المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشهد من الحضارة الغربية



د. هشام عزمي
02-23-2012, 05:06 PM
مشهد من الحضارة الغربية
بقلم الأخ مهاجر

مشهد تبول الجنود الأمريكيين على جثث لمجاهدي الطالبان ، مشهد ، وإن كان مقززا ، فجميع العقلاء فضلا عن الفضلاء ينكره ، فلا دين ولا مروءة ولا أي معيار بشري صحيح يقره ، إلا أنه من وجه آخر ، يكشف عن الخلفية الفكرية للحضارة الغربية ، فالإنسان الأبيض ، كما تقدم في مواضع سابقة ، يطل ، بكبره وصلفه ، إطلالة جديدة ، فالحضارة التي هجرت الشرق والجنوب إلى الشمال الغربي للكوكب الأرضي قد ألقت عصا الترحال أخيرا في أوروبا البيضاء الناصعة ! ، فصار هذا الإنسان الأبيض هو الأرقى في سلسلة التطور الفكري وربما العضوي ، فثم دارونية في الحس والمعنى ، وهذا الإنسان ، كأي إنسان ، له لسان ودين وفكر ، فلسانه الأفصح ، وإن كان أعجميا ، فيروم تدويل لسانه فهو لسان العلم بل والتخاطب إن أمكن ! ، ومن هنا يعلم سبب احتفاء الأمم الغربية بلسانها ، مع أنها جميعا تنتمي إلى المعسكر الأبيض ، ومع ذلك تنتصر كل أمة للسانها ، ودينه الأصح ، ولو كان مقاله مما تنكره العقول الصريحة فضلا عن مخالفته لأخبار الرسالات الصحيحة ، بل لا يفتأ يشن الحملات على الأديان الأخرى كما نرى من حملات التنصير التي غزت إفريقيا وآسيا ، فهي مفرزة غزو فكري يعضد الغزو العسكري ، فصاحبه قد اعتقد أنه على الحق ، أو تظاهر بذلك ، فصير عقده ذريعة إلى غزو البلاد والعقول ، ولا يلام على ذلك ، من وجه ! ، فهو ينافح عما اعتقد ، فيطلب العدو في أرضه ، فيتأول جهاد الطلب فهو : مباح له محرم على غيره ، بل قد حظر عليه الدفع عن أرضه ودينه ، فمن قاوم بطش الأقوياء من الضعفاء فهو إرهابي متشدد ، وإن رد العدوان بلسانه ! ، فذلك عقد الأمم القوية إذا غابت عنها المعاني الرسالية ، فالنبوة عقد العدل ، ولو مع العدو ، ولا حظ لهذه الأمم منها إلا آثار دارسة ، فهي رسوم باردة لا أثر لها في الخارج فليست إلا علوما محضة ، على ما فيها من تبديل وتحريف ، وفكره الأرقى ، فطرحه الليبرالي أرقى ، وأخيرا بلغ حد التطاول على مقام الإلهية بلسان مقاله أو بلسان حاله ، فصير نفسه إلها بعد موت الإله ، فهو سيد هذا الكون الذي يشرع ، فيأمر وينهى ، فالأمر آل في آخره إلى : الصراع المحتدم بين النبوة والعقل ، فما فعل أولئك ذلك إلا لتصور قد رسخ في أذهانهم بأنهم السادة فلا يسألون عما يفعلون وغيرهم يسأل ، وذلك ، بداهة ، وصف الإله الذي نازعوه مقامه ، فليس ثم تبعة ، وليس ثم سؤال ، فأفعالهم كلها صحيحة ، وإن كانت قبيحة ، فالعقل الجمعي للأمة الأمريكية هو الذي تبول على جثث مجاهدي الطالبان ، فتلك أمة تتبول على أمة لو دققنا النظر ، وليس أولئك الجنود بأعيانهم ، فذلك العقل الجمعي هو الذي يتبول على كل مخالف ، لا سيما إن كان مسلما ، فالإسلام يقف دوما له بالمرصاد في طغيانه الديني والفكري والسياسي فهو الذي يملك رد هذه الغارة البربرية على النوع الإنساني عموما وعلى النوع الإسلامي خصوصا ، فعنده ما ليس عند الخصم من القوة العلمية والأخلاقية ، فالأمر ، يرجع إلى الأخلاق ، فهي ، عند التدبر والنظر ، تأويل صحيح ، لما يقوم بالنفوس من معان وأشرفها بداهة المعاني الرسالية التي غيبت عن عالمنا في أعصاره المتأخرة فهي أعصار متدنية في التصور والحكم ، وإن كانت متطورة في السلاح والحرب ، فعند الشرق المسلم من الدين والأخلاق ما ليس عند الغرب ، وإن لم يكن عنده ما عند الغرب من التكنولوجيا ، فعماد الحضارة : الدين والأخلاق ، وأما التكنولوجيا فإنها لا تصنع إنسانا وإنما تصنع آلة تخدم الإنسان فليست إلا مكملا للحضارة الإنسانية ، خلافا لما يجري الآن في الغرب الذي صير الإنسان هو الخادم ! ، وصير المدنية التكنولوجية هي الغاية العظمى من أي حراك فكري ، فثم وسائل تصنيع وترفيه متطورة وليس ثم إنسان إلا من يتبول على جثث مجاهدي الأفغان ! ، فهل يصلح هذا الكائن لإقامة حضارة إنسانية عمادها الحق والعدل فضلا عن أن يكون مستمدها النبوة والوحي ؟! .

ولا يمكن لأي حق أن يظهر بلا قوة تدفع ، فالحق في نفسه يظهر بالحجة والبرهان ، ولكنه ، مع ذلك ، لا يمكن إلا بسيف وسنان ، فلا بد له من حديد ناصر لئلا تستباح حرماته كما استبيحت جثث إخواننا من المجاهدين ، فهل يلام من حمل السلاح في تلك البلاد أو سائر البلاد المحتلة فينعت ، حتى من بعضنا ، بالتطرف والإرهاب ؟! ، فقد غزت الدعاية الغربية العقول الإسلامية فصارت معايير الاعتدال والوسطية والتطرف والغلو والتشدد والتعصب والإرهاب ...... إلخ صارت معايير غربية خالصة ! .

ولا يشك ناظر في سنن الرب ، جل وعلا ، في قرب زوال هذه الحضارة اليائسة البائسة التي فشلت في إقامة بنيان إنساني راسخ الأركان متزن الأفعال ، فما يفعل أولئك ما يفعلون إلا إيذانا بزوال ملكهم وبطلان فكرهم الذين شنوا الغارة لترويجه ، والأرقام والمعطيات على الأرض تشير إلى رجحان كفة الطالبان ، فلا يحدث الناتو نفسه الآن إلا بانسحاب مشرف ! ، ومصيره ، والله أعلم ، مصير السوفييت من قبله .

وضُمَّ هذه الصورة إلى صور أخرى كثيرة : صور الدكتورة الباكستانية : عائشة صديقي ، فك الله أسرها وفرج عنها ، التي اختطفت في بلادها وتم ترحيلها إلى العاصة الأفغانية كابول ، وإلى معتقل قاعدة بجرام تحديدا ، وما روي عما تعرضت له من انتهاكات يندى لها الجبين فيستحى من ذكرها فضلا عن وقوعها في حق امرأة ، مع أن الفاعل ينتمي إلى الحضارة الغربية التي تزعم الدفاع المستميت عن حقوق المرأة المنتهكة في بلاد الشرق المسلم ! ، ولا أحد من منظمات حقوق الإنسان ينتصر بداهة لمثلها فليست في جدول أعمال هيومان رايتس ووتش أو منظمة العفو الدولية ...... إلخ من المنظمات التي تتفنن فقط في رصد انتهاكات حقوق الإنسان العربية دون الانتهكات الغربية لا سيما إن كانت الضحية مسلمة فلا اعتبار لها ، وضم إليها ما جرى على إخواننا الأسرى في نفس القاعدة ، وما جرى عليهم في جوانتانامو ، وما جرى على إخواننا وأخواتنا في أبي غريب ، والفضيحة معروفة مشهورة ، بل ومسجلة ومسربة إلى بعض المواقع الإلكترونية إمعانا في النكاية بالمسلمين ، فضم كل أولئك إلى بعضه لتكتمل أجزاء الصورة الحضارية للأمة الأمريكية التي تصون حقوق الحيوان قبل حقوق الإنسان ، إلا إن كان هذا الإنسان ، كما يقول بعض المفكرين ، ينتمي إلى دائرة أخرى تباين الدائرة الغربية لا سيما إن كان ينتمي إلى الدائرة الشرقية الإسلامية .

وبعد كل ذلك تعجب ممن يمارس سياسة جلد الذات فيصدق دعاية الغرب بأننا السبب في كل ذلك لما نحن عليه من تطرف وتزمت فنحن الذين حملناهم على هتك حرماتنا أحياء وأمواتا ! ، ونحن المخطئون إذ قاومناهم أو طالبنا بحقوق بدهية لا ينكرها إلا جاحد أو مسفسط فدائما يكون التوقيت غير مناسب إذا كان طالب الحق مسلما ! ولك أن تأخد الحالة النصرانية في مصر ، على سبيل المثال ، نموذجا صريحا لهذه السياسة : فثم تجاوزات عظيمة من النصارى في حق المسلمين بلغت حد الطعن في الدين وخطف المسلمات الجدد ..... إلخ وإذا انتصر أحد ، ولو باللسان ، فهو متطرف متشدد يروم إشعال نار الفتنة الطائفية من أجل امرأة خطفت ، فتلك كانت دعاية أصحاب الطرح العلماني في واقعة كواقعة اختطاف الأخت كاميليا ، فرج الله عنها وفك أسرها ، مع أن كثيرا منهم كلف الآن برصد انتهاكات حقوق الإنسان ، ولا يدخل في ذلك بداهة حق المسلمات الجدد في اعتناق ما شئن من دين ، ولو ، من باب التنزل ، على مقتضى الوثائق المستنيرة التي تتيح حرية الاعتقاد إلا في هذه الحال فقط فهي الاستثناء غير المكتوب ! ، فكيف صح في الأذهان ذلك ، وكيف صير الإعلام والرأي العام الضحية هي الجاني ، ولعل قتلى مجاهدي الطالبان هم المخطئون إذ عرضوا أنفسهم للقتل فكان القصاص العدل أن يتبول الجنود الأمريكيون عليهم ! .

وتلك السياسة مما قد يوقع كثيرا من الحركات الإسلامية التي تصدرت المشهد السياسي رسميا ، فهي في الصدارة فعليا من سنين وربما عقود فمن فضيحة 67 التي أبانت عن عوار الطرح القومي الممزوج بالطرح اليساري والمد الإسلامي في تصاعد مع ما وقع له من محن وما وقع فيه من أخطاء ، فذلك مما قد يوقع كثيرا من الحركات الإسلامية في جملة من التنازلات تمس ثوابت رئيسة ففي سياق المداراة لا سيما في إطار سياسة وضعية براجماتية فهي الإطار العام للعمل السياسي المعاصر وذلك أمر واقع كونا وإن لم يكن بمرضي شرعا ، في هذا السياق يخرج الأمر في كثير من الأحيان من المداراة إلى المداهنة ، وذلك أمر قد وقع بالفعل ، وغاية الناظر فيه ، كما تقدم مرارا ، أن يلتمس لصاحبه العذر إن كان من الأفاضل ولا يمنعه ذلك من المناصحة بل والإنكار إن لزم الأمر مع توقير أهل الفضل ، فكثيرا ما يضطر رءوس العمل الإسلامي في مصر ، على سبيل المثال ، من جراء الضغوظ الإعلامية إلى تقديم تنازلات قد تبلغ في بعض الأحيان حد التنازلات العقدية استرضاء لمن لا يرضى من أهل الكتاب والعلمانيين ...... إلخ

ولا بد ، من وجه آخر ، من تعظيم شعيرة الجهاد في النفوس فقد صارت في زماننا تهمة ، بل قد جعلها كثير من الزعماء مئنة من اليأس ! ، كما كانت حال المخلوع عندنا فالجهاد والتضحية بالنفس مئنة من اليأس والإحباط ، فما خرج الشباب إلى ميادينه إلا يأسا من الواقع فلو تحسن وانهالت المساعدات الأجنبية على الدول العربية ووفرت الوظائف والمساكن وتيسرت أمور المعايش والمناكح ...... إلخ فلن يجاهد أحد ! ، فذلك طرح الحكومات العلمانية التي لا تقيم للشريعة وزنا فمقاييسها دنيوية مادية بحتة وما كان ذلك إلا لما لمسوه منا ابتداء من ركون إلى الدنيا ، فلم يسلم منه أحد في الأعم الأغلب على تفاوت في ذلك كسائر التصورات والأحكام التي يتفاوت فيها الناس ، والناظر في التجربة الأفغانية على ما فيها من أخطاء لا سيما بعد انتهاء الصراع ودحر السوفييت يرى فيها نموذجا معاصرا بُوشِر فيه القتال برسم الجهاد ، ولو في الجملة ، فأفزع ذلك الغرب ، الذي أعاد حساباته ورتب أولوياته ، فالعدو الأول كما صرح نيكسون هو الإسلام وليس الشيوعية فأمرها هين ! ، فكانت تلك الجامعة العملية التي تأول فيها المجاهدون أحكام القتال النظرية ، كانت مستمدا رئيسا لحركات جهادية نقلت المعركة إلى أوروبا ، في جنوبها في البلقان وشرقيها في روسيا وفي الشيشان تحديدا ، فكانت تلك التجارب لمن أمعن النظر فيها ، أصح وأقعد ، وإن لم تكن الأقوى ، وقد نقلت الصراع مع الغرب إلى مرحلة التهديد المباشر ، وهو ما يجعل الناظر يكاد يجزم ، والله أعلم ، بأن أحداثا كأحداث 11 سبتمبر كانت من تدبير قوى غربية سارعت بافتعال سبب يسوغ نقل المعركة مع الإسلام إلى أرضه ، وسنة الرب ، جل وعلا ، جارية بوقوع المدافعة الفكرية والقتالية بين حزب الحق وحزب الباطل إلى أن يرث ، جل وعلا ، الأرض ومن عليها ، فبها تستخرج عبوديات جليلة وتظهر آثار أسماء وصفات حميدة مجيدة .

وهذه رسالة أمريكية صريحة لمن يظن أن التغيير المرضي هو التغيير الأمريكي فالديمقراطية الأمريكية على ما فيها من عوار شرعي بل وفكري يقر به منظروها وإن وافقت الشرع في بعض آلياتها عرضا لا قصدا ، تلك الديمقراطية ، كما ينقل بعض الفضلاء عن بعض ساسة الغرب ، ليست للتصدير ، فهي منتج محلي يتداول في الداخل الغربي فقط وأما خارجه فلا مانع من دعم الأنظمة المستبدة ، بل ذلك الواجب المتعين لصيانة المصالح الغربية ومحاربة المد الإسلامي عن طريق وكلائها المعتمدين في بلادنا ، وليس ذلك دفاعا عن وضع شائه مترد أو تكريسا ورضى بالاستبداد فهو سبب كل فساد في الأديان والأخلاق ، وما صنعه إلا الغرب ثم بدأ أخيرا في حرق أوراقه بعد أن استنفدت أغراضها ، في عملية إحلال وتجديد فثم نجوم جديدة يروم الغرب صناعتها ولكن على نمط ديمقراطي هذه المرة ! ، فلن ينتفع المسلمون شيئا إن استبدلوا طرحا ديمقراطيا بآخر استبدادي ، إن كان كلاهما قد صنع على عين الغرب ، فعلاج الداء يكون بالاستمداد من أحكام الرسالة لا الاستمداد الخططي والمادي من المنظمات الغربية التي تستثمر أوضاعا حقوقية متردية في بلادنا لتخدع الناس ببريق الحرية الغربية التي تنقض بداهة عرى الشريعة المحكمة ، فإذا كان ثم عقلاء في الغرب يمكنهم التواصل مع غيرهم دون حاجة إلى التبول عليه ! فلا حرج في التواصل الفكري معهم في سياق المجادلة بالتي هي أحسن لا في سياق التلقي الذي يسلم صاحبه بكل ما يلقى على سمعه فقد هزم نفسيا قبل أن يسمع فسهل على خصمه أن يوحي إليه بما شاء من وساوس ! .

والله أعلى وأعلم .

Iamlookinforchange
02-23-2012, 05:47 PM
بارك الله فيك على هذا المقال

مواطن
02-23-2012, 08:32 PM
الشعوب الغربية هي المتحضرة تقريبا لا حكوماتهم
نعم ,, انها ضحية الاعلام الصهيوني الامريكي الذي حاول ان يشوه الاسلام بأي شكل
فصور لهم المسلمين على انهم قتلة وارهابيين
رغم ذلك فلم يقتنع البعض
اما الساسة الحكام في الولايات المتحدة ومنهم بوش
هم حيوانات او وحوش رغم ان الحيوانات اكرم منهم بمليون مرة
اما اصحاب التقنيات التكنلوجية العسكرية
هم العلماء الذين اسرتهم العصابة الحاكمة في الولايات المتحدة
فمصيرهم الهلاك لو خالفوا اوامرهم

اما اللجان الحقوقية فهي دائما تقف مع القوي
اذن الشعوب الاسلامية هي الضحية
لكن كيف تعالج الوضع ؟
1 - اذا كان العاقل منهم اذا تفاوض مع الضحية او المجني عليه يعتبر لا قيمة له ويعجز عن الدفاع عن المظلوم
2 - اذا كانت الشعوب الاسلامية منقسمة ومتناحرة
ومن السهل ان يزرع فيهم مزيد من الكراهية والتشاحن بين الاطياف
ها هي الان على مشارف حرب اهلية او طائفية