نقد
01-10-2012, 01:02 AM
يشغل مفهوم التوحيد في نسق العقيدة الإسلامية مكانة محورية ، حيث لا يعلوه أي مفهوم آخر . وبالنظر إلى فلسفة الدين ، وعلم مقارنة الأديان نلاحظ أن ثمة إجماعا على أن أعلى مراتب تطور المعرفة الدينية هي الوحدانية. والرؤية المقارنة المتجردة لا شك ستنتهي إلى أن فكرة وحدانية الله لم تتمظهر بوضوح إلا في القران الكريم. فلو تأملنا مفهوم الإلوهية كما تجلى في كتب الأديان سنرى فارقا كبيرا لا يمكن تغطيته ، فارق يؤكد أن العقيدة القرآنية هي وحدها التي يمكن أن تقدم للبشرية مفهوما دينيا يسلم من أوهام التعدد والتوثين والشرك.
يذهب أوجست كونت إلى القول بأن الوعي الديني انتقل من التعدد إلى التثنية فالتوحيد . وينساق مع كونت العديد من الفلاسفة والسوسيولوجيين الذين تناولوا التجربة الدينية بالدرس والتحليل ، واستقراء صيرورة تطور مفاهيمها المؤسسة. وهذا الحرص على توحيد المعبود ، وهذه الصيرورة التطورية التي يتحدث عنها علم الأديان - إن كنا لا نعتقد بكونها ذات مصداقية على مستوى التطور التاريخي الفعلي - فهي من جهة ثانية يمكن أن نقرأ فيها مؤشرات تدل على كون مرتبة التوحيد أفقا متعاليا تترقى إليه التجارب الدينية على اختلافها وتنوعها. وهو ما يؤكد أن الوحدانية هي الحق المثالي الذي تنزع نحوه فطرة الوعي الديني، وتتشوف إلى بلوغه.
وعلو مرتبة الوحدانية وتشوف الرؤى الدينية نحوه ملحوظ أيضا في الأديان الكتابية ، فاليهودية تزعم لنفسها عبادة الإله الواحد ، كما أن المسيحية (النصرانية) رغم سقوطها في وهم التثليث تزعم أنها تعبد الإله الواحد!
وهو زعم أكد القرآن زيفه وتحريفه ببيان الخلل الكامن في التصور التثليثي. وأنه تحريف لاحق زمنيا لنشأة النصرانية. ﴿يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرًا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً﴾ النساء: 171.
وقد أكدت الأبحاث التاريخية التي أنجزتها مقاربات بعُدَّةٍ منهجية معتبرة هذا الحكم القرآني؛ فأصبح من الأكيد عند الكثير من المؤرخين المسيحيين أنفسهم أن بداية التاريخ النصراني كانت ممتثلة للوحدانية في رؤيتها الدينية، وأن الانقلاب الفعلي لم يبدأ إلا مع الإمبراطور قسطنطين الكبير في مجمع نيقية سنة 325م ضدا على الأريوسية؛ الذي سينحاز بروما إلى الرؤية البولسية(نسبة إلى بولس).
وإذا كانت رؤية مجمع نيقية قد هيمنت بفعل قوة السيف على الوعي الديني المسيحي منذ القرون الوسطى ، ولا تزال مهيمنة إلى اليوم ؛ فإن هذا لم يمنع من ظهور حركات مسيحية تؤكد على الوحدانية وترفض إلوهية المسيح، وخاصة بدءا من القرن السادس عشر . ولا أرى أنه من الصدفة أن يكون الاسباني ميخائيل سرفيتوس (1511-1553)من أوائل من أكد على فكرة الوحدانية؛ إذ أرى أن ذلك نتاج أثر الثقافة الإسلامية الأندلسية.
كما أن ظاهرة ما أصبح يعرف اصطلاحا ب" الموحدين النصارى" المنكرين لإلوهية المسيح لم تعد ظاهرة معزولة ، بل منذ القرن السادس عشر امتدت الفكرة، وتكونت جماعات وأبرشيات ،وخاصة في بولندا وانجلترا والمجر . وهو الامتداد الذي يرجع الفضل فيه إلى فاوستوس سوسينوس؛ وجون بيدل فيما يخص إنجلترا.
ولذا نلاحظ أنه منذ القرن الثامن عشر حدث انقلاب في عدد من كنائس انجلترا باعتناقها مذهب التوحيد المنكر لإلوهية المسيح. وحاليا فإن هذا الوعي التوحيدي يخترق بنية المسيحية المعاصرة ، حتى أصبح يشكل خطرا على الرؤية العقدية لكنيسة روما. حيث انتشر في العديد من الأقطار : في الدانمارك وألمانيا ، والهند ونيجيريا ورومانيا وكندا وأستراليا...
لكن مع هذا أرى أن كثيرا من اللقاءات التي ننجزها في سياق الحوار مع الأديان ، وخاصة الدين المسيحي ، تغفل للأسف الشديد استثمار التنوع العقدي الموجود داخل بنية المسيحية المعاصرة. ولذا يجب التفكير جديا في مداخل ومواقع مسيحية قد يكون الحوار معها مثمرا أكثر من الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية.
يذهب أوجست كونت إلى القول بأن الوعي الديني انتقل من التعدد إلى التثنية فالتوحيد . وينساق مع كونت العديد من الفلاسفة والسوسيولوجيين الذين تناولوا التجربة الدينية بالدرس والتحليل ، واستقراء صيرورة تطور مفاهيمها المؤسسة. وهذا الحرص على توحيد المعبود ، وهذه الصيرورة التطورية التي يتحدث عنها علم الأديان - إن كنا لا نعتقد بكونها ذات مصداقية على مستوى التطور التاريخي الفعلي - فهي من جهة ثانية يمكن أن نقرأ فيها مؤشرات تدل على كون مرتبة التوحيد أفقا متعاليا تترقى إليه التجارب الدينية على اختلافها وتنوعها. وهو ما يؤكد أن الوحدانية هي الحق المثالي الذي تنزع نحوه فطرة الوعي الديني، وتتشوف إلى بلوغه.
وعلو مرتبة الوحدانية وتشوف الرؤى الدينية نحوه ملحوظ أيضا في الأديان الكتابية ، فاليهودية تزعم لنفسها عبادة الإله الواحد ، كما أن المسيحية (النصرانية) رغم سقوطها في وهم التثليث تزعم أنها تعبد الإله الواحد!
وهو زعم أكد القرآن زيفه وتحريفه ببيان الخلل الكامن في التصور التثليثي. وأنه تحريف لاحق زمنيا لنشأة النصرانية. ﴿يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرًا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً﴾ النساء: 171.
وقد أكدت الأبحاث التاريخية التي أنجزتها مقاربات بعُدَّةٍ منهجية معتبرة هذا الحكم القرآني؛ فأصبح من الأكيد عند الكثير من المؤرخين المسيحيين أنفسهم أن بداية التاريخ النصراني كانت ممتثلة للوحدانية في رؤيتها الدينية، وأن الانقلاب الفعلي لم يبدأ إلا مع الإمبراطور قسطنطين الكبير في مجمع نيقية سنة 325م ضدا على الأريوسية؛ الذي سينحاز بروما إلى الرؤية البولسية(نسبة إلى بولس).
وإذا كانت رؤية مجمع نيقية قد هيمنت بفعل قوة السيف على الوعي الديني المسيحي منذ القرون الوسطى ، ولا تزال مهيمنة إلى اليوم ؛ فإن هذا لم يمنع من ظهور حركات مسيحية تؤكد على الوحدانية وترفض إلوهية المسيح، وخاصة بدءا من القرن السادس عشر . ولا أرى أنه من الصدفة أن يكون الاسباني ميخائيل سرفيتوس (1511-1553)من أوائل من أكد على فكرة الوحدانية؛ إذ أرى أن ذلك نتاج أثر الثقافة الإسلامية الأندلسية.
كما أن ظاهرة ما أصبح يعرف اصطلاحا ب" الموحدين النصارى" المنكرين لإلوهية المسيح لم تعد ظاهرة معزولة ، بل منذ القرن السادس عشر امتدت الفكرة، وتكونت جماعات وأبرشيات ،وخاصة في بولندا وانجلترا والمجر . وهو الامتداد الذي يرجع الفضل فيه إلى فاوستوس سوسينوس؛ وجون بيدل فيما يخص إنجلترا.
ولذا نلاحظ أنه منذ القرن الثامن عشر حدث انقلاب في عدد من كنائس انجلترا باعتناقها مذهب التوحيد المنكر لإلوهية المسيح. وحاليا فإن هذا الوعي التوحيدي يخترق بنية المسيحية المعاصرة ، حتى أصبح يشكل خطرا على الرؤية العقدية لكنيسة روما. حيث انتشر في العديد من الأقطار : في الدانمارك وألمانيا ، والهند ونيجيريا ورومانيا وكندا وأستراليا...
لكن مع هذا أرى أن كثيرا من اللقاءات التي ننجزها في سياق الحوار مع الأديان ، وخاصة الدين المسيحي ، تغفل للأسف الشديد استثمار التنوع العقدي الموجود داخل بنية المسيحية المعاصرة. ولذا يجب التفكير جديا في مداخل ومواقع مسيحية قد يكون الحوار معها مثمرا أكثر من الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية.