أتت لتبين للناس ما خفي عليهم ، فسبحان الله الذي جعل أعداء هذا الدين ممن لا يفقهُ أبسط قواعد علم الحديث ولذلك وجب علينا التبيين ومن أنواع التدليس التي يعلُ بها الحديث .
1) تدليس التسوية .
2) تدليس المتون .
3) تدليس الأسانيد .
4) تدليس الأماكن .
5) تدليس العطف .
وهناك التدليس الخفي ، أو ما يسمى بالإرسال الخفي وفيه تأصيل والله تعالى المعين ، و كلا النوعين يكون أحيانا سببا في اعلال الحديث ، فقد يكشف الأئمة النقاد عن سقوط رجل في الاسناد أسقطه المدلس و يكون هذا الساقط ضعيفا كما في تدليس الاسناد أو يكنيه بكنية غير الكنية التي اشتهر بها . أو يسمى من اشتهر بكنيته . أو يكني من اشتهر باسمه ، أو يصفه بصفة غير الصفة التي اشتهر بها مما يوهم أنه رجل آخر و هذا هو تدليس الشيوخ فمن هذا المنطلق كان إعتناء أهل العلم بالسنة النبوية وبعلم الحديث فكيف برجلٍ لا يعرفُ هذا أبداً ...!!

ومن الأسباب التي أعانت المحدثين على إعلال الأخبار وهو " الإنقطاع في السند أو الطعن في أحد رجال الأسناد عدالة أو ضبطا " قال شيخنا ماهر الفحل حفظه الله تعالى : " و هذا حسب ما ذكرت سابقا : من أن المراد هنا المعنى العام للعلة فهي لذلك تشمل القادح : الظاهر منه و الخفي " وهناك " التفرط " وهو كما قال شيخنا : " و التفرد بحد ذاته ليس علة في الخبر ، و انما يكون أحيانا سببا من أسباب العلة ، اذا لم يكن الراوي مبرزا في الحفظ ، فالتفرد قد يلقي الضوء على وجود العلة و سوف يأتي لذلك مزيد بيان ان شاء الله تعالى "والله أعلم.

قال شيخنا الدكتور ماهر الفحل في أهمية علم العلل : [ اذا كان كل علم يشرف بمدى نفعه فان علم علل الحديث لذلك يعد من أشرف العلوم ؛ لأنه من أكثرها نفعا فهو نوع من أجل أنواع علم الحديث و فن من أهم فنونه ، و رحم الله الامام النووي حيث قال : ( ومن أهم أنواع العلوم تحقيق الأحاديث النبويات ، أعني : معرفة متونها صحيحها و حسنها و ضعيفها ، متصلها و مرسلها و منقطعها و معضلها و مقلوبها ، و مشهورها و غريبها و عزيزها ومتواترها و آحادها و أفرادها ، معروفها و شاذها و منكرها و معللها و موضوعها و مدرجها و ناسخها و منسوخها)) ، فعلماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموما لأنه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم ، و قد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص لأن بمعرفة العلل يعرف كلام النبي صلى الله عليه و سلم من غيره و صحيح الحديث من ضعيفه و صوابه من خطئه ؛ قيل لعبد الله بن المبارك : هذه الأحاديث الموضوعة ؟ قال: ((تعيش لها الجهابذة)) ، و قد ذكر الحاكم : أن معرفة علل الحديث علم برأسه غير معرفة السقيم و الجرح و التعديل . و علم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على يدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، حيث كان أبو بكر الصديق و عمر الفاروق رضي الله عنهما يحتاطان في قبول الأخبار و يطلبان الشهادة على الحديث أحيانا من أجل تمييز الخطأ و الوهم في الحديث النبوي ، ثٍم اهتم العلماء به من بعد لئلا ينسب خطأ الى السنة المطهرة شيء ليس منها . فعلم العلل له مزية خاصة فهو كالميزان لبيان الخطأ و الصواب و الصحيح من المعوج ، و قد اعتنى به أهل العلم قديما و حديثا ؛ و لا يزال الباحثون يحققون و ينشرون لنا " في احتياط الصحابة , أنظر السنة و مكانتها في التشريع الاسلامي لمصطفى السباعي ص75 , و كان علي بن أبي طالب يستحلف الراوي أحيانا , فقد روى الامام أحمد في مسنده حديث ,رقم (2) عن علي قال : (كنت اذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثا نفعني الله بما شاء منه و اذا حدثني عنه غيري استحلفته)) قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب 1/267- 268 : ((هذا حديث جيد الاسناد)) " الثروة العظيمة التي دونها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي بن المديني ، و أحمد و البخاري ، و الترمذي ، و ابن أبي حاتم و الدار قطني و غيرهم . و ما ذلك الا لأهمية هذا الفن . و لأهمية هذا العلم نجد أن بعض جهابذة العلماء يصرح بأن معرفة العلل عنده مقدم على مجرد الرواية يقول عبد الرحمن بن مهدي : ((لان أعرف علة حديث واحد أحب الي من أن أستفيد عشرة أحاديث)) .

و يزيد هذا العلم أهمية أنه من أشد العلوم غموضا ، فلا يدركه الا من رزق سعة الرواية ، و كان مع ذلك حاد الذهن ثاقب الفهم دقيق النظر ، واسع المران .
قال أحمد بن صالح المصري : ((معرفة الحديث بمنزلة الذهب و الشبه فان الجوهر انما يعرفه أهله ، و ليس للبصير فيه حجة اذا قيل له: كيف قلت: ان هذا الجيد و الرديء)) لذلك فان وجود العارفين في فن العلل بين العلماء عزيز ؛ قال ابن رجب : ((و قد ذكرنا فيما تقدم في كتاب العلم شرف علم العلل و عزته ، و أن أهله المحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ و أهل الحديث ، و قد قال أبو عبد الله بن مندة الحافظ : انما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفرا يسيرا من كثير ممن يدعي علم الحديث)) .

و قال الحافظ ابن حجر: ((المعلل من أغمض أنواع الحديث و أدقها مسلكا ، و لا يقوم بها الا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا و حفظا واسعا و معرفة تامة بمراتب الرواة و ملكة قوية بالأسانيد و المتون ، و لهذا لم يتكلم فيه الا القليل من أهل هذا الشأن : كعلي بن المديني ، و أحمد بن حنبل ، و البخاري ، و يعقوب بن أبي شيبة ، وأبي حاتم ، و أبي زرعة ، و الدار قطني )) ] أهـ فكم تمنت هذه الأمة أن تكون من هؤلاء ، فرحمهم الله تبارك وتعالى وجزاهم الله عن الإسلام خيراً لتكريسهم حياتهم وعنا لنصرة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وغفر الله لنا تقصيرنا وجعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، اللهم إني أسألك أنا العبد الفقير إليك أن تغفر اللهم لي خطيئتي وأن تجعلني من حفظة الحديث ومن المحدثين يا أرحم الراحمين .

فإن ما رأينا من شديد إهتمام أئمة الحديث بالرواية والنقد فقد أولى أئمة الحديث هذا العلم أهمية كبيرة لأن السنة بنيت على الأخبار والروايات التي نقلها المحدثون من النبي صلى الله عليه وسلم إلي يومنا هذا ، وليس من العدل أن يأتي من لا طاقة لهُ بعلم الحديث ولا باهلهِ فيتكلمُ بغير الفن الذي هو يعرفهُ وصدق من قال : (( من تكلم بغير فنهِ فقد أتى بالعجائب )) وقد رأيتُ بأم عيني هذه العجائب في المكان الذي نكتب فيه الآن فلا حظ لكل المتكلم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم في معرفتها وفهمها والله تعالى المستعان فقد عني أئممة الحديث بجمع الأخبار والمتون والروايات فجمعوها ونقحوها وجملوها وحفظوها وتأكدوا من صحتها إلي النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت علوم الحديث من أعظم العلوم التي يمكنُ أن يخوض فيها المرء ولهذا قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (( المعلل من أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا )) جعلنا الله من أئمة العلل والحديث ولعمركَ إن البحث عن الحديث من النواحي المذكورة من ناحية الإختلاط والضعف وقلة الضبط وقلة الصحبة والتدليس والتفرد وقلة الضبط والأوهام للأسباب العارضة فإن هذا كلهُ والبحث فيهِ لهو أعظم أنواع البحث والتدقيق فإنهُ يأخذُ منا أكثر الوقت لله ورسولهِ ، ثم ياتِ جاهلٌ يقول أن علم الحديث علمٌ بشري ، سبحان الله إذا لماذا لا تعترض على الصحابة وعلى الأوائل الذين أصلوا في قواعد هذا العلم فالحمد لله أن جعلنا من أهل الحديث وجعلنا من أهل سنته صلوات ربي وسلامه عليه ، فكمنت الإمامة في الحديث في الإهتمام الشديد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فلله العجب ما أشد عجبي من المنكرين .

إذ يوقف على مثل هذا التمييز بين الطيب والخبيث ، الضعيف والصحيح ، وتطهير السنة مما قد دخل فيها من الشوائب والأكاذيب ولهذا كان هذا العلم من أعظم العلوم التي إهتمت بالدين وحفظت السنة النبوية المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا العلم " تسلم الشريعة الإسلامية من التلاعب والشوائب والأخبار الشاذة " وكل هذه الأحوال التي بحث فيها أهل الحديث من كل النواحي من حيث الضعيف والصحيح والحسن وبيان أقسام الحديث الضعيف ليكون (( المعضل ، المنقطع ، الشاذ ، المقلوب ، المنكر ، المضطرب ، الموضوع )) وما إتصل بذلك من مواضيع علم الحديث والرجال فكان الأصلُ في علم الحديث هو معرفة الأخبار الضعيفة وحفظ السنة النبوية وحماية هذه الأمة مما قد يدخل عليها من الأخبار الفاسدة التي قد تفسد العقائد ، وقد برع أئمة الحديث بنقد المتون وشرحها فجعلوها نيرةً واضحة كوضوع الشمس فالحمد الله تعالى الذي جعلنا على العقيدة الصحيحة القوية ونسأل الله أن نلقاهُ عليها جل في علاه ، فهذا كلُ ما تطرق إلي أحوال الرجال و (( الضبط ، والتحمل ، والأداء )) وبيان علل الحديث وغرائبهُ ومُختلفهِ والناسخ والمنسوخ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وطبقات الرواة وأوطانهم ووفاتهم مثل كتاب الوفيات للإمام الزركلي إلي غير هذا كلهِ من الأمور الجمة المبسوطة والمسهلة في كتب الرجال الجامعة لكل هذا جعلنا الله من حفظتها .

وأختمُ إن شاء الله تبارك وتعالى بهذه الكلمة الخفيفة اللطيفة .
وإعلم علمني الله وإياك أن المحدثين قد عنوا بالإعتناء بالأخبار صحيحها وضعيفها ، طيبها وفاسدها وتبيينها وأهمها إعتنائهم بنقد الأسانيد عناية تامة قوية مبنية على الأمانة والدقة العلمية التي تأصل منها كثيرٌ من علماء الفرق والمذاهب الأخرى ، وهذا ما إنفرد به أهل السنة عن غيرهم نقاء العقيدة وصفاء المعتقد والحمد لله تبارك وتعالى وقد بلغ هذا الإهتمام مبلغهُ حتى ما تركوا زيادة لمستزيد وقد خلفْ المحدثون لنا الكتب الهائلة في نقد الرجال ومعرفة أخبارهم وأحوالهم ووفياتهم وأصلوا في المتون وعلوم المصطلح وتركوها لنا نيرة كالذهب الخام الخالِ من أي شائبة فشرحها المتأخرون شرحاً بسيطاً سلساً يتوافق مع عقلية طالب العلم ويسهلونها لهم لكي يولى هذا العلم الإهتمام الذي كان فيه زمنهم رضي الله تعالى عنهم ومن هذه المؤلفات ما ألف في الثقات وأحوالهم ورورايتهم ، ومنها ما ألف في المجروحين وأحوالهم وسبب إعلال روايتهم ومن المؤلفات ما ألف فيما هو أعمُ من هذا كله والجميل أنهم لم يجرحوا فقط بالظاهر بل إهتم علماء الحديث بالعامل النفسي وكيف يكون تأثيره على المحدث مثل قولنا (( ضياع كتبه ، حرق كتبه )) فهذه الأسباب التي من أجلها قد يعل الخبر وهي الأسباب العارضة التي تواجهُ الراوي فيقع في حديثه الغلط ومن أعظم الأدلة تفرق أئمة الحديث بين رواية المبتدع الداعية وغير الداعية وقد إعتبروا قدوم المحدث بيت الحاكم وقبول الهدايا منهُ سبباً لجرح الراوي للحديث .

أبو عثمان
12-16-2011, 12:24 PM
علمٌ يحتاج الى رجلٌ ذكي من ادران الدنيا خلي
نسأل الله من فضله

أهل الحديث
12-20-2011, 09:21 AM
اللهم آمين ، نفع الله بك .

أهل الحديث
01-03-2012, 08:41 PM
المبحث الثالث : أهمية علم العلل .

قال شيخنا اللبيب (( ماهر بن ياسين الفحل )) : (( اذا كان كل علم يشرف بمدى نفعه فان علم علل الحديث لذلك يعد من أشرف العلوم ؛ لأنه من أكثرها نفعا فهو نوع من أجل أنواع علم الحديث و فن من أهم فنونه ، و رحم الله الامام النووي حيث قال : ( ومن أهم أنواع العلوم تحقيق الأحاديث النبويات ، أعني : معرفة متونها صحيحها و حسنها و ضعيفها ، متصلها و مرسلها و منقطعها و معضلها و مقلوبها ، و مشهورها و غريبها و عزيزها ومتواترها و آحادها و أفرادها ، معروفها و شاذها و منكرها و معللها و موضوعها و مدرجها و ناسخها و منسوخها)) .

فعلماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموما لأنه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم ، و قد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص لأن بمعرفة العلل يعرف كلام النبي صلى الله عليه و سلم من غيره و صحيح الحديث من ضعيفه و صوابه من خطئه ؛ قيل لعبد الله بن المبارك : هذه الأحاديث الموضوعة ؟ قال: ((تعيش لها الجهابذة)) .
و قد ذكر الحاكم : أن معرفة علل الحديث علم برأسه غير معرفة السقيم و الجرح و التعديل . و علم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على يدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، حيث كان أبو بكر الصديق و عمر الفاروق رضي الله عنهما يحتاطان في قبول الأخبار و يطلبان الشهادة على الحديث أحيانا من أجل تمييز الخطأ و الوهم في الحديث النبوي ، ثٍم اهتم العلماء به من بعد لئلا ينسب خطأ الى السنة المطهرة شيء ليس منها . فعلم العلل له مزية خاصة فهو كالميزان لبيان الخطأ و الصواب و الصحيح من المعوج ، و قد اعتنى به أهل العلم قديما و حديثا ؛ و لا يزال الباحثون يحققون و ينشرون لنا الثروة العظيمة التي دونها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي بن المديني ، و أحمد و البخاري ، و الترمذي ، و ابن أبي حاتم و الدار قطني و غيرهم . و ما ذلك الا لأهمية هذا الفن . و لأهمية هذا العلم نجد أن بعض جهابذة العلماء يصرح بأن معرفة العلل عنده مقدم على مجرد الرواية يقول عبد الرحمن بن مهدي : ((لان أعرف علة حديث واحد أحب الي من أن أستفيد عشرة أحاديث)) .

و يزيد هذا العلم أهمية أنه من أشد العلوم غموضا ، فلا يدركه الا من رزق سعة الرواية ، و كان مع ذلك حاد الذهن ثاقب الفهم دقيق النظر ، واسع المران .
قال أحمد بن صالح المصري : ((معرفة الحديث بمنزلة الذهب و الشبه فان الجوهر انما يعرفه أهله ، و ليس للبصير فيه حجة اذا قيل له: كيف قلت: ان هذا الجيد و الرديء)) لذلك فان وجود العارفين في فن العلل بين العلماء عزيز ؛ قال ابن رجب : ((و قد ذكرنا فيما تقدم في كتاب العلم شرف علم العلل و عزته ، و أن أهله المحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ و أهل الحديث ، و قد قال أبو عبد الله بن مندة الحافظ : انما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفرا يسيرا من كثير ممن يدعي علم الحديث))

و قال الحافظ ابن حجر: ((المعلل من أغمض أنواع الحديث و أدقها مسلكا ، و لا يقوم بها الا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا و حفظا واسعا و معرفة تامة بمراتب الرواة و ملكة قوية بالأسانيد و المتون ، و لهذا لم يتكلم فيه الا القليل من أهل هذا الشأن : كعلي بن المديني ، و أحمد بن حنبل ، و البخاري ، و يعقوب بن أبي شيبة ، وأبي حاتم ، و أبي زرعة ، و الدار قطني ))
ثم ان معرفة علل الحديث من الأمور التي لا تنال الا بممارسة كبيرة في الاعلال و التضعيف و معرفة السند الصحيح من الضعيف ، فمن أكثر الاشتغال بعلم الحديث و حفظ جملة مستكثرة من المتون حتى اختلطت بلحمه و دمه و عرف خفايا المتون و الأسانيد و مشكلاتها استطاع أن يميز الحديث الصحيح من الحديث المعل ، و لذا يقول الربيع بن خيثم : ((ان للحديث ضوءا كضوء النهار تعرفه و ظلمة كظلمة الليل تنكره)) .

ثم على الباحث قبل أن يحكم على حديث بعلة أن يجمع طرق الحديث و يستقصيها من الجوامع و المسانيد و الأجزاء ، و يسبر أحوال الرواة فينظر في اختلافهم و في مقدار حفظهم و مكانتهم من الضبط و الاتقان ، و عند ذلك و بعد النظر في القرائن يقع في نفس الباحث الناقد أن الحديث معل بارسال في الموصول أو وصل في المرسل أو المنقطع ، أو سقوط رجل بسبب التدليس ، أو وقف في المرفوع ، أو معارضة بما هو أقوى لا تحتمل التوفيق ، أو دخول حديث في حديث أو وهم أو ما أشبه ذلك من العلل القادحة ، ثم يغلب على ظنه ذلك فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيه فيتوقف عن الحكم ، و قد يغلب ظن الناقد علة في الحديث ثم تقصر عبارته عن اقامة الحجة في دعواه فيعله بغير قادح ، أو يعله من غير أن يفصح عن القادح ، لكنه يحس في نفسه احساسا لا دافع له بان في هذا الحديث علة كاحساس الجوهري الحاذق بزيف الزائف ، مما يجعله يرى في نفسه أن ذلك كاف للاعلال كالاعلال بالتفرد ؛ لذا قال عبد الرحمن بن مهدي : ((معرفة علل الحديث الهام فلو قلت للعالم بعلل الحديث من أين قلت هذا ؟ لم يكن له حجة)) . أهـ .

ثم قال ابن أبي حاتِم: «تُعْرَفُ جَودةُ الدينار بالقياس إلى غيره؛ فإنْ تخلَّف عنه في الحُمْرَةِ والصَّفَاءِ، عُلِمَ أنه مَغْشوش. ويُعْلَمُ جنسُ الجَوْهَرِ بالقياس إلى غيره؛ فإنْ خالفه بالماء والصَّلابة، عُلِمَ أنه زجاج. ويُقاس صِحَّةُ الحديثِ بعدالة ناقليه، وأنْ يكونَ كلامًا يَصْلُحُ أنْ يكونَ مِنْ كلامِ النُّبُوَّةِ. ويُعْلَمُ سقمُهُ وإنكاره بتفرُّدِ مَنْ لم تَصِحَّ عدالتُهُ بروايته، والله أعلم».اهـ.

ابن عبد البر الصغير
01-11-2012, 09:17 PM
شكر الله لك شيخنا أبا الزهراء هذه الفوائد الماتعة، وقد دخلتَ مسلكاً دقيقا، ولعلَّ عددا من الإخوة لا يعلمون جهد المحدث في كتابة مثل هذه المقالات، وما يبذله من آليات التمحيص والترجيح لاستخراج الدرر فجزاك الله عناَّ خيرا .

فواصل وصلك الله بعطائه، ولعلَّ لي إضافات بعدها .

أهل الحديث
01-13-2012, 10:19 AM
شكر الله لك شيخنا أبا الزهراء هذه الفوائد الماتعة، وقد دخلتَ مسلكاً دقيقا، ولعلَّ عددا من الإخوة لا يعلمون جهد المحدث في كتابة مثل هذه المقالات، وما يبذله من آليات التمحيص والترجيح لاستخراج الدرر فجزاك الله عناَّ خيرا .

فواصل وصلك الله بعطائه، ولعلَّ لي إضافات بعدها .

بارك الله فيك شيخنا الكريم ، ولعلني أضيف بعض الفوائد التي قراتها من الشيخ سعد الحميد نفع الله به .

قال ابن رجب الحنبلي : (( أَمَّا أهلُ العلمِ والمعرفة، والسُّنَّةِ والجماعة، فإنَّما يَذْكُرون عِلَلَ الحديثِ نصيحةً لِلدِّين، وحفظًا لسنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وصيانةً لها، وتمييزًا مما يَدْخُلُ على رواتها من الغَلَطِ والسَّهْوِ والوَهَمِ، ولا يوجبُ ذلك عندهم طَعْنًا في غير الأحاديث المُعَلَّة، بل تَقْوَى بذلك الأحاديثُ السليمةُ عندهم؛ لبراءتها من العلل، وسلامتها من الآفات، فهؤلاءِ هم العارفونَ بِسُنَّةِ رسول الله حَقًّا، وهم النقَّاد الجَهابذةُ الذين ينتقدون انتقادَ الصيرفيِّ الحاذقِ للنَّقْدِ البَهْرَجِ من الخالص، وانتقادَ الجوهريِّ الحاذق للجوهر مما دُلِّسَ به )) .
وقد أضفتُ في توقيعي هذه الفائدة ، وقد أدرجتها في المقال : (( لَأَنْ أَعْرِفَ عِلَّةَ حديثٍ هو عندي، أَحَبُّ إليَّ من أن أكتبَ عشرين حديثًا ليس عندي )) .
وقال محمد بن عبدالله بن نُمَيْر: قال عبدالرحمن بن مَهْدي: «معرفةُ الحديثِ إلهامٌ». قال ابن نُمَيْر: «وصَدَقَ! لو قلتَ له: مِنْ أينَ قلتَ؟ لم يكنْ له جوابٌ»
وقال نُعَيم بن حمَّاد: قلت لعبدالرحمن بن مَهْدي: كيف تَعْرِفُ صحيحَ الحديثِ مِنْ خطئه؟ قال: «كما يَعْرِفُ الطبيبُ المجنونَ»
وقال الخطيبُ البغدادي : «فمِنَ الأحاديثِ ما تَخْفَى عِلَّتُه فلا يوقَفُ عليها إلا بعد النظرِ الشديد، ومُضِيِّ الزمانِ البعيد».
وقال صالحُ بن محمد البغدادي - المعروفُ بصالحِ جَزَرة -: سمعتُ عليَّ بن المَدِيني يقول: «رُبَّمَا أدركتُ عِلَّـةَ حديثٍ بعد أربعين سنةً»
وقال الربيع بن خُثَيْم: «إنَّ مِنَ الحديثِ حديثًا له ضَوْءٌ كضوء النهار تعرفُهُ، وإنَّ مِنَ الحديثِ حديثًا له ظُلمةٌ كظُلْمة الليلِ تُنْكِرُهُ»

ابن عبد البر الصغير
01-15-2012, 05:17 AM
بارك الله فيك شيخنا الكريم ، ولعلني أضيف بعض الفوائد التي قراتها من الشيخ سعد الحميد نفع الله به .

قال ابن رجب الحنبلي : (( أَمَّا أهلُ العلمِ والمعرفة، والسُّنَّةِ والجماعة، فإنَّما يَذْكُرون عِلَلَ الحديثِ نصيحةً لِلدِّين، وحفظًا لسنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وصيانةً لها، وتمييزًا مما يَدْخُلُ على رواتها من الغَلَطِ والسَّهْوِ والوَهَمِ، ولا يوجبُ ذلك عندهم طَعْنًا في غير الأحاديث المُعَلَّة، بل تَقْوَى بذلك الأحاديثُ السليمةُ عندهم؛ لبراءتها من العلل، وسلامتها من الآفات، فهؤلاءِ هم العارفونَ بِسُنَّةِ رسول الله حَقًّا، وهم النقَّاد الجَهابذةُ الذين ينتقدون انتقادَ الصيرفيِّ الحاذقِ للنَّقْدِ البَهْرَجِ من الخالص، وانتقادَ الجوهريِّ الحاذق للجوهر مما دُلِّسَ به )) .
وقد أضفتُ في توقيعي هذه الفائدة ، وقد أدرجتها في المقال : (( لَأَنْ أَعْرِفَ عِلَّةَ حديثٍ هو عندي، أَحَبُّ إليَّ من أن أكتبَ عشرين حديثًا ليس عندي )) .
وقال محمد بن عبدالله بن نُمَيْر: قال عبدالرحمن بن مَهْدي: «معرفةُ الحديثِ إلهامٌ». قال ابن نُمَيْر: «وصَدَقَ! لو قلتَ له: مِنْ أينَ قلتَ؟ لم يكنْ له جوابٌ»
وقال نُعَيم بن حمَّاد: قلت لعبدالرحمن بن مَهْدي: كيف تَعْرِفُ صحيحَ الحديثِ مِنْ خطئه؟ قال: «كما يَعْرِفُ الطبيبُ المجنونَ»
وقال الخطيبُ البغدادي : «فمِنَ الأحاديثِ ما تَخْفَى عِلَّتُه فلا يوقَفُ عليها إلا بعد النظرِ الشديد، ومُضِيِّ الزمانِ البعيد».
وقال صالحُ بن محمد البغدادي - المعروفُ بصالحِ جَزَرة -: سمعتُ عليَّ بن المَدِيني يقول: «رُبَّمَا أدركتُ عِلَّـةَ حديثٍ بعد أربعين سنةً»
وقال الربيع بن خُثَيْم: «إنَّ مِنَ الحديثِ حديثًا له ضَوْءٌ كضوء النهار تعرفُهُ، وإنَّ مِنَ الحديثِ حديثًا له ظُلمةٌ كظُلْمة الليلِ تُنْكِرُهُ»

فوائد جليلة حفظك الله والشيخ، والعلة تكثر في أحاديث الثقات، فلا يعتبر معلولا عند راو مجرح لأن هذا الأخير لا تقبل روايته بالجملة. وهي أنواع :

- نوع يكون في المتن وحده .

- ونوع يكون في الإسناد وحده.

- ونوع يكون فيهما معاً .

أهل الحديث
01-16-2012, 07:19 AM
أحسنت شيخنا الكريم ، ويدخلُ الأمر في النكارة في الاحاديث . للحديث تتمة ..

أهل الحديث
01-17-2012, 04:49 PM
نتَوقَفْ حَتى نتفرغ للإكمال ..