المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رعب الحداثيين القادم ...



حسن المرسى
12-27-2011, 10:20 PM
د محمد عباس يكتب ..
نقلا عن جريدة الفتح .


رعب الحدَّاثيين القادم

الدكتور محمد عباس .. قلم جرئ صادع بالحق .. منذ زمن ..
كان يكتب أيام المخلوع مالم يكتبه أحد ..
والأن برى قلمه .. وأشرعه فى وجه الحداثيين ..

سوف أترك مستنقع العلمانيين والليبراليين لأكتب إليك أيها القارئ في قضية لا تهمك على الإطلاق .. يمكنك أن تعرض عنها على الفور .. وأن تنتقل لقراءة مقال آخر تجد فيه ما يهمك أو ما يلهيك أو ما يسليك ..
قضية لا تهمك .. ومع ذلك فقد يقتلك الحداثيون العلمانيون الليبراليون غدا بدليل يستقى منها .. أو بقانون يعتمد عليها ..

قد ..
وقد هذه تعنى شكا ..
أما اليقين الذي لا شك فيه فهو إذلالك وإهدار كرامتك وسحق مشاعرك وتشريد أهلك واحتلال أوطانك وتسفيه دينك وإلغاء نتائج صندوق انتخابك.. وكل ذلك بسبب هذه القضية التي لا تهمك على الإطلاق ..
***

ولنبدأ طرح القضية التي نقلها إلينا الحداثيون والعلمانيون وأدعياء الثقافة والتنوير من عباد الغرب والشيطان ..
والقضية قضية لغوية .. وهى تنحصر في التساؤل عن العلاقة بين اللفظ ومعناه أو كما يقول الحداثيون: العلاقة بين الدال والمدلول، ثم يتطور السؤال إلى: هل سبق اللفظ المعنى أم سبق المعنى اللفظ؟!!
ما هي العلاقة بين الصوت الذي ينطلق من الحنجرة واللسان والفم وبين ما يعبر عنه هذا الصوت؟
هل وجدت الأشياء أولا ثم أطلقت عليها الأسماء؟ ولماذا إذن لا تتشابه الأسماء في اللغات جميعا؟. أم أن اللغة وجدت أولا، بحيث إن مدلول اللفظ يكون كامنا فيه؟ ..
***

ألم أقل لك منذ البداية إنها قضية لا تهمك .. لكنني سأستميح عذرك لأستبيح صبرك ..
ودعني أطرح عليك هذا السؤال الذي يطرحه جهابذة عباد الشيطان:
لو أن الناس جميعا اتفقوا على إطلاق اسم: " لكب" على الكلب، هل كانت صفات الكلب ستتغير؟ أو أنهم أطلقوا اسم: "رشجة" على الشجرة .. أو أي اسم آخر .. لو أنهم سموها: " ذئبا " أو "كلبا" أو "ماء" فهل كان الأمر سيختلف. ثم: هل تمثل كلمة "الشجرة" الشجرة نفسها، أم أنها تعنى غيابها؟ تعنى أننا عجزنا عن الإتيان بالشجرة فأتينا بكلمة بدلا منها، وبهذا يتضافر الحضور والغياب. ويصل هؤلاء إلى أن الناس اتفقت اعتباطيا على معنى كل لفظ، وأنه لا توجد علاقة على الإطلاق بين اللفظ ومعناه. وأن المجتمعات البشرية هي التي أعطت المعنى لكل لفظ.

لن نسوق إليهم الآن حجتنا اليقينية أن الله سبحانه وتعالى علم آدم الأسماء كلها .. هم أقل وأضأل من أن نسوق إليهم دليلا من القرآن الكريم .. ثم إننا نريد أن نكشف منطقهم من خلال منطقهم ذاته.

الفصل بين اللفظ ومعناه، أو بين الدال والمدلول كان بدايات أفكار البنيوية والتفكيكية التي انتشرت في بدايات القرن العشرين على يد فلاسفة الغرب مثل دريدا وسوسير ورولان بارت وجاك كوهين وياكوبسون وغيرهم. بدأت بفصم عرى لا يتصور أن تنفصم، لكن هذا الانفصام كان نتيجة حتمية للفلسفة الإلحادية، ذلك أن الإنسان لا يتبوأ مكانه السامي إلا بإيمانه بالله. فإذا فقد الإيمان بالله ضاع، وتحول إلى مجرد حيوان، ووجب علينا أن نناقش الأصوات المنطلقة منه- من الحيوان- ولكان منطقيا أن نشك فيما إذا كانت هذه الأصوات المختلفة تعبر عن أي معنى.

كان منطقيا أن يتلو الكفر بالله الكفر بالإنسان أيضا .. ليكون مجرد حيوان ..

وكان منطقيا أن تسقط كل القيم .. فالقيم لا تستمد قيمتها إلا من الله ومن كتبه ومن رسله .. وإلا فماذا يجعل الصدق خيرا وهو قد يضر؟ وماذا يجعل الكذب شرا وهو قد يفيد؟ وماذا يجعل القتل جريمة وانتهاك الأعراض عارا والظلم سبّة؟! ..

أدى الكفر بالله، وجحود نعمته علينا بتعليمنا الأسماء إلى فصم العري بين اللفظ ومعناه .. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد .. لأن الحضارة المادية الملحدة التي عبدت المادة والعلم والعقل من دون الله ما لبثت أن اكتشفت قصورها جميعا وعجزها عن تلبية احتياجات الإنسان أو تقليل شقائه.

وهكذا أدت الفلسفات الإلحادية في النهاية إلى سقوط الأرباب التي اتبعها أسلافهم في القرن التاسع عشر لعبادتها من دون الله: المادة والعلم والعقل.

ولقد أدت العملية التفكيكية في نهايتها إلى تجاوز الكفر بعالم الغيب إلى الكفر بعالم الشهادة! وسيطرت الفلسفة الألمانية وتكفلت ظاهرية هوسيرل وتأويلية هايدجر وجادامر برفض أي سلطات مرجعية، وكما يعبرون هم فقد انفرط عقد العالم بعد أن فقد كل شيء الإحالة إلى مرجع ثابت وموثوق به.

يرى ميشيل فوكوه أن كل عصر معرفي جديد يزيح العصر المعرفي السابق، وفى مرحلة معرفية سابقة تمت إزاحة المقدس من مركز الوجود ليحل محله العلم والعقلانية، أما في المرحلة الأخيرة فقد أزيح العقل لتحل محله اللغة، ليصبح الشك وانعدام اليقين هو الحقيقة الوحيدة المطلقة، ويصبح لاوجود حقيقيا لأي شيء خارج إطار اللغة.
لكن اللغة نفسها مراوغة والعلاقة بين اللفظ والمعنى فيها علاقة اعتباطية ..
إذن: فقد انتهى كل شيء .. !! ..
***

أعرف يا قراء أن الكلام صعب وغامض، بل أعرف أكثر من ذلك أن صعوبته لا ترجع إلى عمقه، بل إلى أنه هراء، سفسطة مجانين، قد تبدو منهم هنا وهناك لمحات مبهرة كما تبدو من أي مجنون، نعم هراء أحمق مجنون يريدون منا أن نستبدله وهو الأدنى بالذي هو خير، أناس طمس الله على قلوبهم وأعمى بصائرهم فلا يفقهون، لكن المهم هنا، أن هذه الفلسفات النظرية تنجم عنها تطبيقات عملية نتلظى بنارها ونكتوي بنيرانها.
***

الخطير في الأمر .. الخطير جدا .. أن هذه الفلسفات والأفكار لا تدور في فراغ .. بل إنها أشبه بدائرة التوصيلات الكهربائية والإلكترونية التي تشتريها مع أي جهاز كهربي تشتريه مع الجهاز في كتيب يشرح تحول النظريات إلى تطبيقات. وهو كتيب لا يفهمه إلا الخبراء، وبالنسبة للشخص العادي فإن كلماته ورسوماته أشبه بالشفرة، لذلك فما من أحد منا يراجع خرائط التوصيلات الكهربائية والإلكترونية تلك – لجهاز تلفازه على سبيل المثال!. إنك تقتني الجهاز واثقا في أن من وضع هذه الرسوم لم يخدعك من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنك غير محتاج بالضرورة لفهم تلك الرسوم والخرائط كي تستطيع تشغيل أو مشاهدة جهازك التلفازي.

العلاقة يا قراء بين الفلسفات النظرية والتطبيقات العملية لها تشبه تماما ذلك المثل الذي طرحته عليكم .. تشبهه وتكاد تتطابق معه إلا في شيء واحد .. وهو أنك لم تقتن جهازا للتلفاز، بل قنبلة موقوتة ستنفجر فيك وتقتلك وتدمر بيتك وتشرد أهلك .. ومن هنا وجب عليك الرجوع إلى الرسوم لاكتشاف الخطر.
***

فلنتناول على سبيل المثال أحد التطبيقات العملية للفلسفة السابقة وللقضية اللغوية التي بدأنا بطرحها. تلك القضية الغامضة المكتوبة برموز معماة (كالشفرة) لا يفهمها إلا مختص.
قلنا إنه لا وجود لشيء خارج اللغة ( والعبارة تبدو في الظاهر بريئة، ويبدو أن معناها يفوق قدرتنا على الفهم، أو أنها بلا معنى، والواقع أنها بعد فك رموز شفرتها تعني إنكار الذات الإلهية والأنبياء جميعا، كما يتضمن معناها في ذات الوقت الكفر بالعلم والعقل). إنهم يقولون إن ارتباط المعنى باللفظ هو ارتباط اعتباطي لم يرسخه إلا اتفاق الناس عليه آمادا طويلة، وإنه لذلك يمكن أن يتغير، لكن بشرط أن نفرض قطيعة معرفية مع الماضي كله، وهذا لا يعنى إلا الكفر.
كان هذا هو رسم الدائرة الإلكترونية الغامض الصعب والآن لننتقل إلى التطبيق.

إذ يترتب على ذلك أن كلمة الشذوذ الجنسي مثلا تحمل معنى اعتباطيا لفعل كريه يحتقره الناس، لكن هذه الكراهية والاحتقار لا تنجم من الكلمة ولا من الفعل بل من اتفاق اعتباطي طال عليه الأمد حتى أصبح كالحقائق الراسخة وما هو بحقيقة وما هو راسخ، لقد اكتسبت الصفة معانيها السلبية المهيمنة المهينة عن طريق استخدامها المستمر والمتكرر لإهانة الشواذ والتنديد بهم حسب قيم دينية وأعراف اجتماعية ومنتجات ثقافية تفرض معايير معينة، وترى الكاتبة الأمريكية الشهيرة جوديت باتلر في كتابها: "مشاكل الجنوسة" أن على الشواذ والسحاقيات أن يصفعوا المجتمع بالكلمة بصفة متكررة ومستمرة، لأنهم بذلك سينجحون في تغيير الأعراف المتحجرة وتفكيكها وتحطيمها، وبذلك تفقد كلمة شاذ " gay" أو سحاقية : " lesbian " قدرتها على الإهانة، وربما يصل الأمر، كما يقول الدكتور عبد العزيز حمودة إلى استعمال هذه الصفات في سياق المدح .. !!
***

هل رأيتم يا قراء العلاقة بين الرسم المشفر والتطبيق ..
وهل جال بخاطرك أن هذه العبارة البريئة الموجزة: "لا وجود لشيء خارج اللغة" يمكن أن تسفر عن هذا التطبيق البشع .. إباحة الشذوذ وتمجيده ..
***

لن نتكلم الآن عن علاقة ذلك بقيام الغرب بالضغط على الدول الإسلامية لتعيين وزير شاذ أو رئيسة تحرير سحاقية، لن نتكلم عن ذلك فالعلاقة واضحة، لكننا نتكلم عن أمر آخر، أمر يدخل في صميم همومنا.
***

ذلك أنه إن كانت تلك القضية اللغوية والخلفيات الفلسفية قادرة على قلب المعنى بهذه الطريقة، وإن كانت حققت نجاحات هائلة في بلادهم، كما حققت نجاحا لا ينكر على أيدي الحداثيين والعلمانيين والتنويريين والتغريبيين في بلادنا، إذا كانت قد نجحت في ذلك، فلماذا لا تنجح أيضا في وصم العمليات الاستشهادية بالعار والإثم الشديد، وفي اعتبار الجهاد معصية - نظمهم الشيطانية الكبرى التي تستحق كل وسائل السحق والمحق- وفي اعتبار صندوق الانتخاب وإن مثل أغلبية ساحقة لا يمثل الشعب ولا يعبر عنه.

نعم .. إن كانت قد نجحت في ذلك فلماذا لا تنجح في تحويل الحق إلى باطل والباطل إلى حق ..

نعم .. لم تكن تلك أفكارا هائمة في الفراغ، بل كانت رسم الدائرة الإلكترونية الجهنمية المشفرة ..
نعم .. وما قالته جوديت باتلر في مجال يقوله أوباما في مجال آخر .. وما نادى به دريدا يطبقه نتن ياهو ممتطيا نفس الفكرة والمنهج.
***

كل ذلك منطقي – بمنطق الشيطان – بالنسبة لهم ولتاريخهم الديني والسياسي والاجتماعي. لكنه بالنسبة لنا كارثة ومصيبة وداهية وخيانة للأمة وتفتيت لها، فلماذا ساقنا حداثيونا إلى هذا المنعطف الوعر؟!

يقولها فلاسفة الغرب بوضوح أنه لا سبيل للتقدم إلا بالقطيعة المطلقة مع التراث، أما كُتَّابنا الجهابذة كأدونيس وجابر عصفور والغذامي وكمال أبو ديب، وصبيانهم كصلاح عيسى والغيطاني والقعيد، وكل كُتَّاب السلطة، فيرون أن مجتمعاتنا لم تنضج النضج الكافي بعد، لذلك فهم يراوغون – بل يكذبون - في إيصال المعنى إلينا. وبدلا من تلك الجملة الصريحة الواضحة القاطعة الناطقة بالكفر فإن الحداثيين في عالمنا الإسلامي يستعملون جملا أخرى من نوع: "تحطيم القوالب المتحجرة الثابتة لمنظومة القيم البالية". وما يقصدون إلا القرآن والسنة. إلا الإسلام.
***

يصرخ الدكتور عبد العزيز حمودة في كتابه المرايا المقعرة : أن هذا هو الرعب القادم، بل الرعب القائم، رعب فقدان الهوية كلها .. رعب ينتقل بنا من تفكيك اللغة إلى تفكيك الوطن .. ومن سيولة الأفكار إلى انهيار الأمم .. رعب سيطرة بلطجية ميدان التحرير على الأمة.. رعب التلاشي والفناء تحت وطأة ضربات ساحقة غادرة .. بالتآمر مع حداثيينا ..
***
نعم ..
هذا ما أريد أن أصل إليه ..
كان الحداثيون عندنا منذ زمان طويل يمهدوننا لتقبل منهج غريب علينا، منهج شاذ وخطر، نبت من فلسفات شاذة ومريضة، كافرة ملحدة، ليس بالله فقط، بل بالإنسان أيضا، فلسفات ليس لها مبادئ ولا قيم، فلسفات لا تعرف العقل ولا المنطق، ولم تسمع عن العدل والرحمة والإنصاف، فلسفات لم تقتصر على التعامل مع الإنسان كحيوان بل كشيطان مريد.

لم تكن وظيفة حداثيينا إلا تلك .. وما منحوا الشهرة والمجد والانتشار الذائع إلا من أجل أن يقوموا بهذا الدور .. وكانت المخابرات الأمريكية هي التي تمول كل ذلك – لكن هذا موضوع مقال قادم-.
كان الإسلام هو العقبة الكئود أمام الحداثة .. وكان عليهم أن يفرضوا القطيعة بيننا وبينه كي ينفردوا بنا ..
تلك القطيعة كانت تهم الغرب للسيطرة علينا .. كما كانت تهم حكامنا أيما اهتمام .. ذلك أنها كانت تعفيهم من المسئولية التي وضعها الناموس الإلهي لضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

***
في كتاب: "حصوننا مهددة من داخلها" يكشف الدكتور محمد محمد حسين أمر الحداثيين والعلمانيين والمستغربين ودعاة التنوير والثقافة، يكشف دسائسهم التي يلقون عليها حجبا كثيفة من الرياء. والنفاق، حين يندسون بين صفوف الأمة، يتظاهرون بالغيرة على إسلامنا وعلى عروبتنا، حين تنطوي ضمائرهم على فساد العقيدة وحين يعملون لحساب العدو الذي يستعبدنا ولحساب الصهيونية الهدامة التي لا تريد أن تبقى على بناء قديم.

يصرخ الدكتور محمد حسين: هؤلاء هم أخطر الأعداء، وهم أول ما ينبغي البدء به في تطهير الحصون وتنظيف الدار؛ لأن الأعداء والمارقين ظاهر أمرهم لا يخفون، وهم خليقون أن ينفروا الناس، فهم كالمريض الظاهر يتحاشاه الناس ولا يقتربون منه. أما هؤلاء فهم كالمريض الذي لا يظهر المرض على بدنه، فالمخالطون لا يحتاطون لأنفسهم في مخالطته.

ويتهم الدكتور حسين أعداء الأمة هؤلاء من المنافقين والضالين والمضللين بأنهم يزينون للأمة الباطل زاعمين لها أنه هو سبيل النهضة، ويوهمونها أن كثيرا من عاداتها الصحيحة الأصيلة هي من أسباب تخلفها وضعفها، ويزجون بها فيما رسمته عصابتهم من قبل وما قدرته من طرق ومسالك ".

ويستطرد الدكتور حسين في مرارة عاتية:
وأنبه إلى ما انكشف لي من أهدافهم وأساليبهم التي خدعت بها أنا نفسي حينا من الزمان مع المخدوعين، أسأل الله أن يغفر لي فيه ما سبق به اللسان والقلم. وإن مد الله في عمري رجوت أن أصلح بعض ما أفسدت مما أصبح الآن في أيدي القراء (…) وقد كان مصابي هذا في نفسي وفي تفكيري مما يجعلني أقوى الناس إحساسا بالكارثة التي يتردى فيها ضحايا هؤلاء المفسدين، وأشدهم رغبة في إنقاذهم منها، بالكشف عما خفي من أساليب الهدامين وشراكهم (…) ..

ويكشف الدكتور حسين أن هؤلاء المنافقين قد اشتراهم الغرب كي يكونوا حراسا على أوطاننا التي حولوها إلى سجون. فيقيموا فيها معبدا يسبح كهنته بحمد آلهتهم التي يعبدونها من دون الله. وينكل بالذين ينبهون النائمين والغافلين والمخدوعين .. اشتراهم الغرب ليشكلوا وجوها متعددة للبلاطجة.. بلطجة التحرير وبلاطجة الإعلام وبلاطجة رأس المال ورجال الأعمال وبلاطجة الشرطة وبلاطجة المجلس العسكري وبلاطجة طرة .
***

تحت رعاية الحداثيين – عبدة الشيطان - كنا ننتقل من الإيمان إلى الكفر تحدونا سياط حداثيينا قبل سياط جلادينا. كانوا يقيمون دعائم مملكة الكفر .. وكانوا قد تسلحوا بمقولة قاطعة خدعوا بها الأمة فاستجابت أو رضخت .. ذلك أنهم وهم يقيمون مملكة الكفر منعونا من استعمال السلاح الوحيد الذي كان يمكن أن يحمينا من مكرهم .. ألا وهو الحكم عليهم بالكفر .. وأصبح التكفير رجعية وتخلفا، وأصبح التخلف جمودا، وأصبح الجمود أصولية، وأصبحت الأصولية تطرفا وأصبح التطرف إرهابا .. وأصبح الاستشهاد انتحارا، كما أصبح الطفل الذي يحمل حجرا يهدد الأمن والسلام العالميين. أما استخدام الطائرات والدبابات في سحق المدنيين فهو دفاع مشروع عن النفس.

لكن .. لماذا نرفض كل ذلك وقد اقتنعنا من قبل بالقطيعة مع التراث .. وباعتباطية العلاقة بين اللفظ والمعنى .. ؟!!
***

إنني أريد أن أعود هنا إلى نقطة مهمة.. وهى أن القارئ العادي، وحتى المثقف، عندما يقرأ شيئا من تلك الأبحاث التي يروجها الحداثيون كقضايا لغوية أو فكرية أو فلسفية، فإنه في أغلب الأحوال ينصرف عنها، تحت راية أنه علم لا ينفع وجهل لا يضر، فإذا حاول الفهم، فإنه في أغلب الأحوال لن ينجح في الفهم، ليس لقصور في عقله، ولكن لأن الحداثيين في بلادنا كما ذكرت يكذبون، يتحدثون بمنطق العصابات التي تتحدث برموز لا يفهمها إلا أفراد العصابة، فإذا حدث أن سمع حديثهم شخص من خارج العصابة فإنه لن يفهم أبدا ما يعنونه. هذه الآلية الخبيثة المجرمة تمكنهم من التسلل إلى قلب الأمة كما يتسلل الصدأ إلى الحديد. في سرية، وفى خفاء، دون إعلان، ودون فهم، ويستمر الأمر على ذلك المنوال حتى ينهار البناء فجأة.
***
نعم .. تعامل حداثيونا مع الأمة بهذه الطريقة .. وأخفوا عنها طول الوقت الخلفيات الفلسفية الإلحادية لفكرهم وللقضايا التي يطرحونها، بل تعمدوا الكذب الصريح والتضليل الواضح في أحيان كثيرة، تعمدوها مثلا عندما خلطوا ما بين الحداثة كفلسفة كافرة مجرمة علينا أن نحاربها جميعا، وبين التحديث كهدف علينا أن نسعى جميعا إليه .. وتعمدوها عند الخلط ما بين العلمانية والعلم .. وبين التشريع الإلهي والبشري .. وبين التحرير والتعهير .. وبين التنوير والتزوير ..

كانت السلطة تساعدهم وكان الغرب يسيدهم كما يسيد العدو كل خائن لأمته: قارنوا مثلا الفارق في التعامل من السلطة ومن الغرب معا مع شخصيتين: مع الشيخ عمر عبد الرحمن فك الله أسره والدكتور نصر حامد أبو زيد قبح الله وجهه.
***

كان الاستثناء الهائل الذي زلزل الحداثيين هو القضية التي عرفت بأزمة الوليمة .. كانت كالدخان الذي يخرج الثعالب من الجحور .. وربما تقبع القيمة الحقيقية لهذه القضية، في أنها كشفت للناس الشفرة التي يستعملها الحداثيون، جعلتهم يتحدثون إلى الناس بنفس الألفاظ التي يتحدثون بها إلى بعضهم بعضا .. إلى أفراد العصابة .. وهكذا تم كشفهم الاكتشاف الكامل والنهائي .. ووضحت للناس أن ما يحملونه فرحين ليس جهاز تلفاز أو لعبة إلكترونية سيسعدون بها بل لغما شديد الانفجار سيدمرهم .. أسقطت تلك القضية الأقنعة عن الوجوه الشائهة .. وأدرك الناس لأول مرة أن حرية الفكر لم تكن تعنى أبدا حرية الفكر .. ولا حتى حرية الكفر .. بل كانت تعنى التآمر على إيمان الناس وتحويلهم إلى الكفر .. ومن لم يتحول أبيح دمه ..

وفهم الناس لأول مرة أن الإبداع يعنى أشد الألفاظ بذاءة وسوقية .. وأن الإبداع يزيد كلما وجهت هذه الألفاظ البذيئة والسوقية إلى مقدساتنا .. فإذا وصل الأمر إلى سب الذات الإلهية والسخرية من الرسول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وإلى إهانة القرآن الكريم فقد وصل إلى عالم الذرى ..

أدرك الناس المعنى وفهموا الشفرة واكتشفوا أنهم لا يتعاملون مع مبدعين ولا مفكرين ولا فلاسفة وإنما مع حثالة بشرية مرتدة خائنة وعميلة وسافلة ومنحطة ..
***
بعد هذا الانفجار توالت الاكتشافات ..
وكما سقط العقل والعلم والمادة في عالم الحداثيين راحت رموزهم تسقط رمزا خلف رمز .
سقط وهم الديمقراطية وتبدى وجهها دون قناع كمسخ مشوه مروع ومقزز ورهيب ..
سقطت فكرة العدالة البشرية عندما أسفرت عن ظلم وحشي مجنون ..
سقطت منظومة ادعاء حقوق الإنسان عندما سحقت حقوق الإنسان بمباركة فلاسفة العالم ومنظماته الدولية ..
سقطت المنظومة الغربية كلها تحت حوافر طواغيت الداخل والخارج وهو يبيحون لأنفسهم ما حرمه الله سبحانه وتعالى على نفسه، الظلم، نعم سقطت المنظومة عندما اعتبر الحداثيون والليبراليون والعلمانيون العالم معرضا للخزف فتصرفوا كقرد تسلل إلى متجر فراح يبدل أماكن لافتات الأسماء دون أن يبدل معها الأشياء فإذا الشجاعة جبن وإذا الجبن شجاعة وإذا الديمقراطية ذات أنياب .. وإذا الشجرة "رشجة" وإذا الكلب " لكب أو بكل" .. !!
لقد علم الله آدم الأسماء كلها وهذا الغبي المجنون على رأس صف طويل من الحداثيين يحسبون أنهم قادرون على تغيير تلك الأسماء التي علمناها الله .. والغبي المجنون لا يفهم أنه ليس له إلى ذلك من سبيل إلا إذا استطاع أن يأتي من المغرب بالشمس التي يأتي بها الله من المشرق ..
نعم في خلال ثلاثة أعوام سقط ما ظل الغرب – وحداثيونا – يضللونا به ثلاثة قرون ..
***
يا قراء: إن ما يفعله الحداثيون الليبراليون العلمانيون ليست مجرد تصرفات مجنون فقد عقله وإنما هي النتيجة لفكر شاذ وفلسفات مريضة وأفكار مجرمة تعتمد كلها على الكفر بالله ..

ونفس هذا الفكر الشاذ والفلسفات المريضة والأفكار المجرمة هي تماما ما راح حداثيونا ينثرونها في أمتنا كالوباء ..

نعم يا قراء .. خدعنا الحداثيون وخانونا ..

ولم يكونوا يناقشون قضايا: العلم فيها لا ينفع والجهل بها لا يضر ..

لقد تآمروا علينا وخانونا .. وكان المنهج الذي حاولوا ترويجه طيلة الوقت هو نفس المنهج الذي اتبع لتبرير

الاستعمار والإبادة والظلم .. كما اتبع لنزع سلاح الأمة الوحيد في المواجهة: ألا وهو عقيدتها وهويتها ..

عــمــر
12-27-2011, 11:28 PM
شكراً جزيلاً لك أخي الحبيب حسن على المقال

ولي تساؤل


نعم في خلال ثلاثة أعوام سقط ما ظل الغرب – وحداثيونا – يضللونا به ثلاثة قرون ..


أي ثلاثة أعوام يقصد ؟؟

حسن المرسى
12-28-2011, 01:04 AM
الأخيرة ..
هو يوقت تاريخ إنهيارهم منذ أسفروا عن قناع التقية ..
بعد رواية وليمة أعشاب البحر .. وما تلاها من طعن سافر لا تأوله لغة التبريرات ..
حول المستهدف الأول من تنويرهم ( الظلامى ) وهو هدم أسس الدين ..
ولم يكن فى جعبتهم إلا غطاء الطواغيت .. وتلميعه لهم ..
والآن تسقط ورقة التوت الأخيرة ... بسقوط داعميهم ..
والله اعلم

محب السلفيين
12-28-2011, 01:17 AM
ما أروعَ هذه الكلماتِ , سبحانَ اللهِ , إنها تعبر تعبيراً دقيقاً عن الحقيقةِ المريرةِ , وكأن هذه السنواتِ سنواتُ ما قبل الدجالِ , كأن هؤلاء الدجاجلةَ الصغارَ تمهيدُُ للدجالِ الأكبرِ!!!

محب القران
01-03-2012, 09:48 PM
أشهد أنه كاتب بارع وضمير حي وقلم حر
ياليت الناس وعوا ويعوا قبل توغل السموم في الفهوم
وياليتنا لم نعرف الحداثه الخاطفه ولا هذه الحظاره القذره الزائفه...