essmn
02-03-2012, 01:14 PM
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وبعد
إن كثيرا مما يطرح بالنسبة للشخصيات المنتمية للفكر في القرنيين الماضيين يحتاج إلى إعادة نظر، وإعادة قراءة بإنصاف، ونحن نفخر كمسلمين بما عندنا من قواعد الجرح والتعديل، فلا يكفي مثلا لكي ننسب العلمانية أو الدعوة للتغريب أو للتبرج والسفور لشخص معين أن ننقل كلام من ذكر ذلك عنه، دون أن نرتفع درجة لنقرأ لهذا الشخص بعض ما كتبه.
لاحظت في كثير من المقالات في هذا المنتدى وفي غيره من المنتديات نسبة الدعوة إلى التبرج والسفور والعلمانية والقومية لرفاعة الطهطاوي واكتفى كثير من الكتاب بترديد ما هو شائع دون أن يستدل على ذلك بشيء من أقوال رفاعة التي تبين حقيقة مذهبه وما يستدل به فهو منقول عن غيره، أو مبتور من سياقه.
هذا الكلام ربما لا يقبله كثيرون أو يكون مفاجئا لكثيرين لكن الذي أود أن أقوله ( العدل والإنصاف) (والأمانة العلمية) ( عدم تقليد ما هو شائع ومكرور دون مراجعة) ( المقدمات قبل النتائج)
وأوأيد كلامي هذا بأن أذكر لكم بعض ما ذكره رفاعة الطهطاوي في دعوته إلى التزام النساء بالحشمة والوقار وبالعفاف والحجاب، وذلك من كتاب رفاعة الطهطاوي بين العلمانية والإسلام ط مكتبة دار الحكمة بمصر . ربما يقول البعض إن هذا ليس هو المذهب الوحيد لرفاعة الطهطاوي. فأقول
إذا كان للرجل مذهبان فلماذا نقتصر على أحدهما ونهمل المذهب الآخر؟
فلماذا نقتصر مثلا على بعض النصوص الموهمة التي تدل على دعوة رفاعة للتبرج والسفور ونترك النصوص الأخرى التي تدل على نقيض ذلك، وقد تعلمنا أنه إذا كان في المسألة قولان متعارضان فإما أن نجمع بينهما أو نبحث عن المتقدم والمتأخر للترجيح بينهما، أما أن نتمسك بقول واحد من هذين القولين، ونشنع به على صاحبه فليس هذا من العدل والإنصاف الذي أمرنا به.
المَبْحَث الثاني
موقف الطَّهْطَاوِيّ من الحجاب والاختلاط
حَرَّمَ الإِسْلامُ الزِّنا تحريمًا قطعيًا، وحَرَّمَ كلَ وسيلةٍ تؤدي إليه، فنهى عن التبرج والسفور والاختلاط، وأمر بالحجاب مبتدئًا من الأمر بغض البصر عما لا يحل النظر إليه، والأمر بحفظ الفروج والعورات بالاستتار؛ حتى لا يقع عليها نظر غير المحارم، أمرًا شاملا على المؤمنين والمؤمنات. كما نهى عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، وعن الاختلاط بين الرِّجَال والنِّسَاء، فوضع بذلك من الشرائع ما يضمن صيانة المرأة، وحفظ كرامتها، وشرع عديدًا من الوسائل بغية الحفاط على المجتمع، والحيلولة دون تلوثه بالفواحش.
وقد جاء موقف الطَّهْطَاوِيّ من الحجاب والاختلاط من منظور شرعي سلفي، معارضًا بذلك قاسم أمين وغيره من دعاة تحرير المرأة المزعومين.
يرى رِفَاعَةُ أنَّه: «لا يليقُ من النِّسَاءِ إلا كمال الصِّيانة والعفة، وسلوك سبيل الحياء أكثر مما يطلب من الرِّجَال، فإنَّ الحياء ممدوحٌ، وعدمه مذمومٌ»( ).
ويؤكد المعنى نفسه بقوله « فالمرأة متى خلعت ثوب الحياء فكأنَّها تنازلت عن سلوك سبيل العفاف والصون، حَيْثُ إنَّ خَلْعَ ثوب الحياء منها علامةٌ قويةٌ على نية خدش الأمانة، التي يترتب عليها من العواقب الوخيمة ما لانهاية له... ومجمع العفة والتصون آية وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ( ) فقد نهيت المرأة أنْ تنظر إلى غير زوجها، كما أنْ الرجل كذلك لصدق المحبة»( ).
ولتحقيق العفة والتصون دعا رِفَاعَة إلى التزام النِّسَاء بالحجاب، وعدم اختلاطهن بالرِّجَال، ومزاحمتهن لهم، ولذلك فهو يرى أنْ الأفضل لهن أن يلزمن بيوتهن؛ ليقمن بواجبهن تجاه أهلهن، وليقين أنفسهن من الفتنة يقول: « فالغالب عليهن ملازمة البيوت؛ لحفظ المسكن، ونظافة المجلس، وطيب المأكل، والأنس مع الزوج، وتربية الولد، وحفظ العين من المحارم، وتعهد من في البيت عن حصول المرض، وهذا غير شغل الرجل»( ).
أما عن التزام النِّسَاء بالحجاب فيرى أنَّه من الآداب الإِسْلاميَّة التي يجب على المرأة المسلمة أن تلتزم بها يقول: «يجب على المرأة الاحتجاب من الأجانب، ويحرم على الرجل النظر إلى شيء من المرأة الأجنبية، ولو زوجة لأخيه، أو أختًا لزوجه، ولو في حالة أمن الفتنة، وكذلك نظر المرأة إلى الأجنبي حرام- ولو زوجًا لأختها- ما لم
يكن محرمًا، ويحرم أنْ يخلو رجل بأجنبية»( ).
ويستدل على حرمة خلو الرجل بالمرأة بما رواه البخاري عن ابن عباس مرفوعًا: "لا يخلون رجل مع غير ذي محرم"( ).
ثم يبين أنَّه: «لا بأس أنْ يخلو رجال أو عدة رجال بنسوة ثقات، لا رجل أو عدة رجال بواحدة، وأما ذوو المحارم من النسب والرضاع والمصاهرة، وهم الذين لا يحل تزوج بعضهم بعضًا فتجوز لهم الخلوة»( ).
ويستثني رفاعة من قوله بعدم جواز نظر الرجال إلى المرأة الأجنبية حالات يعدها من قبل الضرورة فيقول: « ولا يجوز النظر فيما لا يحل إلا بأسباب أحدها: النظر للمداواة بقدر الحاجة. ثانيها: النظر للوجه والكفين لمن يريد أن يتزوجها. ثالثها: النظر في المعاملة المفتقرة للشهادة عليها والتعريف لها، ونحو ذلك مما تدعو إليه ضرورة المعاملة، فينظر الشاهد إلى الوجه لا غير. رابعا: المعلم ينظر بقدر الحاجة والضرورة»( ).
ثم يبين رفاعة أنَّه «يجوز سماع صوتها، والإصغاء إليه عِنْدَ أمن الفتنة على الأصح، ويجوز لها أنْ تستفتى، وتستشير الرِّجَال. قالت عائشة – رضي الله عنها- "رحم الله نساء الأنصار لم يكن الحياء يمنعهن أنْ يتفقهن في الدِّين"( ). وروى مسلم عن أنس أنَّ أم سليم حدثت أنها سالت النَّبِي عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال رسول الله إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل، فقالت أم سليم واستحيت من ذلك، وهل يكون ذلك؟ قال: فمن أين يكون الشبه؟"( )»( )
ويستطرد الطَّهْطَاوِيّ في موضع آخر مبَينًا فرضية الحجاب عِنْدَ حديثه عن نزول آية الحجاب في السنة الرابعة أو الخامسة للهجرة فيقول: «ونزل فيها أيضًا: يَا أَيُّهَا النَّبِي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ( )» ثم يبين المراد من هذه الآية فيقول: «والجلابيب جمع جلباب، وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقيل هي كل ما يُسْتَتَرُ به من كساء وغيره، قال ابن عباس: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رءوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينًا ليعلم أنَّهن حرائر، وهو قوله تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ أي لا يتعرض لهن بخلاف الإماء، فلا يغطين وجوههن» ( ).
فهذا واضح الدلالة على إيمان رِفَاعَةَ بوجوب تغطية المرأة لوجهها ورأسها على نحو مانقله عن ابن عباس .
أما عن الاختلاط فيرى الطَّهْطَاوِيّ أنَّه منهي عنه في ديار الإِسْلام، «وأنَّ اختلاط الرِّجَال بالنِّسَاء هو عادة البلاد التي تبيح ذلك، بناء على قانون الحرية المؤسس عليه تمدن تلك البلاد، وهو محض سياسة وضعية بشرية»( ). ويستشهد على ذلك بما روي عن الحسن لا تدعون نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق قبح الله من لا يغار. وورد عنه "الغيرة من الإيمان"( )»( ).
بل إنَّ رفاعةَ يرى أنَّ «أخلاق المرأة وعوائدها الظاهرة لا تخلو عن بعض تخبئة، وأنْ لا تكون جلية، فلا تظهر كالرجل في المحافل العامة، ولا تتماشى في الشوارع والأسواق والمنتزهات، والعادة أنَّ المخدرة لا تخرج من بيتها لشيء من ذلك إلا مع من يعتمد عليه من الرِّجَال، فلا يسوغ لها أنْ تدخل محال المنازهة والفرجة، ولا أنْ تسافر إلا ومعها محرم، أو زوج، أو مَنْ يوثق به، فالغالب عليهن ملازمة البيوت»( ).
ويبين رِفَاعَة عِنْدَ حديثه عَنْ الغيرة ضرورة المحافظة على عدم الاختلاط فيقول: «والطريق المغنية عن الغَيرة أنْ لا يدخل عليها الرِّجَال، وهي لا تخرج إلى السوق، والغَيرة في الريبة محمودة، يحبها الله عز وجل، وفي غيرها مذمومة، ويبغضها الله عز وجل، وكان الصحابة يسدون الكوات التي في الجدران؛ لئلا يطلع منها النِّسَاء على الرِّجَال»( ).
كما رأى رفاعة منع المرأة من تولي السلطنة والقضاء، لما قد ينتج عن هذه الأعمال من اختلاط منهي عنه في ديار الإِسْلام. وهو ما يبينه بقوله: « وإن كان حكماء الرجال يمدحن ربات الفضائل، وينظمونهن في سلك الأصفياء إلا أنهم لا يسوغون لهن الدخول في ميدان فحول الرِّجَال، ولا التخلق بأخلاق الأبطال، ولا ممارسة السياسات الملكية، ولا الرياسات العمومية، فإنَّها ربما أدها ذلك إلى التبرج والمخالطة، فلا يبرئها أحدٌ مما يقال فيها»( ).
ولصيانة المرأة من الفتنة والشبه، والمحافظة على عفتها وكرامتها يرى رِفَاعَة انطلاقًا من الشَّرع الحنيف أنَّه «يحرم سفر المرأة بلا زوج لها أو محرم أو نسوة ثقات، ويحرم تشبههن بالرِّجَال في الملبس والهيئة، كما يحرم تشبه الرِّجَال بهن في ذلك، ويكره لهن ترك الحلي تشبها بالرِّجَال، ومن المعلوم أنَّ التزين المطلوب من النِّسَاء إِنَّمَا هو لأزواجهن، أو لمن في بيوتهن من أنفسهن، لا يتبرجن به للرجال الأجانب، كعادة الأجانب المبنية على اختلاط الرِّجَال بالنِّسَاء، فان هذا لا يخلو من الاستحسان الذي يترتب عليه الافتتان»( ).
وهكذا وجدنا الطَّهْطَاوِيّ قد دعا إلى التزام المرأة المسلمة بتعاليم الإِسْلام، وذلك بالتزامها بالحجاب، وعدم اختلاطها بالرِّجَال، محافظة منها على عفتها وكرامتها، ولتتمكن من أداء وظيفتها تجاه أسرتها ومجتمعها.
وعلى الرغم من وضوح موقف الطَّهْطَاوِيّ من الحجاب والاختلاط وجدنا شبه اتفاق بين الباحثين على التغاضي عن هذه النصوص الواضحة، ناسبين إليه الدَّعْوَة إلى التبرج والسفور والاختلاط، متمسكين بوصفه الذي قدمه للمرأة الفرنسية في كتابه الرحلة، وهو ما لا يصح الاستدلال به على تلك الدَّعْوَة على النحو الذي سبق أن بَينَاه، وهذا الكلام الذي ذكره رِفَاعَة في الأمر بالحجاب والنهي عن التبرج والاختلاط، هو الذي التزم به، وألزم به المجتمع رجالا ونساء، مادام لا يخرج عن تعاليم الإِسْلام.
ثم تعرض المؤلف لذكر أقوال الباحثين ومناقشتها..................... وللحديث بقية
وبعد
إن كثيرا مما يطرح بالنسبة للشخصيات المنتمية للفكر في القرنيين الماضيين يحتاج إلى إعادة نظر، وإعادة قراءة بإنصاف، ونحن نفخر كمسلمين بما عندنا من قواعد الجرح والتعديل، فلا يكفي مثلا لكي ننسب العلمانية أو الدعوة للتغريب أو للتبرج والسفور لشخص معين أن ننقل كلام من ذكر ذلك عنه، دون أن نرتفع درجة لنقرأ لهذا الشخص بعض ما كتبه.
لاحظت في كثير من المقالات في هذا المنتدى وفي غيره من المنتديات نسبة الدعوة إلى التبرج والسفور والعلمانية والقومية لرفاعة الطهطاوي واكتفى كثير من الكتاب بترديد ما هو شائع دون أن يستدل على ذلك بشيء من أقوال رفاعة التي تبين حقيقة مذهبه وما يستدل به فهو منقول عن غيره، أو مبتور من سياقه.
هذا الكلام ربما لا يقبله كثيرون أو يكون مفاجئا لكثيرين لكن الذي أود أن أقوله ( العدل والإنصاف) (والأمانة العلمية) ( عدم تقليد ما هو شائع ومكرور دون مراجعة) ( المقدمات قبل النتائج)
وأوأيد كلامي هذا بأن أذكر لكم بعض ما ذكره رفاعة الطهطاوي في دعوته إلى التزام النساء بالحشمة والوقار وبالعفاف والحجاب، وذلك من كتاب رفاعة الطهطاوي بين العلمانية والإسلام ط مكتبة دار الحكمة بمصر . ربما يقول البعض إن هذا ليس هو المذهب الوحيد لرفاعة الطهطاوي. فأقول
إذا كان للرجل مذهبان فلماذا نقتصر على أحدهما ونهمل المذهب الآخر؟
فلماذا نقتصر مثلا على بعض النصوص الموهمة التي تدل على دعوة رفاعة للتبرج والسفور ونترك النصوص الأخرى التي تدل على نقيض ذلك، وقد تعلمنا أنه إذا كان في المسألة قولان متعارضان فإما أن نجمع بينهما أو نبحث عن المتقدم والمتأخر للترجيح بينهما، أما أن نتمسك بقول واحد من هذين القولين، ونشنع به على صاحبه فليس هذا من العدل والإنصاف الذي أمرنا به.
المَبْحَث الثاني
موقف الطَّهْطَاوِيّ من الحجاب والاختلاط
حَرَّمَ الإِسْلامُ الزِّنا تحريمًا قطعيًا، وحَرَّمَ كلَ وسيلةٍ تؤدي إليه، فنهى عن التبرج والسفور والاختلاط، وأمر بالحجاب مبتدئًا من الأمر بغض البصر عما لا يحل النظر إليه، والأمر بحفظ الفروج والعورات بالاستتار؛ حتى لا يقع عليها نظر غير المحارم، أمرًا شاملا على المؤمنين والمؤمنات. كما نهى عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، وعن الاختلاط بين الرِّجَال والنِّسَاء، فوضع بذلك من الشرائع ما يضمن صيانة المرأة، وحفظ كرامتها، وشرع عديدًا من الوسائل بغية الحفاط على المجتمع، والحيلولة دون تلوثه بالفواحش.
وقد جاء موقف الطَّهْطَاوِيّ من الحجاب والاختلاط من منظور شرعي سلفي، معارضًا بذلك قاسم أمين وغيره من دعاة تحرير المرأة المزعومين.
يرى رِفَاعَةُ أنَّه: «لا يليقُ من النِّسَاءِ إلا كمال الصِّيانة والعفة، وسلوك سبيل الحياء أكثر مما يطلب من الرِّجَال، فإنَّ الحياء ممدوحٌ، وعدمه مذمومٌ»( ).
ويؤكد المعنى نفسه بقوله « فالمرأة متى خلعت ثوب الحياء فكأنَّها تنازلت عن سلوك سبيل العفاف والصون، حَيْثُ إنَّ خَلْعَ ثوب الحياء منها علامةٌ قويةٌ على نية خدش الأمانة، التي يترتب عليها من العواقب الوخيمة ما لانهاية له... ومجمع العفة والتصون آية وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ( ) فقد نهيت المرأة أنْ تنظر إلى غير زوجها، كما أنْ الرجل كذلك لصدق المحبة»( ).
ولتحقيق العفة والتصون دعا رِفَاعَة إلى التزام النِّسَاء بالحجاب، وعدم اختلاطهن بالرِّجَال، ومزاحمتهن لهم، ولذلك فهو يرى أنْ الأفضل لهن أن يلزمن بيوتهن؛ ليقمن بواجبهن تجاه أهلهن، وليقين أنفسهن من الفتنة يقول: « فالغالب عليهن ملازمة البيوت؛ لحفظ المسكن، ونظافة المجلس، وطيب المأكل، والأنس مع الزوج، وتربية الولد، وحفظ العين من المحارم، وتعهد من في البيت عن حصول المرض، وهذا غير شغل الرجل»( ).
أما عن التزام النِّسَاء بالحجاب فيرى أنَّه من الآداب الإِسْلاميَّة التي يجب على المرأة المسلمة أن تلتزم بها يقول: «يجب على المرأة الاحتجاب من الأجانب، ويحرم على الرجل النظر إلى شيء من المرأة الأجنبية، ولو زوجة لأخيه، أو أختًا لزوجه، ولو في حالة أمن الفتنة، وكذلك نظر المرأة إلى الأجنبي حرام- ولو زوجًا لأختها- ما لم
يكن محرمًا، ويحرم أنْ يخلو رجل بأجنبية»( ).
ويستدل على حرمة خلو الرجل بالمرأة بما رواه البخاري عن ابن عباس مرفوعًا: "لا يخلون رجل مع غير ذي محرم"( ).
ثم يبين أنَّه: «لا بأس أنْ يخلو رجال أو عدة رجال بنسوة ثقات، لا رجل أو عدة رجال بواحدة، وأما ذوو المحارم من النسب والرضاع والمصاهرة، وهم الذين لا يحل تزوج بعضهم بعضًا فتجوز لهم الخلوة»( ).
ويستثني رفاعة من قوله بعدم جواز نظر الرجال إلى المرأة الأجنبية حالات يعدها من قبل الضرورة فيقول: « ولا يجوز النظر فيما لا يحل إلا بأسباب أحدها: النظر للمداواة بقدر الحاجة. ثانيها: النظر للوجه والكفين لمن يريد أن يتزوجها. ثالثها: النظر في المعاملة المفتقرة للشهادة عليها والتعريف لها، ونحو ذلك مما تدعو إليه ضرورة المعاملة، فينظر الشاهد إلى الوجه لا غير. رابعا: المعلم ينظر بقدر الحاجة والضرورة»( ).
ثم يبين رفاعة أنَّه «يجوز سماع صوتها، والإصغاء إليه عِنْدَ أمن الفتنة على الأصح، ويجوز لها أنْ تستفتى، وتستشير الرِّجَال. قالت عائشة – رضي الله عنها- "رحم الله نساء الأنصار لم يكن الحياء يمنعهن أنْ يتفقهن في الدِّين"( ). وروى مسلم عن أنس أنَّ أم سليم حدثت أنها سالت النَّبِي عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال رسول الله إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل، فقالت أم سليم واستحيت من ذلك، وهل يكون ذلك؟ قال: فمن أين يكون الشبه؟"( )»( )
ويستطرد الطَّهْطَاوِيّ في موضع آخر مبَينًا فرضية الحجاب عِنْدَ حديثه عن نزول آية الحجاب في السنة الرابعة أو الخامسة للهجرة فيقول: «ونزل فيها أيضًا: يَا أَيُّهَا النَّبِي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ( )» ثم يبين المراد من هذه الآية فيقول: «والجلابيب جمع جلباب، وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقيل هي كل ما يُسْتَتَرُ به من كساء وغيره، قال ابن عباس: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رءوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينًا ليعلم أنَّهن حرائر، وهو قوله تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ أي لا يتعرض لهن بخلاف الإماء، فلا يغطين وجوههن» ( ).
فهذا واضح الدلالة على إيمان رِفَاعَةَ بوجوب تغطية المرأة لوجهها ورأسها على نحو مانقله عن ابن عباس .
أما عن الاختلاط فيرى الطَّهْطَاوِيّ أنَّه منهي عنه في ديار الإِسْلام، «وأنَّ اختلاط الرِّجَال بالنِّسَاء هو عادة البلاد التي تبيح ذلك، بناء على قانون الحرية المؤسس عليه تمدن تلك البلاد، وهو محض سياسة وضعية بشرية»( ). ويستشهد على ذلك بما روي عن الحسن لا تدعون نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق قبح الله من لا يغار. وورد عنه "الغيرة من الإيمان"( )»( ).
بل إنَّ رفاعةَ يرى أنَّ «أخلاق المرأة وعوائدها الظاهرة لا تخلو عن بعض تخبئة، وأنْ لا تكون جلية، فلا تظهر كالرجل في المحافل العامة، ولا تتماشى في الشوارع والأسواق والمنتزهات، والعادة أنَّ المخدرة لا تخرج من بيتها لشيء من ذلك إلا مع من يعتمد عليه من الرِّجَال، فلا يسوغ لها أنْ تدخل محال المنازهة والفرجة، ولا أنْ تسافر إلا ومعها محرم، أو زوج، أو مَنْ يوثق به، فالغالب عليهن ملازمة البيوت»( ).
ويبين رِفَاعَة عِنْدَ حديثه عَنْ الغيرة ضرورة المحافظة على عدم الاختلاط فيقول: «والطريق المغنية عن الغَيرة أنْ لا يدخل عليها الرِّجَال، وهي لا تخرج إلى السوق، والغَيرة في الريبة محمودة، يحبها الله عز وجل، وفي غيرها مذمومة، ويبغضها الله عز وجل، وكان الصحابة يسدون الكوات التي في الجدران؛ لئلا يطلع منها النِّسَاء على الرِّجَال»( ).
كما رأى رفاعة منع المرأة من تولي السلطنة والقضاء، لما قد ينتج عن هذه الأعمال من اختلاط منهي عنه في ديار الإِسْلام. وهو ما يبينه بقوله: « وإن كان حكماء الرجال يمدحن ربات الفضائل، وينظمونهن في سلك الأصفياء إلا أنهم لا يسوغون لهن الدخول في ميدان فحول الرِّجَال، ولا التخلق بأخلاق الأبطال، ولا ممارسة السياسات الملكية، ولا الرياسات العمومية، فإنَّها ربما أدها ذلك إلى التبرج والمخالطة، فلا يبرئها أحدٌ مما يقال فيها»( ).
ولصيانة المرأة من الفتنة والشبه، والمحافظة على عفتها وكرامتها يرى رِفَاعَة انطلاقًا من الشَّرع الحنيف أنَّه «يحرم سفر المرأة بلا زوج لها أو محرم أو نسوة ثقات، ويحرم تشبههن بالرِّجَال في الملبس والهيئة، كما يحرم تشبه الرِّجَال بهن في ذلك، ويكره لهن ترك الحلي تشبها بالرِّجَال، ومن المعلوم أنَّ التزين المطلوب من النِّسَاء إِنَّمَا هو لأزواجهن، أو لمن في بيوتهن من أنفسهن، لا يتبرجن به للرجال الأجانب، كعادة الأجانب المبنية على اختلاط الرِّجَال بالنِّسَاء، فان هذا لا يخلو من الاستحسان الذي يترتب عليه الافتتان»( ).
وهكذا وجدنا الطَّهْطَاوِيّ قد دعا إلى التزام المرأة المسلمة بتعاليم الإِسْلام، وذلك بالتزامها بالحجاب، وعدم اختلاطها بالرِّجَال، محافظة منها على عفتها وكرامتها، ولتتمكن من أداء وظيفتها تجاه أسرتها ومجتمعها.
وعلى الرغم من وضوح موقف الطَّهْطَاوِيّ من الحجاب والاختلاط وجدنا شبه اتفاق بين الباحثين على التغاضي عن هذه النصوص الواضحة، ناسبين إليه الدَّعْوَة إلى التبرج والسفور والاختلاط، متمسكين بوصفه الذي قدمه للمرأة الفرنسية في كتابه الرحلة، وهو ما لا يصح الاستدلال به على تلك الدَّعْوَة على النحو الذي سبق أن بَينَاه، وهذا الكلام الذي ذكره رِفَاعَة في الأمر بالحجاب والنهي عن التبرج والاختلاط، هو الذي التزم به، وألزم به المجتمع رجالا ونساء، مادام لا يخرج عن تعاليم الإِسْلام.
ثم تعرض المؤلف لذكر أقوال الباحثين ومناقشتها..................... وللحديث بقية