المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البَيعة لأبي إسماعيل .. بين الشّرعية والديموقراطية



حنيف مسلم
03-20-2012, 02:00 PM
بقلم :د.طارق عبد الحليم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الوضع الذي آلت اليه الحال اليوم في مصر، من إنفتاح باب التصارع على رئاسة الجمهورية، وتنافس كافة المرشحين المنتسبين إلى طوائف مختلفة من الشعب، بدءاً من المسلمين الصرحاء، كحازم أبو اسماعيل، وأهل البدعة والخلل كالعوا وأبو الفتوح، والخارجين عن الشرعية الإسلامية، من العلمانيين السياسيين، كعمرو موسى وحمدين صباحي وأيمن نور، وحتى النساء العلمانيات كبثينة كامل، تراهم يتزاحمون على هذا السباق الغريب، الذي يُفترض أنه سيأتي على رأس هذه الأمة من يمثل دينها الإسلامي، دين غالبيتها، من الوجهة الشرعية، أو من يحصل على غالبية أصوات ناخبيها من الناحية الوضعية الديموقراطية. وصاحب البيعة في الحالة الشرعية إمامٌ مسموع مطاع يقود الأمة بدينها، ورئيس الجمهورية في الحالة الثانية معيّنٌ صاحب سيادة وضعية يقةد الشعب بدستوره. ولكلّ منهما حقوق على رعاياه، وواجباتٌ تختلف فيما بينها، ليس هذا محل التفصيل فيها.

دعنا ننتهى أولاً ممن يَصلح أن تؤخذُ له البيعة الشرعية، إن كنا سنصلُ إلى وجوبها في ظرف الناس هذا. ولا أريد أن أعيد ما كتبت في عشرات المقالات من قبل، وبخاصة عن بعض من وضع اسمه لشغل هذا المنصب الجليل. لكن أقرر أنّ الشيخ حازم أبو إسماعيل هو الوحيد الذي يمكن أن يرقى لهذا المُستوى من ناحية الإسلام، إذ من المرشحين من هم "توافقيّ" علمانيّ خارج عن الدين، ومن ناحية العلم الشرعيّ، الذي هو شرطٌ في الإمام، ومن ناحية النّزاهة والورع ونظافة اليد والبعد عن السلطان. دعنا ننتهى إلى هذا الأمر الذي لا أعتقد أنّ هناك خلافاً حقيقياً عليه إلا من حاسد أو علمانيّ أو عميل، أتم الصفقة وقضى البيعة بالفعل مع المجلس العسكريّ. وقد قال تعالى "إتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، والرجل صادق فيما يقول.

ونود هنا أن نثبتَ أمراً نحسبه خطير الأثر، وهو الخلاف بين مُحدثي السّلفية الظاهرية، وبين نظر الفقهاء المُتحدثين عن البيعة القهرية، هو مناط كلّ نصّ من نصوص هؤلاء الفقهاء، إذ على سبيل المثال يقرر القاضي بن جماعة في كتابه تحرير الأحكام، أنه "إذا طرأ على الإمام أو السلطان ما يوجب فسقه، فالأصح أنه لا ينعزل عن الإمامة بذلك، لما فيه من إضطراب الأحوال" 72. وهو موضع الخلاف اليوم بين من وقع في هذه الشبهة الخطيرة من إعتبار أن السلطان أو الإمام، أو الهيئة الممثله له، وبين أهل السنة العادلة، من أن صفة الإسلام تبقى سارية على من ارتضى تقنين دستورها، وإجراء تشريعاتها على غير شرع الله إبتداءً. ومن هنا فإن مثل هذه النصوص، على كثرتها في الكتب الفقهية، وما استندت اليه من أحاديث، تأولها هؤلاء على غير مناطها، لا تفى بغرضنا في هذه المسالة، إذ هى تتناول وضعاً لسنا منه في شئ هنا، والمتمسك بها مستمسكٌ بقشة في وجه طوفان من النصوص الواردة في كُفر المشرع بغير ما أنزل الله، المُطبِق على تعبيد الناس لشرعه هذا. لكن التوسع في هذا الأمر، ليس محله هذا المقال.

لكن، على كلّ حال، فإنّه يجب أيضا أن نثبت أنّ الترشيح الإنتخابيّ ليس بديلاً للبيعة. إذ البيعة تأتي عن طريق أهل الحلّ والعقد، والترشح الإنتخابيّ تأتى عن طريق أصوات الغالبية من عامة الناس، على فرض نزاهتها وعدم تزويرها. والفرق بينهما جدّ كبير جداً.

يقول الجوينيّ عن أهل الحلّ والعقد، أنهم "الأفاضل المستقلون الذين حنكتهم التجارب وهذبتهم المذاهب، وعرفوا الصفات المرعية فيمن يناط بهم أمر الرعية"الغياثيّ 77. ولا يختلف عنه بقية الفقهاء الذين تناولوا هذا الأمر في هذا الوصف كثيراً، ومحصلته أنهم مجموعة المشايخ، الذين عرفهم الناس بالعلم، وبالقوة في الحقّ، وبصواب النظر في الواقع، وعفة النفس والزهادة السنية، ونظافة اليد واللسان، وعدم الدخول على السلاطين، وهو متضمنٌ فيما قال الجوينيّ.

ومصر، مع الأسف ليست فيها هيئة تجمع مثل هذه الكوكبة التي تعارف الناس على صفات أصحابها، بهذا الوصف. فالأزهر ساقطٌ بسقوط شيخه، كما سقطت دار الإفتاء بمفتيها، والهيئات التي ظهرت حديثاً كالحقوق والإصلاح، تمثل عدداً محدوداً من الشيوخ، وبعضهم محل تساؤلٍ، بل موضع إتهام. لكن لا شكّ أن هناك عدد من الأفاضل الذين يمكن أن يكونوا محل ثقة الغالبية من الناس، بما عرف عنهم من صفات، لها دلالات، أولها عدم التحول والثبات.

الشيخ حازم قد عَضّده الأكثرية ممن لهم وجود حاضرٌ على الساحة الإسلامية، منهم من بلغ بها 51، ومنهم من بلغ بها مائة، ولم يخالفه إلا القليل، بفرض نزاهة توجههم، دون عمالة أو حسدٍ. كما أظهرت النتائج في كافة التصويتات على تقدّمه على منافسيه في عدد الراغبين في تصدّيه للمهمة. ومن هنا فإنه من الواضح أنه يحظى بتأييد ما يمكن أن يمثل أهل الحلّ والعقد، وبتأييد الغالبية من عامة الناس.

ثم إن من القواعد المعتبرات في مسألة البيعة، أنّها "تصير بحصول مبلغ من الأتباع والأنصار والأشياع يحصل به شوكة ظاهرة ومنعة قاهرة" الغياثيّ 84. وهذا أمرٌ آخر يجب النظر اليه وإعتباره في هذا الموضع. فإن حصول صاحب البيعة على قوة غالبة ضروريّ لإقامته ووقوفه في وجه من يريد أن يسلب السلطة ويسلمها إلى من هو ليس بأهلٍ لها. وهنا نتحدث عن الأتباع، لا عن أهل الحلّ والعقد. ويجب هنا النظر إلى القوة المناوئة، إن قُدّر لصاحب الحق في الإمامة أن يواجهها بالقوة المتاحة له، فإن كانتا متكافئتين أو أقرب إلى التكافؤ، وجب الوقوف في وجهها وصدها عن السيطرة على الحُكم بلا خلاف، وهذا ما فعل علي بن أبي طالب رضى الله عنه، مع الفارق الشاسع بين المثالين، إذ في حالة عليّ، كان الطرف الآخر باغٍ، أما في حالتنا هذه فالطرف الآخر خارج عن الشرعية الإسلامية. أمّا إذا كان الفارق بينهما شاسعاً لمصلحة المناوئ، فالأرجح أنّ التصدى ليس واجباً، ويقع الأمر حينذاك تحت مفهوم ماردين، حيث استولت قوة كافرة على الحكم بالعتاد والسلاح، وعاشوا تحت لوائه بالجبر، وكانت لهم أحكامهم كما أفتى فيها شيخ الإسلام بن تيمية، مما هو معروف.

يجب أن نعرف إننا حين نتحدث عن البيعة، فإنّ لها حقوقها التي يجب أن يرعاها المبايع، ليس كمنح الصوت في الترشيح الإنتخابيّ. فالأولى هي إعطاء صفقة اليد في سَبيل الله. والثانية، هي مجرد تفضيل شخصٍ على آخر دون التزام بنصرة هذا الشخص بأي شكلٍ من الأشكال.

وبناءً عليه، فإنّ الأمر راجعٌ إلى الشيخ حازم، في إختياره لأحد المرجعيتين، إمّا الإسلامية، ويقودها إلى النهاية، وإمّا الديموقراطية، وفرصته فيها تكاد تكون معدومة. ولا يمكن أن يُبايع رجلٌ إلا إن طلب البيعة الشرعية صراحة، أمّا أن يبايعه الناس دون طلب منه فهذا أمر غير مشروع، ولا محمود العواقب. ولا أعرف شخصياً توجه الشيخ في هذا الأمر حتى يومي هذا.

أما إن لم يكن هناك طلبٌ للبيعة، فالأمر إذن جدّ خطير. فأولاً هل يَصح عدم طلبها إن تحققت أغلبية كافية من أهل الحلّ والعقد ومن الناس؟ نعود إلى القول، إن هناك إعتبارات واقعية قد يثيرها من يريد أن تخرج هذه العملية بطريقة تؤدى إلى الشرعية، في صورة ديموقراطية، مثل استفزاز العسكر بما قد يؤدى إلى تصادمٍ أشدّ مما لو سارت الأمور على وتيرتها بطريقتهم، ثم يخرج الناس إلى الشارع وقتها، وتتم البَيعة حينها، على النصر أو الشهادة. بل ومن الممكن أن يقال أنّ العسكر سيخرجون الشيخ حازم من السباق أصلاً لو بدأ بأخذ البيعة، لمخالفته القوانين، والقبض عليه بتهمة التحريض أو ما شابه.

الطريق الأول، وهو إعطاء البيعة من اليوم، أفضل وأتقى. والطريق الثاني، وهو إعطاء الصوت ثم البيعة، قد يكون أكثر سلامة إن كانت نهايته تصل إلى البيعة سواءً إن فاز الشيخ أو خسر، ثم تحمل التبعات في الحالتين. لكنّ ما لا يصح هو أن يتم التصويت دون رؤية واضحة لأن البيعة لازمة، اليوم أو غداً، والخروج عن الطريق الديموقراطيّ الغربيّ لازمٌ اليوم أو غدا.

إن نهاية الأمر لن تكون بنهاية التصويت، هذا ما أؤمن به، بل هو خطوة في سبيل الإصلاح الشامل والثورة الإسلامية، إلا إن عقل العسكر وعملاؤهم.

هذا ما رأيته من إجتهاد في هذه المسألة، ولو أعلنها الشيخ حازم، فسأكون أول المُبايعين إن شاء الله تعالى، على النصر أو الشهادة.