المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثلاثاء - أصول فقه - الواضح في أصول الفقه



إلى حب الله
02-23-2012, 09:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم ..
هنا بإذن الله تعالى ستكون دروس الثلاثاء في أصول الفقه بعرض كتاب :
( الواضح في أصول الفقه ) للشيخ محمد سليمان عبد الله الأشقر ...

للمزيد من المعلومات عن الدورة وروابطها < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35666)

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس أصول الفقه < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35661)

إلى حب الله
02-27-2012, 11:37 PM
الدرس (1) ..

الإخوة الكرام .. ما أجمل من أن يكون البيت الطيب جامعا ًللخير :
يحث بعضه بعضا ًعليه !!..

فهذا بيت ٌطيب - ورغم أ ُمية الوالد سليمان رحمه الله - : إلا أنه كان يحب العلم والعلماء :
فيسر لولده الأكبر محمد الانخراط في ذلك : حتى صار الابن محمد شيخا ًيُشار إليه بالبنان !
ثم بارك الله في الابن الأصغر أيضا ًعمر : فتتلمذ أول ما تتلمذ على يد أخيه الأكبر !!!..
نعم ...
أتحدث هنا عن الشيخ صاحب كتابنا اليوم : محمد سليمان عبد الله الأشقر رحمه الله ..
وهو من مواليد 1930م .. وهذا رابط للتعريف به :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85% D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B4%D9%82%D8%B1

وأما أخوه الأصغر منه بعشر سنوات (مواليد 1940م) والذي تتلمذ على يديه :
فهو الشيخ : عمر سليمان عبد الله الأشقر ..
وهذا رابط للتعريف به هو الآخر :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%85%D8%B1_%D8%A8%D9%86_%D8%B3%D9%84%D9%8A %D9%85%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B4%D9%82% D8%B1

والكتاب الذي اخترته لكم اليوم :
هو كتابٌ شهير ٌقيم ٌللشيخ محمد سليمان عبد الله الأشقر .. تعمد فيه تنقيحه وتسهيله من واقع خبرته في دروسه مع طلبة العلم - وخصوصا ًالمبتدئين - : ليكون زادا ًسهل التناول لكل مَن ابتغى التعرض لهذا الباب الهام من أبواب الفقه وهو : أصول الفقه ..
وقد أخبر في مقدمته أنه سيسير فيه غالبا ًعلى طريقة جمهور العلماء .. إلا بعض المباحث اليسيرة التي ربما سار فيها على طريقة الأحناف ..

لن أطيل عليكم ..
ولكن قبل عرض نص مقدمات الشيخ من كتابه :
أود التمهيد أولا ًببعض التعريفات اليسيرات لكي تستوعبوا المقدمة للشيخ ..
فأقول والله المستعان ..
------------

1...
كلمة الفقه : تعني الفهم .. وفقه الدين : هو فهمه ..

2...
نعرف أن لكل شيء : قواعد وأصول تسبقه .. ثم هو يقوم ويعتمد عليها ..
وكذلك علم الفقه .. له قواعد وأصول تسبقه .. ثم هو يقوم ويعتمد عليها ..
وتلك هي التي نسميها : أصول الفقه .. أي :
مجموعة القواعد التي نعتمد عليها في معرفة الأحكام والفقهية واستنباطها من أدلتها ..
فعندما أقول مثلا ًلشيء ما : حلالا ًأو حراما ً: فهذا حكم فقهي شرعي .. ولكن :
على ماذا استندت في استنباطي وأدلتي على هذا الحلال أو ذلك الحرام ؟!!..
هنا يأتي دور قواعد أصول الفقه !!..
فأي حكم فقهي شرعي : بالتأكيد اعتمد أولا ًعلى أصول لاستنباطه ..
وتلك الأصول : قد أوجد لها العلماء قواعد .. وهي التي صار اسمها :
قواعد أصول الفقه .. وسوف تأتي أمثلة لكل ذلك بعد لحظات ..

3...
ولذلك فالحكم الفقهي : يُسميه العلماء : حكم شرعي فرعي ..
وكلمة فرعي هنا أي : تفرع عن أصول الفقه وقواعده ..

4...
ومن كل هذا نخلص إلى أن موضوع كتابنا الرائع هذا الذي سنتناوله بإذن الله تعالى :
سوف ينصب كله على التعريف بهذا العلم الشرعي العقلي اللذيذ وقواعده وأدلته وهو :
علم أصول الفقه ...

وبعد هذا التمهيد السريع :
تعالوا نستعرض معا ًنص تلك المقدمات للشيخ الأشقر من كتابه ..
والتي أفرغها لنا كتابة ًالأخ سبح الله تغنم مشكورا ًوجزاه الله عنا خيرا ً..
مع التنويه لإضافتي لبعض الحروف والكلمات اليسيرة وسط كلام الشيخ لتيسير المعنى ..
مع وضعي لبعض الجمل التوضيحية مني بين قوسين ..
والله الموفق ..
-----------

** التعريف بعلم أصول الفقه **

علم أصول الفقه هو : مجموعة القواعد العامة : التي تـُستخدم في استنباط الأحكام الشرعية الفرعية : من أدلتها التفصيلية .. ولنضرب لذلك أمثلة :

قال الله تعالى : (وأقيموا الصلاة .. وآتوا الزكاة) .. (البقرة: 43)

فهذا دليل تفصيلي (يقصد الشيخ : تلك الآية) : يُستفاد منه حكم شرعي فرعى وهو : (وجوب إقامة الصلاة) .. و (وجوب إيتاء الزكاة) .. وأما طريق استفادة الحكم الأول (أي وجوب الصلاة) من الدليل التفصيلي (وهو الآية) فهي هكذا :

(1) أقيموا الصلاة : أمر ..
(2) والأمر : يقتضى الوجوب ..
إذا ً: إقامة الصلاة واجب ..

وللحكم الثاني (أي وجوب الزكاة) :

(1) آتوا الزكاة : أمر ..
(2) والأمر : يقتضى الوجوب ..
إذا ً: إيتاء الزكاة واجب ..

فقولنا : ( أقيموا الصلاة : أمر ) .. ( آتوا الزكاة : أمر ) : فهذا يُفهم من اللغة .. وليس من علم أصول الفقه ..
أما قولنا : ( والأمر يقتضى الوجوب ) .. فهذه قاعدة أصولية عامة لابد منها لفهم الحكم .. بل : إن فهمه ينبني عليها : أو يتفرع عنها .. بل ويتفرع عنها (أي قاعدة الأمر يقتضي الوجوب) مسائل كثيرة جدا ً.. وردت فيها أوامر شرعية .. في أبواب العبادات وغيرها .. وهى – لذلك - : قاعدة من قواعد علم أصول الفقه .. ومسألة من مسائله ..

أما نتيجة هذا الاستدلال وهى : ( وجوب إقامة الصلاة ) مثلا ً: فهي قاعدة فقهية فرعية .. لأنها فى مسألة فرعية خاصة : وليست من علم الأصول في شيء .. بل من علم الفقه ..

وهكذا يكون من علم أصول الفقه أيضا القواعد التالية (أي كأمثلة) :
1- النهى يقتضى التحريم ..
2- السنة الفعلية حُجة على العباد ..
3- الإجماع السكوتى لا يُحتج به ..
4- الأمر بالأداء ليس أمراَ بالقضاء ..

** علم أصول الفقه وعِلم أصول الدين **

درجت عادة العلماء أن يطلقوا عبارة (علم أصول الدين) على علم العقائد .. وهى أصول الإيمان الستة وما أ ُلحق بها (يقصد الشيخ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) .. وهى شئ آخر غير علم أصول الفقه .. وقد يُعبرون عن النوعين بمصطلح : (الأصلين) ..

** الفرق بين علم أصول الفقه وعلم الفقه **

علم الفقه :
هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المتعلقة بأفعال العباد (1) .. سواء فى عباداتهم أو معاملاتهم أو علاقاتهم الأسرية أو جناياتهم .. والعلاقات بين المسلمين بعضهم وبعض .. وبينهم وبين غيرهم في السلم والحرب .. وغير ذلك .. والحكم على تلك الأفعال بأنها واجبة .. أو محرمة .. أو مندوبة .. أو مكروهة .. أو مباحة .. وأنها صحيحة .. أو فاسدة .. أو غير ذلك : وذلك كله بناء على الأدلة التفصيلية الواردة فى الكتاب والسنة وسائر الأدلة المعتبرة ..
.................................................. ........
(1) هذا الاصطلاح للفقه هو للمتأخرين (يقصد الشيخ للعلماء الأبعد من زمن النبي والقرون الأولى .. وعكسهم أن يُقال علماء متقدمين : أي أقرب لزمن النبي والقرون الأولى) .. أما في الكتاب والسنة : فإن (الفقه) أشمل من هذا .. فهو يعم فهم جميع الشريعة والعقيدة .. ومن جملة ذلك : معرفة حقوق الله .. ووحدانيته .. وتقديسه عن النقائص .. وخشيته .. ومعرفة أنبيائه ورسله .. ويعم أيضا على الأخلاق والآداب .. والقيام بحق العبودية لله تعالى .. قال الله تعالى : (فلولا نفر من كل فرقةٍ منهم طائفة ٌليتفقهوا في الدين) .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((مَن يُرد الله به خيرا ً: يُفقههُ في الدين)) وقال ((الناس معادن .. خيارهم في الجاهلية : خيارهم في الإسلام : إذا فقهوا)) ..

فعلم الفقه :
هو العلم الذي يبين لنا أن الصلوات الخمسة في اليوم والليلة : واجبة .. وأن من شروط وجوبها مثلا ً: الأهلية (أي أهلية المسلم لأدائها من البلوغ والعقل إلخ) .. ودخول الوقت .. وأن من مفسداتها : الكلام فيها .. وانتقاض الطهارة .. إلى غير ذلك .. ويبين لنا (أي علم الفقه) أيضا ً: حرمة أكل لحم الخنزير وشحمه وسائر أجزائه .. وهكذا ..
فإن العلم بأي خطاب لله تعالى يتعلق بفعل الإنسان : هو من علم الفقه .. سواء كان الخطاب يطلب الفعل أو يمنعه .. أو يُعلق طلبه أو منعه أو صحته أو فساده على أمر أخر .. فكل ذلك من علم الفقه ..

ومن علم الفقه أيضا ً: العلمُ بالدليل الشرعي التفصيلي من الكتاب والسنة أو غيرهما .. وذلك لكل مسألة من هذه المسائل ..

وأما الفقيه : فهو المجتهد .. القادر على الإفتاء .. وبشروطه التي سيأتي ذكرها في الباب التاسع .. والمقلد : ليس فقيهاً ..

أما علم أصول الفقه :
فهو الذي يبين لنا : ما هي طبيعة الأحكام الشرعية : بصفتها الإجمالية (أي تعطي قواعده احكاما ًإجمالية ليست خاصة بمسألة معينة .. كقاعدة الأمر يقتضي الوجوب مثلا ً) .. وما خصائص كل نوع من الأحكام .. وكيفية ارتباط أنواعها بعضها ببعض ..

ويبين لنا أيضا ً: كيف نستنبط الحكم من دليله .. كاستنباطه من صراحة نص الآية القرآنية .. أو الحديث الشريف .. أو من مفهومهما .. أو من القياس عليهما .. أو بغير ذلك (وكما سيأتي إن شاء الله من باقي كتاب الشيخ) .. وكيف نصنع إذا كان الدليل فعلا نبوياً (أي المنقول هو فعل عن النبي وليس قول له) ؟؟..

ويبين لنا أيضا ً: مَن الشخص الذي يستطيع الاستنباط .. وما هي مؤهلاته ؟..

ويبين لنا كذلك : كيف يصنع المجتهد : إذا تعارضت عنده الأدلة ؟.. من الجمع بينها إذا أمكن .. وتقديم الخاص منها على العام .. ومتى يجوز اعتبار بعضها ناسخاَ لبعض ؟ ونحو ذلك من المباحث ..

وقد سُمى علم (أصول الفقه) بهذا الاسم : لأن قواعده هي (أصول) أي : أ ُسس يُبنى عليها علم الفقه .. ومن هنا سُمى علم الفقه أيضا ًبعلم (الفروع) : لأنه يتفرع عن علم الأصول ..

وسُمى علم أصول الفقه أيضاَ بعلم (الاجتهاد) : لأنه هو الذي يفتح باب الاجتهاد .. ويُذلل السبيل للمجتهدين : وذلك ليستنبطوا الأحكام الفرعية والفتاوى الشرعية : فى الأمور المستجدة على هدى وبصيرة .. ويبين لهم : كيفية الترجيح عند تعارض الأدلة في نظرهم ..

فموضوع علم الفقه الذي تدور عليه مسائله هو : أفعال المـُـكلـَفين ..
وأما موضوع علم أصول الفقه الذي تدور حوله مسائله هو : الحكم الشرعي من حيث استنباطه من الأدلة المعتبرة ..

وإجمالا ً.. لابد للقاعدة الأصولية من دليل ..
فالقواعد الأصولية وكما قلنا : تنبني عليها الفروع التشريعية .. ولما كان الحكم الفرعي بحاجة إلى دليل لإثباته - لأنه لا يُثبَت حكم إلا بدليل - فإن القاعدة الأصولية : أحوج إلى دليل ..

فلا يجوز إثبات القاعدة الأصولية بغير دليل .. بل إنه ينبغي أن لا تثبت القاعدة الأصولية بدليل فيه ضعف .. كالحديث الحسن ونحوه .. وذلك لأنها يُبنى عليها مجموعة كبيرة من الأحكام .. فلا بد أن تكون راسخة قوية الثبوت : لكي تحصل الطمأنينة بما ينبني عليها من الأحكام (1).
.................................................. ........
(1) قال الغزالي وبعض العلماء : الأدلة على القواعد الأصولية يجب أن تكون قطعية (أي قطعية الثبوت والدلالة لا شك فيها البتة) . ولكن الحق أن ذلك غير لازم .. لأنها مهما كانت أهميتها : فلا تخرج عن أن تكون عملية (أي تتعلق بالأعمال) .. والعملية : خلاف الاعتقاد (لأن الاعتقاد بالقلب : هو الذي يحتاج لقطعية الثبوت في أدلته : لأنه يتعلق بالإيمان واليقين) .. ويكفى في العملية (أي الأعمال) غلبة الظن .. وقد صرح الغزالي بأن الأدلة التي تـُثبت كل أصل من أصول الأحكام - يعنى الأدلة الإجمالية - لا يجوز أن تكون من قبيل أخبار الآحاد (المستصفى - قول الصحابي) وأيضا ً: (أوائل باب الاستحسان) .. وراجع ما سيأتي في السنة (يقصد الشيخ ما سيأتي في قسم أدلة الأحكام باب السنة) : في حجية أخبار الآحاد .. والحق : أن الحديث الصحيح كاف في ذلك (يقصد الشيخ أنه يكفي للدلالة سواء كان آحاد براو واحد : أو متواتر بأكثر من راوي طالما كان صحيحا ً) ..

** أدلة القواعد الأصولية **

باستقراء ما صنعه علماء الأصول في الأمة الإسلامية : نجد أنهم استدلوا لإثبات القواعد الأصولية بأدلة مختلفة .. ترجع إلى أربعة أنواع :

1- نصوص من كتاب الله تعالى :
فالقاعدة الأصولية مثلا ً(لا تكليف إلا بمقدور عليه) :
دليلها قوله تعالى (لا يكلف الله نفساَ إلا وسعها) البقرة ( 286)

2- نصوص نبوية :
فالقاعدة الأصولية مثلا ً( الأمر يقتضى الوجوب) :
دليلها قول النبي صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) ..
أخرجه البخاري 1/303,مسلم 1/220.
(أقول : والشاهد من ذلك الحديث أنهم استدلوا بوجود المشقة على المسلمين تبعا ًلأمر النبي .. لأن أمره لهم بالسواك في هذه الحالة سيكون ملزما ًلهم وحكمه الوجوب : وليس على سبيل الندب مثلا ًأو الجواز .. فاستدلوا بذلك أن الأمر يقتضي الوجوب : اللهم إن لم يصرفه صارف آخر كما سيأتي شرحه في باقي الكتاب) ..

3- اللغة العربية وعلومها :
فالقاعدة الأصولية مثلا ً(الأمر يقتضى الفور) :
دليلها أن ذلك يفهمه أهل اللغة !!..
فلو قال السيد لخادمه مثلا ً: اسقني ماء : فتأخر : لكان الخادم ملوماً في ذلك التأخير ..

4- العقل :
فالقاعدة الأصولية مثلا ً(إذا اختلف مجتهدان في حكم واحد فأحدهما مخطئ) :
دليلها العقل .. فإن العقل يحكم باستحالة صدق النقيضين ..

** تصنيف مباحث علم الأصول **

قد قدمنا الآن أن علم الأصول هو : مجموعة القواعد العامة التي تستخدم في استنباط الأحكام الشرعية الفرعية : من أدلتها التفصيلية ..

وليس من المناسب (أي للمُعلم أو الشيخ) أن يسرد هذه القواعد سرداً كيفما اتفق (يقصد الشيخ أن قواعد علم أصول الفقه كثيرة : فإذا ذكرناها بغير ترتيب معين ولا ربط : فسيصعب على طالب العلم استيعاب درجاتها وعلاقاتها بعضها ببعض فضلا ًعن حفظها) .. بل المناسب لتسهيل تصورها ودراستها : أن يكون إيرادها حسب ترتيب معين ..

وتختلف طرائق الأصوليين في ترتيبهم لها .. غير أن الطريقة المثلى في رأينا : هي أن يُبنى الترتيب حسب تصور معين .. فنقول مثلا ًإن كل حكم شرعي فرعى :

>> لابد له من دليل يدل عليه ..
>> ولابد له من مُستنبطِ يستنبطه .. قادر على الاستنباط ..
>> ولابد للمستنبطِ من طريقة سليمة في الاستنباط ..

ومن أجل ذلك : تجتمع مباحث الأصول في أربعة أمور أساسية : نستطيع القول بأنها الأركان الأربعة لعلم أصول الفقه .. ويتعلق بكل منها مباحث ..
(أقول : وعلى هذا سيكون تقسيم الشيخ لهذا الكتاب بإذن الله كما سيأتي) :

الركن الأول : الحكم الشرعي ..
وفيه أن الحاكم : هو الله تعالى .. ونبين حقيقة الحكم الشرعي .. وأنواعه .. وتعريف كل نوع وخصائصه .. ونبين مَن هو المحكوم عليه .. وهو المكلف الذي تتوجه إليه أحكام الله تعالى .. ونبين ما يصح أن يكون محكوماَ فيه .. وهو أفعال المكلفين ..

الركن الثاني : وهو الأدلة ..
وهى ما يصلح أن تستنبط منه الأحكام الشرعية .. كالكتاب .. والسنة .. والإجماع .. وهى الأدلة المتفق عليها ... ونذكر الأدلة المختلف فيها .. كالمصالح المرسلة .. وأقوال الصحابة .. والاستحسان .. ونحوها ..

الركن الثالث : كيفية دلالة الأدلة ..
وهو يشتمل على كيفية دلالة الأدلة على الأحكام .. كالدلالة النطقية .. والدلالة بالفحوى والإشارات .. والدلالة بالمعنى والعلل .. وهى الدلالة القياسية ..

الركن الرابع : وهو الاجتهاد ..
فنبين معناه وحقيقته .. ومجالاته التي يمكن إعمالهُ فيها .. ونبين مَن هو الشخص المتأهل الذي له أن يباشر الاجتهاد .. وذلك بذكر شروط المجتهد .. وكيف يصنع إذا تعارضت عنده الأدلة .. ونذكر أيضا ًتبليغ المجتهد الحكم إلى مَن يسأله .. وهو ما يسمى بالإفتاء .. ثم نذكر الواجب على مَن لم يكن متأهلا ًلنيل درجة الاجتهاد .. وهو ما يسمى بالتقليد ..

وهكذا نرى : كيف استوعبت الأركانُ الأربعة جميعَ الأفكار الرئيسية لعلم أصول الفقه ..

فنقسم الكتاب على هذه الأركان الأربعة :
ونـُلحق - إن شاء الله - بآخره باباً تطبيقياً : نوضح فيه كيفية استخدام بعض القواعد الأصولية في الاستنباط بالأمثلة ..
--------------

انتهى هذا الدرس إخواني .. ويليه الدرس الثاني بإذن الله تعالى الاسبوع القادم :
وفيه نبذة بسيطة عن : كيفية نشأة علم أصول الفقه ..
وهي أخف من درس اليوم بكثير :): .. وحقيقة ً:
كل ما سيأتي من الكتاب بعد ذلك سيكون أسهل من تلك المقدمة الجامعة ..
وذلك لأنه سيكون مُفصل ٌلها ..
والله المستعان ..

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس أصول الفقه < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35661)

إلى حب الله
03-13-2012, 02:23 PM
الدرس (2) ..

الإخوة الكرام ..
سوف أقوم بالتخفيف في هذا الدرس اليوم أيضا ًللانشغال بالأمس للأسف ...
ونتابع اليوم تعريف الشخ الأشقر لبداية تأسيس وتقعيد علم أصول الفقه ..
( تقعيد أي : وضع القواعد اللازمة للشيء ) ..
فيقول رحمه الله ...
(وكلامي وتعليقاتي للشرح والتبسيط سأضعه بين قوسين) :
------

** نشأة علم أصول الفقه **

كان الصحابة بعد عهد النبى صلى الله عليه وسلم (أي بعد موت النبي الذي كانوا يرجعون إليه إذا التبس عليهم أمر أو طلبوا حكم الله ورسوله فيه) إذا استنبطوا أحكاما ًشرعية لتطبيقها على وقائع جديدة : يَصدرون فى استنباطهم : عن أصول مستقرة فى أنفسهم : علموها من نصوص الشريعة وروحها : ومن تصرفات النبى صلى الله عليه وسلم التى عايشوها وشاهدوها ..

وربما صرح بعضهم فى بعض المسائل : بالأصل الذى استند إليه فى استنباطه للحكم الفرعى .. كقول ابن عمر مثلا ًلمَن سمعه ينهى عن التمتع بالحج اتباعاً لنهى عمر - رضى الله عنه - عنه :
" يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء !!.. أقول لكم : قال رسول الله : وتقولون : قال أبو بكر وعمر ؟!! " فابن عمر هنا يقول : إن التمتع جائز (والتمتع في الحج هو عمل عمرة قبيل الحج : ثم التحلل منها والبقاء في مكة إلى الحج) .. وهذا حكم فقهى فرعى (أي جواز حج التمتع .. حيث هناك نوعان آخران من الحج وهما الحج المفرد وحج القران) .. وهو يستند فى دفع القول بعدم جوازه : إلى قاعدة أصولية يُصرح بها : وهى أن الدليل من السنة النبوية : مقدم على قول الصحابى : حتى ولو كان قائله أحد الشيخين : أبى بكر وعمر - رضى الله عنهما -

(يقصد الشيخ هنا الإشارة إلى استنباط ابن عمر لهذه القاعدة الأصولية وتصريحه بها : والتي صارت ثابتة بعد ذلك في علم أصول الفقه) ..

وكقول عمر بن الخطاب أيضا ًلأبى موسى الأشعرى - رضى الله عنهما - عندما ولاّه القضاء :
" اعرف الأشباه والأمثال (أي حاول قياس ما يستجد لك من قضايا وأمور : على ما في القرآن وسنة النبي شبيه ٌبها) وقِس الأمور برأيك " .. فهو تصريح بالعمل بالقياس .. وهى مسألة أصولية أيضا ً..

وفى عهد التابعين ومَن بعدهم : كثرت الحاجة إلى الاستنباط : لكثرة الحوادث التى نشأت عن دخول بلاد شاسعة تحت الحكم الإسلامى .. فتخصص فى الفتيا : كثير ٌمن التابعين .. فاحتاجوا إلى أن يسيروا فى استنباطهم على : قواعد محددة ٍ.. ومناهج معروفة .. وأصول واضحة .. وكان لبعضهم فى ذلك كلام واضح : فى أثناء كلامهم فى علم الفقه ..

غير أن علم الأصول لم يتيمز عن غيره : إلا عندما جمع مسائله الإمام الشافعى رحمه الله (150 : 204 هــــ) فى كتاب له سماه (الرسالة) : أفردها للكلام فى أصول الاستنباط من الكتاب : والسنة : والإجماع : والقياس .. وتكلم فى الناسخ والمنسوخ .. والخاص والعام .. وما يكون حُجة من الأحاديث وما لا يكون ..

فجمع الشافعى فى رسالته بذلك : أشتات هذا العلم : مما كان العلماء يتداولونه قبله .. وأثبته فى رسالته هذه : بعد أن نقده نقد البصير بالحق من الباطل .. وأثبت فى رسالته مناقشته لأرباب الاتجاهات المخالفة ...

هامش للمؤلف : رسالة الشافعى فى أصول الفقه مطبوعة بالقاهرة .. نشرتها مكتبة عيسى الحلبى .. بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله .. وأعيد إصدارها فى بيروت مؤخرا ..

فضبط هذا العلم .. وصنع له هيكلاَ : حذا فيه مَن بعده حذوه .. فكثرت المؤلفات الأصولية بعده .. وحرر أئمة الأصوليين مسائله .. ونما علم الأصول .. وأصبح الاجتهاد والاستنباط من الأدلة ميسراً .. وذلك لأن الأحكام أصبحت محصورة .. والأدلة كذلك أصبحت محصورة معلومة .. وطرق الاستنباط أصبحت واضحة منضبطة .. وأمكن معرفة الاجتهاد الزائف : وتمييزهُ من الإجتهاد الصحيح .. لأن الزائف : اعتمد على أدلة زائفة : قد درس العلماء زيفها : وحددوا مواضع الزلل فيها .. أو استخدمت فيه دلالات زائفة غير مستقيمة .. أو قام باستنباطه شخص غير مؤهل : فانحرف فهمه عن الطريق السوى ..

فرحم الله الإمام الشافعى رحمة واسعة .. وأسكنه فسيح جناته ..

تنبيه من المؤلف : للتوسع فى مبحث نشأة علم أصول الفقه : يُراجع مقدمة ابن خلدون .. ففى أواخرها فصل مهم عن : تاريخ علم أصول الفقه : وتطوره : ومدارسه : والكتب الرئيسية المؤلفة فيه ..

** حكم تعلم علم أصول الفقه **

تعلم علم أصول الفقه : هو كأغلب العلوم الصحيحة النافعة الشرعية وغير الشرعية :
واجب على الكفاية.

(أقول : واجب على الكفاية أي : واجب على جماعة المسلمين أن يعرفه أحدهم على الأقل .. ولا يضر إذا جهله الآخرون .. وذلك بخلاف الواجب على الأعيان : أي : يجب على كل فرد مسلم بالغ عاقل مكلف معرفته : مثل معرفة الصلاة مثلا ًوهكذا)

وإنما كان تعلم أصول الفقه واجباَ : لأنه لا يتأتى فهم نصوص الشرع لأجل العمل بها : واستنباط الأحكام للوقائع : إلا به !!.. إذ لو تـُرِك تعلمه : لتخبط الناس فى فهم الكتاب والسنة !!.. وكان عملهم بهما على غير هدى !!.. وربما عملوا به : على خلاف الوجه الصحيح المطلوب ..

وإنما لم يكن واجباَ عينياَ : لأنه ليس كل فرد من المسلمين بحاجة إليه .. بل يحتاج إليه أولو العلم والفقه .. والذين نصّبوا أنفسهم للفتوى : أو نـُصبوا للقضاء والحكم بين الناس حسب شريعة الله تعالى .. فإذا قام به مَن يكفى : فإن سائر الناس يمكنهم الاستغناء عن دراسته .. ومَن تعلمه ممَن لم يجب عليه : فهو فى حقه مستحب وحسن : يُثاب عليه إن حَسُنت نيته فيه ..
--------------

انتهى كلام الشيخ الأشقر رحمه الله في هذا البحث ...
ومن بعد هذه المقدمة والبحث البسيطين ....
يبدأ أولى أقسام الكتاب وهو :

القسم الأول ..

الأحكـــــــــــــام الشرعية ..

وفيه أربعة أبواب :

الباب الأول : الحاكم ..

الباب الثانى : حقيقة الحكم الشرعى وأقسامه ..

الباب الثالث : المحكوم عليه وهو المكلف ..

الباب الرابع : المحكوم فيه وهو فعل المكلف ..

يُـتبع إن شاء الله ..

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس أصول الفقه < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35661)

إلى حب الله
03-19-2012, 09:12 PM
الدرس (3) ..

القسم الأول ..

الأحكـــــــــــــام الشرعية ..

الباب الأول : الحاكم ..

* الحاكم هو الله تعالى *

قال الله تعالى : (وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لحُكْمه) ( الرعد : 41)
وقال ( إن الحكم إلا لله) (يوسف 40).
وحق الحكم لله ناشئ من كونه تعالى هو الخالق لما عداه , والمنشئ لهم من العدم , المربى لمخلوقاته بنعمه, وكل شئ منها تحت ملكه وتصرفه .فيتبع ذلك وينشأ منه أن له يتصرف فيها كما يشاء , تصرف المالك فى ممتلكاته, ولا حَجر عليه أن يحكم فيها بما يشاء. وهو يجزى على الطاعة إحساناً ومثوبة, وعلى الإساءة عقوبة فى الاّخرة ,أو فى الدنيا , ما لم يتجاوز عن المسئ بفضله وإحسانه .

* العقل ليس بحاكم *

العقل آلة الإدراك والتمييز, يستطيع إذا صفا أن يميز بعض التمييز بين الحسن والقبيح. ولكن إذا قدّر العقل فى الفعل المعين نفعاً أو مصلحة ولم يأمر به الشرع : لم يتعلق بذلك الفعل ثواب أخروى .. وكذا لو قدّر فيه ضرراَ أو مفسدة : لم يتعلق بفعله عقاب فى الاّخرة : إذا لم يحكم الشرع بتحريمه, وذلك أن العقل ليس حاكماً, والثواب والعقاب الاُخرويان إنما يُعلمان بالوحى. ولذلك يتعلقان بالحكم الشرعى الوارد من الله تعالى عن طريق الرسل.

ويستدل لهذه القاعدة بقوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (الإسراء:15)
وقوله تعالى ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حُجة بعد الرسل) (النساء: 165)
ونحوهما من الاّيات. ومما يُتصور به هذه القاعدة تصوراَ سليما : أن الخمر كانت فى الأصل غير محرمة, وقد عرف ضررها كثير من العقلاء, وامتنعوا عن شربها لما فيها من الضرر, لكن لم تصر محرمة إلا بعد أن نزل تحريمها .

وعلى ذلك :
فكل مَن شربها قبل التحريم : لم يكن اّثماً, ومَن شربها بعد أن حُرمت : يكون مستحقاً للعقوبة. ولهذا ورد أن الصحابة رضى الله عنهم لما نزل تحريم الخمر, وأنها رجس من عمل الشيطان, قالوا : كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهى فى بطونهم ؟ فنزل قوله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعِموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) (المائدة 93) فعذر الذين شربوها قبل التحريم بكونهم كانوا متقين, وإنما يكون الإثم فى فعل المحرم بعد التحريم لا قبل ذلك.

ولك أن تقول مثل هذا فى جميع الواجبات والمحرمات..

* الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحاكم *

الرسول مُبلغ عن الله تعالى أحكامه , فهو ليس مُشرعاً, وإنما هو مبلغ وناقل ومبين للتشريع.
قال الله تعالى : ( فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمصيطر) (الغاشية 21-22)
وقال تعالى ( إن عليك إلا البلاغ) ( الشورى 48)..
ويُفهم ذلك أيضا من الأية المتقدمة, وهى قوله تعالى : ( إن الحكم إلا لله) فهى إثبات ونفى, أى الحكم لله, وليس لغير الله حكم. فهذا نفى لأن يكون الحكم لأحد غيره تعالى .
وأما قوله تعالى : ( إناّ نزلناّ إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) ( النساء 105)
فليس معناه تخويل النبى صلى الله عليه وسلم الحق فى أن يحكم بما رأى من عند نفسه (1), بل معناه: أنك تطبق حكم الله عليهم, فالحكم الإلهى عام مجرد, والرسول صلى الله عليه وسلم إنما يبين انطباقه على الوقائع المفردة, ويُلزم به, وذلك يحتاج إلى رأى منه واجتهاد . ويؤيد هذا الفهم قوله تعالى فى الاّية الأخرى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ( المائدة 49)...
ومن هنا كانت السنة دليلاً شرعياً لا من حيث أنها صادرة عن محمد صلى الله عليه وسلم لذاته. بل من حيث إنها دالة على أحكام الله تعالى ..

.................................................. ....................
(1) يرى بعض الأصوليين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حكم من عند نفسه فى أمور مختلفة , بتفويض من الله تعالى ..ويسمون هذه المسألة (مسألة التفويض) وسماها القرافى (مسألة العصمة) ويستشهدون لذلك بقول النبى صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الحج: أهو فى كل عام؟.. قال: (( لو قلت نعم لوجبت, ولما استطعتم ) ولعل الصواب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجتهد . وفرق بين الحكم بالتفويض وبين الحكم بالاجتهاد , فإن الاجتهاد هو البحث والتحرى عن حكم الله تعالى فى المسألة, فلا يحكم من عند نفسه, إلا أن يكون بمعنى التطبيق, وكما تقدم أعلاه . وقد استعرضنا مسألة التفويض فى الجزء الأول من رسالتنا ( أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم 130-126/1) قاعدة : ( ما يصدر عنه النبى صلى الله عليه وسلم فى أفعاله ) فليرجع إليها مَن شاء الاستزادة..


* الأدلة المختلف فيها لا تعنى أن ثمة حاكما ًغير الله *

مَن قال مثلاً (الإجماع حجة) فليس معناه أن الأمة إذا أجمعت على أمر فقد جعلته شرعاَ, بل معناه أنها إذا أجمعت على أمر فذلك أمارة على أن حكم الله فى تلك المسألة هو ما أجمعوا عليه .وهكذا يقال فى قول الصحابى والقياس والاستصلاح والاستحسان وغيرها من الأدلة , عند من أخذ بها , فهى عند القائلين بها : دلالة على حكم الله , وليست موجبة للأحكام لذاتها.

وكذا كل آمر ممَن تجب طاعتهم شرعاً : فهم يُطاعون إن كان قد الله أمر بطاعتهم : ويكون الإثم الثابت على مَن خالفهم : لما يتضمنه ذلك من مخالفة أمر الله تعالى الذى أمر بطاعتهم (2)

.................................................. .......
(2) المقصود بالحصر أن مَن يُطاع حكمه رغبة فى رحمة الله فى الآخرة وخوفاً من عذابه فيها : إنما هو الله وحده. أما سوى ذلك, فقد يُلزم إنسان غيره بأمر : فيلتزم .. ولكنه ليس التزاماً شرعياً , ولا يترتب علي فعله ثواب , أو على مخالفته عقاب فى الآخرة إلا مِن الوجه الذى بيناه أعلاه. وقد أشار الغزالى إلى شئ من ذلك فى المستصغى 1/ 453.


* المجتهدون أيضاً ليسوا حاكمين *

المجتهد إذا استنبط حكماً فى مسألة اجتهادية , فهو ليس حاكماً , وإنما هو مُخبر عن أنه يظهر له أن حكم الله تعالى فى المسألة هو كذا وكذا مما أخبر به. ثم إن شرع الله يأمره بالعمل فى خاصة نفسه بما غلب على ظنه أنه الحق, وأن يفتى به مَن استفتاه , وأن يبينه للناس بقدر الحاجة..

* أثر فهم هذه القاعدة *

1- من آثار فهم هذه القاعدة أن يكون المتكلم فى بيان الأحكام الشرعية متثبتاً فيما يقول . فهو إن قال: كذا حرام, أو كذا حلال , إنما يخبر عن الله تعالى أنه حرمَ أو أحلَ. قال الله تعالى (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب . إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) ( النحل 116)..
فيحمله هذا على طلب الدليل المثبت لما يقول . فإن لم يجد دليلاً صحيحاً : كف عن القول , إلا عند الضرورة, ويقول حينئذ : هذا رأيى, أو أ ُحب كذا, أو أكره كذا , ولا ينسبه إلى الشرع , كما هو أدب الأئمة فى ذلك - رضى الله عنهم..

وقد غفل عن ذلك كثير من متأخرى الفقهاء.

2- ومن آثار فهم هذه القاعدة أيضا ً: أن نفهم أن كل قول قاله قائل ينسبه إلى الشرع فلسنا مُلزمين به, ما لم يأت بما يُثبت ما يقول . فإن الشرع لا يُثبت بأقوال الرجال .. قال الله تعالى : ( قل إنما حرم ربى الفواحش .. إلى قوله : وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) ( الأعراف 33)

فإن كان القائل ذا سلطة شرعية تنفيذية , كالقاضى , والأمير, وقائد الجيش , ونحوهم, وأخذ برأى معين فى مسألة خلافية بالنسبة إلى واقعة معينة, وجبت طاعته فى تلك الواقعة , ما لم يخالف نصاً شرعياً أو أصلاً صحيحاً. والدليل قوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) النساء 59..

فنطيعه وإن كنا نرى أنه مخطئ في اجتهاده : ويكون ذلك حفظًاً لنظام الجماعة ..

انتهى .. ويُـتبع بالباب الثاني إن شاء الله ..

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس أصول الفقه < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35661)