المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عجز الفلسفة أن تسعد البشرية... د.يوسف القرضاوي



الفرصة الأخيرة
12-04-2005, 12:18 PM
اقرأ أولا:
هل حققت الحضارة الغربية السعادة... يوسف القرضاوي
http://70.84.212.52/vb/showthread.php?t=3599




عجز الفلسفة أن تسعد البشرية




وإذا كان العلم الطبيعي والرياضي - على تقدمه الهائل في عصرنا - لم يستطع أن يحرر الإنسان من شقائه وضياعه، فهل تستطيع الفلسفة - بمدارسها المختلفة، واتجاهاتها المتباينة - أن تكون سفينة إنقاذ للبشرية المعاصرة - وخصوصًا في الغرب الذي بلغ ذروة التقدم في المجالات المادية - من الغرق المخوف، في بحر الظلمات، الذي أبدع القرآن في وصفه في قوله تعالى: "كظلمات في بحر لجي، يغشاه موج من فوقه موج، من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور" (النور: 40).

لقد اختلفت العقول الفلسفية في أجلى حقائق الوجود، وهي حقيقة وجود الله تعالى ووحدانيته وتفرده سبحانه بالكمال الذي يليق بذاته المقدسة.

فذهب من ذهب من الفلاسفة إلى إنكار الإله، وكل ما وراء الحس، وأنه ليس في الوجود إلا المادة، وما عدا ذلك فهو حديث خرافة.

وبعكسهم من أثبت تعدد الآلهة، وأقر عبادة الإنسان أو عبادة الحيوان، أو عبادة الأوثان، أو عبادة النجوم، أو غيرها، وبرر ذلك بمستندات عقلية.

ومن الفلاسفة من أثبت للكون إلها، ولكنه لم يعطه صفات إيجابية، تجعله قادرًا على أن يدبر في الكون أمرًا، فهو لا يعلم إلا ذاته، ولا يعلم في الكون شيئًا; والفلاسفة الدينيون على عكس هذا.

وكما اختلفت عقول البشر في شأن الألوهية، اختلفت في شأن الإنسان: ما هو؟ روح خالدة أم مادة فانية؟ نور من السماء أم طين من الأرض؟ ملاك صاعد أم حيوان هابـط؟عقـل مـدبِّر أم شـهوة مسـيَّرة؟ أهــو ثابـت أم متـغيـر؟ مسـيّر أم مخــير؟ أنـاني أم غيري؟ فردي أم جماعي؟ تجدي فيه التربية أم لا تجدي؟ مخلوق مكرم خُلق لهدف أسمى، أم نبــتة برية ظــهرت بغير زارع، وتوشــك أن تكون هشـيمًا تــذروه الريـــاح؟ ما حقيقة هذا الإنسان؟ هل خُلق من غير شيء أو خَلقه خالق؟ ولأي غاية خُلق؟ ولماذا يحيا؟ وما رسالته في حياته؟ وما مصيره بعد مماته!!؟؟

أسئلة اختلف في الإجابة عليها عمالقة الفكر والفلسفة، في شتى الأعصار، ومختلف الأقطار، وشتَّى المدارس والاتجاهات، وتباينت بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، وكثيرًا ما خرج المتبحرون في الفلسفات، والمتعمقون في دراستها، أشد حيرة مما دخلوها.

صراع الفلسفات وتناقضها

اقرأ تاريخ الفلسفة والفكر في الشرق والغرب، وتجول ببصرك في المدارس الفلسفية هنا وهناك قديمًا وحديثًا، فماذا تجد؟

تجد المثاليين من الفلاسفة يعارضهم الواقعيون; وتجد الروحيين منهم يناقضهم الماديون; وتجد الإلهيين يصارعهم الملحدون; وتجد دعاة الواجب في مقابلة دعاة المنفعة; وتجد من ينادي بالرجوع إلى الضمير، ومن يصرخ بأن الضمير خرافة! وتجد القائلين بخيرية الإنسان، والقائلين بأنه ذئب مقنَّع! وتجد القائلين بأنه حر مختار، والقائلين بأنه ريشة في مهب الريح; وتجد دعاة الفلسفة الفردية في مواجهة دعاة الفلسفة الجماعية. وكل فريق يزعم أن الصواب معه، وأن الخطأ عند غيره، وكلهم يزعمون الانطلاق من مبدأ العقل الحر المجرد من الالتزام بأي دين.

بل وجدنا في مدارس الفلسفة من ينكر وجود أي حقيقة كانت، فلا الدين حقيقة، ولا الدنيا حقيقة، لا الله حقيقة، ولا الإنسان حقيقة، حتى أنكروا وجودهم ذاته!! ومبدؤهم أن ما يظنه الإنسان حقيقة إن هو إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا. وهؤلاء هم الذين نسميهم (العنادية)، المعاندين لوجود الحقائق في أي مجال.

وهناك من قالوا بنسبية الحقائق كلها، فلا توجد حقيقة مطلقة في أي شيء. فالحقيقة كل الحقيقة عند زيد، لا مانع في أن تكون هي الباطل كل الباطل عند عمرو، وكلاهما صواب، وهؤلاء يسمونهم (العندية).

وهناك من شككوا في الحقائق كلها، ولما قيل لهم: إذن هناك حقيقة أقررتم بها، وهي الشك في ثبوت الحقيقة، قالوا: نحن نشك، ونشك في أننا نشك!! وهؤلاء هم الذين يسمونهم (اللاأدرية)، أي الذين يقولون في كل قضية: لا ندري حقيقتها!

ثم إن العقل البشري - مهما يدّع الحيادية والموضوعية - تحده وتؤثر فيه أوضاع المكان والزمان، أي ظروف البيئة والعصر، البيئة الجغرافية والبيئة الاجتماعية والثقافية، كما تحده وتحكمه طاقة الإنسان وقدرته على المعرفة من خلال وسائل وأدوات هي محدودة أيضًا.

وفوق ذلك كله، نجد هذا العقل، مهما يحاول التجرد من الذاتية، كثيرًا ما يقع - بوعي أو بغير وعي - أسيرًا للمؤثرات والميول الشخصية والحزبية والطائفية، والإقليمية والعنصرية وغيرها، مما يوجه أحكامه وجهة متحيزة بعيدة عن الموضوعية.

لهـذا كـان الإنسان في حاجـة إلى نـور آخر أقوى من نـور العـقـل، يهـديه في مفارق الطرقات، وعنـد التباس الأمور، وهــو نــور الوحي، ليـكون لـه "نورعلى نور" (النور: 35).

حصاد الفلسفة خلال القرون

وهنا سؤال مهم يحتاج إلى جواب: ما حصاد الفلسفة خلال القرون القديمة والوسيطة والحديثة؟ ما الذي قدمته الفلسفة للبشرية من هداية للعقل، أو طمأنينة للقلب، أو سكينة للروح؟ إنها أثارت أسئلة عويصة ولم تجب عنها، أو أجابت إجابات ينقض بعضها بعضًا! إنها هدمـت أكثر مما بنـت، وتكلمت كثــيرًا، وكان السكــوت خيرًا لها ولأهلها لو كانوا يعلمون.

وها هو أحد مــؤرخي الفسلفة في عصرنا، وهــو أحد أنصارها، والمعجبين بها وول ديورانــت الأمريكي صاحب الكتاب الشهير فـي التــاريخ (قصة الحضارة) يقول في كتابه الذي سماه (مباهج الفلسفة) مبيـنًا الحصيلة الأخيرة من وراء مشوارها الطويل: "ما طبيعة العالم؟ ما مادته وما صورته؟ وما مكوناته وهيكله؟ وما مواده الأولى وقوانينه؟ ما المادة في كيفها الباطن، وفي جوهر وجودها الغامض؟ ما العقل؟ أهو على الدوام متميِّز عن المادة وذو سلطان عليها؟ أم هو أحد مشتقات المادة وعبد لها؟ أيكون كلا العالمين: الخارجي الذي ندركه بالحس، والباطني الذي نحسه في الشعور، عُرضة لقوانين ميكانيكية أو حتمية، كما قال الشاعر: (ما يكتبه الخالق في مطلع النهار نقرؤه في آخر النهار)؟ أم ثمة في المادة أو العقل، أو في كليهما، عنصر من الاتفاق والتلقائية والحرية. هذه أسئلة يسألها قلة من الناس، ويجيب عليها جميع الناس. وهي منابع فلسفاتنا الأخيرة، التي يجب أن يعتمد عليها في نهاية الأمر كل شيء آخر، في نظام متماسك من الفكر. إننا نؤثر معرفة الإجابات عن هذه الأسئلة على امتلاك سائر خيرات الأرض".

ويستطرد قائلاً: "ولنسلم أنفسنا في الحال لإخفاق لا مناص منه. لا لأن هذا الباب من الفلسفة يحتاج في إتقانه إلى معرفة كاملة ومناسبة بالرياضيات والفلك والطبيعة والكيمياء والميكانيكا وعلم الحياة وعلم النفس، فقط، بل لأنه ليس من المعقول أن نتوقع من الجزء أن يفهم الكل! فهذه النظرة الكلية - وهي فتنتنا في هذه المغامرات اللطيفة - ستبعد عن فكرنا جميع الفخاخ والمفاتن. ويكفي أن نأخذ أنفسنا بقليل من التواضع وشيء من الأمانة، لنتأكد من أن الحياة والعالم في غاية التعقيد والدقة، بحيث يصعب على عقولنا الحبيسة إدراكهما. وأكبر الظن أن أكثر نظرياتنا تبجيلاً قد يكون موضع السخرية والأسف عند الآلهة العليمة بكل شيء. فكل ما نستطيع أن نفعله هو أن نفخر باكتشاف مهاوي جهلنا! وكلما كثر علمنا قلَّت معرفتنا، لأن كل خطوة نتقدمها تكشف عن غوامض جديدة، وشكوك جديدة. (فالجزيء) يكشف عن (الذرة)، والذرة عن الإلكترون (الكهيرب)، والإلكترون عن (الكوانتوم Quantum) الكويمية. ويتحدى الكوانتوم سائر مقولاتنا ( Categories) وقوانيننا وينطوي عليها. والتعليم تجديد في العقائد وتقدم في الشك. وآلاتنا كما نرى مرتبطة بالمادة، وحواسنا بالعقل. وفي خلال هذا الضباب يجب علينا نحن (الزغب على الماء) أن نفهم البحر!".

وينتهي وول ديورانت إلى هذه النتيجة فيقول: "لنا أن نقرر أن الفلسفة تناقض نفسها باستمرار مع تتابع مذاهبها، وأن الفلاسفة جميعًا خاضعون لثورة جنون قتل الإخْوة!؟ فلا يهدأ لهم بال; حتى يحطموا كل منافس يطالب بارتقاء عرش الحقيقة؟ وكيف يجد الإنسان المشغول بالحياة من فسحة الوقت ما يفسر به هذه المتناقضات، أو ما يهدئ به هذه الحرب؟".

وهذا ما جعل بعض مؤرخي الفلسفة يقول، بعد أن عرض لعدد من الفلاسفة، هذا يثبت وذاك ينفي، وهذا يبني وآخر يهدم، وهذا روحي والثاني مادي، وهذا عقلي ومعارضه عاطفي، وواحد مثالي ومقابله واقعي، بعد هذا قال: "ما الحصيلة من هذا كله؟ إنها في الواقع ليست إلا صِفرًا!".

وكذلك كان هذا ما جعل أحد أساتذة الفلسفة المرموقين، وهو شيخنا الدكتور عبد الحليم محمود - شيخ الأزهر بعد ذلك - يقول بصراحة، بعد أن رأى تعارض الفلسفة، وتضارب نتائجها، وتناقض ثمراتها: "إن الفلسفة لا رأي لها، لأنها تقرر الشيء ونقيضه، وكل من الرأيين المتنافيين يجد من رجال الفلسفة من يؤيدَه بقوة، ويقيم الأدلة على صوابه، وخطأ غيره، فكيف يخرج الإنسان من هذه المتناقضات بطائل أو ثمرة؟ الواقع أنها لن تشفي له علة، ولن تنقع له غلة، بل الغالب أنه بعد أن يسبح في بحارها سبحًا طويلاً، سيخرج منها أشد حيرة، وأضيع سبيلاً".

ولعل من أبلغ العبارات المعبرة عن عجز الفلسفة، وخيبة الفلاسفة، ما ذكره فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة أبوحيان التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة) حيث قال عن (إخوان الصفا) وفلسفتهم ورسائلهم: "تعبوا وما أغنَوْا، ونصبوا وما أجدَوْا، وحاموا وما وردوا، وغنوا وما أطربوا، ونسجوا فهلهلوا، ومشطوا ففلفلوا".

ويتفق هذا مع ما انتهى إليه فيلسوف التاريخ، ومؤسس علم الاجتماع العلامة ابن خلدون، الذي عقد في الباب السادس من (مقدمته) الشهيرة، فصلاً طويلاً، لبيان (إبطال الفلسفة وفساد منتحلها)، ولا سيما الفلسفة الميتافيزيقية، أي التي تعنى بما وراء الطبيعة، أو بـ (الإلهيات). وأوصى من ينظر فيها من أهل الإسلام أن يمتلئ من (الشرعيات) أولاً، قال: ولا يكِبَّنَّ عليها أحد، وهو خلو من علوم الملة، فقلّ أن يسلم لذلك من معاطبها".




وتابع:
لا إنقاذ للبشرية بغير الدين... د.يوسف القرضاوي
http://70.84.212.52/vb/showthread.php?p=28179#post28179

لم يبق غير الإسلام منقذًا... د.يوسف القرضاوي
http://70.84.212.52/vb/showthread.php?p=28181#post28181

هل عند أمتنا رسالة حضارية للبشرية؟ د.يوسف القرضاوي
http://70.84.212.52/vb/showthread.php?p=28182#post28182

elserdap
12-07-2005, 12:40 PM
أخي الحبيب والجميل الفرصة الأخيرة :hearts:


جزاك الله خيرا أخانا الحبيب على هذا الموضوع الجميل وهذه الراوابط الهامة جدا في آخر المقال فجزاك الله عنَّا خير الجزاء ......... :emrose: