المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انتصار# ‬المخلفة# ‬من# ‬الأعراب# ‬على# ‬بضعة# ‬من# ‬العرب



Digital
05-07-2012, 11:28 AM
انتصار ‬المخلفة ‬من ‬الأعراب ‬على ‬بضعة ‬من ‬العرب
بقلم حبيب راشدين
عندما ينتصر الغرب والصهاينة لقرار تقدم به بعض الأعراب لتأديب بضعة من العرب، ويتحول حليف الأمس إلى عدو، وعدو الأمس إلى حليف يعول عليه في إسقاط الدول الشقيقة، وتفكيك ما عفا عنه سايكس بيكو، فلابد أن نوطن أنفسنا لخارطة عربية جديدة، تحول أمة ما بين البحر والبحر ‬إلى ‬ألف ‬مملكة ‬بحجم ‬وجلال ‬مملكة ‬البحرين.‬


كنت قد وطنت نفسي على الابتعاد قليلا عن كل ما له صلة بالربيع العربي، حتى لا أقع في ما يقع فيه أي كاتب يدمن على الخوض في موضوع واحد، خشية أن يصيب الملل جانبا من القراء، لكن ثلاثة أحداث استفزتني من جديد: الأول: تصريح لرئيس حزب الإخوان في مصر يهدد فيه الأمريكيين بمراجعة حكومة الإخوان المصرية المقبلة لمعاهدة كامب دافيد. والثاني: تجدد صور الحصار الظالم على قطاع غزة، وتوقف محطة توليد الكهرباء في هذا الشتاء الاستثنائي، والثالث: ما نقل ليلة أمس الأول من قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة حول تمرير مشروع القرار العربي ‬الذي ‬أراد ‬فتح ‬بوابة ‬جديدة ‬لتدويل ‬الأزمة ‬السورية ‬بعد ‬أن ‬أغلق ‬في ‬وجهها ‬داخل ‬مجلس ‬الأمن



بداية، قد لا يبدو للوهلة الأولى أي رابط يذكر بين الأحداث الثلاثة، على الأقل في أعين من ينظر إلى أحداث الربيع العربي كحراك أصيل لشعوب عربية تريد استعادة السيادة المرتهنة، وفك الارتباط مع نظام عربي أهان العرب جميعا بإدارته المفلسة لملف النزاع العربي الصهيوني، ‬لكن ‬قليلا ‬من ‬الفطنة ‬والتحرر ‬من‬الأهواء، ‬يسمح ‬بتداول ‬الأحداث ‬الثلاث ‬كحدث ‬واحددو ‬للوهلة ‬الأولى ‬رابط ‬يذكر ‬بين ‬الأحداث ‬الثلاث ‬هه# ‬داخل# ‬مجلس# ‬الأمن#.‬

[تمرير ‬مشروع ‬القرار‬العربي ‬متضامن، ‬ينبعث ‬من ‬نفس ‬المشكاة.




ربيع ‬العرب ‬يتنكر ‬لشتاء ‬أطفال ‬غزة

دعونا نتوقف قليلا عند تلك الصور المحزنة لأطفال ونساء غزة التي لم يفك الربيع العربي عزلتها وحصارها، رغم التغيير الحاصل في البلد العربي الجار، ووصول قوى إسلامية لطالما تقوتت مثل غيرها على المأساة الفلسطينية، واتخذت منها عنوانها الأول في حملتها المتواصلة والمشروعة# ‬ضد# ‬سياسة# ‬نظام# ‬مبارك# ‬حيال# ‬ملف# ‬حصار# ‬غزة#.‬

فقد كان شعب غزة المحاصر أول من صفق للربيع العربي، واستبشر خيرا بحصول التغيير في مصر، ووصول العائلة السياسية التي تنتمي إليها حماس إلى سدة الحكم في مصر، وكان من حق شعب غزة أن يتوقع بداية تفكيك الحصار الظالم، الذي ما كان ليحصل لو لم تشترك فيه مصر ودول الخليج، التي ترفع اليوم شعار فك الحصار على سكان حمص السورية، وفتح ممرات آمنة لتوصيل المعونات الإنسانية لهم كما ادعى المشروع العربي المعروض على الأمم المتحدة، لكن شيئا من ذلك لم يحصل، بل إن ملف الصراع العربي الصهيوني ومأساة الشعب الفلسطيني بقيا على هامش اهتمامات# ‬#"‬الثورات# ‬العربية#"‬#.‬

فمنذ قرابة ربع قرن، لم توجه مظاهرة واحدة ذات شأن في مصر والأردن في جوار السفارة الإسرائيلية، رغم تصدر التيار الإسلامي لدعوات مقاطعة الكيان الصهيوني وطرد سفرائه، كما لم تنطلق دعوة واحدة من دول الخليج لحماية الشعب الفلسطيني حين كان يفتك به في الأردن في مجزرة أيلول الأسود، بقتل الآلاف من الفلسطينيين، وتهجير منظمة التحرير الفلسطينية، وإغلاق الجبهة الأردنية في وجه المقاومة، ثم في المجازر الرهيبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في لبنان على أيدي القوات المسحية، ثم على يد قوات أمل الشيعية، وأخيرا على يدي السفاح شارون، ‬فكيف ‬نصدق ‬اليوم ‬ما ‬يسوقه ‬لنا ‬أمراء ‬الخليجي# ‬من# ‬حرص# ‬وحنو# ‬على# ‬سكان# ‬حمص،# ‬حتى# ‬وإن# ‬كان# ‬الواجب# ‬الإنساني# ‬يملي# ‬على# ‬كل# ‬إنسان# ‬التعاطف# ‬مع# ‬أي# ‬شعب# ‬يتعرض# ‬للتعسف# ‬والقهر# ‬تحت# ‬أي# ‬ذريعة#.‬




توريط ‬ربيع ‬الشعوب ‬في ‬مؤامرة ‬الدول

ما يدعو إلى الريبة حقا أن تكون الحكومات التي أنتجها الربيع العربي في صدارة من يدعوا اليوم إلى نصرة الشعب السوري، كل حسب اجتهاده ومقدراته. فقد اجتهد الثوار الليبيون بما عندهم، فأرسلوا الفائض من المقاتلين لتسويد صفوف الجيش السوري الحر، ونقل معارك بنغازي وبني وليد إلى حمص وحلب، فيما اجتهدت حكومة النهضة التونسية بتوفير المتاح، والمتاح في بلد سياحي قد هجره السياح، هو فتح فنادق تونس للوفود الدولية التي سوف تشارك في مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" وهي التسمية التي يسوق تحتها مؤتمر تآمري يريد استنساخ ما حصل في ليبيا في مؤتمر دبي لأصدقاء الشعب الليبي. أما الحكومة المصرية التي أوهمتنا لوقت ببعض التردد حيال الانسياق خلف القطب الخليجي، الماسك بالقرار العربي، فقد عادت إلى الصف، فسارعت إلى طرد السفير السوري، وتولى مندوبها الدائم في الأمم المتحدة تقديم مسودة القرار بالنيابة عن# ‬دول# ‬الخليج# ‬الداعمة# ‬لمسار# ‬تدويل# ‬الملف# ‬السوري#.‬




صَغار ‬الإخوان‬أمام ‬دولارات‬الأخ ‬الكبير

في أثناء ذلك، يطالعنا رئيس حزب العدالة والتنمية الإخواني بتصريح مثير، كان الجزء الأول منه يستبطن الرحمة والأمل، بتوجيه تهديد صريح للولايات المتحدة بإعادة النظر في معاهدة كامب دافيد، بينما كان الشق الثاني منه يستنسخ ما عهدناه من خبث عند رؤوس النظم الساقطة، حين# ‬اشترط# ‬لوقف# ‬تهديد# ‬الإخوان# ‬بمراجعة# ‬المعاهدة،# ‬أن# ‬تتراجع# ‬الولايات# ‬المتحدة# ‬عن# ‬التهديد# ‬المتواصل# ‬لمصر# ‬بقطع# ‬المعونات# ‬المالية،# ‬التي# ‬كانت# ‬تصرف# ‬أصلا# ‬للجيش# ‬المصري،# ‬ولا# ‬يصل# ‬منها# ‬دولار# ‬واحد# ‬للشعب# ‬المصري#.‬

لم يكن هذا هو التصريح الأول الذي يرسل فيه إخوان مصر تطمينات للولايات المتحدة ولإسرائيل حيال ملف معاهدة كامب دافيد، فقد سبق لهم أن صرحوا في أكثر من مناسبة، بتمسكهم واحترامهم لالتزامات مصر الدولية، وهو موقف قد يتفهمه العقلاء من العرب والفلسطينيين، حتى وإن كان يبعث على اليأس من إمكانية تغيير الموقف المصري في أجل منظور، لكن التصريح الأخير فيه الكثير من الإهانة للشعب المصري أولا، لأنه يعرض قرارا سياديا، يفترض أنه لا يقبل المساومة، داخل سوق النخاسة والمزايدة والمناقصة، وهو مهين للشعب المصري، ولا يعبر عنه بحال، خاصة في هذه الأيام التي ارتفعت فيها أصوات مصرية شريفة، تدعو الشعب المصري إلى التضامن بما تجود به اليد، من أجل تحرير القرار المصري من التبعية للإعانات الأمريكية، وبعد أن يئس من وصول دعم من أشقائه العرب الأغنياء.




استقواء ‬الأعراب ‬على ‬العروبة ‬بالأغراب

الحدث الثالث والأخير جرت مشاهده ليلة أمس الأول داخل الجمعية العامة، بعرض مسودة قرار عربي يدعو إلى دعم المبادرة العربية، التي كان الفيتو المزدوج الروسي الصيني قد أسقطها في مجلس الأمن. ومع أن القرار الذي صوتت عليه جميع الدول الغربية والعربية، باستثناء الجزائر ولبنان، هو قرار بلا أفق واضح وغير ملزم، فإنه قد أريد به أمران: الأول: إرضاء الأطراف التي حرمها الروس والصينيون من قرار يصدر عن مجلس الأمن، كان سيجيو لتدخل عسكري كما حصل في الحالة الليبية، والثاني: الحصول على غطاء من الشرعية الدولية، ولو من خارج مجلس الأمن،# ‬لما# ‬سيرتب# ‬في# ‬مؤتمر# ‬أصدقاء# ‬سورية# ‬المرتقب# ‬نهاية# ‬الشهر# ‬في# ‬تونس#.‬

وجه الاستفزاز في المشهد تمثل في توريط دول الخليج لمصر بتقديم مسودة القرار، وابتعاد الثنائي القطري السعودي عن الواجهة، في محاولة لتسويق القرار على أنه قرار عربي صرف، يريد فقط استدعاء الدعم الدولي لسورية حكومة وشعبا، كما ادعى ذلك المندوب المصري، لكن تدخل مندوب فنزويلا فضحه وفضح معه دول الخليج في الحال، حين استهجن رفض الطرف العربي للتعديل الروسي، الذي كان يلح على وجوب دعم المجموعة الدولية للتسوية السياسية، بدل توفير الظروف الأمثل لقيام حرب أهلية في سورية قد تفجر منطقة الشرق الأوسط بالكامل.




تكالب ‬بعض ‬العرب ‬على ‬بضعة ‬من ‬العرب

فلأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة، تتقدم المجموعة العربية بمشروع قرار يطالب بدعم المجموعة الدولية ليس لدعم الملف الفلسطيني، أو من أجل دعم دولة عربية تعرضت لعدوان صهيوني أو غربي، كما كان يحصل في الستينيات من القرن الماضي، فقد استنفر العرب هذه المرة أصدقاءهم من# ‬القارات# ‬الخمس# ‬لتحريض# ‬المجموعة# ‬الدولية،# ‬واستدعاء# ‬الشرعية# ‬الدولية،# ‬لتأديب# ‬بلد# ‬عربي# ‬مؤسس# ‬لجامعة# ‬عربية،# ‬ما# ‬زال# ‬ميثاقها# ‬يلزم# ‬الدول# ‬العربية# ‬بواجبات# ‬معاهدة# ‬الدفاع# ‬العربي# ‬المشترك#.‬

وعلى غير العادة، فقد كانت الاستجابة الغربية هذه المرة كاملة، لن يتخلف فيها بلد غربي واحد، ولن يكون من حق العرب بعد اليوم توجيه الاتهام للغرب بالوقوف ضد مطالب العرب، لأن أعداء العرب الجدد، كما يبدو، هم الروس والصينيون، ودول مجموعة البريكس، وجمهوريات أمريكة# ‬الجنوبية# ‬الذين# ‬كانوا# ‬على# ‬الدوام# ‬إلى# ‬جانب# ‬قضايا# ‬العرب،# ‬على# ‬الأقل# ‬داخل# ‬الجمعية# ‬العامة#.‬




انتصار ‬صهيوني‬"‬للحق ‬العربي"‬

أطراف كثيرة أظهرت سعادتها للمبادرة العربية وأثنت عليها، غير أنه لم يكن داخل القاعة جهة أسعد من مندوب الكيان الصهيوني، الذي لم يكن يصدق ما يسمع ويرى: دول عربية من المحيط إلى الخليج تتضامن لاستصدار قرار يدين جار إسرائيل الوحيد، الذي قد يأتي منه التهديد للكيان الصهيوني، مباشرة أو عبر حلفائه في محور المقاومة والممانعة. ولأول مرة لم يكن المندوب الصهيوني في حاجة إلى شجب الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي طالما أدانت إسرائيل، بل كان سعيدا بهذا الانقلاب التاريخي، الذي سمح لأول مرة لإسرائيل بالتصويت جنبا إلى جنب مع تسعة عشر دولة عربية، منها دولة خادم الحرمين الشريفين، عراب مبادرة السلام مع إسرائيل، القائد لمحور الاعتدال العربي، الذي يرفع منذ ربع قرن شعار التسوية السلمية مع إسرائيل، ولا يريد أن يمنح السوريين فرصة البحث عن تسوية سلمية، تجنبهم الاقتتال الداخلي والتدخل العسكري# ‬الأجنبي#.‬




من ‬أمة ‬البحرين ‬إلى ‬ألف ‬مملكة ‬بين ‬البحرين

قد لا يكون هذا سوى الجزء البارز من قطعة الجليد التي تتحرك تحت أمواج الربيع العربي، وما خفي عنا أعظم، وليس من باب التشفي أن أعيد التذكير بتداعيات الربيع العربي وارتداداته على حياة المواطن المصري والتونسي واليمني والليبي، فهي من الأمور الطبيعية التي تعرفها الدول والشعوب في أعقاب الثورات، وقد تتداركها الحكومات بعد حين، إن صدقت عندها نوايا الإصلاح، لكن تداعيات الربيع العربي على مستقبل العلاقات بين الدول والشعوب العربية من جهة، وعلى مستقبل القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي من جهة أخرى هي أخطر بكثير من جميع هزائم وانتكاسات العرب منذ نكبة 48 ، وانتكاسة 67، بل هي أخطر حتى من تبعات احتلال العراق، وتقسيم السودان، بل تفوق في ما ستحدثه في جسد الأمة العربية من تقسيم وتشرذم، ما ألحقته بها خرائط سايكس بيكو المشئومة، إذا لم تتصد لها الشعوب في وقت مبكر، وتبادر النخب العربية السليمة إلى الدعوة لفك الارتباط بين الدعوات المشروعة للتغيير والإصلاح، وبين واجب الحفاظ على الحد الأدنى من التضامن العربي، لأن الغرب لم ولن يتعامل معنا إلا ككيان، ينبغي تفكيكه وتقسيم ما يقبل منه القسمة، وقد رسم لنا الحد الأدنى الذي لا تجوز بعده القسمة في جغرافية مملكة البحرين. فهل تعلم أن جغرافية العالم العربي تتسع لقيام 19801 كيان بحجم مملكة البحرين التي تدافع لحمايتها درع الجزيرة الخليجي، أو لقيام 1272 كيان بحجم قطر التي تقود ربيع الأعراب. وما يقبل القسمة على 22 كيان قد يقبل القسمة على 1272 كيان وأكثر#