المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأحد - توحيد - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد



إلى حب الله
02-23-2012, 09:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم ..
هنا بإذن الله تعالى ستكون دروس الأحد في التوحيد بعرض كتاب :
( فتح المجيد ) للإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ..
في ( شرح كتاب التوحيد ) للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ...

للمزيد من المعلومات عن الدورة وروابطها < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35666)

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس التوحيد < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35659)

إلى حب الله
02-26-2012, 12:29 AM
الدرس (1) ..

بسم الله الرحمن الرحيم ..
بين أيدينا الآن كتاب : يتعلق بشرح أحد أشهر كتب التوحيد وهو كتاب التوحيد للشيخ مُجدد الدين : محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ..

ومن أحد أهدافي لاختيار هذا الكتاب : هو تعلقه بهذا الشيخ الذي أرق مضاجع أهل البدع والصوفية والرافضة وكل مَن سار على دربهم : حتى احتاروا فيما يصفونه به حتى يُنفروا الناس عنه !!..
فهو الذي أحيا الله تعالى على يده التوحيد من جديد في بلاد نجد بالدولة السعودية حاليا ً..
وهو الذي أعاد فهم الأمة للدين وعباداته : لفهم سلف الأمة الصالح للقرآن والسنة ..

حتى إذا ما خابت مساعى شانئيه ومبغضيه وكارهيه :
قرروا تسمية حركته التجديدية بـ : الوهابية !!!..
يريدون بذلك الإيحاء لعوام المسلمين ولمَن لم يعرفه : أن حركته إنما كانت حركة ذاتية : لمجده الشخصي البحت !!!!.. فاشتقوا من اسمه (محمد بن عبد الوهاب) وصفا ًوهو (الوهابيه) !!..

ثم شرعوا في نسج عشرات الأكاذيب عنه .. تارة بأنه يتساهل في التكفير ولو بتكفير المعين من غير بيان ٍولا حُجة (وتكفير المعين : أن يُسمي إنسانا ًبعينه كافرا ً) .. وتارة ًبأنه متشدد ومغالي إلخ إلخ ..
وما زال القاموس يلد أكاذب الصفات إلى اليوم : من كل كاره ٍللحق ..
حتى كانت من أواخر حيلهم : اللجوء إلى سيرة جهاده المسلح في بلاد نجد :
فتارة يصورون مجرد الجهاد وحشية !!.. وكأنها ليست من الإسلام في شيء !!.. وكأن رسول الله وخيرة صحابته لم يجاهدوا في حياتهم لإعلاء كلمة الحق والتوحيد !!!..
وتارة يقتطعون مشاهد سيرة جهاده المسلح : ويفصلون مقدماتها عن نتائجها : حتى يصوروه ومَن معه في صورة الإرهابيين القتلة النهابين المخادعين !!.. فإذا اعتدى عليه أحد الأشرار : لا يذكرون ذلك .. وأما إذا انتقم للحق واعتدى على المعتدي بالمثل : فيذكرون ذلك منفردا ً: وحتى يقلبوا الآية ويُشوهوا الصورة !!!..

ولهذا كله .. ولأن الرجل هو أحد أشهر مجددي الأمة في القرون الخالية ..
فرأيتها فرصة أن استعرض معكم هنا كتابه هذا : لنحكم على الرجل من خلاله :
فنكون قد جمعنا فائدة أخرى بجانب ما سنستخلصه من درر ما خطته يمينه عن التوحيد ..

< ومن الطرائف المتعلقة بهذا الكتاب .. أنه بلغ من تشنيع المرجفين على الشيخ رحمه الله : أن الناس والشيوخ في العديد من بلدان العالم صاروا يكرهوا مجرد اسمه : ولا يقبلون مَن يمدحه !!.. وعانى أحد طلاب العلم السلفيين من الهند من ذلك كثيرا ً.. وخصوصا ًمن أحد شيوخه .. فقرر أن يقوم بخدعة لطيفة لتغيير رأيهم في الشيخ - عمليا ً- فأحضر كتاب التوحيد هذا - وهو من أشهر كتب الشيخ - ثم نزع غلافه .. وطمس كل ما من شأنه كشف شخصية كاتبه .. ثم عرضه على شيخه : فأثنى عليه ذلك الشيخ الهندي إيما ثناء !!.. وتساءل عن كاتبه : فأخبره طالب العلم بالخبر ! >

لن أ ُطيل عليكم ...
فاليوم فقط هو اقتباسات من مقدمة الكتاب ومقدمة الشيخ عبد الرحمن .. ومقدمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه ...

< ملحوظة : عندما كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتاب التوحيد هذا : قام أحد أحفاده وهو الشيخ سليمان بن عبد الله بكتابة شرح له وأسماه : تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد .. ولكنه أطنب فيه وأطال .. فضلا ًعن أنه لم يكمله رحمه الله .. فقام ابن عمه : وهو أيضا ًحفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب : وهو صاحب كتابنا هذا الذي سنستعرضه : وهو الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : بتهذيب كتاب ابن عمه السابق واستكماله .. ثم أسماه : فتح المجيد شرح كتاب التوحيد .. وهو الذي بين أيدينا الآن ..
بقي أن نعرف أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وُلد في سنة 1115 وتوفي 1206 هـ رحمه الله ..
وأما حفيده الشيخ عبد الرحمن صاحب كتابنا هذا فولد في 1193 وتوفي 1285 هـ رحمه الله : وقد عاصر جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يقارب الثلاثة عشر عاما ً> ..
--------

جاء في هذه الطبعة بتحقيق الشيخ : محمد حامد الفقي :

" أما بعد : فإن كتاب التوحيد الذي ألفه الإمام شيخ الإسلام "محمد بن عبد الوهاب" أجزل الله له الأجر والثواب ، وغفر له ولمَن أجاب دعوته إلي يوم يقوم الحساب : قد جاء بديعا في معناه : من بيان التوحيد ببراهينه ، وجمع جملا من أدلته لإيضاحه وتبيينه . فصار عَلما للموحدين ، وحُجة على الملحدين . فانتفع به الخلق الكثير ، والجم الغفير . فإن هذا الإمام -رحمه الله- في مبدأ منشئه : قد شرح الله صدره للحق المبين ، الذي بعث الله به المرسلين : من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله رب العالمين ، وإنكار ما كان عليه الكثير من شرك المشركين ، فأعلى الله همته ، وقوى عزيمته ، وتصدى لدعوة أهل نجد إلى التوحيد ، الذي هو أساس الإسلام والإيمان ، ونهاهم عن عبادة الأشجار والأحجار والقبور ، والطواغيت والأوثان ، وعن الإيمان بالسحرة والمنجمين والكهان ، فأبطل الله بدعوته كل بدعة وضلالة يدعو إليها كل شيطان ، وأقام الله به علم الجهاد ، وأدحض به شبه المعارضين من أهل الشرك والعناد ، ودان بالإسلام أكثر أهل تلك البلاد ، الحاضر منهم والباد ، وانتشرت دعوته ومؤلفاته في الآفاق ، حتى أقر له بالفضل مَن كان من أهل الشقاق ، إلا مَن استحوذ عليه الشيطان ، وكره إليه الإيمان ، فأصر على العناد والطغيان "

وأقول أنا أبو حب الله ...
ولمَن لا يعرف حال الأمة الإسلامية في ذلك الوقت في القرن الثامن عشر ..
فقد استشرت بها البدع الشركية (من الشيعة الرافضة والصوفية) من كل الألوان والأصناف !!..
حتى صار المسلمون يُعظمون القبور والأضرحة وأصحابها !!.. ويدعونهم من دون الله !!.. ويستغيثون بهم !!!.. بل : وصاروا يعملون بالقول الكذوب مثلا ً: " مَن اعتقد في حجر ٍ: نفعه " !!!..
أي أن مَن اعتقد أن هذا الحجر هو واسطة بينه وبين الله : فيدعوه كما يدعو الولي الصوفي أو الإمام الشيعي : لنفعه ذلك الحجر لاعتقاده فيه !!!..
وأما قاصمة الظهر :
فهي أن دولة الخلافة العثمانية نفسها في تركيا : كانت ترفل في أغلبها في نحل الصوفية !!!..

ولهذا كله : عظم على الجميع دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في ذلك الوقت !!..
فالرجل كأنه امتداد شعاع نور بقية الحق عبر القرون : لإزالة ظلام الباطل !!!..
وسلاحه الماضي في ذلك والذي ألف المسلمين عواما ًوعلماء من حوله : هو التزامه بقال الله : قال رسول الله !!!..
فلا تأويلات الصوفية لجأ !!.. ولا تحريفات الشيعة الروافض والباطنية احترف !!!..
ولنقرأ معا ًاعترافات الغير مسلمين من المحققين أنفسهم !!!.. وهو مما قام بتجميعه الأخ الدكتور حسن المرسي من قبل ...

فهذا المستشرق "فرار" يذكر في كتاب (وجهة الإسلام ص 130) :
" أن الحركة السلفية كانت في القرن الثامن عشر على يد محمد بن عبد الوهاب : بمثابة مرحلة الإنتقال من مرحلة الدعوة النظرية : إلى مرحلة التطبيق العملي في العصر الحديث ، وسار على منوالها الكثير من حركات النهضة .. ويرى محمد إقبال : أن الإسلام ظل قرونًا كأنه لا يتحرك : حتى مهد قيام الوهابيين في القرن الثامن عشر : السبيل لمُصلحين آخرين " ...!

ويذكر الباحث الأمريكي "لوثروب ستودارد" في كتاب (حاضر العالم الإسلامي ص 38) : وذلك بعد أن سجل ورصد بدقة : معالم الانحطاط الديني التي كانت في عصر محمد بن عبد الوهاب ، فيعقب على ذلك كله قائلاً :
" فقامت الدعوة الوهابية للرجوع إلى الإسلام .. والأخذ به على أوّله وأصله ، ولبابه وجوهره ، أي إنما الاستمساك بالوحدانية التي أوحى الله بها إلى صاحب الرسالة – صلى الله عليه وسلم " ..!

ويقول " توماس أرنولد" في كتاب (الدعوة إلى الإسلام ص 468) :
" أن دعوة الامام محمد بن عبد الوهاب : أيقظت روح الإسلام : وأثمرت تأثيرا حاسمًا في كثير من الحركات التي : أحرزت السبق بين أقوى المؤثرات في العالم الإسلامي " ..!

ويقول الدكتور "سارطون" في كتاب (الثقافة الغربية ص 34) :
" الإسلام على أحسنه كما يبدو : في آثار السلفيين !!.. أي : الفقهاء الذين يريدون أن يرجعوا بالإسلام على ما كان عليه في أيام السلف الصالح من الصفاء !!.. أمثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب " ..!!

وفي الدراسة الموسوعية التي قام بها المستشرق الفرنسي "لاووست" عن ابن تيمية ونظريته السياسية والاجتماعية في كتاب (مختصر شرائع الإسلام في منهج ابن تيمية ص 404) : ختمها بعرض أمين لدعوى محمد بن عبد الوهاب ووصفها بأنها :
" أقل المذاهب الإسلامية التي تحقق هذا الإندماج بين الإخلاص القلبي الصحيح : وبين الاتباع الحرفي لأحكام الفقه : مثل ما فعلت الدعوة الوهابية التي يمكن تعريفها بأنها : أكمل الإخلاص في خدمة الشرع " ..!!

ثم يقرر "هنري لا ووست" في النهاية أن :
" هذه الحركة باتجاهها السني الخالص : هي بحق أحد المظاهر المتميزة للإسلام المعاصر.. وأنها فرضت إما احترامها وإما نقدها : على غالبية الرأي العام للإسلام المتنور .. وأن تأثيرها القوي واسع الانتشار : قد أثبت وجود رد فعل إسلامي عالمي " ..!

ويقول المهتدي للإسلام " محمد أسد" (وكان اسمه قبل اسلامه ليوبولد فايس) في كتاب (الطريق إلى الإسلام ص 199) :
" حركة ابن عبد الوهاب : ليس فيها أية مبادئ وتعاليم مستقلة ، بل على العكس ، لقد حاولت هذه الحركة أن تقضي على جميع البدع والقشور الداخلية التي نمت خلال العديد من العصور حول تعاليم الإسلام الأولى : وأن تعود إلى رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – الأصلية " ..

أقول :
فهل رأيتم مدى وضوح التصاق الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالرعيل الأول من النبي وصحابته : في أعين المنصفين والمحققين من غير المسلمين أنفسهم : عندما تخلو عن الأفكار المغلوطة المسبقة والتي تغشى العين والبصيرة ؟!!!..
--------

ونعود مرة أخرى إلى مقدمة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : حفيد الشيخ بن عبد الوهاب حيث يقول عن كتاب التوحيد لجده رحمه الله :

" وأما كتابه المذكور فموضوعه : في بيان ما بعث به الله رسله : من توحيد العبادة ، وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة ، وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر ، أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر ونحوه ، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه .
وقد تصدى لشرحه حفيد المصنف ، وهو الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله تعالى- فوضع عليه شرحا أجاد فيه وأفاد ، وأبرز فيه من البيان ما يجب أن يطلب منه ويراد ، وسماه "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد".
وحيث أ ُطلق "شيخ الإسلام" : فالمراد به أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ، و "الحافظ" : فالمراد به أحمد بن حجر العسقلاني.
ولما قرأت شرحه (أي شرح ابن عمه سليمان على كتاب التوحيد) : رأيته أطنب في مواضع ، وفي بعضها تكرار يستغنى بالبعض منه عن الكل .. ولم يكمله ، فأخذت في تهذيبه وتقريبه وتكميله ، وربما أدخلت فيه بعض النقول المستحسنة تتميما للفائدة ، وسميته "فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد".
--------

إلى هنا وأكتفي بهذا القدر من درس اليوم ..
وسوف أقتصر وأختصر كثيرا ًمن إسهابات الكتاب في شروح معاني الكلمات :
لأتفرغ بأكبر قدر ممكن من الوقت والجهد للتعرض لفحوى الكتاب نفسه من قضايا ومسائل التوحيد الهامة ..

والله الموفق ..

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس التوحيد < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35659)

إلى حب الله
03-03-2012, 11:55 PM
الدرس (2) ...

الإخوة الأحباب ...
لعلي هنا أنوه مرة أخرى إلى أن كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
هو كتاب مختصرٌ خفيفٌ في مأخذه .. غاية الفائدة والتركيز في محتواه ...
وذلك بعكس كتاب الشرح عليه وهو الذي بين أيدينا الآن : فتح المجيد :
فهو أطول منه بكثير ..
وفيه من الإسهاب في الشرح : ما فيه ...

ولذلك :
فأنا أختصر من الشرح وأنتقي منه على قدر الإمكان ما أشعر بتركيز فائدته لنا هنا ..
مع عرض نص الشيخ محمد بن عبد الوهاب الأصلي في آخر الدرس لمَن يريد ..
والله الموفق ..
--------

كتاب التوحيد ...
الذي هو حق الله علي العبيد ...

وسأنقل لكم الآن مقتطفات مما ذكره الشارح الشيخ عبد الرحمن - والترقيم من عندي - ...

1...
والتوحيد نوعان : توحيد في المعرفة والإثبات : وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات ..
وتوحيد في الطلب والقصد : وهو توحيد الإلهية والعبادة ..

2...
ومِن نقله لكلام ابن القيم رحمه الله : أستقطع منه الآتي :
" فإن القرآن :
إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله : فهو التوحيد العلمي الخبري ..
وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يُعبد من دونه : فهو التوحيد الإرادي الطلبي ..
وإما أمر ونهي .. وإلزام بطاعته وأمره ونهيه : فهو حقوق التوحيد ومكملاته ..
وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة : فهو جزاء توحيده ..
وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال .. وما يحل بهم في العقبى من العذاب : فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد ..
فالقرآن كله : في التوحيد .. وحقوقه .. وجزائه .. وفي شأن الشرك : وأهله : وجزائهم " ..

3...
وإليكم أيضا ًهذا النقل المُطول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" التوحيد الذي جاءت به الرسل : إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده : بأن يُشهد أن لا إله إلا الله : لا يُعبد إلا إياه .. ولا يُتوكل إلا عليه .. ولا يُوالى إلا له .. ولا يُعادى إلا فيه .. ولا يُعمل إلا لأجله ..
وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات .. قال تعالى :
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}
{وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}
وأخبر عن كل نبي من الأنبياء أنهم دعوا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له ..
وقال :
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} ..
وقال عن المشركين :
{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}
{وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} ..
وهذا في القرآن كثير ..
وليس المراد بالتوحيد : مجرد توحيد الربوبية ..
وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم : وكما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف ..
ويظن هؤلاء أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل : فقد أثبتوا غاية التوحيد !!!!..
وأنهم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه : فقد فنوا في غاية التوحيد !!!!..
فإن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات : ونزهه عن كل ما يُنزه عنه : وأقر بأنه وحده خالق كل شيء : لم يكن موحدا ًحتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده .. فيُقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة .. ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له ..
و"الإله" :
هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة .. وليس هو الإله بمعنى القادر على الاختراع ..
فإذا فسر المفسر "الإله" بمعنى القادر على الاختراع : واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الإله : وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد - كما يفعل ذلك مَن يفعله من متكلمة الصفاتية : وهو الذي يقولونه عن أبي الحسن وأتباعه - :
لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله صلي الله عليه وسلم !!..
فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء !!!..
وكانوا مع هذا مشركين !!.. قال تعالى :
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} !!!..
قالت طائفة من السلف :
" تسألهم من خلق السماوات والأرض ؟ فيقولون: الله. وهم مع هذا يعبدون غيره " !
قال تعالى :
{قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَقُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} !!!..
فليس كل مَن أقر بأن الله تعالي رب كل شيء وخالقه : يكون عابدا ًله دون ما سواه !!.. داعيا ًله دون ما سواه !!.. راجيا ًله خائفا ًمنه دون ما سواه !!.. يوالي فيه ويعادي فيه .. ويطيع رسله ويأمر بما أمر به : وينهى عما نهى عنه !!!..
وعامة المشركين أقروا بأن الله خالق كل شيء !!!.. وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به !!!.. وجعلوا له أندادا !!!.. قال تعالى :
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُون قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}
ولهذا كان أتباع هؤلاء : مَن يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها !!.. ويصوم وينسك لها ويتقرأ إليها !!.. ثم يقول :
إن هذا ليس بشرك !!.. إنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبرة لي !!.. فإذا جعلتها سببا وواسطة : لم أكن مشركا !!!.. ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام : أن هذا شرك " !!!..

4...
وينقل الشيخ عبد الرحمن رحمه الله في شرح آية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" العبادة : هي طاعة الله بامتثال ما أمر الله به : على ألسنة الرسل " ..
وقال أيضا :
" العبادة : اسم جامع لكل ما يُحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة " ..
ويقول ابن كثير رحمه الله :
" وعبادته : هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور .. وذلك هو حقيقة دين الإسلام .. لأن معنى الإسلام : الاستسلام لله تعالى : المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع " ..
انتهى.
وقال أيضا في تفسير هذه الآية :
" ومعنى الآية : أن الله خلق الخلق : ليعبدوه وحده لا شريك له .. فمَن أطاعه : جازاه أتم الجزاء .. ومَن عصاه : عذبه أشد العذاب .. وأخبر أنه غير محتاج إليهم .. بل هم الفقراء في جميع أحوالهم .. وهو خالقهم ورازقهم " ..
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الآية :
" إلا لآمرهم أن يعبدوني : وأدعوهم إلى عبادتي " ..
وقال مجاهد :
"إلا لآمرهم وأنهاهم " .. واختاره الزجاج وشيخ الإسلام .. قال :
" .... فيحصل لهم بفعله : سعادتهم .. ويحصل ما يحبه ويرضاه منه ولهم " ..
ويشهد لهذا المعنى : ما تواترت به الأحاديث ..
فمنها :
ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال :
" يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا : لو كانت لك الدنيا وما فيها ومثلها معها : أكنت مفتديا بها ؟.. فيقول : نعم .. فيقول : قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم : أن لا تشرك - أحسبه قال : ولا أ ُدخلك النار - فأبيت إلا الشرك " !!!..
فهذا المشرك :
قد خالف ما أراده الله تعالى منه : من توحيده .. وأن لا يشرك به شيئا ..
فخالف ما أراده الله منه : فأشرك به غيره ..

< وأقول أنا أبو حب الله : إذا كان هذا هو حال مَن عرف الله ولكنه أشرك به غيره .. فماذا عن الذي طمس فطرته بيده وجحد واستكبر وألحد وادعى عدم وجود الله تعالى أصلا ً؟!!.. اللهم عافنا >

5...
وقوله :
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}
الطاغوت : مشتق من الطغيان .. وهو مجاوزة الحد ..
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " إن الجبت : السحر .. والطاغوت : الشيطان " ..
وقال جابر رضي الله عنه : " الطاغوت كهان كانت تنزل عليهم الشياطين " ..
رواهما ابن أبي حاتم .. وقال مالك : " الطاغوت : كل ما عُبد من دون الله " ..
وقد جمع كل ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله فقال :
" الطاغوت : كل ما تجاوز به العبد حده : من معبود أو متبوع أو مطاع .. فطاغوت كل قوم : مَن يتحاكمون إليه غير الله ورسوله : أو يعبدونه من دون الله .. أو يتبعونه على غير بصيرة من الله .. أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله .. فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها : رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة الله تعالى إلى عبادة الطاغوت .. وعن طاعة رسول الله صلي الله عليه وسلم : إلى طاعة الطاغوت ومتابعته " ..

وأكتفي بهذا القدر الضئيل من شرح الشيخ عبد الرحمن رحمه الله ..
ولأستعرض معكم الآن كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه رحمه الله إذ يقول - مع بعض التقديم والتأخير اليسير مني - :
----------

كتاب التوحيد ...
الذي هو حق الله علي العبيد ...

قال ابن مسعود رضي الله عنه : " مَن أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه : فليقرأ قوله تعالى :
{ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى قوله : { وأن هذا صراطي مستقيما } الآية ..

ويقول الله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس : إلا ليعبدون } ..
وقوله : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا : أن أعبدوا الله واجتنبوا الطغوت } الآية ..
وقوله : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } الآية ..
وقوله : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا } الآية ..
وقوله : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم : ألا تشركوا به شيئا } الآيات ..

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي :
" يا معاذ .. أتدري ما حق الله على العباد ؟.. وما حق العباد على الله ؟.. فقلت : الله ورسوله أعلم .. قال : حق الله على العباد أن يعبدوه .. ولا يشركوا به شيئا .. وحق العباد على الله أن لا يُعذب مَن لا يشرك به شيئا .. فقلت : يا رسول الله .. أفلا أ ُبشر الناس ؟.. قال : لا تبشرهم فيتكلوا " أخرجاه في الصحيحين ..

وفي الحديث مسائل مستفادة :

الأولى: الحكمة في خلق الجن والإنس.
الثانية: أن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه.
الثالثة: أن مَن لم يأت به لم يعبد الله، ففيه معنى قوله تعالى: { ولا أنتم عابدون ما أعبد }.
الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل.
الخامسة: أن الرسالة عمَّت كل أمة.
السادسة: أن دين الأنبياء واحد.
السابعة: المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت، ففيه معنى قوله: { فمَن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله } الآية.
الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عُبِد من دون الله.
التاسعة: عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف. وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك.
العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشرة مسألة، بدأها الله بقوله: { لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا } ، وختمها بقوله: { ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا } ، ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله: { ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة }.
الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقوله: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا }.
الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله عند موته.
الثالثة عشرة: معرفة حق الله تعالى علينا.
الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه.
الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة.
السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة.
السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسره.
الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.
التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم : الله ورسوله أعلم.
العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض.
الحادية والعشرون: تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه.
الثانية والعشرون: جواز الإرداف على الدابة.
الثالثة والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل.
الرابعة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة.

والله الموفق ..

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس التوحيد < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35659)

إلى حب الله
03-18-2012, 02:24 PM
الدرس (3) ...

باب : فضل التوحيد : وما يُكفِّر من الذنوب ...

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :

وقول الله تعالى: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) الآية.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله :
( مَن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل). أخرجاه.

ولهما (أي البخاري ومسلم أيضا ً) في حديث عتبان:
( فإن الله حرم على النار مَن قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله قال:
( قال موسى: يا رب، علمني شيئا أذكرك وأدعوك به. قال: يا موسى: قل لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله الله في كفة، مالت بهن لا إله الله). رواه ابن حبان، والحاكم وصححه.

وللترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله يقول:
( قال الله تعالى: يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ).

فيه مسائل (أي في هذا الباب بناء على الأحاديث السابقة) :

الأولى: سعة فضل الله.
الثانية: كثرة ثواب التوحيد عند الله.
الثالثة: تكفيره مع ذلك للذنوب.
الرابعة: تفسير الآية التي في سورة الأنعام.
الخامسة: تأمل الخمس اللواتي في حديث عبادة بن الصامت.
السادسة: أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده تبين لك معنى قول: (لا إله إلا الله) وتبين لك خطأ المغرورين.
السابعة: التنبيه للشرط الذي في حديث عتبان.
الثامنة: كون الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل لا إله إلا الله.
التاسعة: التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات، مع أن كثيرا ممَن يقولها يخف ميزانه.
العاشرة: النص على أن الأرضين سبع كالسموات.
الحادية عشرة: أن لهن عُمّارا.
الثانية عشرة: إثبات الصفات، خلافا للأشعرية.
الثالثة عشرة: أنك إذا عرفت حديث أنس، عرفت أن قوله في حديث عتبان: ( فإن الله حرم على النار مَن قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله ) أنه ترك الشرك، ليس قولها باللسان.
الرابعة عشرة: تأمل الجمع بين كون عيسى ومحمد عبدي الله ورسوليه.
الخامسة عشرة: معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله.
السادسة عشرة: معرفة كونه روحا منه.
السابعة عشرة: معرفة فضل الإيمان بالجنة والنار.
الثامنة عشرة: معرفة قوله: (على ما كان من العمل).
التاسعة عشرة: معرفة أن الميزان له كفتان.
العشرون: معرفة ذكر الوجه.

انتهى هذا الباب من كتاب الشيخ رحمه الله ...
والآن .. مع بعض المقتطفات اليسيرات من شرح : فتح المجيد ..
والله المستعان .. وجاء فيه :
-----

1...
وساق البخاري بسنده فقال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثني إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (أي ابن مسعود) رضي الله عنه قال:
"لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قلنا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم، بشرك. أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} " ...

2...
وقد سأل أبو بكر الصديق رضي الله عنه النبي صلي الله عليه وسلم فقال:
" يا رسول الله، أينا لم يعمل سوءا ؟ فقال: يا أبا بكر ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ أليس يصيبك اللأواء؟ فذلك ما تجزون به " رواه أحمد وابن حبان والحاكم ..
فبين بذلك أن المؤمن الذي إذا مات دخل الجنة قد يجزى بسيئاته في الدنيا بالمصائب. فمَن سلم من أجناس الظلم الثلاثة: الشرك، وظلم العباد، وظلمه لنفسه بما دون الشرك، كان له الأمن التام والاهتداء التام، ومَن لم يسلم من ظلمه لنفسه كان له الأمن والاهتداء المطلق، بمعنى أنه لا بد أن يدخل الجنة كما وعد بذلك في الآية الأخرى. وقد هداه الله إلى الصراط المستقيم الذي تكون عاقبته فيه إلى الجنة، ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه، وليس مراد النبي صلي الله عليه وسلم بقوله: " إنما هو الشرك " أن مَن لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والاهتداء التام، فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف; لم يحصل لهم الأمن التام والاهتداء التام اللذين يكونون بهما مهتدين إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم; من غير عذاب يحصل لهم. بل معهم أصل الاهتداء إلى هذا الصراط، ومعهم أصل نعمة الله عليهم ولا بد لهم من دخول الجنة.

3...
قال في قرة العيون: وقد تضمنت هذه الكلمة العظيمة نفيا وإثباتا, فنفت الإلهية عن كل ما سوى الله بقولك: (لا إله)، وأثبتت الإلهية لله بقولك: (إلا الله) قال تعالى: 3: 18 (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم), فكم ضل بسبب الجهل بمعناها مَن ضل وهم الأكثرون, فقلبوا حقيقة المعنى فأثبتوا الإلهية المنفية لمن نفيت عنه من المخلوقين أرباب القبور والمشاهد والطواغيت والأشجار والأحجار والجن وغير ذلك, واتخذوا ذلك دينا وشبهوا وزخرفوا, واتخذوا التوحيد بدعة وأنكروه على مَن دعاهم إليه; فلم يعرفوا منها حتى ما عرفه أهل الجاهلية من كفار قريش ونحوهم. فإنهم عرفوا معناها وأنكروا ما دلت عليه من الإخلاص كما قال تعالى: 37: 36,35 (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون)، والمشركون من أواخر هذه الأمة أنكروا ما أنكره أولئك على مَن دعاهم إلى ترك عبادة ما كانوا يعبدونه من دون الله من الموتى والقبور والمشاهد والطواغيت ونحوها، فأولئك عرفوا هذا المعنى وأنكروه، وهؤلاء جهلوا هذا المعنى وأنكروه، فلهذا تجده يقول: لا إله إلا الله, وهو يدعو مع الله غيره!!..

سبب ذلك أن عرب الجاهلية هم أهل لغة القرآن الفصحاء، فلا يجهلون شيئا من معنى التوحيد الذي قرره. وأما هؤلاء الذين فشا فيهم اليوم شرك العبادة فليسوا من أهل ملكة هذه اللغة، وإنما يدينون بالاصطلاحات التي تلقاها بعضهم من بعض من كلامية وعامية. وإذا كان مثل الفخر الرازي من أكبر أئمة متكلميهم وأصولييهم أخطأ في فهم معنى الإله في تفسير قوله تعالى: (قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) , فما الظن بمَن دونه من علمائهم، دع عامتهم ودهماءهم؟ هل يستغرب منهم الجهل بأن مَن دعا ميتا أو صالحا حيا فيما لا يدعى فيه إلا الله, أو طاف بقبره ونذر له يكون عابدا له ومتخذا له إلها ؟!!.

4...
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: " باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها؛ ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعا" ا هـ
وفي هذا الحديث ما يدل على هذا. وهو قوله: "مَن شهد" فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق.

5...
فالعبادة بجميع أنواعها إنما تصدر عن تأله القلب بالحب والخضوع والتذلل رغبا ورهبا، وهذا كله لا يستحقه إلا الله تعالى، كما تقدم في أدلة هذا الباب وما قبله. فمَن صرف من ذلك شيئا لغير الله فقد جعله لله ندا، فلا ينفعه مع ذلك قول ولا عمل.

6...
فما أجهل عباد القبور بحالهم! وما أعظم ما وقعوا فيه من الشرك المنافي لكلمة الإخلاص لا إله إلا الله! فإن مشركي العرب ونحوهم جحدوا لا إله إلا الله لفظا ومعنى، وهؤلاء المشركون أقروا بها لفظا وجحدوها معنى، فتجد أحدهم يقولها وهو يأله غير الله بأنواع العبادة، كالحب والتعظيم، والخوف والرجاء، والتوكل والدعاء، وغير ذلك من أنواع العبادة. بل زاد شركهم على شرك العرب بمراتب، فإن أحدهم إذا وقع في شدة أخلص الدعاء لغير الله تعالى، ويعتقدون أنه أسرع فرجا لهم من الله، بخلاف حال المشركين الأولين; فإنهم كانوا يشركون في الرخاء، وأما في الشدائد فإنما يخلصون لله وحده، كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} الآية. فبهذا يتبين أن مشركي أهل هذه الأزمان أجهل بالله وبتوحيده من مشركي العرب ومن قبلهم .

7...
وروى الدارمي في مسنده عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه (وكان من أكابر اليهود في المدينة فأسلم) .. كان يقول:
" إنا لنجد صفة رسول الله صلي الله عليه وسلم: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميته المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويتجاوز، ولن أقبضه حتى يقيم الملة المتعوجة بأن يشهد أن لا إله إلا الله، يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ".
قال عطاء بن يسار: وأخبرني أبو واقد الليثي أنه سمع كعبا يقول مثل ما قال ابن سلام ..
وفي الرواية عن كعب: "نجده مكتوبا في التوراة".

والله الموفق ..

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس التوحيد < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35659)

إلى حب الله
03-25-2012, 06:30 PM
الدرس (4) ...

باب : مَن حقق التوحيد : دخل الجنة بغير حساب ...

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :

وقول الله تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ) ..
وقال: ( والذين هم بربهم لا يشركون ) ..

فعن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ فقلت: أنا .. ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة .. ولكني لُدِغت .. قال : فما صنعت ؟ قلت : ارتقيت (أي طلب الرقية الشرعية) قال : فما حملك على ذلك ؟ قلت : حديث حدثناه الشعبي .. قال : وما حدثكم ؟ قلت : حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال : ( لا رقية إلا من عين أو حمة ) .. قال : قد أحسن مَن انتهى إلى ما سمع .. ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( عُرضت عليّ الأمم .. فرأيت النبي ومعه الرهط (أي الجماعة من الناس أقل من عشرة أفراد وهم أتباعه المؤمنين) والنبي ومعه الرجل والرجلان !!.. والنبي وليس معه أحد (أي لم يتبع دعوته لله أحد !!) .. إذ رُفع لي سواد عظيم (كناية عن العدد الكبير) فظننت أنهم أمتي .. فقيل لي : هذا موسى وقومه .. فنظرت : فإذا سواد عظيم .. فقيل لي : هذه أمتك : ومعهم سبعون ألفا ً: يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ) ..
ثم نهض (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) فدخل منزله .. فخاض الناس في أولئك (أي في استنباط مَن يكونون) .. فقال بعضهم : فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقال بعضهم : فلعلهم الذين وُلدوا في الإسلام : فلم يُشركوا بالله شيئا ً!!.. وذكروا أشياء .. فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه فأخبروه .. فقال :
( هم الذين : لا يسترقون .. ولا يكتوون .. ولا يتطيرون .. وعلى ربهم يتوكلون ) ..
فقام عكاشة بن محصن فقال : ا ُدع الله أن يجعلني منهم .. قال : ( أنت منهم ) ..
ثم قام رجل آخر فقال : ا ُدع الله أن يجعلني منهم .. فقال : ( سبقك بها عكاشة ) ..

والحديث فيه مسائل :

الأولى : معرفة مراتب الناس في التوحيد ..
الثانية : ما معنى تحقيقه (أي تحقيق التوحيد) ..
الثالثة : ثناؤه سبحانه على إبراهيم عليه السلام بكونه لم يكن من المشركين ..
الرابعة : ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك ..
الخامسة : كون ترك الرقية والكي : من تحقيق التوحيد ..
السادسة : كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل ..
السابعة : عُمق علم الصحابة لمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل ..
الثامنة : حرصهم على الخير ..
التاسعة : فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية ..
العاشرة : فضيلة أصحاب موسى ..
الحادية عشرة : عرض الأمم عليه عليه الصلاة والسلام ..
الثانية عشرة : أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها ..
الثالثة عشرة : قلة مَن استجاب للأنبياء ..
الرابعة عشرة : أن مَن لم يُجبه أحد من الأنبياء : يأتي وحده ..
الخامسة عشرة : ثمرة هذا العلم : وهو عدم الاغترار بالكثرة : وعدم الزهد في القلة ..
السادسة عشرة : الرخصة في الرقية من العين والحمة ..
السابعة عشرة : عُمق علم السلف لقوله : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع .. ولكن كذا وكذا .. فعلم أن الحديث الأول لا يُخالف الثاني ..
الثامنة عشرة : بُعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه ..
التاسعة عشرة : قوله : ( أنت منهم ) : علم من أعلام النبوة ..
العشرون : فضيلة عكاشة رضي الله عنه (أقول : ومعه فضل السبق إلى الخيرات واغتنامها قبل غيره وقبل فوات الفـُرص) ..
الحادية والعشرون : استعمال المعاريض (وهي ما يُقال من الحق بديلا ًعن الكذب فيظنه السامع شيئا ًغير مراد قائله) ..
الثانية والعشرون : حُسن خلقه صلى الله عليه وسلم ..

انتهى هذا الباب من كتاب الشيخ رحمه الله ...
والآن .. مع بعض المقتطفات اليسيرات من شرح : فتح المجيد مع بعض التصرف ..
والله المستعان .. وجاء فيه :
-----

1...
جاء في قرة العيون :
" وتحقيق التوحيد عزيز في الأمة لا يوجد إلا في أهل الإيمان الخلص الذين أخلصهم الله واصطفاهم من خلقه كما قال تعالى في يوسف عليه السلام :
( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) بفتح اللام .. وفي قراءة (المخلصين) بكسرها ..
وهم في صدر هذه الأمة كثيرون وفي آخرها هم الغرباء !!.. وقد قلوا !!.. وهم الأعظمون قدرا عند الله .. وقال تعالى عن خليله عليه السلام :
( قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) ..
أي أخلصت ديني وأفردت عبادتي للذي فطر السماوات والأرض أي : خلقهما وابتدعهما على غير مثال ٍسبق .. (حنيفا) أي : في حال كوني حنيفا ًأي مائلا ًعن الشرك إلى التوحيد ..

وفي معنى الحنيفية يقول ابن القيم رحمه الله :
" الحنيف : المقبل على الله .. المعرض عن كل ما سواه " ..

2...
قال الله تعالى :
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ..
فيه وصف إبراهيم عليه السلام بهذه الصفات التي هي الغاية في تحقيق التوحيد :
الأولى :
أنه كان أمة .. أي قدوة وإماما ًمعلما للخير يُؤتم به .. وما ذاك إلا لتكميله مقام الصبر واليقين اللذين تنال بهما الإمامة في الدين ..
الثانية :
قوله : "قانتا" قال شيخ الإسلام :
" القنوت : دوام الطاعة .. والمصلي إذا أطال قيامه أو ركوعه أو سجوده : فهو قانت .. قال تعالى :
{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} ..
الثالثة :
أنه كان حنيفا ًوقد سبق بيان معناها ..

3...
قوله : " قد أحسن من انتهى إلى ما سمع " أي :
مَن أخذ بما بلغه من العلم وعمل به : فقد أحسن : بخلاف مَن يعمل بجهل .. أو لا يعمل بما يعلم : فإنه مسيء آثم ..
وفيه فضيلة علم السلف وحُسن أدبهم ..

4...
قوله : " لا رقية إلا من عين أو حمة " :
العين : وهي إصابة العائن غيره بعينه .. وهي مثل الحسد في التأثير ولكن : قد تصدر عن مسلم طيب القلب .. مثل أن يصيب الأب أو الأم ولديهما أو الصديق صديقه إلخ .. وذلك بسبب أنه إذا رأى نعمة ًعليه : لم يقل ما شاء الله تبارك الله ونحوها من التبريك وذكر الله عند رؤية نعمته ..
وأما الحمة - بضم الحاء وتخفيف الميم - : فسم العقرب وما شابهه في الأثر وارتفاع الحرارة إلخ ...
قال الخطابي :
" ومعنى الحديث : لا رقية أشفى وأولى من رقية العين والحمة .. وقد رَقى النبي صلي الله عليه وسلم ورُقي " ..
يقصد رحمه الله : أن النبي رقى غيره كالحسن والحسين رضي الله عنهما .. وأن جبريل رقى النبي صلى الله عليه وسلم ..

5...
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يسترقون .. ولا يكتوون .. ولا يتطيرون .. وعلى ربهم يتوكلون " ..

>> " لا يسترقون " :
أي لا يطلبون الرقية من غيرهم لما في ذلك من الالتفات لغير الله وقت الحاجة .. ولا حرج من أن يرقوا أنفسهم أو يرقوا غيرهم أو يرقيهم غيرهم بغير طلب منهم كما فعل جبريل مع النبي .. وأما زيادة ( ولا يرقون ) في بعض روايات الحديث : فأنكرها أكثر أهل العلم ..

>> " لا يكتوون " :
أي لا يطلبون من غيرهم أن يكويهم بغرض الشفاء .. والحديث أيضا ًليس لتحريم الاكتواء للشفاء : فقد أمر به النبي لأكثر من واحد من الصحابة - مع تصريح النبي في إحدى الروايات بأنه لا يُحبه - .. ولكن الحديث يصف هؤلاء الداخلين الجنة بغير حساب : بتمام التوكل على الله .. ويوجز ابن القيم رحمه الله ذلك الموقف من الاكتواء في أحاديث النبي بقوله :
" قد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع :
"أحدها" : جواز فعله ..
"والثاني" : عدم محبته ..
"والثالث" : الثناء على مَن تركه (أقول : وهو مثل حديثنا هنا) ..
"والرابع" : النهي عنه ..
ولا تعارض بينها بحمد الله .. فإن فعله : يدل على جوازه .. وعدم محبته له : لا يدل على المنع منه .. وأما الثناء على تاركه : فيدل على أن تركه أولى وأفضل .. وأما النهي عنه : فعلى سبيل الاختيار والكراهة " ..

>> " لا يتطيرون " :
أي لا يتشاءمون بالطيور ونحوها .. وقد كان العرب قديما ًإذا أرادوا أمرا ًهاما ًأو الخروج مثلا ًفي سفر : أطلقوا طائرا ًلأعلى .. فإن طار يمينا ًفعلوا أو خرجوا وسافروا : وإن طار شمالا ًتشاءموا ولم يفعلوا .. وكل ذلك من الشرك بالله تعالى إذ هو وحده الضار النافع سبحانه .. ومَن اعتقد في مثل هذه الأشياء فقد ضل وقد اختل إيمانه ونقص !!.. وسيأتي تفصيل تلك الطيرة والتشاؤم في باب مستقل بإذن الله لأهميتها في العقيدة والتوحيد ..

>> " وعلى ربهم يتوكلون " :
التوكل على الله : لا يعني التواكل أي ترك الأخذ بالأسباب .. بل يأخذ المسلم بالأسباب المشروعة : وهو يعلم يقينا ًبأن ما شاءه الله كان : وما لم يشأ لم يكن ..

والحديث في مجمله :
ليس فيه الأمر بترك الأخذ بالأسباب أو عدم التداوي .. ولكنه قد أعطى بعض الصور فقط لفئة من المؤمنين : تعالى توكلها على الله بالأشياء المذكورة .. وإذا سأل سائل :
هل التداوي واجب على المسلم المريض أم لا ؟.. فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك رحمه الله :
" ليس بواجب عند جماهير الأئمة .. وإنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد " ..

6...
وأما الفائدة الأخيرة التي انتقيتها من فتح المجيد على هذا الباب فهي :
تعريض النبي بقوله ( سبقك بها عكاشة ) لسد باب سؤال تلك الفضيلة من كل مَن حضر النبي في ذلك الموقف أو حتى عاصره في حياته !!!!..

والله الموفق ..

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس التوحيد < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35659)