المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قول الملاحدة: التصميم مستنده القياس على سلوك البشر.



عبدالله الشهري
01-18-2012, 09:35 PM
يعترض الملاحدة على مقالة التصميم بمشكلة القياس على السلوك البشري، وبالتالي يرون عدم كفاية دلالة هذا القياس على وجود خالق عليم. فنقول: هنا فرض – وهو فرض قوي لأنه منطلق من الملاحظة - يمكن نفيه falsifiable: "كل تصميم وراءه كائن مدرك ولابدّ". كما قلنا، المناظر قد يقول هذه حجة معروفة وهي تستوحي معناها من سلوك البشر ككائنات عاقلة وتوظفه في إثبات وجود الخالق. نقول: المراد بقولنا "...كائن مدرك" ليس الإنسان فقط وإنما كل كائن يتمتع بأي درجة من درجات الإدراك، وبالتالي فالفرض السابق ليس مستوحى فقط من القياس على سلوك الإنسان ككائن يصمم الأشياء من أدوات المنزل والحراثة إلى منتجات القرن الحادي والعشرين. إن هذا التلازم بين شيء يحمل مظاهر التصميم وبين كائن يتمتع بإدراك هو شيء متواتر في الطبيعة أساساً ولا نحتاج لمثال سفينة أبي حنيفة أو مثال ساعة وليم بيلي William Paley لنثبت هذه القضية فهي قضية موجودة قبل أن يوجد الإنسان، أو قل كامنة في مظاهر أجناس الحياة حتى لو لم يوجد الإنسان ليفرض ذلك الفرض المشتق من سلوكه ككائن عاقل أو مدرك. فكل الكائنات الحية يصدر عنها من آثار التصميم ما يتناسب مع لديها من إدراك: النحل – رغم أنها كائنات غير بشرية – كيف يصمم خلاياه، العنكبوت كيف يصمم بيته، الطير كيف يصمم عشه، حتى على مستوى الكائنات الأقل إدراكاً كالحيوان المنوي الذي يهتدي لمكانه بعد خروجه من الرجل، والخلية التي تقوم بعمل مذهل يعرفه الجميع، بل حتى على مستوى البروتين الذي يصح وصفه بأنه مهندس إداري من الطراز الأول. إذاً فهناك تلازم في الطبيعة بين أي درجة من درجات الإدراك والسلوك التصميمي/الغائي التابع لذلك الإدراك. المطلوب الآن هو نفي هذا الفرض بإثبات حالة واحدة لكائن حي (organism) واحد ومدرك (أيّاً كان هذا الكائن وأياً كانت درجة إدراكه) لم يصدر عنه أي درجة من درجات السلوك التصميمي. لذلك نحن بدورنا نعمم هذا الفرض لأنه لا يوجد ما ينفيه، نعممه على كل مظاهر التصميم البادية لنا في الطبيعة والكون، حتى يثبت يقيناً ما ينفي ذلك الفرض. وعندما نعممه على كل مظاهر التصميم البادية لنا نحن لا نفعل ذلك اعتباطاً وإنما نفعله بناءً على مشاهدات مطردة لم يخرمها استثناء واحد. وبتعميمنا نحن نعني أن الكون بكل ما فيه من مظاهر تصميم لابد أن يكون من عمل كائن مُدرك– وهذا فقط تنزلاً في الاصطلاح وإلا فنحن نطلق عليه "خالق عليم" – فهذا فرض نؤمن به حتى يرد ما ينفي ذلك الفرض نفياً لا تقل قوة أدلته عن تواتر قوة الأدلة التي أثبتته.

أبو عثمان
01-18-2012, 11:34 PM
رائع ماتع
ابداعك متواتر كتواتر التصميم في الطبيعة -ابتسامة-
بارك الله فيك ونفع بعلمك .

نور الدين الدمشقي
01-19-2012, 05:43 PM
مبدع كعادتك اخي الفاضل بارك الله فيك ونفع بعلمك.
سؤال اخي الفاضل واعتذر ان كان يبدوا تحليلي حرفيا بعض الشيء
: تقول ان الفرض الfalsifiable هو

:""كل تصميم وراءه كائن مدرك ولابدّ". ولنفيه تقول:

المطلوب الآن هو نفي هذا الفرض بإثبات حالة واحدة لكائن حي (organism) واحد ومدرك (أيّاً كان هذا الكائن وأياً كانت درجة إدراكه) لم يصدر عنه أي درجة من درجات السلوك التصميمي
هل يلزم من قولنا بأن "كل تصميم وراءه كائن مدرك"...أن يكون لكل كائن مدرك اثر فيه درجة من السلوك التصميمي؟
بمعنى آخر الا يجب ان يكون الفرض المقصود هو قولنا: "كل كائن حي يصدر منه درجة من درجات السلوك التصميمي" (بدل قولنا ان كل تصميم وراءه كائن مدرك) لكي يكون نفي ذلك الفرض هو اثبات وجود كائن حي مدرك واحد لم يصدر عنه سلوك تصميمي.

كذلك هل يصح ان تكون الفرضية بالعكس: "لكل تصميم مصمم مدرك". طبعا هذا سيؤدي الى نقاش حول معنى "التصميم" مرة اخرى!

عبدالله الشهري
01-20-2012, 10:44 PM
مرحبا بك ومثلك لا يُشَك في طلبه للفائدة. بالعكس أخي فلعلّي أصقل أفكاري بالنقاش معكم.

هل يلزم من قولنا بأن "كل تصميم وراءه كائن مدرك"...أن يكون لكل كائن مدرك اثر فيه درجة من السلوك التصميمي؟
نعم كل تصميم وراءه كائن مُدرك، ولكني كنت دقيقاً - فيما أحسب - عندما قلت "سلوك تصميمي" فيما بعد: أي إنه وإن لم نر تصميماً ماثلاً أمام أعيننا من كائن مُدرك في أي مستوى من مستويات الحياة فإن هذا لا ينفي بالضرورة كون ذلك الكائن يتمتع بسلوك تصميمي، ومعنى سلوك تصميمي أنه "مُغيّا" أي له غاية أو وظيفة يؤديها، ذلك أن مفهوم التصميم مركّب - كما بينت في غير هذا الموضع - من تعقيد+ نظام + غاية، ولكن تخلف أحد هذه المعاني لا يعني انتفاء مفهوم التصميم، لأن تعريفي لمفهوم التصميم هو قائم على جمع أبرز سماته المتداوله في الخطاب العلمي scientific discourse وإلا فيكفي عندي شخصياً أن يوجد أحدهما للقول بأقل مرتبة وجودية للتصميم. هذا بالنسبة لهذه النقطة وأرجو أن أكون فهمت سؤالك وأجبتك بما يناسب.

بمعنى آخر الا يجب ان يكون الفرض المقصود هو قولنا: "كل كائن حي يصدر منه درجة من درجات السلوك التصميمي" (بدل قولنا ان كل تصميم وراءه كائن مدرك) لكي يكون نفي ذلك الفرض هو اثبات وجود كائن حي مدرك واحد لم يصدر عنه سلوك تصميمي.
المعنى واحد ولكن عبارتك أوضح. ولكن هنا إضافة: قولي "تصميم" فيه احتراز لأنه أشمل من السلوك التصميمي. السلوك التصميمي هو أمر لازم لا مفر منه لأنه مرتبط بسلوك الكائن، أي هذه مسألة مضمونة، حتى دارون لم يستطع إطلاقاً أن ينفك عن تكرار معان تفيد "الغاية" -تصريحاً وتلميحاً - لوظائف الكائنات. ولذلك التصميم قد يشتمل على ما هو أكثر من الحد الأدنى منه (ألا وهو السلوك) كأن يشتمل على مشهد لــ "شيء" على درجة عالية من التعقيد والتنظيم، بل ولو حتى على درجة كافية لأن تستدعي أدنى ملاحظة، كما يقع في حياة الناس اليومية في معايشتهم لمظاهر الكون والطبيعة. فالخلاصة: أن السلوك التصميمي متعلق بالغاية ونتائج السلوك - أي المنتج - فإنها وإن كانت متعلقة بالسلوك الغائي الذي أدّى إليها إلا أن تعلقها بالمعاني الأخرى للتصميم أكبر: أي حضور معالم التعقيد والتنظيم.

كذلك هل يصح ان تكون الفرضية بالعكس: "لكل تصميم مصمم مدرك". طبعا هذا سيؤدي الى نقاش حول معنى "التصميم" مرة اخرى!
نعم، وهذا تعبير أخيك. أما بالنسبة لمعنى التصميم فمهما كان النقاش الذي سيدور حوله فإنه لن يخرج في جميع الأحوال عن:
(1) إما حديث عن تعقيد مشهود.
(2) أو تنظيم مرصود.
(3) أو غاية معقولة...فحتى لو نفى الخصم وجود غاية لن يستطيع أن ينفي الثانية وإن نفى الثانية فلن يستطيع أن ينفي الأولى وإن ولج الجمل في سم الخياط ! لأن سمة التعقيد لا ينفك عنها موجود البتة، والتعقيد دليل على الإرادة والاختيار، فالتعقيد بهذا الاعتبار مرتبة زائدة على مرتبة وجود الشيء، فهل يوجد "ِشيء ما" هو موجود فقط بلا أدنى درجة من درجة التعقيد: أي بلا سمات تميزه بطريقة أو بأخرى؟. ولذلك من المعضلات الكبرى التي استعصت على عقول التطوريين هو تخيّل الأصل الأول "للشفرة الوراثية" بحيث تتمتع بأقل من مستوى التعقيد اللازم لها اليوم ولكن بشرط أن تعمل بكفاءة. ففي بحث علمي حديث (عام 2011) أجراه كل من:
Andrei S Rodin, Eörs Szathmáry, Sergei N Rodin أقر هؤلاء بما يلي:

Unraveling the origin of the genetic code and translation machinery is an inherently difficult problem-- 1
وقولهم inherently يعني أن المشكلة "متأصلة" في المسألة المذكورة.
آمل أن أكون قد وُفّقت في فهم أسئلتك والإجابة عنها.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
[1] بحث علمي محكّم بعنوان: On Origin of Genetic Code and tRNA Before Translation
نُشر في: Biology Direct 2011, 6:14

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
01-20-2012, 11:11 PM
في ميزان حسناتك إن شاء الله ..

عبدالله الشهري
01-20-2012, 11:15 PM
في ميزان حسناتك إن شاء الله ..
آمين أخي بارك الله فيك، فما معنى سعينا إن لم يمنحنا حياة سعيدة في الدنيا والآخرة.

عبدالله الشهري
01-21-2012, 12:58 AM
...وسوف ننظر لذات الموضوع من زواية مختلفة تُضيف بعون الله بُعداً جديداً يؤكد على المعنى الذي توصلنا إليه، فإلى ذلك الحين إن شاء الله.

اخت مسلمة
01-21-2012, 01:18 AM
لفتة بديعه وجب التركيز عليها بالفعل بارك الله في قصار فوائِدك المنتقاة بعناية

فهذا فرض نؤمن به حتى يرد ما ينفي ذلك الفرض نفياً لا تقل قوة أدلته عن تواتر قوة الأدلة التي أثبتته

وهذا مالن يكون إلى أن يرث الله الأرض ومن وما عليها
جزاكم الله خيراً وفي انتظار البُعد الجديد

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
01-21-2012, 02:12 AM
سؤال لشيخنا الحبيب أبا ضياء ..
لماذا الوعي البشري يعرض قضية التصميم على أنها موجودة ، أو بعبارة أوضح تكشف المقصود لماذا فكرة التصميم الذكي متاحة أمام الوعي وغير عدمية بحيث لا يلحظها ؟؟
أو بمعنى أننا في هذا الكون نلحظ المحسوسات والموجودات فثم سماء وثم أرض وهذا لونه أحمر وذاك برتقالي وهذا كذا وذاك كذا ، ولهذا تكون هذه الموجودات معروفة للوعي البشري ، في حين أن هناك من المغيّبات ما لا ندركه ولا نحيط به ، ولا أقصد بكلامي الجاذبية أو التيار الكهربائي مثلاً ، وإنما أقصد وجود أشياء مغيّبة لا ندركها ولا نعرفها فضلاً عن معرفة اسمها ...وهنا مثال ماتع ذكره الأديب الراحل علي الطنطاوي رحمه الله :
ان مثل النفس والحواس مع الموجودات، كمثل رجل سجنه الحاكم في برج القلعة، وسد عليه الأبواب والنوافذ، ولم يترك له الا شقوقا في جدار البرج، شقا يطل منه على النهر الذي يجري في الشرق، وشقا على الجبل الذي يقوم في الغرب، وشقا على القصر الذي يجثم في الشمال، وشقا على الملعب الذي يقع في الجنوب.

السجين هو النفس، والقلعة الجسد، وهذه الشقوق هي الحواس، حس النظر يشرف منه على عالم الألوان، وحس السمع على عالم الأصوات، وحس الذوق على عالم الطعوم، وحس الشم على عالم الروائح، وحس اللمس على عالم الأجسام.

1- والسؤال الآن: هل أدرك بكل حاسة من هذه الحواس كل ما في العالم الذي تشرف عليه؟ السجين عندما ينظر من شق النهر، لا يرى النهر كله، ولكن جزءاً منه، وكذلك العين حين تشرف على عالم الألوان، لا تراه كله بل ترى بعضه ...
- ثم الا يمكن أن يكون بين عالم الألوان الذي تشرف عليه العين. وعالم الاصوات الذي تطل عليه الاذن عالم آخر، لا أدركه أصلا لأنه ليس عندي الحاسة لادراكه؟

الا يمكن أن يكون بين النهر وبين الجبل بالنسبة لسجين البرج بستان عظيم، لم يره ولم يعلم به، لأنه لا يجد شقا يطل منه عليه؟ فهل يحق له أن ينكره لأنه لا يراه؟
الاكمه (الذي ولد أعمى)، قد يستطيع بالسماع معرفة أن البحر أزرق، والمرج أخضر، ولكنه لا يستطيع أن يدرك ما هي الزرقة وما هي الخضرة، والأصم، قد يعرف بالتعلم ان في الانغام: البيات، والرصد، والسيكا. ولكنه لا يستطيع أن يدرك حقيقة النغم، فهل يحق للأعمى أن ينكر وجود الخضرة، وللأصم أن يجحد حقيقة النغم لأنه لا يدركها؟
فإذا كانت هذه المغيّبات والتي لا تنطبق على عالمنا أو الشئ الذي ليس بشئ نظراً لعدم وجوده لا يخطر على الوعي البشري فلماذا وجدت فكرة التصميم الذكي وتفاعل معها الوعي البشري ولم يعتبرها شاذة كاعتباره الفوضى وعدم النظام كذلك ؟؟
خواطر أتمنى منك شيخنا أن تكون فهمتها ؟؟

عبدالله الشهري
01-22-2012, 10:58 PM
جزاكم الله خيرا إخواني وأخواتي.
أخي "البرازيلي" - وليتك تعلمني بكنيتك التي تحب أن أدعوك بها - هذا مقطع رائع للطنطاوي رحمه الله رحمة واسعة، شيخ جليل ونظرته الفلسفية للحياة مميزة رحمه الله.

عبدالله الشهري
01-22-2012, 11:41 PM
ما قام به وليم بيلي هو قياس الطبيعة على الساعة، ولكن في موضوعنا نحن نقيس بعض الطبيعة على بعض، ونعكس أيضاً فنقوم بمعايرة التصميم أو الإبداع البشري ثم إعادته إلى أصله في شواهد الطبيعة. عندما اكتشف العلماء تركيب الخلية وطريقة عملها والمهمة المذهلة التي يقوم بها الروبوسوم وجزيئات البروتين وجدوا أنفسهم أمام تقنية تضارع في أساسيات عملها آخر ما توصلت إليه التقنية الحديثة ولكن تتفوق عليها بدقتها الفائقة وتدبيرها المتقن لكل خطوة من خطوات عملها. من هنا بدأ يستوحي الإنسان من هذا العالم المتقن بعض التطبيقات ومن ذلك ما قام به فون نيومان من النظر في إمكانية صناعة آلة تستطيع إعادة انتاج نفسها كما تفعل الخلية self-reproducing machine ولكن هيهات. لم يعد الإنسان بحاجة لضرب الأمثال من واقعه المفبرك artificial كي يفهم قصة التصميم، لقد أصبحت متخلفة جداً عن أن تفي بشرح نفحة من نفحات التصميم المبهر في الطبيعة. وقد أدرك ذلك مايكل دنتن تماماً فكان مما قال: "لقد بتنا نرى تقريباً كل سمة من سمات تقنياتنا المتقدمة ممثلة بنظائرها في الخلية...مقنعة جداً قصة هذا التناظر إلى درجة أن كثيراً من مصطلحاتنا التي نستخدمها لوصف الواقع المذهل للعالم الجزيئي يمكن استعارتها من عالم التقنية في الجزء المتأخر من القرن العشرين" [Evolution: A Theory in Crisis, p. 329] ، إذاً: اخترعنا الذاكرة ولكنها كانت موجودة منذ ملايين السنين في الخلية ! اخترعنا النسخ ولكن لاجديد ولا داعي للحماس ! اخترعنا التشفير ثم تبيّن أنّا نقلّد وليتنا أحسنّا التقليد ! وأجهزة فك الشفرة ولكن بعد فوات الأوان ! وبقيت معجزة المعجزات:اختراع عقول/حواسيب/برامج...تعيد انتاج نفسها بلا كلل ولا ملل في ظرف دقائق.
...ولعل للحديث بقيّة.

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
01-23-2012, 12:22 AM
حيّاك الله يا خالي الحبيب ، كنيتي ((أبو العبد))....