المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقض فكرة الاتحاد والحلول , بين الخالق والمخلوق !



ماكـولا
05-16-2012, 07:09 PM
عقد د . محمد أحمد الخطيب في كتابه " عقيدة الدروز " فصلا لنقض فكر الحلول والاتحاد حيث يصفها بأنها " فكرة الحلول أصلاً مستقاة من الفلسفة اليونانية ، وتكاد تكون عنصرًا رئيسيًا في الفلسفة الهندية ، ( والمسيحية استمدت هذه الفكرة من الهندوكية ) .


يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية عن هذه الفكرة ما يلي :

ولا ريب أن هذا القول - الحلول والتجسيد - كفر صريح باتفاق المسلمين ، فقد ثبت في صحيح مسلم ، أن النبي قال : ( واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى ربه حتى يموت ) ، فإذا قيل : ظهر في صورة إنسان وتجلى فيه ، فإن اللفظ يصير مشتركًا بين أن تكون ذاته فيها ، وأن تكون قد صارت بمنزلة المرآة التي يظهر فيها ، وكلاهما باطل ، فإن ذات الله ليست في المخلوقات ، ولا في نفس ذاته ترى المخلوقات كما يرى المرئي في المرآة ) .


وينقل الأستاذ أنور الجندي أيضًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية ما يلي :

إن الاتحاد بين الخالق والمخلوق ممتنع ، لأن الخالق والمخلوق إذا اتحدا ، فإما أن يكونا بعد الاتحاد اثنين كما كانا قبله ، وهذا تعدد وليس باتحاد ، وإما أن يستحيلا إلى شيء ثالث كما يتحد الماء واللبن والنار والحديد فيلزم أن يكون الخالق قد استحال وتبدلت حقيقته كسائر ما يتحد مع غيره ، وهذا ممتنع على الله ، إذ الاستحالة تقتضي عدم ما كان موجودًا والله تعالى واجب الوجود بذاته وصفاته الملازمة له والتي هي كمال ، والتي إذا عدمت كان ذلك نقصًا يتنزه الله تعالى عنه ) .


ولاشك أن الإِله الخالق من فوق هذا الكون ، وليس هو أي جزء فيه ، ( ولو كان جزءًا من الكون لكان من الممكن أن يكافئه جزء آخر منه ، وقد يكون ذلك المكافيء - ولو من جهة من الجهات - أصغر منه وأضعف بوجه عام . ومتى وجد المكافيء أمكن أن يحتال عليه ويغلبه ، أو أن تتعارض قواهما تعارضًا يعطل كل طرف منها الآخر وبذلك يتعرض الكون للفساد والدمار ) .

ولهذا فوجود الله كامل ذاتي ( بمعنى أنه موجود لذاته لا لعلة مؤثرة فيه ، ومن خصائص الوجود الذاتي أنه لا يقبل العدم ، وأما وجود ما عداه فوجود ناقص وتبعي ، يمعنى أنه مستمد من غيره ، وأنه متوقف على القوة الموجدة له ) .

(وعقيدة الألوهية ، عقيدة وظيفتها خلق الإِيمان ، وإشعال وقده الشوق والحب لذات الله ، وإثارة عواطف الإِجلال والإِكبار له ، وعقيدة هذا شأنها وخطرها ، وتلك وظيفتها وعملها ، يجب أن تبقى بحيث تكون قادرة على أن تمد الإِنسان بهذه المعطيات التي تجعل لله ما يجب أن يكون له ، من تقديس وإجلال ، ولن تحقق هذا المعنى إلا إذا ظلت متأبية عن أن تنزل إلى عالم الحس ).

وبسبب ذلك فإن الذي يرجح الإيمان في القلوب ، ويحتفظ به حيا في النفوس ، هو هذا الحاجز الذي يحجز الناس من مشاهدة الله .

ذلك أن الإنسان يهدف بتقديسه لله إلى حقيقة خارجة عن نطاق الأذهان ، وإن كانت تعبر عنها الأذهان ، فإنها في هذا التعبير تشير إلى ذات مستقلة قائمة بنفسها ، ليست مجرد عرض من الأعراض أو لقب من الألقاب .

ثم إن هذا التقديس ليس تقديسًا لذات أيا كانت ، وإنما هو تقديس لذات لها صفات خاصة ، وأهم مميزاتها أنها ليست مما يقع عليه حس الإنسان ، ولا مما يدخل في دائرة مشاهداته الدنيوية ، وإنما هي شيء غيبي لا يدركه إلا بعقله ووجدانه -كما ذكره محمد دراز -

وكيف تستطيع حواس الإِنسان المحدودة التي تدور في مجال محدود من مجالات الوجود المحسوس ، أن تحيط بذات الله لو تجلي لها ؟
وكيف تستقيم حياة الإِنسان ، وهو يرى الله - عيانا - وهو قائم عليه ؟
وكيف يكون سلوك الناس وهم يشهدون الله شهودًا صريحًا محسوسًا في كل زمان ومكان ؟

إنها أسئلة كثيرة تقف فورًا عند طرح هذه الفكرة ، التي لا يستسيغها عقل ولا يقبلها منطق ، يقول أبو حامد الغزالي :
( إن الحلول لا يمكن تصوره بين عبدين ، فكيف يكون تصوره بين العبد وربه ؟ ) .

والحلول محال على الله لأسباب كثيرة ، ذلك لأن القديم يختلف عن الحادث لاختلاف الماهية في كل منهما ، وهذا الاختلاف يوجب استحالة حلول القديم في الحادث .
ثم إن الله واجب الوجود ، وهذا الوصف ينفي الحلول لأنه في حالة حدوثه يصبح الحال تابعًا لما حل فيه ، كما يصبح معلولاً لهذا المحل ومتأثرًا به ، بل إنه ليصبح في غير الإِمكان تصور الحال إلا بتصور المحل ، إذن ينتفي الحلول في هذه المرة كما استحال في الأولى .

وينقل الأستاذ أنور الجندي عن أبي حامد الغزالي قوله عن فكرة الاتحاد بين الله والإِنسان : ( إن قول القائل : إن العبد صار هو الرب كلام يتناقض مع نفسه ، بل ينبغي أن ينزه الرب سبحانه عن أن يجري اللسان في حقه بأمثال هذه المحاولات .


وطريقة البرهنة على فساد ذلك عند الغزالي ، هي أن يورد ثلاثة احتمالات لمثل هذا الاتحاد المزعوم :

1- إما أن تظل كل ذات من الذاتين موجودة .
2 - وإما أن تفنى إحداهما وتبقى الأخرى .
3 - وإما أن تفنيا معا .

وفي الحالة الأولى لا يكون هناك اتحاد ، وفي الثانية كيف يمكن الزعم بأن هناك اتحادًا بين موجود ومعدوم ؟ وفي الثالثة : لا يكون هناك محل للحديث عن الاتحاد ، بل الأولى أن نتكلم عن الانعدام ، والتناقض واضح في جميع هذه الاحتمالات . والعقل هو الذي يقرر وجود هذا التناقض ، بعد أن جاء الشرع يبين فساد فكرة الاتحاد عند النصارى ) .

وفي القرآن الكريم مواقف كثيرة تكشف عظم هذا القول ، واجتراءه على الله ، يقول تعالى عن اليهود : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون )

ولهذا جاءت الآية الكريمة التالية كاشفة كفر اليهود والنصارى بما قالوا واعتقدوا في هذا الموضوع : ( وقالت اليهود عُزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، ذلك قولهم بأفواههم يُضاهئون قول الذين كفروا من قبل ، قاتلهم الله أنى يؤفكون . اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم ، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) .

وتكذيبًا لما قالوا وزعموا بين تعالى حقيقة ذاته : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .

( وذات الله - مع أنها فوق أن تُدرك وأن تُحد - قد وصفت في القرآن بصفات كثيرة كالإِرادة والعلم والقدرة وغيرها ، وهي صفات كاملة الكمال المطلق ).

وبهذه الطريقة تقبل السلف الصالح موضوع الذت الإلهية .وإرسال الرسل والأنبياء من قبل الله تعالى ، يدحض كل مزاعمهم بالحلول والاتحاد ، إذ بظهوره أو اتحاده في الإنسان ، ما كانت هناك حاجة للرسل والأنبياء .

ونستنتج مما تقدم أن فكرة تجسد الإِله في صورة إنسانية ، هي اجتراء على الله الذي ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ، وضرب من المستحيلات لاختلاف ماهية كل منهما ، وكذلك فهي زعزعة ليقظة الإِيمان في النفوس .