المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موقف الصحابة رضي الله عنهم من معاوية ابن سفيان رضي الله عنهما



أبو عثمان
04-18-2012, 07:25 AM
موقف الصحابة رضي الله عنهم من معاوية ابن سفيان رضي الله عنهما

لعل الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يعد من أكثر الشخصيات الإسلامية التي دار حولها الجدل في التاريخ .
فقد اختلفت فيه المواقف وقامت حول تقييم شخصيته معارك فكرية طاحنة , وزاغ فيه طرفان : طرف غلا في حبه والانتصار له , وطرف غلا في بغضه وكرهه والتحذير منه , بل وصل إلى الحكم عليه بالكفر والنفاق!!
وهذان الطرفان وجدا منذ زمن مبكر في التاريخ الإسلامي , وفي وصف حالة الصراع بين هذين الطريقين يقول المؤرخ الذهبي في كلام هادئ ومتعقل :" وخلّف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء، وإما قد ولدوا في الشام على حبه، وتربى أولادهم على ذلك.
وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق، ونشؤوا على النصب، نعوذ بالله من الهوى , كما قد نشأ جيش علي رضي الله عنه، ورعيته - إلا الخوارج منهم - على حبه والقيام معه، وبغض من بغى عليه والتبري منهم، وغلا خلق منهم في التشيع "(1)
وبلغ الحال بالأطراف الغالية في معاوية إلى درجة أن كل طرف حاول أن يضع أحاديث على لسان النبي صلى الله عليه السلام يقوي بها موقفه , ولكن هذه العملية الدنية لم تنطل على علماء الحديث فتنبهوا لها وحذروا منها , وكشفوا عن حقيقتها , ومحصوا الحديث الصحيح من الضعيف مما روي في شأن معاوية رضي الله عنه .
وفي التنبيه على ذلك يقول ابن الجوزي :" قد تعصب قوم ممن يدعى السنة فوضعوا في فضله أحاديث ليغضبوا الرافضة وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمه أحاديث، وكلا الفريقين على الخطأ القبيح"(2) .
وتوسعت موجة التزييف المتعلقة بمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فشملت كتب التاريخ والآثار والقصص والأدب , فالقارئ لهذه الكتب يجد أمامه كما هائلا من الأخبار المنقولة عن معاوية إما مدحا فيه وإطراءً من قِبَل الغالين في حبه , وإما ذما فيه وتقبيحا له من قِبَل الغالين في بغضه .

الواجبات المنهجية في مثل هذا الحال:
وفي مثل هذه الحال يتحتم على الباحث الصادق مع نفسه ومع فكره أن يتصف بقدر كبير من الهدوء النفسي وأن يلتزم بترسانة صلبة من الأصول العقلية والمنهجية ؛ حتى لا يقع في التناقض أو الانتقاء أو الاختزال , وكل هذه الأمور مخالف للمنهجية العلمية الصحيحة .
ومن أهم ما يجب على الباحث الالتزام به هو أن يدخل إلى البحث بنفسية "الاحتياط الشديد" , التي تجعله لا يقبل أية فكرة إلا بعد التأكد من صحتها في ذاتها والتيقن من فهمه لمدلولها السياقي والتاريخي ؛ حتى يتمكن من الخروج برؤية واضحة ومتوافقة مع حال الشخص المختلف فيه .
ولا يصح عقلا ولا منهجا أن يتساهل الباحث في اتخاذ الموقف من غير أن يحقق الاحتياط ويتأكد من كل بياناته .
وهذه الحكم ليس خاصا بمعاوية بن أبي سفيان , بل هو قاعدة ومبدأ علمي يطبق على كل إنسان ولو كان من غير المسلمين , فإنه لا يصح في العقل ولا في المنهج العلمي الصلب أن يتخذ الباحث موقفا من أرسطو مثلا – وهو من الشخصيات التي دار حولها جدل كثير - , ولا من مارتن لوثر – وهو أيضا ممن احتدمت المواقف حوله – إلا بعد أن يحتاط في بحثه ويتأكد من صحة الخبر الذي اعتمد عليه ومن صحة فهمه لكل البيانات المنقولة , حتى يتمكن من بناء الموقف العادل .
ومع كون هذه القاعدة عامة في كل الناس , إلا أن أهميتها تزداد , ويقوى وجوب الأخذ بها إذا تعلق الأمر بالصحابة رضي الله عنهم ؛ لما لهم من الشرف والمكانة واللقيا بالنبي صلى الله عليه وسلم والعيش معه , فهناك نصوص وأدلة عقلية وحالية وتاريخية تدل على أن الأصل فيهم العدالة والصدق والأمانة وقوة اليقين , وقد فصلت ذلك في بحث منشور في عدد من المواقع الالكترونية بعنوان ( المدخل المنهجي للتعامل مع جيل الصحابة).
ولأجل تلك الثناءات الشرعية والمعطيات العقلية والتاريخية كان للصحابة قدر كبير في نفوس المؤمنين ولهم من الحب والتقدير والاحترام شيء كبير جدا , وتعامل المسلمون معهم بقاعدة حسن الظن والسلامة من القوادح إلا بدليل قوي وظاهر , ولهذا كانت ساحة الصحابة خطرة جدا , ولا يجوز أن يخوض فيها المسلم بغير علم وعدل واحتياط وتأكد وتريث وسلامة صدر .
وهذه المعطيات هي أحد المرتكزات التي أقام عليها علماء أهل السنة رأيهم في الأمر بالكف عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم من خلاف , فرأيهم ذلك لم يكن مجردا من الحجج الداعمة ولا خاليا من المؤكدات , إنما هو منسجم مع الدلالات الشرعية والتاريخية والعقلية الدالة على فضل الصحابة وعلو شأنهم وسلامة حالهم .
والتقرير السابق يؤكد على أن الاحتياط والتأكد في شأن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يجب أن يكون أقوى وأعلى ؛ لأنه أولا من الصحابة رضي الله عنهم, ولأن الخلاف محتدم حوله , وهذا يتطلب قدرا زائدا من الاحتياط الشديد .
ولكن هناك من لم يلتزم بقاعدة الاحتياط الشديد في التعامل مع الصحابي معاوية رضي الله عنه , فأخذ يتساهل إما في الثبوت أو في الفهم , واعتمد على قصص وأخبار منقولة في ذم معاوية وبنى عليها أحكاما جائرة .
ومن أمثلة ذلك : القول بأن معاوية كان يبيع الأصنام للهند في زمن عثمان رضي الله عنه , والقول بأن معاوية كان يشرب الخمر , وغيرها من التهم , بحجة أن هذه الأخبار رواها عدد من العلماء في مؤلفاتهم الحديثية أو التاريخية .
وكلنا يعرف أنه ليس كل ما ذُكر في كتب التاريخ والأخبار صحيحا مقبولا , بل فيها من الضعيف والباطل الشيء الكثير , وفضلا عن ذلك فإنا لو قمنا بفحص تلك الأخبار المنقولة في ذم معاوية فإننا سنكتشف أنها أخبار باطلة في أسانيدها وفيها من العلل الحديثية ما يدل على بطلانها(3) , فضلا عما فيها من مخالفة للأحاديث الصحيحة التي ثبتت في فضل معاوية رضي الله عنه , فضلا عما يخالفها من الأدلة العقلية التي سيأتي ذكرها في أثناء البحث .
وهذا التساهل سيؤدي بنا إلى نتائج باطلة مخالفة للمنهجية العلمية ؛ لأن ذلك التساهل سيفتح الباب أمام من يغلو في معاوية ليستدل بالأخبار الضعيفة على إثبات فضائل لا تثبت له , وهذا أمر غير مقبول ؛ لأنه كما أنه لا يصح التساهل في إثبات القوادح في الشخص المختلف في حاله فإنه لا يصح التساهل أيضا في إثبات الفضائل له .
ويفتح الباب أمام من يبغض علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة ليستدل بأخبار وآثار ضعيفة وغير محققة ليقدح بها في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والطريقة المنهجية الصحيحة هي أن نلتزم بالاحتياط الشديد في كل ما يتعلق بالصحابة رضي الله عنهم وخاصة من وقع الجدل والاختلاف في حالهم , فلا نثبت لهم من الفضائل إلا ما هو مُتَحقق من صحته وثبوته , ولا نثبت لهم من الذم إلا ما هو مُتَحقق من ثبوته .
وهذا كله يدل على أن الخلل والمشكلة عند المتساهلين والمغالين في ذم معاوية رضي الله عنه ليست في الأمثلة الفردية التي يسوقونها , وإنما في منهجية التفكير لديهم وفي أصول المنهجية الخاطئة فنحن لا نحتاج في تاريخ معاوية إلى مزيد تفصيل , ولا إطناب في سوق الأخبار وإنما نحتاج إلى تصحيح الموازين في بناء المواقف وإلى بيان المداخل التي يؤتى من قِبَلها أحكام الناس على الحوادث والرجال فنصاب بالخلل والاضطراب والظلم والجور .

كيف نبني موقفا عادلا من معاوية رضي الله عنه ؟!
يتميز جيل الصحابة رضي الله عنهم بخاصية لا توجد لغيرهم , وهي أنهم عاشروا النبي صلى الله عليه وسلم وعاشوا معه والتقوا به وتحدثوا إليه وتحدث إليهم وسافر معهم وسافروا معه وارتبطوا به بعلاقات عديدة , سواء من آمن قبل الفتح منهم أو بعده , وهذا الحال التعايشي يستلزم بالضرورة أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم مواقف وأحكاما ومشاهد تتعلق بمن عاش معه .
ولهذا فإن أفضل طريق وأسلم سبيل وأتقن مسلك لبناء موقف عادل عن الصحابة هو الرجوع إلى ما جاء في نصوص الشرع المطهر عنهم , فإنه سيكون بلا شك أصدق برهان وأعلى بيان .
وليس هناك من شك في أن معاوية بن أبي سفيان جاءت في شأنه أخبار عديدة تدل على فضله ومنقبته , ومن ذلك : كونه كان كاتبا للنبي صلى الله عليه وسلم(4) , ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم عن معاوية : " اللهم اجعله هاديا مهديا"(5) , ومن ذلك : حديث أم حرام بنت ملحان قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا » ، قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : « أنت فيهم » . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : « أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم » ، فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا" (6) .
فهذه النصوص الصحيحة وغيرها استنبط منها علماء أهل السنة عددا من مناقب معاوية وفضائله , وشرحوا ذلك في مؤلفاتهم الحديثية والعقدية .
ومن الطرق العميقة والمتقنة التي تساعد على بناء المواقف العادلة من الأشخاص : البحث في مواقف أصحابه وأقرانه ومن عاشوا معه وخبروا حاله , وتزداد أهمية هذا الطريق إذا كان الأصحاب هم الصحابة رضي الله عنهم , فإنهم الأتقى قلوبا والأزكى نفوسا والأعلم بدين الله والأكرم أخلاقا والأحرص على شريعة الله والأشجع في بيان الحق والكشف عن الباطل , ولا تأخذهم في الله لومة لائم , فمواقفهم من الأشخاص ستكون بالضرورة هي الأعدل والأصح والأكمل .
وبالتالي فإن من أفضل الطرق في معرفة حال معاوية رضي الله عنه هو أن نتعرف على مواقف الصحابة منه .

فما هي مواقف الصحابة من معاوية ؟!
إذا رجعنا إلى مواقف الصحابة الصحيحة نجدها تدل على فضل معاوية وكرمه وحسن سيرته وتكشف عن رضاهم عنه وعن ولايته , وتدل على نقيض ما ينسبه إليه الغالون المبغضون له من الكفر والنفاق والفسق والخداع .
فعمر بن الخطاب ولى معاوية خلفا لأخيه يزيد بعد موته على الشام , وهو آنذاك ثغر من ثغور المسلمين(7) .
وقد بين عمر بن الخطاب منزلة أمرائه على الأمصار قبيل وفاته فقال :" اللهم إنّي أُشهدك على أمراء الأمصار، وإنّي إنّما بعثتُهُم عليهم لِيَعدلوا عليهم، ولِيُعلّموا الناسَ دينَهم وسُنَّةَ نبيّهم صلى الله عليه وسلم، ويَقسموا فيهم فَيْئَهُم، ويَرفَعوا إلَيَّ ما أشكلَ عليهم مِن أَمرِهم"(8) .
فقد وثق عمر في معاوية ورضيه واليا على ثغر من ثغور المسلمين , فلو كان معاوية كافرا أو منافقا أو فاسقا أو غير مأمون الديانة , فهل يقبل به عمر أميرا له على المسلمين , فإذا كان عمر لم يرض بكافر أن يكون كاتبا عند بعض أمرائه فكيف يولي من هو كافر منافق ؟!
وقد توقف عدد من العلماء عند موقف عمر هذا , وعدوه دليلا ظاهرا على إيمان معاوية وحسن سيرته , وفي هذا يقول الذهبي :" حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم – وهو ثغر – فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضى الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك"(9) .
ويكشف ابن تيمية عن دلالة فعل عمر بكلام مطول فيقول :" لما مات يزيد بن أبى سفيان في خلافة عمر استعمل أخاه معاوية وكان عمر بن الخطاب من أعظم الناس فراسة وأخبرهم بالرجال وأقومهم بالحق , وأعلمهم به ... ولا استعمل عمر قط , بل ولا أبو بكر على المسلمين منافقا , ولا استعملا من أقاربهما , ولا كان تأخذهما في الله لومة لائم , بل لما قاتلا أهل الردة وأعادوهم إلى الإسلام منعوهم ركوب الخيل وحمل السلاح حتى تظهر صحة توبتهم , وكان عمر يقول لسعد بن أبى وقاص وهو أمير العراق : لا تستعمل أحدا منهم ولا تشاورهم في الحرب , فإنهم كانوا أمراء أكابر مثل طليحة الأسدي والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والأشعث بن قيس الكندي وأمثالهم , فهؤلاء لما تخوف أبو بكر وعمر منهم نوع نفاق لم يولهم على المسلمين
فلو كان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبى سفيان وأمثالهما ممن يتخوف منهما النفاق لم يولوا على المسلمين"(10) .
وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه , فإن مواقفه الصحيحة تدل على أنه لا يحكم على معاوية بالكفر والنفاق , بل يعده مسلما عدلا , وتدل على أنه حفظ لمعاوية صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم واعتبر له اجتهاده , فقد دارت بينه وبين معاوية حرب ضارية دامت خمس سنوات , أزهقت فيها أنفس كثير من المسلمين وأهلكت فيها أموالهم , فلو كان علي يعرف من معاوية كفرا أو نفاقا أو فسقا أو استخفافا بالدين أو عدم مبالة به أو بيعا للأصنام أو شربا للخمر لذكره وكشفه للناس وبينه لهم حتى ينصرف الناس عن القتال والحرب , ويقي بذلك دماء المسلمين , ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك .
بل ثبت عنه أنه قال :" قتلاي وقتلى معاوية في الجنة"(11) , وكان يدعو لأهل الشام بالمغفرة .
ولو قارنا بين حال علي رضي الله عنه مع الخوارج وبين حاله مع معاوية وأهل الشام لوجدنا في ذلك دليلا قويا على حسن موقفه من معاوية , فإن عليا كان فرحا بقتاله للخوارج وكان يحدث الناس بالأحاديث التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام في شأنهم ويقسم لهم بذلك ؛ لأنه يرى أن قتاله معهم مشروع مع أنه لم يكن يكفرهم , ولكنه في قتاله مع أهل الشام لم يكن كذلك , ولم يظهر الفرح بذلك بل كان مترددا نادما حزينا على ما أهرق فيها من دماء المسلمين(12) , ولم يوافقه على قتاله معهم كثير من الصحابة واعتزلوا الفتنة .
فلو كان معاوية كافرا أو فاسقا أو منافقا , فلماذا لم يكن علي فرحا بقتاله , ولماذا لم يشارك كثير من كبار الصحابة في القتال ؟! هل يعقل أن تقوم حرب بين مسلم وكافر ثم لا يشارك الصحابة مع المسلم في قتال الكافر؟!!
وإذا انتقلنا إلى موقف الحسن بن علي رضي الله عنه نجده كذلك يدل على ما يدل عليه صنيع أبيه , فإنه تنازل لمعاوية عن الحكم , وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أثنى على هذا الصنيع وبشر به , فقال : " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين "(13) .
وقد وافق الحسن من كان معه من الصحابة كأخيه الحسين وغيره , وفي بيان هذا يقول الأوزاعي :" أدركتْ خلافة معاوية عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم : سعد وأسامة وجابر وابن عمر وزيد بن ثابت ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد ورافع بن خديج وأبو أمامة وأنس بن مالك ، ورجال أكثر ممن سمينا بأضعاف مضاعفة ، كانوا مصابيح الهدى ، وأوعية العلم ، حضروا من الكتاب تنزيله ، وأخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويله , ومن التابعين لهم بإحسان إن شاء الله منهم : المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وسعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير وعبد الله بن محيريز ، في أشباه لهم لم ينزعوا يداً عن مجامعة في أمة محمد"(14) .
فلوا كان معاوية كافرا أو منافقا أو فاسقا كيف يصح للحسن وللصحابة معه أن يتنازلوا بالولاية له ؟!! , وكيف يمتدح النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصنيع ؟!!وكيف لهؤلاء الجلة من الصحابة والتابعين أن يتواردوا على السكوت عن الكفر والنفاق والفسق ؟!!
وأما ابن عباس رضي الله عنهما , فقد قيل له : : هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة ؟ فقال رضي الله عنه : إنه فقيه"(15) , وكان يقول عن معاوية :" : ما رأيت رجلا كان أخلق للملك من معاوية"(16) .
فها هو ابن عباس وهو من آل البيت وممن كان مع علي , يصف معاوية بتلك الأوصاف , فهل من المقبول عقلا أن يقول هذا القول في رجل يراه كافرا أو فاسقا أو منافقا؟!
والذي يستقرئ حال مجمل الصحابة ومواقفهم من معاوية قبل ملكه وبعده يجد أنها تسير على وتيرة واحدة , وأنه كان يسود بينهم حالة من الرضا والقبول لدينه وحكمه .
وقد مدحه عدد من أجلة الصحابة كسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبي هريرة وأبي الدرداء وأبي سعيد الخدري وعائشة رضي الله عنهم , وأخبارهم في هذا صحيحة مشهورة فهل من المقبول عقلا أن يتوارد كل هؤلاء الصحابة على كتمان العلم وبيان حال معاوية لو كان عنده ما يقدح في دينه وأمانته؟!
بل روى ابن سعد عن أم علقمة أنها قالت : قَدِمَ معاويةُ بن أبي سفيانَ المدينة، فأرسلَ إلى عائشةَ: أن أَرْسِلي إليَّ بأنبجانيّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وشَعْرِه، فأَرْسَلَتْ به معي، حتى دخلْتُ به عليه، فأخذَ الأنبجانيةَ فَلَبسَها، وأخذَ شَعْرَه فدعا بماء فَغَسلَه، فشَرِبَه وأفاضَ على جِلْدِه"(17) .
فلو كان معاوية كافرا أو منافقا لما أرسلت إليه عائشة أنبجانية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما امتنعت من ذلك .
ثم إنه قد روى عنه عدد من الصحابة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد جمع أبو نعيم الأصفهاني عددا منهم فقال عن معاوية :" حدث عنه من الصحابة : عبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو الدرداء وجرير والنعمان وعبد الله بن عمرو بن العاص ووائل بن حجر وعبد الله بن الزبير"(18) , وقد أحصى بعض الباحثين ثلاثا وعشرين صحابيا رووا عن معاوية الحديث , وبعض هذه الأسانيد جاءت في البخاري ومسلم(19) , وقد نص عدد من العلماء من أهل الاستقراء على أنه ليس هناك أحد من الصحابة والتابعين كان يتهم معاوية بالكذب وفي هذا يقول ابن تيمية عن معاوية وعمرو ابن العاص:" ولم يتهمهم أحد من أوليائهم ، لا محاربوهم ، ولا غير محاربيهم : بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بل جميع علماء الصحابة والتابعين بعدهم متفقون على أن هؤلاء صادقون على رسول الله ، مأمونون عليه في الرواية عنه"(20) .
فلو كان معاوية كافرا أو فاسقا أو منافقا أو مقدوحا في دينه وأمانته فكيف استساغ أولئك النفر من الصحابة الرواية عنه ؟! وكيف صدقوه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
ويدل حال الصحابة على أنهم كانوا لا يسكتون عن أي مخالفة تقع في الدين سواء كانت من معاوية أو من غيره , وقد اختلف أبو ذر رضي الله عنه مع معاوية في اكتناز المال وشدد أبو ذر على معاوية حتى شكاه إلى عثمان , فهل من المعقول أن يكون معاوية متاجرا في بيع الأصناف في زمن عثمان – كما جاء في القصة التي يعتمد عليها الطاعنون- أو كافرا أو منافقا أو شاربا للخمر أو مستهترا بدين الله ثم يترك أبو ذر وغيره من الصحابة كل ذلك ويقف معه في قضية أقل منها وهي اكتناز المال ؟! ألا يدل اختلافهم ذلك على أن أبا ذر وغيره من الصحابة لم يجدوا عند معاوية ما يوجب له الفسق والكفر وإلا لبادروا على إعلان النكير عليه ؟!
ولما اجتمع معاوية ابن أبي سفيان بكبار الصحابة في آخر أيام خلافته , وهم ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن ابن أبي بكر والحسين بن علي وعبد الله بن الزبير , ليأخذ منهم الإقرار بولاية العهد لابنه يزيد , أنكروا ذلك عليه ولم يؤيدوه على فعله ورأيه(21) , وهذا يدل على أن الصحابة لو كانوا يرون عند معاوية ما يخالف الدين لما سكتوا عنه ولأظهروا المخالفة له , ولكن شيئا من ذلك لم يحدث .

كيف تعامل الصحابة مع أخطاء معاوية ؟!
والتقريرات والدلائل العقلية السابقة لا تعني أن الصحابة كانوا يرون معاوية مبرأ من الخطأ , ولكنّ أخطاءه عندهم لا تصل إلى الكفر والنفاق والفسق والقدح في ديانته .
فليس هناك شك في العقل أن عليا ومن معه من الصحابة كانوا يرون أن معاوية مخطئا في قتاله لعلي , وكثير من الصحابة كان يرى هذا الرأي خاصة بعد قتل عمار بن ياسر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ويح عمار تقتله الفئة الباغية ! عمار يدعوهم إلى الله ، ويدعونه إلى النار"(22) .
ولكنهم لم يبالغوا في الحكم على معاوية ولم يصدروا أحكاما جائرة , فلم يحكموا عليه بالكفر ولا بالفسق ولا بالنفاق ولا بالقدح في الدين , وإنما عدوه مجتهدا متأولا .
ومن أمثلة مواقف الصحابة من أخطاء معاوية : ما ذكره المسور بن مخرمة رضي الله عنه – وهو من صغار الصحابة- أن معاوية قال له :" : يا مِسْوَر! ما فعل طعنُك على الأئمة؟ قال: دَعْنا من هذا وأحسن. قال: لا والله! لَتُكلِّمَنِّي بذات نَفسكَ بالذي تعيبُ عَلَيّ! قال مسور: فلم أترك شيئا أعيبُه عليه إلا بيّنت له. فقال: لا أبرأ من الذنبَ! فهل تَعُدُّ لنا يا مِسْوَر ما نَلِي من الإصلاح في أمر العامة -فإن الحسنة بعشر أمثالها- أم تعُدُّ الذنوبَ وتَترُكُ الإحسان؟! قال: ما نَذكرُ إلا الذنوب! قال معاوية: فإنّا نعترفُ لله بكل ذنب أذنبناه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم تُغفر؟ قال: نعم! قال: فما يجعلك برجاء المغفرة أحقَّ مني؟! فوالله ما ألي من الإصلاح أكثرُ مما تَلي، ولكن والله لا أُخيَّر بين أمرين: بين الله وبين غيره؛ إلا اخترتُ الله على ما سواه، وإني لَعَلَى دينٍ يُقبَلُ فيه العمل؛ ويُجزى فيه بالحسنات؛ ويُجزى فيه بالذنوب؛ إلا أن يعفوَ اللهُ عنها.
قال: فخَصَمَني!
قال عروة: فلم أسمَع المِسْوَر ذَكَرَ معاويةَ إلا صلّى عليه"(23) .
فهذا الأثر يدل على أن الأخطاء التي ذكرها المسور في معاوية ليست أخطاء كبيرة توجب الكفر أو النفاق أو الفسق , ولو كانت كذلك لما أقره المسور على أنها مغفورة بالحسنات والأعمال الصالحة .
وكذلك عائشة رضي الله عنها أنكرت على معاوية قتله حجر بن عدي وأصحابه من أهل العراق ولكن معاوية بين لها حجته وتأوله , وأنه خشي أن يحدث فتنة في الناس بإعلانه القوى على إمامته , والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه "(24) , وقال لها :" وأما حجر وأصحابه فإنني تخوفت أمرا وخشيت فتنة تكون تهراق فيها الدماء وتستحل فيها المحارم وأنت تخافيني دعيني والله يفعل بي ما يشاء قالت : تركتك والله تركتك والله تركتك والله"(25) .
وهذا الموقف الإعذاري الذي اتخذته عائشة من معاوية هو الموقف نفسه الذي اتخذه أبو بكر وعمر من خالد حين قتل مالك بن نويرة مع أنه أعلن إسلامه , فمع أنهم حكموا بخطئه وأنكروا فعله إلا أنهم لم يفسقوه ولم يكفروه ولم يقدحوا في دينه , ومستندهم في ذلك موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أسامة وخالد بن الوليد حينا قتلا من أعلن إسلامه .
مع أنه لا بد من التنبيه على أن قتل معاوية لحجر بن عدي رضي الله عنه اشتمل على ملابسات كثيرة جدا , والقصة تحتاج إلى قدر كبير من التحقيق , وليس من قصد البحث تحقيق الكلام فيها , وإنما قصده تحقيق مواقف الصحابة مما وقع فيه معاوية من إزهاق الدم المسلم .

موقف تلاميذ الصحابة من معاوية :
ثم إذا انتقلنا إلى تلاميذ الصحابة وتلاميذ تلاميذهم من التابعين وأتباعهم , وهم الأعلم بمواقف الصحابة والأكثر فقها لآرائهم وأصول مذهبهم والأعمق في تصور عقيدتهم , وهم الأشد حرصا على إتباع الصحابة والتمسك بما كانوا عليه من دين , وهم كذلك أعداد كبيرة جدا , وقد عاش كثير منهم بعد انتهاء دولة بني أمية .
فإنا لو رجعنا إلى مواقفهم من معاوية نجدهم أطبقوا عل الثناء عليه والإعلان عن حبه وتقديره واعتقاد عدالته وحسن سيرته , فمن المستبعد عقلا أن تتوارد هذه الأعداء الغفيرة على عقيدة خلاف ما تلقوه من الصحابة رضي الله عنهم , ومن المستبعد عقلا أن تتوارد هذه الأعداد الغفيرة على كتمان الحق الذي تلقوه من الصحابة؟!

تعليق أخير :
فهذه الشواهد التاريخية والدلالات العقلية تُكوِّن لدينا ترسانة علمية صلبة في التعامل مع معاوية رضي الله عنه , وتكشف لنا عن حقيقة نظرة الصحابة إليه وتعاملهم معه , وهي لا شك ستعين القارئ في تاريخ معاوية على فهم كثير من النصوص الشرعية التي جاءت في حقه , وتعينه على توسيع أفقه في التعامل مع مشاهد سيرته , ولا يجوز في موازين المنهجية العلمية القفز عليها أو تجازوها ما لم نقدم عنها جوابا مقنعا .
وتعاملات الصحابة تلك تمثل عقبة كبيرة أمام القادحين في معاوية لإقناع المسلمين برأيهم ؛ إذ كيف يقتنع المسلمون بأن معاوية كان كافرا أو منافقا أو فاسقا أو فاسد الديانة وهم يعلمون مواقف الصحابة معه ؟!
ولا بد من التنبيه في ختام هذه الورقة التقريرية المختصرة أنه لم يكن القصد منها استيعاب كل ما يتعلق بمعاوية رضي الله عنه من النصوص الشرعية وغيرها , وإنما القصد دراسة وتحليل مواقف الصحابة فقط .


ولا بد من التنبيه على أن الغالين في ذم معاوية قد ذكروا أخبارا وآثارا عديدة تدل في ظاهرها على أن الصحابة كانوا يقدحون في معاوية ويذمونه , ولكن هذه الأخبار كلها ليست صحيحة ولا ثابتة , وقد قام عدد من الباحثين المعاصرين برصد تلك التهم والأخبار وقاموا بدراستها حديثيا وتاريخيا وأثبتوا بطلانها وخطأها , ومن أجمع البحوث التي قامت بذلك كتاب (سل السنان في الذب عن معاوية ابن أبي سفيان ) , فقد جمع فيه كل ما أثير ضد معاوية وأجاب عنها جوابا مفاصلا .
ثم إن ما كان منها صحيحا فإنه لا يدل على مقدار الحكم الجائر الذي وصفوا به معاوية!!


------------
(1) سير أعلام النبلاء , الذهبي (3/128) .
(2) الموضوعات , ابن الجوزي (2/249) .
(3) انظر في إثبات ضعف هذه الأخبار : سل السنان في الذب عن معاوية ابن أبي سفيان , سعد السيبعي (197) – نسخة الالكترونية - .
(4) كون معاوية كان كاتبا للنبي عليه السلام أخرجه : مسلم (2501) .
(5) أخرجه : أحمد في المسند (17929) , والترمذي في السنن( 3843) وابن سعد في الطبقات (7/417) ,والآجري في الشريعة (1914) , وصححه عدد من العلماء .
(6) أخرجه : البخاري (2766) .
(7) انظر : البداية والنهاية , ابن كثير (11/399 ) و سير أعلام النبلاء , الذهبي (3/132) .
(8) أخرجه : مسلم (567) .
(9) سير أعلام النبلاء , الذهبي (3/132) .
(10) مجموع الفتاوى , ابن تيمية (35/65) .
(11) أخرجه : ابن أبي شيبة (15/303) , وسنده صحيح .
(12) انظر خبر ذلك في : مصنف ابن أبي شيبة (39007) .
(13) أخرجه : البخاري (2704) .
(14) نقله أبو زرعة الرازي في تاريخه (1/189) .
(15) أخرجه : البخاري (3765) .
(16) أخرجه : معمر في جامعه المطبوع مع مصنف عبدالرزاق( 20985) , وإسناده صحيح .
(17) الطبقات الكبرى , ابن سعد (1/112) , وسنده لا بأس به .
(18) معرفة الصحابة , أبو نعيم (5/2497) .
(19) انظر : سل السنان في الذب عن معاوية ابن أبي سفيان (15) .
(20) مجموع الفتاوى , ابن تيمية (35/66) .
(21) انظر خبر ذلك في : تاريخ خليفة خياط (213-214) .
(22) أخرجه : البخاري (2657) .
(23) أخرجه : معمر في الجامع – المطبوع مع مصنف عبدالرزاق(20717) , وابن سعد في الطبقات (1/123) , وقال ابن عبدالبر عن هذا الأثر :" وهذا الخبر من أصح ما يروى من حديث ابن شهاب" الاستيعاب في معرفة الأصحاب(3/1422) , وصححه عدد من العلماء .
(24) أخرجه : مسلم ( 4904) .
(25) أخرجه : ابن عساكر في تاريخه (12/230) .

رابط المقال :http://taseel.com/display/pub/default.aspx?id=1794&ct=3&ax=5
للشيخ سلطان العميري

إلى حب الله
04-18-2012, 11:22 AM
ماتع ومختصر مفيد ما شاء الله أخي الحبيب ...
وفقك الله دوما ًلكل خير ...
ويا حبذا لو تذكر لنا أو أحد الإخوة - واستكمالا ًللفائدة لا أكثر - أقوال العلماء في معاوية ..
وحكمهم في مَن تعرض له بتفسيق وتبديع أو حتى تكفير بجهله ...
والله المستعان ...

أبو عثمان
04-18-2012, 11:46 AM
رابط المقال :http://taseel.com/display/pub/defaul...1794&ct=3&ax=5
للشيخ سلطان العميري

استاذي الفاضل , المقال ليس لي, ما انا الا ناقل يا رعاك الله .
نعوذ بالله ان نتشبّع بما لم نعطَ .

ابن عبد البر الصغير
04-18-2012, 11:39 PM
دونك هذه الأقوال يا أبا حب الله :

-الإمام الحسن البصري رحمه الله : قيل للحسن: يا أبا سعيد، إن ههنا قوما يَشتمون -أو يلعنون- معاوية وابن الزبير، فقال: على أولئك الذين يَلعَنونَ لعنةُ الله. -طريقه عند ابن عساكر 59/206 -

-قال الإمام الربيع بن نافع الحلبي - رحمه الله- :" معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كشف الرجل الستر, اجترأ على ماوراءه" - البداية والنهاية-.

- سئل المعافي بن عمران رحمه الله : "أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فغضب وقال للسائل : أتجعل رجلاً من الصحابة مثل رجل من التابعين ؟ معاوية صاحبه وصهره، وكاتبه، وأمينه على وحي الله ." - البداية والنهاية-.

-سُئل الإمام النسائي رحمه الله تعالى عن معاوية بن أبى سفيان - رضى الله عنهما - فقال : " إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام ، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار، قال : فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة" - تهذيب الكمال للحافظ المزي-.

سُئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أيقال له رافضي ؟ فقال : " إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء ، ما انتقص أحدٌ أحداً من الصحابة إلا وله داخلة سوء" وفي رواية أخرى قال : " إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام " - البداية والنهاية- .

وسئل الإمام أيضا : ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ قال : هذا قول سوءٍ رديء, يجانبون هؤلاء القوم، ولا يجالسون، ونبين أمرهم للناس" - السنة -.

- قال الإمام الطحاوي : "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرّأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم الا بخير ، وحبهم دين وايمان واحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان" - الطحاوية-.

- قال الإمام ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله- : "وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين" - شرح الطحاوية-.

- يقول الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله : "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدَّى إلينا هذا القرآنُ والسننُ: أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة " - الكفاية- .

- قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : "واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك، كان ملكه ملكا ورحمة" - الفتاوى-.

-وقال الإمام ابن حجر رحمه الله: "اتفق أهلُ السنة على أن الجميع عدول، ولم يُخالف في ذلك إلا شذوذٌ من المبتدعة" . - الإصابة -

- قال الإمام السرخسي رحمه الله : " الشريعة إنما بلغتنا بنقلهم فمن طعن فيهم فهو ملحد، منابذ للإسلام ، دواؤه السيف إن لم يتب " -أصول السرخسي-.

- قال القاضي عياض رحمه الله : "وسب أحدهم من المعاصي الكبائر ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل وقال بعض المالكية يقتل ." - شرح النووي على صحيح مسلم-.

- قال الإمام النووي رحمه الله : "واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون كما أوضحناه في أول فضائل الصحابة من هذا الشرح ." - شرح صحيح مسلم-.

- قال الإمام مالك رحمه الله : "إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك ، فقدحوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء و لو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين".

وفي رواية أبي عروة الزبيري رحمه الله : " كنا عند مالك فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ مالك هذه الآية : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } (الفتح:29) .
قال مالك : من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب محمد عليه السلام فقد أصابته الآية ". - رواه أبو نعيم والخلال-.

قال الإمام مالك رحمه الله :" من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قتل ، ومن شتم أصحابه أدّب ، وقال أيضا : من شتم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال كانوا على ضلال وكفر قتل ، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكّل نكالا شديدا ." - الشفا- .

- وقد علَّق الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره على رواية مالك الثانية فقال : " لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد ردَّ على الله رب العالمين ، وأبطل شرائع المسلمين " .

- قال الإمام الشوكاني في تفسيره : " فمن لم يستغفر للصحابة على العموم ويطلب رضوان الله لهم فقد خالف ما أمره الله به في هذه الآية ، فإن وجد في قلبه غلاً لهم فقد أصابه نزغ من الشيطان وحل به نصيب وافر من عصيان الله بعداوة أوليائه وخير أمة نبيه صلى الله عليه وسلم وانفتح له باب من الخذلان يفد به على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجوء الى الله سبحانه ةالاستغاثة به ؛ بأن ينزع عن قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون وأشرف هذه الأمة ، فإن جاوز ما يجده من الغل الى شتم أحد منهم ، فقد انقاد للشيطان بزمام ووقع في غضب الله وسخطه ، وهذا الداء العضال إنما يصاب به من ابتلي بمعلم من الرافضة أو صاحب من أعداء خير الأمة الذي تلاعب بهم الشيطان وزين لهم الأكاذيب المختلفة والأقاصيص المفتراة والخرافات الموضوعة ،وصرفهم عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المنقولة إلينا بروايات الأئمة الأكابر في كل عصر من العصور ، فاشتروا الضلالة بالهدى ، واستبدلوا الربح الوافر بالخسران العظيم ، وما زال الشيطان الرجيم ينقلهم من منزلة الى منزلة ، ومن رتبة الى رتبة حتى صاروا أعداء كتاب الله وسنة رسوله وخير أمته وصالحي عباده وسائر المؤمنين ، وأهملوا فرائض الله وهجروا شعائر الدين ، وسعوا في كيد الإسلام وأهله كل السعي ورموا الدين وأهله بكل حجر ومدر ، والله من ورائهم محيط "

- قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره : " فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم " .

- قال الإمام الشافعي رحمه الله :" أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والانجيل وسبق على لسان رسول الله صلىالله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم ،فرحمهم الله وهنأهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين ، فهم أدوا لنا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاهدوه والوحي ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاما وخاصا وعزما وارشادا وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر واستدرك به علم واستنبط به ، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم" - المناقب للبيهقي-.

- قال الإمام أبو نعيم رحمه الله :" فمن سبهم وأبغضهم وحمل ما كان من تأويلهم وحروبهم على غير الجميل الحسن فهو العادل عن أمر الله تعالى وتأديبه ووصيته فيهم ، لا يبسط لسانه فيهم الا من سوء طويته في النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والمسلمين" - الإمامة-.

- قال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله : . "فمن سبهم أو واحد منهم فقد بارز الله بالمحاربة أهلكه وخذله ، ومن ثم قال العلماء : اذا ذكر الصحابة بسوء كاضافة عيب لهم وجب الامساك عن الخوض في ذلك بل ويجب انكاره باليد ثم باللسان ثم بالقلب على حسب الاستطاعة كسائر المنكرات بل هذا من أشرها وأقبحها." - الزواجر-.

- قال الإمام بشر الحافي رحمه الله : " من شتم أصحاب رسول الله فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين ". - الناهية-

- قال الإمام البربهاري رحمه الله : " واعلم أنه من تناول أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم انما أراد محمدا صلى الله عليه وسلم وقد آذاه في قبره ..واذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب رسول الله فاعلم أنه صاحب قول سوء وهوى" . - الناهية-

- قال الإمام المزني الشافعي رحمه الله : "ونخلص لكل رجل منهم من المحبة بقدر الذي أوجب لهم رسول الله ويقال بفضلهم . ويذكرون بمحاسن أفعالهم ونمسك عن الخوض فيما شجر بينهم ، فهم خيار أهل الأرض بعد نبيهم ارتضاهم الله عز وجل لنبيه وخلقهم أنصارا لدينه ، فهم ائمة الدين واعلام المسلمين فرحمة الله عليهم أجمعين " - شرح السنة-.

- قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله في رسالته : " ولا يذكر أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بأحسن الذكر ، والامساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن تلتمس لهم المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب .. واتباع السلف الصالح ، واقتفاء آثارهم ، الاستغفار لهم " .

- قال الإمام علي القاري رحمه الله : " وأما من سب أحدا من الصحابة فهو فاسق و مبتدع بالاجماع ، الا اذا اعتقد انه مباح ، كما عليه بعض الشيعة وأصحابهم ، أو يترتب عليه ثواب كما هو دأب كلامهم ، أو اعتقد كفر الصحابة وأهل السنة في فصل خطابهم ؛ فانه كافر بالاجماع ولا يلتفت الا خلاف مخالفتهم في مقام النزاع"

والذي عليه أهل الجرح والتعديل أن سبَّ واحد من الصحابة مسقطٌ للعدالة لا يُؤخذ منه شيء.

إلى حب الله
04-19-2012, 12:32 AM
جزاك الله خيرا ًأخي الحبيب ابن عبد البر ......
كفيت ووفيت ما شاء الله على الجمع الطيب .......
والشكر موصول لأخينا الحبيب أبي عثمان على النقل الموفق ......
وفي انتظار ما وعدنا به ...
أعانه الله ....

ابن عبد البر الصغير
04-19-2012, 04:13 AM
وإياكم يا أبا حب الله والشكر موصول لأبي عثمان على نقله النفيس ... وهي رسالة لكل المتأثرين بعدنان إبراهيم، حتى يعلم أتباعه أنهم وإياه ليسوا على شيء، وزعيمهم سقط بمجرد أن بدأ يتكلم في الصحابة وفي أم المؤمنين رضي الله عن الجميع .. قبحه الله إن لم يسبق في علمه هدايته . والأصلح أن ينفض الناس من حول هذا الرجل المدلس ولا أنصح أحدا بالأخذ عنه في أي شيء بل في كل شيء .

والمنتدى مفتوح لمناظرته وأمثاله.

أهل الحديث
04-29-2012, 06:03 AM
حق لأهل الحديث أن يبقى متابعاً لا مشاركاً فلله دركم .. :):