المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدارسة كتاب "اللغة والمجاز"



نقد
12-19-2011, 09:40 PM
-1-
ما الحاجة الى استحضار الكتب وتلخيصها ومدارستها في منتدى حواري متخصص في مناقشة الإلحاد ؟


كثير من المحاورات التي تدور بيننا وبين المحاور اللاديني تقوم في غالب الأحيان على عفو الخاطر وعفوية التفكير، ولذا لن أبالغ إذا قلت :إننا إذا قرأنا الكثير من الموضوعات الحوارية الجارية على شبكة الأنترنت ، لن نخرج منها بمحتوى معرفي علمي رصين ، والسبب هو أن المشارك في هذه الحوارات نادرا جدا ما يكون من العلماء والفقهاء المعتبرين، حيث أن الأكثرية من المشاركين هم مثلنا فقط – أي من طلبة العلم – . وأكثر منهم شباب قليل الفقه ، لكنه مشبع بروح الحماسة للدفاع عن الدين.

وهنا يقع الزلل ؛ فالدفاع عن الاسلام بعفو الخاطر وبزاد قليل من العلم ، قد تكون نتيجته عكس ما يريده المدافع.

لهذا فالتركيز على انتقاء الكتب الاسلامية واستحضار أفكارها وبيانها ، مقدمة ضرورية لخدمة الفكر ، وفرصة للاطلاع المعرفي لنا نحن معا(أقصد المحاور المسلم والمحاور اللاديني).
لكن الكتب موجودة ومتداولة فما الفائدة من تلخيصها لمنتدى يختص بالحوار اللاديني؟

أجل ، إن الكتب كثيرة وفي متناول من يطلبها . لكن الذي أقصده من هذا الموضوع هو نوع من التلخيص يتجه مباشرة الى ما يفيدنا في حوار اللادينية والإلحاد. بمعنى أنني سأنتقي كتبا إسلامية وإلحادية وأخضعها لقراءة خاصة ، تستخلص اهم ما فيها . ونقصد بالأهم ما يتعلق بتخصص المنتدى ، أي القضايا التي تشغل الحوار الإسلامي /اللاديني.
فلن نقتصر في مشروع قراءة الكتب على الكتب الاسلامية وحدها، بل هناك امر آخر على قدر بالغ من الأهمية ، يمكن ان يستفاد من الكتب الإلحادية اللادينية ، التي يجب العناية بإيرادها ونقدها. لأنه بهذا الإيراد النقدي سنقدم للملاحدة خدمة جليلة،ذلك لأن المحاور اللاديني إذا دخل المنتدى وتصفح موضوعات القراءة النقدية للكتب اللادينية سيرى أن كثيرا من الأفكار التي تتقافز في ذهنه ، ويظنها شيئا ذا قيمة ، - سيرى أن - أهم منها وأثقل منها تم نقدها وتفكيك بنيانها المختل ..

كما قد يشكل هذا النقد مقدمة لفتح حوار عميق حول الأسس المعرفية للموقف اللاديني في مختلف القضايا التي يطرحها الكتاب /موضوع القراءة النقدية.


-2-

أبدأ في هذا الموضوع باختيار كتاب "اللغة والمجاز" للدكتور عبد الوهاب المسيري . وهو كتاب من رفع المنتدى مشكورا.. وكان اختياري له مقصودا لعدة أسباب ، منها ان صاحبه كانت له تجربة إلحادية في بداية شبابه ، ثم تراجع عنها الى هدي الاسلام. وثاني الأسباب هو أن الكتاب يقدم رؤية جديدة ، ويشكل بنظامه النسقي شكبة تصورية ممنهجة . ستتضح أكثر لنا عند التقدم في قراءته ومدارسته.

وقصدي من اختيار هذا الكتاب تعريف القراء عامة – سواء الأخوة المسلمين أو الزملاء اللادينيين - بالنتاج الفكري الاسلامي المعاصر، وهو التعريف الذي يمكن أن يثمر مجموعة إيجابيات كثيرة.

ولا أعني بالقراءة مجرد تلخيص ، بل نطمح إلى تدقيق النظر في ما يقوله الكاتب ، لذا قد نختلف معه حينا، ونستدرك عليه حينا آخر، ولكننا بكل تأكيد سنستفيد منه في أكثر الأحيان.

يتبع

د. هشام عزمي
12-19-2011, 11:43 PM
متابع .. بارك الله فيك على هذه المبادرة ..

عَرَبِيّة
12-20-2011, 06:10 AM
حاضرةٌ وهذا مقعدي أحجِزُه , متابعة بإذن الله ..
مبادرة طيّبة , طيّب الله حياتك بالطاعات والرضى والقبول .

لتحميل الكتاب انقر التالي : " اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (http://www.4shared.com/document/crlHy5Wp/______-____-___.html)" ,
نقلاً من موضوع (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=33099) أخينا أبو عمر الأنصاري بارك الله فيه .

اخت مسلمة
12-20-2011, 07:47 AM
مُبَادرة رائِعة ومطلوبَة بإلحاح بِالفِعل
تسجيل متابعه

نقد
12-22-2011, 07:31 PM
-2-


قراءة ومدارسة في كتاب "اللغة والمجاز بين الرؤية التوحيدية وووحدة الوجود" للدكتور عبد الوهاب المسيري

(ملحوظة :أميز كلام الكاتب باللون الأزرق.)

يقول المؤلف رحمه الله في تقديمه لكتابه النفيس هذا :

"تتناول هذه الدراسة موضوعا جديدا بعض الشيء ، وهو علاقة اللغة والمجاز برؤية الإنسان للكون وتصوره لعلاقة الخالق بالمخلوق، أي أننا نربط بين عدة مجالات من النشاط الانساني (الدراسة اللغوية – الدراسات الدينية – الدراسات النفسية )."

ص 5

تعليق :
- يتضح من هذا أن المؤلِّف يعتقد ان الوجود وقضاياه تشتبك في تحديدها مداخل تصورية متعددة.
وقد لا يستشعر المرء هذا الترابط ، لأنه في الغالب يكون كامنا:

يقول المؤلف:


"ونحن نذهب إلى أن ثمة نموذجا معرفيا كامنا وراء كل قول أو ظاهرة إنسانية ، هذا النموذج هو مصدر الوحدة وراء التنوع، وهو الذي يربط بين كل التفاصيل، فتكستب معنى ودلالة وتصبح جزءا من كل.."


تعليق :
- يتضح من هذه السطور أن المؤلف بصدد بناء نموذج نسقي كلي .كما ينتقد الأنساق الأخرى المخالفة لنموذجه الذي هو هنا النموذج التوحيدي الإسلامي.


فما معنى النموذج ؟


"النموذج هو تجل متعين لرؤية الإنسان للكون، التي تدور حول محاور ثلاثة : الإله – الإنسان- الطبيعة، وهي محاور مترابطة تمام الارتباط."


ولتوضيح فكرة الترابط هذه يقدم الكاتب مثالا فيقول:



"تذهب الرؤية التوحيدة إلى أن الله رحيم مفارق ، منفصل عن هذا العالم، متصل به. خلقه ، ولكن لم يهجره، بل يرعاه ويمنحه الهدف والغاية والغرض. من يؤمن بمثل هذه الرؤية يؤمن أيضا بوجود عدل في الأرض ، وأن العالم له معنى، وتحكمه قوانين وسنن. وينعكس هذا على الموقف من اللغة، إذ إن مثل هذا الإنسان سيرى أن اللغة هي الأخرى تشكل نظاما تحكمه قوانين ثابتة، ولذا يمكن التواصل من خلالها..."

ص5

تعليق :
- في الفقرة السابقة يحدد المؤلف خصائص الرؤية التوحيدية في نقط متعددة :

- إن الله مفارق للعالم :

وفكرة "مفارقة الله للعالم" : نقد صريح للرؤى الصوفية /الفلسفية، سواء القائلة بنظرية الحلول أو القائلة بنظرية وحدة الوجود. فضلا عن كونه نقدا للرؤية الإلحادية.

وهنا ينبغي أن نفرق بين:

نظرية الحلول ، التي تقول بوجود شيء من الفاصل بين الخالق والمخلوق ، لكنه فاصل قابل للتجاوز على نحو يلغي الثنائية ويصل الى الواحدية. حيث أن التصوف الحلولي يقول بأن الإنسان يمكن بسلوكه التعبدي أن يصل إلى درجة الحلول ،أي يحل الله فيه. وبالحلول ينعدم التغاير والإثنينية.
يقول الشيخ سعد الدين التفتازاني في "شرح المقاصد" : " ومنهم – أي القائلين بالحلول - بعض المتصوفة القائلون بأن السالك إذا أمعن في السلوك، وخاض لجة الوصول، فربما يحل الله - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً - فيه كنار في الجمر، بحيث لا يتمايز، أو يتحد به، بحيث لا أثنينية ولا تغاير، وصح أن يقول هو أنا، وأنا هو ".

وهذا التصور الحلولي هو ما قال به الحلاج ، كما قال به من قبل التحريف النصراني القائم على فكرة حلول اللاهوت بالناسوت في شخص عيسى عليه السلام.

ووجدت الإمام بن تيمية يتوسع في تعريف عقيدة الحلول، حيث يقول :

" وذلك أن القسمة رباعية لأن من جعل الرب هو العبد حقيقة، فإما أن يقول بحلوله فيه أو اتحاده به، وعلى التقديرين فإما أن يجعل ذلك مختصاً ببعض الخلق كالمسيح أو يجعله عاماً لجميع الخلق. فهذه أربعة أقسام:
الأول: هو الحلول الخاص وهو قول النسطورية من النصارى ونحوهم ممن يقول: أن اللاهوت حل في الناسوت وتدرع به كحلول الماء في الإناء، وهؤلاء حققوا كفر النصارى بسبب مخالطتهم للمسلمين، وكان أولهم في زمن المأمون. وهذا قول من وافق هؤلاء النصارى من غالية هذه الأمة، كغالية الرافضة الذين يقولون أنه حل بعلي بن أبي طالب وأئمة أهل بيته، وغالية النساك الذين يقولون بالحلول في الأولياء ومن يعتقدون فيه الولاية، أو في بعضهم كالحلاج ويونس والحاكم ونحو هؤلاء.
والثاني: هو الاتحاد الخاص وهو قول يعقوبية النصارى وهم أخبث قولاً وهم السودان والقبط، يقولون أن اللاهوت والناسوت اختلطا وامتزجا كاختلاط اللبن بالماء، وهو قول من وافق هؤلاء من غالية المنتسبين إلى الإسلام.
الثالث: هو الحلول العام، وهو القول الذي ذكره أئمة أهل السنة والحديث عن طائفة من الجهمية المتقدمين، وهو قول غالب متعبدة الجهمية الذين يقولون أن الله بذاته في كل مكان ويتمسكون بمتشابه القرآن كقوله (وهو الله في السموات وفي الأرض) وقوله (وهو معكم) والرد على هؤلاء كثير مشهور في كلام أئمة السنة وأهل المعرفة وعلماء الحديث.
الرابع: الاتحاد العام وهو قول هؤلاء الملاحدة الذين يزعمون أنه عين وجود الكائنات، وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى من وجهين: من جهة أن أولئك قالوا أن الرب يتحد بعبده الذي قربه واصطفاه بعد أن لم يكونا متحدين، وهؤلاء يقولون ما زال الرب هو العبد وغيره من المخلوقات ليس هو غيره (والثاني) من جهة أن أولئك خصوا ذلك بمن عظموه كالمسيح وهؤلاء جعلوا ذلك سارياً في الكلاب والخنازير والقذر والأوساخ، وإذا كان الله تعالى قال (لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح بن مريم) الآية. فكيف بمن قال أن الله هو الكفار والمنافقون والصبيان والمجانين والأنجاس والأنتان وكل شيء؟"


أما وحدة الوجود:

فنظرية تقوم على عدم التفرقة بين الله وبين غيره من الموجودات، تحت زعم أن لا وجود إلا لواجب الوجود . وأن الله والوجود شيء واحد . ومن أشهر من عبر عن هذا التصور بن عربي واسبينوزا.


وهذا مخالف للرؤية التوحيدية ، فالله عز وجل :

- "منفصل عن هذا العالم، متصل به. خلقه ، ولكن لم يهجره، بل يرعاه ويمنحه الهدف والغاية والغرض."


أجل ، إنه سبحانه وتعالى - من منظور الرؤية التوحيدية - منفصل عن العالم ، ولكنه أيضا لم يهجر العالم ، كما تقول الفلسفة اليونانية في نموذجها الأرسطي. التي نعتت الإله بكونه "محركا لا يتحرك" ، وبأنه لا يهتم بالعالم ولا يرعاه.

فالرؤية التوحيدية الإسلامية تقول بأن الله متصل بالعالم خلقه ويرعاه ويعلم ما يجري فيه ( نقد النظرية الأرسطية ونقد النظرية الفلسفية المتأثرة بأرسطو ، أقصد تلك التي شاعت في تاريخنا الاسلامي خاصة ، الزاعمة بأن الله يعلم الكليات فقط لا الجزئيات).

"وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين"(الأنعام/59)

كما ان رعاية الله للعالم تتوسع الى معنى حسابه للانسان آجلا وعاجلا.
"فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .".

ولهذا وذاك يمكن أن نقول إن الرؤية التوحيدية هي وحدها التي بإمكانها أن تمنح للوجود معنى.
بينما الرؤية الإلحادية والرؤية الحلولية ورؤية وحدة الوجود كلها تفقد هذه القدرة على إنتاج دلالة حقيقية للوجود.


- "من يؤمن بمثل هذه الرؤية يؤمن أيضا ... بان العالم له معنى، وتحكمه قوانين وسنن. وينعكس هذا على الموقف من اللغة، إذ إن مثل هذا الإنسان سيرى أن اللغة هي الأخرى تشكل نظاما تحكمه قوانين ثابتة، ولذا يمكن التواصل من خلالها..."


في سياق هذه الخصيصية التي تختص بها الرؤية التوحيدية ، أي القدرة على إعطاء معنى لوجودنا الإنساني والوجود الكوني، يشير المؤلف إلى أن الطبيعة من منظور الرؤية التوحيدية تحكمها قوانين. فهي ليس شتاتا من الظواهر ، صائرة بصيرورة عبثية لا غاية لها ولا قصد.
كما ان اللغة نفسها ليست شتاتا بل تشكل منظومة لها قوانين تحكمها، ولها غاية تهدف اليها وهي تحقيق التواصل .


بهذا نلخص الأساس الفلسفي للكتاب بأكمله ، إنه تحليل ودفاع عن الرؤية التوحيدية ونقد للرؤية الإلحادية ، والتصوف الحلولي وكذا القائل بوحدة الوجود. وهذا الأساس ينطلق من تحديد ماهية اللغة وينتقل بعدها الى الصور الإدراكية.ومكمن الجدة في إسهام المؤلف هو ربطه بين اللغة من جهة وبين نوعية التصور الديني والفلسفي المرتبط بها .

صحيح يمكن ان أقول إن هذا الربط موجود الى حد ما في تراثنا الفكري ، كما هو الحال عند السيرافي الذي ربط بين المنطق واللغة في مناظرته الشهيرة لمَتَّى المنطقي. لكن تحليل طبيعة الرؤية الى الألوهية وعلاقة الانسان بها وبالوجود على أساس طبيعة اللغة ، فهذا موضوع يكاد – حسب علمنا لم يسبق أن طرقه أحد في تراثنا الفكري – وإن كان يمكن ان نجد فكرته حاضرة في اللسانيات الحديثة وفلسفة اللغة (مع بنفنست مثلا) .

لكن الجديد يبقى حاضرا في هذا الكتاب الذي نجد فيه نقدا جذريا للتصور الالحادي والتصوفي على أساس فهم عميق للغة وتأثيرها في بناء التصورات.
وهذا ما سنلحظه خلال الفصول اللاحقة .