المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مناظرة حوار بين مسلم ولاديني-ابن عبد البر والربوبي



كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-09-2012, 12:25 AM
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35378
تعليقات

ابن عبد البر الصغير
02-09-2012, 01:55 AM
الحمد لله البر الجواد الكريم، والصلاة والسلام على نبينا محمد إمام المرسلين والمبعوث رحمة للعالمين . أما بعد.

أشكر الأخ الكريم عاطفا على مجهوداته الطيبة المباركة في التنسيق لمثل هذه الحوارات، جزاه الله عن المسلمين خير الجزاء، كما أشكر الإدارة على فتحها لهذا القسم وسهرها على الإشراف والمتابعة، جعله الله في ميزان حسناتهم .

كما أشكر الزميل الربوبي، على مجيئه لهذا المنتدى، ومبادرته الطيبة في الدخول إلى غمار الحوار على هذا الصرح، وهي فرصة لنا وله للتمحيص والتقليب بعيدا عن أدران العناد والتعصب. وشروطي التي لا أرى بدا من أن يلتزم بها طرفي المناظرة هي كالآتي :

1- إخلاص النية لله عز وجل، سواء من العبد الفقير إليه أو من الزميل الربوبي، والتجرد والإنصاف، التجرد في طلب الحق وإنصاف المخالف، وطلب التوفيق من الله عز وجل حتى يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

2- تذكر أن القصد من المناظرة بيان الحق من الباطل، وليس إفحام شخص أو مباهاة وإبراز للعضلات ووقوع في الرياء.

3- تجنب الكلمات المفضية إلى تعكير صفو المناظرة، كأن يستهزىء بالخصم، أو يصفه بالغباء أو البلادة، أو يسيء إلى معتقد الآخر بألفاظ استفزازية أو يضمن مداخلته لمزا معيبا، فكل ذلك من الصوارف عن الحق، الكفيلة بقذف المناظرة إلى غياهب التعنت والتكبر، وقطع مادة الفهم والخاطر.

4- تجنب التطويل في المداخلة، فالكلام إن طال دون داع اشتمل على إطناب تمجه الآذان وتمله القلوب وتضيق به الأعين، فتصبح المداخلة الواحدة بطول عشر صفحات - وورد- فما فوق، فيصبح المعقب عوض القراءة الفاحصة يمر مرور الكرام .

5- عدم إغفال نقطة من النقط أثناء الرد، فهناك من يحب الانتقاء في المداخلة، فيرد على نقط ويغفل أخرى، أو يقتبس اقتباسا يتضمن سبع نقط على سبيل المثال فلا يرد إلا على ثلاث.

6- البدأ بالأصول ابتداءا ثم الفروع انتهاءا، ولا ننتقل من نقطة حتى نفرغ منها .

7- تجنب التفريع أثناء عرض الأفكار، فلا يصح إن كان مدار البحث حول نقطة معينة أن يثير المحاور في معرض رده أفكارا أخرى فيصبح مناظره مضطرا لإفراد كل جملة بمداخلة .

8- تحرير المصطلحات، ومحل النزاع.

9- قصد التصريح وتجنب التلويح .

10- الابتعاد عن حيل التناظر: كالإجمال، وإغفال موضع الإلزام، والتعلق بالهوامش، والتقطيع، والتظلم والتشنيع، وغيره مما هو مشهور عند أهل الجدل.

فإن اتفقنا على هذا انتقلنا إلى شروط الأصول الاعتقادية . والله الموفق.

الربوبي
02-11-2012, 05:32 AM
الأخ الفاضل ... إبن عبد ربه

تحية تقدير وإحترام ، والشكر موصول لك أيضاً للموافقة على خوض هذا الحور رغم مشاغلك الكثيرة ... والشكر الجزيل أيضاً للأخ عاطف على مجهوده المميز في إطلاق هذا الحوار ...

والأخوة المداخلين والمتابعين لهم شكر خاص مني... وأعدهم ببذل قصارى جهدي من أجل حوار مثمر ... صحيح أني سأقوم بإطلاق بعض النيران على ثوابت إسلامية ، فأستبيحهم عذراً على ذلك ، وأبشرهم بأن نيراني تلك لن تزيد الحق إلا تمحيصاً وجلاءاً بإذن الله .

بالنسبة للشروط التي أقترحتها أخي الفاضل إبن عبد ربه ، فهي شروط جيدة عموماً وليس لي أي إعتراض عليها ... فقط الشرط الأول لدي بعض التحفظات عليه وهي تحفظات أظنها مفهومة ومقدرة من جانبك ، وعلى أي حال أقول لك بأن التجرد في طلب الحق وإنصاف المخالف هو شئ أحرص عليه كل الحرص .

أما بالنسبة لشروطي ... فلدي شرط وحيد جامع للحوار (أحسبه في غاية الأهمية لبناء حوار بناء ومثمر) ... وهذا الشرط هو "ضرورة الإحتكام للعقل والمنطق كأساس لهذا الحوار" .


فأنا أعتقد بأن هناك وسيلة واحدة فقط للحكم على صحة أو خطأ الإسلام ... هذه الوسيلة هي العقل ... وحتى لو إتُهِمَ العقل بالقصور ، فإنه يبقى (من وجهة نظري) هو المصدر الوحيد للمعرفة وللحكم على الأشياء ... فعلى قدر عقولنا يجب أن يكون تكليفنا وعلى قدر عقولنا يجب أن يقدم لنا الأنبياء الأدلة على صدق رسالاتهم .


وهناك مثال يحلو لي أن أسوقه لبيان وجهة نظري تلك ... وهو مثال لقاضي في ساحة المحكمة ... أمامه شخص متهم بالقتل وهناك أدلة تدين ذلك المتهم ، ولكن قلب القاضي يقول له أن هذا الشخص بريء ... إجتهد القاضي في البحث والتدقيق ولم يترك مجالاً لإثبات براءة ذلك الشخص ، إلا أن الأدلة ضد ذلك المتهم كانت قوية ... أصدر القاضي حكمه بالإدانة وحكم علي المتهم بالإعدام ... إتضح فيما بعد أن هذا المتهم بريء ولم يرتكب الجرم وأن الأدلة كانت غير صحيحة ... فهل أخطأ القاضي لأنه إعتمد على عقله ولم يعتمد على حدسه الذي كان يقول له بأن هذا الشخص بريء ... بالطبع ليس من الإنصاف لوم القاضي لأنه إستخدم عقله ولم يركن لعاطفته ... وما أردت بيانه عبر هذا المثال هو أن العقل رغم أنه قد يخطئ فيما تصيب العاطفة ، إلا أن ذلك هو الإستثناء و ليس القاعدة ، ويظل العقل هو الأفضل وهو الأساس الذي يجب أن يعتمد عليه في عمل الأحكام .

والأهم من ذلك هو أن عدالة الله (من وجهة نظري) تقتضي بأن لا يؤاخذنا على النتيجة التي وصلنا لها بعد تحكيم عقولنا في مدى صحة الإسلام ، بغض النظر عن تلك النتيجة ... طالما أننا إستخدمنا عقولنا بشكل مناسب وبدون تحيز أو أهواء ... وأحسب أنني لو وقفت يوماً بين يدي الله العادل ، وقد أوصلني استخدام العقل لقناعة بعدم صحة الإسلام ، أحسب بأنني سأحصل على عفوه حتى لو كان الإسلام صحيحاً .


التطبيق العملي لكل ما سبق على حوارنا المرتقب هو ضرورة التقيد بما يقتضيه العقل والمنطق في إثبات صحة الإسلام ، فإن إستطعت أن تبرهن لي عقلاً على صحة الإسلام فسأكون لك من الشاكرين ...

وبالإضافة للشرط السابق ، أحب أن أضيف بعض الأساسيات التي أراها ضرورية لإجراء حوار بناء ، وألخصها فيما يلي

• ضرورة قيام المحاور بإبراز فكرته بشكل جيد وبإختصار ، فلا يعتمد على رابط يضعه ويطلب من محاوره أن يرد على ما ورد في ذلك الرابط ... فالحوار يجب أن يكون بين أشخاص وليس بين روابط ، وإن أراد المحاور وضع رابط كشئ إضافي فله ذلك ... كذلك يتطلب الحوار الجيد عدم الإعتماد على القص واللصق ... فلو رأى المحاور رأياً جيداً يدعم وجهة نظره في مصدر ما ، فله أن يلخص ذلك الرأي ويقدمه بشكل لا أن ينسخه بكل ما فيه مما هو متعلق أو غير متعلق بموضوع الحوار .

• عدم الإعتماد على المنطق الدائري في إثبات صحة الأشياء ... فلا أرى أن من المنطقي أن نستدل على صحة شئ ما من خلال أشياء مبنية على إفتراض صحة ذلك الشئ ... على سبيل المثال عندما يقول القرآن عن الرسول (وأنك لعلى خلق عظيم) فلا يصح إستخدام تلك الآية كدليل على عظم أخلاق الرسول عند حوار من لا يؤمن بأن القرآن كتاب منزل .

• وبخلاف مغالطة المنطق الدائري في الإثبات هناك عدد من المغالطات المنطقية التي يمكن أن تؤدي لإستنتاجات خاطئة ... ولا يتسع المجال لذكرها هنا ولكن يمكن مطالعتها في الويكيبيديا على الرابط التالي :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%BA%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A9

وبالطبع مراجعة الموضوع باللغة الفرنسية أو الإنجليزية في حال إلمامك بإحداهما سيكون أفضل ... ولعل بعض تلك المغالطات تنطبق على ما أشرت له في شرطك الأخير للحوار والمتعلق بحيل التناظر .

• ويجب الإتفاق كذلك على مستوى الأحاديث النبوية المقبولة والإلتزام بذلك في الحوار ... فهل سنقبل فقط ما ورد في الصحيحين دون سواها ، أم كل ما ورد في الصحاح الستة وما في حكمها ، أم نقبل فقط ما صحح بواسطة المحدثين ونستبعد صحيح الإسناد وما شابهه ... أم أننا سنقبل بكل ما يدخل في نطاق الصحة ولو كان حسناً ... ويجب أن نتفق أيضاً في من له الحق في تضعيف الأحاديث التي صححها المحدثون ومن له الحق تضعيفها ... ومن خلال اطلاعي على مداخلاتك السابقة في المنتدى وجدتك حجة في هذا الجانب ، لذا أنا أوافق مبدأياً على أي معيار ترجحه لقبول أو رفض الأحاديث .... والفكرة الأساسية هي إستبعاد الإنتقائية في تصحيح وتضعيف الأحاديث وفقاً لما يدعم وجهة نظر المحاور .

هذا هو تصوري لضوابط الحوار البناء ... وفي إنتظار تعليقك عليها ... وقد كنت بصدد الإستمرار في مداخلتي هذه وتقديم تصوري لنهج الحوار وإطاره ، ولكني فضلت التريث لحين تناول "الشروط الإعتقادية" التي أشرت لها في مداخلتك السابقة .


مع فائق تحياتي

ملحوظة : فاتني الإشارة لطلب عدم المؤاخذة في حال ذكري للرسول بدون الصلاة والتسليم عليه ... فهذا ينافي معتقدي ، كما لا أظن أن ذكر إسم الرسول أو صفته بدون صلاة ينقص من قدره .

ابن عبد البر الصغير
02-15-2012, 06:19 AM
الزميل الربوبي، تحية طيبة ..


والأخوة المداخلين والمتابعين لهم شكر خاص مني... وأعدهم ببذل قصارى جهدي من أجل حوار مثمر ... صحيح أني سأقوم بإطلاق بعض النيران على ثوابت إسلامية ، فأستبيحهم عذراً على ذلك ، وأبشرهم بأن نيراني تلك لن تزيد الحق إلا تمحيصاً وجلاءاً بإذن الله .

طبعا في المناظرة يحق لك نقد الإسلام وعرض فكرتك، كما يحق لنا كذلك نقض معتقدك، لكن مراعاة أدب الحوار وكسو الألفاظ واجبة، والمشرف حكمٌ بيننا يتدخل إن كان في مداخلة احدنا تجاوزات. وكلٌ يحسن إطلاق النيران لكن وصولها من عدمه هي الغرض والأساس.


بالنسبة للشروط التي أقترحتها أخي الفاضل إبن عبد ربه ، فهي شروط جيدة عموماً وليس لي أي إعتراض عليها ... فقط الشرط الأول لدي بعض التحفظات عليه وهي تحفظات أظنها مفهومة ومقدرة من جانبك ، وعلى أي حال أقول لك بأن التجرد في طلب الحق وإنصاف المخالف هو شئ أحرص عليه كل الحرص .

الشرط الأول هو العمدة، وإلا فما نفع مناظرتنا إن كنا غير متجردين منصفين سائلين الله التوفيق ؟ والربوبي يعترف بوجود خالق للكون يجيب الدعوات فأستغرب إعراضك، إلا إن كنتَ لادينيا لك مذهب لم يذهب إليه غيرك.


بالنسبة لشروطي ... فلدي شرط وحيد جامع للحوار (أحسبه في غاية الأهمية لبناء حوار بناء ومثمر) ... وهذا الشرط هو "ضرورة الإحتكام للعقل والمنطق كأساس لهذا الحوار" .


فأنا أعتقد بأن هناك وسيلة واحدة فقط للحكم على صحة أو خطأ الإسلام ... هذه الوسيلة هي العقل ... وحتى لو إتُهِمَ العقل بالقصور ، فإنه يبقى (من وجهة نظري) هو المصدر الوحيد للمعرفة وللحكم على الأشياء ... فعلى قدر عقولنا يجب أن يكون تكليفنا وعلى قدر عقولنا يجب أن يقدم لنا الأنبياء الأدلة على صدق رسالاتهم .


العقل عندنا موصل إلى الحق إن شاء المولى، وسيكون حوارنا عقليا منطقيا خالصا مدعما بالحس والخبر، ولا خلاف في هذا.


وهناك مثال يحلو لي أن أسوقه لبيان وجهة نظري تلك ... وهو مثال لقاضي في ساحة المحكمة ... أمامه شخص متهم بالقتل وهناك أدلة تدين ذلك المتهم ، ولكن قلب القاضي يقول له أن هذا الشخص بريء ... إجتهد القاضي في البحث والتدقيق ولم يترك مجالاً لإثبات براءة ذلك الشخص ، إلا أن الأدلة ضد ذلك المتهم كانت قوية ... أصدر القاضي حكمه بالإدانة وحكم علي المتهم بالإعدام ... إتضح فيما بعد أن هذا المتهم بريء ولم يرتكب الجرم وأن الأدلة كانت غير صحيحة ... فهل أخطأ القاضي لأنه إعتمد على عقله ولم يعتمد على حدسه الذي كان يقول له بأن هذا الشخص بريء ... بالطبع ليس من الإنصاف لوم القاضي لأنه إستخدم عقله ولم يركن لعاطفته ... وما أردت بيانه عبر هذا المثال هو أن العقل رغم أنه قد يخطئ فيما تصيب العاطفة ، إلا أن ذلك هو الإستثناء و ليس القاعدة ، ويظل العقل هو الأفضل وهو الأساس الذي يجب أن يعتمد عليه في عمل الأحكام .

المثال به مغالطة منطقية، لأنك فصلتَ بين العقل والفطرة و القلب، وجعلتها منفصلة متباينة، في حين أنا نقرر بأن صحيح العقل موافق لسليم الفطرة ووعي القلب، وعموما اتجاوز هذه النقطة لأننا بصدد الاتفاق على الشروط ولم تبدأ المناظرة بعد.


والأهم من ذلك هو أن عدالة الله (من وجهة نظري) تقتضي بأن لا يؤاخذنا على النتيجة التي وصلنا لها بعد تحكيم عقولنا في مدى صحة الإسلام ، بغض النظر عن تلك النتيجة ... طالما أننا إستخدمنا عقولنا بشكل مناسب وبدون تحيز أو أهواء ... وأحسب أنني لو وقفت يوماً بين يدي الله العادل ، وقد أوصلني استخدام العقل لقناعة بعدم صحة الإسلام ، أحسب بأنني سأحصل على عفوه حتى لو كان الإسلام صحيحاً .

وهذا أيضا غير مُسلَّم، وقد ابتعث هذه الفكرة غويو في كتابه " إلحاد المستقبل" وفرح بها اللادينيون والربوبيون، غير أنها أضغات أحلام سنبين تهافتها حين المناظرة.


التطبيق العملي لكل ما سبق على حوارنا المرتقب هو ضرورة التقيد بما يقتضيه العقل والمنطق في إثبات صحة الإسلام ، فإن إستطعت أن تبرهن لي عقلاً على صحة الإسلام فسأكون لك من الشاكرين ...

لا خلاف.

وعموما كل الشروط مقبولة إجمالا، إلا هذه ستؤجل:


ويجب الإتفاق كذلك على مستوى الأحاديث النبوية المقبولة والإلتزام بذلك في الحوار ... فهل سنقبل فقط ما ورد في الصحيحين دون سواها ، أم كل ما ورد في الصحاح الستة وما في حكمها ، أم نقبل فقط ما صحح بواسطة المحدثين ونستبعد صحيح الإسناد وما شابهه ... أم أننا سنقبل بكل ما يدخل في نطاق الصحة ولو كان حسناً ... ويجب أن نتفق أيضاً في من له الحق في تضعيف الأحاديث التي صححها المحدثون ومن له الحق تضعيفها ... ومن خلال اطلاعي على مداخلاتك السابقة في المنتدى وجدتك حجة في هذا الجانب ، لذا أنا أوافق مبدأياً على أي معيار ترجحه لقبول أو رفض الأحاديث .... والفكرة الأساسية هي إستبعاد الإنتقائية في تصحيح وتضعيف الأحاديث وفقاً لما يدعم وجهة نظر المحاور .

فلا أدري أي تصور عندك في مناظرتنا، لأنه قد سبق وأشرتُ إلى أن الحوار سيكون في الأصول الاعتقادية أولا، فحينما نفرغ من الأصول نأتي إلى الفروع والوارد في السنة والشبهات وغيرها . وحينما نصل إلى تلكم النقط سننظر في مناهج المحدثين وغيرهم.

أما الصلاة والسلام على نبينا، فلستَ مأمورا بها، فالخطاب الرباني جاء ملزما لأهل الإيمان، فلك ان تقول حين الكلام عنه صلى الله عليه وسلم : " رسول الإسلام" " نبي المسلمين " وغيره من هذه الاشتقاقات.

والشروط الاعتقادية لا يصح ذكرها قبل الاتفاق على الشروط الحوارية، لهذا ففضلا استكمل شروطك حتى نبدأ . وقد سبق للأخ الكريم عاطف أن أخبرك بأن المناظرة ستمر بطيئة نوعا ما، وقد تصل إلى معدل مشاركة في الأسبوع في بعض الأحيان نظرا لبعض الالتزامات والأسفار. غير أني أضمن لك أنها ستكون تفصيلية وسأعطيها حقها في التحرير .

وكما لا يخفى فإن المناظرة مآلها إلى " إلزام المانع" أو " إفحام المدعي"، فيُلزم المشرف المانع إذا عجز عن متابعة التعرض للدعوى، ويفحم المدعي إذا عجز عن إقامة الدليل على دعواه المعتَرض عليها. وكما ستمحص أصول اعتقادنا، فإنا سنمحص أصولك العقدية أيضا.

والله الموفق والمستعان.

الربوبي
02-15-2012, 10:14 AM
الزميل إبن عبد ربه .... تحية طيبة


أرى أننا متفقين حول معظم النقاط ، وسأعلق فيما يلي فقط على بعض الأشياء في مداخلتك والتي حملت تحفظات على مداخلتي الأخيرة



الشرط الأول هو العمدة، وإلا فما نفع مناظرتنا إن كنا غير متجردين منصفين سائلين الله التوفيق ؟ والربوبي يعترف بوجود خالق للكون يجيب الدعوات فأستغرب إعراضك، إلا إن كنتَ لادينيا لك مذهب لم يذهب إليه غيرك.


ما تحته خط هو مربط الفرس ... فالربوبية التي هي عقيدتي لا تستدعي قيام خالق الكون بإجابة الدعاء ... ويمكنك الرجوع للرابط التالي لمزيد من المعلومات حول تلك العقيدة


http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D8%A8%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9

فنحن نؤمن بإله خلق الكون ووضع القوانين والنظم التي تحكم سيره ، ولكن لا يتدخل بعد ذلك في تسييره وبالتالي هو لا يجيب الدعاء

أما إخلاص النية لله ، فهو مطلب مبدأياً ليس لدي إعتراض عليه ، وإن كنت أفهمه بشكل مختلف كثيراً عن الفهم الإسلامي الذي إنطلقت منه كلماتك .



المثال (مثال القاضي الذي يجتهد لكي يحكم بعقله كبديل عن الحكم بعاطفته أو حدسه) هو مثال به مغالطة منطقية، لأنك فصلتَ بين العقل والفطرة و القلب، وجعلتها منفصلة متباينة، في حين أنا نقرر بأن صحيح العقل موافق لسليم الفطرة ووعي القلب، وعموما اتجاوز هذه النقطة لأننا بصدد الاتفاق على الشروط ولم تبدأ المناظرة بعد.


وأنا أيضاً سأتجاوز عن إعتراضك ، طالما أنه غير شديد التعلق بنقاش الشروط ، وهو ما نحن بصدده الآن



أنا قلت : والأهم من ذلك هو أن عدالة الله (من وجهة نظري) تقتضي بأن لا يؤاخذنا على النتيجة التي وصلنا لها بعد تحكيم عقولنا في مدى صحة الإسلام ، بغض النظر عن تلك النتيجة ... طالما أننا إستخدمنا عقولنا بشكل مناسب وبدون تحيز أو أهواء ... وأحسب أنني لو وقفت يوماً بين يدي الله العادل ، وقد أوصلني استخدام العقل لقناعة بعدم صحة الإسلام ، أحسب بأنني سأحصل على عفوه حتى لو كان الإسلام صحيحاً .



فكان ردك : وهذا أيضا غير مُسلَّم، وقد ابتعث هذه الفكرة غويو في كتابه " إلحاد المستقبل" وفرح بها اللادينيون والربوبيون، غير أنها أضغات أحلام سنبين تهافتها حين المناظرة.

وهذا أيضاً مؤجل للنقاش اللاحق ، ولا بأس في ذلك .

اما بالنسبة لإعتراضك على طلبي بتحديد ما هو مقبول وما هو غير مقبول من الأحاديث المنسوبة للنبي (من وجهة نظرك) ، فهذا ما لم افهم وجه إعتراضك عليه ، أنت إعتبرته من الشروط الإعتقادية وقلت :


فلا أدري أي تصور عندك في مناظرتنا، لأنه قد سبق وأشرتُ إلى أن الحوار سيكون في الأصول الاعتقادية أولا، فحينما نفرغ من الأصول نأتي إلى الفروع والوارد في السنة والشبهات وغيرها . وحينما نصل إلى تلكم النقط سننظر في مناهج المحدثين وغيرهم. والشروط الاعتقادية لا يصح ذكرها قبل الاتفاق على الشروط الحوارية، لهذا ففضلا استكمل شروطك حتى نبدأ .

فأرجو الإنتباه إلى أننا نضع أسساً للحوار من بدايته إلى نهايته ولسنا بصدد نقاش شبهة أو دليل نفي أو إثبات أو ما إلى ذلك ... وبما أن الأحاديث النبوية هي أحد المصادر الهامة المتعلقة بكل أدلة نفي أو إثبات الإسلام تقريباً ، فلربما كان من الأفضل تحديد ما هو الحديث المقبول وما هو الحديث الغير مقبول من وجهة نظركم

وعلى أي حال هو شئ يمكنك التجاوز عنه إذا أردت فلم أطرحه كشرط ملزم .


وكما لا يخفى فإن المناظرة مآلها إلى " إلزام المانع" أو " إفحام المدعي"، فيُلزم المشرف المانع إذا عجز عن متابعة التعرض للدعوى، ويفحم المدعي إذا عجز عن إقامة الدليل على دعواه المعتَرض عليها. وكما ستمحص أصول اعتقادنا، فإنا سنمحص أصولك العقدية أيضا.


اما قولك بأن (مآل المناظرة إلى إلزام المانع أو إفحام المدعي فيُلزم المشرف المانع إذا عجز عن متابعة التعرض للدعوى، ويفحم المدعي إذا عجز عن إقامة الدليل على دعواه المعتَرض عليها) فهذا شئ لدي تحفظ عليه ، وافضل على ذلك مناظرة يطرح فيها كل طرف وجهة نظره ويقيم حجته ويفند حجج الطرف الآخر ، ... أما الإفحام أو الإلزام فهو شئ صعب التحقق منه ، ويحتاج لوسيلة تحكيم محايدة أظن أننا نفتقدها ، فالمشرف مع إحترامي له قد يكون نزيهاً ولكنه ليس محايداً ... ولو جعلنا الإفحام شرطاً فستتوقف تلك المناظرة عند اقرب عقبة في النقاش ، فيظل كل طرف صائلاً وجائلاً محاولاً إثبات صحة وجهة نظره في تلك النقطة المعينة ، وربما كان الأفضل تجاوزها لما بعدها .

كما أن ليس من الضروري أن تكون حصيلة تلك المناظرة منتصر ومهزوم ... يمكنك أن تقتنعي بوجهة نظرك وعندها ساقبل متطوعاً على الإقرار بأن الحق هو في جانب طرحك ... أو أقنعك بوجهة نظري وعندها أتوقع إقرارك طوعاً بأن الحق هو في جانبي .... لكن ما أتصور حدوثه غالباً هو أن تنجح في إقناعي جزئياً أو أنجح في إقناعك جزءياً ، وعندها سيبدأ الطرف صاحب المنطق الأضعف في مراجعة أفكاره وقناعاته ، وهي عملية تستغرق وقتاً طويلاً (فالقناعات الفكرية تستوي عادة على نار هادئة)

من وجهة نظري ، لو كان هناك مجال للإفحام في مسألة القناعات الدينية ، ربما لما كان هناك تعدد أديان ولما كان هناك كفر وإيمان ، ولكن الموضوع للأسف فيه قدر كبير من النسبية ... فأرجو أن تكون متفهما لذلك ... وعلى كل حال أعيد التأكيد من جانبي بأنك لو أقنعتني بوجهة نظرك فلدي الشجاعة الكافية للإقرار بذلك .

--------------------------------------------------------------
خلاصة ما تقدم ... هو أننا متفقين تقريباً على الاساس الذي ستتم المناظرة وفقاً له ... ظهر الخلاف فقط في النقطة الأخيرة التي طرحتها والتي قلت فيها (المناظرة مآلها إلى " إلزام المانع" أو " إفحام المدعي"، فيُلزم المشرف المانع إذا عجز عن متابعة التعرض للدعوى، ويفحم المدعي إذا عجز عن إقامة الدليل على دعواه المعتَرض عليها) ، وقد بينت لك تحفظي على تلك النقطة ... فإذا رغبت بنقاش ذلك التحفظ للوصول لصيغة توافقية حول تلك النقطة فلا بأس ، وإذا رأيت تجاوزها والإنتقال للحوار الفعلي فذلك شئ سأحمده لك ،

وبإفتراض تجاوز نقطة الخلاف تلك ، فإني أرى الحوار تماماً كما صورته أنت ... كل طرف يطرح وجهة نظره التي يبدي فيها تصوره لعدم صحة عقيدة الطرف الآخر وصحة عقيدته هو ، فيما يقوم الطرف الآخر بالرد مبيناً نقيض ذلك ... فإفتراض عدم توقفك عند نقطة الخلاف المذكورة ، فأنا الآن في إنتظار قيامك بتحديد الطرف الذي سيبدأ في طرح وجهة نظره ، ولو اردت البدأ فلتبدأ في الحال .... أو تحديد منهج معين مختلف للحوار .


ولك تحياتي

ابن عبد البر الصغير
02-18-2012, 04:23 AM
الزميل الألوهي، صراحة نحن نسعد بحوار مؤدب وراق، وهذا من دماتة خلقك والتي أتمنى أن تكون في صالحنا جميعا:


ما تحته خط هو مربط الفرس ... فالربوبية التي هي عقيدتي لا تستدعي قيام خالق الكون بإجابة الدعاء ... ويمكنك الرجوع للرابط التالي لمزيد من المعلومات حول تلك العقيدة


http://ar.wikipedia.org/wiki/%d8%b1%...a8%d9%8a%d8%a9

فنحن نؤمن بإله خلق الكون ووضع القوانين والنظم التي تحكم سيره ، ولكن لا يتدخل بعد ذلك في تسييره وبالتالي هو لا يجيب الدعاء

هذه نقطة أيضا ستكون مدار بحثنا أثناء المناظرة، واللادينية بمختلف تشعباتها غير خافية علي، وقرأتُ لعدد من روادها، غير أني لم أفهم من قولهم بمفهوم " الحياد الإلهي" عدم دعوته وسؤاله، حتى المدرسة الانجليزية بزعامة نيوتن، والمعروفة بتشددها في مسألة "الحياد الإلهي" وتتوسع فيه أكثر من المدارس اللادينية الأخرى لم تُنكر أن الله عز وجل حكم يتدخل في الكون لضمان حسن سيره، ولم تنكر إمكانية دعوته ومخاطبته وغيره .أما المدرسة اللادينية الألمانوفرنسية فلا تنكر التدخل الإلهي في شؤون مخلوقاته، بل يتدخل لما فيه صالح مخلوقاته، فردا فردا، وهذا قد فصل فيه الفيلسوف الألماني لايبنتز، والفرنسي مالبرانش، وقد نقضوا رأي المدرسة الانجليزية عروة عروة.

غير أن الإشكال في المذهب الديزيمي عند الأتباع اختلاف القراءت والتأويلات والفهوم، حتى أنك تجد اختلافا بتعدد الأشخاص، لهذا فإن طلبتُ منك كتابا يلخص معتقدك ألزمك من خلاله، لن تستطيع إرشادي إليه. لهذا وجب الاتفاق على بعض المحاور الكبرى التي سنمر خلالها أثناء مناظرتنا، سنعين محورا محددا تحرر فيه مداخلتك ونتباحثه سويا ثم ننتقل إلى المحور التالي حتى نفرغ . ولا زلتُ بانتظار ملاحظاتك الحوارية التي وعدتَ بها سابقا.


فأرجو الإنتباه إلى أننا نضع أسساً للحوار من بدايته إلى نهايته ولسنا بصدد نقاش شبهة أو دليل نفي أو إثبات أو ما إلى ذلك ... وبما أن الأحاديث النبوية هي أحد المصادر الهامة المتعلقة بكل أدلة نفي أو إثبات الإسلام تقريباً ، فلربما كان من الأفضل تحديد ما هو الحديث المقبول وما هو الحديث الغير مقبول من وجهة نظركم

وعلى أي حال هو شئ يمكنك التجاوز عنه إذا أردت فلم أطرحه كشرط ملزم .

قصدي من ذلك أننا لن نحتاج في حوارنا هذا للغوص في ثنايا الكتب الحديثة والأحاديث النبوية حتى نستكمل نقاطا أصولية كبيرة، منها :

- اعتقاد اللادينية في الخالق عز وجل ومناقشته .

- الأدلة على صحة مذهبك ومناقشتها .

- مناقشة مسألة "الحياد الإلهي ".

- جواز إنزال الكتب وبعثة الرسل عليه صلوات الله وسلامه.

- مدى مقدرة اللادينية على تحقيق السعادة النفسية والاجتماعية للفرد والدولة والقيام بدور الأديان.

وغيرها من المباحث الأصولية والأسئلة الوجودية التي سنخوض في غمارها، وسنغوص في لججها سويا، بشكل مقارن مع الإسلام. والغالب في السنة الأحكام والسلوكيات، بعكس القرآن الكريم التي تكفل بالعقيدة تأسيسا ومنهجا وتفصيلا ومحاججة، لهذا فرجوعنا إلى السنة في الغالب سيكون حين نقاشنا عن الفرعيات، التي قد نصلها أو قد لا نصل إليها حسب مسار الحوار .

وعموما فكل حديث صحيح السند والمتن يجوز لك الاستشهاد به وإلزامي، وحتى أختصر عليك، فبإمكانك اقتناء كتاب تكفل بجمع المتفق عليه، وهو أعلى مراتب الصحيح ككتاب "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان" أو غيره مما حقق الغرض، اما الكتب الحديثية الأخرى فكل له منهجه ومنها من ضمنه صاحبها المعلقات والحوالات، ومنها من ضمن الضعيف وغيره، حسب مناهج المؤلفين.وعموما فأي حديث ضعيف سأخبرك به وبسبب علته حتى لا تتهمني بالانتقائية وغيره، وترجع بها إلى كتب الجرح لتقف على العلة بنفسك.

وكما أن لي مصادرا تستطيع الرجوع إليها وإلزامي بها، فحبذا إرشادي إلى مصادرك حتى أرجع بدوري إليها وأمحصها.

أما مسألة الإلزام والإفحام، فليس فيه منقصة إنما هو تجنب لإطالة المناظرة لأشهر، ومكافحة التملص والانتقائية والتشغيب من الطرفين، والمشرف محايد جدا، فديننا يأمرنا بالعدل ونبذ الظلم حتى لو كان على حساب المسلم، وإنصاف الإنسان أيا كانت ملته. وعموما سنتحاور سويا ونعرض أفكارنا ووجهات نظرنا وسنعتبره حوارا أخف من المناظرة.

وقد ضرب قبل لحظات زلزال قوي المدينة التي أسكنها ودبَّ الرعب بين السكان وخرج بعضهم إلى الشوارع، وقطع علي أفراد العائلة خلوتي وتسلسل أفكاري، لهذا سأستكمل المداخلة غدا إن شاء الله تعالى .

أسأل الله أن يدفع عنا وعن أهلنا البلاء والبراكين والزلازل والمحن وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن.

ابن عبد البر الصغير
02-20-2012, 02:15 AM
يُقال ان الاتفاق على منهج المناظرة مناظرة، لهذا فلا يعيبنا الإطالة في التقديم والتمهيد لها، لأن ذلك سينعكس على حسنها وسيرها دونما شك. ولما كانت الشروط كثيرة بآدابها فإن المحاور يُفترض فيه الاطلاع على علوم الحجاج وما يتبعه من منطق.

أما فيما يتعلق من أصول عامة للمنطق الحواري، فإني أهيب بك أيها الزميل الطيب باحترام القواعد الآتية في استعمال الروابط والأسوار المنطقية بدل طريق جداول الصدق :

- أن مانع القضية البسيطة لا دفع لمنعه.

- ومانع القضية السالبة يسلم جدلاً بنقيضها ولا دفع لمنعه.

- وأن مانع القضية الشرطية يسلم جدلا بالمقدَّم، وعلى المدعي دفع المنع بإثبات التالي.

- اما مانع القضية المتصلة يختار أي الموصولين يبدأ بمنعه، ولا خيار للمدعي لإثبات دعواه من أن يدفع المنعَين معا.

- أما مانع القضية المنفصلة فغير مخير في منع المفصولين، وللمدعي الخيار في أن يدفع المنع بإثبات أحد المفصولين.

- أما مانع القضية الكلية فله الخيار في أن يُعين أيا من الأفراد ممن يتناولهم السور الكلي، وعلى المدعي أن يثبت أن هذا الفرد يصدق عليه محمول القضية.

- وأن مانع القضية الجزئية يطالب بإثباتها دون تعيين أي فرد من مجال القول، ويتولى المدعي اختيار هذا الفرد لتحقيق محمول القضية.

مع احترام السلم الحجاجي قدر الإمكان، فكل قول يقع في مرتبة ما من السلم يلزم عنه ما يقع تحته، بحيث تلزم عن القول الموجود في الطرف الأعلى جميع الأقوال الأخرى. وأن كل قول في السلم كان دليلا على مدلول معين، كان ما يعلوه مرتبة دليلا أقوى.

ومراعاة قوانين الخفض، وتبديل السلم، والقلب. إضافة إلى مسلمات الاستدلال القياسي وعملياته المشتهرة.

هذا غالب ما لدي حول الشروط، فإن وافقتَ عليها فمناظرتنا ستبدأ بإذن الله.

الربوبي
02-20-2012, 10:50 PM
الزميل إبن عبد البر ...

يمكن تلخيص مداخلتك السابقة وردودي عليها في 4 نقاط هي كالتالي :


1 – إستفسارك حول طبيعة عقيدتي الربوبية ، وما إذا كان الله يتدخل أم لا يتدخل (حسب إعتقادي أو حسب الإعتقاد الربوبي عموماً) ، وتفسير تشتت الآراء داخل المدرسة الربوبية ، وغيرها من متعلقات العقيدة الربوبية ... وهذا ما سأقوم ببيانه في المداخلة التالية .


2- بخصوص منهج قبول ورفض الأحاديث ، فأراك لم تحدد منهجاً واضحاً ، بإعتبار أن ذلك هو من الفرعيات التي قد نصلها أو قد ينتهي حوارنا قبل الوصول لها ، ولك هذا فكما أسلفت لك بأن ذلك ليس شرطاً لازماً أفرضه عليك قبل بدأ الحوار ... ولكن ... طالما أنك لم تلزمني بمنهج واضح في تضعيف أو تصحيح الأحاديث ، فإسمح لي أن أدلك على منهجي ... والذي هو كالتالي :

• كل حديث متواتر (أو مشهور ورد في الصحيحين أو على شرطيهما) هو حديث يقيني (قطعي الثبوت) بالنسبة لي .

• كل حديث آحاد ورد في الصحيحين ... هو حديث ظني الثبوت ، وهو أميل للصحة ولكنه يحتمل الخطأ ... وهو غير صالح عندي لتأكيد أو نفي شئ من العقيدة .

• كل حديث آحاد ورد فيما دون الصحيحين ... هو حديث ظني الثبوت ، وهو أميل عندي لعدم الصحة ، ما لم تدعمه شواهد من أحاديث أخرى .

• كل ما دون الصحيح هو مرفوض .

• تضعيف المتن هو مرفوض عندي ... لأن فكرة تضعيف المتن قائمة على إفتراض عدم صدور ما هو خاطئ أو غير منطقي عن الرسول ... وأنا شخصياً لا أستبعد أن يقول الرسول أشياء خاطئة أو غير منطقية ، فإن أثبت السند الصحيح نسبة ذلك القول للرسول يصبح الحديث عندي ظني الثبوت إن كان آحاداً وقطعي الثبوت إن كان مشهوراً أو متواتراً .

• عدالة الصحابة ...لا يبدو لي شيئاً مقنعاً .... فالصحابة ليسوا عدول من وجهة نظري ، بل أنظر إليهم كأشخاص عاديين يحتمل منهم الخطأ والخلط والمبالغة وحتى الكذب على الرسول ، وأحسبك تقر بأن الصحابة يمكن أن يرتكبوا الكبائر ، فلا أدري ما الذي يمنعهم من الكذب (لا أقصد إساءة أو تجريحاً للصحابة ولكن فقط أردت بيان وجهة نظري) ... وبناءاً على ذلك فأنا أتحفظ في قبول أي حديث آحاد مروي بواسطة صحابي ، مالم توجد شواهد تدعمه .

• لا اقبل تجريجاً لمفردات سند اقره البخاري أو مسلم ... ولا أقبل تعديلاً لمفردات سند جرحه الشيخان ... (دون ربط ذلك بالنقطة السابقة) .

وهذه ليست شروط أفرضها عليك ، ولكنها رؤية خاصة بي وتعكس قناعاتي الذاتية ... وأقترح ترك نقاش تلك القناعات لحين الإصطدام بحديث معين نختلف حول صحته أو خطأه (إن أردت ذلك) ، ولعل هذا الإصطدام لا يقع .



3 - بالنسبة لحياد المشرف ، فلم أقصد أن المشرف متحيز ، ولكن ما قصدته هو أننا لو جئنا بحكم من زامبيا لتحكيم مباراة النهائي بين زامبيا وساحل العاج فمن الصعب عندها وصف هذا الحكم بالحياد ... فما قصدته هو حياد الهيئة وليس حياد السلوك .


4- بالنسبة للشروط المنطقية التي عرضتها ، فهي شروط أحسبها تدخل في إطار ترجيح المنطق السليم (ولا أخفيك سراً بأني غير ملم بشكل تام بطبيعة تلك الشروط ، إلا انني قد حملت كتاباً في اصول المنطق وأنا الآن بصدد قراءته) ، وعلى كل حال أنا اقبل تلك الشروط فهي تبدو لي من البديهيات العقلية والمنطقية .


وأراك قد أفصحت عن رغبتك بأن تبدأ المناظرة بحسم القضايا الأصولية الكبرى مثل الإعتقاد في الخالق ومسألة الحياد الإلهي وجواز إنزال الكتب الخ ... وأنا لا ما نع لدي في ذلك ... وهذا ما سأفعله في المداخلة التالية

الربوبي
02-20-2012, 11:20 PM
الزميل إبن عبد البر

نزولاً لرغبتك في بدأ هذه المناظرة بمناقشة إعتقادي الربوبي ومقارنته بالإعتقاد الإسلامي ، فها أنا ذا أبد به فيما يلي بإجابة تساؤلاتك حول طبيعة العقيدة الربوبية بشكل عام وطبيعة إيماني الشخصي على وجه الخصوص .... وأنا أراك ملماً بشكل جيد بالربوبية ولكني سأجاوب على أسئلتك حتى تعرف إيماني الذي أدافع عنه وتستطيع إلزامي به من ناحية وحتى يحيط متابعي هذا الحوار بما لم يحيطوا به علماً .


بداية ما هي العقيدة الربوبية وما هي أهم أسسها ، وما هو إعتقاد الربوبيون في الخالق :


وإجابة ذلك السؤال يتم عبر توضيح أسس العقيدة الربوبية ... فالعقيدة الربوبية هي عقيدة بسيطة جداً ، لها فقط 3 مبادئ أساسية :

المبدأ الأول : الإيمان بإله واحد خالق ، عظيم ، هو موجد الكون ومنظمه ، هو أعظم من أن تدركه أو تدرك خصائصه حواس البشر القاصرة .

المبدأ الثاني : الإيمان بأن هذا الإله العظيم قد وضع في هذا الكون (بكل ما حوي) النظم والآليات التي تضمن تسييره علي النحو المرسوم له بواسطة هذا الإله ، ومن ثم فإنه لا يتدخل بشكل مباشر في سيره وتفاعلاته وتطوره ، فهذا الكون يسير في الطريق المرسوم له ووفق القواعد المحددة التي تحكم حركته .

وإنطلاقاً من هذا المبدأ يؤمن الربوبيون كذلك بفكرة التصميم الذكي للكون وللإنسان Intelligent Design ، و تشير فكرة التصميم الذكي الي عدم الحاجة للتدخل من الإله الأعظم في شئون الكون ، فذكاء التصميم يجعله مناسب دائما وليس في حاجة للتصحيح أو التعديل بتدخل إلهي طارئ خارج إطار التنظيم أو القوانين التي بني عليها الكون (عبر إرسال الرسل أو جلب الكوارث على شكل متعمد أو دفعها أو غير ذلك) ، لذا يحلو لهم تسمة الخالق بالمهندس العظيم .

المبدأ الثالث : لا يؤمن الربوبيون بأي من الرسالات التي تدعي أنها سماوية ويدعي أنبياءها بأنهم مرسلين من الذات الإلهية العليا ، ولايؤمنوا بأن الإله الأعظم قد طلب من هؤلاء الأنبياء بأن يرشدوا البشرية لمعرفته أو لتعاليم وأوامر معينه يريدنا أن نتبعها .

وجميع الربوبيون تقريباً يتفقون على هذه الاسس ، وقد يختلفون فيما رواءها ... ولكن لا يجب أن نفهم العقيدة الربوبية بأنها مثل الأديان الأخرى التي لها هيكل واضح من الأفكار والمعتقدات ، فالربوبية هي عقيدة فضفاضة جداً ، ولكن هذا لا يعيبها ، فهي ليست دين وإنما هي فكرة بسيطة تتلخص في جملة واحدة هي (هناك إله خلق الكون وخلق النظم التي تحكم حركته ، وهناك منطق والأديان غير صحيح) .... وما تسميه أنت إشكالاً في المذهب الديزمي (الربوبي) والمتمثل في تعدد القراءات والتأويلات هو ليس إشكالاً في الحقيقة وإنما هو حمل للربوبية لما رواء نطاقها .

-----------------------------------------------------

تساؤلك التالي كان عن موقف الربوبيون من الحياد الإلهي


وفي الواقع فإن معظم الربوبين مقتنعين بفكرة الحياد الإلهي ، وبأن الإله لا يتدخل في شئون خلقه إستجابة لدعاء أو غير ذلك ... وربما كان هناك قلة من الربوبيين يؤمنون بذلك التدخل إلا أن هؤلاء الذين آمنوا بأن الإله يتدخل هم يؤمنون بتدخل محدود جداً وفي مواقف محددة جداً ... وربما تبنى بعض الربوبيون هذا الرأي إلا انه يبق رأياً شاذاً داخل الإطار الربوبي .


----------------------------------------------
وتساءلت أيضاً عن إيماني الخاص أو العقيدة التي تستطيع إلزامي بها ...


وبالنسبة لإيماني الخاص (وهو الشئ الذي أحاسب عليه) ... فأنا لا أومن بتدخل الإله بأي شكل في حياتنا الدنيا ...

وهناك مبدأ هام يشكل جزء هام من إيماني الربوبي ولابد لي من توضيحه ، وخلاصة هذا المبدأ هي : قبول عدم اليقين ، بدلاً من إيجاد تفسيرات غير صحيحة للأشياء الغامضة ... فهناك أشياء كثيرة يعتقد معظم الربوبيون (وأعتقد أنا كذلك) بأن ليس للبشر حالياً معطيات كافية تساعد في فهمها ، ومن هذه الأشياء :

• طبيعة الذات الإلهية وصفاتها
• الحياة بعد الموت ، مدى وجودها أو عدم وجودها وشكلها (في حال وجودها)
• هل هناك حساب وثواب وعقاب بعد الموت أم لا
• الشكل الذي يتم بناءاً عليه مكافأة أو عقاب الأشخاص على سلوكهم الجيد أو السئ

والطبع هناك تفاوت بين الربوبين في قناعاتهم بخصوص هذه الأشياء ... أما بالنسبة لظنوني الشخصية (ولا اقول قناعاتي) فهي كالتالي :

• بالنسبة للذات الإلهية وطبيعتها .... أنا أقر بجهلي التام بطبيعتها وأعتقد بأن عقلي قاصر حتى عن مجرد تصور طبيعتها

• بالنسبة للحياة بعد الموت ... فأنا أميل للإعتقاد بان هناك حياة بعد الموت ... لأني أؤمن بأن الإنسان ليس جسداً فقط ، بل يتكون من روح أيضاً ، وهذه الروح لا تفنى بالموت ، وإنما تنتقل لعالم آخر مختلف .... أما طبيعة هذا العالم فهو ما أعتقد بأنه شئ خافي عنا تماماً .

• بالنسبة للسؤال حول ما إذا كانت أعمالنا في الدنيا تؤثر على حياتنا بعد الإنتقال للعالم الآخر (هل هناك ثواب وعقاب بعد الموت) ... فمرة أخرى أنا أعتقد (غير جازماً) بذلك ... ومنبع هذا التصور هو إيماني بالعدالة الإلهية والتي تتطلب القيام بتسوية بعض الحسابات المعلقة التي لم يتم تسويتها في حياتنا الدنيا .

• أخيراً بالنسبة للشكل الذي يتم به تسوية الحسابات في الدنيا ... فبداية فإن تجنب الشر وعمل الخير وفقاً لإعتقادي هو ميل فطري للبشر يقدمون عليه لما يجلبه لهم من شعور بالرضا والسعادة وراحة الضمير وتقدير للذات ، وليقينهم بأن ما يعملونه من خير أو شر سيرتد إليهم في صورة أو أخرى ... بل أنني مؤمن (كما يؤمن أتباع الأديان تماماً) بأن فعل الشرور يجلب غضب الذات الإلهية في حين يجلب فعل الخير رضاها ، ولا أستبعد كذلك بأن يجازي الله الناس على أفعالهم خلال حياتهم أو بعد موتهم ...

غير أنني أؤمن كذلك بأن الجزاء الرباني سواء كان قبل أو بعد الموت سيكون مكافئاً تماماً لحجم الجرم الذي يقترفه الإنسان ، وعليه فانا غير مؤمن بفكرة الخلود الأبدي في النار جزاءاً على سلوك مرتبط بفترة زمنية محدوة ... وأؤمن كذلك بأن ذلك الجزاء الرباني سيكون مبنياً على إلتزام الناس بالأخلاق الإنسانية وبما تمليه عليهم ضمائرهم وليس على الإلتزام بقواعد دينية محددة ... أخيراً أنا مقتنع تماماً بأن ديانة الشخص لا علاقة لها بالجزاء الذي سيلاقيه على عمله ، فمن يعمل الخير يلاقي خير الجزاء بغض النظر عن ديانته ، ومن يعمل الشر يلاقي جزاءاً عادلاً بغض النظر عن ديانته .


هذا هو ملخص سريع للإيمان الربوبي عموماً وإيماني الشخصي على وجه الخصوص ، وأترك لك المجال فيما يلي للتعليق على مداخلتي السابقة بشكل عام ، ولإبداء تحفظاتك على العقيدة الربوبية ومقارنتها بالإسلام .

ولك مني خالص التحية ،

ابن عبد البر الصغير
02-24-2012, 10:15 PM
أذكرك بأنك قفزت على شرط أحسبه هاما في المناظرة وهو الآتي :


وكما أن لي مصادرا تستطيع الرجوع إليها وإلزامي بها، فحبذا إرشادي إلى مصادرك حتى أرجع بدوري إليها وأمحصها.

أما بخصوص ما سطرتَه في علم الحديث، فقد أعلنتُ لك قبول المتفق عليه كله، وأرشدتك إلى كتاب قد تكفل بجمعه، وأن الصحيح عندي ما كانت تتوفر فيه شروط الصحة متنا وسندا، وكل حديث مردود سآتي لك بأساس علته، فأراك تأتي لي بشروط لستَ مخولا لإلزامي بها لأنك من خارج الدائرة، ثم تدخل في عدالة الصحابة وتخلط بينها وبين العصمة، وترفض نقد المتن وغيره.

والحق أني سهلتُ عليك وذكرتُ لك سبب تأخير الكلام في علم الحديث، لعين ما أوردتَه هنا :


وهذه ليست شروط أفرضها عليك ، ولكنها رؤية خاصة بي وتعكس قناعاتي الذاتية ... وأقترح ترك نقاش تلك القناعات لحين الإصطدام بحديث معين نختلف حول صحته أو خطأه (إن أردت ذلك) ، ولعل هذا الإصطدام لا يقع .

أما حياد المشرف فقد برهنتَ على ضده ببرهنة متناقضة هي عينُ ما حذرتني منه سابقا :

3
- بالنسبة لحياد المشرف ، فلم أقصد أن المشرف متحيز ، ولكن ما قصدته هو أننا لو جئنا بحكم من زامبيا لتحكيم مباراة النهائي بين زامبيا وساحل العاج فمن الصعب عندها وصف هذا الحكم بالحياد ... فما قصدته هو حياد الهيئة وليس حياد السلوك .

فكأنك تنفي في شطر جملتك الأولى لتثبت نفس المعنى المنفي في شطر جملتك الثانية، وما استعملتَ في ذلك إلا أسلوبا مغايرا في التعبير . وعموما الإدارة ههنا معروفة قراراتها، وتحكيمها المحايد، والسهر على تطبيق النظام والرقي بمستوى الحوار، وباطلاع بسيط يتبين لك إلزام الطرفين في غير مناسبة، بل وإيقاف أعضاء مسلمين. لهذا فإني مطمئن للتحكيم.

أما عدم تعمقك في علم المنطق فحسنا فعلت حين إخباري .

أما مداخلتك التالية فأقول أنه لا خلاف معك في المبدأ الأول، وفي الشطر الأول من المبدأ الثاني، إنما الخلاف كل الخلاف في مسألة :


فأنا لا أومن بتدخل الإله بأي شكل في حياتنا الدنيا

وأشكرك على تلخيص معتقدك في مشاركتك، والتي ستكون مصدرا تعريفيا بمنهجك، غير أني أحب حصر الحوار في نقطة معينة حتى إن فرغنا انتقلنا إلى نقطة أخرى. والفكرة التي أود مناقشتها معك هي الواردة في الاقتباس أعلاه، فأطالبك بالآتي :

- ذكر الدليل على مسألة "الحياد الإلهي"، وعدم تدبيره لشؤون عباده، وبالتالي عدم إرسال الرسل وإنزال الكتب، والذي يعني عدم تعريف البشرية بخالقهم .

فتفضل بذكر براهينك على هذا المعتقد .

الربوبي
02-25-2012, 11:09 PM
الزميل الفاضل إبن عبد البر ....

بأجمل التحايا أبدأ هذه المداخلة في سلسلة حوارنا والذي يدور حول المعتقد الإسلامي في مقابل المعتقد الربوبي ...

ويتواصل هنا حوارنا حول نقطتين عالقتين قد أشرت لهما في مداخلتك السابقة :

• النقطة الأولى هي : تحديد منهج واضح لقبول أو رفض الأحاديث النبوية
• النقطة الثانية هي الإستجابة لطلبك بذكر مصادري فيما يتعلق بمسألة الحياد الإلهي

---------------------------------------------------------------------


بالنسبة للنقطة الأولى : (تحديد منهج واضح لقبول أو رفض الأحاديث النبوية)


بداية لا بد من التوضيح بأن حوارنا أو مناظرتنا هذه تدور حول محورين أساسيين

المحور الأول : بيان مدى صحة العقيدة الربوبية التي أعتنقها ... وهذا المحور هو بالتأكيد غير ذي صلة بالأحاديث النبوية .

المحور الثاني : إثبات صحة الإسلام وأنه أنسب وأصح من العقيدة الربوبية ... ويتضمن ذلك أثبات سلامة الأدلة التي يستدل منها على صحة الإسلام ، ثم إثبات عدم صحة أدلة النفي التي قد يستدل بها على عدم صحة الإسلام (الشبهات) .

وفي هذا المحور (المحور الثاني) تلعب الأحاديث النبوية دور هام جداً ... فمعظم الأدلة على صحة الإسلام هي أدلة مستندة على أحاديث نبوية ... فإثبات صدق الرسول وزهده يتم من خلال الأحاديث ، وإثبات الكثير من تنبؤات الرسول المستقبلية يتم من خلال أحاديث ، وحتى إثبات إعجاز القرآن هو يعتمد جزءياً على أحاديث (مثل حديث الوليد بن المغيرة في وصف القرآن) ... وفي المقابل نجد أن الكثير من الشبهات أو الإتهامات الموجهة للقرآن هي معتمدة على أحاديث أيضاً أو أن نفيها يتم من خلال أحاديث .... كل ذلك يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن للأحاديث دور محوري في إثبات صحة أو عدم صحة الإسلام ، وهو ما يؤكد على أهيمة الخوض في مسألة معايير قبول أو رفض الأحاديث قبل نقاش أدلة صحة أو عدم صحة الإسلام .

وبداية لا بد من الإشارة إلى تحفظك على خوضي في علوم الحديث بحجة أن ذلك ليس من تخصصي ... ولكني أحتفظ بحقي في النقد العقلي والمنطقي لهذا العلم ... وقد أوردت تحفظين محددين يخالفان المنطق من وجهة نظري ، فيما تتعامل معهما علوم الحديث كمسلمات غير قابلة للنقاش .

التحفظ الأول : هو على فكرة تضعيف الحديث بناءاً على متنه .... فمن حقك كمسلم مؤمن بعصمة الرسول من الخطأ في التبليغ أن تؤيد تضعيف الحديث بناءاً على متنه .... ولكن بالنسبة لي كغير مسلم ، فليس لك أن تلزمني بذلك .... فلو بلغني قول خاطئ عن شخص ما عبر سلسلة من الرواة الثقات فسأصدق ذلك الخبر بالتأكيد نظراً لمصداقية رواته ، إلا أذا الشخص المنسوب له ذلك الخبر لا يمكن أن يقول قولاً خاطئاً ، عندها فقط يحق لي تكذيب ذلك الخبر ... من وجهة نظرك الرسول لا يمكن أن يقول قول خاطئ ولكن لا يمكنك أن تفرض هذه القناعة على شخص غير مسلم وبالتالي لا يمكنك أن تطالب غير المسلم برفض حديث بناءاً على عدم سلامة المتن ... فهل لديك إعراض منطقي أو عقلي على تلك الفكرة البسيطة ؟

التحفظ الثاني هو على فكرة عدالة الصحابة .... أنت تقول لي بأنني أخلط بين العصمة والعدالة ، وهذا تصور غير صحيح منك ، فأنا أعلم الفرق بين العصمة والعدالة .... وأعلم بأن الرأي الإسلامي هو أن الصحابة غير معصومين من الخطأ وحتى إرتكاب الكبائر ، ولكنهم لا يكذبون على الرسول .... ولكن ... إذا كان فلاناً يسرق أو يشرب الخمر أو يغل من الغنائم أو يتجسس أو يقاتل أخاه المسلم أو يزني ، أو حتى يعمل كجاسوس لصالح أعداء المسلمين ... وكلها أخطاء وقع فيها بعض الصحابة .... فهل يصح بعد ذلك نستبعد كذبه في قول ينسبه للرسول .... فما هو منطقك في ذلك وما هو دليلك الذي يمكن أن تقنع به شخص غير مسلم ؟

وإذا أقررنا بعدل الصحابة ، فكيف نسلم بضبطهم ؟؟ ووفقاً لأي منطق أو معيار نحكم على ما يقارب الألف صحابي ممن رووا عن الرسول بالضبط وحسن الحفظ ... مرة أخرى ما هو دليلك على ضبط الصحابي ... لمجرد أنه صحابي ؟


وبخلاف هذين التحفظين فإن المبادئ العامة التي حددتها لك سلفاً (لقبول أو رفض الأحاديث) هي في معظمها مبادئ يتفق عليها معظم علماء المسلمين .... فالثبوت القطعي للأحاديث المتواترة والثبوت الظني لغير المتواتر هي شئ متفق عليه ، ورفض قبول حديث الأحاد في إقرار عقيدة هو شئ متفق عليه ، ورفض ما دون الصحيح هو شئ أراه معقولاً ومناسباً ... فقط هناك نقطتين قد يقع الإختلاف فيهما وهما : قولي بأن الأحاديث الواردة فيما دون صحيحي مسلم والبخاري هي أحاديث ظنية أميل للخطأ منها للصحة ، ما لم توجد شواهد على صحتها ... وقولي بأنني لا أقبل تجريحاً أو تعديلاً على أسانيد البخاري ومسلم .

ولكن حرصاً على إنسياب الحوار وإزالة عقبات الإختلاف أقول لك بأني أقبل قبولاً تاماً بما ستطرحه أنت في هذا الخصوص ، (من بيان لصحة وعدم صحة أي حديث ، وقبول أو رفض الإستدلال بأي حديث ، والقول بظنية أو يقينية ثبوت أي حديث) ، وذلك في حال الإصطدام بحديث نختلف حوله .... بشرط أن تبرر موقفك هذا بشكل جيد .

وتبقى فقط تحفظاتي المتعلقة بعدالة الصحابة ونقد المتن .... ويجب الإنتباه هنا لنقطة هامة .... أنا لا أريدك أن تؤيد وجهة نظري تلك، ولا أريد التشكيك في القناعات الإسلامية الثابتة بخصوص نقد المتن أو عدالة الصحابة .... أنا أريدك فقط أن تتفهم وجهة نظري كشخص غير مسلم ، وبأنه لا يجوز منطقياً إلزام شخص غير مسلم بقبول عدالة الصحابة أو بقبول نقد الحديث بناءاً على متنه .

---------------------------------------------------------------------


نأتي الآن للنقطة الثانية ، ألا وهي الإستجابة لطلبك بذكر مصادري على مسألة الحياد الإلهي وعدم التدخل الإلهي في شئون البشر والكون .


وبالنسبة لي شخصياً .... لم أشاهد أو أسمع ولم يرد لعلمي دليل قاطع يدل على حدوث تدخل إلهي سواء كان عن طريق قيام الله بإرسال رسل أو عبر تحقق إلهام أو رؤية لشخص صالح أو ولي من أولياء الله أو عبر إستجابة دعاء شخص دون ان يكون هذا الشخص قد إتخذ الأسباب المؤدية لتحقق الشئ الذي دعا به .... وهذا يكفيني كدليل على الحياد الإلهي .. وإن كان لديك دليل على حدوث تدخل إلهي خارج نطاق السنن الكونية فالرجاء أن تسوقه لنا .


وبالنسبة للتدخل عبر إرسال الرسل ... سواءاً لتعريف البشر بخالقهم أو لغير ذلك من الأسباب فهذا شئ يقع عليك أنت عبأ إثباته ... أنا شخصياً لا أظن بأن الإله الذي خلق الكون بما حوى هو حريص على أن يعرفه البشر يقيناً ... فلو أراد الله ذلك لتحقق مراده ولعرفه البشر يقيناً ، وأحسبه لو أراد أن يعرفه الناس يقيناً لتجلى لهم فرأوه كما يروا الشمس في السماء ، ولا أرى أي دليل قوي عموماً يدل على تدخل الله عبر إرسال الرسل .

أما بالنسبة لتدخل الإله لتدبير شئون العباد .... فهناك من يعاني في هذا العالم ومن يموت جوعاً ومن يموتون في الحروب ... فأي تدبير خارج نطاق السنن الكونية ذلك الذي تتحدث عنه .

وتلخصياً لكل ما سبق بخصوص الحياد الإلهي أو التدخل الإلهي .... أقول لك بأن البينة على من إدعى ... ومن يقول بتدخل الله في شئون الكون هو المدعي وهو من يقع عليه عبأ الإثبات ، خصوصاً في ظل حقيقة عدم وضوح هذا التدخل وعدم بديهيته .

ولك تحياتي

ابن عبد البر الصغير
02-26-2012, 12:13 AM
الزميل الكريم، ألمس منك إرادة جر المناظرة إلى نقاش حديثي حول مسألة عدالة الصحابة وضبطهم ونقد المتن، ومنهجنا في التصحيح والتضعيف. وانظر فقط إلى حجم شطرَي مداخلتك ليتضح الفرق والهدف : فالقسم الأول من مداخلتك جاء في تسع فقرات، في حين ان شطرها الثاني حول براهين لادينيتك جاء في ثلاث فقرات يتيمات.

ولا شك أن ما طَرحته في القسم الأول يترتب عنه كلام كثير يحتاج إلى نفَس بل إن شئتَ فقل أنه يصلح موضوعا لمناظرة أخرى قائمة بحد ذاتها، وكان بودي تأجيل هذا النقاش لحين تسليمك بعدة أصوليات ممهدة سابقة متبوعة.

لهذا فإني أقترح على المشرف وعليكَ أن يُنقل شطر مداخلتك الأول إلى رابط مستقل، يكون مناظرة ثانية بيننا في نفس الوقت ، لأن النقاش حول نقطيتين مختلفتين ذو طبيعتين متغايرتين في نفس الوقت يؤدي إلى تلبيس في التناظر، فتغطي نقطة على نقطة فيصبح تصدير الهجوم في النقطة الأولى غالبا على دفاع نفس المتناظر في النقطة الثانية، حتى إن كان الدفاع ضعيفا آزره الهجوم المتغاير وأخفاه. وهي من حيل التناظر الدقيقة .

وأذكرك بأنك خالفتَ الشرط الخامس والسادس والسابع في الاتفاق، كما أنك أغفلتَ سهوا او عمدا للمرة الثانية ذكر مصادر معتقدك مما يجعلك مخالفا للشرط العاشر، أما شطر مداخلتك الثانية فقد جاء مخالفا للأصول العامة للمنطق الحواري والتي وافقتَ عليها حين استعمال الروابط والأسوار المنطقية وهذا سأبينه في ردي .

فانظر أيها الزميل الفاضل، فلم أبدأ بعد بمداخلة افتتاحية تُدشن دخولي للمناظرة ووقع منك ما وقع . فتأمل.

وأنتظر قرار المشرف ورأيك بهذا الخصوص حتى أبدأ بالرد والله الموفق.

الربوبي
02-26-2012, 01:28 AM
وكان بودي تأجيل هذا النقاش لحين تسليمك بعدة أصوليات ممهدة سابقة متبوعة.


فالك طيب .... فلنؤجله لحين الإنتهاء من الأصول الممهدة ولا داعي لشريط جديد أو مناظرة أخرى .... فقط أرجو الإنتباه بأنني لم أقصد التلبيس أو أي من حيل التناظر التي أشرت إليها ... كل ما في الموضوع أن تصوري لسير المناظرة كان مختلفاً قليلاً عن تصورك ...


أنت تصورت المناظرة كالتالي

1) نقاش الشروط العامة
2) نقاش الاصول العقائدية
3) نقاش الفروع والذي قد يسبقه الإتفاق حول الشروط التي تحكم نقاش الفروع

أما أنا فقد تصورت سير المناظرة كالتالي :

1) الإتفاق على الشروط العامة سواءاً كانت المتعلقة بالأصول أو الفروع كما تسميها انت (إثبات العقيدة الربوبية أو إثبات صحة الإسلام ... كما أسميها أنا) ، ومن ضمنها الإتفاق على ما يقبل وما لا يقبل من الأحاديث
2) نقاش صحة العقيدة الربوبية
3) نقاش صحة الإسلام

أما مخالفتي للشروط الخامس والسابع والتاسع والعاشر ... الخ .... فهذا أتركه للمشرف للحكم عليه

أما طلبك أن اذكر المصدر ... فالرجاء تحديد ما هو بحاجة لمصدر من وجهة نظرك ... أو لعل الافضل أن أقول لك ، طالما كان ذلك متعلقاً بالجزء الأول من مداخلتي السابقة (والمتعلقة بالأحاديث) فلنؤجل ذلك لحين بدأ نقاش ذلك الجزء ...

----------------------

إذا المطلوب منك الآن شيئان .... لدفع المناظرة للأمام

1) الموافقة على تجاوز مسألة نقاش صحة الاحاديث لما بعد الإنتهاء من نقاش صحة العقيدة الربوبية .... والثقة بانني لم أخوض في ذلك إلا بسبب سوء التفاهم بيننا حول طبيعة سير المناظرة .

2) ذكر إعتراضاتك على مداخلتي المتعلقة بالحياد الإلهي ... وما هي الأسوار المنطقية التي قفزت أنا من فوقها

وشكراً

ابن عبد البر الصغير
02-27-2012, 03:15 AM
الحمد لله الواحد الذي لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يُريد، والصلاة والسلام على رسوله المرتضى، ونبيه المجتبى، المبعوث رحمة للعالمين. أما بعد ..

فسعيد لأنك يا زميلي تجاوزتَ النقط التي قد تؤدي بنا إلى المتاهات والتفريعات، وتجاوزا مني لما قد يخل بالنقاش ودفعا بمسار المناظرة فإني أعلق على جزئيتين رئيسيتين أولاهما :

1- الحكمة من سؤالي عن مصادرك.

فأقول وبالله التوفيق : أن العقلاء اتفقوا في باب الاختيار، أن المختار لا يغير معتقده إلا إذا ترجح عنده فساد القديم وصلاح الجديد، بمعنى أن المختار ما غير قناعاته إلا عند رجحان مذهبه الجديد وتفوقه على الأول. ولا يخفى أن المذاهب الفكرية المعاصرة يُراد لها ان تحل محل الأديان والشرائع، فلزم من ذلك تغطية الأولى لكل أدوار الثانية، دورا دورا ووظيفة وظيفة، فتكون وظيفة الدين في حالته الشمولية حسب علم الاجتماع ملخصة في ست وظائف كبرى :

- الوظيفة التفسيرية : أي تفسير ظواهر الكون والإجابة على التساؤلات الوجودية المحيطة بالإنسان، حول حكمة الخلق والتعريف بالخالق ودور الإنسان في الحياة وما بعد الموت ،ودفع العدمية .

- الوظيفة التلقينية : وهو تلقين الناس لفسلفة الدين في الحياة والمجتمع وغيره .

- الوظيفة التطمينية : أي تطمين الأتباع على مصيرهم ما بعد الموت، ومعرفة المُنجي من المُهلك، وتحذير المخالفين.

- الوظيفة التأديبية : وهو ما يتعلق بالأخلاق والعبادات والمعاملات .

- الوظيفة التشريعية : سن القوانين الكفيلة بحماية حقوق الفرد والجماعة، ومعرفة الحلال والحرام ...

- الوظيفة النفسانواجتماعية: تحقيق الاستقرار للفرد والجماعة وضمان الوحدة التناغم الثقافي بين أفراد الدولة.

هذه الوظائف الكبرى لا تتحقق إلا بوجود : عقيدة، ومرجع، وعبادات، ودعوة. فإن اختلت أحد هذه الشروط استحال تحقيق هذه الوظائف .

فالمختار عقلا يستحيل أن يبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فلزم أن المذهب اللاديني وجب أن يكون له مصدرٌ لتعريف الناس بفلسفته ونظرته، ولتحقيق الوظائف الست الكبرى. وإلا كان عاجزا عن القيام بوظائف الدين، مغرقا الناس في عدمية مادية مهلكة، ليكون توصيفه الدقيق : نحلة فكرية مهلهلة لا ضابط لها ولا وحدة.

فأخرج لي مصدرك الجامع الدال على عقيدك ؟ وهل ترى ان المذهب اللاديني قادر على تغطية الوظائف الدينية ؟ وإلا { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } .

أما بخصوص النقطة الثانية : وهي مسألة الحياد الإلهي .

فأقول : أن هذا أول مأزق من مآزق اللادينية، هو القول على الله بغير بينة ولا دليل، فقد طالبتك ببراهين دالة على مذهبك في هذه الجزئية، فما كان جوابك إلا كلاما مُرسلا من أَضراب أظن وأعتقد، وحضرتك تعلم بأن كلمة " أظن" و "أعتقد" لا وزن لها في مناظرة عقلية منطقية تقوم على الأدلة والبراهين ،{ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }.

ومنطقنا أيها الزميل قائم على البينة على من ادعى، فأنتَ تدَّعي ان الله لم ينزل دينا ولم يكلم رسولا، ونحن أحرى بمطالبتك بالدليل على هذا المذهب { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } .

وهذه أزمة المذهب اللاديني جملة وتفصيلا، وقد سبق أن قرأتُ لرواد في هذا المذهب يبنون نظريات شاهقة على أساس ظني سافل ضعيف، ففرويد على جلالة قدره في علم النفس الديني، بدأ كتابه "الطوطم والطابو" بكلمة : "كان في قديم الزمان ..." فتأمل !!.

مما جعلني أتأكد بأن المذهب اللاديني مبني على هوى النفس وليس على أصول منطقية قوية وأركان عقلية محكمة { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ }.

وأظنك أيها الزميل ما دخلتَ لمنتدانا هذا لو لم تحس ما سبق ذكره آنفا .

فتكون الأسئلة التي ستصطدم بها هي كالآتي :

كيف عَلمتَ أن الرب الخالق لم ينزل دينا ؟؟؟ فهل كلمّك أو حدثك وأخبرك بأن العقل يُغني عن الدين ؟

وحاصل سؤالي للتبسيط أكثر : ما دليلك على أن الله عز وجل ارتضى للبشرية اللادينية ؟ وأنّك على الملة الصحيحة ؟

اما أدلتنا على بعثة الرسل وإنزال الشرائع ونقض مبدأ الحياد الإلهي . فأقول وبالله التوفيق :

أن انعدام الدليل عند المخالف، دليل، بمعنى أناَّ نقول بأن صدق الدعوى من عدمه يكون مرتهنا بحجم أدلتها، مفروضا بقوة حججها، فإن انعدمت هذه الحجج والبراهين جملة وتفصيلا، كانت الدعوى مجرد سفسطة مرسلة لا شيء يعضدها، فيكون نقيضها أولى بالتسليم وأحق بالتصديق، لأن مانع القضية السالبة يسلم جدلاً بنقيضها ولا دفع لمنعه. و مانع القضية العقلية يسلم جدلا بالمقدَّم، وعلى المدعي دفع المنع بإثبات النقيض.

تماما مثل الملحد الذي يُريد ان يدلس على المؤمن أو اللاديني، فيطالبه بالدليل على وجود الله تعالى، فنواجهه بالقول أنه هو المطالب بإثبات النقيض ولسنا نحن { أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.
لأن الجائز العقلي لا يُنفى من أجل مستحيل عقلي، فإن كان هذا في الجائز، فالواجب العقلي أحق بهذه القاعدة من الجائز، خاصة وأن فطرة العقل دالة عليه ببراهين أخرى .وقس على هذا قولك، لأن الأصل ليس في عدم إنزال الشرائع والحياد، بل الأصل هو إرسال الرسل وتدبير الكون وغيره، فتكون مطالبا بالدليل لأنك ادعيتَ النقيض .

ثم نسأل المخالف، هل إرسال الرسل وإنزال الكتب وتدبير الكون هو واقع عندكم في باب الإمكان العقلي أم الممتنع ؟ فإن قلتَ من باب الإمكان فقد وافقت فطرة العقل، وإن قلتَ بالاستحالة فقد خالفتَ المقتضى، فنسألك حينها عن المانع العقلي لذلك ؟

فإن العقل دلَّ على ان الباري سبحانه متصف بصفات الكمال، يستحيل في حقه سبحانه صفات النقص، فإن قُلتَ بأن الله متصف بالحكمة والقدرة والكلام، وانه قادر على إرسال الرسل وإنزال الشرائع وتدبير الكون وأحوال المخلوقات وعنايته بهم، وجب عليك بداهة الإيمان بدين أنزله ليعرف الناس به، فالإنسان له مدارك ناقصة، والغيبي لا يتوصل إليه بالتأمل إنما بالخبر عن رب العزة، فقد أتوصل إلى وجود الله وعلى طرف من صفاته عقلا، لكني لا أستطيع معرفة ما يريده منا تفصيلا. فالقدرة تنفي الممتنع.

وكمال حكمته تقتضي بأن لا يخلق عباده ويتركهم هملا، لا يعرفهم بنفسه، ولا أمر لهم جامع، ولا نهي لهم مانع . فتكون اللادينية قد نفت الحكمة عن الخالق بإقرارها مبدأ الحياد.

وكمال ألوهيته أن يكون مطاعا، ومعرفة ذلك لا يكون إلا بالرسل .

وكمال ربوبيته أن يقيم الحجة على الخلق لأن الجزاء لا يكون إلا بعد الإنذار، ومعتقدك بالبعث والجزاء ينسب الظلم له - وحاشاه- فكيف يعذب شخصا لا يعلم أوامره ونواهيه وما يريد منه ؟ فكان مقتضى ذلك إرسال الرسل .

وكمال ملكه وسلطانه، بتدبير شؤون الكون وإنزال الشريعة .

فيكون معتقدك ناسبا إلى الخالق صفات نقص، وذلك يتجلى في :

- إهماله لعباده وعدم إنزاله لدين يخرجهم من الظلمات إلى النور، وقد عُلم أن الباطل كثير ذو وجوه عديدة، فهذا يهوي ساجدا لحيوان، وذاك يعبد بشرا، وآخر يدعوا صنما، والرابع ملحد، والخامس يعبد شيطانا، والسادس يعبد كوكبا إلى آخره ..فكان الأولى إذ خلقهم أن لا يدعهم هملا دون استدلال، وقد علم أنهم ليسوا على قدر واحد في العلم والفهم، فلم يُنزل دينا كي يعرفنا بنفسه، وترك البشرية تتخبط وحدها تبحث عن الخالق.

- قد عُلم أن البشرية تشقى في إطار القوانين الوضعية، التي سببت التعاسة للناس حيث طغت العدمية والمادية على حياة البشر، فكثرت نسب الجريمة، من قتل واغتصاب غيرها، وطغت الآفات النفسية وهذا باعتراف علماء الاجتماع والنفس، فكان أن الله حسب معتقدك، ترك الناس تموج هذا الموج، فلا هو جبر الناس على عقل واحد يُهتدى به لمنهج واحد يحقق للناس آمالهم، ولا تدخل بإنزال دين يحقق السعادة والرخاء للبشرية باحتكامهم إليه.

- أنه أودع في النفس محبة الدين بمعتقداته وروحانياته كمحبة العبادات والطقوس الدينية، فكان أن معتقدك نسب له الخطأ في ذلك، فلم ينزل دينا ذو عبادات حتى يرضي هذه النفوس التواقة.

- أن الإنسان تواق للمعرفة، يشرئب عنقه لكل حديث عن ما بعد الموت، يحب أن يَعلم مصيره بعده، وهل هو على الحق أم على الباطل مستحق لما سيأتي بعده أم غير مستحق، فإن لم يعلم ذلك قضت مضاجعه الأفكار من كل جانب، فحل عليه الضنك من حيث لا يدري، فتركه الخالق بمعتقدك يعيش هذا.

- أنه أودع في الإنسان مسألة التمحيص والاختيار، لأنه كائن متدين رامز، فترى الناس تُقبل على المباحثات العقدية والدينية أياًّ كانت مهنهم، يتحاورون بينهم سواء في الجزئيات أو الكليات أو حتى في أديان وملل أخرى، فإن كان الإنسان ميالا للاختيار بين الأديان والأفكار فلماذا جعل الله فيه هذه الصفة إن لم ينزل دينا ؟ .

- قصور العقل عن معرفة أجوبة الأسئلة الوجودية التي تعتري الإنسان، وقد اتفق علماء الاجتماع على أن الإنسان كائن رامز يستحيل أن يعيش دون ترميز الظواهر حوله، فالعقل قاصر عن معرفة ما يريده الله منا تفصيلا، وذلك كمعرفة غاية الخلق، وما بعد الموت ولماذا الموت، ومن هو هذا الخالق، هل هناك بعث ؟ هل هناك جزاء وغيره .

- أن معتقدك ينسب الظلم، فقد قلتَ بأن الله سيحاسب البشرية وهو لم ينزل دينا ولا إنذارا يعرف الناس به وبما يريده منهم تفصيلا ليجتنب العاقل عقوبته وتقوم الحجة على المسيء المشاكس .

فيكون الممكن العقلي مرتقيا إلى درجة الواجب، لما عُلم من مفاسد . فيكون الحياد الإلهي هو الممتنع العقلي الذي يلزمه أدلة تعضده .

وأكتفي بهذا القدر في بيان النقطة، محتفظا ببعض الإلزامات الأخرى لعلنا نحتاجها مستقبلا، والحمد لله رب العالمين.

الربوبي
02-29-2012, 09:36 AM
إذا فقد بدأ الحوار الجدي بعد أن تجاوزنا مرحلة نقاش الشروط والمقدمات ...

-----------------------------------------------------------------------------

الزميل إبن عبد البر ... تحية طيبة

مداخلتك السابقة أسست لإنطلاق الحوار حول ضرورة إرسال الرسل ... وقد تمحورت مداخلتك السابقة حول نقطتين :

* النقطة الأولى هو حديثك المتعلق بنقد العقيدة الربوبية وإشارتك لغياب البراهين والادلة الدالة عليها ، وحديثك عن أن إرسال الرسل هو واجب عقلي .

* النقطة الثانية من مداخلتك تعلقت بالأدلة على حدوث التدخل الإلهي وقيام الله بإرسال الرسل ... وقد تحدثت في هذا الصدد عن الوظائف التي تؤديها الأديان (وذلك في بداية مداخلتك) ، فذكرت وظيفة الدين التطمينية والتفسيرية وغيرها ... ثم تحدثت عن أدلة بعثة الرسل وإنزال الشرائع فذكرت كيف أن حكمة الله وكمال ربوبيته وإلوهيته وسلطانه تقتضي إرسال الرسل ... ثم ختمت حديثك بسرد أوجه النقص في عقيديتي الربوبية لإنكارها حدوث التدخل الإلهي أو إرسال الرسل .


وفي هذه المداخلة سوف أركز فقط على النقطة الثانية (الأدلة على إرسال الرسل) ... أما بالنسبة للنقطة الأولى ، فسيكون لي مداخلة لاحقة سأقوم فيها بطرح الأدلة التي أعتمدت عليها للتثبت من صحة عقيدتي الربوبية ، وسأبين أيضاً التناقض في قولك بأن قيام الله بإرسال الرسل هو الاصل وبأن إرسال الرسل ليس واجباً عقلياً كما تفضلت بالإشارة .

-----------------------------------------------------------------------------

ولكن العقبة الاساسية التي واجهتها (عندما كنت بصدد تفنيد أدلتك حول حدوث التدخل الإلهي وإرسال الرسل) هو أن تلك الأدلة جاءت محتوية على بعض التكرار والتداخل والإلتباس ... ولا ألومك على ذلك فلربما إقتضاه حرصك على الرد المفصل على كل ما جاء في مداخلتي السابقة .

لذا فلقد إرتأيت ضرورة الوصول لتلخيص جامع ومانع يجمع الأدلة على حدوث التدخل الإلهي وإرسال الرسل ... وإنطلاقاً من ذلك التخليص سوف اقدم لك مداخلتي الرئيسية والتي سأسوق فيها أدلتي على صحة عقيدتي وعلى عدم حدوث التدخل الإلهي أو إرسال الرسل وعلى عدم صحة القول بأن إرسال الرسل هو واجب عقلي ... وسوف أتناول في ذات الوقت وبشكل مفصل الأدلة التي تثبت ضرورة حدوث ذلك التدخل الإلهي ، فأقتلها تحليلاً وتمحيصاً ... ولنرى ما سيتمخض عن ذلك .


فمن أين لنا بذلك الملخص الذي يجمع أهم الأدلة على ضرورة إرسال الرسل ؟؟

تسهيلاً عليك ، فقد قمت بعملية تخليص أسباب التدخل الإلهي أو إرسال الرسل ، وذلك إشتقاقاً مما ذكرته أنت في هذا الصدد بمداخلتك السابقة . ... وما أطلبه منك هو إدخال التعديلات التي تراها مناسبة على ذلك الملخص وإضافة ما يستحق الإضافة وحذف ما يستحق الحذف وتعديل ما يستحق التعديل ... ومن ثم وبعد تمخض ملخص نهائي للأدلة على التدخل الإلهي وإرسال الرسل سوف تأتي مداخلتي التالية بناءاً على ذلك الملخص .

-------------------------------------------------------------------------------------

وفيما يلي اقدم لك ملخصاً للأدلة التي تشير لحدوث التدخل الإلهي في حياة البشر عبر إرسال الرسل وتنزيل الرسالات (مشتق من مداخلتك الأخيرة)


1. تعريف الإنسان بإجابات الاسئلة الكونية الكبرى التي حارت فيها الإنسانية ، من قبيل لماذا خلقنا ، وأين سنذهب بعد الموت ، وهي أسئلة لا يستقيم حال البشر بدون الحصول على إجابات شافية لها (حسب إعتقاد معتنقي العقيدة الإسلامية) .

2. تعريف الناس بالمنهج الصحيح وبقواعد السلوك الصحيحة (على المستوى الفردي أو الجماعي) ... ففي الشرائع المنزلة أفضل ما يمكن للبشرية من قواعد سلوك وأسس علاقات وتعاملات ينصلح بها حال البشر في حال تقيدهم بها ... ويشمل ذلك أيضاً التشريعات التي يجب أن تحكم المجتمعات وفقاً لها .... وخلاصة هذه الوظيفة هي تنظيم علاقة الفرد مع مجتمعة ومع نفسه وتنظيم علاقة مكونات المجتمع ببعضها .

3. تعريف الناس بعاقبة أعمالهم وإنذارهم ... فتقام عليهم الحجة على المحسن أو المسئ ... وبذلك يلعب الدين دوراً هاماً كرادع لمن يريد إقتراف الشرور ومحفز لمن يريد عمل الخير ..

4. تحقيق الإطمئنان النفسي للبشر ... وهو ما يتحقق عندما يعلموا بأن الدنيا إنما هي دار مرور وليست دار مقر ، ويعلموا بأن العدالة الغائبة عن دنيانا ستتحقق في الآخرة ، ويشعر الأفراد بالإطمئان والراحة النفسية كذلك عندما يشعروا بأنهم ملتزمون بمنهج صحيح وخير ، كما يلعب الدين دوراً هاماً كمادة لاصقة للمجتمعات حيث يقوم بتوحيدهم حول اهداف ورؤى مشتركة ويربطهم عبر طقوس مشتركة ... كل ذلك يتوجب قيام الله بإنزال الرسالات التي تقوم حولها الأديان حتى يتحقق ذلك وتستقيم حال البشر .

5. تعريف الناس بخالقهم ... فلا يضلوا بعبادة غيره أو يلصقوا ما لا يليق به من الصفات ، ولا يقصروا في القيام بواجب التقديس والطاعة نحو الله .

6. حب الناس للدين والتدين ورغبتهم للخضوع وميلهم للعبادة وممارسة الطقوس ... وهذا الميل يؤكد قيام الله بإرسال رسل وإنزال الشرائع ،

7. حب التمحيص والإختيار ، فطبيعة الإنسان التي تميل للتمحيص والإختيار وتحب الخوض في مسألة الإعتقاد وتمحيص العقائد ومقارنتها تؤكد صحة الدين ، فهذا الميل فطرة أودعها الله في الإنسان ، ولا بد أنه أودعها فيه لغاية وسبب وليس عبثاً .

8. إظهار الله لصفات الملك والسلطان على مخلوقاته وعلى الكون لا يكون إلا بإرسال شريعة ملزمة للناس ، وبدون ذلك فلن يتجلى سلطان الله على الناس ، فالله لا بد أن يريد للناس بأن يسلكوا وفق منهج معين ، وعليه فإن ذلك يتطلب تعريفهم بذلك المنهج ليتبعوه .

هذا هو ملخص دواعي التدخل الإلهي عبر إرسال الرسل قد صغته في ثماني نقاط ، وهو ملخص مشتق 100% من واقع مداخلتك السابقة .... فهل تعتقد بأن هذا الملخص شامل ووافي ومتضمن لأهم الأسباب التي تقتضي حدوث التدخل الإلهي عبر إرسال الرسل .... الرجاء التعليق على ذلك المخلص بالإضافة أو الحذف أو التعديل أو حتى الرفض التام ، فلن يكون في وسعي البدأ في نقد أسباب التدخل الإلهي بدون تحديدها وحصرها بشكل جيد .


-----------------------------------------------------------------------------------
ملحوظة : سأرسل لك رسالة على الخاص أبين فيها كيفية إشتقاق كل نقطة من نقاط هذا المخلص حصرياً من واقع مداخلتك السابقة .

ابن عبد البر الصغير
03-01-2012, 12:42 AM
الزميل الربوبي، مرحبا .

لا يخفى عليك أن مشاركتي هي تلخيص للمفصل، مع حذف مكثف لعدد من الإلزامات والتفريعات والإيضحات والأدلة، لهذا فالوصول لتلخيص جامع لكل الأدلة على إرسال الرسل ونظيره هو من باب الممتنع، لأني لم أضمنه كل الأدلة من جهة، ولأن المشاركة في حد ذاتها موجزة ملخصة لاحترام شرط عدم التطويل من جهة أخرى، فتلخيص التلخيص قائم على الحذف .

وخوفي أن تنصرف لتلخيص الملخص بعدما تَحذف كل إلزاماته، فيكون ردك على فكرة مجردة دونما براهين تعضدها فلا يتحقق غرض المداخلة الأم. وتلخيص الملخص هو تسهيلٌ عليكَ وليس تسهيلا عليَّ .

أما تلخيصك المُقترح فقد أتى بالفكرة دونما ذكر سندها المنطقي، فحين الرد ستتغافل عن سندها وستنقد الفكرة المجردة، فالأسلم أن تُلخص أهم النقط عندك في كناش وتضع المداخلة مباشرة دونما الحاجة إلى وضع مشاركة تلخيصية. التي بدورها أتت ناقصة فقد أغفَلت :

1- مسألة القول على الله بغير بينة ولا دليل.

2- حذف السؤال الجوهري عن أدلة اللادينية في باب الحياد .

3- ان انعدام الأدلة عند المخالف هو دليل في حد ذاته .

4- أن الجائز العقلي لا ينفى من أجل ممتنع .

5- السؤال حول المانع العقلي لإرسال الرسل.

6- صفات النقص التي يُلحقها معتقدك بالإله في حال الحياد .

ثم تأتي السبع نقط التالية التي ذكرتَها ، هذا في باب الحياد الإلهي فقط، أما باب مصادر اللادينية فغير تلك .إضافة إلى ان لكل نقطة براهينها المنطقية وإلزاماتها العقلية التي وجب عليك تفنيدها أو الإقرار بها .

وعموما فلن أعلق حتى تنتهي من رص المداخلتين، وخذ وقتك في ذلك مع استحضار الشروط .

تحياتي ..

مشرف 10
03-01-2012, 12:47 AM
في الحقيقة راجعت الحوار عدة مرات ، وبالنظر لما قدمه الأخ ابن عبد البر من اعتراضات على خرم بعض القواعد المقررة والتي أتفق عليها المتحاوران نجد أن الأخ ابن عبد البر قال :

وأذكرك بأنك خالفتَ الشرط الخامس والسادس والسابع في الاتفاق، كما أنك أغفلتَ سهوا او عمدا للمرة الثانية ذكر مصادر معتقدك مما يجعلك مخالفا للشرط العاشر،
فهو ذكر أن الشرط الخامس والسادس والسابع قد خرم بعض الشئ مع الشرط العاشر ، وبالعودة إلى كلام الزميل الربوبي وبتمحيص كلامه نجده فقط قد خرم هذا الشرط :-

5- عدم إغفال نقطة من النقط أثناء الرد، فهناك من يحب الانتقاء في المداخلة، فيرد على نقط ويغفل أخرى، أو يقتبس اقتباسا يتضمن سبع نقط على سبيل المثال فلا يرد إلا على ثلاث.
أما بقية الشروط فنعتذر للأخ ابن عبد البر عن الزميل الربوبي بأن الحوار ما زال في البداية والوقوع في بعض الأخطاء مدعاة لعدم الوقوع فيها مرة أخرى طالما حصل التنبيه ...
وعليه فالشرط الوحيد الذي تم تجاهله من طرف الزميل المحترم الربوبي هو الشرط الخامس فقط ، وقد رأيت أن الزميل قد أغفله فعلاً حتى قبل مداخلة الأخ ابن عبد البر وقبل أن يراه بأسبوع ..
ولتوضيح هذا الشرط نقول أن الزميل الربوبي كان قد ترك الإسلام ليتجه إلى اللادينية ، وعليه فهناك بعض الأصول العامة والمصادر التي اطلع عليها ووثق بها ، أما أن يكون التوجه إلى بعض النحل يفتقر إلى مصادر وأدلة وأقوال فهذا مما يجعل الحوار صعباً إذ أنه سيكون من قبيل الهوى المجرد أو مثل ما ذكر عن أحد الأئمة عندنا أنه جاءه أحد المبتدعة فناقشه في مسألة معينة فقال له الإمام لو كان الحق معك اتبعتك فماذا لو جاءنا آخر معه الحق فقال له المبتدع : نتبعه ونترك ما نحن عليه ، فقال له الإمام ولو جاءنا آخر معه الحق فقال المبتدع : نتبعه ونترك القول السابق ، فقال الإمام : سبحان الله دين محمد واحد والحق واحد !!
وعليه فوجود مصادر اطلع عليها الزميل المحترم الربوبي مما يجعل محاوره يستند إلى أقوال معينة يرجع إليها وإلا فإن الزميل الربوبي سيضطر في كل مرة إلى تبني الكثير من الأقوال بحجة اللادينيية وهذا مرفوض ونرجو أن يتفهمه الزميل جيداً حتى يكون الحوار مثمراً ونحن نثق به على الأقل أن ينصفنا وأن يراجع قوله مرة أخرى وأن يحترم هذا الشرط ...
ملاحظة : حيادية الإشراف لا تمنعنا من قول كلمة الحق حتى ولو كان المحاور ممن ينتسب إلينا ...

ابن عبد البر الصغير
03-01-2012, 01:04 AM
شكر الله لك أيها المشرف الفاضل، وحتى يعلم الزميل أن الإدارة في هذا المنتدى من شيمها إنصاف المُخالف ولو على حساب المحاور المسلم .

وهي فرصة لكي أحيي الأدب العالي في العضو الربوبي، فهو شخص محترم جدا هداه الله إلى الحق وإياي.

الربوبي
03-09-2012, 06:41 PM
الزميل إبن عبد البر

تحية طيبة ، وبعد .....

شاءت الظروف أن ينقطع المنتدى خلال نفس اللحظة التي كنت اكتب فيها هذه المداخلة وذلك قبل إسبوع ، ولكن لحسن الحظ كان لدي نسخة محفوظة منها مسجلة في ملف وورد .. وها أنا ذا أعيد سطرها


الزميل المحترم .... سأوضح لك فيما يلي وجهة نظري فيما طلبته من دلائل ومصادر أستدل بها على صحة عقيدتي الربوبية


أنا ربوبي .... وذلك يعني أنني :

* أؤمن بالله

* لا أؤمن بالأديان

* أؤمن (من واقع مشاهداتي وبتحكيم عقلي ومنطقي) بأن الله لا يتدخل في شئون البشر ، وأن القوانين والسنن الكونية هي الحاكمة وهي التي يجري كل شئ في هذا الكون وفقاً لها ، وبدون أي إستثناءات .


هذه هي عقيدتي وهذا هو إيماني ... واضح جداً وبسيط جداً .. ولنأتي الآن لما تريدني إثباته لتأكيد صحة عقيدتي ...

* هل تريدني أن أثبت لك بأن الله موجود ، ويمكن إدراك وجوده عقلاً ....... لا أظنك منكراً لذلك حتى أثبته لك

* هل تريدني أن أثبت لك بأن الأديان غير صحيحة ... هذا شئ يمكننا أن نناقشه بإستفاضة (وسيكون محور نقاشنا في الجزء الثاني من هذه المناظرة)

* هل تريدني أن أثبت لك بأن الله لا يتدخل في شئون البشر ...... حسنناً ... كما أوضحت لك في مداخلة سابقة بأن التدخل الإلهي يمكن أن يأخذ أحد خمسة أشكال :

- قد يكون في شكل إجابة الدعاء ... ولكني لم أرى في حياتي شخصاً يدعو فيستجيب الله له خارج نطاق السنن الكونية (كأن يدعو تلميذ فاشل الله لأن يصبح الأول في صفه ، فيستجيب الله له) ، ولكن على النقيض من ذلك رأيت الملايين من المسلمين والمسيحيين يدعون الله ليلاً ونهاراً لتحقيق مآرب معينة ، ولا أرى دليلا على حدوث الإجابة ، رغم إلحاحهم في الدعاء .... المسلمون يؤمنون بأن إجابة الدعاء قد تكون في شكل دفع بلاء أو تؤجل إجابة الدعاء ليوم القيامة ... أما أنا فأؤمن بأن تلك القناعة ما هي إلا تبريراً لعدم حدوث الإستجابة .

- قد يكون التدخل الإلهي في شكل إلهام أو رؤية صالحة أو خرق محدود لسنن كونية تتحقق لأحد أولياء الله الصالحين ... ولكن حدوث مثل تلك الأشياء هو أيضاً شئ غير مثبت علمياً ، وأنا شخصياً لم أرى حدوث ذلك ، ولم أسمع بحدوثه إلا في حالات محدودة بدا فيها جلياً وجود نوع من الإيحاء النفسي أو خداع الحواس الذي يدفع البعض لتصديق حدوث تلك الخوارق لبعض من يدعوا بأنهم من أولياء الله الصالحين .

- قد يأخذ التدخل الإلهي في شئون الكون شكل خرق إلهي لسنن الكون ، كإحداث زلزلال أو بركان لإهلاك قوم مفسدين ، أو جلب أمطار لقوم مجدبين رحمة بهم ، أو غير ذلك من مظاهر ما يسمى بالعناية الإلهية أو الغضب الإلهي ... وهذه أيضاً يستحيل إثباتها ، كما يستحيل التأكد من أن وقوع تلك الزلال أو البركان أو الأمطار لم يكن إلا حدثاً طبيعياً عادياً .


- وقد يكون التدخل عبر معجزة يجريها الله لأحد أنبياءه ، كشق البحر لنبي الله موسى ، وهذا النوع من المعجزات هو بالطبع حجة فقط على من رأاه ممن عاصروا هذا النبي ، ولا يقوم دليلاً على حدوث التدخل الإلهي بالنسبة لنا .

- أخيراً ، قد يتدخل الله عبر إرسال الرسل وإنزال الشرائع للبشر ... وهذا هو النوع الوحيد من التدخل الإلهي الذي يمكن الإحتجاج به لنفي صحة العقيدة الربوبية .


إذا العقيدة الربوبية صحيحة ما لم يتم إثبات صحة أحد الرسالات السماوية ونسبتها لرب العالمين (وجهة النظر الدينية) ، أو يتم إثبات عدم وجود إله (وجهة النظر الإلحادية) ، وبخلاف ذلك فإن الشئ الوحيد الذي يمكن تحدي العقيدة الربوبية به هو في القول بأن حكمة الله وعدله ورحمته (وغيرها من صفات كماله) تستوجب قيامه بالتدخل في شئون البشر عبر إرسال الرسل .


ولكن مهلاً .... من هو ذا الذي يدعي معرفته بحدود ومقتضيات الحكمة الإلهية ؟ ... من ذا الذي يستطيع الجزم بأن تعامل الله مع المعطيات هو مطابق لطريقة تعامل البشر معها ؟ ... وما يدرينا ما هي غاية الله من الخلق حتى نفترض بأن الله يجب أن يتدخل فيرسل لنا الرسل والرسالات ؟

الإجابة الإسلامية لسؤال لماذا خلقنا الله هي أن الله قد خلقنا لكي نعبده ... بالمعنى الواسع للعبادة ... أي لكي نسير على الدرب الذي رسمه لنا ونلتزم بالنهج الذي خطه لنا (هذا بالطبع بجانب تبجيله وتقديسه وذكره وشكره على نعمه) ... ولكن لو نظرنا لتلك الإجابة بتمعن سنجد بأنها لا تعطينا أي معلومة مفيدة .... فكون الله قد خلقنا لنعبده ونلتزم بالنهج الذي رسمه لنا ونقدسه ..الخ ، كل ذلك لا يمكن أن يكون هدفاً أو غاية في حد ذاته ، ولكنه يصلح فقط كوسيلة لتحقيق غايات أخرى ... على سبيل المثال عندما قام الإنسان بصنع الساعة ، فهل يجوز لنا القول بأن الإنسان قد صنع الساعة لكي تدور عقاربها !! ... هل يجوز القول بأن الإنسان قد صنع السيارة من أجل أن تسير وصنع الطائرة من أجل أن تحلق في السماء !! هذا هو نفس منطق من يقول بأن الله قد خلق الإنسان من أجل عبادته والإلتزام بالنهج الذي رسمه له ، فهذا القول ليس بجواب شافي لسؤال "لماذا خلقنا الله" ... وسيبقى السؤال مطروحاً ولكن بصيغة اخرى ، حيث سيصبح السؤال ... "لماذا يريدنا الله أن نلتزم بالنهج الذي رسمه لنا أو نقدسه أو نصلي له ... وهو غني عن كل ذلك ؟"


طالما أن الله غني عن عبادتنا له ، ولن تضيف له تلك العبادة شيئاً ، فلا مناص من القول إذاً بأن الله قد أمرنا بعبادته لتحقيق مصلحة خاصة بنا (أي لتحقيق مصلحة البشر) ... ولكن حتى هذا الإفتراض لن يحل المعضلة ... إذ كيف يصح القول بأن الله قد خلقنا لتحقيق هدف ما ، في حين أن تحقيق هذا الهدف لن يكون مطلوباً لو لم يخلقنا الله من الأساس ، فلو لم يخلقنا الله لما كان هناك داعي لكي يأمرنا بعبادته لكي تتحقق مصلحتنا !!


وعليه ... لا توجد إجابة شافية لسؤال (لماذا خلقنا الله) سوى بالإعتراف بأن الله قد خلقنا لغاية أو حكمة يعلمها الله وحده ولم يفصح لنا عنها .... فإذا كنا لا نعرف الغاية التي خلقنا الله من أجلها ، فكيف نجرؤ على الإدعاء بأن إبراز كمال الصفات الإلهية يقتضي إتصال الله بنا وإعطاءنا تعليمات محددة عبر رسله لكي نتبعها !!

في الواقع فإن إفتراض تدخل الله لحل مشاكل البشر وضبط أمورهم لا يعدو أن يكون نوعاً من التفكير القائم على التمنيات (Wishfull thinking) ... وهذا دائماً هو حال الإنسان عندما يشعر بالضعف أو فقد السيطرة ، فسرعان ما يهرع لأحلامه ورغباته فيخلطها بالواقع فيقول محدثاً نفسه ... (أنا أستحق ذلك ، إذا يجب أن يحدث ذلك) !!! ... فنحن نتصور بأن الخالق العظيم سوف يتدخل في حياة البشر عبر إرسال الرسل ، ولكن هذا التصور قد يكون مجرد نتيجة لقصر مدراكنا ولعدم إحاطتنا بالحكمة الإلهية والغايات الإلهية .


----------------------------------------------------------



وهناك خطأ منهجي آخر وقع في الإنسان القديم (وكرسه الفكر الديني) ... وهو الحرص الزائد على ملأ كوب المعرفة عندما يكون فارغاً أو نصف ممتلئ ... فالإنسان بطبعه يحب أن يكون محيطاً بكل شئ ولا يقبل الغموض في بناءه المعرفي ، وهذا ما دفعه للوقوع في خطأ "ملأ الفراغ المعرفي بالأساطير" .... فقديماً – على سبيل المثال - لم يعرف الإنسان سر نزول المطر فإفترض بأن هناك إلهاً مسئولاً عن ذلك ، تقدم له القرابين فيستجيب منزلاً الغيث !!!



وعلى النقيض من ذلك فالعقيدة الربوبية تقبل وبصدر رحب وجود بعض الفراغات المعرفية ... عملاً بمبدأ (الإقرار بالجهل فضيلة) ، ولعل هذا هو سر بساطتها ، وسر إستعصاء نقدها على الكثيرين ....


صحيح أن هناك بعض من الأسئلة التي يرغب الإنسان (وكنت أرغب شخصياً) في أن يوضحها لنا خالق الكون ، (وتحديداً السؤال المتعلق بمصيرنا بعد الموت وشكل الثواب والعقاب المترتب على أعمالنا الدنيوية) ... ولكن للأسف لم يقدم الخالق العظيم لنا إجابات لتلك الأسئلة (وذلك من وجهة نظري الربوبية) .


* فهل ألوم الله أو إفترض فيه عدم الكمال والحكمة لأنه لم يفعل ذلك .... بالطبع لا ، فليس من حقي أن ألوم الله ، ولكن يجب أن ألوم قصر مداركي وعجزي عن إدراك الغايات الإلهية وأبعاد الحكمة الإلهية ... ولا أستبعد أن يكون في عدم إجابة هذه السؤال بواسطة الخالق خيراً أعظم للإنسانية .


* هل أسلم بصحة الإديان لمجرد أنها قدمت إجابات لتلك الأسئلة .... كان ذلك ممكناً لو كانت إجابات الأديان لتلك الأسئلة منطقية ، ولو لم تحتوي الأديان على كثير من جوانب التناقض واللامنطقية واللاعملية التي دفعتني لرفضها جملة وتفصيلاً (وهذا بالطبع من وجهة نظري ) .


كل ما تقدم هو لكي أثبت لك بأن إفتراض التدخل الإلهي عبر إرسال الرسل ليس واضحاً وليس بديهياً وليس واجب عقلاً (كما تفضلت أنت بالقول سابقاً) ... بل أني أرى أن في مثل هذا القول نوع من التجني على الذات الإلهية .





وأختم هذا الجزء من المداخلة بالرد على قولك التالي :




لأن الجائز العقلي لا يُنفى من أجل مستحيل عقلي، فإن كان هذا في الجائز، فالواجب العقلي أحق بهذه القاعدة من الجائز، خاصة وأن فطرة العقل دالة عليه ببراهين أخرى .


فأنت تقول بأن إرسال الرسل هو واجب عقلي ... ولكن كيف يكون ذلك ؟؟؟ الواجب العقلي هو شئ لا يجب الإختلاف حوله وهو مالا يتصور العقل عدمه او إنتفاءه ... فهل قصر عقل إينشتين أو إسحاق نيوتن أو غيرهم من العلماء والمفكرين عن إدراك هذا الواجب العقلي ... 95% من العلماء الحاصلين على جائزة نوفل هم من اللادينين ، فهل تعني هذه الإحصائية شيئاً بالنسبة لك ... ولا أسوق هذه الأحصائية للتدليل على صحة اللادينية ولكن للتدليل على عدم بديهية فكرة إرسال الرسل أو كونها واجب عقلي .



----------------------------------------------------------

لعل فيما ذكرته سابقاً توضيح لبعض الأسس التي تقوم عليها العقيدة الربوبية والرد على بعض مطالبك بتوضيح مصادرها وطبيعتها ، وتطرقت في تلك المداخلة أيضاً لفكرة التدخل الإلهي بشكل عام لإثبات عدم بداهتها وعدم حتميتها .


في المداخلة القادمة (والتي ستكون في الغد) ، سوف أسرد لك بالتفصيل الأدلة التي أشتق منها صحة عقيدتي الربوبية وأجاوب على ما طرحته أنت من أدلة تستدعي إرسال الرسل وما أشرت له من وظائف الدين التي قلت عنها بأنها وظائف اساسية يجب أن تضطلع بها أي عقيدة حتى تكون جديرة لأن نؤمن بصحتها .

مشرف 10
03-09-2012, 08:00 PM
نرجو ان تكون مداخلة الزميل الربوبي بعد مداخلة الاخ ابن عبد البر منعا للاثقال المتعب من جراء الردود المتتابعة بدون فاصل

ابن عبد البر الصغير
03-11-2012, 01:36 AM
لا بأس أخي المشرف حفظك الله، فهذا الأسبوع عندي فيه سعة، خاصة وأن المشاركة الأخيرة للزميل هداه الله لم ترد على أغلب النقط وليس بها استشكالات عويصة تتطلب تطويلا، لهذا سأعلق بعدما يضع مشاركته الثانية، حتى نرى مدى موافقته للشروط وإحاطته بكل الإلزامات.

الربوبي
03-11-2012, 11:29 PM
الزميل الفاضل إبن عبد البر

شكراً لك على السماح لي بإكمال مداخلتي ، ومثل هذا التصرف النبيل يليق بك وكنت أتوقعه ،

وسوف أتناول في هذه المداخلة جزئين هما :

1) ذكر أدلتي على الحياد الإلهي أو على عدم إرسال الرسل

2) الرد على مداخلتك الأخيرة ، وما ذكرته من دواعي تستدعي إرسال الرسل وإنزال الشرائع

------------------------------------------------------------------
الجزء الأول : الأدلة على الحياد الإلهي وعلى عدم إرسال الرسل



الدليل الأول : عدم منطقية الأديان (التي تقول بأن الله قد أرسل رسلاً) يثبت عدم صحة قيام الخالق بإرسال الرسل

وهناك نقطة هامة أرجو لفت الإنتباه لها لفهم هذا الدليل ... وهي أني لا أقول بأن الرب الخالق "لن ينزل ديناً" في المستقبل ، فهذا شئ لا يمكن الجزم به ، وإنما قلت بأن "الرب الخالق لم ينزل ديناً" في الماضي ... وهناك فرق بين "لم" و "لن" ... وعندما أقول بأن عقيدتي هي بأن الإله لا يتدخل بشكل مباشر في سير الكون فإن ذلك هو مجرد قراءة تاريخية للماضي وليس صياغة لقانون يحكم المستقبل .

أما بخصوص عدم تدخل الله في الماضي (عبر إرسال الرسل) فهو جلي بالنسبة لي (وبالنسبة والكثيرين غيري ممن شهد لهم القاصي والداني من علماء ومفكرين وفلاسفة عظام ، ولا داعي لذكرهم وهم بالآلاف) ، فلما فحصت الأديان الحالية ورأيت أوجة تناقضها وعدم منطقيتها ومخالفتها للعلم وصلت لقناعة ببشريتها وعدم لياقتها لأن تكون صادرة من الخالق العظيم وتيقنت بأن الرب الخالق لم ينزل ديناً ... وطالما أنه لا يوجد دين صحيح (من وجهة نظري) ، فإن ذلك يعني بأن الخالق العظيم قد إرتضى للبشرية اللادينية ...وكل ما يقال عن ضرورة قيام الله بإرسال الرسل يصبح لا قيمة له إن لم يثبت وجود رسالات على درجة من الكمال والسمو والصحة تليق بأن تكون منزلة من الله رب العالمين

بإختصار دليلي الأول هو نفس دليلك لإثبات خطأ الربوبية... حين قلت :


أن انعدام الدليل عند المخالف، دليل ... فإن انعدمت هذه الحجج والبراهين (على صحة قضية ما) فيكون نقيضها أولى بالتسليم وأحق بالتصديق، لأن مانع القضية السالبة يسلم جدلاً بنقيضها"


وبما أن الحجج والبراهين قد إنعدمت على صحة الأديان فإن نقيضها (اللادينية) يكون أولى بالتصديق .

وكل ما سبق هو بالطبع من وجهة نظري ... كما أننا لن نخوض في تفاصيل هذا الدليل لأن ذلك مؤجل للقسم الثاني من مناظرتنا والمتعلق بإثبات صحة الإسلام .


الدليل الثاني : محدودية النتائج المترتبة على التدخل الإلهي المفترض تؤكد عدم حدوثه

فالأديان لم تستقطب إلا نسبة بسيطة من البشر ، ومن هذه النسبة التي آمنت بتعاليم السماء وبالرسل هناك نسبة أقل عملت بمقتضى تلك التعاليم ... والنتيجة هي أن تلك التعاليم والتوجيهات السماوية لم تكن مؤثرة فعلاً في مسيرة البشرية ، وبشكل يتناسب مع كونها صادرة من الخالق العظيم .

ولو كانت البشرية فعلاً بحاجة لذلك التدخل الإلهي ولا يستقيم حال البشر إلا بذلك التدخل ، فإن من المفترض أن نرى نتائج ملموسة لذلك التدخل الإلهي وفي شكل تغير جذري في حياة البشرية ، ولكن لا يوجد أي أدلة تؤكد حدوث ذلك التغير الجذري في مسيرة البشرية والذي يمكن نسبته لتدخل إلهي أو إرسال رسل .

إذاً عاش الإنسان طوال عمرة على ظهر كوكب الأرض وكأن لم يكن هناك رسل أو رسالات ، صحيح أن البشر عانوا خلال مسيرتهم تلك من بعض المشاكل والصعاب ، ولكنهم تعايشوا مع تلك المشاكل والصعاب وسعوا للتغلب عليها ، ويبدو لي أن البشرية قد حققت تقدماً ملموساً في هذا الجانب ... مرة أخرى بدون عون من السماء أو بتوجيه من الرسالات والشرائع المنزلة ... بإختصار لو أسقطنا الرسل والرسالات فلن نلمس أن تغيراً في حال البشرية .


الدليل الثالث : إفتراض حدوث ذلك التدخل الإلهي يوقعنا في فخ إتهام الخالق العظيم بالتقصير

فإفتراض عدم إستقامة حال البشر بدون إرسال الرسل يعني أحد شيئين (أو كلاهما) ... فقد يعني بأن الله قد خلق البشر وفيهم ضعف ذاتي أو خلل مركب ، مما يجعلهم بحاجة دوماً لتدخل خارجي من الخالق لإصلاح ذلك الخلل (عبر إرسال الرسل) ، وهذا الخلل المركب قد يشير إلى عيب في التصميم أو الصنعة (تعالى الله عن ذلك) ... وقد يعني إحتياجنا للتدخل السماوي وعدم إستقامة حالنا بدونه بأن الله قد رضى (أو ربما شاء) بأن يكون حال البشر غير مستقيماً ومختلاً ، وأن لا يتم إصلاح الخلل الذي هو كائن فيهم ومزروع فيهم بالفطرة ... فكما هو معلوم فإن أغلب الناس لا يؤمنون بالرسل والرسالات وإن آمنوا بها فلا يعملوا بمقتضاها (كما تم التوضيح في النقطة السابقة) ، والمحصلة هي أن حال البشر لن يستقيم وسيظل مختلاً رغم إرسال الرسل .


الدليل الرابع : إثبات حاجة البشرية لذلك التدخل الإلهي وللرسل والرسالات السماوية يقوم على أن إفتراض غير مثبت وهو أن المؤمنين برسالة السماء والمتبعين لها هم أفضل حالاً من غير المؤمنين بها أو المتبعين لها

فبدون إثبات أفضلية المؤمنين على غير المؤمنين يستحيل إثبات حاجتنا لذلك التدخل السماوي ... أي يجب أن يتم أولاً إثبات أن الرسل والرسالات قد أثرت فعلاً في حال متبعيها فجعلت حالهم أفضل من غيرهم ... ولكن هذا الشئ هو غير ثابت ... صحيح أن حال المؤمنين قد يكون أفضل من حال غير المؤمنين في بعض الجوانب (مثل الأخلاق الجنسية أو غيرها) ولكن هذا لا يكفي للحكم بأفضلية المؤمنين على غير المؤمنين .

في الواقع حتى تثبت الحاجة للتدخل السماوي فيجب أن يكون حال المؤمنين هو أفضل في كل الجوانب وليس فقط في بعضها ، وأن يكونوا أفضل من جميع الغير مؤمنين (وليس فقط أفضل من بعضهم) ، وأن يكون تمايز المؤمنين على غير المؤمنين واضحاً وجلياً فيتفوقوا بمراحل حال الغير مؤمنين (بما يليق بعظمة المصدر الإلهي الذي أعطاهم هذه الافضلية) ... وكل ذلك هو بالطبع غير مثبت .

أما ذلك المجتمع المثالي الذي تبشر به الأديان أتباعها إن هم إتبعوا تعاليم السماء ، فهذا المجمتع لم يقم على أرض الواقع (في إعتقادي) ، وليس له وجود سوى في كتب التاريخ الإسلامي (التي تدعي أن ذلك المجمتع المثالي قد وجد فعلاً خلال فترة النبوة وخلال فترة الخلفاء الراشدين) .


الدليل الخامس : الإعتراض الموجه لوسيلة ذلك التدخل الإلهي المفترض (أي عبر إرسال الرسل)

فإسلوب ذلك التواصل المفترض بين الله والبشر ... أي عبر الأنبياء والرسل ... هو إسلوب تثار العديد من التساؤلات حول مدى منطقيته ... فلا يعقل (بالنسبة لي) أن يلجأ الله لأشخاص يصطفيهم ليبلغوا رسالته للناس ؟ وأتساءل ... لماذا لا يقوم الله بإيصال تلك الرسالة بنفسه وهو قادر على ذلك ؟ ... إذا كان لديك رسالة (هامة جدا) تريد أن توصلها لشخص ما او مجموعة أشخاص ، هل ستوصلها لهم بنفسك أم سترسلها عن طريق وسيط او رسول ؟ ... بالتأكيد إذا كانت الرسالة هامة جدا وكنت قادرا على إيصالها بنفسك فلن تلجأ إلي الوسيط ... فإذا كان الخالق العظيم قد خلق الناس خصيصاً ليعبدوه فلماذا شاء أن يتم إيصال تلك الرسالة بواسطة أشخاص قد تحوم حول صدقهم الشبهات ، وقد يتهمون بالكذب في إدعاء النبوة ... وهذا ما حدث بالفعل ، فقد كُذِّبَ معظم الأنبياء .

قد يقول البعض بأن الله قد شاء أن يرسل الرسالة بواسطة أشخاص من نفس جنس المرسل إليهم أو بأن الحكمة من قيام الله بإرسال الرسل وعدم تبليغنا تلك الرسالة بنفسه أو عبر ملائكة مثلا هي ضرورة تجسيد تلك الرسالة في الواقع من خلال سلوك وممارسات الرسل الذين يرسلهم الله للناس لإعطاء مثال حي على كيفية الإلتزام ... وأحسب أن هذا الرأي ليس ناتجاً إلا عن قصور في تصور حدود القدرة الإلهية وما يمكن أن يفعله الله لو أراد تبليغنا رسالته بدون وسطاء .

فهل هذا الإسلوب يليق بالخالق العظيم لإيصال رسالته لعموم البشر ... أليس من كمال الله وعظمته أن يلجأ لإسلوب آخر أكثر نجاعة في إيصال رسالتة للناس بدلاً من الإعتماد على رسل يكونوا دائماً محل شك وإتهام بإدعاء النبوة سعياً لتحقيق مآرب خاصة أو أجندات معينة بغض النظر عن مدى أخلاقية وسمو تلك الاجندات .



الدليل السادس : عدم إنتظام ذلك التدخل السماوي المفترض وعشوائية نطاق تغطيته الزمانية والمكانية يؤكدان عدم إلوهيته ... ولو كان هذا التدخل ضروري فعلاً وكان صادراً من الخالق العظيم لشمل كل البشر في كل زمان ومكان .

يتهم اللادينيون الأديان السماوية عموماً والإسلام على وجه الخصوص بأنها ظاهرة شرق أوسطية ، ويرد المسلمون على هذا الإتهام عادة بالقول بآية (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) ... ولكنهم يعجزون عن ذكر أي نبي مرسل لأي أمة خارج نطاق الشرق الأوسط أو التدليل على صحة وجوده ، حتى في أساطير الشعوب القديمة ... فلا يعرف من هؤلاء المرسلين الذين أرسلهم الله سوى ال 24 نبياً المذكورين في التوارة بالإضافة إلى نبي الله صالح الذي إنفرد القرآن بذكره وبعض الأنبياء الذين إنفرد التوراة أو الإنجيل بذكرهم بذكرهم

وحتى نكون أكثر دقة فلا بد من الإشارة إلى أن ظاهرة الرسل والرسالات ليست فقط ظاهرة شرق أوسطية ، بل هي في الواقع ظاهرة تنحصر فقط في 6 ديانات شرق أوسطية (هي الزرادشتية والديانة المانوية وديانة الصابئة واليهودية و المسيحية والإسلام)... ولم تدَّعِي أي من الديانات القديمة بخلاف تلك الديانات الستة بأن الله قد أرسل أنبياء لتبليغ الناس بأوامر أو تعليمات محددة ... صحيح أن في الكثير من الحضارات وفي الكثير من الأديان هناك بعض الأشخاص ممن إدعوا قدرتهم على الإتصال بقوى خارقة أو قوى من خارج الكون ، إلا أن أياً من هؤلاء المدعين لم يدعي بأن الله قد أرسله لإبلاغ الناس بأوامر وتعلميات محددة أو بأن كتاباً سماوياً قد نزل عليه من الله .. حدث هذا فقط في الديانات الستة المشار إليها ... والمفارقة الأخرى هي أن تلك الديانات الستة المشار لها هي ديانات متداخلة ورثت بعضها بعضاً ، فالإسلام والمسيحية تأثرتا باليهودية ، وديانة الصابئة والمانوية تأثرتا بالمسيحية والزرادشتية ... وهكذا يمكننا تتبع منشأ ظاهرة الرسل والرسالات إلى الديانة اليهودية أو الزرادشتية ومن أحد هاتين الديانتين إنتقلت الظاهرة للديانات الأخرى (حسب إعتقادي) .

أما العشوائية الزمانية لظاهرة إرسال الرسل فتظهر بوضوح من خلال ما يعرف بأهل الفترة ... فإذا كان الله يخلق بعض البشر ثم يتركهم بدون رسل أو رسالات ، فهذا يثبت بأن حاجة البشر للرسالات ليست حاجة ماسة .


هذه 6 أدلة تشكك بوضوح في صحة ذلك التدخل الإلهي المفترض عبر إرسال الرسل ، وتعطيني الحق لرفضه عقلاً .... وبعد سقوط فكرة التدخل الإلهي عبر إرسال الرسل ، يكون قد تم دحض كل أشكال التدخل الإلهي الممكن في حياة البشر أو في سير الكون .... وبدحض فكرة التدخل الإلهي في حياة البشر يكون قد تم إثبات مبدأ الحياد الإلهي ... وبإثبات الحياد الإلهي مع إثبات عدم صحة الأديان (الذي سيتم نقاشه لاحقاً) ، وإثبات وجود خالق للكون يكون قد ثبت صحة العقيدة الربوبية .


-----------------------------------------------------------------


الجزء الثاني : الرد على مداخلتك الأخيرة ، وما ذكرته من دواعي تستدعي إرسال الرسل وإنزال الشرائع


ذكرت في مداخلتك السابقة الأسباب التي تستدعي ضرورة إرسال الرسل وإنزال الشرائع للبشر ... فذكرت الوظائف التي يقوم بها الدين للبشر وذكرت في موقع آخر الأدلة على إرسال الرسل وإنزال الشرائع وأخيراً أشرت إلى أن عدم إرسال الرسل يتضمن إتهاماً للذات الإلهية وإستطردت في شرح أسباب ذلك ....

وسأوضح فيما يلي بعض الأسس الهامة الجامعة التي تنفي كل تلك الأسباب والذرائع التي ذكرتها أنت كدلالئل على ضرورة إرسال الرسل ، وسأبدأ بالوظائف أو الأدوار التي أشرت لها وقلت بأنها وظائف لازمة يجب أن يلعبها الدين .


أولاُ : بالنسبة للوظيفة التفسيرية للدين

وقد وصفت طبيعة تلك الوظيفة فقلت عنها :


تفسير ظواهر الكون مثل حكمة الخلق والتعريف بالخالق ودور الإنسان في الحياة وما بعد الموت ، ودفع العدمية

ومن خلال النقاط التالية سأبين وجهة نظري حول عدم تبرير تلك الوظيفة لقيام الله بإرسال الرسل


• إذا أردت إثبات حاجاتنا للدين لتفسير ظواهر الكون التي أشرت لها ، فعليك اولاً إثبات أن التفاسير التي قدمتها الأديان لتلك الأشياء الغامضة هي تفسيرات صحيحة ... (وبالطبع هذا شئ يستحيل إثبات صحته مثل ما يحدث للناس بعد الموت) ... فكما ذكرت لك سلفاً فإن البشر كان لديهم دائماً ميل لإيجاد إجابات للأشياء الغامضة المتعلقة بحياتهم ... ومجرد قيام الأديان بتقديم إجابات أو تفاسير لبعض النواحي الغامضة في حياة البشرية لا يثبت صحتها .

وعليك أيضاً إثبات أن التفسيرات أو المعارف التي قدمها لنا الدين (عبر قيامه بتلك الوظيفة) لا تعدو أن تكون ترفاً معرفياً لا يترتب عليه شئ وليس للبشرية حاجة حرجة له ، مثل معرفتنا بالملائكة وعرش الله وقصة الخلق وكثير من قصص الأنبياء .

وبالنسبة للغاية من الخلق (لماذا خلقنا الله ) ، (وهي أحد الظواهر الكونية الغامضة التي قدمت لها الأديان تفسيراً) ، فعليك إثبات منطقية التفاسير الدينية (والتي هي أن الله قد خلقنا لعبادته) ، رغم أن الله غني عن عبادتنا ، وكان الأولى به عدم خلقنا لو كان الغرض من تلك العبادة هي تحقيق مصالح خاصة بنا نحن بنو البشر .



ثالثاً : بالنسبة للوظائف التأديبية والتلقينية

والتي عرفتها أنت فقلت :

الوظيفة التلقينية : وهو تلقين الناس لفسلفة الدين في الحياة والمجتمع وغيره
الوظيفة التأديبية : وهو ما يتعلق بالأخلاق والعبادات والمعاملات .

وهاتان الوظيفتان سأتناولها معاً ، فكلاهما يدور حول أهمية الدين لتعريف الإنسان بأنماط السلوك والإعتقاد الصحيح التي يجب أن ينظم الفرد والمجتمعات حياتها وفقاً لها ... أي بإختصار التعليمات التي يريدنا الله أن نلتزم به ... وسأبين فيما يلي الإعتراض على قولك بحاجتنا الدين لأداء هاتين الوظيفتين :

• إذا كانت تلك التعليمات السماوية طقوساً عبادية كالصلاة والصوم الخ ، فرغم ما ينسب لتلك الطقوس من فوائد صحية وإجتماعية أو نفسية ، إلا أن تلك الفوائد تبقى غير مثبتة ومحل جدال وقد يطول فيها النقاش ويتفرع ، هذا بخلاف أنها فوائد فرعية أو هامشية ولا تبرر الحاجة للرسل والرسالات ... إذاً يبقى إذا الدور الأهم للطقوس الإسلامية وهي إستيفاء حاجة الإنسان الفطرية للعبادة والخضوع .

وبالنسبة لما يسمى بحاجة الإنسان للعبادة والخضوع ... فهذا إدعاء لا أرى صحته ، فلا يوجد ما يسمى بحاجة الإنسان للعبادة والخضوع ، ولكن يوجد لدى الإنسان خوف من المجهول ورغبة في السيطرة على الطبيعية وفهم وتفسير الظواهر الغامضة ... أما عن قيام الحضارات القديمة بإتخاذ الأديان وعبادة مظاهر الطبيعة (وهو ما يستدل به البعض على حاجة الإنسان الطبيعية للعبادة) ، فهذا لا يقوم دليلاً على حاجة الإنسان للعبادة ... فإختراع الدين لم يأت نتيجة حاجة البشر للعبادة والخضوع أو بسبب حاجة الإنسان للتواصل مع الله ، ولكن ظهر الدين بسبب ضعف الإنسان القديم أمام الطبيعية االتي كانت تحمل أحياناً تهديداً لوجوده وتتحكم في قدرته على تحصيل إحتياجاته ، ودليل ذلك أن الأديان البدائية لم يكن فيها مكاناً لله وإنما كانت عبارة عن طقوس وقرابين لإرضاء الطبيعة ... وقد درس علماء الإنثربولوجيا ظاهرة الأديان بشكل وافي ووصلوا لنظريات شبه مؤكدة تشرح كيفية نشأة وتطور الأديان .

• وإذا كانت تلك التعليمات السماوية هي أحكاماً تهذيبة ، (مثل التشريعات الأخلاقية للأديان وما تضمنته الأديان من دعوة لإلتزام الأخلاق الحميدة أو بعض قواعد السلوك الراقي) ... فمن المؤكد أن مجرد دعوة الدين للإلتزام ببعض القواعد والتشريعات الأخلاقية والحضارية لا يقوم دليلاً على صحتة أو على ضرورة إنزال الشرائع السماوية ، وذلك للأسباب التالية :

* لا يمكن إثبات أن نزول الدين كان سابقاً لتطور هذه القيم الأخلاقية في الضمير الإنساني وإقرار الإنسانية برفعة وسمو هذه القيم الأخلاقية وضرورة إلتزامها ... فهل الأخلاق سبقت الدين أم أن الدين هو الذي عرفنا بالأخلاق ... هذا هو السؤال المحوري الذي لا يمكن إثبات حاجتنا للدين في هذا الخصوص ما لم يتم إثبات أسبقية الدين على الأخلاق ... أما مجرد دعوة الدين للإلتزام الاخلاق فلا يقوم دليلاً على الحاجة له ، فالكثير من الحركات الإجتماعية التي لا علاقة لها بالأديان قد دعت أيضاً للإلتزام الأخلاقي .

* هناك بعض الإختلاف بين القيم الأخلاقية التي أقرتها الأديان والقيم الأخلاقية الإنسانية ، ولكن لا يمكن الجزم أيهما أفضل وأرقى .. وأرى أن الأخلاق الدينية قد تتفوق في بعض النواحي إلا أن الأخلاق الإنسانية تتفوق في نواحي أخرى .. كما أن هناك الكثير من القيم الأخلاقية الإنسانية التي لم تشر لها الأديان بوضوح .


رابعاً : وظيفة الدين التشريعية

وبخصوص تلك الوظيفة ، فقد ذكرت في مداخلتك الأخيرة ما يلي :


الوظيفة التشريعية : سن القوانين الكفيلة بحماية حقوق الفرد والجماعة، ومعرفة الحلال والحرام

بالنسبة للتشريعات التي اقرتها الأديان ... سواء تلك المتعلقة بنظام المجتمع والقوانين التي تحكمه (مثل الحدود ومنع الربا ونظام الحكم وغيرها) أو تلك التي تحكم أفراده (مثل تحريم بعض أنواع اللحوم والختان وما شابه ذلك) ، ، فهذه التشريعات أيضاً من الصعب الجزم بتفوق الأديان في طرحها (حتى نستطيع القول بأن البشرية كانت بحاجة للأديان لتعريفها بما هو أنسب لها من تشريعات) ... ومرة أخرى قد تتفوق التشريعات السماوية في بعض الجوانب إلا ان التشريعات الوضعية لها أيضاً جوانب تفوقها (مثل منع العبودية والمساواة بين الرجل والمرأة ومنع العنصرية وإحترام حقوق أسرى الحروب وميثاق حقوق الإنسان ، غيرها) ، هذا عدا عن التحفظات على بعض التشريعات السماوية التي لا تبدو مناسبة للإنسانية (مثل حدود الرجم وبتر يد السارق والولاء والبراء وغيرها ، الخ) .


خامساً : الوظيفة التطمينية للدين

وبخصوص تلك الوظيفة ، فقد اشرت لما يلي :

الوظيفة التطمينية : أي تطمين الأتباع على مصيرهم ما بعد الموت، ومعرفة المُنجي من المُهلك، وتحذير المخالفين.


وهذه الوظيفة هي أحد الوظائف الحقيقة والهامة التي أرى الدين يقوم بها ، وقد يظن البعض بأن تلك الوظيفة وحدها تبرر ضرورة إنزال الشرائع وإرسال الرسل .... ولكن قبل الجزم بذلك لا بد من تذكر أن :

• هناك مئات الملايين من البشر ممن هم غير مؤمنين بأديان سماوية (مثل أتباع الكنفوشيوسية والبوذية الذين لا تؤمنون حتى بوجود إله ، ومثل مئات الملايين من غير المؤمنين في أوربا وأمريكا ) ، ورغم عدم وجود رادع يمنع هؤلاء من التصرف بأخلاقية وإنسانية إلا أنهم لم يتحولوا لوحوش كاسرة ولا يعانون من الإكتئاب ، بل لعلهم أفضل من كثير من المتدينين في الكثير من الجوانب الأخلاقية والنفسية .

• بالنسبة للدور الردعي للدين ، فهناك وسائل كثيرة تقوم بشكل جيد محل الأديان في توفير الردع أو الحافز ودفع الناس لعمل الخير وإجتناب الشر ... وأهم دوافع الإلتزام الأخلاقي هي الضمير الإنساني وحب الإنسان الفطري لعمل الخير ، وإحساس الإنسان بأن أعماله الحسنة أو السيئة سوف تنعكس عليه ... اخيراً يقوم البشر بوضع الكثير من التشريعات والقوانين وبوضع نظم العقاب والثواب التي تنجح لحد كبير في تحقيق الإلتزام بالسلوك الحسن وإجتناب السلوك السئ بما يغني عن الروادع الدينية ... مثل بسيط أسوقه لك هو إحترام قواعد المرور ... ففي الدول الغربية نجد أن الناس تحترم قواعد المرور لمعرفتها بأن ذلك سيعود بالنفع على الجميع ولحرصهم على تجنب المساءلة القانونية ، وها هو النظام يعمل بكفاءة ، في المقابل نجد لدينا في الشرق المسلم فوضى مرورية وعدم إنضباط .

• وفي مقابل ذلك نجد أن الأديان وما تقدمه من روادع أخلاقية لم تنجح في إحداث تغير جذري في أخلاق وسلوك الناس ، وهو شئ على الأقل لا يمكن إثباته ، ولا يمكن القول بأن أتباع الأديان عموماً هم أكثر أخلاقية من غيرهم ... ومن ثم لا مجال للإدعاء بأن العالم هو مكان أفضل بفضل الأديان أو القول بأن البشر يصبحوا أقل أخلاقية بدون الأديان .

• المنظومة الأخلاقية والسلوكية التي تدعو لها الأديان هي منظومة مشوهة (من وجهة نظري ومن وجهة نظر الكثيرين) ، مقارنة مع القيم الإنسانية المتعارف عليها في عصرنا الحديث ، كما أن هناك كثير من الاشياء التي تدعو لها الأديان هي غير متوافقة مع الأخلاق الإنسانية والفطرة السليمة المحبة للخير والحق ، مثل الحث على عدم حب المخالفين والدعوة للبراءة منهم ، وفشل الدين في القضاء على العبودية ... أو هي على أقل تقدير منظومة جامدة لا تتكيف للتغيرات التي تطرأ على المجتمعات وما يصاحب ذلك من تغيرات في بعض القيم والمعايير السلوكية .

• بالنسبة لدور الدين في تعريف الناس بوجود نظام عدالة سماوي يضمن تعويض المحرومين والمظلومين في الدينا وتحقيق العدالة التي تبدو غائبة عن عالمنا ، وتعريف الناس بأن الدنيا إنما هي مجرد معبر وأن الدار الأخرة هي دار القرار ، وكذلك زرع القناعة والطمأنينة في قلوب البشر عبر إعلامهم بأن أرزاقهم ومصائرهم وأقدارهم هي مسجلة بيد الله ولا مجال لتغيريها ... فلا بد من رفع القبعة للدين لقيامه بتلك الوظيفة ... ولكن مجرد قيام الدين بأداء هذه الوظيفة لا يقوم دليلاً على صحته ، حيث أن قيام الدين بهذه الوظيفة جاء كمنتج فرعي أو هامشي Byproduct لوظائف الدين الأخرى مثل تعريف الناس بالخالق وإنزال الشرائع وحث الناس على عبادة الله ... الخ

ومن ناحية أخرى كما أن للدين إنعكاس إيجابي على التوازن النفسي لأتباعه ، فكذلك للأديان إنعكاسات سلبية ، تتمثل لدى الكثيرين في حالة اللامبالاة بالدنيا وإستحقارها أو الزهد الزائئد عن الحد ، وبسبب حالة الخوف الدائم من الله وعذابه التي يعيشها المؤمن ، وبسبب تعقيدات الحياة التي يعيشها المؤمن فيحرم نفسه بالكثير من الأشياء الطبيعية التي حرمها الدين أو يلزم نفسه بأشياء لا ضرورة لها بسبب الدين ، هذا بخلاف حالة عدم الرضا الداخلي التي يعيشها المؤمن عندما يجد نفسه مضطراً لإحتقار الآخر .


سادساً : الوظيفة النفسإجمتاعية للدين

والتي قلت أنت بخصوصها :


الوظيفة النفسانواجتماعية : تحقيق الاستقرار للفرد والجماعة وضمان الوحدة التناغم الثقافي بين أفراد الدولة


بالنسبة لدور الدين في تحقيق التناغم الثفافي وضمان وحدة الجماعة وما إلى ذلك ، فهذه الوظيفة يمكن تحقيقها عبر وسائل متنوعة بخلاف الدين مما ينفي الحاجة للدين لمجرد تحقيق هذه الوظيفة ... فيكفي الإنسان أن ينتمي لأي منظمة تنجح في ربط أفرادها بوشائج قوية وجمعهم على هدف سامي حتى تتحقق هذه الوظيفة .

وبالنسبة لدور الدين في تحقيق التوازن النفسي لأتباعه (في بعض الجوانب) ... عبر خلق الإحساس بالقناعة والزهد في الدنيا وعبر الطمأنينة إلى تحقق العدالة وتعويض المحرومين والمظلومين ... فكل ذلك سبقت الإشارة له في إطار الحديث عن وظيفة الدين التطمينية .


وبهذا يكون قد تم تناول الوظائف الستة التي ذكرتها أنت كدليل على حاجة البشرية للدين ، وبخلاف الوظيفة التطمينية ، فإن الوظائف الأخرى وكما تم التوضيح هي إما وظائف لا يقوم الدين بها فعلاً أو أنها ليست وظائف ضرورية ولازمة للبشرية أو أنه ليس من الثابت بأن الدين يقوم بتلك الوظائف بشكل أفضل مما يمكن مما هو متاح بواسطة المناهج الوضعية .


------------------------------------------------------

ونأتي الآن للأدلة التي سقتها في مداخلتك للتدليل على حاجة البشرية للتدخل الإلهي حيث ذكرت الآتي :



الدليل الأول على حاجة البشرية للرسل وإنزال الشرائع


الله متصف بالحكمة والقدرة والكلام، وانه قادر على إرسال الرسل وإنزال الشرائع وتدبير الكون وأحوال المخلوقات وعنايته بهم، وجب عليك بداهة الإيمان بدين أنزله ليعرف الناس به، فالإنسان له مدارك ناقصة، والغيبي لا يتوصل إليه بالتأمل إنما بالخبر عن رب العزة، فقد أتوصل إلى وجود الله وعلى طرف من صفاته عقلا، لكني لا أستطيع معرفة ما يريده منا تفصيلا. فالقدرة تنفي الممتنع.


وخلاصة كلامك السابق هو أن الدين يلعب دوراً هاماً في التعريف بالخالق وهو شئ ضروري لابد أن تتنزل الرسالات من أجل تحقيقه .... وأرى أن معرفة البشر لخالقهم يتطلب تواصل الله مع البشر عبر إرسال الرسل فقط في ثلاث حالات هي :

1. إذا كان الخالق يطلب منا إلتزامات محددة يتوجب علينا طاعته فيها ... وعندها نكون قد قد دخلنا في نطاق وظائف الدين وهي التلقينية أو التشريعية ووهي وظائف تم تناولها فيما سبق ، وتم بيان عدم حجيتها كدليل على ضرورة بعث الرسل وإنزال الرسالات .

2. أو يكون لمعرفة الخالق تبعات نفسية وتطيمينة ... والكلام عن هاتين الوظيفتين سبق تناوله بإسهاب فيما سبق

3. وأما يكون الله قد أرسل الرسل لغرض معرفة صفاته ومن أجل تنزيهه ... وهذا شئ لا يثبت إلا بعد إثبات أن الخالق يأبه بأن يحط البشر من قدره أو ينفوا وجوده (وهو شئ لا يمكن إثباته بل لا يستقيم منطقاً) ... فهل يأبه الخالق العظيم بأن يحط بعض البشر من قدره أو لا يأبهوا بوجوده ... أحسب بأن الله لو شاء أن يعرف البشر بنفسه وبطريقة التواصل الصحيحة معه وعبادته لما إتبع معظم البشر وعلى مر العصور أدياناً غير صحيحة ... حتى في عصرنا الحالي ، فإن 20% من البشرية فقط تؤمن بالدين الصحيح وتعبد الله بشكل صحيح (لو فرضنا جدلاً بأن الإسلام هو الدين الصحيح) ... فما معنى قيام الله بالتدخل لتعريف الناس بالدين الصحيح وحمايتهم من عبادة الآلهة المزيفة إذا كان ذلك التدخل سيفشل ولن يحول دون قيام معظم البشر بإتباع الأديان الخاطئة وعبادة الله بشكل خاطئ !! ... من يقول بذلك فهو كأنما يقول بأن الخالق قد أراد بإرسال الرسل فقط القيام بإخلاء مسؤوليته عن فشل الناس في إتباع الديانة الصحيحة (تعالى الله عن ذلك) .. ولو كان الله يريد فعلاً أن يعرفه الناس ويعبدونه بطريقة صحيحة لفعل ذلك عبر تأييد رسله بأدلة أقوى أو عبر التجلى بنفسه للبشر أو إلقاء الهداية في قلوبهم وهو قادر على ذلك ، أو على أقل تقدير عبر منع الشيطان من أن يضللهم وهو أيضاً قادر على ذلك ... وما تقدم ينفي فكرة قيام الله بإرسال الرسل لمجرد تعريف الناس بنفسه وبصفاته وبعظمته ... فالخالق العظيم أكبر من يأبه بذلك حسب وجهة نظري الربوبية ... وإن كان لك دليل على أن الخالق العظيم يأبه بأن يعبده الناس ويقدسوه فالرجاء أن تقدمه لنا .


الدليل الثاني على حاجة البشرية للرسل وإنزال الشرائع

وخلاصة هذا الدليل كما أوردته أنت هو أن :


كمال حكمة الله تقتضي بأن لا يخلق عباده ويتركهم هملا، لا يعرفهم بنفسه، ولا أمر لهم جامع، ولا نهي لهم مانع . فتكون اللادينية قد نفت الحكمة عن الخالق بإقرارها مبدأ الحياد.


وهذه النقطة قد تم الرد عليها عند الحديث عن نقد وظائف الدين التأديبية والتشريعية والتلقينية ، وكذلك عند الحديث المتعلق بنقد دور الدين في التعريف بالخالق وصفاته (النقطة السابقة مباشرة) حيث تم بيان عدم أهمية تعريف الخالق للناس بنفسه وعدم منطقية ان يهتم أو يأبه الخالق العظيم بتنزه الناس له وعدم الشرك به .


الدليل الثالث على حاجة البشرية للرسل وإنزال الشرائع


وكمال ألوهيته أن يكون مطاعا، ومعرفة ذلك لا يكون إلا بالرسل .


وهذا أراه إفتراضاً غير مثبت ، فلا يوجد ما يثبت بأن عدم طاعتنا لله هو شئ يضيره أو أن الله يأبه بطاعتنا أو عدم طاعتنا له ، ولا يوجد ما يثبت بأن الله قد أمرنا بشئ محدد حتى نطيعه فيه بالأساس ... وقبل ذلك لا يوجد ما يثبت بوجود أي دائرة تقاطع بيننا وبين الخالق العظيم حتى يكون هناك مجالاً بأن نطيعه أو نعصيه .



الدليل الرابع على حاجة البشرية للرسل وإنزال الشرائع


وكمال ربوبيته أن يقيم الحجة على الخلق لأن الجزاء لا يكون إلا بعد الإنذار، ومعتقدك بالبعث والجزاء ينسب الظلم له - وحاشاه- فكيف يعذب شخصا لا يعلم أوامره ونواهيه وما يريد منه ؟ فكان مقتضى ذلك إرسال الرسل


هذه النقطة تدخل في إطار الوظيفة التطمينة وكلامك في هذا الصدد هو تكرار لما ذكرته في إطار وظيفة الدين التطمينية ، وقد سبق تناول تلك الوظيفة بالتفصيل .


الدليل الخامس على حاجة البشرية للرسل وإنزال الشرائع


وكمال ملكه وسلطانه، بتدبير شؤون الكون وإنزال الشريعة .


وقد تم توضيح هذه النقطة عند الحديث عن وظيفة الدين التشريعية وفيها تم بيان عدم ثبوت تفوق أو شمول التشريعات المنسوبة لله والتي نزلت بها الرسل مقارنة بالتشريعات الوضعية ، وبناءاً عليه لا يمكن الإستدلال بهذه النقطة لإثبات ضرورة بعث الرسل وإنزال الرسالات .

-----------------------------------------------------------

ونأتي الآن للجزء الثالث من مداخلتك والذي تناولت فيه الادلة على ضرورة التدخل الإلهي بإرسال الرسل ... وفي هذا الجزء ذكرت بأن عدم إرسال الرسل لا يليق بالخالق حيث يتضمن عدة أوصاف أو صفات لا تليق برب العالمين ... وفيما يلي سأتناول ما ذكرته أنت في هذا الصدد (النص المقتبس) ، وردي عليه .


إهمال الله لعباده وعدم إنزاله لدين يخرجهم من الظلمات إلى النور، وقد عُلم أن الباطل كثير ذو وجوه عديدة، فهذا يهوي ساجدا لحيوان، وذاك يعبد بشرا، وآخر يدعوا صنما، والرابع ملحد، والخامس يعبد شيطانا، والسادس يعبد كوكبا إلى آخره ..فكان الأولى إذ خلقهم أن لا يدعهم هملا دون استدلال، وقد علم أنهم ليسوا على قدر واحد في العلم والفهم، فلم يُنزل دينا كي يعرفنا بنفسه، وترك البشرية تتخبط وحدها تبحث عن الخالق.


وقد بينت لك فيما سبق بأنه للإستدلال بذلك على ضرورة إرسال الرسل والرسالات ، يلزم اولاً إثبات أن الله يأبه بما إذا آمنا به أو لم نؤمن ، أو إنه يأبه ما إذا كان البشر ينزهونه عما لا يليق به من صفات أم لا ويعطونه حقه من العبادة والتبجيل أم لا ... وهو شئ غير مثبت


قد عُلم أن البشرية تشقى في إطار القوانين الوضعية، التي سببت التعاسة للناس حيث طغت العدمية والمادية على حياة البشر، فكثرت نسب الجريمة، من قتل واغتصاب غيرها، وطغت الآفات النفسية وهذا باعتراف علماء الاجتماع والنفس، فكان أن الله حسب معتقدك، ترك الناس تموج هذا الموج، فلا هو جبر الناس على عقل واحد يُهتدى به لمنهج واحد يحقق للناس آمالهم، ولا تدخل بإنزال دين يحقق السعادة والرخاء للبشرية باحتكامهم إليه.

وقد تناولت تلك النقطة عند الحديث عن نقد وظائف الدين حيث بينت بأن الإستدلال بحاجة البشر للشرائع السماوية كدليل على ضرورة إرسال الرسل يستلزم أولاً إثبات تفوق التشريعات السماوية على التشريعات الوضعية ، وبدون إثبات ذلك فلا يسعنا إلا التيقن بأن الله قد أوكل للبشر مهمة التشريع لأنفسهم وإدارة حياتهم وفق ما يناسبهم .


أنه أودع في النفس محبة الدين بمعتقداته وروحانياته كمحبة العبادات والطقوس الدينية، فكان أن معتقدك نسب له الخطأ في ذلك، فلم ينزل دينا ذو عبادات حتى يرضي هذه النفوس التواقة.

وهذه النقطة قد تم إيضاحها ايضاً عند الحديث عن ما يسمى بحاجة البشر للعبادة والخضوع ، وقد تم إثبات عدم وجود هذه الحاجة ، وذلك عند الحديث عن التشريعات المتعلقة بعلاقة الفرد بربه وبالعقيدة .


أن الإنسان تواق للمعرفة، يشرئب عنقه لكل حديث عن ما بعد الموت، يحب أن يَعلم مصيره بعده، وهل هو على الحق أم على الباطل مستحق لما سيأتي بعده أم غير مستحق، فإن لم يعلم ذلك قضت مضاجعه الأفكار من كل جانب، فحل عليه الضنك من حيث لا يدري، فتركه الخالق بمعتقدك يعيش هذا.


وهذه النقطة أيضاً تم بيانها بجلاء عند الحديث عن وظيفة الدين التفسيرية ، وقد تم بيان أن تلك المعارف إما أنه لا يترتب عليها شي فتكون ترفاً معرفياً لا يحتاج الله لإرسال الرسل لإبلاغ الناس بتلك المعارف أو أنها معارف يترتب عليها حدوث الطمأنينة للناس ومعرفة عواقب أعمالهم ... وعندها فإن ذلك يصنف في إطار الوظيفة التطمينية أو التحذيرية والتي تم تناولها وشرح عدم دلالاها على ضرورة إرسال الرسل .


أنه أودع في الإنسان مسألة التمحيص والاختيار، لأنه كائن متدين رامز، فترى الناس تُقبل على المباحثات العقدية والدينية أياًّ كانت مهنهم، يتحاورون بينهم سواء في الجزئيات أو الكليات أو حتى في أديان وملل أخرى، فإن كان الإنسان ميالا للاختيار بين الأديان والأفكار فلماذا جعل الله فيه هذه الصفة إن لم ينزل دينا ؟ .


هذه النقطة لا اراها سبباً وجيهاً لإرسال الرسل ، فميل الإنسان للإختيار والتمحيص يمكن أيضاً أن يكون فطرة أودعها الله في البشر حتى يستطيعوا إكتشاف الأدعياء الذين يدعون إتصالهم بالذات الإلهية .... وقدرة الإنسان على التمحيص والإختيار هي ليست شئ مستقل وإنما هي جزء من منظومة العقل وإتخاذ القرار ، ولا أظن بأن الله قد أعطى الإنسان العقل لمجرد التعرف على الايان والمفاضلة بينها ، فهذا قول ليس عليه دليل .

أما ميل الناس لنقاش الأديان فذلك راجع فقط لأن الأديان هي جزء أساسي من هوية الإنسان ، والناس تحب أن تعرف وتناقش كل ما يخص هوية الآخرين (كما أنهم يحبون إبراز هوياتهم) ودافع ذلك هو عبور الجسور للإلتقاء بالآخر عبر التعرف على هويته لإيجاد إهتماماما مشتركة أو فتح مجالات للحديث وتوطيد العلاقات .


قصور العقل عن معرفة أجوبة الأسئلة الوجودية التي تعتري الإنسان، وقد اتفق علماء الاجتماع على أن الإنسان كائن رامز يستحيل أن يعيش دون ترميز الظواهر حوله، فالعقل قاصر عن معرفة ما يريده الله منا تفصيلا، وذلك كمعرفة غاية الخلق، وما بعد الموت ولماذا الموت، ومن هو هذا الخالق، هل هناك بعث ؟ هل هناك جزاء وغيره .

وهذه النقطة لا تختلف عما طرحته أنت في وظيفة الدين التفسيرية أو في توق الإنسان للمعرفة كدليل على ضرورة حدوث التدخل الإلهي عبر إرسال الرسل ، وقد تم نقد هذه النقطة .


أن معتقدك ينسب الظلم، فقد قلتَ بأن الله سيحاسب البشرية وهو لم ينزل دينا ولا إنذارا يعرف الناس به وبما يريده منهم تفصيلا ليجتنب العاقل عقوبته وتقوم الحجة على المسيء المشاكس .

وهذه النقطة ايضاً تدخل ضمن وظيفة الدين التطمينية أو التحذيرية ، والتي سبق نقاشها

----------------------------------------------------------

وبذلك اكون قد قمت بالرد على الأسباب التي أوردتها لتأكيد حاجة البشر للتدخل الإلهي وللرسل ، فأرجو ان لا أكون قد أغفلت شيئاً أو قصرت في تناول نقطة ما ، وإنت كنت قد فعلت فأرجو المعذرة ، والفرصة ما زالت متاحة لنقاش ما تم إغفالة .


ولك تحياتي

ابن عبد البر الصغير
03-14-2012, 01:41 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد .

الزميل الربوبي، حفظك الله وأنار بصيرتك، لثالث مرة لم تجب عن مسألة المصادر في اللادينية، ما هو مصدرك في عقيدتك ؟ فلا يُعقل أن يكون مذهب فكري يهدف إلى استبدال الأديان والحلول مكانها ولا يوجد مصدر ضامن جامع لأتباعه .. وهو ما أشرتُ إليه في مداخلتي السابقة تحت فصل "الحكمة من سؤالي عن مصادرك".

ورغم حرصك على الرد على كل جزئيات مداخلتي، فإنك أغفلتَ مشتهراتها بله جزئياتها، ولم تجب عن أسئلة جوهرية :

أخرج لي مصدرك الجامع الدال على عقيدك ؟ وهل ترى ان المذهب اللاديني قادر على تغطية الوظائف الدينية ؟ وإلا { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } .

كيف عَلمتَ أن الرب الخالق لم ينزل دينا ؟؟؟ فهل كلمّك أو حدثك وأخبرك بأن العقل يُغني عن الدين ؟

وحاصل سؤالي للتبسيط أكثر : ما دليلك على أن الله عز وجل ارتضى للبشرية اللادينية ؟ وأنّك على الملة الصحيحة ؟

وعموما قفزتَ على عدد من الأشياء بالرغم من أني أعدتُ عليك نقطها في مداخلة سابقة لتسهيل الأمر ونزولا عند طلبك في ذلك . كما أسجل خلطك لمسألة وظائف الدين، فجعلتَها تحت باب إثبات إرسال الرسل، بينما جعلتُها تحت باب عجز اللادينية، وسوف نرى طرفا من ذلك خلال مداخلتي التابعة لهذه.

ولنرجع الآن إلى مداخلتك ما قبل الأخيرة حتى نمحصها ونرد على آفاتها :

1- وجود القوانين الكونية لا تنفي الرعاية الإلهية

أول مغالطة لادينية في مداخلتك، حيث نستشف منها أنك تقيم فاصلا بينهما، وهذا يؤكد مسألة أن اللادينية تنسب النقائص لله عز وجل، ولا تقدره حق قدره، فيكون مأزقا جديدا وقعتَ فيه حيث أن لسان حال اللادينية يقول :

* أن الله تعالى خلق هذا الكون بقوانينه واكتفى الآن بمشاهدة الخليقة . فيكون السؤال المفروض عقلا : ما هي الوظائف الإلهية في هذا الكون ؟؟ .. فيكون معتقدك ناسبا العطالة لله عز وجل - تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا - فأبصر !! . وهو أمر شنيع آخر في المعتقد اللاديني.

لكني ألمس منك عدم تحرير لعبارة " القوانين الكونية" فماذا تقصد بها ؟ هل تعني بها القوانين الفيزيائية والفلكية وأضرابها ؟ أم سنن الله في خلقه بمفهومها الجامع الكلي ؟.

وقد عُلّمنا من أهل الخبرة أن التأملات العقلية إن لم يكن لها شاهد من الواقع تبقى نظريات ظنية، أما إن وافقها فهي يقينية، وإن عارضها فهي لا تخرج عن دائرة السفسطات الذهنية . بمعنى أن ما هو آت عندك كله ينتظر شهادة الواقع عليه، وسوف نبين أن ما جاء في مداخلتك كله يرتطم بصخرة الواقع الصلدة :


قد يكون في شكل إجابة الدعاء ... ولكني لم أرى في حياتي شخصاً يدعو فيستجيب الله له خارج نطاق السنن الكونية (كأن يدعو تلميذ فاشل الله لأن يصبح الأول في صفه ، فيستجيب الله له) ، ولكن على النقيض من ذلك رأيت الملايين من المسلمين والمسيحيين يدعون الله ليلاً ونهاراً لتحقيق مآرب معينة ، ولا أرى دليلا على حدوث الإجابة ، رغم إلحاحهم في الدعاء .... المسلمون يؤمنون بأن إجابة الدعاء قد تكون في شكل دفع بلاء أو تؤجل إجابة الدعاء ليوم القيامة ... أما أنا فأؤمن بأن تلك القناعة ما هي إلا تبريراً لعدم حدوث الإستجابة .

وجواب هذا من وجوه :

أولا : ألفت نظر القارئ الكريم إلى عبارتك : " رأيت الملايين من المسلمين والمسيحيين "، ولا أدري كيف استطعتَ في حياتك مقابلة الملايين من المسلمين والنصارى، وتعرف دعواتهم وتتابع محل الإجابة من عدمه ؟ بل لا يستطيع أن يدعي ذلك أعتى عالم اجتماع، وهو علم معروف بالمقابلات والملاحظات، فلا تخرج عينته عن المئات فقط أثناء سنوات من البحث، اما حضرتك فقد قابلتَ الملايين، فسبحان الله. فأرجوك احترم عقولنا أيها الزميل، فجملتك هذه لا علاقة لها بمنهج مناظرتنا، وليست بذات مصداقية إمبريقية .

ثانيا : من السهل علينا دفع اعتراضك بمقابلتك بالمثل، وادعاء أنا رأينا ملايين الناس تستجاب دعواتهم لكنا لن ندعي ذلك، إنما خير جواب عليك هو أن تراسل أي عضو هنا، وتسأله هل استجاب الله له لدعوة خلال مسيرته أم لا ؟ وترى ، وأدعوا السادة الأعضاء إخبارنا بذلك في رابط التعليقات على هذه المناظرة.

ثالثا: هذه المسائل مبنية على خبرات شخصية اولا، واستقراء للواقع المعيش، ورأينا استجابة الله لدعاء كثير من الناس، ورأينا المجتهد يرسب في الامتحان، والمتوسط يتبوأ وظيفة اعلى من نظيره الذي يفوقه، والكسول أصبح أغنى ممن هو أذكى منه ، واستجابة دعوات قد تكون مستحيلة الوقوع علميا .

رابعا : عدم الاستجابة لا يعني نفي الاستجابة بالجملة، فقد يقع للعبد ألا تستجاب دعوته لعدد من الأشياء مبسوطة في كتب إسلامية، قد تكون لمسائل قدرية، أو دفعا لشر، أو رحمة بعبد، وعدم تحقيق للأسباب، أو لتواكل دون توكل وغيره .. بل قد يكون الإنسان قد بلغ اعلى درجات الإيمان ولا تستجاب له دعوات، ونبينا صلى الله عليه وسلم على جلالة قدره الكبير، ومكانته العظيمة عند الله تعالى، لم تستجب له دعوة معينة، كحديث الدعوات الثلاثة المشهور، فأجابه سبحانه في اثنتين ومنع عنه واحدة .
فكل ذلك من كمال حكمة المولى عز وجل والتي لا يمكن أن نتدخل فيها.

وعليه فما تزعمه انه دليل لا يصمد كدليل من أبواب عدة :

- عدم وجود مانع عقلي لها .

- عدم الاستجابة في حالات لا يعني نفيها جملة وتفصيلا .

- انها خلاف الواقع المشاهد .


قد يكون التدخل الإلهي في شكل إلهام أو رؤية صالحة أو خرق محدود لسنن كونية تتحقق لأحد أولياء الله الصالحين ... ولكن حدوث مثل تلك الأشياء هو أيضاً شئ غير مثبت علمياً ، وأنا شخصياً لم أرى حدوث ذلك ، ولم أسمع بحدوثه إلا في حالات محدودة بدا فيها جلياً وجود نوع من الإيحاء النفسي أو خداع الحواس الذي يدفع البعض لتصديق حدوث تلك الخوارق لبعض من يدعوا بأنهم من أولياء الله الصالحين .

وهذا لا يستدل به أيضا على نقض الدعوى، لأن الأولياء الصالحين لا يذيعون كراماتهم ويصدعون بها مخافة الرياء والعجب، والكتمان من صفاتهم الحميدة.


قد يأخذ التدخل الإلهي في شئون الكون شكل خرق إلهي لسنن الكون ، كإحداث زلزلال أو بركان لإهلاك قوم مفسدين ، أو جلب أمطار لقوم مجدبين رحمة بهم ، أو غير ذلك من مظاهر ما يسمى بالعناية الإلهية أو الغضب الإلهي ... وهذه أيضاً يستحيل إثباتها ، كما يستحيل التأكد من أن وقوع تلك الزلال أو البركان أو الأمطار لم يكن إلا حدثاً طبيعياً عادياً .

وهو قول مجرد منك، ويلزمك، فلو لم يكن ربنا عز وجل يقدر لعباده لرأينا مقادير متساوية في الأرزاق، لكنا نرى بلدا جدبا وبلدا كثير الأمطار، وزلزالا يضرب منطقة فيدمرها عن بكرة أبيها وهي ليست منطقة نشطة، وحتى التفسير العلمي لذلك فليس معناه أن يقدم لك جواب لماذا، لأن العلم متخصص بالكيف، كيف حصل الزلزال لأن ذلك له علاقة مع تكتونية الصفائح إلى آخره .. لكن ما الحكمة منه ولماذا ؟ فهو سؤال خارج نطاق العلم .


وقد يكون التدخل عبر معجزة يجريها الله لأحد أنبياءه ، كشق البحر لنبي الله موسى ، وهذا النوع من المعجزات هو بالطبع حجة فقط على من رأاه ممن عاصروا هذا النبي ، ولا يقوم دليلاً على حدوث التدخل الإلهي بالنسبة لنا .

- أخيراً ، قد يتدخل الله عبر إرسال الرسل وإنزال الشرائع للبشر ... وهذا هو النوع الوحيد من التدخل الإلهي الذي يمكن الإحتجاج به لنفي صحة العقيدة الربوبية .

وكل ما تفضلت بذكره لا يعتبر أدلة نافية للمسألة المثارة، إنما هو من قبيل الكلام المرسل المفتقر للشواهد والإلزامات، وحصرك للتدخل في هذه النقط يعتبر من تحجير الواسع وإلا فنحن نوسع من هذه الدائرة، وصولا إلى دقائق ما يهم الفرد والمجتمع والدولة. وكل هذا سنراه في وقته .


إذا العقيدة الربوبية صحيحة ما لم يتم إثبات صحة أحد الرسالات السماوية ونسبتها لرب العالمين (وجهة النظر الدينية) ، أو يتم إثبات عدم وجود إله (وجهة النظر الإلحادية) ، وبخلاف ذلك فإن الشئ الوحيد الذي يمكن تحدي العقيدة الربوبية به هو في القول بأن حكمة الله وعدله ورحمته (وغيرها من صفات كماله) تستوجب قيامه بالتدخل في شئون البشر عبر إرسال الرسل .

وذلك ما فعلناه في مداخلتنا الأم، وأثبتنا لك مقدار الشنائع في حال عدم إقرارك بهذا المبدأ المعروف المشاهد .


ولكن مهلاً .... من هو ذا الذي يدعي معرفته بحدود ومقتضيات الحكمة الإلهية ؟ ... من ذا الذي يستطيع الجزم بأن تعامل الله مع المعطيات هو مطابق لطريقة تعامل البشر معها ؟ ... وما يدرينا ما هي غاية الله من الخلق حتى نفترض بأن الله يجب أن يتدخل فيرسل لنا الرسل والرسالات ؟

وهذا يرجعنا إلى السؤال الاول الذي ذكرناه : كيف عَلمتَ أن الرب الخالق لم ينزل دينا ؟؟؟ فهل كلمّك أو حدثك وأخبرك بأن العقل يُغني عن الدين ؟.فهو سؤال يلزمك أنت وعقيدتك، ونحن نقول بأن الله عز وجل هو الذي عرفنا بنفسه وبغايات خلقه لنا، وطرفا من حكمه ... فتأمل .



الإجابة الإسلامية لسؤال لماذا خلقنا الله هي أن الله قد خلقنا لكي نعبده ... بالمعنى الواسع للعبادة ... أي لكي نسير على الدرب الذي رسمه لنا ونلتزم بالنهج الذي خطه لنا (هذا بالطبع بجانب تبجيله وتقديسه وذكره وشكره على نعمه) ... ولكن لو نظرنا لتلك الإجابة بتمعن سنجد بأنها لا تعطينا أي معلومة مفيدة .... فكون الله قد خلقنا لنعبده ونلتزم بالنهج الذي رسمه لنا ونقدسه ..الخ ، كل ذلك لا يمكن أن يكون هدفاً أو غاية في حد ذاته ، ولكنه يصلح فقط كوسيلة لتحقيق غايات أخرى ... على سبيل المثال عندما قام الإنسان بصنع الساعة ، فهل يجوز لنا القول بأن الإنسان قد صنع الساعة لكي تدور عقاربها !! ... هل يجوز القول بأن الإنسان قد صنع السيارة من أجل أن تسير وصنع الطائرة من أجل أن تحلق في السماء !! هذا هو نفس منطق من يقول بأن الله قد خلق الإنسان من أجل عبادته والإلتزام بالنهج الذي رسمه له ، فهذا القول ليس بجواب شافي لسؤال "لماذا خلقنا الله" ... وسيبقى السؤال مطروحاً ولكن بصيغة اخرى ، حيث سيصبح السؤال ... "لماذا يريدنا الله أن نلتزم بالنهج الذي رسمه لنا أو نقدسه أو نصلي له ... وهو غني عن كل ذلك ؟"
طالما أن الله غني عن عبادتنا له ، ولن تضيف له تلك العبادة شيئاً ، فلا مناص من القول إذاً بأن الله قد أمرنا بعبادته لتحقيق مصلحة خاصة بنا (أي لتحقيق مصلحة البشر) ... ولكن حتى هذا الإفتراض لن يحل المعضلة ... إذ كيف يصح القول بأن الله قد خلقنا لتحقيق هدف ما ، في حين أن تحقيق هذا الهدف لن يكون مطلوباً لو لم يخلقنا الله من الأساس ، فلو لم يخلقنا الله لما كان هناك داعي لكي يأمرنا بعبادته لكي تتحقق مصلحتنا !!
وعليه ... لا توجد إجابة شافية لسؤال (لماذا خلقنا الله) سوى بالإعتراف بأن الله قد خلقنا لغاية أو حكمة يعلمها الله وحده ولم يفصح لنا عنها .... فإذا كنا لا نعرف الغاية التي خلقنا الله من أجلها ، فكيف نجرؤ على الإدعاء بأن إبراز كمال الصفات الإلهية يقتضي إتصال الله بنا وإعطاءنا تعليمات محددة عبر رسله لكي نتبعها !!

وجواب ذلك من وجوه :

1- أن الأسئلة مرة اخرى تلزم معتقدك من باب أولى، فإن كنا نشنع على النصارى قولهم بأن الثالوث من حكم الله الغير مدركة، فلماذا تقولون بها وأنتم تدعون المنطق والعقل والعلمية ؟؟ .

2- أن مسألة حكمة الله الغير مدركة، حق يراد به باطل عند المذاهب الفكرية الربوبية والأديان المكذوبة، فأصبحت شماعة يعلقون عليها عجزهم عن الرد العقلي، وطبعا قد استعملتَها للتهرب من الإلزام .

3- أن الغاية من الخلق لا تستطيع اللادينية الجواب عنها، وتعاتب الدين في هذه المسألة، فلا هي أعطتنا جوابا، ولا تركت الناس تأخذ الجواب، وهو ضعف منهجي دقيق في هذا الفكر، وهو ما اصطلحنا عليه في مشاركتنا الأم بالآتي :

"أن العقلاء اتفقوا في باب الاختيار، أن المختار لا يغير معتقده إلا إذا ترجح عنده فساد القديم وصلاح الجديد، بمعنى أن المختار ما غير قناعاته إلا عند رجحان مذهبه الجديد وتفوقه على الأول. ولا يخفى أن المذاهب الفكرية المعاصرة يُراد لها ان تحل محل الأديان والشرائع، فلزم من ذلك تغطية الأولى لكل أدوار الثانية، دورا دورا ووظيفة وظيفة"

فإن كانت اللادينية لا تستطيع الجواب عن أوائل الأسئلة الوجودية، فهي عاجزة عن القيام بوظائف الدين، تدفع الناس نحو عدمية مادية مهلكة، ليكون توصيفها الدقيق مرة أخرى : نحلة فكرية مهلهلة مهلكة لا ضابط لها ولا وحدة.

4- أن المقصود بالعبادة مفهومها الشمولي وليعبدوا الله وحده وحده ولا يشركوا به أحدا غيره في العبادة، فهو رد للإِشراك، وأيضا في إقامة الشعائر الإسلامية، بل أوسع من ذلك وهي تحقيق الخلافة في الأرض وعمارتها، وقد استنبط صاحب الظلال استنباطات هائلة يدور تلخيصه حول أنه حينما يتحقق معنى العبادة، يصبح العمل كالشعائر، والشعائر كعمارة الأرض، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله.. كلها عبادة وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه.
عندئذ يعيش الإنسان في هذه الأرض شاعراً أنه هنا للقيام بوظيفة من قبل الله تعالى، جاء لينهض بها فترة، طاعة لله وعبادة له لا أرب له هو فيها، ولا غاية له من ورائها، إلا الطاعة، وجزاؤها الذي يجده في نفسه من طمأنينة ورضى عن وضعه وعمله، ومن أنس برضى الله عنه، ورعايته له. ثم يجده في الآخرة تكريماً ونعيماً وفضلاً عظيماً.وعندئذ يكون قد فر إلى الله حقاً. يكون قد فر من أوهاق هذه الأرض وجواذبها المعوقة ومغرياتها الملفتة. ويكون قد تحرر بهذا الفرار. تحرر حقيقة من الأوهاق والأثقال. وخلص لله، واستقر في الوضع الكوني الأصيل: عبداً لله. خلقه الله لعبادته. وقام بما خلق له. وحقق غاية وجوده. فمن مقتضيات استقرار معنى العبادة أن يقوم بالخلافة في الأرض، وينهض بتكاليفها، ويحقق أقصى ثمراتها؛ وهو في الوقت ذاته نافض يديه منها؛ خالص القلب من جواذبها ومغرياتها. ذلك أنه لم ينهض بالخلافة ويحقق ثمراتها لذاته هو ولا لذاتها. ولكن لتحقيق معنى العبادة فيها، ثم الفرار إلى الله منها.ومن مقتضياته كذلك أن تصبح قيمة الأعمال في النفس مستمدة من بواعثها لا من نتائجها. فلتكن النتائج ما تكون. فالإنسان غير معلق بهذه النتائج. إنما هو معلق بأداء العبادة في القيام بهذه الأعمال؛ ولأن جزاءه ليس في نتائجها، إنما جزاؤه في العبادة التي أداها...ومن ثم يتغير موقف الإنسان تغيراً كاملاً تجاه الواجبات والتكاليف والأعمال. فينظر فيها كلها إلى معنى العبادة الكامن فيها. ومتى حقق هذا المعنى انتهت مهمته وتحققت غايته. ولتكن النتائج ما تكون بعد ذلك. فهذه النتائج ليست داخلة في واجبه ولا في حسابه، وليست من شأنه. إنما هو قدر الله ومشيئته. وهو وجهده ونيته وعمله جانب من قدر الله ومشيئته ،ومتى نفض الإنسان قلبه من نتائج العمل والجهد، وشعر أنه أخذ نصيبه، وضمن جزاءه، بمجرد تحقق معنى العبادة في الباعث على العمل والجهد، فلن تبقى في قلبه حينئذ بقية من الأطماع التي تدعوا إلى التكالب والخصام على أعراض هذه الحياة. فهو من جانب يبذل أقصى ما يملك من الجهد والطاقة في الخلافة والنهوض بالتكاليف. ومن جانب ينفض يده وقلبه من التعلق بأعراض هذه الأرض، وثمرات هذا النشاط. فقد حقق هذه الثمرات ليحقق معنى العبادة فيها لا ليحصل عليها ويحتجزها لذاته. وحين يرتفع الإنسان إلى هذا الأفق. أفق العبادة. أو أفق العبودية. ويستقر عليه، فإن نفسه تأنف حتماً من اتخاذ وسيلة خسيسة لتحقيق غاية كريمة. ولو كانت هذه الغاية هي نصر دعوة الله وجعل كلمته هي العليا. فالوسيلة الخسيسة من جهة تحطم معنى العبادة النظيف الكريم. ومن جهة أخرى فهو لا يعني نفسه ببلوغ الغايات، إنما يعني نفسه بأداء الواجبات، تحقيقاً لمعنى العبادة في الأداء. أما الغايات فموكولة لله، يأتي بها وفق قدره الذي يريده. ولا داعي لاعتساف الوسائل والطرق للوصول إلى غاية أمرها إلى الله، وليست داخلة في حساب المؤمن العابد لله.ثم يستمتع العبد العابد براحة الضمير، وطمأنينة النفس، وصلاح البال، في جميع الأحوال. سواء رأى ثمرة عمله أم لم يرها. تحققت كما قدرها أم على عكس ما قدرها. فهو قد أنهى عمله، وضمن جزاءه، عند تحقق معنى العبادة. واستراح. وما يقع بعد ذلك خارج عن حدود وظيفته.. وقد علم هو أنه عبد، فلم يعد يتجاوز بمشاعره ولا بمطالبه حدود العبد. وعلم أن الله رب، فلم يعد يقتحم فيما هو من شؤون الرب. واستقرت مشاعره عند هذا الحد، ورضي الله عنه، ورضي هو عن الله.

5- لا تنظر إلى مسألة العبادة من زاوية ضيقة تقول بأن يكون الله عز وجل منتفعا بها أو محتاجا إليها، لأن ذاك ممتنع، ومدفوع بنص الآية { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ }، بل أنظر إليها أنها تحقيق لإرادة الله، وطاعة أمره واجتناب نواهيه.

6- أن الحياة الدنيا امتحان واختبار، من نجح فيه ضمن الجنة ومن فشل ذهب إلى النار، بسيطة جدا، رزقك الله عز وجل عقلا وفطرة وقلبا، وانزل عليك الدين الحق، فابحث عنه، بدون فلسفات إلحادية، ولك الحرية في قبول الدين أو رفضه وتحمل مسؤوليتك في النهاية .

7- انك ناقضت قولك الاول في ان رؤية الإنسان لصنعه ليست هي مراد الخالق من خلقه، فنحن نتكلم عن إله كامل غير ناقص، وانت تعطي أمثلة عن إنسان ناقص محتاج غير كامل، وعليه فقد سقطت أمثلتك كلها .


أما مسألة الفراغات اللادينية وأدلتك في المداخلة الأخرى فسأتطرق إليها في مداخلتي المقبلة فصبرا جميلا .

مشرف 9
03-15-2012, 01:16 PM
الإخوة الكرام ,,,
يمنع كتابة التعليقات هنا لعدم التشتيت ,,
ومَن له نصيحة أو تعليق أو توجيه لأحد المتحاورين فليرسله له على الخاص أو يكتبه في شريط التعليقات على هذا الحوار هنا :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35378
وشكرا ,,,

ابن عبد البر الصغير
03-15-2012, 09:52 PM
1- الكلام في مسألة الفراغات في المعتقد اللاديني وعجزها عن منافسة الدين

أسعدني اعترافك بإفلاس المذهب اللاديني، وتضمنه لفراغات مهولة جدا، وهذا يعيدنا إلى مسألة استبدال الدين على جلالة قدره وشموله بمجموعة أفكار تخلق البلبلة في فكر الإنسان، وليس هو من باب الإقرار بالجهل فضيلة، بل لو جاء طبيب وأخرج لنا كتابا عن كيفية علاج السرطان، وأبان هذا الكتاب عن فاعليته، فاعترض عليه آخر ونهى الناس عنه، وحينما طُلب منه البديل قال أن الإقرار بالجهل فضيلة ! فهذا تخبيل أيها الزميل . وقس على ذلك المبدأ اللاديني.

وطبعا حينما نتكلم عن الواقع، فلن نتكلم من باب التأمل، بل سوف نرجع إلى أهل الصنعة والخبرة في هذا المجال، وهم علماء الاجتماع:

- عالم الاجتماع إيميل دوركايهم : الدين سلاح فعال ضد ظاهرة الانتحار.

فإن أخذتَ كتاب دوركايهم حول ظاهرة الانتحار، ولا شك انك تعرف بأنه جبل في علم الاجتماع وهو أول من وضع قواعده، يقرر في كتابه أن الدين وازع يستطيع محاربة هذه الظاهرة، حيث اكتشف في عينته أن من يعتنق أفكارا ومذاهب فكرية ويعيشون فراغات دينية هم أقرب الناس إلى الانتحار، وهناك إحصائيات في هذا الصدد تجدها في منتدانا هذا تقرر هذه الفكرة .
والمعتقد اللاديني لا يستطيع محاربته، بل بما أنه نحلة مهلهلة فقد يبرره .

- عالم العمران ابن خلدون : الدين مُذهبٌ للغلظة والأنفة ووازع عن التحاسد والتنافس.

وابن خلدون باتفاق الغرب والشرق هو أول من تكلم في علم الاجتماع كعلم مستقل، وهو من أخرجه وصك له شهادة الميلاد تحت إسم "علم العمران"، وقد أثبت في كتابه " المقدمة" أهمية الدين في حياة البشرية.

- المدرسة الاجتماعية الفرنسية : الأخلاق تستمد من الدين، بل الحياة الخلقية هي نفسها الحياة الدينية .

وحسب هذه المدرسة فإن الدين هدفه توطيد أواصر الحياة الاجتماعية بين الأفراد، ويجعلهم وحدة متماسكة غايتها الذود عن التراث الذي ورثته عن الجماعة. الشيء الذي لا نجده في المعتقد اللاديني المهلهل.

- عالم الاجتماع والأنتروبولوجي فرايزر : الدين أساس استقرار الجماعة .

وفي كتابه الذي درس فيه الدين والسحر يقول بان الاعتقادات الدينية ساعدت على احترام السلطة المدنية، وثبتت قواعدها . وسعت إلى توطيد دعائم الملكية الفردية وأمنت للأفراد أثمار أتعابهم .
كما أن الاعتقادات الدينية قوت في النفوس احترام الزواج وحملت الأفراد على التقيد بقوانين الأخلاق الجنسية قبل الزواج وبعده، وعملت على حفظ حياة الفرد وسلامته ومهدت للأفراد سبل حياة قريرة .

واللادينية مجرد بضعة أفكار لا مصدر جامع لها.

- ثلاثة علماء اجتماع Elwood و Ross و Summur يقررون: أن موت الديانة معناه موت كل حضارة راقية .

وهم يشيدون بفضل الدين على المجتمع والأخلاق، وعندهم ان التعاليم الدينية أعظم مراقب داخلي لأعمال الناس وخير رادع لهم عن أن يتيهوا في دياجير الضلال، وهي التي توحي إلى المجتمع بقداسة قواه وتسبغ على كل نظام حلة من الحرمان تجعله عزيز المنال على الأفراد .

وأسأل ما هو فضل اللادينية على المجتمع أيها الزميل ؟

- عالم الاجتماع كيد : الإنسان كائن متسيب بطبعه ولا بد له من الديانة لترقى به.

فالإنسان عنده أناني في جبلته يرغب فقط في الترفيه عن نفسه غير سائل عن مستقبل أولاده وأسرته، فردعته الديانة عن هذه الغلظة وعلمته كيف يضحي بنفسه ويأخذ بيد قريبه ويعطي الفقير من ماله ولولاها لما ارتقت المعارف وما كانت الطرق الإنسانية إلا مخضبة لدماء عظماء الناس. - يرجع إلى كتاب نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الديني-.

- عالم الاجتماع يوسف شلحت : الديانة خير رادع للمرء عن المنكرات .

وقد قرر الفكرة كتابه حول علم الاجتماع الديني حيث قال : لا نسلم مع غويو بأن الديانات صائرة إلى الاضمحلال وأن الإلحاد سيكون ديانة المستقبل، فالعبادة كما رأينا من الأمور التي لا تنبو عنها نفس الإنسان وطبائعه، فهي تمده بالقوة الروحية، وتمنع اليأس عن التسرب إلى قلبه، والديانة خير رادع للمرء عن المنكرات، وفيها من التعاليم والأقوال الجميلة ما هو جدير بأن يحفظه كل إنسان ويعمل به. زد على ذلك أن الديانة لا تذهب من مجتمع إلا لتحل مكانها خرافة تكون أشد منها سيطرة على حرية الأفراد وشعورهم الذاتي كما في تأليه الدولة مثلا.

- عالم الاجتماع رايمون آرون : الدين مجموعة متماسكة من العقائد والفروض ترمي إلى إصلاح هذا الكون الفاسد .. وخلق أنظمة جديدة تبعث الرجاء في قلب الإنسان اليائس.

وقد قرر في كتابه حول مستقبل الديانات الآتي : ..على أن هذه الديانات الجديدة المبنية على الإلحاد لا تستطيع أن تملأ النفس غبطة كما هي الحالة في الديانات القانونية .

وهو اعتراف عن عجز كل تلك المذاهب الفكرية عن القيام بأدوار الدين . وحسبنا ما نقلنا من هذه الأقوال المشهورة عند المتخصصين بعلم الاجتماع.

ولنأت الآن على مداخلتك حول دور الدين، مع التنبيه أنك خلطتَ بين محورين مما صعب عليَّ فرزهما، فجنحت للإجمال، ومن عادتي التدقيق في المحاور، فأجملت الأدوار الدينية وأقحمتها مع مسألة إرسال الرسل، لهذا فأتمنى في المرة المقبلة أن تلتزم بمحاور مداخلتي ولا تبعثرها .


إذا أردت إثبات حاجاتنا للدين لتفسير ظواهر الكون التي أشرت لها ، فعليك اولاً إثبات أن التفاسير التي قدمتها الأديان لتلك الأشياء الغامضة هي تفسيرات صحيحة ... (وبالطبع هذا شئ يستحيل إثبات صحته مثل ما يحدث للناس بعد الموت) ... فكما ذكرت لك سلفاً فإن البشر كان لديهم دائماً ميل لإيجاد إجابات للأشياء الغامضة المتعلقة بحياتهم ... ومجرد قيام الأديان بتقديم إجابات أو تفاسير لبعض النواحي الغامضة في حياة البشرية لا يثبت صحتها .

وهنا قد ربطتَ قولي بين وظيفة الدين التفسيرية وبين دلائلي على وجوب إرسال الرسل، ولم تفطن إلى المسألة بدقها، والجواب عليك من وجوه :

- أن عجز اللادينية متمثل في عدم إعطاء التفسيرات الضرورية الكفيلة بضمان الصحة النفسية للإنسان وإرضاء حاجاته المعرفية، لهذا فعليها ان تغطي هذا الدور الذي لعبه الدين، وهي لا تستطيع ذلك لأنها مجرد قول على الله بغير بينة ولا برهان.

- أننا أثبتنا من خلال أقوال علماء الاجتماع أعلاه أن الإنسان بحاجة إلى الدين، وعليه فانت من تُنكر الواقع البديهي وليس نحن، وقد سبق للفيلسوف شليماخر أن قرر بأن هناك وعيا بالقدسي مغروسا في النفس الإنسانية، وقد توسع الفيلسوف الألماني ردولف أوتو وقال بأن الدين جزء لا يتجزء من الطبيعة الإنسانية وموجود معها منذ الطبيعة. وإن غصت في كتب علم الاجتماع فسآتيك بمئات الباحثين في هذه المسألة . لهذا فنحن لا نكتفي بتوصيف الواقع لك بل نزيد على ذلك بذكر العلماء المتخصصين في هذا المجال .

- أن حاجة الإنسان لإشباع معرفته الوجودية تظهر منذ الصغر، فالطفل منذ نعومة أظافره وهو يسأل والديه عن أمور شتى، حتى يصل ذلك إلى الكون ومن خلقنا وكيف هو وغيره ؟ وذلك دليل على ان هذه التساؤلات من لوازم الفطرة التي اودعها الله تعالى في عباده . وأظنك أيها الزميل مررت بهذه المرحلة فلماذا الإنكار ؟ .

- أما مسألة الشوق إلى المعرفة في الإنسان فشيء يتفق كل الفلاسفة عليه، وقولك بأن بعض المعلومات من الترف الفكري، حكم قيمة لا وزن له عند العقلاء، لأن غيرك يريد أن يعرف أكثر من مسألة العرش والملائكة وكيف هم وغيرهم، لهذا فعدم إدراكك للمعنى السامي لا ينفيه، لأن الدين من خصائصه أنه يتحدث إلى كل البشر، على اختلاف مداركهم واتساع آفاقهم.

- أما تحقيق التفسيرات المقدمة فلا ينفي حاجة الإنسان لها، وعليه أن يبحث عن التفسير الصحيح من بين كل الأديان الموجودة.


وهاتان الوظيفتان سأتناولها معاً ، فكلاهما يدور حول أهمية الدين لتعريف الإنسان بأنماط السلوك والإعتقاد الصحيح التي يجب أن ينظم الفرد والمجتمعات حياتها وفقاً لها ... أي بإختصار التعليمات التي يريدنا الله أن نلتزم به ... وسأبين فيما يلي الإعتراض على قولك بحاجتنا الدين لأداء هاتين الوظيفتين :

• إذا كانت تلك التعليمات السماوية طقوساً عبادية كالصلاة والصوم الخ ، فرغم ما ينسب لتلك الطقوس من فوائد صحية وإجتماعية أو نفسية ، إلا أن تلك الفوائد تبقى غير مثبتة ومحل جدال وقد يطول فيها النقاش ويتفرع ، هذا بخلاف أنها فوائد فرعية أو هامشية ولا تبرر الحاجة للرسل والرسالات ... إذاً يبقى إذا الدور الأهم للطقوس الإسلامية وهي إستيفاء حاجة الإنسان الفطرية للعبادة والخضوع .
وبالنسبة لما يسمى بحاجة الإنسان للعبادة والخضوع ... فهذا إدعاء لا أرى صحته ، فلا يوجد ما يسمى بحاجة الإنسان للعبادة والخضوع ، ولكن يوجد لدى الإنسان خوف من المجهول ورغبة في السيطرة على الطبيعية وفهم وتفسير الظواهر الغامضة ... أما عن قيام الحضارات القديمة بإتخاذ الأديان وعبادة مظاهر الطبيعة (وهو ما يستدل به البعض على حاجة الإنسان الطبيعية للعبادة) ، فهذا لا يقوم دليلاً على حاجة الإنسان للعبادة ... فإختراع الدين لم يأت نتيجة حاجة البشر للعبادة والخضوع أو بسبب حاجة الإنسان للتواصل مع الله ، ولكن ظهر الدين بسبب ضعف الإنسان القديم أمام الطبيعية االتي كانت تحمل أحياناً تهديداً لوجوده وتتحكم في قدرته على تحصيل إحتياجاته ، ودليل ذلك أن الأديان البدائية لم يكن فيها مكاناً لله وإنما كانت عبارة عن طقوس وقرابين لإرضاء الطبيعة ... وقد درس علماء الإنثربولوجيا ظاهرة الأديان بشكل وافي ووصلوا لنظريات شبه مؤكدة تشرح كيفية نشأة وتطور الأديان .

ولا أدري من هو المجادل في أهمية العبادات ؟ لو تأملنا كل كتب علم الاجتماع الديني، وفلسفة الدين، وعلم النفس، لرأينا أهمية العبادات أو ما يصطلح عليها عندهم "بالطقوس"، وذلك مبسوط حتى في الكتب العلمية والطبية في هذا الصدد، ونحن نحدثك عن علم أيها الزميل، فإن كان عندك شيء مثبت من عند أهل الخبرة فأخرجه لنا، أما أن تنفي أشياء بديهية بجرة قلم، فالكل يحسنه، حتى العامي الذي لم يزر مدرسة قط. وأي معتقد يقوم بصياغة الصورة الذهنية للعالم القدسي، فهو في حاجة إلى نظام طقسي يضع الإنسان في علاقته مع العوالم القدسية، فإذا كان المعتقد حالة ذهنية فإن العبادة حالة فعلية من شأنها إحداث رابطة، فإن كان المعتقد مجموعة من الأفكار المتعلقة بعالم المقدسات فالعبادات هي مجموعة من الأفعال المتعلقة بأسلوب التعامل مع ذلك العالم، فهو بتعبير فلسفي : اقتحام للمقدس وفتح قنوات اتصال دائمة معه .

وأقول ان كل فكرة ذهنية أو معتقد ذهني هو عرضة للتلاشي والاندثار والزوال ما لم يخرج من عالم الفكر إلى عالم الفعل، وأعطيك مثالا بسيطا عن ذلك، مثال المواطنة والانتماء إلى الوطن، ألا ترى في الثكنات العسكرية الإجراءات المتعلقة بتحية العلم الصباحية والمسائية حيث يرفع صباحا بحضور العسكر وينزل مساءا على صوت بوق ؟ فلماذا السياسة العسكرية تركز على هذه المسألة ؟ لأنه بكل بساطة طقس يرفع من الانتماء الوطني للعساكر، فالوطن مجرد مفهوم في عقول المواطنين، لا ترسخه الأفكار بقدر ما ترسخه الطقوس، تحية العلم، الفوز في الرياضات بين الأمم، الاحتفال بالأعياد الوطنية والقومية، استحضار الأمجاد والإنجازات، كل ذلك وأكثر هو طقوس ترسخ فكرة الوطنية والمواطنة في نفوس الشعب. وبقدر ممارستها بقدر ارتفاع عقيدة المؤمنين بها، وأنتَ ترى الفرق مثلا بين المتدينين وغيرهم من المؤمنين الغير متدينين، فتجد الممارس للعبادات له مزايا عديدة من الناحية الإيمانية والسلوكية عن غير المتدين من نفس الدين .

مسألة تطور الأديان وأيهما الأسبق التوحيد أو الوثنية، وما هو المعتقد الأول للبشرية، فاسمح لي بالقول بأن الخلاف شديد انتروبولوجياً بين الباحثين، و علم الاجتماع بمختلف تفريعاته أحد تخصصاتي وحاصل فيه على شواهد أكاديمية، وإن أحببتَ أن أخرج لك ذلك من الكتب أخرجته لك بكل يسر، وإن كان الراجح عندي وعند عدد من الباحثين في المجال أن البشرية الأولى كانت موحدة، وذلك منتشر في منتدانا هذا، ولو أحببتَ أن نتوسع في الموضوع توسعنا .


فإختراع الدين لم يأت نتيجة حاجة البشر للعبادة والخضوع أو بسبب حاجة الإنسان للتواصل مع الله ، ولكن ظهر الدين بسبب ضعف الإنسان القديم أمام الطبيعية االتي كانت تحمل أحياناً تهديداً لوجوده وتتحكم في قدرته على تحصيل إحتياجاته

وهو معتقد لا دليل عليه، فلا يوجد دليل يؤكد أن الإنسان القديم تديَّن لخوفه من الطبيعة فقط، وهي دعوى منقوضة بشهادة الواقع، فالدين في القرن الواحد والعشرين حاضر بقوة في كل الكرة الأرضية، وأظن أن البشرية اليوم لا يصطلح عليها بمصطلح الإنسان القديم ؟ فقد تخطينا تلك المرحلة كثيرا .

والثانية أننا نجد في أصفى المناطق غالبية متدينة، وهي مدن ومناطق آمنة من الناحية الطبيعية وليس بها نشاطات كارثية كثيفة .


لا يمكن إثبات أن نزول الدين كان سابقاً لتطور هذه القيم الأخلاقية في الضمير الإنساني وإقرار الإنسانية برفعة وسمو هذه القيم الأخلاقية وضرورة إلتزامها ... فهل الأخلاق سبقت الدين أم أن الدين هو الذي عرفنا بالأخلاق ... هذا هو السؤال المحوري الذي لا يمكن إثبات حاجتنا للدين في هذا الخصوص ما لم يتم إثبات أسبقية الدين على الأخلاق ... أما مجرد دعوة الدين للإلتزام الاخلاق فلا يقوم دليلاً على الحاجة له ، فالكثير من الحركات الإجتماعية التي لا علاقة لها بالأديان قد دعت أيضاً للإلتزام الأخلاقي .

* هناك بعض الإختلاف بين القيم الأخلاقية التي أقرتها الأديان والقيم الأخلاقية الإنسانية ، ولكن لا يمكن الجزم أيهما أفضل وأرقى .. وأرى أن الأخلاق الدينية قد تتفوق في بعض النواحي إلا أن الأخلاق الإنسانية تتفوق في نواحي أخرى .. كما أن هناك الكثير من القيم الأخلاقية الإنسانية التي لم تشر لها الأديان بوضوح .

وهذا منتقض بكلام الباحثين .. وغاية الأمر أنك انحرفت عن مسألة ضمان اللادينية لهذه الأمور إلى مسألة مناقشتها كدليل على إرسال الرسل وهنا كان انحرافك المنهجي، ولا يمكننا إغفال مسألة التنشئة الإجتماعية في تكوين الفرد، حتى ولو كان ملحدا أو لادينيا وأسس حركات اجتماعية .. وعموما كل هذا سنتطرق إليه في المداخلة التالية لهذه.


هناك مئات الملايين من البشر ممن هم غير مؤمنين بأديان سماوية (مثل أتباع الكنفوشيوسية والبوذية الذين لا تؤمنون حتى بوجود إله ، ومثل مئات الملايين من غير المؤمنين في أوربا وأمريكا ) ، ورغم عدم وجود رادع يمنع هؤلاء من التصرف بأخلاقية وإنسانية إلا أنهم لم يتحولوا لوحوش كاسرة ولا يعانون من الإكتئاب ، بل لعلهم أفضل من كثير من المتدينين في الكثير من الجوانب الأخلاقية والنفسية .

وأظنك تؤمن بخرافة عدم ألوهية بوذا، وهي انتشرت عند بعض الباحثين الغربيين انتشار النار في الهشيم، وهو شيء مندفع عند المتخصصين في علم مقارنة الأديان، فالآن هم يتفقون على مسألة ألوهية بوذا وتجسيده عبر الأصنام، والتقرب إليه بمجموعة من العبادات والبوذية والكنفوشيوسية وغيرها من نحل اليابان والهند والصين وتعتبر ديانات قائمة بذاتها لها كتبها وعقائدها وعباداتها، وحينما اتحدث عن الدين فأعني به كل الأديان وضعية أو محرفة أو صحيحة، المهم أن يكون عندها معتقد ومصدر جامع، وعبادات .

وعليه فالدليل عليك لا لك، ويبقى ما تقوله مجرد كلام مرسل لا دليل عليه، إضافة إلى أني نبهت سابقا إلى مسألة التنشئة الاجتماعية .

وأقترح أن نفصل بين المحورين، فنتحدث عن مسألة الأدوار الدينية مفصولة عن المحور الآخر حتى إن أنهيناها انتقلنا إلى الثانية . لكن بعدما أستكمل الرد على كل مداخلتك الطويلة تلك .

يتبع .

ابن عبد البر الصغير
03-21-2012, 03:15 AM
أولا ينبغي أن أنبه إلى أن مداخلاتك تضمنت نقطا كثيرة تحتاج إلى تفصيل، ووإثارتك لموضوعات تصلح أن تكون مبحثا خاصا مركزا هي دليل عن عدم تحريرك لمحل النزاع، وأرجوا في مداخلاتك الآتية الاستدلال على قدر الاستشكال حتى لا نُستغرق في موضوعات كثيرة، مما سيضطرني إلى الزهد عن إجابة عدد من النقط على وجه التفصيل تجنبا للتطويل والتفريع المتفق على حظره بيننا.


بالنسبة للدور الردعي للدين ، فهناك وسائل كثيرة تقوم بشكل جيد محل الأديان في توفير الردع أو الحافز ودفع الناس لعمل الخير وإجتناب الشر ... وأهم دوافع الإلتزام الأخلاقي هي الضمير الإنساني وحب الإنسان الفطري لعمل الخير ، وإحساس الإنسان بأن أعماله الحسنة أو السيئة سوف تنعكس عليه ... اخيراً يقوم البشر بوضع الكثير من التشريعات والقوانين وبوضع نظم العقاب والثواب التي تنجح لحد كبير في تحقيق الإلتزام بالسلوك الحسن وإجتناب السلوك السئ بما يغني عن الروادع الدينية ... مثل بسيط أسوقه لك هو إحترام قواعد المرور ... ففي الدول الغربية نجد أن الناس تحترم قواعد المرور لمعرفتها بأن ذلك سيعود بالنفع على الجميع ولحرصهم على تجنب المساءلة القانونية ، وها هو النظام يعمل بكفاءة ، في المقابل نجد لدينا في الشرق المسلم فوضى مرورية وعدم إنضباط .

وذلك منتقض واقعا، وبأقوال أهل الخبرة من علماء الاجتماع وغيرهم، وذلك من وجوه :

- أن شقاء البشرية في ظل القوانين الوضعية أمر مشاهد، وتحت يدي إحصائيات موثقة في مختلف المجالات، وقد استدل بها عالم الاجتماع أنتوني غدنز في كتابه "علم الاجتماع"، حتى يبين الحالة الصعبة التي تعيشها المجتمعات الغربية في ظل تكاثر الأمراض النفسية، والظواهر الانحرافية من سرقات وإجرام وغيرها .

- أننا نشاهد قاعدة ذهبية في هذا المجال وهي : أي مجتمع قل تدينه كثرت انحرافاته، ودرجة الكثرة مرتبطة بدرجة القلة، فالوازع الديني أثبت نجاعته مقابل أي وازع آخر، وحسبك أن المتدين الذي يخاف الله، يعيش بعقيدة { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

- أن ذلك مندفع أيضا بأقوال علماء الاجتماع اعلاه .

- أن عقدك لمقارنة بين الشرق والغرب لا تسلم، لأن عامة الدول الإسلامية لا تحكم بالشريعة الإسلامية بل بقوانين علمانية مستنسخة من قوانين غربية، وتعاني موجات من التغريب والاستعمار الفكري والثقافي، لهذا فشيء طبيعي أن تكون الانحرافات بادية .

- أن ضربك لمثال أن الغرب عالم فاضل مثالي، لا ينهض بحجة، وكمثال فالدولة الفرنسية مثلا في حوادث السير سجلت سنة 2011 وفاة 3970 شخصا وجرح 80945 آخرين، وعزت 90 بالمائة من هذه الحوادث إلى عوامل وأخطاء إنسانية، وهي أحصائية مؤقتة رسمية ومرشحة للارتفاع . وهنا تجد موقع الإحصاء (http://www.preventionroutiere.asso.fr/Nos-publications/Statistiques-d-accidents)

لهذا أيها الزميل كفاك كلاما مرسلا تأملاتيا .


وفي مقابل ذلك نجد أن الأديان وما تقدمه من روادع أخلاقية لم تنجح في إحداث تغير جذري في أخلاق وسلوك الناس ، وهو شئ على الأقل لا يمكن إثباته ، ولا يمكن القول بأن أتباع الأديان عموماً هم أكثر أخلاقية من غيرهم ... ومن ثم لا مجال للإدعاء بأن العالم هو مكان أفضل بفضل الأديان أو القول بأن البشر يصبحوا أقل أخلاقية بدون الأديان .

• المنظومة الأخلاقية والسلوكية التي تدعو لها الأديان هي منظومة مشوهة (من وجهة نظري ومن وجهة نظر الكثيرين) ، مقارنة مع القيم الإنسانية المتعارف عليها في عصرنا الحديث ، كما أن هناك كثير من الاشياء التي تدعو لها الأديان هي غير متوافقة مع الأخلاق الإنسانية والفطرة السليمة المحبة للخير والحق ، مثل الحث على عدم حب المخالفين والدعوة للبراءة منهم ، وفشل الدين في القضاء على العبودية ... أو هي على أقل تقدير منظومة جامدة لا تتكيف للتغيرات التي تطرأ على المجتمعات وما يصاحب ذلك من تغيرات في بعض القيم والمعايير السلوكية .

وهنا هوامش ستدخلنا في تفاصيل وفرعيات كثيرة، والأحرى أن تُناقش في رابط التعليقات على المناظرة . وتجد طرفا من الجواب أعلاه .


بالنسبة لدور الدين في تعريف الناس بوجود نظام عدالة سماوي يضمن تعويض المحرومين والمظلومين في الدينا وتحقيق العدالة التي تبدو غائبة عن عالمنا ، وتعريف الناس بأن الدنيا إنما هي مجرد معبر وأن الدار الأخرة هي دار القرار ، وكذلك زرع القناعة والطمأنينة في قلوب البشر عبر إعلامهم بأن أرزاقهم ومصائرهم وأقدارهم هي مسجلة بيد الله ولا مجال لتغيريها ... فلا بد من رفع القبعة للدين لقيامه بتلك الوظيفة ... ولكن مجرد قيام الدين بأداء هذه الوظيفة لا يقوم دليلاً على صحته ، حيث أن قيام الدين بهذه الوظيفة جاء كمنتج فرعي أو هامشي Byproduct لوظائف الدين الأخرى مثل تعريف الناس بالخالق وإنزال الشرائع وحث الناس على عبادة الله ... الخ

ومن ناحية أخرى كما أن للدين إنعكاس إيجابي على التوازن النفسي لأتباعه ، فكذلك للأديان إنعكاسات سلبية ، تتمثل لدى الكثيرين في حالة اللامبالاة بالدنيا وإستحقارها أو الزهد الزائئد عن الحد ، وبسبب حالة الخوف الدائم من الله وعذابه التي يعيشها المؤمن ، وبسبب تعقيدات الحياة التي يعيشها المؤمن فيحرم نفسه بالكثير من الأشياء الطبيعية التي حرمها الدين أو يلزم نفسه بأشياء لا ضرورة لها بسبب الدين ، هذا بخلاف حالة عدم الرضا الداخلي التي يعيشها المؤمن عندما يجد نفسه مضطراً لإحتقار الآخر .

وهذا كلام لا وزن له لانعدام الأدلة عليه، إن هي إلا دعوىومردود عليه أعلاه .

رد أدلتك المزعومة على "الحياد الإلهي" :

وههنا لفتة منهجية، هي أن تلك الأدلة بمجموعها التي قدَّمتها لا تنهض ولا تصلح لأن تكون دليلا واحدا، فضلا عن أن ينهض كل منها دليلا لوحده، ورُحتَ تقدِّم لأدلتك تحت مبرر عدم منطقية الأديان ومخالفتها للعلم، وهذا كله زعم بغير دليل، وكون أن بعض الأديان تتضمن تناقضات ومخالفات فلا يعني ذلك سحبُ ذلك على كل دين، لأننا نقول بصحة دين واحد من بين كل أديان البشرية، وهو الإسلام، وهذا سنصل إليه لاحقا في المناظرة فلا تتعجل.


بإختصار دليلي الأول هو نفس دليلك لإثبات خطأ الربوبية... حين قلت :


اقتباس:
أن انعدام الدليل عند المخالف، دليل ... فإن انعدمت هذه الحجج والبراهين (على صحة قضية ما) فيكون نقيضها أولى بالتسليم وأحق بالتصديق، لأن مانع القضية السالبة يسلم جدلاً بنقيضها"

وبما أن الحجج والبراهين قد إنعدمت على صحة الأديان فإن نقيضها (اللادينية) يكون أولى بالتصديق .

وكل ما سبق هو بالطبع من وجهة نظري ... كما أننا لن نخوض في تفاصيل هذا الدليل لأن ذلك مؤجل للقسم الثاني من مناظرتنا والمتعلق بإثبات صحة الإسلام .

وتأمل أيها الزميل كيف اقتطعتَ جزءا من مداخلتي وسحبتَ منها إلزاماتها وقواطعها، وجعلتَها كلمة واحدة سهُل عليك انتحالها، فتأمل معي الكلام مرة أخرى واحسب عدد الإلزامات التي قفزتَ عليها :

انعدام الدليل عند المخالف، دليل، بمعنى أناَّ نقول بأن صدق الدعوى من عدمه يكون مرتهنا بحجم أدلتها، مفروضا بقوة حججها، فإن انعدمت هذه الحجج والبراهين جملة وتفصيلا، كانت الدعوى مجرد سفسطة مرسلة لا شيء يعضدها، فيكون نقيضها أولى بالتسليم وأحق بالتصديق، لأن مانع القضية السالبة يسلم جدلاً بنقيضها ولا دفع لمنعه. و مانع القضية العقلية يسلم جدلا بالمقدَّم، وعلى المدعي دفع المنع بإثبات النقيض.

تماما مثل الملحد الذي يُريد ان يدلس على المؤمن أو اللاديني، فيطالبه بالدليل على وجود الله تعالى، فنواجهه بالقول أنه هو المطالب بإثبات النقيض ولسنا نحن { أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.
لأن الجائز العقلي لا يُنفى من أجل مستحيل عقلي، فإن كان هذا في الجائز، فالواجب العقلي أحق بهذه القاعدة من الجائز، خاصة وأن فطرة العقل دالة عليه ببراهين أخرى .وقس على هذا قولك، لأن الأصل ليس في عدم إنزال الشرائع والحياد، بل الأصل هو إرسال الرسل وتدبير الكون وغيره، فتكون مطالبا بالدليل لأنك ادعيتَ النقيض .

ثم نسأل المخالف، هل إرسال الرسل وإنزال الكتب وتدبير الكون هو واقع عندكم في باب الإمكان العقلي أم الممتنع ؟ فإن قلتَ من باب الإمكان فقد وافقت فطرة العقل، وإن قلتَ بالاستحالة فقد خالفتَ المقتضى، فنسألك حينها عن المانع العقلي لذلك ؟


فالأديان لم تستقطب إلا نسبة بسيطة من البشر ، ومن هذه النسبة التي آمنت بتعاليم السماء وبالرسل هناك نسبة أقل عملت بمقتضى تلك التعاليم ... والنتيجة هي أن تلك التعاليم والتوجيهات السماوية لم تكن مؤثرة فعلاً في مسيرة البشرية ، وبشكل يتناسب مع كونها صادرة من الخالق العظيم .

ولو كانت البشرية فعلاً بحاجة لذلك التدخل الإلهي ولا يستقيم حال البشر إلا بذلك التدخل ، فإن من المفترض أن نرى نتائج ملموسة لذلك التدخل الإلهي وفي شكل تغير جذري في حياة البشرية ، ولكن لا يوجد أي أدلة تؤكد حدوث ذلك التغير الجذري في مسيرة البشرية والذي يمكن نسبته لتدخل إلهي أو إرسال رسل .

مرة أخرى ترجع إلى الكلام المُرسل الذي لا دليل عليه ولا منطق يعضده ولا تاريخ يشهد له، رالف ستيهلي أستاذ تاريخ الأديان بجامعة ستراسبورج، قدَّم إحصائية (http://www.persocite.com/orient/stats.htm) تقول بأن عدد المسلمين 1,3 مليار شخص، وعدد النصارى 2 مليار شخص، الهندوسية 840 مليون ، البوذية 380 مليون شخص، واليهودية 14,5 مليون شخص .. ليكون المجموع ما يزيد عن 4 مليارات وخمسمائة وأربع وثلاثين مليون شخص ينتسب للدين، من أصل 6 مليارات، أي يبقى أقل من ملياري شخص متفرقون على الأديان الباقية والنحل السحرية، والمذاهب الفكرية . فتأمل ؟؟؟؟ وهذه إحصائية كانت سنة 2003، وقد ارتفعت مؤشرات اعتناق الأديان بعدها حتى أصبح الدين الإسلامي أكثر الاديان انتشارا حسب عدد من الإحصائيات .
فأرجوك أيها الزميل لا تطلق الكلام جزافا على عواهنه، فعن أي نسبة بسيطة من البشر تتحدث ؟

والنتائج الملموسة التي تتحدث عنها هي الحضارات العظيمة المختلفة التي قامت ترفع شعار الدين .


الدليل الثالث : إفتراض حدوث ذلك التدخل الإلهي يوقعنا في فخ إتهام الخالق العظيم بالتقصير

فإفتراض عدم إستقامة حال البشر بدون إرسال الرسل يعني أحد شيئين (أو كلاهما) ... فقد يعني بأن الله قد خلق البشر وفيهم ضعف ذاتي أو خلل مركب ، مما يجعلهم بحاجة دوماً لتدخل خارجي من الخالق لإصلاح ذلك الخلل (عبر إرسال الرسل) ، وهذا الخلل المركب قد يشير إلى عيب في التصميم أو الصنعة (تعالى الله عن ذلك) ... وقد يعني إحتياجنا للتدخل السماوي وعدم إستقامة حالنا بدونه بأن الله قد رضى (أو ربما شاء) بأن يكون حال البشر غير مستقيماً ومختلاً ، وأن لا يتم إصلاح الخلل الذي هو كائن فيهم ومزروع فيهم بالفطرة ... فكما هو معلوم فإن أغلب الناس لا يؤمنون بالرسل والرسالات وإن آمنوا بها فلا يعملوا بمقتضاها (كما تم التوضيح في النقطة السابقة) ، والمحصلة هي أن حال البشر لن يستقيم وسيظل مختلاً رغم إرسال الرسل

وهذا مجرد عكس لدليلي القائل بان اللادينية تنسب صفات النقص بقولها بالحياد الإلهي ، فالله عز وجل عندنا أنزل للبشرية الهداية وبصرهم بالمنهج المرتضى، فما عليهم إلا اتباع المنهج لضمان السعادتين .

ونقول بان الإنسان ناقص غير كامل، يحتاج للرعاية ولا يستطيع العيش بدون دين، وهو شيء مشاهد في كل البشر، هكذا خلقه الله وشاءت حكمته ذلك، إنما العيب كل العيب في معتقدك الذي يشاهد الضعف ويتعامى عنه ويريد جر البشرية إلى شقاء مُهلك . والأدهى أنه ينسب لله العطالة والظلم حيث يشاهد مخلوقاته متضاربة متماوجة دون تدخل منه . تعالى الله عن ذلك.


الدليل الرابع : إثبات حاجة البشرية لذلك التدخل الإلهي وللرسل والرسالات السماوية يقوم على أن إفتراض غير مثبت وهو أن المؤمنين برسالة السماء والمتبعين لها هم أفضل حالاً من غير المؤمنين بها أو المتبعين لها

نفسيا هم أفضل حالا وأقوى جلدا على مصاعب الحياة، وأكثر تناغما في المجتمع وغيره، وذلك مثبت في إحصائيات اجتماعية ونفسية عديدة، وقد سبق أن رأينا طرفا من ذلك أعلاه .

وهذا سيُدخلنا في تصنيف الدول الغربية المؤمنة بالدين والدول الغربية التي تحسب ملحدة ولادينية، وهذا باب لا أحبذ طرقه حفاظا على المناظرة من مختلف التفريعات، كما أن الدولة الإسلامية تاريخيا حققت ما لم تحققه حضارة أخرى في باب الدولة الرعاية والعدالة الاجتماعية . وارجع إلى التاريخ المقارن بين الحضارات .


فإسلوب ذلك التواصل المفترض بين الله والبشر ... أي عبر الأنبياء والرسل ... هو إسلوب تثار العديد من التساؤلات حول مدى منطقيته ... فلا يعقل (بالنسبة لي) أن يلجأ الله لأشخاص يصطفيهم ليبلغوا رسالته للناس ؟ وأتساءل ... لماذا لا يقوم الله بإيصال تلك الرسالة بنفسه وهو قادر على ذلك ؟ ... إذا كان لديك رسالة (هامة جدا) تريد أن توصلها لشخص ما او مجموعة أشخاص ، هل ستوصلها لهم بنفسك أم سترسلها عن طريق وسيط او رسول ؟ ... بالتأكيد إذا كانت الرسالة هامة جدا وكنت قادرا على إيصالها بنفسك فلن تلجأ إلي الوسيط ... فإذا كان الخالق العظيم قد خلق الناس خصيصاً ليعبدوه فلماذا شاء أن يتم إيصال تلك الرسالة بواسطة أشخاص قد تحوم حول صدقهم الشبهات ، وقد يتهمون بالكذب في إدعاء النبوة ... وهذا ما حدث بالفعل ، فقد كُذِّبَ معظم الأنبياء .

قد يقول البعض بأن الله قد شاء أن يرسل الرسالة بواسطة أشخاص من نفس جنس المرسل إليهم أو بأن الحكمة من قيام الله بإرسال الرسل وعدم تبليغنا تلك الرسالة بنفسه أو عبر ملائكة مثلا هي ضرورة تجسيد تلك الرسالة في الواقع من خلال سلوك وممارسات الرسل الذين يرسلهم الله للناس لإعطاء مثال حي على كيفية الإلتزام ... وأحسب أن هذا الرأي ليس ناتجاً إلا عن قصور في تصور حدود القدرة الإلهية وما يمكن أن يفعله الله لو أراد تبليغنا رسالته بدون وسطاء .

وفقرتك الثانية قاصمة للأولى ، وتعليلك به تلبيس :

فمفهوم القدرة مرتبط بالمشيئة والإرادة، والمشيئة مرتبطة بالحكمة، بمعنى أن الله عز وجل قادر على كل شيء، وأنه سبحانه لا يفعل شيئا إلا لحكمة، وأنه عز وجل لا يفعل إلا إذا شاء، وإن لم يشأ لم يفعل . فيستطيع إهلاك البشرية جمعاء في هذه الساعة لكنه سبحانه لم يرد ذلك، فعدم إرادته إهلاك البشرية لا يعني عدم قدرته على ذلك، وعدم مشيئته إهلاكنا راجعة لحكمته سبحانه .

أما الحكمة من إرسال الرسل من البشر دون غيرهم، فمنتشرة روابطه على منتدانا، وببحث صغير يغنيك عن كثرة تعليق . ويصلج لأن يكون مرحلة متأخرة عن المرحلة التي نحن فيها، فحينما تقر بجواز إرسال الرسل بل بوجوبه حينها نتناقش حول الحكم من هذا النوع من الاتصال دون غيره .


الدليل السادس

وهو ليس دليلا ولا يقوم .


يتهم اللادينيون الأديان السماوية عموماً والإسلام على وجه الخصوص بأنها ظاهرة شرق أوسطية ، ويرد المسلمون على هذا الإتهام عادة بالقول بآية (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) ... ولكنهم يعجزون عن ذكر أي نبي مرسل لأي أمة خارج نطاق الشرق الأوسط أو التدليل على صحة وجوده ، حتى في أساطير الشعوب القديمة ... فلا يعرف من هؤلاء المرسلين الذين أرسلهم الله سوى ال 24 نبياً المذكورين في التوارة بالإضافة إلى نبي الله صالح الذي إنفرد القرآن بذكره وبعض الأنبياء الذين إنفرد التوراة أو الإنجيل بذكرهم بذكرهم

انظر كيف أنك تنفي نقطة " أ " عبر إثارة نقطة أخرى "ب" وكلاهما لا يصلح أن تنفي الأولى الثانية، وذلك من وجوه :

1- أن معتقدنا هو الآتي : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } .. { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } .. { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ } .

2- كوننا لا نعرفهم ولم يخبرنا الله عز وجل بقصصهم كلهم من حكمته، { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } ، وكيف بالله عليك تريد قرآنا يعطينا قصص كل الرسل في كل الأمم وهم بالآلاف، فهل تريد أسفارا كبيرة وحمل بعير ؟ .

3- أن القرآن الكريم تفرد بذكر بعض الرسل في بعض الامم، لكن كان الغالب تصحيح الديانات المحرفة الشهيرة التي نسبت النقائص للأنبياء ودلست عليهم.

4- أن القصص تتكرر بين آلاف الأنبياء، وما ذكره القرآن فيه كفاية حتى نستخلص العبر، { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }

5- كوننا لم نُخبر بهم لا ينفي وجودهم، وهي مسألة طبيعة لا تحتاج إلى نقاش إنما تعترض من أجل الاعتراض والسلام .

وهذا ينسحب على مسألة الشرق الاوسط، أما مسألة الفترة فأمسك عنها قليلا حتى لا نتفرع أكثر، وسنتطرق إلى ذلك في رابط التعليقات .

وهنا نرى أن الست نقط لا تنهض لكي تكون أدلة ولا ترتفع لذات المقام .

وأرى أن نحصر حوارنا حول نقطة واحدة محددة، فاختر ما شئتَ :

1- التكلم في مسألة عجز اللادينية مقارنة بالدين .

2- مسألة إرسال الرسل وإنزال الشرائع وأدلتها . وحينها نجيب عن اعتراضاتك بتفصيل أكبر.

مشرف 10
03-21-2012, 03:50 AM
نرجو فقط أن تكون المداخلات وفق نقطة واحدة يلحقها التفصيل وليس وفق نقاط كثيرة يلحقها تفاصيل طويلة كحال قوم يأجوج ومأجوج لا يعرف أولهم آخرهم ..
ولتوضيح ذلك نقول : يشرفنا في المنتدى وجود هذا الحوار طالما كان بغية طلب الحق من الفريقين ، وعليه فلا مانع من أن يستمر سنوات طوال طالما كان الحق رائد الفريقين ولكي نجعل هذا الحوار مثمراً نرجو من الزميل الربوبي اعتماد المداخلات والتي تستثير نقطة واحدة وبالتالي سوف يكون تركيز محاوره على الرد مفصلاً ومستوفياً ، وإذا كان الزميل الربوبي لديه الكثير من النقاط فلا يستعجل فلكل مقام مقال ولكل حادث حديث ولن يُعدمْ من عدد الصفحات اللانهائي عندنا ...
ولكي تكون بداية ممتازة بعد هذه المداخلات ندعو الزميل الربوبي أن يقومَ باستثارة نقطة واحدة كالتكلم مثلاً عن جواز إرسال الرسل من الناحية العقلية بخصوص المستحيل أو الممكن ..
ننتظر من الزميل الربوبي الموافقة على شرط الإشراف حتى نخبره بقانون المناظرة القادم بخصوص المداخلات الطويلة

الربوبي
03-21-2012, 06:30 PM
المشرف الفاضل

ليس لي إعتراض على تجزئة الحوار ، وهذا ينسجم مع خطتي في الحوار ، ولكن لعل من المفيد أن يأتي كل طرف بملخص شامل لما يحمل في جعبته من أدلة ومنطق لإثبات وجهة نظره (وهذا ما قد حدث فعلاً) ، ثم بعد ذلك نبدأ بتناول النقاط بشكل تفصيلي أو مجزأ .

بالتأكيد المداخلات الطويلة تسبب إرهاقاً لي ولمحاوري ولمتابعي الحوار ، ولكني أرى المسبب الأول لذلك هو رفض محاوري تقديم تلخيص واضح ومباشر وغير متداخل ولا يحتوي تكراراً لطرحه الذي يحاول من خلاله إثبات ضرورة إرسال الرسل ... وإصراره على عدم الفصل بين وظائف الدين وبين الأدلة الدالة على إرسال الرسل ، وهو فصل إرجو من محاوري بيان الحكمة منه فهي خافية علي .

ومن خلال المداخلة القادمة سأقدم تصوري لكيفية توجيه الحوار وضبطه ، وتحديد لنقاط النقاش التي يمكن أن نبدأ بها

الربوبي
03-21-2012, 06:49 PM
مرحباً بمحاوري الكريم وبالسادة متابعي الحوار ....

جميل أن نحاول تنظيم الحوار وتوجيه نحو نقاط تفصيلية محددة ، فالموضوع شائك .. ولكن ... قبل الإتفاق على هيكلية جديدة للحوار هناك نقطتين لا أرى أن لهذا لحوار مجالاً للتقدم دون حسمهما : وهما

1) إصرار محاوري على قيامي بذكر مصادري ، وإنكاره أن يكون هناك أدلة تدعم صحة عقيدتي ، والمؤسف أن يأتي ذلك بعد أن بينت له الأدلة التي أعتمد عليها لإثبات صحة عقيدتي ... لذا أرى أن الموقف الأسلم من جانبه هو إنتقاد أدلتي وتفنيدها وليس نفي وجودها وهي ماثلة أمام ناظريه في مداخلاتي السابقة

2) النقطة الثانية هي أن أهمية حصر النقاش في هذا الجزء من المناظرة فقط حول مسألة إثبات ضرورة التدخل الإلهي عبر إرسال الرسل ، دون غيره من أشكال التدخل الإلهي في حياة البشر أو سير الكون ، ودون التطرق لأجزاء العقيدة الربوبية الأخرى ، وذلك للأسباب التي سوف أوضحها أدناه ...


وإصرار محاوري على ذكر المصادر هو مطلب غامض بالنسبة لي ... فماذا يقصد بمصادري ؟؟؟؟ مع العلم بأنه ليس للربوبيين أنبياء أو كتب منزلة أو مراجع أساسية في بناءهم العقيدى ... حتى كتاب "توماس باين" الشهير The Age of Reason ، رغم إعتباره بواسطة البعض أهم كتاب للعقيدة الربوبية فهو لا يعد مصدراً لها ، وإنما هو مجموعة من الأفكار طرحها الكاتب وتلقى قبولاً في أوساط الربوبيين .

واللادينية عموماً (ومن ضمنها العقيدة الربوبية) هي مجرد مجموعة من الأفكار .... ولكن هذا ليس شي يعيبها ، فهي مجموعة من الأفكار ولكن لها أساس منطقي راسخ ... والافكار والآراء لا يستدل على صحتها من المصادر وإنما تسمتد شرعيتها من مدى توافقها مع المنطق والعقل ووجود براهين تدعمها .

فهل هناك براهين وأدلة منطقية تدلل على صحة العقيدة الربوبية ....

كما سبقت الإشارة ، فالربوبية هي "كل" يتكون من "أجزاء" ... وبالتالي إذا صحت الأجزاء فيكون "الكل" صحيحاً بالضرورة .... وأجزاء الربوبية كما سبق لي إيضاحها هي ثلاثة :

1) هناك خالق
2) الأديان ليست صحيحة
3) الله لا يتدخل في حياتنا ولا يتواصل مع البشر ولا يرسل الرسل ، والكون تحكمه فقط مجموعة من السنن والقوانين يتم كل شئ في إطارها

والجزء الأول أرى أن محاوري يتفق معي حوله ، والجزء الثاني نقاشه مؤجل ... إذا يجب أن ينحصر خلافنا حالياً فقط في الجزء الثالث من عقيدتي ، أي في مسألة الحياد الإلهي ..

وكما سبقت إشارتي أيضاً ، فإن التدخل الإلهي في حياة البشر قد يكون

• في شكل إجابة الدعاء أو إعطاء الكرامات للأولياء وكسر السنن الكونية لأحلال غضب إلهي أو عناية إلهية بشخص أو قوم من الأقوام ، ويكون أيضاً في شكل المعجزات التي يمد بها أنبياءه .

• وقد يكون التدخل الإلهي في شكل إرسال الأنبياء

وبالنسبة للشكل الأول من التدخل الإلهي (عبر إجابة الدعاء وكرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء وغيرها) ، فقد أوضحت لك فيما سبق إستحالة الإعتماد علي ذلك لإثبات التدخل الإلهي في حياة البشر ، فمن المستحيل عملياً إثبات حدوث تلك الأشياء ، حتى لو كان حدوثها ممكناً ...

وأراك قد وقعت في خلط كبير في ردك المتعلق بهذه النقطة ، حيث أنك إجتهدت لإثبات إمكانية حدوث تلك الأشكال من التدخل الإلهي دون الإنتباه إلى أن ما قصدته أنا هو إمكانية الإستدلال بها لإثبات أن الخالق يتدخل في حياة البشر ... فقد يدعو شخص بدعاء معين ثم يتحقق الشئ الذي طلبه ، ولكن هل يمكن إثبات تدخل إلهي لتحقيق طلبه ... وإذا كانت كرامات أولياء الله الصالحين مستترة ولا يعرفها أحد (كما قلت أنت) ، ألا يؤكد ذلك قولي بأنه يستحيل الإستدلال بتلك الكرامات "المستترة" لإثبات عدم الحياد الإلهي ... وقس على ذلك بقية النقاط المتعلقة بتلك الاشكال من التدخل الإلهي .

أنا رأيت دعاءاً يتحقق (ولا اقول يستجاب له) ، ورأيت زلال وبراكين وأمطار تصيب أقواماً (ولا أقول عناية إلهية أو غضب إلهي) ، ولكن لم أرى ما يثبت أو يشير إلى حدوث خرق للسنن الكونية أو القوانين التي تحكم الكون مثل قانون الجاذبية وغيره من القوانين الطبيعية أو قوانين المنطق ... ولكي يصح إثبات حدوث تدخل إلهي فيجب أن يكون هذا التدخل الإلهي مخالفاً لسنن الكون وقوانينه الطبيعية ، وهذا شئ لم يسبق لي مشاهدته أو التأكد من حدوثه من مصدر موثوق ... لذا دعني أقول لك بان مصدري وشاهدي الأساسي على عدم حدوث مثل تلك الأنواع من التدخل الإلهي هو حواسي ومشاهداتي الفعلية ... فلم أشاهد أي مظهر يثبت حدوث خرق للسنن الكونية أو يثبت حدوث تدخل إلهي في حياة البشر ... فهل شاهدت أنت ذلك ، (إذا كنت أنت أو غيرك قد شاهد مثل تلك الخروقات للسنن الكونية ، فهذا يقوم حجة ودليلاً على التدخل الإلهي فقط لمن شاهد مثل تلك الخروقات) .

إذا يبقى التدخل عبر إرسال الرسل هو الشئ الوحيد الذي يمكن أن نتناقش حوله لإثبات أو نفي الحياد الإلهي ، وهو الشئ الوحيد الذي يحق لك أن تناقشني فيه في هذه المرحلة من المناظرة .... فهل إرسال الرسل هو ضرورة عقلية وشئ يفرضه المنطق والكمال الإلهي .. هذه هي النقطة التي أرجو أن يدور حولها نقاشنا ونترك ما سواها ، فيقدم كل طرف أدلته لإثبات وجهة نظره ثم نمحص تلك الأدلة عبر النقاش .


كما أنني قد قدمت لك أدلتي على عدم منطقية إثبات الرسل ، وسأقدم لك مزيد من الأدلة خلال حوارنا ، لذا لا يصح لك الإدعاء بأن عقيدتي لا تملك سنداً وأنها عقيدة بلا دليل او مصدر ....

فهل يمكننا تجاوز تلك النقطة للإنتقال لما بعدها .........

--------------------------------------------------------------------

وبالنسبة للكيفية التي سيتم بها تفصيل الحوار وتجزءته ، فاراك إقترحت أن نبدأ بنقاش عجز اللادينية أو مسألة إرسال الرسل وإنزال الشرائع


وأرى أن نحصر حوارنا حول نقطة واحدة محددة، فاختر ما شئتَ :
1- التكلم في مسألة عجز اللادينية مقارنة بالدين .
2- مسألة إرسال الرسل وإنزال الشرائع وأدلتها . وحينها نجيب عن اعتراضاتك بتفصيل أكبر.

وفي الحقيقة أنا لا أفهم ما تعنيه أنت بمسألة عجز اللادينية !! أما مسألة إرسال الرسل وإنزال الشرائع فلا أرى في ذلك تفصيلاً أو تجزءة وإنما هي مسألة شاملة تتضمن كل جوانب حوارنا

ولكن في المقابل أرى أن هناك ثلاث نقاط جوهرية تشكل أساس إختلافنا وهي نقاط أجدر بالنقاش ، فكامل فكرة تدخل الخالق عبر إرسال الرسل تستند عليها ... وهذه النقاط هي :

1) هل يصح لنا إدعاء الإحاطة بالحكمة الإلهية ومقتضياتها ، أو إدعاء معرفة الطريقة التي يتعامل الله بها مع المعطيات المختلفة ، ومن ثم إفتراض قيام الله بأفعال معينة كإرسال الرسل أو غير ذلك من أشكال التدخل الإلهي في حياة البشر أو سير سنن الكون؟

2) هل يصح لنا إدعاء معرفتنا بغاية الله من الخلق ، حتى نفترض بأن الله يجب أن يتدخل فيرسل لنا الرسل والرسالات ؟ هل يمكن إستنتاج الحكمة من الخلق ، دون اللجوء للنصوص الدينية التي تقول بأن الله قد خلقنا من أجل عبادته (كما في الإسلام) أو خلقنا من أجل أن يحبنا ونحبه ولكي يهب لنا عطاياه وأفضاله (كما في المسيحية) .

3) مسألة الفراغات المعرفية ... بالنسبة لبعض أسئلة البشرية الحائرة مثل من اين جئنا ولماذا خلقنا الله وأين سنذهب بعد الموت وغيرها من الأسئلة المشابهة ... فهل يمكن قبول وجود فراغ معرفي بخصوص تلك الأسئلة أو عدم وجود إجابات محددة لها ... أم أن هذه الأسئلة يجب أن تتم إجابتها بأي شكل ... وهل وجود نسق معرفي أو تصورات معينة (بخصوص إجابات تلك الأسئلة) بغض النظر عن صحة أو خطأ تلك التصورات هو شئ أفضل من الإقرار بجهلنا بإجابات تلك الأسئلة .


هذه ثلاث نقاط أقترح أن نبدأ بنقاشها ، ولربما أغنانا نقاشها عن نقاش ما سواها فهذه النقاط الثلاثة تشكل لب الإختلاف بيننا ...

وبخلاف تلك النقاط الثلاثة يمكننا نقاش وظائف الدين كما ذكرتها أنت (على أن نتناول في كل مداخلة وظيفتين فقط مثلاً) ، أو نقاش الأدلة التي تفضلت بسياقتها لإثبات التدخل الإلهي وإرسال الرسل ، كما يمكننا نقاش الأدلة الستة التي ذكرتها أنا لإثبات عدم حدوث أو ضرورة حدوث إرسال الرسل ... وتحديد ذلك متروك لك .

مع وافر التحية

مشرف 10
03-21-2012, 07:59 PM
الزميل الربوبي تحية :
حتى لا يطول بنا المقام مع المطالبة بذكر المصادر ننوه بالتالي :
أولاً مصادر اللادينية متنوعة ومتعددة ومحاورك طالبك بذكر ما تعتمد عليه ولم نر منك تلك الإجابة التي تجعل محاورك يأخذ تصوراً عاماً عن منهجك الذي تركت الإسلام من أجله وهناك عدة أسباب نعذرك فيها نحن أهل الإشراف ومن أهم الأسباب التي وقفنا عليها : هو جهلك بأصول هذه المصادر مع تصورك لبعض فروعها وهذا راجع أولاً لقلة اطلاعك عليها أو لم يسعفك الوقت للمرور عليها حتى تعرفها حق المعرفة ، وكما تعلم أن لدينا مصادر وأصول إسلامية يسهل عليك الرجوع إليها والإنتقاء منها بدون أن يعارضك أحد إلا في طريقة فهمك ليس إلا ، وبناء على ذلك سوف يقوم محاورك ابن عبد البر بالعودة إلى الأصول الرئيسية للادينية ويقتبس منها ما يدعم حجته أو يناقض كلامك أو ينقضه ..
وطالما عرفت أن لنا مصادر وأصول إسلامية وكذلك على وفق منهج السلف ليخرج من هذا المنهج من ليس منه من الفرق الأخرى فمن حق محاورك أن يعرف مصادرك الرئيسية ويعرف موقفك منها وإلا فسوف يضطر محاورك بالرجوع إلى المصادر العامة ..
وبخصوص شرط الإشراف فنرجو التقيد به وهو جعل المداخلات تستثير نقطة واحدة فقط

الربوبي
03-22-2012, 01:11 AM
السيد المشرف ... تحية طيبة ،

بالنسبة لي ، فليس لي مصادر أعتمد عليها ، وإنما هناك مصادر متنوعة أستقيت منها أفكاراً وآراء وساهمت في تكوين قناعاتي ، بعضها قد يكون مصادر لادينية وبعضها الآخر قد يكون مصادر عامة أو حتى مصادر دينية ... ولكن هذه المصادر ليست ملزمة بالنسبة لي ، وفيها ما أتفق معه وما لا أتفق .... ما يلزمني منها وأتقيد به هو فقط الأفكار والآراء التي اتفق معها (مما حوته تلك المصادر) والتي أستطيع الدفاع عنها بالمنطق والأدلة والأبحاث العلمية التي تشير لصحتها .... ولعل جوهر الخلاف بيننا هو أن الزميل إبن عبد البر يريدني متحدثاً عن الربوبية فيما أفضل أنا أن أكون متحدثاً عن نفسي ... والواقع هو أن لا أحد يستطيع إدعاء أنه يتحدث عن اللادينين عموماً أو عن الربوبيين بصفة خاصة ... فلكل لا ديني فكره وآراءه ، ولا تستطيع تكوين قطيع من القطط !!

ولن أختلف معك في كون العقيدة الربوبية لها مصادر أم لا ، أو في إمكانية أن يكون الشخص جاهلاً بالمصادر التي يفترض أنه بنى عليه عقيدته .... ولكن على كل حال لا أمانع أن يقوم الزميل إبن عبد البر بالعودة إلى الأصول الرئيسية للادينية ويقتبس منها ما يدعم حجته .... ولكن تلك الأصول اللادينية لن تكون حجة علي إلا بمقدار ماحوت من أفكار وآراء مقنعة بالنسبة لي .

وتسهيلاً على الزميل إبن عبد البر أقول ... طالما أننا نناقش البديل للعقائد والشرائع المنزلة من السماء ، فله أن يعتبر أن العلمانية هي ما أتبناه وأقتنع به كبديل للأديان السماوية فيما يخص التشريعات وتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع ... ويشتمل ذلك كل ما إستقر عليه الفكر الإنساني من مبادئ وأفكار تجدها في ميثاق حقوق الإنسان أو قواعد تنظيم المجتمع المدني وغيرها ... وبخلاف ذلك هناك مبادئ وقناعات معينة أتبناها ويمكنني أن أدافع عن منطقيتها وأقدم الأبحاث أو الحقائق التي تشير لذلك ، وسيكون ذلك في حينه حسب سياق النقاش .

نقطة أخيرة لا بد من توضحيها ، وهو أن مصطلح لادينية هو مصطلح جامع يشمل كل من لا يؤمنون بالأديان سواء كانوا ملحدين أو لا أدريين أو ربوبيين ... والمصطلح الأدق للحديث عن عقيدتي هو مصطلح "الربوبية" .

مشرف 10
03-22-2012, 01:33 AM
ولن أختلف معك في كون العقيدة الربوبية لها مصادر أم لا ، أو في إمكانية أن يكون الشخص جاهلاً بالمصادر التي يفترض أنه بنى عليه عقيدته .... ولكن على كل حال لا أمانع أن يقوم الزميل إبن عبد البر بالعودة إلى الأصول الرئيسية للادينية ويقتبس منها ما يدعم حجته .... ولكن تلك الأصول اللادينية لن تكون حجة علي إلا بمقدار ماحوت من أفكار وآراء مقنعة بالنسبة لي .
هذا الشرط يترك للأخ ابن عبد البر الموافقة عليه من عدمه وبالتالي استمرار الحوار أم لا ، ومن طرفنا لا نستطيع أن نحكم بشئ وإنما الأخ المحاور هو من سيقرر بشأن هذه النقطة ...

ابن عبد البر الصغير
03-28-2012, 05:41 AM
كوني أطالبك بمصادرك فهو تحقيق لفكرتي القائلة بعجز اللادينية عن تلبية المتطلبات العقدية والروحية للبشرية، بمعنى اننا أمام معتقد فضفاض مهلل يقوم على أساس فكرة او اثنتين، الماركسية مثلا نجحت في توحيد المصدر، فإن أحببت الاطلاع عليها فدونك مؤلفات ماركس مثلا، لكن اللادينية تدور في حلقة مفرغة، لا يوجد مصدر يعتبره اللاديني ملزما لعقيدته، وبالتالي يفتح الباب أمام التناقض العقدي في هذا المعتقد، حتى نصبح أمام معتقد يختلف باختلاف الأشخاص.

أما مسألة العلمانية فليست جديدة، فكل لاديني هو علماني بالضرورة، لتغطية النقص الحاصل في المعتقد من ناحية التشريع، وأرى الحل لاستمرار المناظرة دون تفريعات كثيرة الاتفاق على نقطة واحدة تناقش، أكتب خلالها أدلتي عليها من وجهة نظر الإسلام، وناقضا لرؤية اللادينية لها. على أن تأخذ حق الرد على دليل واحد من الأدلة نتباحث حوله حتى إذا انتهينا منه سواء بتسليمك به أو بقاءك على معتقدك انتقلنا إلى الدليل الثاني وهكذا دواليك، بمعنى ستكون هناك مداخلة جامعة ثم مداخلات تدارسية لكل جزئية فيها، فما رأيك ؟

الربوبي
04-09-2012, 06:10 AM
الزميل الفاضل إبن عبد البر .... الزملاء الكرام متابعي الحوار

إتفقنا أنا والزميل إبن عبد البر على إستكمال المناظرة على أن نتناول كل نقطة أختلاف على حدة قبل الإنتقال للنقطة التالية ، وعليه سنبدأ بالنقاش حول وظائف الدين التي ذكرها الزميل إبن عبد البر كدليل على عجز اللادينية وفشلها ، ثم نتناول بعد ذلك الأدلة التي ساقها الزميل لأثبات حتمية إرسال الرسل ودواعي عدم لياقة الإمتناع عن إرسال الرسل بالله عز وجل ، ثم نختم هذا الجزء من المناظرة بنقاش الأدلة التي سقتها أنا لإثبات عدم سلامة فكرة قيام الله بإرسال الرسل .

والبداية ستكون مع وظائف الدين ، وهي الوظائف التي يرى الزميل إبن عبد البر بأن المذاهب الفكرية المعاصرة لا تقوم بها مما يلزم حاجة البشر للدين للقيام بتلك الوظائف ، وهذه الوظائف هي :


-الوظيفة التفسيرية : أي تفسير ظواهر الكون والإجابة على التساؤلات الوجودية المحيطة بالإنسان، حول حكمة الخلق والتعريف بالخالق ودور الإنسان في الحياة وما بعد الموت ،ودفع العدمية .
- الوظيفة التلقينية : وهو تلقين الناس لفسلفة الدين في الحياة والمجتمع وغيره .
- الوظيفة التطمينية : أي تطمين الأتباع على مصيرهم ما بعد الموت، ومعرفة المُنجي من المُهلك، وتحذير المخالفين.
- الوظيفة التأديبية : وهو ما يتعلق بالأخلاق والعبادات والمعاملات .
- الوظيفة التشريعية : سن القوانين الكفيلة بحماية حقوق الفرد والجماعة، ومعرفة الحلال والحرام ...
- الوظيفة النفسانواجتماعية: تحقيق الاستقرار للفرد والجماعة وضمان الوحدة التناغم الثقافي بين أفراد الدولة.


وقد تم الإتفاق مع الزميل إبن عبد البر على أن نبدأ بنقاش الوظيفة التفسيرية للدين ... وستكون هذه الوظيفة هي مدار نقاشنا في المداخلات التالية ، وذلك قبل الإنتقال للوظيفة التالية حتى تغطية الوظائف الستة .

الربوبي
04-09-2012, 09:00 AM
الوظيفة التفسيرية للدين

وتتمثل هذه الوظيفة وفقاً لما ذكره الزميل إبن عبد البر في التالي :


الوظيفة التفسيرية : أي تفسير ظواهر الكون والإجابة على التساؤلات الوجودية المحيطة بالإنسان، تتحول حكمة الخلق والتعريف بالخالق ودور الإنسان في الحياة وما بعد الموت ،ودفع العدمية .


وقبل الإستطراد في نقاش تلك الوظيفة ، لا بد من التوضيح بداية بإن من أسوأ ما يمكن أن يقع فيه أي حوار هو الإختلاف حول التعريفات والمصلحات أو التعميمات المسببة للغموض ... وتجنباً لذلك ، أرى ضرورة تحديد ما هي تلك الأسئلة تحديداً التي يقدم الدين إجابات لها ، ومن ثم يكون الدين قد أدى وظيفته التفسيرية عبر إجابة تلك الأسئلة ... ووفقاً لما ذكره الزميل فإن تلك الأسئلة تتمثل فيما يلي :

1. تفسير ظواهر الكون
2. الإجابة على التساؤلات الوجودية المحيطة بالإنسان مثل من أين جئنا وأين سنذهب بعد الموت
3. التعريف بالخالق
4. التعريف بدور الإنسان في الحياة
5. دفع العدمية (أي الحاجة للدين لكي يوضح للناس الغاية من وجودهم في هذه الدنيا وقيمة وجودهم فيها ولتأكيد وجود قيم وثوابت في هذه الدنيا مع تعريف الناس بهذه القيم والثوابت)

وتتخلص وجهة نظري حول وظيفة الدين التفسيرية في التالي :

1 بالنسبة لدور الدين في تفسير ظواهر الكون ، فمن الواضح بالنسبة لي بأن هذا الدور يقوم به العلم بشكل افضل ، ولم يثبت قيام الأديان بهذا الدور على الإطلاق .

2 بالنسبة لدور الدين في إجابة التساؤلات الوجودية المحيطة بالإنسان مثل من أين جئنا وأين سنذهب بعد الموت وما شابهها من أسئلة ، فأن مجرد قيام الأديان بتقديم إجابات أو تفاسير لتلك الاسئلة لا يثبت صحة تلك الأديان ، فلا دليل على صحة الإجابات التي تقدمها الأديان لتلك الأسئلة الغامضة .

وهناك اشياء غامضة عنا نحن البشر ، لم يكشفها الله لنا ، مثل مصيرنا بعد الموت وغيرها ... ويجب على البشرية أن تقر بجهلها بتلك الأشياء وتتقبل ذلك الغموض بدلاً من محاولة إيجاد إجابات بأي وسيلة ... ولا يصح على الإطلاق القول بأن تقديم إجابة لتلك الاسئلة (بغض النظر عن مدى صحة تلك الإجابة) هو أفضل من ترك تلك الأسئلة بلا إجابة

3 بالنسبة لدور الدين في التعريف بالخالق ، فبداية لعلك تتفق معي بأن إدراك الله يمكن أن يتم عقلاً وبدون الحاجة للرسل ... فما هي الحاجة إذا للرسل للقيام بهذه الوظيفة ... صحيح أن البشرية قد تضل عن خالقها أو تلصق به صفات لا تليق به (وهو ماحدث بالفعل في معظم فترات التاريخ) ، ولكن هل حلت الأديان تلك المشكلة ... أنا أعتقد بأن صورة الله قد تم تشويهها في كل الأديان (ولا أستثني الإسلام من ذلك) ، هذا عدا عن عدم جذب الأديان الصحيحة (التي يفترض أنها تقدم الله بشكل صحيح) سوى لعدد محدود من البشر ، لتبقى المحصلة النهائية واحدة وهي أن الناس تفشل كثيراً في معرفة الخالق أو تخطئ بإلصاق صفات غير لائقة به .

أخيراً فإن حاجة البشرية للتعرف على خالقهم هي حاجة غير واضحة ، فليس من الثابت منطقاً بأن الخالق العظيم يأبه بأن يحط البشر من قدره أو حتى ينفوا وجوده ... وعموماً إن لم تترتب على معرفة الخالق تبعات فعندها لا يستقيم القول بوجود حاجة لدى البشر لمعرفة خالقهم ، وإذا كان هناك تبعات لتلك المعرفة ، فستكون أهمية معرفة الخالق ليس لذاتها ولكن لتبعاتها ، وهذه التبعات تخرجنا من نطاق وظيفة الدين التفسيرية لتدخلنا في نطاق وظائف أخرى للدين .

4 بالنسبة لوظيفة الدين في تعريف الإنسان بدوره في الحياة ، فإن ذلك القول مبني على إفتراض إسلامي بأن الله قد خلق الناس لعبادته (بالمعنى الواسع للعبادة) ... وقد سبق لي نقد ذلك القول وبيان بأنه قول لا يقدم إجابة شافية للسبب الذي خلقنا الله من أجله ، حيث يبقى التساؤل مطروحاً ، ليصبح ... لماذا يريدنا الله أن نعبده؟ ، إذاً الدين (الإسلامي على وجه الخصوص) لا يقدم تعريفاً واضحاً ومنطقياً لدور الإنسان في الحياة

5 أخيراً ، بالنسبة لدور الدين في نفي العدمية ، فمن المؤكد بأن الدين يخلق قيمة لحياة متبعية ويكون لديهم رؤى وثوابت ، وهذا دور جيد يقوم به الدين .... ولكن من المؤكد أيضاً بأن الدين ليس هو المصدر الوحيد لإيجاد قيمة للحياة وخلق هدف للفرد فيها ، بل هناك أشياء كثيرة مزروعة بالفطرة في الإنسان تخلق قيمة لحياته ، بدأاً من غريزة الإنسان الطبيعية في البقاء ، مروراً بسعيه للحصول على حياة سعيدة والإستمتاع بحياته بما يتاح له من وسائل وبإيمانه الفطري ببعض المبادئ والقيم التي يسعى للحياة من أجلها وإنتهاءاً بإحساسه الفطري بالمسئولية تجاه أسرته ومجتمعه وتجاه الإنسانية ، وحرصه على أداء تلك المسئوليات يخلق للإنسان هدفاً وقيمة لحياته .

------------------------------------------------------------

وفيما يلي سأقدم خلاصة وجهة نظر الزميل إبن عبد البر حول إعتراضاتي ، مع ردودي على وجهة النظر تلك



 عجز اللادينية متمثل في عدم إعطاء التفسيرات الضرورية الكفيلة بضمان الصحة النفسية للإنسان وإرضاء حاجاته المعرفية


من الواضح أن الدين لا يختلف عن اللادينية كثيراً في ذلك ، وفي حين تقر اللادينية بعجزها عن تقديم تفسيرات واضحة لبعض الأسئلة ، نجد الأديان تقدم تفسيرات غير منطقية أو واضحة أحياناً ، أو تقدم تفسيرات لا يمكن التأكد من صحتها في أحيان أخرى ... ولا أجد هنا سوى تكرار ما سبق لي قوله عدة مرات وهو أن الإقرار بالجهل هو خير من تقديم تفسير غير صحيح

أما حاجة الإنسان للحصول على إجابات لتلك الأسئلة لضمان إتزانه النفسي وإرضاء تطلعه المعرفي ، فهذا شئ يقع عليك عبأ إثباته ، ولديك ملايين الأمثلة لأشخاص لا دينين فهل ثبت لك شقاءهم لعدم معرفتهم بإجابات تلك الأسئلة .



 أقوال علماء الاجتماع تثبت حاجة الإنسان للدين ... وخلاصة الأقوال التي ذكرتها هو أن الحاجة للدين هي حاجة فطرية مغروزة في النفس البشرية


يحلو لي إدخال تعديل طفيف على تلك العبارة لتصبح (أقوال بعض علماء الإجتماع تثبت حاجة الإنسان للدين) ، اما بخصوص وجود حاجة فطرية للدين مزروعة في النفس البشرية فهو قول يقع عليك عبأ الدفاع عنه ولا يثبت لمجرد وروده على لسان عالم إجتماع


 حاجة الإنسان لإشباع معرفته الوجودية تظهر منذ الصغر، فالطفل منذ نعومة أظافره وهو يسأل والديه عن أمور شتى، حتى يصل ذلك إلى الكون ومن خلقنا وكيف هو وغيره ؟ ... وميل الإنسان إلى المعرفة هو شيء يتفق كل الفلاسفة عليه


نعم هناك ميل شديد للإنسان للتعرف على الكون وإجابة الكثير من الأسئلة المتعلقة به ، ولكن أحسب أن العلم قد أجاب على الكثير من تلك الأسئلة ، والمنطق والعقل أجاب على سؤال من خلق الكون فعرف الرشيد بأنه خالق عظيم متصف بصفات الكمال ... أما سؤال لماذا خلقنا الله وأين سنذهب بعد الموت فهي أسئلة لم تشبع إجابات الأديان لها تطلع الكثيرين من ذوي العقول الرشيدة ، أم إن الغرض هو الحصول على إجابة والسلام لتلك الأسئلة .... أخيراً لم تثبت لي كيف يشقى من لم يجد إجابة شافية لتلك الأسئلة ... وأكرر ما قلته سابقاً بأن لديك ملايين الأمثلة لأشخاص لا دينين فهل ثبت لك شقاءهم لعدم معرفتهم بإجابات تلك الأسئلة .

وألتمس العذر من الزميل إن لم أحسن تلخيص أفكاره ، وعلى أي حال في إستطاعته إستدراك أي نقص في عرضي عند قيامه بالرد على مداختلي هذه

ابن عبد البر الصغير
04-15-2012, 05:22 AM
الزميل الربوبي وفقك الله لما فيه الخير .. أهلا وسهلا .

الذي أحبه في هذه المناظرة أننا فتحنا مسائلا لا أحسبها مفتوحة من قبل بشكل سهل، وهو شيء ثمين أن نتناقش حول دقائق اللادينية من زوايا مختلفة، ويسعدني أنك من طينة متميزة من اللادينيين، وحري بأن يتعلم المخالفون منك أدب الحوار ودماتة الخلق .

لكن كان القصد عدم إهمال المداخلات الفارطة ووضعها نصب عينيك، لأن فيها ما يُغني عن إعادة الرد . إضافة إلى أنك متقوقع في التأملات الشخصانية لعقلك، فنحن نتحدث عن بشرية وجماعات وحضارات إنسانية الفيصل فيها علوم الاجتماع والملاحظات والمشاهدات والاستجوابات والإحصائيات، ولا نتحدث عن الطبخ الذي يطغى فيه الذوق من أمثال هل تحب البصل في الطبق من عدمه، فكل تلك الأحكام الطافحة في مداخلاتك هي أحكام قيمة مسبقة تسمى عند المتخصصين "بالسوسيولوجيا العفوية " أي حينما أنطلق من تأمل عقلي عوض عَرَض واقعي إمبريقي، وهذا هو الهوة الفاصلة بيني وبينك، وأحسب أن الحاجز بينك وبين الحق هو اعتمادك على العقلانوية في كل شيء .. وقد أثبتنا للقارئ أننا نستند إلى إحصائيات وأقوال علماء اجتماع انطلقوا في تقرير مواقفهم من مشاهدات وملاحظات وقائعية، مدعومة بأساسات منطقية وعقلية وفطرية، في حين أنك لا تملك إلا النفي دونما شيء يعضد . ويكفي أنك أقررتَ بإفلاس اللادينية وعجزها عن توحيد مصدرها { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } بله أن تثبت صحة معتقدها، فتكون كعضية تريد الحلول مكان جبل شامخ . والمشكلة أن العضية لا تملك أدلة ولا براهين ولا علم ولا كتاب من رب العزة، { ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.

والفلاسفة أجمعوا على تعريف متنوع التعبير واحد المعنى وهو : أن الأسئلة الوجودية هي كل تساؤل إنساني يدخل في نطاق ميتافيزيقي يتداخل فيه الماورائي مع الحسي المصيري. وقد أعطى الفيلسوف الفرنسي بارتليمي سانت هيلر أمثلة عن هذه الأسئلة الوجودية حيث قال في أحد كتبه : " هذا اللغز الذي يستحث عقولنا : ما العالم ؟ ما الإنسان ؟ من أين جاءا ؟ من صنعهما ؟ من يدبرهما ؟ ما هدفهما ؟ كيف بدءا ؟ كيف ينتهيان ؟ ما الحياة ؟ ما الموت ؟ ما القانون الذي يجب أن يقود عقولنا في أثناء عبورنا في هذه الدنيا ؟ أي مستقبل ينتظرنا بعد هذه الحياة ؟ هل يوجد شيء بعد هذه الحياة العابرة ؟ وما علاقتنا بهذا الخلود .. ؟ هذه الأسئلة لا توجد أمة، ولا شعب، ولا مجتمع، إلا وضع لها حلولا جيدة أو رديئة، مقبولة أو سخيفة، ثابتة أو متحولة .. "

قلتُ : وهي فقرة نفيسة من هذا الفيلسوف الفذ، فقد أثبت أن هذه الأسئلة هي فطرية تقض مضجع العقل ويستحثها للمعرفة، وفي نفس الوقت أثبت أنه في حالة غياب معتقد فإن الإنسان يلجأ إلى وضع معتقدات لتغطية النقص، وأراه عين ما فعله اللادينيون .

كما ان موسوعة لاروس العريقة قالت: "إن الغريزة الدينية مشتركة بين كل الأجناس البشرية حتى أشدها همجية، وأقربها إلى الحياة الحيوانية .. وإن الاهتمام بالمعنى الإلهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة .. وهذه الغريزة الدينية لا تختفي بل لا تضعف ولا تذبل، إلا في فترات الإسراف في الحضارة وعند عدد قليل جدا من الأفراد "

يقول هنري برجسون : "لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات، ولكنه لم توجد قط جماعة بغير ديانة "

ويوجد إجماع عند علماء الاجتماع المعاصرين وعلماء الأديان وتاريخها حول أن الإنسان كائن متدين بشكل فطري، وأكبر دليل على ذلك أنه لا توجد حضارة قط وجدت بغير دين، فأخرج لي حضارة لا دين لها أيها الزميل ؟

أضف إلى هذا ما جاء في المداخلة رقم 25، حتى يتضح لك يا صديقي أنك لستَ على شيء، وإلا فأخرج لي ما يعضد قولك ويثبت حجتك .

وبنظرة تأملية لتلك الأسئلة الوجودية نجزم بأن اللادينية لا قدرة لها على تقديم الإجابات، لأنها بكل بساطة قولٌ على الله بغير علم، هي مجرد تأملات عقلية ظنية، قائمة على ربما ، لو ، أظن ، أعتقد ..{ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } .. وهكذا دواليك حتى أصبح كل لاديني يعتقد اعتقادا معينا في الخالق .
فمعتقد متضارب نتيجة اختلاف المدارك والعقول لم ولن يستطيع تقديم إجابات كافية شافية للإنسان، وبالتالي لن يغطي الوظيفة التفسيرية للدين .{ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }.


من الواضح أن الدين لا يختلف عن اللادينية كثيراً في ذلك ، وفي حين تقر اللادينية بعجزها عن تقديم تفسيرات واضحة لبعض الأسئلة ، نجد الأديان تقدم تفسيرات غير منطقية أو واضحة أحياناً ، أو تقدم تفسيرات لا يمكن التأكد من صحتها في أحيان أخرى ... ولا أجد هنا سوى تكرار ما سبق لي قوله عدة مرات وهو أن الإقرار بالجهل هو خير من تقديم تفسير غير صحيح

أما حاجة الإنسان للحصول على إجابات لتلك الأسئلة لضمان إتزانه النفسي وإرضاء تطلعه المعرفي ، فهذا شئ يقع عليك عبأ إثباته ، ولديك ملايين الأمثلة لأشخاص لا دينين فهل ثبت لك شقاءهم لعدم معرفتهم بإجابات تلك الأسئلة .

اللادينية لم تقدم لنا الأساسي فضلا عن الجزئي بخلاف الدين الذي قدم رؤيته المتكاملة معترفا بأن{ وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }، فغطى الوظائف الأساسية التي يحتاجها الإنسان بخلاف اللادينية.
أما التفسيرات الخاطئة فحكم قيمة لا تستطيع إثباته، وحتى لو صدق لا يمكنك إثبات خطئه .

ووصفك للادينيين بالملايين لا دليل عليه .. بل هي كما قالت موسوعة لاروس أعلاه .


1 بالنسبة لدور الدين في تفسير ظواهر الكون ، فمن الواضح بالنسبة لي بأن هذا الدور يقوم به العلم بشكل افضل ، ولم يثبت قيام الأديان بهذا الدور على الإطلاق .

فليتأمل القارئ جملتك : "ولم يثبت قيام الأديان بهذا الدور على الإطلاق" ... وكيف أنه سهلٌ عليك أن تنفي بجرة قلم البديهي، وقد تفطنتُ لهذا سابقا وتوافقنا على مقدمات منطقية لكنك في كل مرة تخرق نقطة من النقط وأذكرك بما جاء في المداخلة رقم 7 :
أما فيما يتعلق من أصول عامة للمنطق الحواري، فإني أهيب بك أيها الزميل الطيب باحترام القواعد الآتية في استعمال الروابط والأسوار المنطقية بدل طريق جداول الصدق :

- أن مانع القضية البسيطة لا دفع لمنعه.

- ومانع القضية السالبة يسلم جدلاً بنقيضها ولا دفع لمنعه.

- وأن مانع القضية الشرطية يسلم جدلا بالمقدَّم، وعلى المدعي دفع المنع بإثبات التالي.

- اما مانع القضية المتصلة يختار أي الموصولين يبدأ بمنعه، ولا خيار للمدعي لإثبات دعواه من أن يدفع المنعَين معا.

- أما مانع القضية المنفصلة فغير مخير في منع المفصولين، وللمدعي الخيار في أن يدفع المنع بإثبات أحد المفصولين.

- أما مانع القضية الكلية فله الخيار في أن يُعين أيا من الأفراد ممن يتناولهم السور الكلي، وعلى المدعي أن يثبت أن هذا الفرد يصدق عليه محمول القضية.

- وأن مانع القضية الجزئية يطالب بإثباتها دون تعيين أي فرد من مجال القول، ويتولى المدعي اختيار هذا الفرد لتحقيق محمول القضية.

وكيف أنك تُنكر المشاهد الحسي الواقعي، وكأني بك يا زميلي أمام نهر النيل تنفي وجوده ونحن على ضفافه !

أما تفسير الدين لفلسفة الحياة ودور البشر وصفات الخالق وتبيين إرادته وغيرها فهي العمود الفقري لأي دين، ولك أن ترجع إلى أي مرجع للأديان لتتأكد من الأمر .

أما قولك بأن العلم يستطيع تقديم إجابات كافية تفسيرية فعذر أقبح من ذنب، فالعلم هو تفسير لنشأة الظواهر التجريبية الحسية، ونطاق تخصصه في إجابة الكيف وليس في إجابة "لماذا ". يقول شاشوان في كتابه تطور المعتقدات الدينية :
" مهما يكن تقدمنا العجيب في العصر الحاضر .. علميا، وصناعيا، واقتصاديا، واجتماعيا، ومهما يكن اندفاعنا في هذه الحركة العظيمة للحياة العملية، وللجهاد والتنافس في سبيل معيشتنا ومعيشة ذوينا، فإن عقلنا في أوقات السكون والهدوء عظاما كنا أو متواضعين، خيارا كنا أو أشرارا، يعود إلى التأمل في المسائل الأزلية .. وإلى التفكير في العلل الأولى أو الثانية وفي حقوقنا وواجباتنا"

وقد تأملتُ مؤفات كثير من اللادينيين الواحدة تلو الأخرى، وأعدتُ فيها النظر، متدبرا لأركانها، غير مغفل لجوانبها وما بين سطورها، فوجدتُ أن الخلل عندكم منهجي، وصارفكم عن الحق سلسلة شروط اتحسبونها عقلية وهي في باطنها ليست كذلك، فرأيتُ تأثركم بالمنهج العلموي - ولا أقول العلمي- وبالمنهج العقلوي - ولا أقول العقلي -، لهذا لا بد من خلخلة لمنهجكم قبل مناقشة الفكر .

والمنهج العلموي هذا الذي تطبق مبادئه على كل شيء، ظهر بطلانه في القرن الماضي عند أزمة العلوم الحديثة، وتكفل عدد من الفلاسفة والعلماء بنقد هذه النزعة التي جنت على البشرية، لكن للأسف الملاحدة ومن تابعهم لا زالوا يحيون مصنفات ومناهج أكل عليها الدهر وشرب، لأنهم لا يطالعون كتبا في العلوم الإنسانية التي تكفلت بنقد تعميم تلك المناهج، بل حاصل ثقافتهم مطالعة كتب العلوم التجريبة وروادها ويتابعونهم في أي شيء بل في كل شيء .

ونحن نريد منك العودة إلى الأساس الأول الأنطلوجي للمعرفة، والأساس المؤسس للموجودات والمعرفة، وعدم اختزال الظواهر فيما يظهر بل الرجوع بها إلى الوجود الخفي الذي هو بمثابة الماهية الموجودة والحاضرة في كل الأشياء، وبه ستخرج من أزمة المعنى والتوجه الذي تعاني منه المذاهب الفكرية المعاصرة، فأنتَ الآن تحشر العلوم التجريبية ذات النزعة الموضوعية في مواضيع ليست أهلا للخوض فيها، وبالتالي نظرتك تتحدد بكفية شبه تامة من قبل الأسلوب الذي تتبعه هذه العلوم في تناول موضوعاتها ومعالجتها، فينجم عن ذلك بصفة مباشرة التخلي عن الأسئلة الحاسمة بالنسبة لك وللإنسان بصفة عامة واتخاذ موقف اللامبالاة منها، هذه الأسئلة مرتبطة بمصيرك كإنسان، وبمعنى وجودك، وبطبيعة علاقتك بمحيطك، ودور العقل في حياتك. فالمنهج العلموي لا يهتم بهذه الأسئلة لأنها واقعة في أسر النزعة الموضوعية التي تقوم على استبعاد كل ما هو ذاتي من اهتماماته. إذ العلمية أيها الزميل الربوبي حسب المعيار العلمي السائد، تقتصر على ملاحظة الوقائع وتسجيلها، وهذا ما يؤدي إلى استبعاد الأسئلة الأساسية المتعلقة بالوجود الإنساني، ويجعل تلك العلوم عاجزة عن مساعدة الإنسان في إعطاء معنى لحياته وأفعاله وتوجيهها. بل تكون حائلا بينه وبين هذه الأجوبة.

وباعتمادك للمنهج العلموي فإنك تتخلى عن العقل ومعاييره المنطقية، وتفقد الثقة فيه وفي علومه الفكرية وفي قدرته على الوصول إلى الحق واليقين، والتشكيك في علمية العلوم العقلية يؤدي إلى التشكيك في وجودية الأسئلة الكبرى، أسئلة المعنى والحرية والتاريخ، والوقوع في أسر الحاجات اليومية للحياة العملية وآفاقها الضيقة. فنزعتك قائمة على تأويل خاطئ للعلم، مؤداه أن علم الفيزياء الرياضي الحديث هو المنوذج الوحيد للعلمية، الموصل لليقينية، الكفيل بتغطية دور الدين التفسيري، وهو بمزعمك صالح بل ملزم لجميع العلوم والمعارف بما في ذلك العلوم الدينية والشرعية بل والإنسانية. متغافلا عن أن هذا المنهج له حدود ويستحيل تعميمه على كل المجالات، لأن ماضي العلم يعيش في حاضره على شكل ترسبات، بل لا بد له من مسلمات لا تناقش، وما نقد "باشلار" لمسلمات "أوقليدس" عنا ببعيدة.

بل ليت شعري كيف لهذا المنهج أن يحلل ثنائية الذات والموضوع، وقضايا الدين والفكر والوعي وهو يختزل المعنى في الموضوع المعطى الحسي فقط ؟ والمعنى بالمفهوم الفلسفي يتشكل في انفتاح الذات على العالم، فموضوعات الإدراك والتفكير والإحساس لا توجد بشكل موضوعي خالص كما لا توجد بشكل ذاتي خالص، بل هي في العلاقة بين الإنسان مع العالم، فكيف لهذا المنهج أن يخوض في هذه المسائل المرتبطة بالوجود والأديان والخالق وهو لا يمتلك وسائل الإجابة والخوض ؟

ألا ترى أيها الزميل الربوبي أن الفرضي الآن هو ما كنا نعتبره في القرن التاسع عشر والعشرين بالظواهر ؟ وأن الحقيقة العلمية السابقة أصبحت اليوم نظرية كلاسيكية ؟ فلم يعد بمقدورنا منح الثقة قبليا للمعلومات التي يزعم المنهج العلمي أنه يمدنا بها، وهذا ما دفع عالما فيزيائيا يقول في أحد كتبه : " أن المعطى العلمي لم يعد حكما ولا شاهدا بل إنه أصبح متهما، ولا بد أن نتمكن آجلا أو عاجلا من إثبات أنه يكذب، ولذلك فالمعرفة العلمية هي دوما إصلاح لوهم" - باشلار-.

والمنهج العلمي تحشره في ما لا طاقة له به، وطلب المعلومات منه في في تلك المسائل لن يسمن ولن يعطي نتيجة فكأنك تطلب من علم الطب أن يشرح لك ظاهرة التدين أو صعود اوباما، أو أسباب الأزمة الاقتصادية !!! وهذا ما جعل عددا من العلماء المرموقين يعترفون بحدود العلم، كآينشتين حينما يقول :

" إني متيقن أن البناء الرياضي الخالص يمكننا من اكتشاف المفاهيم والقوانين التي تحكمها والتي تمكننا من فهم الظواهر الطبيعية . طبعا يمكن للتجربة أن ترشدنا في اختيار المفاهيم الرياضية التي سنستعملها إلا أنها لا يمكن أن تكون هي المنبع الوحيد الذي تصدر عنه ... وبمعنى ما إني أصادق على أن الفكر الخالص قادر على فهم الواقع كما كان يحلم بذلك القدماء " - كتاب المنهاج التجريبي وفلسفة الفيزياء-.

ويقول هانري بوانكاريه في كتابه العلم والفرضية : " إن مما يصدم الناس أن يروا كم هي فانية النظريات الفيزيائية، فبعد سنوات من الازدهار يرونها تهجر تباعا، ويرون بقاياها تتراكم تباعا ويتوقعون أن النظريات التي توجد حاليا في الواجهة ستفنى بدورها عاجلا .. وهذا ما يسمونه إفلاس العلم ."

والشاهد عندنا أن للعلم حدودا، ولمنهجه حدودا، وتعميمه سيوقعك في مأزق فكري عقدي صعب، قد تخسر فيه خسرانا مبينا، وتأمل معي قول برونسلاو مالينوفسكي :

" لا ريب أننا، في الأزمة الراهنة لحضارتنا، قد ارتقينا إلى ذرى مدوخة في العلوم النظرية الخالصة والتطبيقية في ميدان الميكانيكا والكيمياء، وفي نظرية المادة، والصناعة الميكانيكية. ولكننا لا نشعر بالثقة ولا بالاحترام أمام نتائج العلوم الإنسانية، بل لا نعتقد في صلاحية النظريات الاجتماعية. ولا بد في الوقت الحاضر من إقامة توازن بين الهيمنة المفرطة للعلوم الطبيعية وتطبيقاتها من جهة ومن الإجهاد الذي يعاني منه العلم الاجتماعي ..." - نظرية علمية في الثقافة -

فكل هؤلاء الأشخاص والمفكرون والعلماء لم يرتضوا حشر العلوم التجريبية فيما لا يعنيها، بله حشر المنهج العلمي في قضايا دينية وعقدية وجودية، وهذا تجده مفصلا في كل المؤلفات التي اعتنت بأزمة الحضارة الغربية، والتي كان سببها الرئيسي طغيان "ميتافيزيقا التقنية" والمنهج العلموي، فظهرت ما أطلق عليه الغربيون "بأزمة الحداثة وما بعد الحداثة".

والعقل عندنا آلة منتجة للمعرفة موصلة إلى الحق إن شاء الله واختيار الدين الصحيح، لأن له تقنيات ومناهج في تنظيم الأفكار وتمحيصها واستخراج النتائج اللازمة عنها، وهو بتعبير ديكارت : " هو نور فطري في الإنسان، يمكنه من التمييز بين الخير والشر، ويوصله إلى معرفة الحقيقة وهو متساو بين الناس جميعا فلا يختلفون في امتلاكه وإنما في طرق استخدامه ". - فطرية العقل-.

فتأمل في كلام ديكارت الحكيم هذا، وتأمل نعته للعقل بالنور الفطري في الإنسان، بل وتسمية كتابه "بفطرية العقل"، حينما يكون العقل منصتا لنداء الفطرة، فيتحدان في رحلة بحثهما عن الحق، حينها تتوصل إلى الإله الحق وإلى الدين الحق، فتكون سالكا في طريق النجاة، واصلا إلى ما سيريحك بعد الممات.

لهذا أيها الزميل دعوى استطاعة العلم أن يقدم تفسيرات عقدية وإجابات عن الأسئلة الوجودية هي سفسطة كذوبة يضحك بها الهوى على العقول، وإلا فأخرج لنا الإجابات .

بل وأقول وأقرر بيقين ما بعده يقين، أن العلم يقود إلى الدين في عالمنا المعاصر.

ب
النسبة لدور الدين في إجابة التساؤلات الوجودية المحيطة بالإنسان مثل من أين جئنا وأين سنذهب بعد الموت وما شابهها من أسئلة ، فأن مجرد قيام الأديان بتقديم إجابات أو تفاسير لتلك الاسئلة لا يثبت صحة تلك الأديان ، فلا دليل على صحة الإجابات التي تقدمها الأديان لتلك الأسئلة الغامضة .وهناك اشياء غامضة عنا نحن البشر ، لم يكشفها الله لنا ، مثل مصيرنا بعد الموت وغيرها ... ويجب على البشرية أن تقر بجهلها بتلك الأشياء وتتقبل ذلك الغموض بدلاً من محاولة إيجاد إجابات بأي وسيلة ... ولا يصح على الإطلاق القول بأن تقديم إجابة لتلك الاسئلة (بغض النظر عن مدى صحة تلك الإجابة) هو أفضل من ترك تلك الأسئلة بلا إجابة

كونك لا تعلم بدليل الصحة لا ينفيها، كما أن إثبات خطئها لا تستطيع إليه سبيلا { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } ..وهنا خطأ منهجي :

فنحن نتحدث عن تشوف النفس إلى هذه الأجوبة وليس عن صحتها، فتشوف النفس إلى الأسئلة دليل على وجود دين من عند الله، وضربٌ لأساسات اللادينية التي لا تملك أجوبة. فهو عندك خرق استدلالي بحيث أنك تستغل نقطة " أ " لنفي النقطة " ش " وكلا النقطتين أجنبيتين عن بعضهما الأولى شرقا والثانية غربا، كمن يستشهد بتحرك النجوم على نفي وجود الاوكسجين في كوكب الأرض !!


3 بالنسبة لدور الدين في التعريف بالخالق ، فبداية لعلك تتفق معي بأن إدراك الله يمكن أن يتم عقلاً وبدون الحاجة للرسل ... فما هي الحاجة إذا للرسل للقيام بهذه الوظيفة ... صحيح أن البشرية قد تضل عن خالقها أو تلصق به صفات لا تليق به (وهو ماحدث بالفعل في معظم فترات التاريخ) ، ولكن هل حلت الأديان تلك المشكلة ... أنا أعتقد بأن صورة الله قد تم تشويهها في كل الأديان (ولا أستثني الإسلام من ذلك) ، هذا عدا عن عدم جذب الأديان الصحيحة (التي يفترض أنها تقدم الله بشكل صحيح) سوى لعدد محدود من البشر ، لتبقى المحصلة النهائية واحدة وهي أن الناس تفشل كثيراً في معرفة الخالق أو تخطئ بإلصاق صفات غير لائقة به .

وتبقى دعوى، لأن الغالبية الساحقة من البشر تتدين بدين معين، اما اللادينيون فهم فئتين : فئة مكتفية بلادينيتها . وفئة تعتبر اللادينية مرحلة مؤقتة ريثما تصل إلى الدين المرتضى. وقد سبق الكلام عن دور الرسل في المشاركات السالفة فارجع إليها لأن أب ي كلام هنا سيكون تكرارا وتفريعا لا غير .

ونحن لا نتفق بأن إدراك الله تفصيلا يكون عقلا، إنما العقل عندنا موصل إلى معرفة وجوده وبعض صفاته إجمالا ولا يستطيع معرفة ما يريده منا عز وجل ومعرفته ودينه تفصيلا. فهنا الفارق الجوهري بيننا . وأكبر دليل على ذلك اختلافكم في المعتقد اللاديني كلٌّ يغني على ليلاه . ومسألة صفات الله في الأديان مرحلة لاحقة .


بالنسبة لوظيفة الدين في تعريف الإنسان بدوره في الحياة ، فإن ذلك القول مبني على إفتراض إسلامي بأن الله قد خلق الناس لعبادته (بالمعنى الواسع للعبادة) ... وقد سبق لي نقد ذلك القول وبيان بأنه قول لا يقدم إجابة شافية للسبب الذي خلقنا الله من أجله ، حيث يبقى التساؤل مطروحاً ، ليصبح ... لماذا يريدنا الله أن نعبده؟ ، إذاً الدين (الإسلامي على وجه الخصوص) لا يقدم تعريفاً واضحاً ومنطقياً لدور الإنسان في الحياة

وقد سبق أن نقضنا انتقادك، وأجبنا اعتراضك، ودفعنا شبهة أن الدين الإسلامي لا يقدم تعريفا واضحا لدور الإنسان في الحياة، وهي مجرد كلام مرسل منك لا غير، وهي مسألة واضحة في المصادر الإسلامية نفيتَها بكل بساطة بدون وجه حق حتى يتبين للقارئ ويقيس ما جاء ههنا على مسائل جاءت هنالك تستمر بنفيها . وراجع المداخلة رقم 23 .


أخيراً ، بالنسبة لدور الدين في نفي العدمية ، فمن المؤكد بأن الدين يخلق قيمة لحياة متبعية ويكون لديهم رؤى وثوابت ، وهذا دور جيد يقوم به الدين .... ولكن من المؤكد أيضاً بأن الدين ليس هو المصدر الوحيد لإيجاد قيمة للحياة وخلق هدف للفرد فيها ، بل هناك أشياء كثيرة مزروعة بالفطرة في الإنسان تخلق قيمة لحياته ، بدأاً من غريزة الإنسان الطبيعية في البقاء ، مروراً بسعيه للحصول على حياة سعيدة والإستمتاع بحياته بما يتاح له من وسائل وبإيمانه الفطري ببعض المبادئ والقيم التي يسعى للحياة من أجلها وإنتهاءاً بإحساسه الفطري بالمسئولية تجاه أسرته ومجتمعه وتجاه الإنسانية ، وحرصه على أداء تلك المسئوليات يخلق للإنسان هدفاً وقيمة لحياته .

كل ذلك كلٌّ مترابط بين الجينيالوجي الوجودي والفرعي الذي يتبعه، فالإنسان يطمح إلى الكل المترابط وليس الجزئي المبعثر، وإلا ما الحكمة في ان يكون الإنسان ناجحا في حياته متفوقا في مهنته راكم ثروات وأسس عائلة وحقق إنجازات وبعدها جاءه الموت وفرقه عن كل ذلك ؟

فرقٌ يا زميل بين أن تشغلك أسباب فانية عن الاسئلة الوجودية، وبين أن يكون المرء مدركا لحكمة الحياة والممات بشموليتها . لأن الجزئي مفعول لزاما، مبعثر بغياب الكلي، محكم بوجوده.

وعليه أيها الزميل نطالبك في كل ادعاء أن ثثبت لنا من قال به من أهل التخصص من المعتبرين، وهم هنا علماء الاجتماع الحياديون ، إضافة إلى إحصائية مجتمعية تقرر صحة مذهبك، وملاحظات واقعية موثقة تؤكد مزعمك . وكل قول خرج بدون ذلك لا يُعتبر .

فتفضل.

الربوبي
04-20-2012, 05:06 AM
الزميل إبن عبد البر ، الزملاء الكرام متابعي الحوار ... أجمل التحايا


أولاً " تذكير بالهدف من هذا الحوار وبمجاله

بداية أحب أن أذكر الزميل الفاضل والزملاء المتابعين بالهدف من الحوار في هذا الجزء من المناظرة ... الهدف هو إثبات أو نفي الحياد الإلهي ... ولعل الزميل إبن عبد البر يتفق معي مبدأياً على أن التدخل الإلهي يثبت أساساً من خلال إثبات قيام الله بإرسال الرسل والرسالات .

إذاً لكي يتم نفي الحياد الإلهي لشخص لاديني مثلي ، ليس هناك سبيل سوى عبر إثبات أن قيام الله بإرسال الرسل هو ضرورة عقلية ، أو هو محصلة طبيعية لا بد أن تترتب بناءاً على مقدمات معينة مثل إتصاف الله بصفات الكمال وغير ذلك ... طبعاً هناك طريقة أخرى لإثبات التدخل الإلهي وذلك وفق المنهج العكسي ، أي إثبات صحة الإسلام (أو أي رسالة أخرى) ، ومن ثم يترتب على ثبوت صحتها ثبوت حدوث التدخل الإلهي ، ولكن هذا يخرج من نطاق هذا الجزء من المناظرة ... أذاً نحن نفترض جدلاً في هذا الجزء من المناظرة أن رسالة الإسلام لم يثبت صحتها بعد ، ونناقش بناءاً على ذلك الإفتراض الجدلي .

نقطة أخرى تكلمنا فيها مراراً ، وما زال المحاور الكريم يصر عليها ، وهو تركيزه على إتهام اللادينية بأنها عقيدة هشة غامضة بلا مصادر وبأنها لا تقدم حلول لمشاكل الإنسانية ... ومرد تلك الإتهامات يا زميلي العزيز هو فقط تحميلك لللادينية ما لا تحتمله ... فكما ذكرت لك في عدة مداخلات سابقة بأن اللادينية ليست معنية بحل مشاكل البشرية وهي ليست دين أو عقيدة جديدة ... اللادينية تعنى بشئ واحد أساساً وهو نفي صحة الأديان ( لذا سميت لا دينية) ... وإذا إنتفت صحة الأديان يصبح عبأ حل مشاكل البشر ملقى على عاتق البشرية ، وليس على رسالات سماوية ينتظر منها أن تعلم الناس كيف يديروا شئون حياتهم ويتدبروا أمورهم وينظموا علاقاتهم ويشبعوا حاجاتهم .

اللادينية = الأديان غير صحيحة ... full stop .... فهي إذاً ليست منهجاً بديلاً للأديان حتى نقيمها في ضوء أداءها للوظائف التي تقول أنت بأن الأديان تضطلع بها .... فأداء هذه الأدوار ليس مجالها ، وهذا شئ لا يضيرها ... وأراك في ذلك تماماً كمن يتهم أبو العلاء المعري بأن شعره لم يحوي أي إشارة للكيمياء العضوية أو لقوانين ميكانيا الكم الفيزيائية .

وعليه أرجو أن يكون مجال هذا النقاش هو إثبات أو نفي الحاجة للأديان أو ضرورتها الملحة وعدم إستقامة حياة الناس على كوكب الأرض بدونها ... فهذا هو مجال نقاشنا ... وإثبات الحاجة للأديان والرسل هو سبيلك الوحيد لنفي الحياد الإلهي وبالتالي نقض اللادينية .

-------------------------------------------------------------------------

ثانياً : دفاعاً عن مصداقيتي ورد أتهامك لي بان كلامي هو مجرد تأملات عقلية لا دليل عليها


نقطة أخرى ، سوف أمر عليها سريعاً وهو إتهامك لي بأن أقوالي إنما هي ناتجة عن تأملات وتصورات وليست مدعمة بالأدلة (السيسيولوجيا العفوية كما أسميتها أنت) ... وأرى أن هذا الإتهام لا أساس له من الصحة ... فأنا معظم مداخلاتي إنما هي إشارة لبديهيات عقلية أو إستنتاجات منطقية قائمة على بديهيات عقلية .... ويمكنك أن تنقد ما شئت من مداخلتي بشرط أن تحدد بدقة موطن كلامي الذي تريد أن تعترض عليه ، فإن لم يكن بديهياً أو منطقياً وبحاجة لدليل أتيتك بالدليل .

وتذكر أن نقاشنا يدور أساساً حول قضايا منطقية ، لذا من الطبيعي أن أن أعتمد على المنطق في إبراز حجتي ، أما أن أقتبس قول فلان أو علان من أقوال علماء الإجتماع ، فهذا شئ أختلف معك حول مدى حجيته في إثبات صحة آرآئي ... وعلى كل حال الآراء العلمية ونتائج الأبحاث والإحصاءات لدي الكثير منها ، وسأوردها في مقامها .

أنت على سبيل المثال إعترضت من قبل على قولي بأن "الملايين يدعون الله ولم أرى إستجابة لهم" وإعتبرته قول لا دليل عليه حيث لا يمكن أن يتثني لي مشاهدة هؤلاء الملايين ، وهو قول أنا أعنيه وقد رأيت الملايين في الحرم المكي وفي ختمة القرآن ليلة القدر في بعض المساجد الضخة ، وغيرها ... وإعترضت على قولي بأن هناك ملايين لا يؤمنون بالأديان وهو قول ايضاً ثابت إحصائياً ..

وعلى كل حال ، اعدك بأن أتحرى الدقة بشكل أكبر في مداخلاتي القادمة

وأراك ذكرت في مداخلتك السابقة ما يلي :


وقد أثبتنا للقارئ أننا نستند إلى إحصائيات وأقوال علماء اجتماع انطلقوا في تقرير مواقفهم من مشاهدات وملاحظات وقائعية، مدعومة بأساسات منطقية وعقلية وفطرية، في حين أنك لا تملك إلا النفي دونما شيء يعضد


وهنا أنت تتحدث عن إحصاءات ، في حين لا أذكر أنني رأيت أي إحصاءات في مداخلاتك السابقة ... رأيت فقط سرداً لبعض أقوال علماء الإجتماع ... ولكنها في نظري لا تعدو أن تكون مجرد آراء تعبر عن قائليها .... ولي سؤال أطرحه عليك وأرجو أن تجيبني ... هل تلك الآراء التي سردتها لبعض علماء الإجتماع هي آراء متفق عليها بين علماء الإجتماع ؟؟ هل هي جزء من نظريات علم الإجتماع الراسخة ؟؟ ألا يوجد آراء لعلماء إجتماع آخرين يخالفوا تلك النظريات ؟؟ بدون أن أجهد نفسي في البحث أنا متأكد 100% بأن هناك الكثير من علماء الإجتماع ممن يرفضون تلك الأقوال التي أتيت بها .

من ناحية أخرى ، أرجو منك التكرم بإيضاح القيمة العلمية لقول مبتور لعالم إجتماع ... (ما هو السياق الذي قال فيه هذا الكلام ، ومتى قاله وهل رجع فيه أم لا ، وهل قاله كرأي علمي أم كمجرد وجهة نظر شخصية أو إحساس قام بالتعبير عنه عبر هذا القول ... هل هذا العالم الإجتماعي "محايد" ... وأنا أعرف يقيناً أن بعض من أستشهدت بهم من علماء الإجتماع كانوا أشخاص يدافعون عن المسيحية في وجه تيار اللادينية الذي كان قد بدأ يسيطر على الساحة الثقافية والعلمية في أوربا خلال القرنين الثامن والتاسع عشر ... ولعل من أسهل الأشياء على عالم إجتماع يريد كسب جمهور العوام هو الإدلاء بتصريح يدافع فيه عن الدين ... إذاً هناك شكوك تحوم حول مصداقية تلك الاقوال المبتورة التي أوردتها لبعض علماء الإجتماع وهناك شك في مدى دلالاتها .

وفي المداخلة القادمة سوف اقوم بإستعراض المسائل الخلافية بيننا والمتعلقة بإثبات أو نفي الحاجة لإرسال الرسل ..

ولكن قبل ذلك أختم هذه المداخلة ، رأيت ضرورة المرور على مسألة حدث بيننا فيها خلاف ليس لشئ سوى بسبب سوء التفاهم والإختلاف في إستخدام المصطلحات ... حيث أراك تعترض في مداخلتك الأخيرة على قولي بعدم وجود دور للدين في تفسير ظواهر الكون وأن العلم يقوم بهذا الدور بشكل أفضل ... وأحسب أن الإختلاف بيننا هنا لا يعدو أن يكون خلاف مفاهيم ومصلحات ... فما عنيته أنا هو دور الدين في تفسير ظواهر الكون الطبيعية الفيزيائية .

ولعلك متفق معي بأن الدين لم يفسر ظواهر الكون الطبيعية الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية ، أما اذا كان لديك مفهوم آخر لظواهر الكون التي يفسرها الدين فالرجاء التوضيح ، فقولك بأن الدين يفسر ظواهر الكون هو قوم شديد العمومية ، إن لم يفهم كما فهمته أنا .

وأراك قد أسهبت في نقاش هذه الجزئية ، ودخلت في نطاقات لا أرى تعلقها بحوارنا ، حيث خضت في مسألة إنتقاد العلم وقصوره عن فهم الظواهر الطبيعية وأزمة ما بعد الحداثة وغيرها ... ولا أدري هل كلامك هو محاولة لدحض فكرة أن العلم يفسر الظواهر الكونية بشكل عام بما فيها الظاهرة الدينية (وهذا ما لم أعنيه أنا) أم أنك عنيت بكلامك إنتقاد العلم حتى في تفسيره لظواهر الكون الطبيعية الفيزيائية والكيمائية .


ملحوظة أخيرة : هل اللادينين هم بالملايين ... هذه معلومة أراك إعترضت عليها ، وأرى إعتراضك في غير محله ، فالإحصاءات المؤكدة تشير لذلك ، وإذا لم يكن بوسعك الرجوع لتلك الإحصاءات والتأكد بنفسك ، فسادلك عليها .

الربوبي
04-20-2012, 05:22 AM
مسائل مطروحة للنقاش والحوار


المسألة الأولى : غريزة التدين

التدين غريزة تعني وفقاً لما جاء في مداخلتك السابقة وما إستشهدت عليه بأقوال علماء الإجمتاع أحد شيئن أو كلاهما :

1. الشئ الأول هو أن الإنسانية لديها أسئلة وجودية حائرة تبحث لها بشدة عن إجابة (عن طبيعة الحياة والهدف منها وما وراءها وغير ذلك من الأسئلة المشابهة) أي الإنسان هو بطبعه متلهف ومتشوق لإيجاد إجابات لتلك الأسئلة .

2. الشئ الثاني هو أن الإنسان لديه إهتمام طبيعي بالمعنى الإلهي ، وإدراك بأن هناك قوى خارقة خلقت الكون وتسيطر عليه ، ومن ثم يكون لديه ميل قوي للتواصل مع تلك القوى والخضوع لها وكسب رضاها .

.... ولكن ما تقدم لا يعني بأي حال بأن هناك شئ يسمى غريزة التدين

فبداية فإنه لا يمكن إطلاق مصطلح "غريزة" لتسمية تلك الأشياء .... أنت يا عزيزي متخصص في علم الإجتماع ، فلماذا لم تشير إلى أن مصطلح غريزة في الأساس لا يصح إطلاقه إلا في نطاقه البيولوجي وليس النفسي أو الإجتماعي (وهذا شئ يجمع عليه تقريباً علماء الإجتماع المعاصرين) ... لماذا لم تذكر أن إستخدام لفظ الغريزة لوصف بعض الدوافع السلوكية هو وصف شاذ ومرفوض في الأوساط العلمية ... لماذا لم تذكر أن علماء الإجتماع متفقين تقريباً على أن كل ما يمكن للشخص أن يمتنع عن فعله بدون ألم ومجاهدة لا يصلح أن نطلق عليه مصطلح غريزة ... الميل للطعام غريزة ، الميل الجنس غريزة ، البقاء وحفظ الذات من الضرر غريزة ، وكلها غرائز لا يتخلف الناس حولها ، فهل يندرج التدين في هذا الإطار ... لا أظن ذلك ...

التدين ليس غريزة يا عزيزي ، ولكنه مظهر لغرائز أخرى ... مثل غريزة حب البقاء والخوف من المجهول والميل لملأ الفراغ المعرفي والرغبة في التوافق الإجتماعي عبر تبني المجتمع لنمط متماثل من القيم والمعتقدات ... ومن رحم هذه الغرائز تطور الدين بشكل طبيعي ، والمعادلات الدالة على ذلك بسيطة وواضحة ،


المعادلة الأولى
قناعة بالوجود الإلهي وقدرة على تصور إله عظيم كامل + ميل طبيعي للإنسان للخضوع لمن هو أقوى منه ومحاولة إرضاءه + ضعف الإنسان القديم أمام قوى الطبيعة التي كان هو على قناعة بأنها موجهة بواسطة ذلك الإله وأنه يمكن التحكم فيها عبر إرضاء ذلك الإله + وجود أشخاص يدعون القدرة على الإتصال بالآلهة ومعرفة ما يرضيها وما يغضبها

= قيام المجتمعات القديمة بإيجاد أنماط من الطقوس والممارسات والقواعد لإرضاء تلك الآلهة


المعادلة الثانية
وجود أسئلة بشرية حائرة + رغبة الإنسان الجامحة لملأ الفراغ المعرفي + ميل للأسطرة والخرافة في ظل غياب العلم ووجود بعض الأشخاص الذين يحاولون الحصول على سلطة من خلال إدعاء معرفة إجابات تلك الأسئلة الحائرة

= قيام المجتمعات القديمة بإيجاد إجابات تلك الأسئلة ، وبالطبع من السهل أيضاً ربط إجابات تلك الأسئلة بالآلهة وبالنسق الديني الناتج عن المعادلة الأولى

مما تقدم أقول لك بكل ثقة بأن الغريزة ليست هي التدين ... ولكن الغريزة تكمن في ميل البشر لملأ الفراغ المعرفي والخوف من المجهول ، وفي الرغبة في إرضاء الأشخاص او الأشياء التي نعتقد بأنها تتحكم في حياتنا


والنسبة لقولك بأن كل الحضارات السابقة قد إتخذت أديان ، مما يدل على أن التدين غريزة في النفس البشرية ، فهذا شئ أختلف معك حوله ... لأن هناك تفسير متكامل بديل للسبب الذي دفع الحضارات السابقة لإتخاذ أديان ... وليس من الصعب أن نتصور كيف تؤدي أسئلة الإنسانية الحائرة بالإضافة لأدراكها للمعنى الإلهي وإستشعارها بأن هناك قوى عظمى خلقت الكون وتسيطر عليه إلى ظهور الأديان ... ولعلك تتفق معي بأن الكثير من علماء الإجتماع يفسروا ظهور الأديان وفقاً لذلك .

القدماء آمنوا بالسحر وآمنوا بالتطير أو الشؤم من بعض الأشياء أو الأرقام ... وهذه أيضاً أشياء تجدها في كل المجتمعات القديمة ... فهل يعني ذلك بأن الإيمان بهذه الأشياء هي غريزة بشرية ، وهل يعني إجماع أهل الحضارات القديمة عليها على أنها اشياء صحيحة .


المسألة الثانية : حاجة البشرية الماسة لإجابة الأسئلة الوجودية وعدم إستقامة حال البشر بدون حصولهم على إجابات لتلك الأسئلة

بداية أراك تتفق معي في صعوبة الجزم (بدون الإعتماد على ما يقوله الدين) على صحة إجابات الأديان لتلك الأسئلة الوجودية ... ولكنك تعتبر أن الحاجة للرسل للقيام بالدور التفسيري يتمثل في دور الدين في إشباع تشوق النفس إلى إجابات تلك الأسئلة كما قلت أنت ...

وعلى كل حال أرى أن أفضل دحض لرأيك في هذا الصدد هو "أنا شخصياً" وغيري ملايين من اللادينين ، والذين يعيشون حياتهم بشكل طبيعي بدون أن يعانوا من فقد إجابات بعض تلك الاسئلة وبدون أن يكون لديهم يقين راسخ بإجابة بعضها الآخر .... مرة أخرى أكرر ما قلته سابقاً .. إثبت لي شقاء من لا يجهد نفسه في فك طلاسم هذه الأسئلة ويقبل بفكرة غموض إجاباتها

وإن قلت بأن غياب إجابات لتلك الأسئلة سيؤدي إلى بالضرورة عبثية الحياة ويثبت العدمية (كما يفهم من مداخلتك الأخيرة) حيث قلت ما معناه بأنه لا قيمة لحياة الإنسان ولن يشعر الإنسان بقيمة لحياته بدون إيمانه بوجود حياة تالية بعد موته ، وإلا فستصبح الحياة نوع من العبث قصير المدى ينتهي بلحطة الموت ...

ولكن لو كان كلامك هذا صحيحاً وكانت الحياة عبثاً ، لما رأينا هذا التهافت والتقاتل عليها والتشبث بها ... ينطبق ذلك على أكثر الناس تديناً وأكثرهم إلحاداً ... فحب الحياة والرغبة في العيش فيها والإستمتاع بها (ليس شرط المتع المادية فقط) كل هذه غرائز وحاجات إنسانية طبيعية لا مجال لإنكارها ولست مطالباً بإثباتها ... وهذه هي ما تجعل لحياة الناس قيمة ... عبثية الحياة وعدميتها هذا فقط مصطلح موجود لدى المصابين بالإكتئاب وغير القادرين على التكيف ... معظم الناس (بغض النظر عن عقيدتهم) هم على النقيض ينجحون في إيجاد معنى وقيمة وهدف لحياتهم ... ولو أردت رأيي الشخصي ، فإن الشعور بعدمية الحياة وعبثبتها هو شئ لم ألمسه إلا لدي بعض الأفراد شديدي التدين ولعل لهم الحق في إتخاذ هذا الموقف من الحياة والذي يتماشى تماماً مع تعاليم دينهم ... الدين بإختصار لا ينفي العدمية أو عبثة الحياة بل هو يؤكدها ويدعمها لدى الكثير من أتباعه .

من ناحية أخرى فإن اللادينية لا تعني بالضرورة إفتقاد إجابات تلك الأسئلة الوجودية ، بل لعلك أقررت بأن الكثير من المناهج اللادينية قد أوجدت إجابات لتلك الاسئلة ... أنا مثلاً لا ديني ولكن لدي إيمان بوجود حياة بعد الموت ، وهناك الكثير من اللاديينن ممن يتبنون نفس الفكرة ... ولدي إجابات أخرى لبعض الأسئلة الأخرى ... أذاً لست في حالة معاناة وبؤس بسبب إفتقاد إجابات تلك الاسئلة ... أنا فقد افتقد اليقين التام (الذي تدعيه الأديان) بإجابات تلك الأسئلة ...

فاللاديني لديه إجابة ولكنه يظن وغير موقن ، أما الديني فلديه إجابة هو موقن بأنها إجابة صحيحة (رغم أن إجابته تختلف عن إجابة نظيره الديني الذي يدين بدين آخر) .

طبعاً الملحدين يختلفوا عن اللادينين (الربوبيين واللاأدريين) في هذه النقطة ، فالملحدين يمتلكوا يقين راسخ مماثل ليقين الدينين بصحة إجاباتهم لتلك الأسئلة ... ووفقاً لتحليلك فإن الملحد لا يعاني بسبب عدم وضوح إجابات تلك الأسئلة الوجودية بالنسبة له .


أخيراً ... فإن ما سيتم طرحه في النقطة القادمة (غموض السبب الذي خلقنا الله من أجله وبالتالي غياب الإجابة الواضحة لكل الأسئلة الأخرى) يؤكد بشكل قاطع غموض إجابات تلك الأسئلة الكونية وعدم إمكانية الإعتماد على الدين في تفسيرها وتوضحيها .


المسألة الثالثة : لماذا خلقنا الله ، وإذا كنا لا نعرف لماذا خلقنا الله ، أليس من الأدعى قبول الغموض في الأسئلة الوجودية الأخرى التي لا نعرف جواباً لها

في مداخلة سابقة لي قمت ببيان غموض الغاية التي خلقنا الله من أجلها ، وهذا الغموض يترتب عليه تبعات هامة ... فإذا كنا لا نعلم على وجه اليقين لماذا خلقنا الله من أجلها فمن باب أولى أن نتقبل غموض بعض الأشياء الأخرى مثل مصيرنا بعد الموت والكيفية التي تتحقق بها العدالة الإلهية وغير ذلك .

وأراك حاولت نقض وجهة نظري تلك وإثبات وضوح الغاية التي خلقنا الله من أجلها (أي لعبادته وفق وجهة النظر الإسلامية) ... ولكن لو راجعت مداخلتك تلك (التي حاولت فيها إثبات وضوح الغاية من خلق البشر) فستجد بأنها لا تحوي أي دليل منطقي يثبت فعلاً أن الله قد خلقنا لعبادته ... مداخلتك بهذا الشأن لا تعدو أن تكون هجوماً على اللادينية من منطلق أنها لا تقدم غاية بديلة لقيام الله بخلقنا (أي أنكم أيها اللادينيون إذا لم تستطيعوا أن تخبرونا بالغاية التي خلقنا الله من أجلها فأصمتوا وأقبلوا بوجهة النظر الدينية !!)

بإختصار ... أنا ما زلت أطالبك بإعطاء تبرير منطقي للقول بأن الله قد خلقنا لعبادته ... (بدون اللجوء للنصوص الدينية حتى لا تقع في فخ المنطق الدائري) ... ودعك مما نؤمن به نحن اللادينيون ... فهذا شئ غير ذي صلة بدفاعك عن وجهة النظر الدينية التي تقول بأن الله قد خلقنا لعبادته .

أريدك أن تقول لي .... بما أن كذا وكذا ، وبالنظر لكذا وكذا ... فمن المنطقي أن يكون الله قد خلقنا لعبادته ... مع الاخذ في الإعتبار لشيئين :

1) أن الله غني عن عبادتنا
2) أن الله لم يكن بحاجة لخلقنا من الأساس إذا كان قد خلقنا فقط من أجل تحقيق مصلحة خاصة بنا نحن البشر


المسألة الرابعة : الحاجة للدين لمعرفة الخالق

وهي مسألة أراك تتفق معي حولها ، حيث أكدت عدم الحاجة للدين لمعرفة وجود الله وإدراك بعض صفاته ، فشكراً لك ...

أما ما لا يدرك بالعقل ويدرك فقط بالدين من صفات الله أو ما يريده الله منا ، فهذه الأشياء لا يصلح الإستدلال بها لإثبات حاجتنا للرسل ... تذكر أنك تناقش شخص لا ديني لا يؤمن بالإسلام ومن ثم إذا أردت إقناعي بالحاجة لإرسال الرسل ... يجب عليك أن تثبت أولاً أن الله يريد منا أو طلب منا تلك الأشياء أو يتحلى بتلك الصفات التي لا يستطيع العقل إدراكها ... أراك قد وقعت في فخ المنطق الدائري في تلك النقطة ، حيث قمت بالإستدلال باقوال الدين لإثبات الحاجة لإرسال الرسل .

ولك تحياتي

ابن عبد البر الصغير
04-29-2012, 11:43 PM
الزميل الكريم .. لا أخفيك أني لما قرأتُ مشاركاتك التالية أصبت بإحباط نتيجة استمرارك في مبدأ الانتقائية وضرب المفصل بالمجمل، والرد عبر رأيك أنتَ، إضافة إلى تهربك من كل الإلزامات أعلاه .. فقد طالبتك بنقط واضحات اعلاه لم تجبها :

- عدم إهمال المداخلات الفارطة، الشيء الذي لم تلتفت إليه .

- استمرارك على منهج تحكيم رأيك مقابل الأطروحات العلمية الاجتماعية .

- إتيانك بكلام يخالف العقل والواقع، وحينما طالبناك بأدلة تعضد موقفك من المتخصصين وغيره ما أجبتَ.

- طالبناك بالتقيد بالشروط المنطقية والأسوار المتفق عليها سابقا، فاستمررت بتجاهلها .

إضافة إلى أننا اتفقنا على الخاص بالبدء بمسألة الأدوار الدينية حتى إن استفرغناها أتينا إلى مسألة إثبات صحة الأديان، الشيء الذي لم تلتزم به، وأراك بدأتَ تنادي بالتقافز .

والإدارة هي المخولة بإلزام كلا الطرفين، فلا أملك إلا إظهار الحجج لك وللقارئ الذي سيحكم بنفسه على كلا الموقفَين.

وأحسب أن هذا الجدال لن ينقضي ولن نفرغ منه ولو بعد عام غن بقيتَ على منهجك الحواري هذا .


أولاً " تذكير بالهدف من هذا الحوار وبمجاله

بداية أحب أن أذكر الزميل الفاضل والزملاء المتابعين بالهدف من الحوار في هذا الجزء من المناظرة ... الهدف هو إثبات أو نفي الحياد الإلهي ... ولعل الزميل إبن عبد البر يتفق معي مبدأياً على أن التدخل الإلهي يثبت أساساً من خلال إثبات قيام الله بإرسال الرسل والرسالات .

إذاً لكي يتم نفي الحياد الإلهي لشخص لاديني مثلي ، ليس هناك سبيل سوى عبر إثبات أن قيام الله بإرسال الرسل هو ضرورة عقلية ، أو هو محصلة طبيعية لا بد أن تترتب بناءاً على مقدمات معينة مثل إتصاف الله بصفات الكمال وغير ذلك ... طبعاً هناك طريقة أخرى لإثبات التدخل الإلهي وذلك وفق المنهج العكسي ، أي إثبات صحة الإسلام (أو أي رسالة أخرى) ، ومن ثم يترتب على ثبوت صحتها ثبوت حدوث التدخل الإلهي ، ولكن هذا يخرج من نطاق هذا الجزء من المناظرة ... أذاً نحن نفترض جدلاً في هذا الجزء من المناظرة أن رسالة الإسلام لم يثبت صحتها بعد ، ونناقش بناءاً على ذلك الإفتراض الجدلي .

أذكر بأن الهدف من هذا الجزء هو إثبات احتياج الإنسان لدين ومعتقد يجيب عن أسئلته الوجودية، الشيء الذي لا تستطيعه اللادينية، وإن كان دليلا على إحتياج الإنسان للرسل عليهم صلوت ربي وسلامه، إلا اننا نركز على جانب قضوي دون آخر، نظراً للاتفاق الذي جرى بيننا قبلاً .

أما طرائق إثبات إرسال الرسل ومبدأ الرعاية الإلهية وغيره فمتعددة سنراها في حينها .

ن
قطة أخرى تكلمنا فيها مراراً ، وما زال المحاور الكريم يصر عليها ، وهو تركيزه على إتهام اللادينية بأنها عقيدة هشة غامضة بلا مصادر وبأنها لا تقدم حلول لمشاكل الإنسانية ... ومرد تلك الإتهامات يا زميلي العزيز هو فقط تحميلك لللادينية ما لا تحتمله ... فكما ذكرت لك في عدة مداخلات سابقة بأن اللادينية ليست معنية بحل مشاكل البشرية وهي ليست دين أو عقيدة جديدة ... اللادينية تعنى بشئ واحد أساساً وهو نفي صحة الأديان ( لذا سميت لا دينية) ... وإذا إنتفت صحة الأديان يصبح عبأ حل مشاكل البشر ملقى على عاتق البشرية ، وليس على رسالات سماوية ينتظر منها أن تعلم الناس كيف يديروا شئون حياتهم ويتدبروا أمورهم وينظموا علاقاتهم ويشبعوا حاجاتهم .

شكرا جزيلا، وهذا اعتراف يوافق ما سبق أن قُلناه سابقا بأن اللادينية ستفشل لا محالة في القيام مقام الأديان وذلك مقرر في مداخلاتي أعلاه .


لادينية = الأديان غير صحيحة ... full stop .... فهي إذاً ليست منهجاً بديلاً للأديان حتى نقيمها في ضوء أداءها للوظائف التي تقول أنت بأن الأديان تضطلع بها .... فأداء هذه الأدوار ليس مجالها ، وهذا شئ لا يضيرها ... وأراك في ذلك تماماً كمن يتهم أبو العلاء المعري بأن شعره لم يحوي أي إشارة للكيمياء العضوية أو لقوانين ميكانيا الكم الفيزيائية .

وعليه أرجو أن يكون مجال هذا النقاش هو إثبات أو نفي الحاجة للأديان أو ضرورتها الملحة وعدم إستقامة حياة الناس على كوكب الأرض بدونها ... فهذا هو مجال نقاشنا ... وإثبات الحاجة للأديان والرسل هو سبيلك الوحيد لنفي الحياد الإلهي وبالتالي نقض اللادينية .

ونحنُ في هذا الجزء نثبت الحاجة للأديان وليس شيئا آخر يا زميل، وأعجب منك تقرر هذا وكأنك لم تكن متابعا للمداخلات ؟؟ !!!

وقد سبق أن قفزتَ على إلزامنا لك بنسبة العطالة لله عز وجل - تعالى وتقدس- فأسألك إن كان الإله بحسب لادينيتك محايد ولا يتدخل في رزق أو عقاب أو مقادير .. فما الذي يفعله الآن بحسب معتقدك ؟؟


نقطة أخرى ، سوف أمر عليها سريعاً وهو إتهامك لي بأن أقوالي إنما هي ناتجة عن تأملات وتصورات وليست مدعمة بالأدلة (السيسيولوجيا العفوية كما أسميتها أنت) ... وأرى أن هذا الإتهام لا أساس له من الصحة ... فأنا معظم مداخلاتي إنما هي إشارة لبديهيات عقلية أو إستنتاجات منطقية قائمة على بديهيات عقلية .... ويمكنك أن تنقد ما شئت من مداخلتي بشرط أن تحدد بدقة موطن كلامي الذي تريد أن تعترض عليه ، فإن لم يكن بديهياً أو منطقياً وبحاجة لدليل أتيتك بالدليل .

وتذكر أن نقاشنا يدور أساساً حول قضايا منطقية ، لذا من الطبيعي أن أن أعتمد على المنطق في إبراز حجتي ، أما أن أقتبس قول فلان أو علان من أقوال علماء الإجتماع ، فهذا شئ أختلف معك حول مدى حجيته في إثبات صحة آرآئي ... وعلى كل حال الآراء العلمية ونتائج الأبحاث والإحصاءات لدي الكثير منها ، وسأوردها في مقامها .

أنا أطالبك بإبراز أدلتك يا زميل ؟ وقد قررنا سابقا بأنك تنفي البديهيات العقلية، وسبق ان فصلنا في مسألة الواقع ونفيه عندك فراجعه .

اما مسألة مقابلة رأيك بأطروحات واقعية تستمد مصداقيتها من المشاهد المدروس فهو امر مرفوض عندي بالمطلق، تحدث بعلم يا زميل بدون سفسطة، فالنفي بجرات الأقلام من أسهل الأشياء على وجه الأرض.


فما عنيته أنا هو دور الدين في تفسير ظواهر الكون الطبيعية الفيزيائية .

قد أعطيتك يا زميلي أمثلة عن الأسئلة الوجودية التي يجيب عنها الدين، اما تفسير الظواهر الفيزيائية فهي من اختصاص العلم وقد فصلنا في ذلك اعلاه .

.. ولكن ما تقدم لا يعني بأي حال بأن هناك شئ يسمى غريزة التدين


فبداية فإنه لا يمكن إطلاق مصطلح "غريزة" لتسمية تلك الأشياء .... أنت يا عزيزي متخصص في علم الإجتماع ، فلماذا لم تشير إلى أن مصطلح غريزة في الأساس لا يصح إطلاقه إلا في نطاقه البيولوجي وليس النفسي أو الإجتماعي (وهذا شئ يجمع عليه تقريباً علماء الإجتماع المعاصرين) ... لماذا لم تذكر أن إستخدام لفظ الغريزة لوصف بعض الدوافع السلوكية هو وصف شاذ ومرفوض في الأوساط العلمية ... لماذا لم تذكر أن علماء الإجتماع متفقين تقريباً على أن كل ما يمكن للشخص أن يمتنع عن فعله بدون ألم ومجاهدة لا يصلح أن نطلق عليه مصطلح غريزة ... الميل للطعام غريزة ، الميل الجنس غريزة ، البقاء وحفظ الذات من الضرر غريزة ، وكلها غرائز لا يتخلف الناس حولها ، فهل يندرج التدين في هذا الإطار ... لا أظن ذلك ...

التدين ليس غريزة يا عزيزي ، ولكنه مظهر لغرائز أخرى ... مثل غريزة حب البقاء والخوف من المجهول والميل لملأ الفراغ المعرفي والرغبة في التوافق الإجتماعي عبر تبني المجتمع لنمط متماثل من القيم والمعتقدات ... ومن رحم هذه الغرائز تطور الدين بشكل طبيعي ، والمعادلات الدالة على ذلك بسيطة وواضحة ،

قولك غير دقيق: فمصطلح الغرائزي في علم الإجتماع مقابل لمفهوم الفطري، الذي لا يستطيع الإنسان العيش بدونه، والذي استعمله هم بعض علماء الاجتماع بينما اصطلح عليه آخرون بنزعة التدين، وسواء هذا أو ذاك له نفس المعنى .

وكون عدد من البشر يستطيعون العيش بدون دين لا ينفي فطرية التدين، لأنه هناك مثلا من لم يتزوج في حياته ولم يدخل في علاقة جنسية قط، فهل معناه نفي الغريزة الجنسية ؟ ومن الناس من يلقي بنفسه للمهالك مخالفة لغريزة حب البقاء ؟ فهل معنى ذلك نفيها ؟ .

وعموما أخرج لنا علمك .


لمعادلة الأولى
قناعة بالوجود الإلهي وقدرة على تصور إله عظيم كامل + ميل طبيعي للإنسان للخضوع لمن هو أقوى منه ومحاولة إرضاءه + ضعف الإنسان القديم أمام قوى الطبيعة التي كان هو على قناعة بأنها موجهة بواسطة ذلك الإله وأنه يمكن التحكم فيها عبر إرضاء ذلك الإله + وجود أشخاص يدعون القدرة على الإتصال بالآلهة ومعرفة ما يرضيها وما يغضبها

= قيام المجتمعات القديمة بإيجاد أنماط من الطقوس والممارسات والقواعد لإرضاء تلك الآلهة


المعادلة الثانية
وجود أسئلة بشرية حائرة + رغبة الإنسان الجامحة لملأ الفراغ المعرفي + ميل للأسطرة والخرافة في ظل غياب العلم ووجود بعض الأشخاص الذين يحاولون الحصول على سلطة من خلال إدعاء معرفة إجابات تلك الأسئلة الحائرة

= قيام المجتمعات القديمة بإيجاد إجابات تلك الأسئلة ، وبالطبع من السهل أيضاً ربط إجابات تلك الأسئلة بالآلهة وبالنسق الديني الناتج عن المعادلة الأولى

وكل ذلك مدحوض مندفع بأن الدين هو المهيمن على شعوب العالم المعاصر، بالرغم من التقدم العلمي والحضارت، فمثلا هذه إحصائية لعدد المعتنقين للأديان عبر العالم قامت بها منظمة أطلس هيستورك سنة 2002، تبين ان عدد المعتنقين للأديان يفوق الستة ملايير، حتى في الدول الأكثر تقدما، مقابل دول تعلن صراحة عن إلحادها وهي لا تتجاوز الأربعة، ومن المتنقاضات ان تلك الدول بها أغلبية متدينة :

http://monblog.ch/listezmoi/?p=200701271512120

هنا أيضا نموذج لإحصائيات سنوية تُظهر ان غالبية المجتمع الفرنسي من المتدينين المؤمنين، لكن لوحظ ضعف في التدين المسيحي والارتداد عنه لصالح أديان أخرى :

http://atheisme.free.fr/Religion/Statistiques_religieuses_2.htm#csa2004

وهنا إحصائيات في مجموعة من الدول الغربية، كلها تبين الأغلبية المتدينة :

http://atheisme.free.fr/Religion/Statistiques_religieuses_3.htm

وقد تعمدتُ ان آتيك بإحصائية مجموعة من طرف موقع إلحادي من باب شهد شاهد من أهلها .

لي عودة ...

ابن عبد البر الصغير
05-08-2012, 10:26 PM
حتى لا تموت المناظرة لفترة انشغالي الشديد التي أعتذر عنها .. فإني أئذن للزميل الربوبي في التعقيب إن شاء أو تذكيري بنقط جوهرية أغفلتُها أو التقدم في محاور المناظرة :

فإن كان تعقيبا فنُلزم محاورنا بالاستشهاد بإحصائيات لأي شعب في العالم تثبت عدم احتياج الناس بالأغلبية للأسئلة الوجودية مرفقة بأطروحات علم الاجتماع، إضافة إلى الإلزامات الأخرى

وإن كان تذكيرا في نقط فليتفضل دونما تعقيب .

وإن كان تقدما إلى محور آخر في المناظرة فليتفضل.

والله المستعان.

الربوبي
05-14-2012, 11:29 AM
الزميل إبن عبد البر ...

اجمل التحايا ... أبدأ بالإعتذار عن التأخر في الرد لمشاغلي الكثيرة هذه الأيام ...

وسألخص مداخلتي تلك في أربعة نقاط أساسية ، ثم أختتم بتعليق على جزئية وردت في مداخلتك الأخيرة ، والمسائل التي سأتناولها في هذه المداخلة هي :


المسألة الأولى : هل البشرية تحتاج فقط لإجابات لتلك الأسئلة الوجودية التي تحتار فيها .... أم أنها تحتاج لإجابات منطقية ... لا يوجد إجابة منطقية تشتق عقلاً لسؤال لماذا خلقنا الله ، وغياب تلك الإجابة ينفي قدرة الدين على القيام بالوظيفة التفسيرية بشكل جيد .


المسألة الثانية : غريزة التدين ، هل هناك شئ يسمى غريزة التدين ... العلماء يقولون لا شئ يسمى غريزة في غير المجال البيولوجي


المسألة الثالثة : بالإحصاءات ، عدد الغير متدينن في العالم ، وعدد من لا تقدم لهم أديانهم إجابات شافية للأسئلة الوجودية يمثلون حوالي خمس سكان الكرة الأرضية ، فهل هم تعساء بسبب إفتقاد تلك الإجابات


تعقيب أخير على إتهامك للعقيدة الربوبية بأنها تنسب لله العطالة

--------------------------------------------------------------------------

المسألة الأولى : هل البشرية تحتاج فقط لإجابات لتلك الأسئلة الوجودية التي تحتار فيها .... أم أنها تحتاج لإجابات منطقية

في مداخلة سابقة لك ، رأيتك تركز على دور الأديان في إعطاء إجابة لتلك الأسئلة وتقلل من أهمية كون تلك الإجابات صحيحة أم لا ، بحجة أن إستيفاء حاجة البشر (ومن ثم إثبات حاجتهم للرسل) يتم فقط من خلال إعطاء إجابات لتلك الأسئلة !!! حيث قلت :


فنحن نتحدث عن تشوف النفس إلى هذه الأجوبة وليس عن صحتها، فتشوف النفس إلى الأسئلة دليل على وجود دين من عند الله، وضربٌ لأساسات اللادينية التي لا تملك أجوبة

وسافترض معك بأن الإسلام هو الدين الصحيح وهو الذي يقدم أفضل إجابة لتلك الأسئلة الوجودية ...

لكن يا زميل ... لو فحصنا إجابات الإسلام لتلك الأسئلة الوجودية ، فسنجد بأنه لم يقدم إجابة منطقية لأهم تلك الأسئلة الوجودية ، ألا وهو سؤال لماذا خلقنا الله ...

الجواب الإسلامي هو ... أن الله خلقنا لعبادته ...ولكن من المؤكد في ذات الوقت بأن الله غني عن عبادتنا ولا يترتب على قيامه بخلقنا تحقيق مصلحة خاصة به ، وأن الأجدى به (بإفتراض أنه إله منطقي) ألا يخلقنا لمجرد عبادته لتحقيق مصلحة خاصة بنا .

ألا تتفق معي بأن هناك حكمة خافية من قيام الله بخلق البشر .... وإذا كنت تتفق معي في ذلك ، ألا يعني ذلك بأننا لا نعرف على وجه الدقة لماذا خلقنا الله .... ومع ذلك نعيش بهناء وراحة بال بدون أن نصاب بالإكتئاب بسبب جهلنا بالسبب الذي خلقنا الله من أجله .

وإذا كنا نجهل إجابة أهم تلك الأسئلة الوجودية (لماذا خلقنا الله) ، ألا يعني ذلك بأن الوظيفة التفسيرية للدين هي وظيفة لم تؤدي الغاية منها ... فالدين لم يفسر لنا السبب في وجودنا !!! وبالتالي فلا حاجة لنا بالدين لأداء تلك الوظيفة .

--------------------------------------------------------------------------

المسألة الثانية : غريزة التدين ، هل هناك شئ يسمى غريزة التدين

بالنسبة لموضوع ما يسمى غريزية التدين ... فيغنيني عن الإستشهاد بعلماء الإجتماع لنفي وجود تلك الغريزة ما ذكرته أنت بنفسك ، حين قلت :


بينما اصطلح عليه آخرون (من علماء الإجتماع) بنزعة التدين، وسواء هذا أو ذاك له نفس المعنى .


ومن المؤكد أن النزعة لا تعني الغريزة (كما ذكرت أنت) ... فالنزعة هي أقرب لما يعرف في علم النفس ب "الميول" ... وهذه تختلف إختلافاً كبيراً عن الغرائز والتي هي أقرب لما يسمى في علم النفس بال "الدوافع" ... والميول تختلف بإختلاف الزمان والمكان وبإختلاف طبيعة الشخص ومرحلته العمرية الخ .... ولو أدخلت كلمة "نزعة" في جوجل ، فستفاجأ بأن الكلمة ترتبط في الأذهان بشكل اساسي بالمعاني السلبية السيئة ... وعليه فإن مجرد وجود نزعة للتدين (إن وجدت) فلا يقوم دليلاً على صحة الدين .

بالنسبة لمفهوم الغريزة ، فسأكتفي بالإعتماد على الويكيبيديا والإنسيكلوبيديا ، وأحسب أن هذه المصادر تكفي ، فهي محايدة بشكل كبير وموضوعية ومتكاملة عندما يتعلق الأمر بالمواضيع العلمية البحتة مثل هذا الموضوع ...

تقول الويكي عن الغرائز السيكولوجية ما يلي ..


(Instinct) >>> In psychology
The term "instinct" has had a long and varied use in psychology and was first used in 1870s by Wilhelm Wundt. By the close of the 19th century most repeated behavior was considered instinctual. In a survey of the literature at that time, one researcher chronicled 4000 human instincts, meaning someone applied the label to any behavior that was repetitive.[citation needed] As research became more rigorous and terms better defined, instinct as an explanation for human behavior became less common. In a conference in 1960, chaired by Frank Beach, a pioneer incomparative psychology, and attended by luminaries in the field, the term was restricted in its application. During the 60's and 70's, textbooks still contained some discussion of instincts in reference to human behavior. By the year 2000, a survey of the 12 best selling textbooks in Introductory Psychology revealed only one reference to instincts, and that was in regard to Sigmund Freud's referral to the "id" instincts. In this sense, instincts have become increasingly superfluous in trying to understand human psychological behavior.

Some Freudian Psychoanalysts have retained the term instinct to refer to human motivational forces (such as sex and aggression), sometimes represented as Eros - life instinct and Thanatos - death instinct. This use of the term motivational forces has been replaced by the term drivesto correct the original error in the translation of |Freud's work.[citation needed]

Psychologist Abraham Maslow argued that humans no longer have instincts because we have the ability to override them in certain situations. He felt that what is called instinct is often imprecisely defined, and really amounts to strong drives. For Maslow, an instinct is something which cannot be overridden, and therefore while it may have applied to humans in the past it no longer does.[5]

The book Instinct (1961) established a number of criteria which distinguish instinctual from other kinds of behavior. To be considered instinctual a behavior must a) be automatic, b) be irresistible, c) occur at some point in development, d) be triggered by some event in the environment, e) occur in every member of the species, f) be unmodifiable, and g) govern behavior for which the organism needs no training (although the organism may profit from experience and to that degree the behavior is modifiable).

In a classic paper published in 1972[6], the psychologist Richard Herrnstein decries Fabre's opinions on instinct (see: In biology section).


وهذا من الإنسيكلوبيديا


There is a lack of consensus on a precise definition of instinct and what human behaviors may be considered instinctual

In a conference in 1960, chaired by Frank Beach, a pioneer in comparative psychology, and attended by luminaries in the field, the term was restricted in its application

sociologists consider instincts to be innate behaviors that are present in all members of a species and cannot be overridden (Robertson 1989),

كل ما سبق يشير للآتي :

علماء النفس والإجتماع المعاصرين أصبحوا يتحاشون مصطلح غريزة ويعبترونه لفظ غامض وغير علمي خصوصاً عند وصف الظواهر الإنسانية أو السيكولوجية


أقرب توصيف علمي لما يسمى بالغريزة هو مصطلح الدوافع أو القوى الدافعية ... وإستخدام الغريزة بهذا المعنى يكاد ينحصر فقط في المدرسة الفرودية ... وبالطبع لو رجعنا للدوافع سنجد أنها محددة بشكل أدق ، وليس هناك دافع يسمى دافع التدين


هناك إتفاق بين علماء النفس المعاصرين على أن مصطلح الغريزة يصح إطلاقه فقط على أنماط السلوك اللاإرادية التي تكون تلقائية ، متكررة بدون إستثناء في كل البشر ، لا يمكن تعديل السلوك الناتج عنها أو التحكم فيه .... وكل هذه الشروط تخرج التدين بالتأكيد من أن يكون غريزة


عالم الإجتماع ماسلو ... يقرر بوضوح بأنه لا يصح وصف أي نمط سلوك إنساني له دوافع سيكلوجية (أي ليس سلوك بيولوجي) بأنه سلوك غريزي ، وبالتالي يخرج التدين من أن يكون غريزة

مما تقدم ... نجد أن هناك إجماع من العلماء على أن الغريزة لا تنطبق على أنماط السلوك الفردي أو الإجتماعي الراجعة لعوامل غير بيولوجية بحتة ....

ولكن مع ذلك ... سنلتمس العذر لمن يستخدمون مصطلح غريزة التدين ، وسنفترض بأنهم ربما عنوا أحد شيئين بذلك المصطلح

1) ربما عنوا بالغريزة ما يعرف في علم النفس بالدوافع أو القوى الدافعية ... وعليه هم يعتقدون بأن التدين هو أحد القوى الدافعة الأساسية للسلوك الإنساني

2) ربما عنوا بغريزة التدين ما يعرف بال "innatism " ، وهو مصطلح يستخدم في علم النفس أو الفسفلة لوصف ما يعتقد بأنه أفكار وإعتقادات ومعارف يولد بها الإنسان وتكون مزروعة داخله بالفطرة .

ولكن ... أيا كان المعنى المقصود بواسطة من يتبنون مصطلح غريزة التدين ، فإنه يقع عليهم عبأ إثبات أن التدين هو إعتقاد مزروع في الإنسان أو أنه أحد القوى الدافعة ، خصوصاً بأن لا يوجد أحد من علماء النفس أو الإجتماع قال بذلك ... علماً بأن الدوافع أو القوى الدافعة وكذلك ال " innatism " أو الأفكار والمعارف التي يعتقد البعض أن الإنسان يولد بها ، كلاهما هو أشياء محددة بشكل كبير وليس من بينها ما يسمى بالتدين .

مثلاً .... ماسلو ، تحدث عن الدوافع في هرمه الشهير (هرم الحاجات الإنسانية) ولم يكن هناك مكان للتدين في هذا الهرم ... والبروفيسور ستفيفين ريس ، قام بدراسة شملت 6000 شخص ، وإستخرج من هذه الدراسة 16 رغبة أساسية توجد لدى الإنسان (بالتأكيد ليس من ضمنها التدين) ... والرابط التالي يوضح ذلك

http://en.wikipedia.org/wiki/Motivation#Intrinsic_motivation_and_the_16_basic_d esires_theory

وكذلك الحال بالنسبة لل " innatism " ... لم يقل عالم أو فيلسوف واحد بأن التدين هو من ضمن تلك ال" innatism " والرابط التالي يؤكد ذلك ..

http://en.wikipedia.org/wiki/Innatism

وهاك أيضاً ، أقوال علماء آخرين ممن أنكروا وجود غريزة التدين مثل البروفسور لويس ولبرت Lewis Wolpert والفيلسوف إي سي جريلين AC Grayling, الذي نشر مقالاً في صحيفة الجاردين بعنوان "أبناء الله؟ قال فيه بوضوح بأنه لا يوجد دليل حقيقي يشير إلى أن الدين هو مثبت بالفطرة - إنها مجرد أمنيات من جانب الأكاديميين المتدينين."


"Children of God? There's no real evidence to suggest that religion is hardwired – it's just wishful thinking on the part of religious academics"
--------------------------------------------------------------------------------------------

المسألة الثالثة : عدد الغير متدينين في العالم ، وعدد من لا تقدم لهم أديانهم إجابات شافية للأسئلة الوجودية

وفقاً لل American Religious Identification Survey ، وهو من أكثر الجهات مصداقية وحياداً ، فإن ما يزيد عن 15% من الأمريكيين كانوا غير مؤمنين بالأديان في عام 2001 ، والملفت للإنتباه هو أن عدد الغير متدينين تضاعف في أمريكا خلال 10 أعوام فقط ، بعد أن كان 8% في عام 1990 ... أما الدراسة الاحدث التي قام بها منظمة Gallup ، فتقول بأن نسبة اللادينيين في أمريكا زادت حديثاً لتصبح 32% ... لاحظ النسبة تتضاعف كل عشرة أعوام !!!

وبالطبع أعداد الغير متدينين في أوروبا هي اضعاف تلك النسبة ، ولعلك تعرف ذلك ... ففي الدول الإسكندنافية مثلاً يبلغ تفوق نسبة الغير مؤمنين بالأديان نسبة ال70% من إجمالي السكان ، ولا أظنك بحاجة لمعرفة ذلك .. ويمكنك الرجوع لإحصاءات The Eurobarometer والتي تشير إلى أن نصف الأوربيين تقريباً لا يؤمنون بالأديان .

وفي إحصائية برطانية حديثة ، بواسطة منظمة YouGov اشار 39% من البرطانيين بأن ليس لديهم دين محدد ... والطريف أن 52% من الذين تم إستقصاء آراءهم أشاروا إلى أنهم لا يعتقدون بأن المسيح كان شخصية حقيقية ... أي أن الكثير ممن أشاروا إلى أنهم مسيحيون في خانة الدين ، هم في الحقيقية مسيحيين بالإسم فقط .

وإختصاراً لك ذلك ، أورد لك إحصائية أهم ، وهي إحصائية World Religious Statistics ، تشير إلى أن نسبة غير المؤمنين بالأديان في العالم تبلغ 15% ...

ومن الملفت للنظر وجود علاقة عكسية واضحة وملحوظة بين نسبة المتديين وبين درجة النمو أو التقدم على مقياس مؤشر النمو الإنساني Human Development Index

وبخلاف الغير منتسبين للأديان ، نجد أن الكثير من المنتسبين للأديان الشرقية هم في واقع الحال ليس لديهم إجابات محددة (من خلال تعاليم أديانهم) على تلك الأسئلة الوجودية التي تقول أنت بأن البشرية لابد أن تحصل على إجابات حولها ... حيث لا تجاوب الأديان البوذية والكونفشيوسية والطاوية وديانات شرق آسيا التقليدية على بعض أو كل تلك الأسئلة .

ولعلك تعلم بأن الكنفوشيوسية والطاوية هي فلسفات بشرية وليست أديان ، حتى أنها لا تخوض في موضوع وجود إله أو غيرها من الأسئلة ... والبوذية لا تجاوب على كل الأسئلة بالتأكيد فهي لا تعطي أي مبرر او سبب لخلق الإنسان أو سر وجوده على الأرض ... وبالنسبة للمصير بعد الموت يؤمن البوذيون بتناسخ الأرواح ولكن لعل هذا هو السؤال الوحيد من الأسئلة الوجودية التي تجاوبه البوذية ... وبالطبع أهمها مسألة الخالق وغايته من خلق البشر ... فالديانة البوذية ليس فيها مكان على الإطلاق لفكرة الإله الخالق ... ويمكنك التأكد من ذلك عبر الروابط التالية :

http://en.wikipedia.org/wiki/God_in_Buddhism
http://www.buddhanet.net/ans73.htm
http://en.wikipedia.org/wiki/Confucianism

وإذا أخذنا في الإعتبار بأن عدد أتباع تلك الديانات الشرقية يفوق المليار نسمة ، ولو ضممنا لتلك النسبة نسبة اللا دينيين في أوربا وأمريكا الشمالية وغيرها من بلدان العالم ، فسنجد بأن أكثر التقديرات تحفظاً يعطي نسبة تفوق ال20% من سكان الكرة الأرضية ممن ليس لديهم إجابات لتلك الأسئلة الوجودية ...

خلاصة كل ما تقدم هو أن هناك بلايين (وليس ملايين) من البشر ممن ليس لديهم إجابات لتلك الأسئلة الوجودية ، فهل لك أن تجزم بشقاءهم بسبب ذلك أو أنهم يعانون من أمراض نفسية بسبب إفتقاد الإجابات لتلك الأسئلة !!


-------------------------------------------------------------------------------------

نقطة أخيرة وردت في مداخلتك ورأيت ضرورة التعليق عليها ..

فلقد تفضلت أنت بالقول في المداخلة السابقة ما يلي :


وقد سبق أن قفزتَ على إلزامنا لك بنسبة العطالة لله عز وجل - تعالى وتقدس- فأسألك إن كان الإله بحسب لادينيتك محايد ولا يتدخل في رزق أو عقاب أو مقادير .. فما الذي يفعله الآن بحسب معتقدك ؟؟


فهل يعني كلامك هذا بأنك تعتقد أن الله ليس له شاغل سوى مراقبة البشر والتدخل لضمان سير الأمور بشكل صحيح على كرتنا الأرضية !!! ... من وجهة نظري فإن كلامك هذا يحوي إساءة بالغة للذات الإلهية ، ويتضمن تصور غير صحيح عن الخالق العظيم ... فليس لأحد من البشر أن يدعي معرفته بما يقوم الله بعمله أو مجال عمله أو إختصاصاته ... وبغض النظر عن كل ما تقدم ... هل تستطيع أن تجزم بأن العطالة تعتبر نقيصة في حق الذات الإلهية !!!

كان يمكنني تجاوز تعليقك هذا ، كما أفعل غالباً في كل ما هو غير ذو صلة بلب نقاشنا ، ولكني فضلت الرد لأن تعليقك حول هذا الجزئية يلخص الإختلاف بيننا ... فأنت هنا تصر على إلباس الذات الإلهية لباساً بشرياً ، وتصر على تأكيد إحاطتك بطبيعتة ومقتضيات أفعاله ، وتصر على التنبؤ بأفعاله ... ولو فعلت ذلك من منطلق إيمانك بنص الخطاب الديني فلا أرى إشكالاً في ذلك ، أما أن تحاول أن تفرض هذه التصورات كحقائق مطلقة تدرك بالعقل والتأمل أو تثبت من خلال علم الفلسفة والمنطق ، فهذا ما لا اتفق معك حوله


ولك خالص التحية

ابن عبد البر الصغير
05-19-2012, 08:58 PM
الزميل الربوبي، خذ وقتك في الردود، والمناظرة ثمينة وغنية بمواضيعها الفريدة التي تُطرح، فليست مثل المناظرات الكلاسيكية بل أحسب أننا نتناقش في جوانب قلما تجدها في مصنفات إفرادا أو ضمنا .

لكن المشكلة أننا نقع في نوع من التكرار، فإما أنك تعيد طرح النقطة التي أجبتُ عنها سابقا، أو تتوسع فيها على غير المراد الذي أردتُه، فتكون واقعا في انتقائية نظرا ربما لمرورك مرور الكرام، أو لنسيان الجواب أثناء التحرير في الأولى، وواقعا في سوء فهم جوابي في الثانية.

جواب المسألة الأولى: في هل البشرية تحتاج فقط لإجابات لتلك الأسئلة الوجودية التي تحتار فيها ؟


المسألة الأولى : هل البشرية تحتاج فقط لإجابات لتلك الأسئلة الوجودية التي تحتار فيها .... أم أنها تحتاج لإجابات منطقية .. في مداخلة سابقة لك ، رأيتك تركز على دور الأديان في إعطاء إجابة لتلك الأسئلة وتقلل من أهمية كون تلك الإجابات صحيحة أم لا ، بحجة أن إستيفاء حاجة البشر (ومن ثم إثبات حاجتهم للرسل) يتم فقط من خلال إعطاء إجابات لتلك الأسئلة !!! حيث قلت :

القصد من الجواب أنك لن تستطيع إثبات خطأ الأجوبة الدينية على أسئلة الإنسان الوجودية، لأن اللادينية لا تمتلك الميكانيزمات والآليات التي تخولها الخوض في إثبات صحة هاته الأجوبة من عدمه :

* لأنها قول على الله بغير علم ولا بينة من جهة، وبالتالي لا تمتلك بينات من عند صاحب الشأن نفسه سبحانه .

* لأنها لا تستطيع أن تقدم أجوبة للبشرية من جهة ثانية .

* لأنها لا تستطيع الجزم بخطأ الأجوبة الدينية، فلا تتبع إلا ظنا، وأكبر دليل على هذا الاختلاف الشاسع بين مدارس اللادينية، فمدرسة تقول بالرعاية الإلهية والتدخل في شؤون العباد، ومدرسة تنفي ذلك، ومدرسة تقول بالبعث والجزاء، وأخرى تنفي ذلك، ومدرسة تقول بصفات معينة في الخالق، ومدرسة تنفي بعض هذه الصفات، وهكذا دواليك.

فكأن هناك لادينيات قريبة من المنطق الإلحادي مقابل لادينيات قريبة من المنطق الإيماني .

فالقول بخطأ الأجوبة الدينية محال أن تقطع فيه اللادينة لتلك الأسباب، ومن هنا ركزتُ على مسألة احتياج البشر للأجوبة الوجودية بعيدا عن صحتها من عدمه، لأن الاديان متعددة والأجوبة مختلفة نوعيا، خاصة بين الديانات التوحيدية والديانات الوثنية .


الجواب الإسلامي هو ... أن الله خلقنا لعبادته ...ولكن من المؤكد في ذات الوقت بأن الله غني عن عبادتنا ولا يترتب على قيامه بخلقنا تحقيق مصلحة خاصة به ، وأن الأجدى به (بإفتراض أنه إله منطقي) ألا يخلقنا لمجرد عبادته لتحقيق مصلحة خاصة بنا .

قد سبق في المداخلة رقم 23 أن بينا مفهوم العبادة الشمولي، والله عز وجل إن كلفنا بأمر لا يعني بانه محتاج إليه تعالى، فالله غني عن العالمين، وهذا هو خطأ المنطق اللاديني والإلحادي على السواء، فيحسب أن الله حينما يأمرنا بأمر فإن وراء أمره احتياج وهذا غلط، والإسلام كان واضحا في هذه النقطة : لقول الله عز وجل { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ } ولقوله سبحانه: { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } .. { وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ }
وفي الحديث القدسي : "يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر " .

وإن أحببتَ التوسع في بعض حكم الخلق فدونك فهرس المنتدى .


ألا تتفق معي بأن هناك حكمة خافية من قيام الله بخلق البشر .... وإذا كنت تتفق معي في ذلك ، ألا يعني ذلك بأننا لا نعرف على وجه الدقة لماذا خلقنا الله .... ومع ذلك نعيش بهناء وراحة بال بدون أن نصاب بالإكتئاب بسبب جهلنا بالسبب الذي خلقنا الله من أجله .

وإذا كنا نجهل إجابة أهم تلك الأسئلة الوجودية (لماذا خلقنا الله) ، ألا يعني ذلك بأن الوظيفة التفسيرية للدين هي وظيفة لم تؤدي الغاية منها ... فالدين لم يفسر لنا السبب في وجودنا !!! وبالتالي فلا حاجة لنا بالدين لأداء تلك الوظيفة .

وهنا تلبيس، وديدنك لم يتغير في نفي البيدهيات الواقعية والعقلية بجرة قلم، الدين أعطى أجوبة على الأسئلة الوجودية الضرورية التي تضمن للإنسان العيش الهني بدون ضنك، وقد مرَّت بنا أقوال علماء الاجتماع في الانتحار وكيف أن الضنك يمس الغير متدينين، إضافة إلى أن أبلغ دليل على هذا أزمة العدمية التي طغت نتيجة غياب الأديان في الغرب، والتي حاربها اغلب الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع، وحتى الفلاسفة الملحدون حاولوا الإجابة على الأسئلة الوجودية بما يضمن إقناع النفس البشرية، لكنهم لم يوفقوا في ذلك .

من الأدلة الناجعة على ذلك على سبيل المثال، دراسة مشتركة قامت بها جامعتي زيوريخ وبيرن بقيادة الباحث "ماتياس إيجر " تقول بأن نسبة الانتحار في صفوف الملاحدة أكبر من عند غيرهم :

http://archives.24heures.ch/actu/suisse/croyants-suicident-2010-09-16

وقد اجبنا عن مسألة أن الاستثناء لا يضع القاعدة، ويكفي تدين أغلب البشر حتى يُعلم احتياج الناس للدين في مداخلتنا السابقة .




من المؤكد أن النزعة لا تعني الغريزة (كما ذكرت أنت) ... فالنزعة هي أقرب لما يعرف في علم النفس ب "الميول" ... وهذه تختلف إختلافاً كبيراً عن الغرائز والتي هي أقرب لما يسمى في علم النفس بال "الدوافع" ... والميول تختلف بإختلاف الزمان والمكان وبإختلاف طبيعة الشخص ومرحلته العمرية الخ .... ولو أدخلت كلمة "نزعة" في جوجل ، فستفاجأ بأن الكلمة ترتبط في الأذهان بشكل اساسي بالمعاني السلبية السيئة ... وعليه فإن مجرد وجود نزعة للتدين (إن وجدت) فلا يقوم دليلاً على صحة الدين .

بالنسبة لمفهوم الغريزة ، فسأكتفي بالإعتماد على الويكيبيديا والإنسيكلوبيديا ، وأحسب أن هذه المصادر تكفي ، فهي محايدة بشكل كبير وموضوعية ومتكاملة عندما يتعلق الأمر بالمواضيع العلمية البحتة مثل هذا الموضوع ...

الآن بدأتَ تقول ليست غريزة بل نزعة، وكلاهما سيان عند علماء الاجتماع، لأن مردها إلى طبيعة الإنسان وفطرته، لكنك تعترض على المصطلح لكونه مصطلحا بيولوجيا بالأساس والدين عقيدة روحية لا تمس الغرائز .. وقد سبَق ان نبهتك إلى مراد من يقول بالنزعة ..

وسواء قال الباحثون هي نزعة أو غريزة فلا خلاف، لأنهم اتفقوا على ان الإنسان كائن رامز، وفك الرموز هو عين الوظيفة التفسيرية للإنسان هذا الأخير هو كائن متدين بالفطرة... والويكيبديا لا أعتبرها مصدرا موثوقا البتة يا زميلي الربوبي، وهذا معلوم من طريقة اشتغالها وحتى نقلك يضم عبارة citation needed أي أن ما يزعمه المقال يحتاج لإثباتات ومصادر.

المهم أننا أثبتنا احتياج البشرية للدين ولجوابات أسئلته الوجودية، الشيء الذي لم تستطع ان تحاجج بضده لا من كلام الباحثين ولا إحصائيا ولا واقعا ولا عقلا .

ولأني أريد مناقشة هذه النقطة بتفصيل أكبر ومناقشة ما تحتج به من أقوال "الوكيبديا" والتي سأبين من خلالها بعض التلبيسات ، فسأتوقف لبعض الوقت حتى أفرغ من مسألة تشغلني اليوم .

ابن عبد البر الصغير
05-20-2012, 01:29 AM
نرجع الآن إلى رابط الزميل الربوبي حول التدين :

أولا بخصوص روابط الويكيبيديا :

* نقول بأنها موسوعة غير موثوقة نظرا لأنها تمكن كل شخص من تصحيح معلومة أو كتابة مقال .

* أنه غير معروف إنصاف الكتبة وحجم علمهم وإحاطتهم باختلاف أهل العلوم .

* أن الكتبة هم مجاهيل ونكرات غير معروفين .

* أننا صادفنا أخطاءا عديدة في مواضيع شتى من الموسوعة .. وإن كانت هناك مواضيع علمية مليحة فيها.

لهذا فإني لا أقبل بها كمصدر من مصادر الاستشهاد في مناظرتنا، لكني أقبل الاستشهاد من موسوعات علمية موثوقة كموسوعة لاروس ويونفرساليس وغيرها من الموثق والعلمي .

أما مسألة غريزة التدين، فالاعتراض عند من صادفتهم من الباحثين يكون من جهة تكريم الإنسان وترفعه عن تشبيهه بالحيوان، لأن الغريزة في نظر من عارض المصطلح هو نوع معرفي يختص به الحيوان، فتصرفات الإنسان لا يصح أن يطلق عليها غرائز من هذا الباب، في حين أن الذي أطلق لفظ الغريزة من الباحثين قصد إلى أنه شيء فطري في الإنسان وليس مكتسبا، ومنهم من عبر عليه بالنزعة ومنهم من قال الميل ومنهم من عبر عنه بالاحتياج، وهناك من قال بالدوافع وغيرها ..

لكن هناك من المفكرين الملاحدة من نفاه جملة وتفصيلا غير أنه لم يقدم حججا وبراهين على نفيه ذاك سواء واقعا أو عقلا .

نرجع إلى ما نقلتَه من الوكيبديا، وهو تلبيس منك وذلك من وجوه :

- أن الحوار الدائر والنقاش الذي أشارت إليه الويكيبديا هو من الخلافات المصطلحية التي وقعت بين الباحثين، والإشكالية كانت هي هل يصح أن يطلق لفظ الغريزة على تصرفات الإنسان وميولاته وغيرها، ولم يكن الجدل دائرا حول فطرية التدين من عدمه .

- انك تستشهد بأبراهام ماسلو، وأسألك هل قرأتَ لماسلو شيئا في حياتك أيها الزميل الربوبي ؟ أم أنك تبحث في الشبكة عن أي شيء يُرضي هواك تعض عليه بالنواجد ؟ أبراهام ماسلو هو عالم نفس كبير، معروف كثيرا في علم نفس الشغل وعلم التسويق لأنه اشتهر بما يعرف "بهرم ماسلو"، أو نظرية "تراتبية الحوائج" وفيه بين احتياجات الإنسان الأساسية، وفي خاناتها ينضوي تحت تلك الاحتياجات الدين، فصباح الخير أيها الزميل، وهو قد استبدل كلمة غرائز بلفظ "احتياجات" .

- أن أبراهام ماسلو له كتاب مستقل اسمه : الأديان، المبادئ والتجارب " أقر فيها باحتياج الإنسان للدين وبدورها في ضمان الصحة النفسية للإنسان . :ANSmile:

فيا زميل لماذا توقع الناس في التلبيس ؟؟ وتقرر :


عالم الإجتماع ماسلو ... يقرر بوضوح بأنه لا يصح وصف أي نمط سلوك إنساني له دوافع سيكلوجية (أي ليس سلوك بيولوجي) بأنه سلوك غريزي ، وبالتالي يخرج التدين من أن يكون غريزة


وهو عالم نفس وليس عالم اجتماع .

نظرة في الإنسيكلوبيديا :

للأسف الزميل الربوبي اقتطع الجمل بغية التلبيس على القارئ، لأن المقال من الموسوعة يعالج هل هناك غرائز في الإنسان أم لا، فهذه هي الإشكالية وليست في كون البشرية محتاجة إلى الدين من عدمه، لهذا الزميل الربوبي أتى لنا بسطور مقتطعة وضمها لتكون فقرة، لنتأمل السطر الأول من اقتطاع الزميل :


There is a lack of consensus on a precise definition of instinct and what human behaviors may be considered instinctual


لنتأمل كلام الموسوعة :


There is a lack of consensus on a precise definition of instinct and what human behaviors may be considered instinctual. More confining definitions argue that for a behavior to be instinctual it must be automatic, irresistible, triggered by environmental stimuli, occur in all members of a species, unmodifiable, and not require training. Based on these rigorous criteria, there is no instinctual human behavior. Likewise, some sociologists consider instincts to be innate behaviors that are present in all members of a species and cannot be overridden (Robertson 1989), but since even the drives of sex and hunger can be overridden, this definition also leads to the view that humans have no instincts. On the other hand, other individuals consider certain human behaviors to be instinctual, such as instinctive reflexes in babies (such as fanning of the toes when foot is stroked), since they are free of learning or conditioning, as well as such traits as altruism and the fight or flight response. The concept is still hotly debated.

فالموسوعة تقول بأن الجدل قائم حول وجود الغرائز من عدمه في الإنسان، إلى حد أن هناك من ينفي وجود الغرائز جملة وتفصيلا، روبرتسون يقول بوجود غرائز مشتركة عند كل البشرية، وهناك من يعتبر بعض التصرفات غرائز والبعض الآخر لا .

أي لا توجد في هذه الفقرة ما يثبت شيئا حول علماء الاجتماع والنفس ينكرون فيه احتياج الناس للدين، نأت إلى الفقرة الثانية من الموسوعة :


From a religious perspective, some "psychological" instincts attributed to human beings, such as altruism, sense of "fairness" (Flam 2000), and so forth, might best be attributed to a "conscience," or to a spirit mind; that is, considered innate aspects of the human spiritual nature, rather than a purely physical phenomena. Similarly, on another level, religious or philosophical concepts may include commonly recognized instincts as part of the "physical mind" (internal character) of an animal or human, rather than the "physical body" (external form, such as part of the DNA).

هنا توضح لنا الموسعة بأن بعض الباحثين ينكرون مصطلح "الغريزة" من باب ارتباطها بالجسد، وهو عين ما قررناه في المداخلات السابقة، وأن الأسلم القول في مسائل التدين بالوعي، أو الروح التدينية أو العقل التديني، أو العقل الفيزيائي ...

ثم نأتي إلى السطر الثاني من الزميل الربوبي :


In a conference in 1960, chaired by Frank Beach, a pioneer in comparative psychology, and attended by luminaries in the field, the term was restricted in its application


وهو سطر مقتبس من محور لوحده في الموسوعة، وقد أخرجه الزميل من سياق الفكرة العامة للفقرة، وإليكم الفقرة كاملة :


The term "instinct" has had a long and varied use in psychology. In the 1870s, W. Wundt established the first psychology laboratory. At that time, psychology was primarily a branch of philosophy, but behavior became increasingly examined within the framework of the scientific method. This method has come to dominate all branches of science.

While use of the scientific method led to increasingly rigorous definition of terms, by the close of the nineteenth century most repeated behavior was considered instinctual. In a survey of the literature at that time, one researcher chronicled 4000 human instincts, meaning someone applied the label to any behavior that was repetitive.

As research became more rigorous and terms better defined, instinct as an explanation for human behavior became less common. In a conference in 1960, chaired by Frank Beach, a pioneer in comparative psychology, and attended by luminaries in the field, the term was restricted in its application. During the 60s and 70s, textbooks still contained some discussion of instincts in reference to human behavior. By the year 2000, a survey of the 12 best selling textbooks in Introductory Psychology revealed only one reference to instincts, and that was in regard to Freud's referral to the "id instincts."

Any repeated behavior can be called "instinctual," as can any behavior for which there is a strong innate component. However, to distinguish behavior beyond the control of the organism from behavior that has a repetitive component one can turn to the book Instinct (1961) stemming from the 1960 conference. A number of criteria were established that distinguished instinctual from other kinds of behavior. To be considered instinctual, a behavior must a) be automatic, b) be irresistible, c) occur at some point in development, d) be triggered by some event in the environment, e) occur in every member of the species, f) be unmodifiable, and g) govern behavior for which the organism needs no training (although the organism may profit from experience and to that degree the behavior is modifiable). The absence of one or more of these criteria indicates that the behavior is not fully instinctual.

If these criteria are used in a rigorous scientific manner, application of the term "instinct" cannot be used in reference to human behavior. When terms, such as mothering, territoriality, eating, mating, and so on, are used to denote human behavior, they are seen to not meet the criteria listed above. In comparison to animal behaviors, such as hibernation, migration, nest building, mating, and so on, that are clearly instinctual, no human behavior meets the necessary criteria. In other words, under this definition, there are no human instincts

فالفقرة تنكر إطلاق لفظ الغريزة حتى على الاحتياجات البيولوجية للإنسان كالمأكل والمشرب والعلاقات الجنسية وغيرها .. لكن الزميل الربوبي يقحم الاقتباسات حتى يوهمنا بأنه لا وجود لأسئلة وجودية أو احتياج إنساني للتدين .
ودائما الزميل ما يقفز على رأي المدرسة السوسيوبيولوجية الواردة في الموسوعتين لشيء في نفسه . وهاهو رابط مقال الموسوعة لمن يريد التأكد من كلامنا :

http://www.newworldencyclopedia.org/entry/Instinct

ثم يبدأ الزميل في استنتاجاته فيبعد شاردا للمشرق في حالات ثم يقلب وجهته للمغرب في أخرى .


مما تقدم ... نجد أن هناك إجماع من العلماء على أن الغريزة لا تنطبق على أنماط السلوك الفردي أو الإجتماعي الراجعة لعوامل غير بيولوجية بحتة ....


ولم نر أي إجماع في الاقتباسات التي أتى بها .


1) ربما عنوا بالغريزة ما يعرف في علم النفس بالدوافع أو القوى الدافعية ... وعليه هم يعتقدون بأن التدين هو أحد القوى الدافعة الأساسية للسلوك الإنساني

2) ربما عنوا بغريزة التدين ما يعرف بال "innatism " ، وهو مصطلح يستخدم في علم النفس أو الفسفلة لوصف ما يعتقد بأنه أفكار وإعتقادات ومعارف يولد بها الإنسان وتكون مزروعة داخله بالفطرة .

ولكن ... أيا كان المعنى المقصود بواسطة من يتبنون مصطلح غريزة التدين ، فإنه يقع عليهم عبأ إثبات أن التدين هو إعتقاد مزروع في الإنسان أو أنه أحد القوى الدافعة ، خصوصاً بأن لا يوجد أحد من علماء النفس أو الإجتماع قال بذلك ... علماً بأن الدوافع أو القوى الدافعة وكذلك ال " innatism " أو الأفكار والمعارف التي يعتقد البعض أن الإنسان يولد بها ، كلاهما هو أشياء محددة بشكل كبير وليس من بينها ما يسمى بالتدين .

وقد أثبتنا لك ذلك من الواقع وعليك نفيه من الواقع .


مثلاً .... ماسلاو ، تحدث عن الدوافع في هرمه الشهير (هرم الحاجات الإنسانية) ولم يكن هناك مكان للتدين في هذا الهرم ... والبروفيسور ستفيفين ريس ، قام بدراسة شملت 6000 شخص ، وإستخرج من هذه الدراسة 16 رغبة أساسية توجد لدى الإنسان (بالتأكيد ليس من ضمنها التدين) ... والرابط التالي يوضح ذلك

http://en.wikipedia.org/wiki/Motivat...desires_theory

وهنا تظهر قلة تخصصك في ميدان العلوم الإنسانية أيها الزميل، فقد سبق الكلام عن ماسلو .. وسواء هو في هرمه أو ريس فإن كلامهما حجة عليك، فمثلا ريس يقول في نظريته بأن الإنسان له دوافع فطرية تجبره على اعتناق الدين من ضمنها ما أسماه :

دافع الفضول : وهو احتياج الإنسان للتعلم والمعرفة .. وهو عين ما يقدمه الدين أيضا في إجابته للأسئلة الوجودية .

دافع الشرف : وهو الإخلاص لثقافة الجماعة، والدين جزء أساسي في ثقافة الجماعات الإنسانية .

دافع الهناء أو الراحة : ومنه النفسي الذس يحققه الدين .

والقاصمة التي ستقصم ظهر لادينيتك أيها الزميل الربوبي أن الدكتور ستيفن ريس الذي تحتج به، قد أخرج نظريته هذه بالأساس لكي يبين دوافع التدين عند البشر، فالدوافع الستة عشر الفطرية كلها تصب لصالح التدين، ونظريته هذه مشهورة في علم النفس الديني فصباح الخير مرة أخرى أيها الزميل الربوبي، وتفضل رابطا يتحدث عن هذه النظرية :

http://researchnews.osu.edu/archive/religdes.htm

وفي الرابط تصريحات للرجل حول نظريته .

ولنا وقفة أخرى لنبين أخطاء الزميل الربوبي فيما يخص الفلسفة والله المعين .

الربوبي
05-26-2012, 09:25 PM
مرحباً مرة أخرى بالزميل إبن عبد البر ، وجميع الزملاء ممن متابعي الحوار

القسم الأول من مداخلتي : الوظيفة التفسيرية للدين

منطقك (أنت) هو كالتالي : نحتاج الدين لأنه يعطينا إجابات لأسئلتنا الحائرة (مثل من لماذا خلقنا ، وما الغاية من وجودنا وأين نذهب بعد الموت) .... بدون هذه الإجابات سيصاب الناس بالإكتئاب ويقدموا على الإنتحار بسبب عدم إحساسهم بقيمة حياتهم ... الإستنتاج ... نحتاج للدين بشدة لإعطاءنا إجابات لتلك الأسئلة .

منطقي (أنا) هو كالتالي :

• أولاً ... هناك مئات الملايين من البشر لا يؤمنون بالأديان ولا يؤمنون بالإجابات التي تقدمها لتلك الأسئلة الكونية الحائرة ، وهناك مئات الملايين من البشر ممن يعتنقون أدياناً لا تعطيهم إجابات واضحة لتلك الأسئلة الكونية (مثل الديانة البوذية التي لا تقدم تبريراً أو غاية لخلق الإنسان) ... ومن غير الثابت أن هؤلاء الذين ليس لديهم إجابات لتلك الأسئلة الكونية هم أكثر تعاسة من الآخرين أو أنهم مصابون بالأكتئاب بسبب إفتقادهم إجابات تلك الأسئلة الكونية .

بالنسبة لإحصاءات الإنتحار ، والإدعاء بان اللادينيين يعانون من التعاسة والإكتئات لذا هم أكثر إقبالات على الإنتحار !! ... فصحيح أن نسب الإنتحار في الدول الإسلامية قد تكون أقل من غيرها ، ولكن بالله عليك هل يقدم على الإنتحار شخص يؤمن تماما بأن الخلود في النار هو مصيره ، حتى ولو كان أكثر أهل الأرض تعاسة !!! ، لا يمكنك إطلاقاً القول بأن الإنتحار مكافئ للتعاسة وفقدان الهدف في الحياة ، لأن إحصائية الإنتحار هي غير معبرة ومشوهة بسبب دور الدين الذي قد يمنع الناس من الإنتحار إلا أنه لا يحول بينهم وبين التعاسة والإكتئاب .

ولعل إجمل ما قيل في ذلك هو قول المفكر الإنجليزي المشهور جورج برناررد شو ، والذي قال ( القول بأن المتدينين هم أكثر سعادة من غير المتدينين هو قول لا يختلف كثيراً عن القول بأن السكران هو أكثر سعادة من المستفيق) .


• ثانياً .... لو إفترضنا بأن الإسلام هو الدين الصحيح الذي يقدم أدق إجابات لتلك الأسئلة الكونية ، فسنجد أن إجابة الإسلام على سؤال الغاية من الخلق هو ليس فقط جواب غير قابل للإثبات ، ولكنه جواب غير منطقي ... وهو بالأحري ليس جواباً شافياً للسؤال .... فالخالق ليس بحاجة للبشر بالتأكيد ، وليس هناك أي علة واضحة تجعلنا نؤمن عقلياً (وليس نقلياً) بصحة الجواب الإسلامي بأن الله خلق البشر لعبادته .

وبخصوص هذه النقطة الثانية فقد راجعت كل مداخلاتك السابقة حولها ، فوجدت أن دفاعك يدور حول ثلاث محاور هي :

1. إستحالة إثبات خطأ الأجوبة الدينية على الأسئلة الوجودية ... ولكن يا عزيزي هذا قد يكون صحيحاً بالنسبة لسؤال مصيرنا بعد الموت وما إذا كان هناك حساب وثواب وعقاب بالشكل الذي وصفه الإسلام ، فليس في وسع أحد إثبات صحة أو خطأ ذلك ....

ولكن ... بالنسبة لسؤال لماذا خلقنا الله وهل خلقنا لعبادته ... فقد بينت في أكثر من مداخلة وجه اللامعقولية أو الخلل المنطقي في تلك الإجابة الإسلامية ... وحتى لو إفترضنا إستحالة نفي صحة تلك الإجابة ، فهي على أقل تقدير إجابة غامضة أو غير شافية لا تشبع ولا تغني من جوع (مثل جواب سؤال لماذا صنع الإنسان الساعة بالقول بأنه صنعها لكي تدور عقاربها !!! )

إثبت لي (بدون الرجوع للنص الديني) منطقية أو معقولية أن يكون الله قد خلقنا لعبادته .... فإن لم تستطيع ولن تستطيع ، فأعلم بأن الأديان لا تعطي جواباً شافياً لسؤال لماذا خلقنا الله ولا تقوم بالوظيفة التفسيرية التي تبرر حاجتنا لتلك الأديان .

الشخص الذي لا يفكر في هذه المسألة بعمق سيقبل تلك الإجابة الإسلامية يتسليم تام ويقول سمعنا و أطعنا ، ولكن الشخص الذي يحكم عقله في تلك المسأله لن يستطيع قبول تلك الإجابة ... فهل يعني ذلك بأن الوظيفة التفسيرية للدين والإجابات الدينية لتلك الأسئلة الكونية معني بها فقط من لا يحكمون عقولهم ويقبلوا النص الديني بدون تساؤلات !!!

2. وقلت أنت كذلك بأن (اللادينية لا تمتلك الميكانيزمات والآليات التي تخولها الخوض في إثبات صحة هاته الأجوبة من عدمه ، ولا تستطيع أن تقدم أجوبة بديلة) ... ولكن هذا كلام مردود ، فاللادينية ليست طرفاً في هذه المسألة ... فالنزاع هنا هو بين المنطق واللامنطق ، وبين ما يقبله العقل وما لا يقبله العقل ... والعقل والمنطق لا يقبلان القول بأن الله قد خلقنا لأجل عبادته فيما أنه غني عن عبادتنا (فلا يوجد كائن عاقل ومنطقي يقوم بصنع شئ لأجل غاية هو غني عنها) ، وهذا القول (بأن الله خلقنا لعبادته) وإن لم يكن قابل لإثبات خطأه المنطقي فهو على أقل تقدير قول لا يقدم إجابة شافية لسؤال لماذا خلقنا الله .

3. الدفاع الثالث الذي إستخدمته أنت (لنفي عدم منطقية القول بأن الله قد خلقنا لعبادته) هو عبر محاولتك التأكيد على أن للعبادة مفهوم شمولي ، وأن الله ليس في حاجة لنا ؟؟؟؟ وهذا ليس دفاعاً صائباً ، فأنا عندما أتحدث عن العبادة إنما أعني العبادة بمفهومها الشمولي أيضاً ، ويبقى السؤال الحائر (لماذا يريدنا الله أن نعبده بالمفهوم الشمولي للعبادة) ، ومن ناحية أخرى فإن غنى الله عن البشر هو نقطة ضد دفاعك وليس لصالحه ، فإذا كان الله في غنى عن البشر (وأنا أعلم ذلك تماماً) فلماذا يريدنا أن نعبده ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وخلاصة كل ما تقدم هو أن الأديان لا تقدم إجابات شافية لأسئلة البشرية الحائرة ، (يستثنى من ذلك بالطبع البشر الذين لديهم الإستعداد لقبول تلك الإجابات بدون تساؤل أو فحص لمدى صحتها أو قدرتها على إجابة تساؤلاتهم بشكل منطقي) .

مشرف 10
05-26-2012, 10:32 PM
مثل الديانة البوذية التي لا تقدم تبريراً أو غاية لخلق الإنسان
البوذية هي ديانة كما ذكرت أنت فبوذا عندهم هو ابن الله، وهو المخلّص للبشرية من مآسيها وآلامها وأنه يتحمل عنهم جميع خطاياهم ، ولهذا يصلي البوذيون لبوذا ويعتقدون أنه سيدخلهم الجنة. والصلاة عندهم تؤدى في اجتماعات يحضرها عدد كبير من الأتباع.
وباختصار وحتى لا يطول بنا المقام مع الديانة البوذية نقول : أن هناك قسمان للديانة : الأول شمالي ويشمل الصين واليابان وهؤلاء رفعوا بوذا إلى درجة الألوهية والثاني : جنوبي ويشمل الهند وسيريلانكا وغير هذه الدول وهولاء أقل غلواً من الأولين ومعتقدهم كما يقول أحد من عقد معه حوار سابقاً وهو بوذي عربي اعتنق البوذية كما يقول : فلا يوجد أخي الكريم عندنا خالق للكون و الماء و الشجر و الذي بالتالي يجب أن تكون العبادة له و لا يوجد اله خالق عندنا (أرجو أن الصورة اتضحت قليلا)
فالآلهة عندنا هي مجرد كائنات أو موجودات أعظم منا تعيش في عالم آخر و هي لا تخلق بل قد تكون من البشر سابقا لكن ولدت في هذا العالم بسبب الأعمال الخير التي تعملها لكنها لم تصل بعد الى النيرفانا ( السعادة الحقيقية و هي التي يجب أن تكون هدف كل انسان) لذلك قد تعمل إحدى هذه الآلهة أعمال شريرة فتتراجع للوراء فتولد كإنسان و هلم مجرة.. و لها طبعا قدرات محدودة مثلا أن تطلب منها مساعدك في حياتك اليومية لكن لا أن تطلب منها الخلاص فالخلاص بيدك و مفتاحها الكارما(الأفعال و ما ينتج عنها)
و كلنا سنصبح آلهة و نمر بهذه المرحلة و كلنا سنصبح في النهاية بوذا و هكذا أرجوا أن تكون الصورة وضحت و أنا لست كاهن أنا مجرد شخص عامي أتمنى عمل الخير و أكتفي بالإتزام ببعض التعاليم مثلا عدم السرقة و القتل و الكذب حتى أولد من جديد في حياة و عالم يسهل فيه الوصول بالتالي الى النيرفانا ....
متابعة إشرافية بخصوص البوذية

مشرف 10
05-26-2012, 10:38 PM
فثبت أن عند البوذية مبدأ بغض النظر عن كونه أسطورة وتخريف وضلالات ولكن تدينهم حتى وإن كان البعض منهم لا يؤمن بالآلهة التي خلقت الكون يجعل عندهم غاية وهدف لكي يصبحوا آلهة فيما بعد -نعوذ بالله-
هذا ونرجو من الزميل الربوبي أن لا يغفل أي نقطة من النقاط التي أثارها محاوره في مداخلته الأخيرة وأن يعلق على جميع كلامه حتى لا نطالبه بالرد فيما بعد ...

ابن عبد البر الصغير
05-27-2012, 04:18 AM
المرجوا من الزميل الربوبي ألاّ يضع تعليقا حتى أستكمل ردي على مداخلته، لأني انشغلتُ عن المناظرة في الأيام الماضية وسأتفرغ لها ابتداءا من الأسبوع المقبل .

ولن أسمح بالقفز عن الإلزامات، فقد صبرتُ عليك بما فيه الكفاية حتى وقعنا في التكرار.

ابن عبد البر الصغير
05-28-2012, 05:29 PM
أذكر القارئ الكريم أننا أثبتنا تلبيس الزميل الربوبي في مناظرته، واقتطاعه وتدليسه على معاني الروابط من الموسوعات، الشيء الذي يُسقط مصداقية الزميل جملة وتفصيلا، وإن دلَّ على شيء فهو يدل على إفلاس الفكر اللاديني من أي شيء يعضد معتقداته . والسبب الأصلي في طول المناظرة هو نزوع الربوبي إلى حيل التناظر من انتقائية في الردود والإجمال، ورد البديهيات العقلية بجرة قلم، ومخالفة القواعد المنطقية المتفق عليها بين العقلاء وخرقها، وقد ختمها وختامه مسك، بالتحريف والتدليس والتلبيس .

وقد أثبتنا ولله الحمد أن الباحثين المعتبرين في علم النفس والاجتماع قد توافقوا على مسألة فطرية الأديان في البشر، ولم يخالفهم في ذلك إلا الزميل الربوبي - وخلافه لا يُعتبر -، لأن من مقتضى الخلاف أن يكون المُخالف أعلم أو في درجة علم من يُخالف، أو على الأقل يكون مشهودا له بالصنعة والاجتهاد فيها . أما حال الزميل البعد التام عن العلوم الإنسانية، وعلوم المنطق -باعترافه -.

يختم صاحبنا المحور الثاني من مداخلته برأي الفلسفة، هذه الأخيرة لا نعتبرها فيصلا في الوقائع لأن منهجها مناقض تماما لآليات اشتغال علم النفس والاجتماع القائمَين على البحث الميداني عوض التأمل العقلي المهم نستكمل :


وكذلك الحال بالنسبة لل " innatism " ... لم يقل عالم أو فيلسوف واحد بأن التدين هو من ضمن تلك ال" innatism " والرابط التالي يؤكد ذلك ..

http://en.wikipedia.org/wiki/Innatism


وانظروا إلى الجرأة التي يتصف بها الزميل، في قوله لا يوجد فيلسوف واحد يقول بأن التدين ضمن Innéisme، ولا أدري لماذا لم يترجمها الزميل إلى العربية، فالمصطلح يعني الفطرة، أو الفطري، ولتقريب القارئ من المفهوم فالفلاسفة يقولون بأن الإنسان يولد بأفكار فطرية ..
الرابط مرة أخرى لا يناقش فطرية التدين بشكل مخصوص، بل معضلة فلسفية في هل المعرفة العقلية فطرية أم مكتسبة، بمعنى هل العقل عند الولادة صفحة بيضاء أم يتضمن بعض الأفكار، وفي ظل صمت الأطفال الرضع عن هذه المعضلة تبقى المسألة بين أخذ ورد . :):

وهم لا يتحدثون عن الجوانب العاطفية النفسية في الإنسان بل يناقشون الموضوع بارتباطه بالمعرفة العقلية.

وبرجوعنا إلى الرابط اتضح لنا تدليس آخر وتلبيس ففي فقرة واضحة تقول الموسوعة :

Innatism is invoked to explain how we can have knowledge of certain propositions that seem to go beyond experience, either (i) because of its universal applicability, or because (ii) its subject matter transcends experiential reality. Examples of the notions include:
Ethical truths
The notion of causality, that all events have a cause
Notions of good and evil
Logical and mathematical truths
Metaphysical notions concerning transcendent objects like God or souls
Avoidance of hazards (such as heights or potential sources of contagious disease)

فتأملوا، الرابط صراحة يعطي أمثلة عن الأفكار الفطرية في الإنسان :

1- الحقائق الأخلاقية .

2- السببية .

3- الحقائق المنطقية والرياضية .

4- الميتافيزيقا وهي مفاهيم ما وراء الطبيعة كالله والروح ...

5- تجنب المخاطر .

فلم يكف الزميل الربوبي عارضتين واضحتين تدلان على الدين، وهي الميتافيزيقا ومفهوم السببية أي لكل موجود مسبب .

نستكمل مع الموسوعة وكشف تلبيس الزميل:

ALthough individual human beings obviously vary due to cultural, linguistic and era-specific influences, innate ideas are said to belong to a more fundamental level of human cognition. For example, the philosopher René Descartes theorized that knowledge of God is innate in everybody as a product of the faculty of faith.

ثم تذكر الموسوعة آراء الفلاسفة التجريبيين أي الذين أقحموا منهج العلم التجريبي في الفلسفة - مرحلة انتحار الفلسفة كما سماها بعض الفلاسفة - فيقولون بأن أي معرفة إنسانية هي نتاج التجربة، ويكفينا إحالة القارئ إلى نقض إدموند هوسرل لهم مع هايدغر .

ثم يتجاهل الزميل الربوبي نقض الموسوعة لكلام التجريبيين عبر الاستشهاد بمواقف لايبنتز ونعوم تشومسكي لكي يستمر في سياسة التلبيس على القارئ .

نأتي إلى كلام الربوبي مرة أخرى لكي نكتشف تدليسه :


أقوال علماء آخرين ممن أنكروا وجود غريزة التدين مثل البروفسور لويس ولبرت Lewis Wolpert


الزميل الربوبي جاء بموقف وولبرت في محور الفلاسفة، فمن هو هذا الرجل ؟ بكل بساطة لا ناقة له ولا جمل في علم الفلسفة بل هو رجل ملحد متخصص في البيولوجيا كاره للديانة المسيحية لا أقل ولا أكثر . ومن كان هذا حاله لا يُقبل في الأصل تحكيمه، خاصة وأن غريزة التدين قال بها علماء اجتماع ونفس وفلاسفة ليسوا متدينين.

أما أنتوني كليفورد غرايلين ففيلسوف ملحد، متعصب لإلحاده، فلسفته قائمة على تسويغ معتقدات الإلحاد ومقاومة نداءات الإيمان حتى يضمن الملحد الراحة النفسية بإلحاده، وهو مدرسة واحدة مع ولبرت وداوكنز وغيرهم من المعاصرين الملحدين . والعبارة التي اقتطفها الزميل الربوبي هي مجرد عنوان مقال له يحاول الرد فيه على أحد المرموقين وهو عالم النفس والأنتربولوجي جاستين باريت - يعني ابن الميدان - له كتاب قصم ظهر الملحدين جميعا من المعاصرين اسمه " لماذا كل شخص سيؤمن بالله "، ومنذ صدور الكتاب أصبح عدوا رسميا للملاحدة الغربيين .

نرجع إلى موضوعنا، قلتُ بأن المقال الذي احتج به صاحبنا اللاديني بدوره احتج كاتبه على دراسة قام بها جاستين باريت على عينة من الأطفال استخلص خلالها بأن الأطفال المدروسين يؤمنون بالله فطريا وبدون تدخل أهلهم في مرحلة عمرية معينة، وقد جعل دراسته في كتاب صدر في شهر مارس أسماه Born Believers: The Science of Children's Religious Belief
والجميل في هذا الكتاب أنه يُعتبر ثاني ضربة قاصمة للإلحاد وأهله من طرف الكاتب، وقد استشهد بدراسات لعلماء نفس آخرين كلهم استنتجوا ذلك من خلال مراقبة سلوكات الأطفال ودراستها، منهم مارغريت إيفانس، ديبورا كيلمين، بول بلوم، إيما كوهين وغيرهم ...

فتصور معي دراسة إمبريقية واقعية تجريبية مسنودة بدراسات أخرى واقعية لعلماء آخرين يأتي الفيلسوف الملحد الذي لم يستند على طفل واحد بله عينة من الأطفال ويطلق العنان لهواه بل يجانب المناقشة العلمية ويدخل في جرح لشخص العالم المرموق ذاك !!

فشخص يقرر نظرياته بما أفتاه هواه، والثاني يؤسس نظرياته على دراسات ميدانية أيهما أحرى أن يُصدق ويتَّبع ؟

ومن هنا نرى بأن استشهاداتك كلها سقطت وذهبت أدراج الريح و تورطت حين تبغي الخلاص ودخلت إلى مستنقع لا قبل لك به.

يتبع في بيان تناقضات الزميل .

الربوبي
05-29-2012, 06:08 AM
هذه ليست مداخلة ولكنها مجرد إستدراك لغرض حفظ الوقت وتحقيق تقدم سريع في الحوار ، فأرجو من الزميل المعذرة على كتابة هذا التعليق قبل فراغه من مداخلاته

فقط أحب تنبيه الزميل الفاضل إلى أنه حتى الآن لم يذكر عالماً أو باحثاً واحداً أشار بشكل واضح إلى أن هناك شئ إسمه غريزة التدين ... راجعت كل مداخلتك عدة مرات فلم أراك تذكر ما يدعم قولك بأن هناك شئ يسمى غريزة التدين سوى ما ورد في موسوعة لاروس ... وبالطبع أنا لم أتمكن من معرفة السياق الذي أشارت فيه الموسوعة لغريزة التدين أو شكل الصياغة التي تمت بها تلك الإشارة وما إذا كانت صياغة علمية ، أم أدبية أم مجرد إقتباس لجهلي باللغة الفرنسية .

بخلاف ذلك ذكرت قول عن من أسميته بعالم الإجتماع (يوسف شلحت) ... ولم أجد له ذكراً سوى أنه كان مدرس لغة فرنسية في مدرسة راهبات ، عاش في سوريا في أوائل القرن الماضي ، وقد كان مهتماً بعلم الإجتماع الديني وألف فيه بعض الكتب !!! ودعك من مصداقية أو مستوى الرجل العلمي ... فلنأخذ قوله الذي أوردته أنت ... فهو يقول


(فالعبادة كما رأينا من الأمور التي لا تنبو عنها نفس الإنسان وطبائعه، فهي تمده بالقوة الروحية، وتمنع اليأس عن التسرب إلى قلبه، والديانة خير رادع للمرء عن المنكرات، وفيها من التعاليم والأقوال الجميلة ما هو جدير بأن يحفظه كل إنسان ويعمل به. زد على ذلك أن الديانة لا تذهب من مجتمع إلا لتحل مكانها خرافة تكون أشد منها سيطرة على حرية الأفراد وشعورهم الذاتي كما في تأليه الدولة مثلا)

الكلام كما هو واضح ذو صياغة أدبية محضة وهو كلام فيلسوف أو مفكر وليس كلام عالم ... ناهيك عن أن تحيز الرجل واضح في كلامه ، وحتى إشارته إلى الغريزة الدينية (باللون الأحمر) جاءت باهته وغير علمية .

وبما أنك ترفض إقتباساتي من الويكيبيديا والإنسايكلوبيديا ، وترفض أقوال مفكرين أوردتها أنا بحجة أن أصحابها ملحدين ، فيحق لي بالمثل أن أرفض قول هذا المدعو "شلحت" ... أما القول الآخر الذي أوردته "لهنري برجسون" فليس فيه البتة ما يشير إلى أن التدين غريزة .

ما اريده من يا عزيزي في مداخلتك القادمة هو أن تذكر لي عالم نفس واحد مذكور في سياق أحد كتبه أو أحد أبحاثه رأياً علمياً يشير فيه لوجود ما يسمى بغريزة التدين ... ولي مطلب آخر هو أن يكون ذلك الرأي مذكور في القرن العشرين على الأقل وليس قبل ذلك ... حتى أستطيع أن أثق في علميته ذلك الرأي .... وخذ وقتك تماماً .

ملحوظة أخيرة : علم الإجتماع ليس مخولاً للبت في مدى وجود غريزة دينية أم لا ، فهذه وظيفة علم النفس ... علم الإجتماع يحق له فقط أن يقول لنا بأن الدين ظاهرة إجتماعية ، ويحاول دراساتها في نطاقها الإجتماعي ... وقد سبق لي بيان أسباب إنتشار ظاهرة التدين في المجتمعات القديمة ، ولي مزيد من التوضيح حول هذه النقطة .

تحياتي

ابن عبد البر الصغير
05-30-2012, 01:14 AM
الزميل الربوبي لن أنظر إلى مداخلاتك اللاحقة حتى أجيب عن ما تبقى من محاور مداخلتك، وقد خالفتَ الاتفاق وأحلتني على روابط مما اضطرني إلى قراءة كل المقالات المشار إليها من ألفها إلى يائها، هذا ناهيك على أني لن أقبل منك إحالات دون مصادر مطلقا لما ظهر من سقطات واحتيالات تستعملها .. وكلما ازددتَ تعليقا كلما أغرقت في المستنقع .

ومحاولة الهروب إلى الأمام للتملص من الإلزامات لن أقبل بها في هذه المرحلة من مناظرتنا، وسأضطر إن بقي هذا حالك إلى طلب تدخل الإدارة للفصل بيننا .

بالنسبة لمسألة الاحصائيات في ما يخص ظاهرة الانتحار فأطالبك بمصادرها ثم بعد ذلك ننظر في كلامك .

أما بخصوص ديانات الشرق فهي تعرضت للتحريف في بيانها للناس من لدن المستشرقين مثلها في ذلك مثل تناولهم للدين الإسلامي، وكل الديانات التي ذكرتها لها فلسفتها الخاصة في الإجابة عن الأسئلة الوجودية، أما البوذية فقد سبق وقلنا أنها وقعت في سوء فهم من عدد من المستشرقين والكتاب الغربيين، لهذا علم مقارنة الأديان والمذاهب لا يعتمد بالأساس في معاهده العليا على كتابات المستشرقين، بل يعتمد على مؤلفات المنتسين لها وكتب الأديان المقدسة . مثله في ذلك مثل علم الاجتماع الذي لا يعتمد على كتاب الحقبة الكولونيالية .

البوذية أيها الزميل مذاهب عديدة، المنتشر منها من تعتبر بوذا إلها كاملا، ثم يأتي بعدها المذهب الذي يعتبره نصف إله، ثم المذهب الثالث الذي يعتبره أرقى من اللآلهة بل هو كبيرهم، ولم أصادف مُطلقا مؤلفا شرقيا منتسبا للبوذية قال بعدم ألوهيته، إنما ذلك منتشر في كتابات الغربيين ... بل منهم لكي يرضي هواه يتحسر على أن الأتباع ضيعوا أصل البوذية التي كانت لا تعترف بإله، وأن البوذية في الأصل كانت كذا وكذا ثم دخلت عليها البدع فأصبحت كذا وكذا . والحق أنهم كانوا يريدون بوذية غير ألوهية حتى يسوغوا عدة نظريات فلسفية إلحادية، حتى جاء علم مقارنة الأديان الذي ضرب بكل تلك الكتابات عرض الحائط .

ولكي نخرج من هذا الجدال فبوذا نفسه قرر في Lalitavistara Sutra أنه رب الأرباب وإله الآلهة : " أنا الإله الذي فوق الآلهة، وأفضل من كل الآلهة، لا يوجد إله مثلي، وكيف يمكن أن يوجد من هو أكبر ؟ " .

وكتب الراهب البوذي الياباني سوكي ساساكي في كتابه The Zen Eye الذي خصصه لتعريف الناس بالبوذية الآتي : "القوة التي خلقت الكون ليست هي الإنسان، بل هي بوذا، الذي يسمع والذي يرى ليست العين والأذن، بل هو الوعي، الذي هو بوذا، وهو يظهر في روح كل شخص، ومشترك لدى جميع الموجودات، هذا الشيء هو الله "

ثم يكتب راهب آخر هو روشي شاكو : البوذية ليست إلحادا، بالمعنى المعروف المعاصر للإلحاد، بل الله موجود، وهو الحق والحقيقة الأسمى التي من خلالها يوجد هذا الكون كله، لكن المتدينين البوذيين يتحاشون تسميته بالله حتى لا يقلدوا المسيحيين في ذلك، لأن الله في المسيحية ليس نفس الإله في التجربة الروحية البوذية .. بل نحن نسميه الدهارمكايا الذي بدوره يرتقي فيصبح التاثاكاطا " - خطباء بوذا -

ثم نأتي إلى سفر مقدس عندهم واسمه الطانطارا كولايراجا وتعني " الملك الخالق لكل شيء "، يقول على لسان بوذا : "أنا في قلب كل شيء موجود. أنا بذرة من كل شيء موجود. أنا السبب في كل ما هو موجود. أنا جوهر كل شيء موجود. أنا أساسا من كل ما هو موجود. أنا أصل وجوده. أنا مركز لأنني أحتوي على كل الظواهر، والبذور، لأنني ولدت كل شيء، والسبب لأن كل شيء يأتي مني، والسبب الجذري فأنا كل شيء"

وتكفينا هذه النصوص حتى نقطع دابر الجدال، ففي كل أسفار البوذية المقدسة لدى الطوائف توجد ادعاءات بالألوهية وغيرها وعلى من يقول العكس أن يستشهد بكتب القوم، هذا ناهيك عن طقوس القوم العبادية .

وهب تنزلا في الجدل معك نعتبر البوذية ليست ديانة ألوهية، فهذا لا ينفي إجابتها عن الأسئلة الوجودية بطريقتها الخاصة، وفلسفتها التي ارتضاها أتباعها، مع أننا ننبه إلى أن تعريفات كثيرة تضفي تعريف الديانة على من لا يعتقد وجود الله حتى، بل يقول أن الدين هو مجموعة من المعتقدات والسلوكات التي تنعكس على الفرد ويعتنقها لتبرير غايات وجوده في الكون . فتكون اللادينية دينا والإلحاد دينا وهكذا دواليك .

يُستكمل ...

ابن عبد البر الصغير
06-01-2012, 02:13 PM
أما مسألة نسبة اللادينية العطالة لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا، فهي ليست مما تم الاتفاق عليه وحصره في هذا الجزء، بل أثير في جزء سابق ولربما يأتي بيانه في مرحلة لاحقة، فقد اتفقنا على حصر النقاش حاليا حول وظائف الدين ومدى تلبية اللادينية لانتظارات الإنسانية . وعموما سأعلق على كلامك باختصار حتى أقطع دابر القيل والقال :


فهل يعني كلامك هذا بأنك تعتقد أن الله ليس له شاغل سوى مراقبة البشر والتدخل لضمان سير الأمور بشكل صحيح على كرتنا الأرضية !!! ... من وجهة نظري فإن كلامك هذا يحوي إساءة بالغة للذات الإلهية ، ويتضمن تصور غير صحيح عن الخالق العظيم ... فليس لأحد من البشر أن يدعي معرفته بما يقوم الله بعمله أو مجال عمله أو إختصاصاته ... وبغض النظر عن كل ما تقدم ... هل تستطيع أن تجزم بأن العطالة تعتبر نقيصة في حق الذات الإلهية !!!

حتى أفسر لك أكثر أيها الزميل، فأنتَ تدين بمذهب لاديني غير مشتهر بالمرة، فاللادينية فيها تياران كبيران مشهوران، اللادينية كما اشتهرت فلسفيا في عصر فلاسفة الأنوار حيث قعدها فولتير جون جاك روسو وكانط وغيرهم، هؤلاء لم ينكروا مطلقا مبدأ الرعاية الإلهي وغيرها مما تسميه "التدخل الإلهي"، بل قالوا بإمكانية الاتصال بالإله عبر العقل أو الصلاة. ثم استقر الأمر على مذهبين عريضين :

- مذهب اللادينيين الانجليز بزعامة نيوتن لا ينكرون مطلقا المبدأ غير أنهم يحصرونه مقارنة مع المدرسة الثانية .

- مذهب اللادينيين الفرنسيين والألمانيين بزعامة الفيلسوف الفرنسي مالبرانش والفيلسوف الألماني لايبنتزر القائم على أن الإله مطلق الألوهية والربوبية يحكم العالم بحكمة وعلم ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة .

وراجع في ذلك" موسوعة العلوم والفنون والمهن "مقال الدكتور لابي ماليت من جامعة السوربون، او كتاب "إله الفلاسفة اللادينيين" لبرنارد سيف.

وغرضي من ذلك بيان أنك تناصر قول مذهب شاذ من مذاهب اللادينية، حيث أنك وضعت نفسك في مآزق عديدة خالفتَ معها مقتضى العقل والفطرة والواقع الإمبريقي والحقائق الجلية الظاهرة، فإسلاميا الله عز وجل يقول في محكم تنزيله { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } .. ويقول في موضع آخر { يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } وغيرها من الآيات، فكلُ باقٍ محتاج إلى أسباب بقائه وصلاح أحواله فهم في حاجة إلى الخالق العظيم هذا الاحتياج عام في أهل الأرض وأهل السماء. فالجميع يسألونه سبحانه، فهو تعالى الذي يأمر وينهى ويحيي ويميت ويعطي ويمنع،و أنه تعالى كل يوم يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع أقواماً ويضع آخرين - كما في الحديث- .. يقول سيد قطب في هذا الصدد : "وهذا الوجود الذي لا تعرف له حدود، كله منوط بقدره، متعلق بمشيئته، وهو قائم بتدبيره. هذا التدبير الذي يتناول الوجود كله جملة؛ ويتناول كل فرد فيه على حدة، ويتناول كل عضو وكل خلية وكل ذرة. ويعطي كل شيء خلقه، كما يعطيه وظيفته، ثم يلحظه وهو يؤدي وظيفته. هذا التدبير الذي يتبع ما ينبت وما يسقط من ورقة، وما يكمن من حبة في ظلمات الأرض، وكل رطب وكل يابس. يتبع الأسماك في بحارها، والديدان في مساربها، والحشرات في مخابئها. والوحوش في أوكارها، والطيور في أعشاشها. وكل بيضة وكل فرخ. وكل جناح. وكل ريشة. وكل خلية في جسم حي.وصاحب التدبير لا يشغله شأن عن شأن، ولا يند عن علمه ظاهر ولا خاف. "

فهذا جزء فيما نعلم والله أعلم بما لا نعلم ... فكل هذا حسب مذهبك غير موجود.

والعطالة نقيصة وظلم بعد خلق الخلق وذلك من وجوه :

- أن مقتضى الحمد إثبات كمال الحكمة فالخلق حسب مذهبك خُلق عبثا، وتُرك سُدى، لا آمر لهم، ولا ناهي يزجزهم، وهذا مناف للمقتضى .

- أن مقتضى الألوهية أن يكون مطاعا معبودا، ومن بنود العطالة -انه تعالى عن ذلك - لم ينزل دينا فلم يكن مطاعا معبودا .

- مقتضى الرحمة أن يرعى شؤون البشر ويعطي كلا سؤله وكلا حاجته ويعرفهم بنفسه ويدلهم على ما يقربهم إليه .

- مقتضى الربوبية أن يكون آمرا للعباد وناهيهم، محاسبهم في الدنيا كما في الآخرة، رافعا الظلم عن أقوام مذلا الظالمين قاصما للجبابرة ناصرا للضعفاء، فلماذا تسميه ربا أيها الربوبي ؟

- مقتضى الملك أن يكون متصرفا قولا وفعلا في خلقه وكونه، وقولك بالعطالة مناف للمقتضى .

- كونه مستعانا معينا، فقولك بالعطالة مناف لمقتضاها .

- كونه هاديا .

- كونه مسئولا .

- أن المدارس اللادينية المشتهرة فهمت المقتضيات واسنشنعت الفكرة وجعلتهم يقعدون الفكرة ويلتقون مع الأديان فيها .

وهناك وجوه أخرى وتفصيلات لنقض هذا المسلك غير أنه ليس مبحثنا الحالي، ولم يبق لنا إلا مداخلتك الأخيرة الالتفافية لنعلق عليها ونذكرك بما جاء من إلزامات .

ابن عبد البر الصغير
06-08-2012, 10:54 PM
التعليق على المداخلة الالتفافية :


فقط أحب تنبيه الزميل الفاضل إلى أنه حتى الآن لم يذكر عالماً أو باحثاً واحداً أشار بشكل واضح إلى أن هناك شئ إسمه غريزة التدين ... راجعت كل مداخلتك عدة مرات فلم أراك تذكر ما يدعم قولك بأن هناك شئ يسمى غريزة التدين سوى ما ورد في موسوعة لاروس ...

والزميل لم يكتف بالتلبيس على القارئ في روابط الموسوعات بل تعداه إلى أن يشمل مداخلاتي مجتمعة، فالزميل قد ذكرناه بأن الباحثين من مختلف التوجهات يقرون بأن التدين فطري في الإنسان، وقد اصطلح عليه باحثون بالغريزة، وآخرون بالدوافع، وثالثون بالاحتياج .. كما أن نقولات أخرى جاءت من باب إثبات بعض أدوار الدين . لكن الزميل كعادته ينفي الواضح الجلي أمامه .

ولنرجع إلى المداخلات ونرى مدى صدق الزميل في دعواه - مع حذف النقولات حول أدوار الدين -:

فقد ورد في مداخلتي رقم 25 - التي كان عمودها الفقري إثبات أدوار الديانة - الآتي :


وقد سبق للفيلسوف شليماخر أن قرر بأن هناك وعيا بالقدسي مغروسا في النفس الإنسانية


وقد توسع الفيلسوف الألماني ردولف أوتو وقال بأن الدين جزء لا يتجزء من الطبيعة الإنسانية وموجود معها منذ الطبيعة.

المداخلة رقم 36 :


كما ان موسوعة لاروس العريقة قالت: "إن الغريزة الدينية مشتركة بين كل الأجناس البشرية حتى أشدها همجية، وأقربها إلى الحياة الحيوانية .. وإن الاهتمام بالمعنى الإلهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة .. وهذه الغريزة الدينية لا تختفي بل لا تضعف ولا تذبل، إلا في فترات الإسراف في الحضارة وعند عدد قليل جدا من الأفراد "

يقول هنري برجسون : "لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات، ولكنه لم توجد قط جماعة بغير ديانة "

المداخلة رقم 43 :


أن أبراهام ماسلو له كتاب مستقل اسمه : الأديان، المبادئ والتجارب " أقر فيها باحتياج الإنسان للدين وبدورها في ضمان الصحة النفسية للإنسان


والقاصمة التي ستقصم ظهر لادينيتك أيها الزميل الربوبي أن الدكتور ستيفن ريس الذي تحتج به، قد أخرج نظريته هذه بالأساس لكي يبين دوافع التدين عند البشر، فالدوافع الستة عشر الفطرية كلها تصب لصالح التدين، ونظريته هذه مشهورة في علم النفس الديني فصباح الخير مرة أخرى أيها الزميل الربوبي، وتفضل رابطا يتحدث عن هذه النظرية :

http://researchnews.osu.edu/archive/religdes.htm

وفي الرابط تصريحات للرجل حول نظريته .

المداخلة رقم 48 :


جاستين باريت على عينة من الأطفال استخلص خلالها بأن الأطفال المدروسين يؤمنون بالله فطريا وبدون تدخل أهلهم في مرحلة عمرية معينة، وقد جعل دراسته في كتاب صدر في شهر مارس أسماه Born Believers: The Science of Children's Religious Belief
والجميل في هذا الكتاب أنه يُعتبر ثاني ضربة قاصمة للإلحاد وأهله من طرف الكاتب، وقد استشهد بدراسات لعلماء نفس آخرين كلهم استنتجوا ذلك من خلال مراقبة سلوكات الأطفال ودراستها، منهم مارغريت إيفانس، ديبورا كيلمين، بول بلوم، إيما كوهين وغيرهم ...

كما أن الباحثين المعتبرين اتفقوا على احتياج الإنسان للدين لكنهم اختلفوا في التعبير عن هذا الاحتياج كما سبق بيانه، والزميل الربوبي ينفي الأسئلة الوجودية وتشوف النفس إلى إشباع معرفتها، كما ينفي احتياج الإنسان إلى الدين، إضافة إلى وظائف الدين الضرورية في حياة البشر.

وأضيف بعض العلماء من أهل التخصص ممن قالوا بغريزة التدين :

كتب الدكتور عبد الله الشهري الآتي :

الباحثون المتخصصون في دراسة التدين من ناحية نفسية كُثُر ومنهم مايكل بافارد (1973) - Michael Paffard - والذي يعتقد بناء على نتائج دراساته أن هناك أصلاً غريزياً للتجاوب مع الخبرة الدينية. ونقلاً عن Ralph Hood :

He (Paffard) suggested that children have an innate capacity to experience the numinous that gradually dissipates as they become more involved in the secular world

Handbook of the Psychology of Religion and Spirituality, edited by Raymond F. Paloutzian, Crystal L. Park, 2005, The Guilford Press, London, p. 357.

ثم بعد ذلك بأسطر يكمل Ralph فيقول:

Thus, in more secular cultures one could argue that an innate ability to experience the numinous is possible but is likely to decline without cultural support. Hoffman’s (1992) collection of spiritual and inspirational experiences in childhood also supports his claim
(نفس المصدر: ص358)


Conversely, Glass, Bengtson, and Dunham (1986) showed that the spirituality of children from nonreligious homes was often higher than that of their parents, and that the child’s spirituality may impact adults as readily as the reverse, implying that the origin of childhood spirituality is not entirely a socialization process, but could be either innate or an extension of other types of supernatural thinking. With respect to possible innateness, there is empirical support for the notion of inherent spirituality or religiosity, especially concerning the construct of personal devotion. Kendler and colleagues’ (1997) study found that the dimension of a personal sense of connection to God correlated moderately (r = .33) with close adherence to a religious creed and weakly (r = .18) with religious denomination, suggesting that a strong spiritual connection to God exists both within and outside communal religious observance
(نفس المرجع: ص466)

قلتُ : وهذا نقل ثمين أتحفنا به الدكتور عبد الله، وأضيف الآتي :

- عالم النفس والنوروثيولوجي Andrew Newberg والدكتور Eugene G. d'Aquili ، والدكتور V. Rause قاموا بتجارب سريرية وبحوث ميدانية واستنتجوا بأن العقل مبرمَج للإيمان، وأخرجوا نظريتهم المشهورة في كتاب أسموه " لماذا لن يختفي الله .. حينما يَشرح العلمُ الدين" . سنة 2003.

- الأنثروبولوجي David Sloan Wilson أقر بغريزة التدين في كتابه Darwin's Cathedral . سنة 2002.

- عالم النفس Paul Bloom نزع إلى نفس المنزع في كتابه ? Is God an accident سنة 2005

وهؤلاء ينتمون إلى المدرسة التطورية ولم يستطيعوا إنكار الملموس .

- عالمة النفس Deborah Kelemen في كتابها Are children intuitive theist? نحت نفس المنحى . 2004

- الأنثروبلوجي وعالم النفس Pascal Boyer في كتابه Naturalness of Religious Ideas . سنة 1994.

- عالم النفس سيغموند فرويد قررها صريحة في أن التدين غريزة إنسانية في كتابه " مستقبل وهم" .

- عالم الاجتماع جون فرونسوا دورتيي أقر باحتياج الإنسان للدين في كتابه Pourquoi croit-on en Dieu ? سنة 2006 .

- عالم الإجتماع ويليام جيمس في كتابه " تنوع التجارب الدينية" أقر باحتياج الإنسان الفطري للتدين .

- عالم النفس Vassilis Saroglou في كتابه " التدين كثقافة " سنة 2010.

- عالم النفس Richard Wiseman قام بدراسة لجامعة هيرتفوردشيرت حول التدين فطري وانعكاساته على الشخصية.

- عالمة النفس لورا نومان في دراستها لصالح جامعة كاليفورنيا أيضا خلصت لنفس نتائج بحث ويزمان .

يُضاف هذا إلى ما جاء في المداخلة السابقة، ولو تتبعتُ الأبحاث والأقوال المنشورة فلن أفرغ لكثرتها .


بخلاف ذلك ذكرت قول عن من أسميته بعالم الإجتماع (يوسف شلحت) ... ولم أجد له ذكراً سوى أنه كان مدرس لغة فرنسية في مدرسة راهبات ، عاش في سوريا في أوائل القرن الماضي ، وقد كان مهتماً بعلم الإجتماع الديني وألف فيه بعض الكتب !!! ودعك من مصداقية أو مستوى الرجل العلمي ... فلنأخذ قوله الذي أوردته أنت

وهذا من التبخيس في حقه، فالرجل من أشهر علماء الإجتماع الديني العرب، ومصدر النقل هو كتاب " نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الديني" تحقيق الدكتور خليل أحمد خليل - الجامعة اللبنانية- .

والدكتور يوسف كان عضوا في المركز الوطني للبحوث العلمية بباريس، وأستاذا بجامعة السوربون الفرنسية، ومديرا لقسم العلوم الأنطولوجية !!! من كتبه :

- نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الديني.
- بُنى المقدَّس عند العرب قبل الإسلام وبعده.
- الذبائح عند العرب.
- أسس الحرام عند العرب .
- الحقوق في المجتمع البدويّ .
- المدخل لسوسيولوجيا الإسلام .



الكلام كما هو واضح ذو صياغة أدبية محضة وهو كلام فيلسوف أو مفكر وليس كلام عالم ... ناهيك عن أن تحيز الرجل واضح في كلامه ، وحتى إشارته إلى الغريزة الدينية (باللون الأحمر) جاءت باهته وغير علمية .

أما هذا فعجيب منك، والحق أن الدكتور يوسف من الباحثين الأقوياء أدبيا وذلك طافح في كتبه غير انها لا تعتبر نقيصة بل هي فضيلة في حقه، وتكفي مناصبه المرموقة حتى تعلم علميته .


وبما أنك ترفض إقتباساتي من الويكيبيديا والإنسايكلوبيديا ، وترفض أقوال مفكرين أوردتها أنا بحجة أن أصحابها ملحدين ، فيحق لي بالمثل أن أرفض قول هذا المدعو "شلحت" ... أما القول الآخر الذي أوردته "لهنري برجسون" فليس فيه البتة ما يشير إلى أن التدين غريزة .


شلحت هو أخوك في اللادينية أيها الربوبي وليس مسلما، بل هو مسيحي النشأة لاديني العقيدة لاحقا، وهو يدعوا إلى تبني المذهب اللاديني الذي قعَّدته المدرسة الفرنسية الألمانية، وألّف كتابه ذاك وهو لاديني، وقد اعتمد فيه على أكثر من تسعين مرجعا علميا . وبهذا سقط اعتراضك وذهب أدراج الرياح.

وعلماء النفس والاجتماع وغيرهم فيهم اللادينيون والمتدينون والملاحدة، ولم يمنعهم مذهبهم من الإنصاف والاعتراف بفطرية التدين .

ولم تأتِ لنا سوى باقتباسين يتيمين واحد عن بيولوجي ملحد، والثاني عن فيلسوف ملحد يرد على عالم نفس، أما الأول فليس من أهل التخصص بالمطلق، وأما الثاني فجاء رده مليئا بالهمز والنبز وهو أبعد ما يكون عن العلمية، ولك أن تقرأه بتجرد إن أحببتَ . ولك ان تدرس مقالاته وتعصباته للإلحاد .

والحاصل أن عالم النفس بنى أطروحته على مئات العينات من الأطفال المدروسين، كما ان بحثه وافق مئات البحوث النفسية والاجتماعية التي خلصت إلى نفس النتائج أما الفيسلوف الملحد فهو في برجه العاجي وكتبَ رده دونما ارتكاز على طفل واحد بله مائة !! ولهذا عالم النفس المعني لم يلقِ له بالاً، لأنه لا يستحق.

وكلام العلماء في مسألة فطرية التدين ليس معناه أن الإنسان مجبور على الدين، بل معناه أن كل ملحد غير متدين مخالف بالضرورة لمقتضى فطرته ونفسيته، وأنه واقع في الضنك ومشاكل تختلف باختلاف الأشخاص والاعتقادات، وهذا ما أثبته عالم النفس Vassilis Saroglou في دراسة تحمل إسم " التدين هل هو فطري ؟ " وفي كتابه التدين كتكيف ثقافي .. " سنة 2010 ، وأثبته في دراسة أخرى Richard Wiseman، وأثبتته Laura Naumann في دراسة ثالثة.

والخلاصة هي كالآتي :

* لم تستطع إثبات عدم احتياج الإنسان للدين والإيمان، لا من عقل صريح، أو منطق سليم، أو استنباط واقعي .

* لم تستطع الإتيان بقول عالم نفس أو اجتماع واحد ينكر فيه التدين واحتياج الناس له .

* دخلتَ في سياسة التحريف والتدليس والتلبيس على القارئ - التي أطالبك بان تعتذر له احتراما لعقله - .

وقد وقعتَ في خيارين أحلاهما مرٌّ :

- إما أن تُسَلِّم بأقوال العلماء في مسألة احتياج البشرية للأديان والتدين فتنقض بذلك غزل لادينيتك من أساسها .

- أو تبقى في سياسة التهرب وتصطدم بمسلمات العقل والفطرة وأقوال الباحثين والدراسات الواقعية المشاهدة والمقررة فتكون ضعيف الحجة وتظهر بلباس المعاندة .

فإن اخترتَ الأول ننتقل مباشرة بعدها إلى محور دلائل النبوة، وإن اخترتَ الثاني فعليك أن ترد على كل الإلزامات حرفا حرفا، وإلا فستنتهي المناظرة .

أسأل الله لك الهداية والسداد . والله المستعان لا رب سواه .

الربوبي
06-18-2012, 12:24 AM
الزميل إبن عبد البر ، الزملاء الأفاضل متابعي الحوار ... أهلاً بكم

بداية ومنعاً لتشتت الحوار وضياع غايته ، ألخص فيما يلي وجه الإختلاف بيني وبين زميلي إبن عبد البر

وفقاً لرأي الزميل وإعتقاده ، فلا يصح إلا أن يكون خالق الكون قد أرسل رسلاً للبشرية ، فالخالق العظيم لا يليق به أن يترك البشرية حائرة بدون رسل ورسالات تلبي حاجاتهم وتنير طريقهم لعمل الصواب وتجنب الخطأ .... ويستدل الزميل على صحة الرسل والرسالات (من ضمن ما يستدل به) بكون الأديان تؤدي وظائف عظيمة للبشرية (حسب إدعاءه) ، وهذه الوظائف برغم حاجة البشر الماسة لها ، فقد عجزت اللادينية عن أداءها ، وهذا يثبت الحاجة للأديان ... وحاجة البشر للأديان تثبت صحة تلك الأديان حيث لا يعقل أن يخلق الله حاجة لشئ ما فينا ، بدون أن يمنحنا ذلك الشئ .

ونظراً لتشعب الموضوع وعمقه ، فقد إتفقت مع الزميل على تجزئة النقاش ، وقد بدأنا حوارنا في جزءه الأول بالتركيز على ثلاثة إدعاءات أساسية ساقها الزميل الفاضل لإثبات صحة الرسل والرسالات وحاجة البشرية الماسة لها ، هذه الإدعاءات هي :

1) أن حاجة أو ميل الإنسان لمعرفة الخالق والتواصل معه (والخضوع له) ... هي حاجة فطرية طبيعية تلقائية في الإنسان (غريزة) ، وأن إشباع هذه الغريزة هو مطلب حيوي لا يستقيم حال الإنسان بدونه

2) حاجة الإنسان لمعرفة الغرض من وجوده على الأرض ومصيره بعد الموت هي حاجة ماسة أيضاً ، ولا هناء للإنسان بدون الحصول على إجابات لتلك الاسئلة الوجودية

3) بدون تبني الإنسان لهدف سامي (هدف يستمد شرعيته وسموه من الدين ومن الإرتباط بأوامر وتوجيهات الخالق) ، بدون تبني مثل ذلك الهدف فإن حياة الإنسان ستكون بدون معنى وبدون قيمة ، وسيقع ضحية العدمية .


وسأرد في هذه المداخلة على الإدعاء الأول فيما تتناول المداخلة القادمة الرد على الإدعاءين الآخرين

---------------------------------------------------------------

الإدعاء الأول : القول بأن التدين غريزة وبحاجة الإنسان الفطرية للتدين أو الخضوع للخالق وعبادته .

وتلخص النقاط التالية ردي على هذا الإدعاء:

---------------------------------------------------------------
أولاً (التدين هو نتيجة طبيعة وإنعكاس لبعض طبائع البشر وحاجاتهم ، ولكنه ليست غريزة أو فطرة) ...

فالبشر بفطرتهم السوية ومنطقهم البسيط يستطيعون إدراك وجود خالق لهذا الكون ... والإيمان بالله أو بالخالق العظيم للكون هو حقيقة منطقية يكتشفها الإنسان بسهولة كما يكتشف كل ما يحيط به من أشياء ومعاني (ولا يصح وصف ذلك الإيمان بالغريزة)

وعندما يدرك الناس وجود الخالق العظيم ، فليس من الصعب (بل من الطبيعي جداً) أن ينسجوا حوله الأساطير ...

ومن الطبيعي جداً أن يتقدم كل ذو مأرب شريف أو وضيع للتحدث بإسمه وإدعاء نيابته على الارض ...

ومن الطبيعي جداً أن يلجأ له الإنسان الضعيف أمام قوى الطبيعة طالباً نجدته وعونه ومستجدياً له لقضاء حاجاته وحمايته ، ومحاولاً تملقه عبر إظهار الخضوع والمذلة وتقديم القرابين وغير ذلك من المظاهر ... خصوصاً في الأزمنة التي كان الإنسان فيها غير قادر على فهم الآليات التي تسير قوى الكون وفقاً لها ، والتي غاب فيها العلم وسيطرت فيها الخرافة والاسطورة والتفكير اللامنطقي على عقول البشرية ...

وكل هذه الآليات التي ساهمت في نشأة الدين هي آليات طبيعية جداً إستخدمها البشر بغزارة (خاصة في الأزمنة الغابرة) ... فقد وجدت قديماً الأساطير والخرافات التي تحاول تفسير ما إستشكل على الإنسان القديم فهمه ولملأ الفراغ المعرفي الذي أحاط به فيما يتعلق بآليات عمل الكون ... ووجد السحرة والكهان والعرافين ممن إدعوا القدرة على الإتصال بالعالم الماورائي وإدعوا إمتلاك القدرة على حماية القبيلة وتحقيق حاجاتها لمعرفتهم بما يجلب رضا أو غضب الآلهة أو القوى الشريرة ... ووجدت عبادة الطوطم الذي كان يمثل غالباً شيئاً يمثل تهديداً أو سبب حياة للقبيلة ... ومن يرى أول الآلهة التي قدست على ظهر الارض فسيجد أنها لا تعدو أن تكون مظاهر كونية أو حيوانات كانت تخيف حياة القبيلة أو ما شابه ذلك ... ومن يرى الأشياء التي تعبدها أو تقدسها القبائل البدائية المكتشفة حديثاً فسيجد كذلك بآن آلهتها ومقدستها لا تخرج من نطاق ما يؤثر على وجودها من مظاهر طبيعة أو أرواح الأسلاف أو ما شابه ذلك .

---------------------------------------------------------------
ثانياً : مجرد تكرار ظاهرة التدين في المجتمعات البشرية لا يثبت صحتها ، فالإحتياج البشري وأنماط التفكير البشري القديمة التي أدت إلى نشأة الدين هي نفسها التي تولد منها الإعتقاد بالسحر والأساطير والطقوس والتشاؤم والتفاؤل وغيرها من الإعتقادات التي سادت في كل المجتمعات القديمة تقريباً

فالإيمان بالسحر ... الإيمان بإمكانية مسخ بعض الأشخاص إلى حيوانات ... الإيمان بقدرات فوق الطبيعية لبعض الأشخاص ، مثل القدرة على الطيران أو المشي فوق الماء أو علم الغيب الخ ... الإيمان بوجود بعض العبارات او التمتمات التي لها مفعول سحري خارق حال ذكرها أو تكرارها بعدد معين من المرات ... الإيمان بالأساطير التي تصف قدرة بعض البشر على التحدث إلى الحيوانات ... الإيمان بالأساطير التي تحكي عن وجود كائنات خرافية أو كائنات خفية .... التفاؤل أو التشاؤم ببعض الأشياء أو الأحداث أو الحيوانات أو الأرقام

كل هذه الإعتقادات والممارسات وجدت منذ فجر التاريخ ، وتكاد تشترك فيها جميع المجتمعات البشرية القديمة بدون إستثناء .... فهل يعني ذلك أنها غريزية أو أنها صحيحة ؟؟؟ هل يعني ذلك أن حياة البشر لا تستقيم بدونها ؟؟؟ بالطبع لا .... وكذا الحال بالنسبة للدين ، فمجرد وجوده منذ فجر تاريخ البشرية وشيوعه في كل المجتمعات القديمة لا يعني أنه غريزي أو فطري ... خصوصاً إذا أخذنا في الإعتبار بأن الدين لا يختلف كثيراً عن كل هذه المعتقدات ، بل نجد فيه مزيجاً متكاملاً منها ..

ولو أخذنا الإسلام كمثال ، فسنجد فيه الكثير من تلك الإعتقادات والممارسات القديمة ، سنجد فيه الإيمان بالسحر ، وبتحول بعض الأشخاص أو الأمم لحيوانات (خاصة بالنسبة لليهود الذين تحولوا إلى قردة وخنازير وفئران) ... وسنجد فيه الأساطير التي تتحدث عن أفعال خارقة (مثل قصص سليمان ويونس والتي لم تأتي في سياق إقامة الحجة على المكذبين أو إقناعهم كما هو المفروض في المعجزة وإنما جاءت في إطار سرد أسطوري بإمتياز) ... سنجد فيه الإيمان بالقدرة السحرية لبعض العبارات والتمتمات في حال ذكرها أو تكرارها لعدد معين من المرات (مثل التسبيح وتلاوة آيات معينة لعدد معين من المرات) ... سنجد الحيوانات تتحدث إلى البشر (الهدهد ، البقرة ، الجمل ، الذئب ، النمل ، الفرس كلها تحدثت مع البشر في القرآن أو الأحاديث) ... سنجد الكائنات الخرافية (في صورة الملائكة والشياطين ، وقوم يأجوج ومأجوج وغيرها) ... وكذلك الحال بالطبع في كل الأديان الأخرى بلا إستثناء .

---------------------------------------------------------------
ثالثاً : أقدم الممارسات الدينية للبشرية ، وكذلك أديان القبائل البدائية المكتشفه حديثاً هي افضل مقياس يمكن من خلاله معرفة ما إذا كان الدين غريزي أم لا ... ولكن بالكشف على تلك الاديان البدائية سنجد أنها ذات إشتقاق واضح من حاجات ومخاوف الإنسان القديم ونمط تفكيره البدائي حيث تنحصر تلك الديانات في التالي :

1. عبادة الأسلاف أو تبجيل الأموات ، والإعتقاد بأن أرواح الأموات هائمة لرقابة وحماية العائلة ومن ثم السعي لإرضاء تلك الأرواح

2. الإعتقاد بوجود أرواح مقدسة تسكن في الحيوانات وبعض مظاهر الطبيعة ، ومحاولة إرضاء تلك الأرواح وإظهار التبجيل لها (ما يعرف بالإحيائية أو الAnimism )

3. الطوطمية ، أو تقديس بعض مظاهر الطبيعة أو الحيوانات والإعتقاد بأنه يقوم بدور هام لحماية وتوفير إحتياجات القبيلة أو الإعتقاد بوجود علاقة خاصة تربط هذا الطوطم بافراد القبيلة (غالباً ما يكون الطوطم الذي يتم تقديسه هو شئ من بيئة تلك القبيلة ومرتبط إرتباط جذري بحاجاتها ومخاوفها)

4. ممارسة بعض الطقوس البسيطة مع الإعتقاد بأن لهذه الطقوس دور في إرضاء الآلهة أو الأرواح الشريرة ، ومن ثم جلب المنفعة أو دفع الضرر عن القبيلة ... مثل تقديم القرابين ، ترديد بعض العبارات بشكل جماعي ، الخ

ومن هذه الممارسات لا يظهر لنا أي جانب غريزي في الدين ، سوى غريزة البقاء أو غريزة الأمن أو غيرها من الدوافع البشرية العادية التي تدفع الإنسان لمحاولة إشباعها بشتى الطرق ، والتي لم يكن الدين سوى أحداها .

فالعبادة كما مارستها الأديان القديمة هي في جوهرها لا تعدو أن تكون مجموعة من الأفعال يقصد بها الحصول على منفعة (تلبية إحتياج أو دفع أذى) من قوى عظمى يعتقد أفراد المجتمع بأن لها سطوة وقوة وقدرة على نفعهم أو ضرهم ، ويعتقدون بأنها تتدخل فعلاً للتفاعل مع إحتياجاتهم ولنفعهم أو ضررهم .... تستيطع القول بمعنى آخر أن الإنسان ظن بأنه يستطيع تملق الله للحصول على حاجاته .... تعطيه الخضوع وتمارس بعض الطقوس لإرضاءه ، ومن ثم سيرضى عنك ويمنحك ما تريد ... وهو في وجهة نظري تفكير بدائي لا يخلو من الإنتهازية .

وتظهر الأديان القديمة والبدائية كذلك التصوير البشري البدائي للقوى التي خلقت الكون ... فإن أنت أرضيتها عبر تملقها ببعض الكلمات أو تقديم القرابين أو غير ذلك سوف ترضى عنك وتقف بجانبك ، فتحميك من الشرور وتجلب لك الحظ والمنفعة ، وإن أنت أغضبتها (عبر إهمالها أو الإنقاص من قيمتها أو قدرتها أو لم تكن مخلصاً لها في العبادة والتقديس) ، فسوف تسخط عليك ، ويتبع ذلك قيامها بالتنكيد عليك بشتى الوسائل سواءاً في حياتك أو بعد موتك .

ومع إستقرار الجماعات البشرية وتكون المجتمعات المستقرة وتطور النظم والقوانين ، كان لا بد من أن يحدث الإندماج بين الدين وبين القوانين والأعراف الإجتماعية أو القيم الإجتماعية ، فبما أن القوى التي خلقت الكون والتي ترعى القبيلة وتلبي حاجاتها هي قوى خيره ومتصفة بالكمال ، فلا بد أنها تحب أن يسود الخير والإنضباط ويلتزم الناس بالقيم السامية والأعراف الجيدة ... إذاً لا بد تطلب تلك القوى من الناس بجانب إحترامها وتقديسها أن يلتزموا كذلك بالقيم والأعراف الإجتماعية المناسبة ... وإلا فلماذا لا نجد الشرائع والقوانين إلا في الأديان الحديثة نسبياً التي ظهرت بعد تكون المجتمعات الزراعية المستقرة .

---------------------------------------------------------------
رابعاً : كما سبق الإيضاح في مداخلة سابقة ، لا يوجد شئ يسمى غريزة عندما نتحدث عن ظاهرة إنسانية سيكلوجية ، هناك دوافع وهناك ما يعرف بال "innatism " ، (وهو مصطلح يستخدم في علم النفس أو الفسفلة لوصف ما يعتقد بأنه أفكار وإعتقادات ومعارف يولد بها الإنسان وتكون مزروعة داخله بالفطرة) ...وهذا ثابت من خلال مداخلتي السابقة الذي أشرت فيها لعديد من الآراء التي تنكر وجود غريزة في تصرفات الإنسان السلوكية ، بل أن من العلماء من ينكر وجود الغريزة على الإطلاق بإعتبارها مصطلح قديم عفى عليه الدهر ... وإن لم تقنعك الويكبيديا ، فماذا عن السيلكوبيديا التي تشير لنفس الحقائق .

وبالنسبة للدوافع الإنسانية ، فليس هناك من علماء النفس من يشير لدافع يسمى دافع التدين ، صحيح ان هناك علماء يشيرون لوجود دوافع أساسية قد تتولد منها الحاجة للتدين أو إتباع الدين إلا أن هذا لا يعني بأي حال بأن التدين غريزة .

بالنسبة لما يعرف بال "innatism" ، فبداية الشكر للزميل لتنبيهه بأن هذا المصطلح يكاد يطابق مصطلح الفطرة ... ولكن السؤال هو ... هل هناك من العلماء من أشار إلى التدين بإعتباره من ضمن ال "innatism" أو الأفكار والإعتقادات الفطرية التي يولد بها الإنسان ...

وفي الحقيقة فإن فكرة وجود افكار مبدأية مزروعة في الإنسان تدعوه لمعرفة الحق والخير والمنطق وتدعوه لمعرفة وجود خالق ... وإن كان ذلك شئ لم يثبت قطعياً ، إلا أنها فكرة مهمة جداً لبيان أن هناك شئ إسمه الضمير الإنساني وأن الإنسان مجبول على حب الخير والحق ... وهذا حسب رأيي يؤكد عدم الحاجة للدين ويؤكد بأن رسالة الله للبشر هي رسالة محفورة في وجدانهم وعقولهم منذ ولادتهم .

أما القول بأن هناك من أشار للتدين كأحد هذه الافكار الفطرية فهو مبالغة منك أيها الزميل ... فالفقرة التي أوردتها تقول بأن من ضمن تلك الافكار التي يعتقد البعض أنها مزرعة بالفطرة هي :


Metaphysical notions concerning transcendent objects like God or souls

ومجرد معرفة الخالق لا يعني غريزة التدين أيها الزميل ، بل لعلك تعي بأن قدرة البشر الفطرية على معرفة الخالق هي من ضمن ما أؤمن أنا به وإستخدمه لإثبات صحة عقيدتي .

---------------------------------------------------------------
خامساً : مخالفة الغريزة هو شئ لا بد أن يصاحبه الم ومجاهدة ومغالبة ... مثل الزاهد عن الزواج الذي يغالب رغباته الجنسية ويسعى لقمعها ، والذي يقوم بعملية إستشهادية فيغالب غريزة البقاء لديه (وقد تنتصر رغبته في البقاء فيهرب في لحظة التنفيذ) ... ولكن اللادينين ... وهم مئات الملايين ، ليس لديهم ما يغالبونه ولا يشعرون بفقدان أو خواء بسبب لادينيتهم ... هم أناس يعيشون حياتهم بشكل عادي جداً (أنا شخصياً واحد منهم وأعرف الكثير مثلي) ولا يشعرون بأي حاجة لعبادة إله أو التضرع أو الخضوع أو الصلاة له ... قد تكون هناك حاجة روحية للإنسان ، ولكن تلك الحاجة الروحية لا تشبع فقط بالعبادة أو التضرع لإله ، فهناك وسائل كثيرة لإشباع الحاجة الروحية للإنسان بمعزل عن الدين ... ويمكنك مراجعة مداخلاتي السابقة حول ذلك (مداخلة رقم 22) ، ويمكنك كذلك الرجوع لرابط الويكيبيديا التالية ، والتي تتحدث عن إستيفاء الحاجة الروحية خارج نطاق الأديان

http://en.wikipedia.org/wiki/Secular_spirituality
http://en.wikipedia.org/wiki/Spiritual_But_Not_Religious#Religion_and_spiritual ity

أنا شخصياً أرى أن فكرة العبادة والخضوع والخوف من إله هي افكار تناقض الروحية وتسبب تدهوراً للحالة الروحية للشخص

---------------------------------------------------------------
سادساً : كل ما سبق الإشارة إليه ليس بجديد أو من بنات أفكاري ، هو إما أشياء منطقية لا تحتاج لإثبات خارجي (1+1=2) ، أو أنها آراء يساندها الكثيرون في مجتمع علم النفس والإجتماع .... ويكفي أن هناك علم كامل يسمى علم إنثروبولوجيا الدين ، يفسر معظم رواده ظاهرة نشوء الدين بشكل يكاد يطابق ما أشرت إليه ... ولن اعطيك أسماءاً أو إقتباسات ، وأنت تعلم أن من يعتنقون هذا الرأي (التفسير الذي يجعل من الدين إمتداداً للسحر والأسطورة) هم بالمئات من علماء الإنثربولوجي وعلم النفس الإجتماعي .

---------------------------------------------------------------
سابعاً : بالتأكيد فإن الدين أكثر عمقاً من أن يكون مجرد أسطورة أو خرافة ، ومن المؤكد ذلك بأن الدين يعلب دورا نفسإجتماعي أكثر أهمية بكثير من الدور الذي تلعبه الأساطير والخرافات ... وهذه قناعة وصلت لها بعد قراءتي لكتاب ماسلو (الأديان ، القيم ، والتجارب الروحية) وبعد إسترجاعي لمعارفي السابقة ... حيث أصبحت أكثر إقتناعاً الآن بالدور الذي يلعبه الدين في إشباع بعض الحاجات العميقة لدى الإنسانية ... وبأن الدين هو محصلة تجربة إنسانية طويلة وقد تم تضمينه بعض أرقى ما وصلت إليه الإنسانية خلال تاريخها الطويل من البحث عن الحقيقة والفضيلة .... ولكن

أ – هذا لا يعني عدم بشرية الدين
ب- لا يعني بأنه لم يتضمن كذلك بعض الجوانب السلبية
ج- تطوره اللاحق وتضمينه لبعض أرقى ما وصلت له الإنسانية لا ينفي عنه أصله الأسطوري أو إرتباط نشأته بحاجات ومخاوف الإنسان القديم ورغبته في فهم العالم المحيط به.


هذه خلاصة ما لدي حول موضوع ما يسمى بغريزة التدين ... وأعتقد بأن ما تقدم ينفي نفياً قاطعاً وجود ما يسمى بغريزة التدين ...

************************************************** ************************************************** **************************

نأتي الآن لمداخلاتك حول هذا الموضوع ... وأقدم فيما يلي تلخيصاً لأوجه الخلل في مداخلاتك السابقة التي حاولت من خلالها إثبات وجود غريزة التدين ، وهي كالتالي :

أ) بداية فإنني لمست خلطاً وغموضاً فيما تعنيه أنت بمصطلح الغريزة ، فأنت تجعل مصطلح الغريزة مرادفاً لمصطلح الميل أو النزعة ، ومكافئ لمصطلح الإحتياج ... فكل ما يحتاجه الإنسان وفقاً لوجهة نظرك هو غريزة ... بل أراك تجعل كل وسيلة يستخدمها الإنسان لسد حاجاته تلك هي بمثابة غريزة أيضاً .... فركوب السيارة يصبح عندك غريزة لحاجة الإنسان للإنتقال السريع ، والإستعباد يصبح غريزة إجتماعية لأن الناس عموماً تميل للحصول على الخدمات المجانية من هؤلاء العبيد ، كما أن ظاهرة الإستعباد هي ظاهرة متفشية شهدتها كل المجتمعات الزراعية القديمة مما يؤكد أن الإستبعاد غريزة !!!

الميل والنزعة لا يعني الغريزة يا سيدي .... لأن الميل أو النزعة يمكن أن يكون عاملاً أولياً ، ويمكن أن يكون عاملاً ثانوياً مشتق من غيره ، فيما أن الغريزة لا يصح إلا أن تكون عاملاً أولياً مستقلاً عن غيره ... كذلك الإحتياج فهو إما أن يكون أولياً وإما أن يكون مشتقاً أو تابعاً ... بالنسبة لحاجات الإنسان الأولية فليس أدق عن سرد ماسلو لها ... ولعلك تعرف بأن ماسلو لم يضمن في هرمه الشهير (الذي أشار فيه للحاجات الأولية) الحاجة للتدين ...

ب) إستعرت بعض أقوال العلماء الذين يشيرون بأن التدين هو محصلة دوافع طبيعية لدى الإنسان ، وإعتبرت بأن ذلك تأكيداً منهم لوجود غريزة التدين ... ووجه الخلط هنا ايضاً هو أنك لم تستطيع التمييز بين العامل المسبب أو المستقل والعامل التابع أو المشتق ... والغريزة في تعريفها لا بد أن تشير لعامل أساسي ومستقل ، ويظهر ذلك جلياً من سوء تأويلك لكلام ستيفن رايس عن ال16 دافع الأساسية التي توجه السلوك البشري ، فإعتبرت أنه بما أن التدين يشبع تلك الحاجات أو الدوافع إذاً هو فطري ... وفي الواقع فإن الكثير من أنماط السلوك البشري هي موجهة لإشباع تلك الحاجات ولكن ذلك لا يعني أنها غريزية ... بإختصار الدين ليس سوى وسيلة (مثل غيره من الوسائل) إستخدمتها البشرية لإشباع حاجاتها .

ج) بالنسبة لإنكارك ما أوردته أنا في مداخلتي السابقة (عندما أشرت لاقوال الكثير من علماء النفس الذين ينفون وجود الغريزة عموماً او ينفون وجودها في مجالها السلوكي) ... فقد كان إنكارك لذلك قائماً على ركيزتين أو منطلقين هما :

1- من منطلق عدم مصداقية الويكبيديا التي إعتمدت أنا عليها ... ولكن لا يسعني سوى الذكير بان ما ذكرته أنا مذكور أيضاً في الإنسيكلوبيديا ، وأن الكلام المذكور جاء محايداً وموضوعياً في شكله حيث لم يكن يرمي لإثبات وجهة نظر معينة حول شئ مختلف حوله ... ويكفيني كلام ماسلو لإنكار وجود ما يسمى بالغريزة ، ومرجع كلامه مذكور

Abraham H. Maslow, Motivation and Personality Chapter 4, Instinct Theory Reexamined

ومرجع The Book of Instinct والذي وضع شروطاً لتعريف السلوك الغريزي بحيث يؤدي التعريف لإسبعاد أن يكون الدين غريزياً ، هو أيضاً مرجع مذكور

Mandal, F. B. (2010) Textbook of animal behaviour. PHI Learning Pvt. Ltd. p. 47

ومرجع عالم النفس ريتشارد هيرستين والذي يصب في نفس المعنى ويترتب عليه إستحالة وجود شئ يدعى غريزة التدين هو أيضاً مرجع مذكور ويمكن الرجوع له ...

R. J. Harrnstein (1972). "Nature as Nurture: Behaviorism and the Instinct Doctrine". Behavior 1 (1): 23–52.


2- المنطلق الثاني الذي رفضت على أساسه إقتباساتي (التي تنفي وجود ما يسمى بالغريزة في المجال السيكولوجي) ، هو قولك بأن تلك الإقتباسات جاءت مخالفة لسياق الكلام الذي تم الإقتباس منه ... حيث قلت :


أن الحوار الدائر والنقاش الذي أشارت إليه الويكيبديا هو من الخلافات المصطلحية التي وقعت بين الباحثين، والإشكالية كانت هي هل يصح أن يطلق لفظ الغريزة على تصرفات الإنسان وميولاته وغيرها، ولم يكن الجدل دائرا حول فطرية التدين من عدمه .

ولن أعلق على كلامك هذا ، فقط أدعوك وأدعو القارئ الكريم لإعادة قراءة إقتباساتي تلك حول الغريزة في الرابط التالي

http://en.wikipedia.org/wiki/Instinct#In_psychology

وسواءً صح كلامي أو صح كلامك ... في الحالتين ينتفي إنطباق مفهوم الغريزة على التدين ، ويصبح من الخطأ القول بأن التدين غريزة

د) جاءت بعض إعتراضاتك من منطلق أن بعض من يثبت من كلامهم إنتفاء غريزة التدين مثل ماسلو وريس ، لديهم موافق أخرى يتحدثون فيها عن أهمية الدين ودوره الإيجابي في المجتمع .. وفي الحقيقة أنا أستغرب هذا الخلط من جانبك ... ولو إتبعت نفس منطقك لسقطت إستشهاداتك بكل العلماء الذين سبق لك الإستشهاد بهم بحجة أنهم ملحدين أو لادينين .

وقد راجعت كتاب ماسلو (الأديان، المبادئ والتجارب) فلم أجد ما يشير فيه لغريزة التدين ... نعم فيه ما يشير لدور إيجابي يلعبه الدين في إستيفاء بعض الحاجات الإنسانية التي يقول ماسلو بأن الحضارة الإنسانية الحديثة فشلت في إستيفاءها ... ولكن ذلك لا يعني إقراراً بوجود غريزة تدين .

ه) أراك قد إعتمدت في محاولة إثبات غريزة التدين على إنتقائية غريبة ، فتقبل كلام كل من فهمت من كلامه إقرار وجود غريزة التدين ، وتنفي مصداقية كل من يقول بخلاف ذلك !!! يا أخي كن منصفاً وقل بأن من العلماء من أشار لوجود غريزة التدين ومنهم من أنكرها ... لا يمكنك التشكيك بكل من يخالف وجهة نظرك من العلماء .... وهم كثيرون .

و) اخيراً أراك قد فشلت في تلبية شرطي المتعلق بإثبات غريزة التدين عبر ذكر عالم نفس واحد يشير بشكل واضح لوجود ما يسمى بغريزة التدين ... وأذكرك بطلبي الذي فشلت في تحقيقه وهو :


ما اريده من يا عزيزي في مداخلتك القادمة هو أن تذكر لي عالم نفس واحد مذكور في سياق أحد كتبه أو أحد أبحاثه رأياً علمياً يشير فيه لوجود ما يسمى بغريزة التدين ... ولي مطلب آخر هو أن يكون ذلك الرأي مذكور في القرن العشرين على الأقل وليس قبل ذلك ... حتى أستطيع أن أثق في علميته ذلك الرأي

أما بالنسبة لمن أوردت أسماءهم من العلماء ممن إدعيت إقرارهم لوجود غريزة التدين ... فالإقتباسات التي نسبتها لهم كلها تدور في نطاق الآتي:


أ) إقتباسات تتحدث عن الإعتقاد الفطري بأن هناك إله خلق الكون ... مثل كلام شلماخر وبحث جاستين باريد وأبحاث أندرو نيوبرج وغيرها ... أو تتحدث عن أو الإحتياج الروحاني للإنسان مثل بحث مايكل بافارد ورالف هوود .

وهو شئ لم أنكره ... بل يثبت أن العقيدة الربوبية لها سند فطري قوي يتثميل في ميل البشر للإعتقاد بوجود خالق ـ ويثبت أن إدراك الخالق هو فطرة بشرية ولا يحتاج لرسل أو رسالات ... بعض الناس قد يشذوا عن تلك الفطرة وينكروا وجود الخالق (بسبب تصديق آراء علمية مغلوطة أو لأسباب نفسية وأهواء شخصية) ولكن ليس في وسعنا أن نقول بأن الله يأبه بهؤلاء أو يتأذى بفعلهم هذا ، فيلجأ لعقابهم بأبشع أنواع العقاب ....

وبالنسبة للروحانية ، فهذا شئ فيه إختلاف كبير ومعظم العلماء ينكرون وجود حاجات روحية للإنسان فليس من الإنصاف ذكر من يثبتون الحاجة الروحية دون الإشارة لمن ينكرونها ... وعلى أي حال ... الروحانية لا تعني التدين ، وهناك مجال كبير للروحانية بعيداً عن الأديان كما أشرت سالفاً في بداية هذه المداخلة .

ولعل ما أوردته أنت من بحوث بهذا الخصوص هو شئ يؤيد وجهة النظر اللادينية بأن هناك روحانية خارج الإطار الديني ... يعني الروحانية لا تعني بالضرورة التدين ، وقد يحصل الإنسان على تجربة روحية فريدة من خلال شئ بسيط كالتأمل ... فمثلاً ... بحث "كيندلر" ، يشير إلى أن الإرتباط بين الإنتماء لدين ما وبين الإحساس بالإرتباط بخالق هو إرتباط متوسط 33% فقط ... وهو إرتباط ضعيف من وجهة نظري ... يثبت بأن هناك مجالاً كبيراً للروحانية خارج نطاق الأديان .

ب) إقتباسات تتحدث عن علاقة التدين ببعض أنماط الشخصيات ... مثل بحث ... لورا نورمان وريتشارد وايزمان وفاسيليز ساروجلو
وهذا أيضاً لم أنكره ، وهو يتنافى مع نظرية الدين بشكل عام لأن ذلك يجعل لبعض الأفراد فرصة أكبر للتدين من البعض الآخر ... وهذا يتناقض مع فكرة العدالة الإلهية ، حيث يصبح مصير الإنسان لجنة أو نار مرهوناً بجيناته وطبيعة شخصيته .

ج) إقتباسات تتكلم عن أن هناك دوافع معينة تصب لصالح دفع الإنسان نحو التدين ، مثل كلام رس وغيره

وكذلك الحال بالنسبة لما جاء في كتاب ماسلو (الأديان ، القيم ، والتجارب الخاصة) ، فماسلو في هذا الكتاب لم يذكر قط بأن التدين هو فطرة ، ولكنه أشار لبعض الحاجات الأساسية الاخرى التي يتم إشباعها بواسطة التدين ، وكتاب ماسلو يدور بالأساس حول فشل العلوم التجريبة والنظرة المادية الصرفة للحياة في إشباع تلك الحاجات .... راجع الكتاب ملحق "G" والذي يضم سرد لكل القيم الوجودية الفطرية التي يسعى الناس لإشباعها وتشكل قمة الهرم في حاجات الإنسان وليس فيها ذكراً للتدين ... وفي الملحق أيضاً إشارة إلى أن الدين هو ناتج مشتق من هذه القيم وأن العبادة والتقديس هو مجرد حالة نفسية أو شعور متعلق بتلك القيم الوجودية ، حيث يقول ماسلو بوضوح الآتي :


The descriptive B-values, seen as aspects of reality, should be distinguished from the attitudes or emotions of the B-cognizer toward this cognized reality and its attributes, e.g., awe, love, adoration, worship, humility, feeling of smallness plus godlikeness, reverence, approval of, agreement with, wonder, sense of mystery, gratitude, devotion, dedication, identification with, belonging to, fusion with, surprise and incredulousness, fear, joy, rapture, bliss, ecstasy, etc

ولو تأملت لوجدت ذلك لا يخالف ، بل يتطابق تماماً مع كلامي ، وهو أن التدين هو مجرد محصلة أو ناتج ثانوي لعوامل أخرى

ونجد ماسلو في الفقرة التالية لتلك مباشرة ينتقد الأديان بشكل واضح ويصفها بأنها وقعت في تناقض قاتل عندما لم تراعي في تعاليمها نسبية الحقائق والمتغيرات وأدعت إمتلاك الحقيقة المطلقة ... حيث يقول:


One recurring problem for all organized, revealed religions during the last century has been the flat contradiction between their claim to final, total, unchangeable, eternal and absolute truth and the cultural, historical, and economic flux and relativism affirmed by the developing social sciences and by the philosophers of science. Any philosophy or religious system which has no place for flux and for relativism is untenable (because it is untrue to all the facts(


د) بعض إقتباسباتك كانت عبارة عن كلام فلاسفة وليس كلام علماء ... مثل قول من أسميتهم أنت بالفيلسوف ردولف أوتو والفيلسوف شليماخر .

ه) إقتباسات ليس لها علاقة بإثبات غريزة التدين , وإنما جاءت في شكل مجرد إشارة لإنتشار ظاهرة التدين (مثل كلام برجسون)

و) الكثير من إقتباساتك جاءت بصيغة أن العالم الفلاني تحدث عن وجود غريزة تدين ، دون أي إشارة لما يثبت صحة كلامك أو ذكر السياق أو المرجع ، فالرجاء التفضل بذكر إسم العالم + الفقرة التي يشير فيها لوجود غريزة التدين + إسم الكتاب (والصفحة إذا أمكن) ، حتى يمكنني التأكد من صحة الإقتباس ومن دقة المعنى الذي تشير له وإتفاق سياقه مع ما ترمي إليه .

هل تريدني أن أقتنع بأن سيجموند فرويد تحدث أقر بوجود غريزة التدين ، لمجرد أنك ذكرت ذلك ... لا أتهمك بالتدليس يا زميل لكني أحسب أنك وقعت في خلط ما أو كنت متحيزاً في فهم بعض أقوال فرويد ففسرتها بشكل مخالف لحقيقتها ... فارجو منك أن تذكر الإقتباس الذي يشير فيه فرويد لغريزة التدين ..

----------------------------------------------------------------

في المداخلة القادمة سوف أنتاول المحورين الآخرين .... وهما

1) الحاجة للدين لإجابة الاسئلة الوجودية للإنسان ، وفي هذا الجزء سوف أمر على موقف الديانة البوذية من تلك الأسئلة
2) الحاجة للدين لإيجاد معنى وهدف للحياة ، وهل يعني التخلي عن الدين الوقوع في فخ العدمية

فإلى لقاء ...

مشرف 11
06-18-2012, 02:35 AM
العضو ربوبي هدانا الله وإياه : من آداب المناظرة الدالة على الجدية والاحترام والصدق وقوة المنطق أن ترد على الإلزامات التي اوردها عليك الأخ ابن عبد البر على شكل اقتباس وردود وليس الاستمرار في ضرب المفصل
بالمجمل وتجاهل الإلزامات لأن الكلام العائم لا يصلح هنا .فندعوك إن كنت جادا أن تلتقط مواضع الاحتجاج وتقتبسها مفصلة من كلامه وترد عقبهاعلى كل جزئية .لا نريد مواضيع تعبير من فضلك .ولا مانع من استلام كل جزئية على حدة حتى تفرغا منها

الربوبي
06-18-2012, 08:46 AM
العضو ربوبي هدانا الله وإياه : من آداب المناظرة الدالة على الجدية والاحترام والصدق وقوة المنطق أن ترد على الإلزامات التي اوردها عليك الأخ ابن عبد البر على شكل اقتباس وردود وليس الاستمرار في ضرب المفصل
بالمجمل وتجاهل الإلزامات لأن الكلام العائم لا يصلح هنا .فندعوك إن كنت جادا أن تلتقط مواضع الاحتجاج وتقتبسها مفصلة من كلامه وترد عقبهاعلى كل جزئية .لا نريد مواضيع تعبير من فضلك .ولا مانع من استلام كل جزئية على حدة حتى تفرغا منها

مداخلات الزميل إبن عبد البر في مجملها طويلة جداً ومليئة بالتفاصيل والتداخل ... لذا فضلت أن أرد على أهم الافكار التي وردت فيها بعد تلخيصها ، وقد فعلت ذلك بشكل واضح في إعتقادي ...

أما أن أرد بالإقتباس على كل جزئية في مداخلاته ، فليس لي مانع من ذلك ، ولكني سأحتاج لخمسة مداخلات على الأقل ... وسأبدأ من بعد غد الأربعاء

وعلى كل حال ، لا أرى أن متابع الحوار سيجد صعوبة في الربط بين مداخلتي الأخيرة وبين إدعاءات الزميل والأدلة التي إعتمد عليها في إثبات إدعاءاته .

ابن عبد البر الصغير
06-19-2012, 12:08 AM
أظننا أيها الزميل الربوبي قد تجاوزنا مرحلة الكلام العائم كما قال المشرف 11 حفظه الله .. ومناظرتنا ستكون عبارة عن اقتباس كل جزئية والرد عليها حتى لا يتملَّص أحدنا من إلزامات الآخر .. وعليه فمداخلتك الأخيرة تُعتبر لاغية .

هداك الله ووفقك لما فيه الخير .

مشرف 4
06-20-2012, 09:32 AM
أما أن أرد بالإقتباس على كل جزئية في مداخلاته ، فليس لي مانع من ذلك ، ولكني سأحتاج لخمسة مداخلات على الأقل ... وسأبدأ من بعد غد الأربعاء

وعلى كل حال ، لا أرى أن متابع الحوار سيجد صعوبة في الربط بين مداخلتي الأخيرة وبين إدعاءات الزميل والأدلة التي إعتمد عليها في إثبات إدعاءاته .
خمسة مداخلات ؟ لن تجد من له الوقت لمتابعة الحوار بهذا الشكل
عليكم أولا الإتفاق حول جزئية واحدة تتم مناقشتها قبل الإنتقال الى غيرها

مشرف 10
06-22-2012, 01:00 AM
الزميل الربوبي تحية طيبة :
لقد ارتأت إدارة هذا الموضوع بعض الأمور والتي تراها مهمة حتى يكون الحوار بعيداً عن الملل الذي يتعب العيون ويشتت التركيز الذي يسببه طول الحوار ودخوله في تفاصيل مرهقة وليس وقتها ، ولهذا ارتأينا التالي :-
* كل مداخلة حدها الأقصى عشرة أسطر فقط لا غير منك ومن محاورك ونرجو التقيد بذلك
* تقوم أنت باقتباس نقطة من النقاط التي أثارها محاورك وترد عليها في حدود عشرة أسطر وكذا محاورك .
* موضوع الحوار العائم -بكل صدق- ممل ويسبب التشتيت والتوهان ولهذا يمنع منعاً باتاً العودة إلى أسلوب الحوار الأول مع ضرورة الاقتصار على عشرة أسطر لكل مداخلة كما أسلفنا سواء أكانت المداخلة إنشائية -يعني جديدة- أو بقصد الإقتباس والتعليق وكل ذلك -نشدد- يجب أن يكون في حدود عشرة أسطر فقط لا غير ..
* العشرة أسطر مقدرة بحروف عددها 1560 حرفاً فيكون كل سطر حده الأقصى من بدايته إلى نهايته مع عدم احتساب الفارغات وبالتالي سيكون عدد الأسطر إحدى عشر سطراً احتياطاً
* نرجو اختصار العشرة أسطر بتجاهل التفاصيل كما في بعض الأقوال :- عبادة الطوطم وهو يعني كذا وهناك من قال كذا )) فنرجو الاختصار ما أمكن حتى لا يكون التفصيل مستهلكاً لمادة الحوار الأصلية ...

مشرف 10
06-22-2012, 02:23 AM
الزميل الربوبي قامت الإدارة بحذف مداخلتيك الأخيرتين - يمكنك استردادها - حتى نبدأ بممارسة الشروط الأخيرة التي قررتها الإدارة ، وفي حال احتجت لمداخلتيك فسوف نبعث لك بها على الخاص أو نقوم باعادتها مؤقتاً حتى تقتبس منها ما تشاء وكل ذلك بقصد تنظيم الحوار والمضي به قدماً على وفق الشروط المشار إليها أعلاه ..

ابن عبد البر الصغير
07-01-2012, 07:19 AM
إن كان الزميل الربوبي ينتظر كلمة مني في هذا الشأن فإني موافق على شرط الإدارة، وهو فرصة لإلزام طرفي الحوار .

ابن عبد البر الصغير
08-08-2012, 04:34 AM
الظاهر أن الزميل الربوبي إما أنه فارق الحياة وأصابه مكروه، وإما أنه تخلى عن المناظرة، وعليه فإن المناظرة انتهت بإلزام الربوبي عوض الكلام العائم . ويُفتح باب الأسئلة حول مواضيع المناظرة للإخوة المسلمين وللزملاء المخالفين على هذا الرابط :

http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?35378-%E3%E4%C7%D9%D1%C9-%C8%ED%E4-%E3%D3%E1%E3-%E6%E1%C7%CF%ED%E4%ED-%C7%C8%E4-%DA%C8%CF-%C7%E1%C8%D1-%E6%C7%E1%D1%C8%E6%C8%ED

ابن عبد البر الصغير
03-23-2013, 03:11 AM
قد ظهر لي موضوع الزميل الربوبي الجديد، وأُخبرتُ بأنه يريد أن يواصل المناظرة، وبالرغم من أن انقطاعه الإرادي يعد إفحاما عند أهل الحجاج إلا أني أقبل عودة الزميل - هداه الله لكل خير - إلى النقاش بالشروط التي تقررت آنفا .

والله المعين .

الربوبي
03-25-2013, 08:37 AM
لا مانع لدي من مواصلة المناظرة ... لكني فقط دخلت في إلتزام سوف يستغرق مني قرابة الشهر ، وسيكون من المستحيل علي مواصلة المناظرة معه ... لذا أرجو من الزميل بن عبد البر والإدارة الموافقة على عودة المناظرة بدأاً من شهر بداية شهر مايو / آيار القادم ... والشكر موصول للجميع

الربوبي
04-22-2013, 07:54 AM
كتب في 21 إبريل 2013

الزميل الفاضل إبن عبد البر

أرى أن نقاشنا في هذا الشريط أصبح بلا جدوى .... فنقاشنا بالأساس يدور حول ما إذا كان إرسال الرسل هو ضرورة عقلية ... أي حول ما إذا كان المتوقع والطبيعي من إله يتصف بالحكمة هو أن يقوم بإرسال رسل لهداية البشر ....
و بما أن إدراك حكمة وعدالة الله هو شئ بالغ الصعوبة ) ... إذاً حكمة وعدالة الله لا يمكن أن تأخذ كقضية مسلم بها أو بديهية عند إثبات صحة النبوة ... وبالتالي يستحيل أن تكون تلك القضية هي ذات اهمية في إثبات ضرورة قيام الله بإرسال الرسل ، فالله لا يمكن أن يقدم الحجة على صحة دينه من خلال شئ يصعب إدراكه عقلاً

ولكن إذا أسقطنا من حساباتنا حكمة وعدالة الله ونحن بصدد إثبات ضرورة إرسال الرسل ، (بإعتبار أن ذلك الأمر هو شئ يصعب إثباته عقلاً) ، عندها نكون قد أسقطنا إمكانية إستخدام إدعاء "أن إرسال الرسل هو ضرورة عقلية" كوسيلة لإثبات صحة الدين ... حيث لا يمكننا أن نتوقع أو نفترض إقتضاء حكمة وعدالته الله لشئ ما ، دون أن نبني ذلك على إفتراض حكمته وعدالته إبتداءاً

وهكذا ، يصبح السبيل الوحيد لإثبات صحة الدين (وبالتالي دحض العقيدة الربوبية) هو من خلال الأدلة التي تثبت صحة الدين الإسلامي مباشرة مثل إعجاز القرآن وصدق النبي وظروف وملابسات الدعوة التي تؤكد صحة الإسلام ، الخ ...

لذا وبناءاً على ما تقدم أنا أدعوك لإثبات صحة معتقدك وهدم معتقدي من خلال إثبات صحة الإسلام عبر إستعراض الأدلة التي تثبت شكل مباشر صحة الإسلام أو الشبهات التي تشير لعدم صحته ، وليكن هذا هو موضوع المناظرة الجديد ، ولنتجاوز مسالة إثبات ضرورة قيام الله بإرسال الرسل ، فهو شئ لا يمكن إثباته إلا بإفتراض قدرة العقل على إدراك عدالة الله وحكمته إبتداءاً

ملحوظة : نقاشي معك في الحقيقة لن يكون حول الشبهات في حد ذاتها ولكن حول ما أراه أنا على أنه تهافت وضعف في الردود التقليدية التي يمتلأ بها هذا المنتدى وغيره من منتديات المسلمين على تلك الشبهات ... فإن إستطعت إقناعي بقوة الحجج التي تثبت الإسلام (بعد سماع نقدي لها) وبتهافت الشبهات (بعد سماع دحضي للردود التقليدية عليها) فأنا سأسلم لك بصحة معتقدك ، وبالتالي بطلان معتقدي الربوبي

وأنا في إنتظار ردك على هذا العرض الذي خلاصته تحويل مجرى النقاش إلى حوار حول الأدلة المباشرة التي تشير لصحة الإسلام ونفي الشبهات

ابن عبد البر الصغير
04-23-2013, 02:37 AM
أرى أن نقاشنا في هذا الشريط أصبح بلا جدوى .... فنقاشنا بالأساس يدور حول ما إذا كان إرسال الرسل هو ضرورة عقلية ... أي حول ما إذا كان المتوقع والطبيعي من إله يتصف بالحكمة هو أن يقوم بإرسال رسل لهداية البشر ....

هذا أيها الزميل الربوبي يسمى إفلاسا للمذهب اللاديني، فما معنى أن تضرب المفصل بالمجمل وتتخذ من الكلام العائم شعارا ً، ثم ظهر تدليسك من خلال الاقتطاع من الروابط وتجاوزنا ذلك ثم لم تجد عالما واحدا ثقة متخصصا ينصر مقالتك ومذهبك فواصلنا ، ثم دعوناك لتحديد مصدرك فعجزت، فلا أنت أثبتت أدلة تنصر بها معتقدك ولا أنت ناقشت بالأصول المنطقية المتعارفة في دحض الأسوار .

فلما ألزمتك الإدارة بعدد معين من الأسطر واختيار نقطة والرد عليها، غبتَ دهراً ورجعتَ تقول لا جدوى من المناظرة !! لأن ضرورة إرسال الرسل واحتياج البشر لهم هو دليل من أدلة إثبات النبوات، وقد عجزتَ عن رد هذه الجزئية فكيف بالله عليك ستقدر على رد أدلة إثبات النبوة الأخرى وهي أصعب من سابقتها ؟

هذا يا زميل يعد تهربا وإفلاسا وعليه فمناظرتنا انتهت بعجزك عن المواصلة .

أما موضوع إثبات إرسال الرسل فتليق بها مناظرة مستقلة، تكون في هذه الجزئية فقط تقدم فيها أدلة على عدم إرسال الرسل وبالتالي إثبات للمعتقد اللاديني وأدلته، وبدوري أقدم أدلة على إرسال الرسل وبالتالي أدلة حول صحة الإسلام !

بالشروط المتعارف عليها بيننا، تكون عبارة عن مداخلة افتتاحية تتضمن عشرة أدلة لكل معتقد، وأقول أدلة وليس ذرائع أو أشباه القرائن . ثم تكون الردود حول كل دليل على حدة.

والإدارة من سيقرر بالنظر إلى مناظرتنا هذه ومآل المناظرات الأخرى مع الأخ الدكتور السرداب حفظه الله .

مشرف 10
04-23-2013, 04:11 PM
المناظرة باعتقاد الإدارة والمتابعين من الإخوة انتهت بانقطاع الزميل الربوبي بدون تقديم أية أعذار وقتها ، المناظرة فعليا انتهت منذ وقت طويل وإن كان الزميل الربوبي ينوي النقاش في مواضيع أخرى بخصوص اللادينية والإسلام فليفتح موضوعا آخر في قسم الحوارات الفكرية ولينتظر من يحاوره..