المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلان إدراك الحقائق الرياضية من منظور الفلسفة النقدية الواقعية.



عبدالله الشهري
02-10-2012, 10:55 PM
نطاق إدراكنا يتيح لنا إدراك جنس محدد (a certain species) من عائلة الحقائق الرياضية المضمّنة - على نحو لا نعرفه بعد - في نسيج الكون. فحتى على القول بأن تلك الحقائق مردُّها إلى طبيعة تركيب الإدراك الذي زودنا به التطور فإن هذا لا يعني أكثر من اتساع متدرّج لنطاق الإدراك ينفتح من خلاله في كل مرة على مرتبة من مراتب تلك الحقائق [1]. نعم قد نخترع لغة الرياضيات ولكنّا لا نخترع المدخلات الرياضية (input) المضمّنة في بناء الكون والتي هي بمثابة المحفز (catalyst) لما يمكن أن يقابلها في تركيب النطاق المضروب على إدراكنا. فالقول بأن الرياضيات مخترعة صحيح من جهة أنها "لا معلوم" يتحول إلى "معلوم" من خلال كائن "مدرك" ولكن القول بأنها مكتشفة أيضاً صحيح من حيث أنّه لم يكن لهذا "اللامعلوم" أن يتحول إلى "معلوم" إلا في سياق محدد أو لنقل بعبارة أخرى: تحقق معنى الاكتشاف موقوف على أسبقية السياق الذي يُراد اكتشاف ما فيه، أما تحقق معنى الاختراع فهو موقوف على وجود كائن يبتكر المواضعة لما اكتشفه. وهنا - مرة أخرى - لا قِبَل لهذا الكائن باكتشاف ما لا يأذن به نطاق إدراكه وبالتالي لا قِبَل له بابتكار المواضعة لشيء لم ولن تعهده خبرته البشرية.

...سوف نرى في نهاية المطاف أن هذا متأيد بالتصور الإسلامي للإدراك وعلاقته بالكون من حوله.

فإلى ذلك الحين بحول الله وقوته.

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
[1] وبالمناسبة هذا يصدق على جميع الكائنات، تقريباً ربما. فكل كائن حي يتمتع بأدنى درجة من درجات الوعي يتصرّف في أحوال معينة بناء على تفاعل وعيه مع المدخلات الرياضية المضمّنة في العالم الذي يعيش فيه ولكن بحسب النطاق الإدراكي الخاص به. خذ على سبيل المثال مهارة الاستشعار عند الخفاش، والتحليق عند الطائر، والانقضاض عند النمر، وتأرجح القرد بين الأشجار، فكلها سلوكيات تتطلب تقديرات رياضية من نوع ما. الذي يجعل الإنسان متميزاً هو أن نطاق وعيه متسع على نحو يأذن له بالانفتاح على مساحات أعظم (breadth) ودرجات أعمق (depth) من المدخلات الرياضية المُضمّنة في نسيج الكون. بقي نقطة أخرى مهمة هي أن الحقائق الرياضية أيضاً يصدق عليها أنها مخترعة ومكتشفة في حق كل كائن من هذه الكائنات الحية الواعية، إلا أن لغة تعرّفها عليها تختلف عن تلك التي لدى الإنسان كما أن السياق المتضمن لتلك الحقائق والذي يكتشف فيه وعيها ما يطيقه منها هو متقدم على وجودها.