المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مثال توضيحي على الإعجاز اللغوي



القطري
12-21-2011, 08:31 AM
السلام عليكم،
أرجو من الإخوان، ضرب مثال توضيحي (آية، سورة) على الإعجاز اللغوي في القران الكريم.

اخت مسلمة
12-21-2011, 09:01 AM
بسم الله ...
أخي الفاضِل ..
القُرآن كلّهُ مُعجز في كلّ حرف ومعنى وآية , في تراكيبه اللغويّة والبلاغيّة واستخدام المعاني وتوظيف الكلمات , عجائِب لغويّة لا ولن تنتهي , فسُبحان من هوَ كلامه ...!!
يُفيدُك في هذا البحر إبداعات الدكتور فاضِل السّامرّائي , فهوَ من أبدع من تستمِع أو تقرأ لهُم في هذا الباب المُعجِز ...
http://www.lamasaat.8m.com/
مثال للدكتور :

يقول الدكتور فاضل السامرّائي: "في القرآن آيات وتعبيرات تتشابه مع تعبيرات أخرى ولا تختلف عنها إلا في مواطن ضئيلة، كأن يكون الإختلاف في حرف أو كلمة، أو في نحو ذلك. وإذا تأمّلت هذا التشابه والإختلاف وجدته أمرًا مقصودًا في كل جزئيّة من جزئيّاته قائمًا على أعلى درجات الفنّ والبلاغة والإعجاز. وكلّما تأمّلت في ذلك ازددت عجبًا وانكشف لك سرّ مستور أو كنز مخبوء من كنوز هذا التعبير العظيم"(1).

ولكي تدرك هذا الوجه من وجوه الإعجاز بعين اليقين، سنستعرض فيما يلي بعض الآيات التي وردت فيها ألفاظ معيّنة، ثم نُتبع كل آية منها بآية أخرى تدلّ على سياق شبيه، إلا أنه جاء فيها لفظ يختلف عما جاء في سابقتها، مع أنه يشاركه في المعنى:

ولد وغلام:

جاء في سورة آل عمران قوله تعالى: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ..﴾(2)، في حين أن لفظ (ولد) أُبدل في سورة مريم بلفظ (غلام) في قوله تعالى: ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ..﴾(3). فلماذا اختار النصّ القرآني لفظ (ولد) في الآية الأولى، ولفظ (غلام) في الثانية؟ ومن ثمّ، لماذا ورد لفظ (ربّ) في الأولى: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ..﴾، في حين أنه لم يرد في الثانية: ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ..﴾؟

هامدة وخاشعة:

جاء في سورة الحج قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾(4)، وفي سورة فُصّلت: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(5). فلماذا اختار النصّ القرآني الكريم لفظ (همد) في الآية الأولى، ولفظ (خشع) في الثانية؟

قوم وملأ:

جاء في سورة النمل قوله تعالى: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ﴾(6)، وفي سائر القرآن (وملئه): ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾(7). فلماذا اختار النصّ القرآني لفظ (قوم) في الآية الأولى، ولفظ (ملأ) في الثانية؟

جاء وأتى:

جاء في سورة النمل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(8). وفي سائر القرآن: (فلما أتاها): ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى﴾(9). فلماذا اختار النصّ القرآني الكريم لفظ (جاء) في الآية الأولى، ولفظ (أتى) في الثانية؟

الربّ والرحمن:

جاء في سورة الأنبياء قوله تعالى: ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾(10)، وفي سورة الشعراء: ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾(11). فلماذا اختار النصّ القرآني الكريم لفظ (رب) في الآية الأولى، ولفظ (الرحمن) في الثانية؟

رأى ونظر:

جاء في سورة سبأ قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ..﴾(12)، وفي سورة "ق": ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾(13). فماذا اختار النصّ القرآني الكريم لفظ (رأى) في الآية الأولى، ولفظ (نظر) في الثانية؟

قصّ وتلا:

جاء في سورة الأنعام قوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا..﴾(14)، وفي سورة الزمر: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا..﴾(15). فلماذا اختار النصّ القرآني الكريم لفظ (قصّ) في الآية الأولى، ولفظ (تلا) في الثانية؟

سلك وجعل:

جاء في سورة طه قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً..﴾(16)، وفي سورة الزخرف: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً..﴾(17). فلماذا اختار النصّ القرآني الكريم لفظ (سلك) في الآية الأولى، ولفظ (جعل) في الثانية؟

وهكذا.. يمكنك أن تقيس على هذه النماذج سائر الألفاظ القرآنية، وأن تسائل نفسك عن سبب استعمال القرآن للفظ (مطر) مثلاً في آية ولفظ (غيث) في غيرها، وفي آية لفظ (حلم) وفي غيرها لفظ (رؤيا)، وفي آية لفظ (حلف) وفي غيرها لفظ (أقسم)، وفي آية لفظ (زوج) وفي غيرها لفظ (امرأة)، وفي آية لفظ (عرف) وفي غيرها لفظ (علم)؟.. وإذ ذاك سترى بلاغة القرآن العظيم في أسلوبه وانتقائه لألفاظه وبيان معانيه(18).

ومن ثمّ، فإنك ستدرك التراكيب المعجزة في انتقائه لكلماته، من حيث أن كل لفظ يرد فيه بنسبة معيّنة لا يحيد عنها. وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أن هذا الكتاب المجيد أُحكم إحكامًا ما دونه إحكام! وليتسنّى لك إدراك جزء من هذه الأسرار المعجزة، نريد أن نطبّق ما قلناه على بعض الألفاظ القرآنية، دون أن نبيّن الجوانب البلاغية والفنّية فيما نذكر، بل نقصر الكلام على بيان العلاقات العددية التي نحن بصددها هنا. وليكن المثال الأول ما جاء في الفروق اللغوية بين اللفظين (جاء) و(أتى).

فقد ورد في سورة النمل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(19). في حين أن هذا التعبير تغيّر في سورة طه في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى﴾(20). فقال في النمل (جاءها)، وقال في طه (أتاها). ولإيضاح الحكمة من ذلك يقول الدكتور السامرّائي: "نذكر أن ألفاظ (الإتيان) في طه أكثر منها في النمل، وأن ألفاظ المجيء في النمل أكثر منها في طه، فقد وردت ألفاظ الإتيان في طه (15) مرة وفي النمل (13) مرة، ووردت ألفاظ المجيء في طه (4) مرات وفي النمل (8) مرات. فاختير لفظ المجيء في النمل والإتيان في طه، ووضع كل لفظ في الموضع الذي يقتضيه"(21).

ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾(22)، وقوله: ﴿إِن تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾(23)، فقد قال في آية النساء (إن تبدو خيرًا) وفي الأحزاب (إن تبدو شيئًا). يقول الدكتور السامرّائي، بعد أن بيّن السبب البلاغي والمعنوي في الإختلاف بين السياقين: "إن الجو التعبيري لكل سورة في هاتين السورتين يقتضي وضع كل لفظة من هاتين اللفظتين في موضعها. ذلك أن كلمة (خير) تردّدت في سورة النساء (12) مرة، ولم ترد في سورة الأحزاب إلا مرتين. وأن كلمة (شيء) تردّدت في سورة النساء (12) مرة وتردّدت في سورة الأحزاب (6) مرات، فإذا كان الكلام يقتضي اختيار إحدى هاتين اللفظتين لكل آية فمن الواضح أن تختار كلمة (خير) لآية النساء وكلمة (شيء) لآية الأحزاب. فاقتضى التعبير اختيار كل لفظة من جهتين: جهة المعنى والسياق، وجهة اللفظ. فانظر أي تعبير هذا"(24).

ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(25)، وقوله سبحانه: ﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(26)، فاختار في سورة البقرة لفظ (الله) وفي الأنعام لفظ (الرب). يقول الدكتور السامرّائي: "ومن أسباب هذا الإختيار والله أعلم أن لفظ (الله) تردّد في البقرة أكثر مما في الأنعام، وأن لفظ (الرب) تردّد في الأنعام أكثر مما في البقرة. فقد ورد لفظ (الله) في البقرة (282) مرة، وفي الأنعام (87) مرة. ووردت كلمة (رب) في البقرة (47) مرة، وفي الأنعام (53) مرة. فناسب أن يضع كلمة (الله) في البقرة وكلمة (رب) في الأنعام"(27).

ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى﴾(28)، وقوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(29)، فقد ذكر (جعل) في الزخرف و(سلك) في طه. يقول الدكتور السامرّائي معلّقًا على هذا: "ولعلّ من بين أسباب هذا الإختيار أن فعل الجعل ورد في الزخرف أكثر مما في طه، فقد ورد في الزخرف (12) مرة وورد في طه (3) مرات. فاختار الجعل في الزخرف والسلوك في طه والله أعلم"(30).

ومن بديع ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾(31)، وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾(32)، فقد قال في آية الحج (الله) وقال في آية السجدة (ربك). يقول الدكتور السامرائي: "ولو نظرنا في استعمال هاتين اللفظتين في كل من هاتين السورتين لرأينا أنه وضع كل لفظة بحسب كثرة ورودها في كل سورة. هذا علاوة على اختيار كل لفظة بحسب ما يقتضيه المقام من ناحية المعنى أيضًا. فقد وردت لفظة (الله) في سورة الحج (75) مرة في حين لم ترد هذه اللفظة في السجدة إلا مرة واحدة. وقد وردت كلمة (رب) في السجدة (10) مرات، ووردت في سورة الحج (8) مرات، فوضع كل لفظة في السورة التي كثر استعمالها فيها. هذا علاوة على ما في السورتين من أمور فنّية أخرى"(33).