المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التقليد والتفكير ..



الورّاق
12-18-2011, 05:55 PM
تحية طيبة ..

الذي جعل العرب لا يميلون الى التفكير ولا يبدعون في هذا العصر هو محنة النموذج الغربي الجاهز ، والذي يحتاج فقط إلى التقليد .. ولكن التقليد لا يخلق التفكير ولا الابداع ، و صار الصراع هو على هذا التقليد و ما معوقات التقليد الغربي .. و كيف نقلد باسرع وقت ! الشخص إما أن يكون مقلدا أو مفكرا, والأمة كذلك إما مقلدة أو مفكرة, لأن التقليد ينافي التفكير, والتفكير يبعِد عن التقليد.

تصوروا امة يـُطلب منها التقليد ولا يطلب منها التفكير ! فكيف سينشأ التفكير فيها؟ بل يـُحارَب التفكير بتهمة رفض النموذج الجاهز, سواء كان تراثيا أو ليبراليا مستوردا , بحيث تلتقي التقدمية مع الرجعية في كبت العقل, والأكثر اعتدالا -على حسب قولهم - يقدمون نموذجا توفيقيا -أو تلفيقيا إن شئت- ، فيأخذ من هذا الصندوق ومن ذاك الصندوق ليقدم صندوقا ثالثا للأفكار المعلبة, سواء في الأدب أو في السياسة أو في الاقتصاد او في الفن أو في الدين أو في الاجتماع...إلخ, و كلنا يعرف هذه الصناديق الثلاثة التي لا رابع لها مع الأسف , و هي صناديق العقل العربي المعلب المعاصر .. بضاعة تختلف مصادرها بين المحلي الخالص والمستورد الخالص و المركب من الاثنين, و المدارس الأدبية في الأدب العربي و في العصر الحديث تقدم صورة واضحة لهذه الصناديق الثلاثة - لأن الأدب صورة لواقع أي أمة - فمدرسة الإحياء و مدرسة التغريب و مدرسة توفيقية .. وهكذا في كل مجال , وما سوى هذه الصور الثلاث يعتبر تجديفا وليس تفكيرا , وتتآزر هذه القوى الثلاث على وأده ! كلٌ يقدم نموذجا جاهزا, على اعتبار ان ذلك النموذج كامل وغير قابل للنقاش ولا مراء في جودته.

التقليد التقليد ، و سرعة التقليد .. و كل من اراد ان يناقش او يفكر فهو داعية للتخلف ، فالتفكير تخلف والتقليد ليس بتخلف!!

شكرا ..

مواطن
12-19-2011, 12:14 PM
لكون الابداع صعب


و التقليد فهو بسيط اما اقتصاديا ,, يجني من ورائه ارباح سريعة



شكرا لك

الورّاق
01-06-2012, 09:05 PM
تحية طيبة ..

العلم والتكنولوجيا لا تنطبق عليهما كلمة تقليد ؛ لأن العلم واحد ، و أي مكتسب علمي هو مكتسب بشري ، و هو ليس خاص بثقافة دون أخرى . و الحضارة و علومها بنتها البشرية جميعاً .

المقصود بالتقليد إذا هو التقليد في غير الأمور العلمية والصناعية التكنولوجية : لماذا التقليد فيها ؟ أقصد العادات والتقاليد والنظرة الى الحياة والإنسان والمجتمع واللباس والأكل وطريقة العادات والعلاقات ونمط الحياة والدين .

و فكرة أنه لكي تحصل على المنتَج (بفتح التاء) ، فلا بد أن تقبل المنتِج (بكسر التاء) فكرة خاطئة ، فالغرب أنفسهم أخذوا المنتَج (بالفتح) من الشعوب الأخرى ولم يأخذوا المنتِج (بالكسر) ، فليست الحضارة الغربية هي نهاية التاريخ حتى نكون ملزمين بها . الإنسانية في تطور مستمر , و قد تتجاوز الإنسانية النمط الغربي في يوم من الأيام إلى نمط أفضل .

العالم العربي مليء بمقلدي الغرب في حياتهم و أسلوب تفكيرهم ، لكننا لم نجدهم وصلوا السماء بعلومهم و تطورهم التكنولوجي . بينما نجد الأكثر نجاحا هم الأكثر جدية في عملهم ، حتى لو كانوا من المحافظين والتقليديين .. فالعلم إذا اعطيته كلك أعطاك بعضه ، و لا يسأل عن انتماءاتك الفكرية .. بل إن نسبة التفوق والنجاح لا نجدها في صالح المتحررين والليبراليين ، و هذا دليل عندنا بين ظهرانينا – و يستطيع اي شخص أن يجمع الشواهد من مجتمعه المحيط به - ؛ لأن الليبرالية انفلات ، والنجاح يحتاج الى انضباط .

الغرب يروج لثقافته من خلال هذه الفكرة ، فكرة أن من أراد أن يكون مثل الغرب في تقدمه المادي ، فعليه أن يكون مثله في حياته الاجتماعية والمعنوية ، على مبدأ ( خذني بالكامل أو اتركني بالكامل ) ، وهو شرط بلا مبرر إلا رغبتهم في تسويق أفكارهم الاجتماعية والخلقية - الممجوجة من قبل الشعوب الأخرى - على متن قطار العلم والتكنولوجيا ، فالكيمياء مثلا لا علاقة له بأيدلوجية من يجري التجربة : هل هو مسلم أم ملحد أو أفريقي أو صيني أو أمريكي ، وليست له علاقة بنظرته للمجتمع و هل هو يهتم بالموضة و الهوايات الغربية أم لا .. وهل يؤمن بالمساواة بين الجنسين أو لا حتى تنجح التجربة ..

قوانين الميكانيكا لا تسأل هل أنت متابع لأفلام هوليوود أم لا .. فالعلم له قوانين ، من احترمها فسوف يستفيد من العلم ، من خلال التكنولوجيا و العلوم التطبيقية . إذا ً أخذ ُ العلم لا يسمى تقليدا ، لأنه إذا كان هذا العلم و لم أكن مقلداً لمن سبقني فيه ، فهل سوف اكتشف علما جديدا مع أن العلم واحد ؟!! إذا اكتشف العلم أن الأنسولين تفرزه غدة البنكرياس مثلا ، فهل أرفض هذا العلم و أبحث عن غدة أخرى غيره تفرز الأنسولين ؟! إنها هي الوحيدة المختصة بإنتاج الأنسولين في الجسم ..

والحضارات منذ القدم تتلاقح ويأخذ بعضها من بعض ، فلماذا هذه الحضارة الغربية المغرورة تطالب الحضارات الأخرى بأن تأخذها بالكامل ؟! وهذا ما لم يحدث في تاريخ الحضارات ..

كأن الإعلام الغربي يأخذ مجهود الجادين و ينسبه الى الهازلين . بينما نرى الجادين والصابرين يتميزون و يحصلون على النجاح في كل مكان ، وليس في الغرب فقط ، و هذا عبر التاريخ .

الإبداع العلمي يحتاج الى الثقة بالنفس والتشجيع ، وليس الى الإنفلات الأخلاقي الذي ينتج الإدمان والأمراض النفسية ولا ينتج الإبداع .

إذا فكرة أخذ الحضارة بالكامل أو تركها بالكامل هي فكرة خاطئة بالكامل .

لا زلنا في الموضوع نفسه وهو التقليد ، فالتقليد على مبدأ : ليس بالإمكان أفضل مما كان ، أو على مبدأ : الحضارة الغربية هي نهاية التاريخ ، و الصورة التي تقدّم عن العرب والمسلمين في الماضي مع أن فيها صحة جزئية ، إلا أنها صورة قاتمة ، و ليست قاعدة عامة ، فليس كل إبداع يُحارب لأنه إبداع ..

نعم كانت السياسة تتدخل أحيانا و تشوّه بعض المبدعين ، لكن إذا لم يكن لها علاقة أو استفادة من المبدعين فإنها تشجعهم .. فقد كان الأمراء والخلفاء هم أكبر الحوافز للعلماء والمبدعين و الكتاب ، و بلاطاتهم تعج بالمثقفين والعلماء .. و كان الكثير من الكتاب يهدون كتبهم الى الأمراء والخلفاء . فالأرستقراطية كانت تدعم الإبداع ، و هذا ما حصل في عصر النهضة في اوروبا ، و في الخلافتين العباسية و الأموية ..

من وجهة نظري ليست سبب أزمة الابداع عندنا هو القمع على طول الخط ، فهذه مبالغة لا شك ، في الماضي والحاضر .. لا أتوقع أن أحدا سيقف في طريق من سيبدع في مجال علمي أو أدبي أو تكنولوجي ؛ لأنه سيخدم الجميع ، بمن فيهم القامعين ، بل و تسجل له براءة اختراع إذا كان مخترعا ..

المشكلة نفسية ، و هي الشعور بالنقص ، و فكرة أن الغرب أبدعوا وانتهى الأمر ، بل و فكرة أنه لا يمكن أن يبدع أحد إلا في تلك البلاد ، إذا تغيرت هذه الأفكار فسوف يكثر الإبداع في كل المجالات .

وهناك قمع أشد من أي قمع ، و هو قمع المجتمع ، الذي يحبط و يثبط ويسخر من الموهوبين ، معتمدا على النموذج الأجنبي .. و هذا الموقف السلبي من الإبداع الذي يقدمه المجتمع ، هو نتيجة لانهزامه النفسي أمام المجتمع الغربي ، الذي لا يكاد أن يرى حتى عيوب ذلك المجتمع .. و غاية آمال مجتمعاتنا ان تكون مثل مجتمعات الغرب ، ومن سار إلى الغرب وصل .. و كل الطرق تؤدي إلى روما .. مع ان المفترض ان المجتمعات تسعى الى المثالية ، لا إلى مجتمع يرفض المثالية علنا ، ويستبدلها بالعلمانية والواقعية ..

إذا كيف يصوّر المجتمع الغربي بأنه مجتمع مثالي ؟ وهو يرفض ان تحكمه الاخلاق ؟ بل يريد ان يحكمها هو ! بل ويرفض القيم كلها ، ولا قيمة عنده الا للسوق والواقع .. هل هذا المجتمع يصلح قدوة ؟ لن يكون قدوة الا لمن يفكر مثله فقط .. وحينها لا يحق له ان يدعي البحث عن الوضع المثالي ..

العلم مكتسب بشري يشارك فيه الجميع ، إذا على الغرب من مبدأ أن الإبداع يكون بعد الوصول لمكتسبات الغرب ، أن يتخلى عن صفرنا و ورقنا و يخترعوها من جديد !! وهذا كلام غير معقول ، التقليد الذي اقصده هو التقليد الاجتماعي والفكري ، أما العلم فلا تقليد فيه ، و تتناقله الحضارات والأمم كحق للجميع . والغرب قلدوا فيه غيرهم و يقلدهم غيرهم فيما اكتشفوه من العلم ، والعلم أصلا لا تقليد فيه ..

التقليد فيما تكون فيه خيارات ، و العلم خيار واحد . و إذا عرف أحد من البشر شيئا فهو ملك لبقية البشر و ليس ملك له ، لأن الله هو الذي علم من خلال الطبيعة التي خلقها هو ، والغرب لم يخلق طبيعة جديدة حتى يستقلوا بها وبعلومها .

شكرا ..

متروي
01-06-2012, 09:19 PM
الغرب يروج لثقافته من خلال هذه الفكرة ، فكرة أن من أراد أن يكون مثل الغرب في تقدمه المادي ، فعليه أن يكون مثله في حياته الاجتماعية والمعنوية ، على مبدأ ( خذني بالكامل أو اتركني بالكامل ) ، وهو شرط بلا مبرر إلا رغبتهم في تسويق أفكارهم الاجتماعية والخلقية - الممجوجة من قبل الشعوب الأخرى - على متن قطار العلم والتكنولوجيا

من عرف كيف كان يتصرف الأوروبيون مع الكتب الإسلامية يدرك أنهم أذكياء فهم كانوا يميزون بين الكتب فما وجدوه علميا محضا أخذوه و نشروه و ترجموه و درسوه و سرقوا منه و نسبوه لأنفسهم وما وجدوه دينيا و أدبيا تركوه و أهملوه .
بينما مثقفونا اليوم لا يترجمون إلا كتب الأدب و السينما و الأغاني و اللباس و الإتيكيت ؟؟؟

مواطن
01-12-2012, 08:52 AM
اجتماعيا وثقافيا
الغرب لم يجبر احدا ليقلده
بل معظم شعوب العالم انبهرت بالحضارة الغربية
هي التي اختارت برغبتها وفضلت هذه الحضارة عن حضاراتهم

اما علميا وتكنلوجيا
الوضع يختلف
تجد دولة متقدمة تكنلوجيا الا انها متخلفة فنيا واجتماعيا وربما حتى في عاداتها وتقاليدها او تكون دكتاتورية

أبو ذر المصري
01-14-2012, 08:59 PM
أخي الوراق
جزاك الله خيرا كثيرا وبارك الله فيك
مقالتك صغيرة لكنها عظيمة القيمة
وكم أود أن يكون كل مسلم مهتما بالفكرة التي تروج لها في مقالتك هذه
عندها ولاشك سيعود المجد المفقود لهذه الأمة وفي أقل مدة ممكنة
يقول الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب الذي ألَّفه عام 1884م "وكلما أمْعنَّا في دراسة حضارة العرب والمسلمين وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة ، ولسرعان مارأيتَهم أصحابَ الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين ، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون موردا علميًّا سوى مؤلفاتهم ، وإنهم هم الذين مدَّنُوا أوروبا مادة وعقلاً وأخلاقا ، وإن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ماأنتجوه في وقت قصير ، وأنه لم يَفُقْهم قومٌ في الإبداع الفني" ويقول أيضا "ولم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم ، فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب ، فهُما مدينان لهم في تمدُّنِهم ، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم ، فهم الذين هذُّبوا بتأثيرهم الخُلُقي البرابرة ، وفتحوا لأوروبا ماكانت تجهله من عالَم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية ، فكانوا مُمدِّنين لنا وأئمة لنا ستة قرون ، فقد ظلّت ترجمات كتب العرب ولاسيما الكتب العلمية مصدرا وحيدا للتدريس في جامعات أوروبا خمسة أو ستة قرون" .
أخي الوراق أحبك في الله وأرجو قبول صداقتي لك
أرجو أن ترسل لي على الخاص إيميلك على ياهو أو هوتميل للتواصل


جزاك الله خيرا ولاحرمنا الله من فوائدك القيّمة

طالبة فقه
01-19-2012, 03:13 AM
نستطيع ان نرى بوضوح ثمرة الانحراف عن نهج الله والسير وراء أبواق الغرب هذه الفوضى الأخلاقية التي كان من الأسباب الرئيسية لانتشارها هذا التقليد والاتباع المخزي لكل ناعق ينادي بالسير وراء الحضاره الغربية بكل حسناتها وسيئاتها
لكم ان تروا في هذه الايام الثمرة المرة جراء انحراف المسلمين عن دين ربهم ومسايرتهم للغرب ... نحن في زمن مخيف و الأمر خطير جداً لابد من الاعتصام بالله والتسور بدين الله لكي ننجو من سهام الغازين..
ياااهل الاسلام ..حكموا شرع الله في حياتكم واجعلوه لكم دستورا ومنهاجا وكونوا خير خلف لخير سلف
واعلموا انه لن يصلح الامة الا بما صلح به اولها.

$&@$$@@
01-19-2012, 06:40 AM
المقصود بالتقليد إذا هو التقليد في غير الأمور العلمية والصناعية التكنولوجية : لماذا التقليد فيها ؟ أقصد العادات والتقاليد والنظرة الى الحياة والإنسان والمجتمع واللباس والأكل وطريقة العادات والعلاقات ونمط الحياة والدين .

هذا سببه الإعلام , فالغرب بث عاداته و تقاليده لنا بصورة مغريه ملمعة , و نحن تشربناه كالإسفنجة , فلو أن لنا إعلاما هادفا يملئ هذه الفجوة ؛لما قلدناهم إلى هذا الحد الجنوني , فالإسفنجة الممتلئة لا تتشرب الماء .
و لكن هذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم )) قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ , قال : فمن .

BacktoIslam
01-30-2012, 11:25 AM
مو ضوع جميل حقا
أعجبنى أيضا هذا المقال :

صناعة الحياة ... بين الأصالة والتجديد
لقد تفرقت السبل بنا وبأجيالنافي متاهة البحث عن هويتنا الاجتماعية وخصائصنا الثقافية ومنهجنا الحياتي متأرجحينبين التمسك بالأصالة والقيم الموروثة وبين تبني فلسفة الحداثة والحياة العصرية.فمع التعددية الثقافية والقيمية، والمنهجية التربوية المتبعة في تربية الأجيال، والانفتاحالإعلامي الواسع، وتفاوت مستويات الوعي بين طبقات المجتمع، والغزو الفكري الموجه،تعددت المرجعيات وتنوعت القدوات وتشتت الولاءات. فهذا متعصب لقبيلة وذاك متحمسلمذهب وآخر منفرد برأي أو متبنيا لفكر ورابع تائه هيمان على وجهه لا إلى هؤلاء ولاإلى هؤلاء. وفي خضم هذه المعمعة، انقشع الستار عن أربع فرق متباينة الفكر والسلوك،منها ما يلعب دور تنموي فعال يُصنع المستقبل على سواعد أبناءه، ومنها ما هو هامشييعيش عالة على مجتمعه. وقد بنيت هذا التقسيم بناء على مدى التمسك بالإرث الثقافيمن عدمه، ومدى تقبل كل ما هو عصري وجديد من رفضه، وعلى مدى القدرة على المزج بينالماضي والحاضر بما يحقق الانسجام المتناغم الذي يحقق بدوره الرقي والنموللمجتمعات الإنسانية.

فأولى هذه الفرق تلك التي تتمسكبعادات وتقاليد الماضي وتقدس الإرث الثقافي والاجتماعي، فتركن لكل ما هو موروثوتعظمه وتجعل منه دستورا وحكما رغم مخالفته لتعاليم الشريعة أحياناً، وقصوره عنمجاراة متطلبات الحياة المدنية الحديثة أحياناً أخرى حتى أصبحت تلك العادات والتقاليد ذات سطوة حتى على سلطان الدينوالعقل، وترفض و تتجاهل جديد العلم وحديث المعرفة رفضا تاما وكأن لسان حالهم يقولما وجدنا هذا في أباءنا الأولين رافضين كل دعوات التغيير والتجديد.

فهذا الفريق يعيش في ذاكرةالتاريخ رغم وجوده المادي المحسوس. وهو أشبه ما يكون بمتحف الأثار الذي تقبعمحتوياته خلف أسوار موصده تحجب عنه نور العلم وروح العصر والتجديد، فيعيش بفكرعتيق لا يتناسب ومتطلبات العصر، ويقف حجر عثرة في طريق التنمية لرفضه التام لفكرةالتجديد والاستفادة من كل ما هو جديد من العلوم والمعارف وإن لم يكن لها تعارض معالتعاليم الشرعية والقيم الأساسية ولا يؤدي إلى الانسلاخ من الهوية الثقافيةوالاجتماعية. فكيف يمكن لمثل هؤلاء أن يقودوا أمة تسعى للرقي بين الأمم وتحقيقالسيادة والريادة؟!! فالتعويل على هذه المجموعة في تسيير خطط التنمية ورسم طريقالمستقبل هو مزيد من التقهقر خلف الحضارات المتقدمة واستمرار في السير بذات المكان.

وأنا في هذا السياق لا أدعولهجر الإرث ولا إلى التخلي عن الهوية ولكن هي إشارة لنبذ عبودية العادات والتقاليدوالكف عن رفع شعار هكذا وجدنا أباءنا، ودعوة لتقبل التغيير البناء الذي يسعىلتصحيح المسار وفق القيم والمرتكزات الأصيلة التي أقرتها شريعتنا الإسلامية.

وفي الجانب الآخر يقف معسكراًأخر ليس ببعيد عن الفريق الأول ولكنه يحمل أفكارا مناقضة تماماً. فريق تخلى عنموروثه الثقافي والاجتماعي وانسلخ من هويته متبنياً أفكارا وثقافة دخيلة تتعارض فيمجملها مع قيمنا الإسلامية ومع عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة. معسكرا جرفته تياراتالعولمة فتبنىالفكر الغربي الليبرالي العلماني الذي يدعو للتحرر من سلطان الدين والثقافة منخلال فصل الدين عن الدولة. فكر يدعو للحرية المطلقة حيث الغاية تبرر الوسيلة، كماتقدس كل ما هو مادي وتبني علاقاتها على المكاسب الشخصية والمصالح المتبادلةوالصعود على أكتاف الآخرين تطبيقاً لحكم الغاب حيث البقاء للأقوى، والسلطة للمالوالجاه. فكر يضمن للقوي مزيدا من القوة والسلطة وللضعيف مزيدا من الضعف وانتهاكالحقوق. فكر ينادي بشعارات رنانة تشنف لها الآذان وتصفق لها الأيدي وتهتف لهاالحناجر ولكنها في الحقيقة سوسة تنخر في جذور الأمه وتسلبها قيمها وهويتها حتىتصبح كشجرة بلا جذور لا تملك مقاومة رياح التغيير فلا تلبث ان تسقط جاثية علىعروشها.

إن بقاء الأمم مرهون بتمسكهابهويتها وتاريخها وإرثها الثقافي والاجتماعي رغم مواكبتها لحياة العصر ومتطلباتالمدنية الحديثة. وهؤلاء يدعون للتخلي عن هذه القيم ويصفونها بالرجعية والتخلفوأنها السبب في تأخرنا عن ركب الحضارات.

أما فريقنا الثالث فقد تاه بينالفريقين السابقين، فريق تخلى عن أصالته وانسلخ من هويته وعجز عن اللحاق بركبالعلم والحضارة الحديثة فتشبث بقشورها الشكلية ومظاهرها السطحية. فانشغل أفرادهبتتبع جديد الموضة وتقليعات العصر مقلدين كل من تقع عليه أعينهم من حثالة البشرمن نجوم الفن والسينما متوهمين أن الحضارة هي بارتداء الأزياء الخادشة للحياء وتقليعات الشعر الخارمة للمروءة، فارتدوا ( اللو ويست ) أو مايعرف بـ (طيحني) و (بابا سامحني) وقلدوا موضة الكابالا بلبس الأساور الحمراء دونمعرفة بحقيقتها ودلالاتها العقدية عند اليهود. وتسابقت الفتيات على ارتداء الازياءالفاضحة، الكاسية العارية تقليدا أعمى لنجمات هوليود ولعارضات أزياء شانيل وكريستيانديور وكلفن كلاين وكل ذلك تحت شعار التحضر والتمدن والعصرنة. إنه فريق تلقفتهكلاليب العولمة بعد أن فر من جلده فألصقته بحب المظاهر وأشغلته في تلميع صورتهالخارجية ليخفي بها جوهره الخاوي وعقليته الفارغة. تنحصر ثقافتهم في أفلام يتسمرونعلى شاشات تعرضها، وأغنيات يتراقصون على أنغامها، فدواتهم في الحياة مشاهير الفنوالرياضة والسينما، أحلامهم امتلاك كل جديد مستهلك ليتباهوا به أمام أقرانهمويستروا به جهل عقولهم.

إن هذا الفريق يعيش على هامشالحياة ولا يعولعليه في رحلة البناء بل هو عالة على مجتمعه وهدر لمقدراته وطاقاته، قد لا يجلب لهالا الخزي والعار حيث تتفشى بسببه الرذيلة وتغتال القيم والأخلاق، يهمش بفكرهالعلم وتهجر المعرفة، ويعم جنباته الجهل والتخلف الفكري والأخلاقي، ويسود أوساطهالفساد والضياع.

ونختم بالفريق الرابع الذي مزجعطر الحاضر بعبق الماضي فجمع بين الموروث من القيم والأخلاق وجميل العاداتوالتقاليد وبين العلم والمعرفة المعاصرة لينتج فكرا معاصرا مبنيا على أسس متينةترسخها عقيدة إسلامية سمحة أقرت بالتمسك بعديد المبادئ والأخلاق والقيم الموروثة وحثت في تعاليمها على طلب العلم والعمل به ورفعت من شأن أهله وطلابه في إشارة إلىأهميتهما في تحقيق مبدأ عمارة الأرض. فريق استوعب تاريخه وفهم حاضره واستشرفمستقبله فتشبث بجذوره واتخذ من العلم والمعرفة سلما يرتقي به في سماء الرقيوالنماء. هؤلاء هم صناع المستقبل وهم صناع الحياة التي تبنى على سواعدهم حضاراتالأمم. فبهم فقط تتقدم المجتمعات و ينتشر العدل ويعم الرخاء ويطيب العيش.

لقد أدى هذا التعدد والتشتتالفكري إلى دخول مجتمعاتنا في أزمة وعي قيمي عميقة بسبب الفوارق الكبيرة بين هذهالطبقات والعزلة التي تعيشها كل طبقة مما أدى إلى انعدام وحدة المرجعية. وبسببأزمة الوعي القيمي هذه وانتشار الجهل، أخذ الاهتمام ينصب على المصالح الماديةوالمكاسب الشخصية وأهملت القيم الإنسانية وضعفت الرقابة الذاتية. كما ارتفع مستوى الأنا وحب الذات وإقصاءالآخر، فانعدمتصور التكامل والتكافل الاجتماعي واتجه الناس للعيش في مربع أربح ويخسرون أو كمايقال أنا والطوفان من بعدي. فأصبحت ثروات الأغنياء تجمع على حساب فتات خبزالفقراء، وتسلب حقوق الضعفاء ليتمتع بها الأقوياء. لقد أعمت الماديات بصائر الناس فزرعت في نفوسهم حب الدنياوزينتها فلم يعد هناك من يمسح دمعة جاره اليتيم، ولا من يسد رمق جوع جاره الفقير ،ولا من ينفس كربة جاره المسكين. لقد ولوهم الأدبار يلهثون خلف أصحاب (الكروشالمدورة) التي تغطيها عباءات الترف والبذخ باحثين عن أثداء ترضعهم المزيد من حطامالدنيا. ولو نظرنا للطبقة المتعلمة والمثقفة لوجدنا انهم هم الاخرين يعانون منفجوة كبيره بين النظرية والتطبيق. فلقد ازدحمت المساجد بالخطباء والدعاةوالمصلحين، وسالت على أوراق الصحف أحبار الأدباء والمفكرين والمثقفين، وتهافتتالقنوات الإعلامية على استضافة الندوات والمؤتمرات والحوارات، ولكن محصلة كل ذلكأننا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا.

إن صناعة الحياة لا تكون بتشييدالقصور الفارهة والأبراج العملاقة والتباهي والتفاخر بها وبيننا من يفترش الأرضويلتحف السماء إن لم يقع فريسة لأرباب الدور والعقار، وصناعة الحياة لا تكونبالتلذذ بالمطعم والمشرب في رغد من المعيشة وبيننا ومن حولنا من لا يجد كسرة خبزيسد بها جوع أطفاله البواكي ناهيك عن لقمة تقيم صلبه تعينه على مجابهة شظف الحياة،وصناعة الحياة لا تكون بغض الطرف عن ذو المال والجاه إذا عاث في الأرض فساداومحاسبة الفقير المسكين إذا زلة به القدم ، وصناعة الحياه لا تكون بالتركيز علىالذات وتهميش الآخر. إنما تصنع الحياة عندما يحقق العدل وتنشر الفضيلة وتحاربالرذيلة. تصنع الحياة عندما نكون أمة الجسد الواحد الذي اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرالجسد بالسهر والحمى.
مقتبس كاتب المقال أ/محمد سعيد