المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضية تحرير المرأة... للعلامة الكبير محمد قطب رئيس شعبة العقيدة بجامعة أم القرى بمكة



الفرصة الأخيرة
12-08-2005, 10:48 PM
قضية تحرير المرأة
" بطل " هذه القصة هو قاسم أمين
شاب نشأ في أسرة تركية مصرية أي محافظة فيه ذكاء غير عادي حصل علي ليسانس الحقوق الفرنسية من القاهرة وهو في سن العشرين بينما كان هناك في عصره من يحصل علي الشهادة الابتدائية في سن الخامسة والعشرين
ومن هناك التقطة الذين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليفسدوها، ويفسدوا الأمة من ورائها ألتقطوه وابتعثوه إلي فرنسا.. لأمر يراد.
أطلع قبل ذهابه إلي فرنسا علي رسالة لمستشرق يتهم الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني وغلي الدم في عروقه، كما يصف في مذكراته وقرر أن يرد علي هذا المستشرق ويفند إفتراءاته علي الإسلام.
ولكن عاد بوجه غير الذي ذهب به
لقد أثرت رحلته إلي فرنسا في هذه السن الباكرة تأثيرا بالغا في كيانه كله، فعاد إلي مصر بفكر جديد وعقل جديد ووجه جديدة.
عاد يدعو إلي " تعليم المرأة وتحريرها " علي ذات المنهج الذي وضعه المبشرون وهم يخططون لهدم الإسلام
يقول في مذكراته إنه إلتقي هناك بفتاة فرنسية أصبحت" صديقة " حميمة لهو إنه نشأ بينه وبينها علاقة عاطفية عميقة، ولكنها " بريئة " وإنها كانت تصحبه إلي بيوت الأسر الفرنسية والنوادي والصالونات الفرنسية فتفتح في وجه البيوت والنوادي والصالونات ويكون فيها موضع الترحيب... ( )
وسواء كان هو الذي " التقي بها " أم كانت موضوعية في طريقة عمدا ليلتقي بها، فقد لعبت هذه الفتاة بعقله كما لعبت بقلبه، وغيرت مجري حياته، وجعلته صالحا للعب الدور المطلوب، الذي قررت مؤتمرات التبشير أنه لابد منه لهدم الإسلام
ونحن نميل إلي تصديقه في قوله إن العلاقة بينه وبينها كانت " بريئة " لا بالمعني الإسلامي للبراءة بطبيعة الحال، ولكن بمعني عدم وصول هذه العلاقة إلي درجة الفاحشة فإنها علي هذه الصورة تكون أقدر علي تغيير أفكاره من العلاقة المبتذلة التي تؤدي إلي الفاحشة،لأن الفتاة ستكون حينئذ ساقطة حسة غير جديرة بالاحترام، وغير جديرة بأن تكون مصدر " إلهام "
وسواء كانت الفتاة قد " مثلت " الدور بإتقان، لتظل العلاقة بينه وبينها " روحية " و " فكرية " لتستطيع التأثير عليه، أم كانت تربيته المحافظة في الأسرة المنحدرة من أصل تركي هي التي وقفت بهذه العلاقة عند الحد الذي يصفها بالبراءة فالنتيجة النهائية كانت انقلابا كاملا في كل كيانه
ولنحاول أن نتصور كيف حدث التغيير ..
هذا شاب عبقري، نعم، ولكنه قادم من بلاد محتلة ن تحتلها إحدي الدول الأوروبية وهو قادم إلي أوروبا تلك التي يتحدث قومه عنها بانبهار الماخوذ، وتمثل في حسهم العملاق الضخم الذي يتضاءل الشرق أمامه وينزوي، فنستطيع عندئذ أن نتوقع أنه قادم إلي أوروبا وهو منخنس داخل نفسه، يحس بالضآلة والقزامة ن ويتوجس أن يزدري في بلاد العمالية لأنه قزم قادم من بلاد الأقزام، وأقصي ما يتمناه قلبه أن يجد الطمأنينة النفسية والعقلية في تلك البلاد الغربية التي لا يكاد يستوعبها الخيال
وبينما هو كذلك منكمش متوجس – إذا هذه الفتاة تبرز له في الطريق فتؤنس وحشته بادئ ذي بدء، فيزول عنه انكماشه وتوجسه، ويذهب عنه توتر اعصابه ويشعر بالطمأنينة في المهجر
ثم إن هذه الفتاة تبادله عواطفه – كما قص في مذكراته – فيشعر فوق الطمأنينة بالساعدة والغبطة ويزداد استقرار نفسه فلا يعود يشعر بالغربة النفسية الداخلية، وإن بقيت الغربة بالنسبة للمجتمع الخارجية الذي لم يحتك به بعد
غير أن الفتاة تنتقل معه – فتنقله – خطوة أخري.. فهي تصحبه إلي الأسر الفرنسية فتفتح له تلك الأسر أبوابها وترحب به، وتصحبه إلي النوادي والصالونات فترحب به كذلك وهنا تزول الغربة نهائيا، سواء بالنسبة لمشاعره الخاصة أو بالنسبة للمجتمع الخارجي، وينطلق في المجتمع الجديد واثقا من خطواته
كيف تصير الأمور الآن في نفسه؟
كيف ينظر إلي العلاقة بينه وبين هذه الفتاة؟
وكيف ينظر إلي التقاليد التي تم عن طريقها كل ما تم في نفسه من تغيير
علاقة " بريئة " أي لم تصل إلي الفاحشة نمت من خلالها نفسه نموا هائلا، فخرجت من انكماشها وعزلتها، واكتسبت إيجابية وفاعلية، مع نمو في الثقافة وسعة في الأفق، ونشاط وحيوية
ما عيب هذه التقاليد إذن؟ وما المانع أن تكون تقاليدنا نحن علي هذا النحو " البرئ "
هناك بلا شك – مهما احسنا الظن مجموعة من المغالطات في هذا المنطق.
المغالطة الأولي:هي دعواه " ببراءة " هذه العلاقة علي اعتبار خلوها من الفاحشة المبينة فحتي لو صدقناه ونحن أميل إلي تصديقه كما قلنا فهي ليست " بريئة " في الميزان الإسلامي الي يقيس به المسلم أمور حياته كلها فهي تشتمل علي " خولة " محرمة في ذاتها سواء أدت إلي الفاحشة أم لم تؤد إليها وهي محرمة في دين الله لحكمة واضحة، لأنها تؤدي في النهاية إلي الفاحشة، إن لم يكن في أول مرة ولا حتي في أول جيل فإنه ما من مرة أباحت البشرية لنفسها هذه الخلوة إلا وصلت إلي الفاحشة في نهاية المطاف لم تشذ عن ذلك أمة في التاريخ
والمغالطة الثانية: هي تجاهله ما هو واقع بالفعل في المجتمع الفرنسي من آثار مثل هذه العلاقة، وقد علم يقينا بلا شك أن ذلك المجتمع يعج بألوان من العلاقات الأخري " غير البريئة " ويسمح بها بلا رادع " فلم يكن ذلك سرا مخفيا عن أحد ممن يعيش في ذلك المجتمع، سواء من أهله أو من الوافدين عليه فحتي لو صدقناه في أن علاقته هو الخاصة لم تصل إلي ما يصل إليه مثلها في ذلك المجتمع لظروف خاصة مانعة في نفسه أو في نفسها فليس ذلك حجة لإباحة تلك العلاقات، أو الدعوة إلي مثلها نه وهو يري بنفسه نتائجها الواقعية حين يبيحها المجتمع
والمغالطة الثالثة: هي زعمه في كتابه الأول " تحريرا المرأة" أن هذا التحرير لن ينتج عنه إلا الخير ولن تنشأ عنه العلاقات الدنسة التي رآها بعينه في المجتمع الفرنسي إنما سينشأ عنه تقوية أواصر المجتمع وربطها برباط متين! ( ).
وأيا كان الأمر فقد عاد قاسم أمين من فرنسا داعيا لتحرير المرأة داعيا إلي السفور ونزع الحجاب
نفس الدعوة التي دعا بها رفاعة الطهطاوي من قبل عند عودته من فرنسا مع فارق رئيسي.. لا في الدعوة ذاتها، ولكن في المدعوين فإن أكثر من نصف قرن من الغزو الفكري المستمر كانت قد فعلت فعلها في نفوس الناس، فلم تقابل دعوة قاسم أمين بالاستنكار البات الذي قوبلت به دعوة رفاعة الطهطاوي، ولم توءد في مهدها كما وئدت الدعوي الأخري من قبل
ومع ذلك فلم يكن الأمر سهلا فقد أثار كتاب "تحرير المرأة " معارضة عنيفة جعلت قاسم أمين ينزوي في بيته خوفا أو يأسا، ويعزم علي نفض يده من الموضوع كله.
ولكن سعد زغلول شجعه وقال له: أمض في طريقك وسوف أحميك!
عندئذ قرر أن يعود، وأن يسفر عن وجهه تماما فلئن كان في الكتاب الأول قد تمحكم في الإسلام، وقال إنه يريد للمرأة المسلمة ما أعطاها الإسلام من حقوق وفي مقدمتها التعليم فقد أسقط الإسلام في كتابه الثاني " المرأة الجديدة " ولم يعد يذكره إنما صار يعلن إن المرأة المصرية ينبغي أن تصنع كما صنعت أختها الفرنسية، لكي تتقدم وتتحرر، ويتقدم المجتمع كله ويتحرر! وهكذا سقط الحاجز المميز للمرأة المسلمة، وصارت هي المشركة أختين بلا أفتراق!
بل وصل الأمر إلي الدعوة إلي السير في ذات الطريق الذي سارت فيه الغربية من قبل، ولو أدي ذلك إلي المرور في جميع الأدوار، التي قطعتها وتقطعها النساء الغربيات وقد كان من بين تلك الأدوار ما يعلمه قاسم أمين ولا شك من التبذل وانحلال الأخلاق!
قال:
(.. ولانري مانعا من السير في تلك الطريق التي سبقتنا إليها الأمم الغربية لأننا نشاهد أن الغربيين يظهر تقدمهم في المدنية يوما فيوما.
(وبالجملة فإننا لا نهاب أن نقول بوجوب منح نسائنا حقوقهم في حرية الفكر والعمل بعد تقوية عقولهن بالتربية ن حتي لو كان من المحقق أن يمررن في جميع الأدوار التي قطعتها وتقطعها النساء الغربيات) ( ).
وكان آخر ماقاله في ليلة وفاته مخاطبا - بالفرنسية - مجموعة من الطلبة والطالبات الذين جاءوا من روما في زيارة لمصر:
(أحيي هذه البعثة العلمية وأشكرها علي زيارة نادي المدارس العالية, أحي منها بصفة خاصة هاتة الفتيات اللواتي تجشمن مصاعب السفر متنقلات من الغرب إلي الشرق حبا في الاستزادة من العلوم والمعارف أحييهن وقلبي ملؤه السرور حيث أري نصيبهم من العناية بتربيتهن لا يقل عن نصيب رفقائهن، أحييهن ولي شوق عظيم أن أشاهد ذلك اليوم الذي أري فيه حظ فتياتنا المسلمات المصريات كحظ هاته الفتيات السائحات من التربية والتعليم. ذلك اليوم الذي نري فيه المسلمات جالسات جنبا إلي جنب مع الشبيبة المصرية في اجتماع أدبي كاجتماع اليوم، فيشاركننا في لذة الأدبيات والعلوم التي هن منها محرومات,فعسي أن تحقق الآمال حتي يرتقين فيرتقي بهن الشعب المصري) ( ).
m m m

والآن وقد صار للمرأة " قضية " فلا بد للقضية من تحريك
وتبني القضية فريق من النسوة عليرأسهن هدي شعراوي، وفريق من الرجال " المدافعين " عن حقوق المرأة، وأصبح الحق الأول الذي تطالب به النسوة هو السفور.. وصارت القضية التي يدور حولها الجدل هي السفور والحجاب.
من أين جاءت القضية؟
حين قامت الحركة النسوية في أوربا كان للمرأة بالفعل قضية! قضية المساواة في الأجر مع الرجل الذي يعمل معها في نفس المصنع ونفس ساعات العمل، بينما تتقاضي هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الأجرة ( ).
وحين اتسعت القضية هناك وتعددت مجالاتها – تلقائيا أو بتخطيط الشياطين – فقد كان محورها الأول هو قضية المساواة مع الرجل في الأجر، وترجع إليه كلما طالبت أو طولب لها بحق جديد حتي أصبحت القضية هناك في النهاية هي قضية المساواة التامة مع الرجل في كل شئ ومن بين " كل شئ" " حق الفساد " الذي كان الرجل قد وصل أو وصل إليه فصار حق الفساد داخلا بدوره في قضية المرأة تحت عنوان " حق المرأة في اختيار شريك حياتها " في مبدأ الأمر، ثم تحت عنوان " حق المرأة في إبداء عواطفها " وأخيرا تحت عنوان " حق المرأة في أن تهب نفسها لمن تشاء!!
أما في مصر أو في العالم الإسلامي – فلم تكن للمرأة قضية خاصة إنما كانت القضية الحقيقية هي إنحراف هذا المجتمع عن حقيقة الإسلام، مما سميناه " التخلف العقدي " وما نتج عن هذا التخلف العقدي من تخلف في جميع مجالات الحياة، وما تحقير المرأة وإهانتها وعدم إعطائها وضعها الإنساني الكريم إلا مجال من مجالات التي وقع فيها التخلف عن الصورة الحقيقة للإسلام، وعلاجها – كعلاج غيرها من الحالات جمعيا هو العودة إلي تلك الصورة الحقيقية، والتخلي عن ذلك التخلف المعيب؟.
تلك هي " القضية " وهي ليست " قضية المرأة " ولا " قضية الرجل " إنما قضية الأمة الإسلامية كلها، بجميع رجالها ونسائها وأطفالها وحكها وعلمائها وكل فرد فيها، وتخصصها بأنها " قضية المرأة " فضلا عن مجانبته للنظرة " العلمية " الفاحصة، فإنه لا يعالج القضية لأنه يأخذ عرضا من أعراض المرض فيجعله مرضا قائما بذاته، ويحاول علاجه فلا يقدر لهذا العلاج أن ينجح، لأنه يتعامي عن الأسباب الحقيقة من ناحية، ويفتقر إلي الشمول من ناحية أخري.
ولكن هل كان في ذهن أحد أن يبحث القضية بحثا جادا مخلصا فاحصا دقيقا ليتعرف علي الأسباب الحقيقة فيعالجها؟
أم هل كان أحد ممن تناول القضية في تمام وعليه ليناقشها علمية موضوعية مبصرة
أم هل كان أحد ممن تناول القضية سيد نفسه لينظر إليها بنظرته الخاصة ويري فيها ما يري بمناظرة الخاص؟! أم كانوا كلهم من العبيد سواء عبيد شهواتهم أو عبيد الغرب، الذين يساقون سوقا لتنفيذ مخططات أعدائهم وهم سادرون في الغفلة، غارقون في الضلال البعيد!
بل! لقد كانوا كلهم كذلك، رجالا ونساء دعاة واتباعا مخططين ومنفذين! وإذا كان لابد للقضية من موضوع فقد جعلت القضية فجأة وبلا مقدمات حقيقية قضية الحجاب والسفور!
لقد كانت القضية في أوربا " منطقية" في ظاهرها علي الأقل.. أو في بدايتها علي الأقل
فحين تضطر المرأة إلي العميل لظروف ليس هنا مجال هنا مجال تفصيلها ( )- ثم تعطي نصف أجر الرجل الذي يقوم بنفس العمل، فطلب المساواة في الأجر قضية حقيقية من جهة، وجيهة كل الوجاهة من ناحية أخري
أما قضية الحجاب والسفور مكانها من المنطق، وما مكانها من الحق؟
لم يكن " الرجل " هو الذي فرض الحجاب علي المرأة، فترفع المرأة فترتفع المرأة قضيتها ضده لتتخلص من " الظلم " الذي أوقعه عليها، كما كان وضع القضية في أوروبا بين المرأة والرجل إنما فرض الحجاب علي المرأة هو ربها وخالقها ( ), الذي لا تملك إن كانت مؤمنة إن تجادلة سبحانه فيما أمر به، أو يكون لها الخيرة في الأمر:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36)} [سورة الأحزاب 33/36]
ثم إن الحجاب في ذاته لا يشكل قضية
فقد فرض الحجاب في عهد سول الله e، ونفذ في عهده، واستمر بعد ذلك ثلاثة عشر قرنا متوالية.. وما من مسلم يؤمن بالله ورسوله يقوم إن المرأة كانت في عهد رسول الله e مظلومة ( ). فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك، حين تخلف المسلمون عن عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها، فلم يكن الحجاب - بداهة - هو منبع الظلم ولا سببه ولا قرينه لأنه كان قائما في خير القرون علي الإطلاق، التي قام عنها رسول الله e " خيركم قرني.... " ( ) وكان قرين النظافة الخلقية والروحية، وقرين الرفعة الإنسانية التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله...
ولكن المطلوب هو نزع الحجاب!
المطلوب هو السفور!
المطلوب هو التبرج!
المطلوب هو ان تخرج المرأة في النهاية عارية في الطريق!
ذلك ما تطلبه مؤتمرات المبشرين، وما يطلبه الصليبيون الذين يخططون ( )، فلتكن القضية إذن هي قضية السفور والحجاب، وليوصف الحجاب بكل شر يمكن أن يرد علي الذهن، وليوصف السفور بكل خير يخطر علي البال
ولتبدأ القضية من هنا.. ولتنته حيث يريد الشياطين!
m m m

تلقفت " القضية " كما قلنا مجموعة من النسوة فطالبن بالسفور علي أنه " حق" للمرأة سلبها إياه المجتمع، أو سلبها إياه الرجل الأناني المتحجر المتزمت الرجعي المتعفن الأفكار!
وكانت " زعميه " " النهضة النسوية " هدي " هانم " شعراوي، التي اتخذت من بيتها " صالونا " تقابل فيه الرجال سافرة في غير وجود محرم ( ).
كانت هدي شعراوي بنت محمد باشا سلطان أحد باشوات ذلك العصر، ومن هنا فهي " هانم " بالوراثة! سافرت إلي فرنسا لتتعلم وسافرت محجبة ولكنها حين عادة كانت سافرة وكان أبوها يستقبلها في ميناء الإسكندرية ومعه مجموعة من أصدقائه، فلما نزلت من الباخرة سافرة أحمر وجهه خجلا وغضبا،وأشاح بوجهه عنها وانصرف دون أن يحييها، ولكن ذلك لم يرد عها عن صنيعها، ولم يردها عن غيها الذي عادت به من فرنسا.
وتحلق حولها بعض النسوة، وبعض الرجال! الرجال الذين " يدافعون" عن قضية المرأة في الصحف والمجلات، بالنثر وبالشعر. لقاء جلسة " لطيفة " في صالون الهانم، أو ابتسامة خاصة تخص بها احدهم، أو مبلغ من المال تدسه في يد واحد من الصحفيين المرتزقة فيكتب مقالا في " رقة " الهانم "و " لطفها " وابتسامتها العذبة وحسن استقبالها لضيوفها - الرجال أو يكتب عن اجتماعاتها وتحركاتها أو يكتب عن " القضية "
وكانت قمة المسرحية هي مظاهرة النسوة في ميدان قصر النيل (ميدان الإسماعيلية) أمام ثكنات الجيش الإنجليزي سنة 1919
فقد كانت الثورة المصرية قد قامت ( ), وملأت المظاهرات شوارع القاهرة وغيرها من المدن تهتف ضد الإنجليز، وتطالب بالجلاء التام أو الموت الزؤام، ويطلق الإنجليز الرصاص من مدافعهم الرشاشة علي المتظاهرين فيسقط منهم كل يوم قتلي بلا حساب.
وفي وسط هذه المظاهرات الجادة ( ) قامت مظاهرة النسوة وعلي رأسها صفية هانم زغلول زوجة سعد زغلول ( ) وتجمع النسوة أمام ثكنات قصر النيل، وهتفن ضد الإحتلال ثم بتدبير سابق، ودون مقدمات ظاهرة، خلعن الحجاب، وألقين به في الأرض، وسكبن عليه البترول، وأشعلن فيه النار.. وتحررت المرأة!!! ( )
ويعجب الإنسان الآن للمسرحية وخلوها من المنطق
فما علاقة المظاهرة القائمة للاحتجاج علي وجود الاحتلال الانجليزي، والمطالبة بالجلاء عن مصر.. ما علاقة هذا بخلع الحجاب وإشعار النار فيه؟!
هل الإنجليز هم الذين فرضوا الحجاب علي المرأة المصرية المسلمة من باب العسف والظلم، فجاء النسوة يعلن احتجاجهن علي وجود الإنجليز في مصر، ويخلعن في الوقت ذاته ما فرضه عليهن الإنجليز من الحجاب؟
هل كان الإنجليز هم الذين ألبسوا المرأة الحجاب ما يزيد علي ثلاثة عشر قرنا كاملة قبل ذلك؟! أو كانوا هم الذين سلبوا المرأة " حق " السفور منذ ذلك الزمن السحيق، فجئن اليوم " يتحررن " من ظلمهم ويلقين الحجاب في وجههم تحديا ونكاية فيهم؟!
ما المنطق في المسرحية؟!
لا منطق في الحقيقة!
ولكن التجارب التالية علمتنا أن هذا المنطق الذي لا منطق فيه، هو الطريقة المثلي لمحاربة الإسلام
إن الذي يقوم بعمل من أعمال التخريب والتحطيم ضد الإسلام ينبغي أن يكون " بطلا" لتتداري في ظل " البطولة " أعمال التخريب والتحطيم!
كما أتاتورك.. جمال عبد الناصر.. أحمد بن بيلا - وعشرات غيرهم من " الأبطال " الذين حاربوا الإسلام بوسيلة من الوسائل.. كلهم ينبغي أن يكونوا " أبطالا " وقت قيامهم بمحاربة الإسلام وإلا انكشفت اللعبة من ورائهم، وانكشفت عمالتهم لأعداء الإسلام من الصليبين واليهود
كما أتاتورك الذي أطاح بالخلافة، وأراد أن يقطع ما بين الأتراك وبين إسلامهم ن فمنع الأذان اللغة العربية، وكتب اللغة التركية بالحروف اللاتينية وأمر بخلغ الحجاب وذبح عددا من علماء المسلمين.. كان " بطلا " صنعت له البطولات المسرحية الزائفة لتخفي يده التي تقطر بدماء المسلمين، وتخفي جريمته الكبري في حرب الإسلام.
جمال عبد الناصر الذي ذبح قادة الدعوة الإسلامية في مصر، وأنشأ للتنكيل بهم في سجون مصر ألوانا من التعذيب الوحشي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله، إلإ في محاكم التفتيش التي أقامها الصليبيون في الأندلس للقضاء علي الإسلام، وألغي المحاكم الشرعية وهم بالغاء الأزهر، وأضاف جرعات جديدة " لتحرير المرأة " كان " بطلا " أضفيت عليه البطولات المصطنعة لاخفاء الجريمة الهائلة التي ارتكبها ضد الإسلام.
أحمد بن بيلا الذي جاء ليسرق الثورة الإسلامية، ويحولها إلي ثورة اشتراكية بعيدة عن الإسلام مناوئه له، والذي دعا المرأة الجزائرية إلي خلع الحجاب بحجة عجيبة حين قال: إن المرأة الجزائرية قد امتنعت عن خلع الحجاب في الماضي لأن فرنسا هي التي كانت تدعوها إلي ذلك! أما اليوم فإني أطالب المرأة الجزائرية بخلع الحجاب من أجل الجزائر! أحمد بيلا يوم أن دعا تلك الدعوة كان " بطلا " أضفيت عليه البطولة المصطنعة بخطفة من الطائرة وهو متوجه من فرنسا إلي الجزائر.. حتي إذا نضجت اللعبة.. لعبة " البطولة " أطلق سراحة ليقوم بعمله ضد الإسلام.
وعلي هذا الضوء نفهم مظاهرة النسوة في ميدان الإسماعيلية بالقاهرة سنة 1919 لابد من بطولة تضفي علي كل عمل من أعمال التخريب ضد الإسلام، لتخفي ما وراءه من تدبير.
وأي بطولة للنسوة يومئذ أكبر من أن يقفن أمام قوي الاحتلال، يهتفن ضدها، ويفتحن صدورهن للرصاص؟
يقول حافظ إبراهيم في شأن هذه المظاهرة:
خرج الغواني يحتججن ورحت أرقب جمعنّهْفإذا بهن تخذن من سود الثياب شعارهنه فطلعن مثل كواكب يسطعن في وسط الدجنهوأخذن يجتزن الطريق ودار سعد قصدهنهيمشين في كنف الوقار وقد أبن شعور هنهوإذا بجيش مقبل والخيل مطلقة الأعنهوإذا الجنود سيوفها قد صوبت لنحورهنهوإذا المدافع والبنادق والصوارم والأسنهوالخيل والفرسان قد ضربت نطاقا حولهنه والورد والريحان في ذاك النهار سلاحهنهفتطاحن الجيشان ساعات تشيب لها الأجنهفتضعضع النسوان والنسوان ليس لهن منه ( )ثم انهزمن مشتتات الشمل نحو قصورهنه
وتدريجيا في ظل البطولة المدوية.. سقط الحجاب!
وأصبح من المناظر المألوفة في العاصمة أولا، ثم في المدن الأخري بعد ذلك، أن تري الأمهات متحجبات، والبنات سافرات، وكانت الأداة العظمي في عملية التحويل هذه هي التعليم من جهة، والصحافة من جهة أخري.
فأما التعليم فقد أقتضي معركة طويلة حتي تقرر علي المستوي الابتدائي أولا ثم المستوي الثانوي ثم في المرحلة الجامعية
واستفاد اعداء الإسلام فائدة عظمي من الوضع الجاهلي الذي كان يسود المجتمع الإسلامي تجاه المرأة وتعليمها، فأثاروها قضية ن ودقوا دقا عنيفا علي الأوضاع الظالمة لينفذوا منها إلي ما يريدون
ولسنا الآن في مجال تحديد المسئوليات، إنما نحن نتابع خطي التاريخ
وإلا فقدكان المسلمون علي خطأ بين وظلم بين للمرأة حين منعوا تعليمها كما أمرهم رسول الله e أن يعلموها، وحين أهانوها وحقروها في ذات الأمر الذي كرمها الله به ورفعها ن وهو الأمومة وتنشئة الأجيال.
{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)} [سورة لقمان 31/14]
" من أولي الناي بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أبوك " ( ).
ولكن الذين استغلوا هذا الوضع ليطلقوا دعوتهم لم يكن همهم الحقيقي رفع الظلم عن المرأة، إنما كان رائدهم الأول هو تحطيم الإسلام، وإخراج المرأة فتنة متبرجة في الطريق لإفساد المجتمع الإسلامي، ولم تكن الفوضي الخلقية التي عمت المجتمع فيما بعد مفاجئة لهم ن ولا شيئا مستنكرا من جانبهم يشعرهم بالندم علي ما قدمت أيديهم.. بل كانت شيئا محسوبا ومتوقعا ومرغوبا بالنسبة إليهم، وقد كانوا يرون تجربة الغرب ماثلة أمام أعينهم، ويعرفون ما يئول إليه الأمر في المجتمع المسلم حين يتجه ذات الوجهه، ويسر علي ذات الخطوات
ولا ينفي هذا بطبيعة الحال وجود مخدوعين مستغفلين يتلقفون الدعوة بإخلاص ولكنه إخلاص لا ينفي الغفلة! وهم بغفلتهم أدوات معينة للشياطين، يستغلون موقفهم لتقوية دعوتهم، لأن الناس تري إخلاصهم فتظن أنهم علي خير فيتبعونهم، فيتم ما أراد الشياطين!
وقد كان هناك بديل ثالث للمصلح المخلص، الذي يريد الله ورسوله، ويريد تصحيح الأوضاع في المجتمع المنحرف، ورفع الظلم عن المظلومين، وهو الدعوة والجهاد لإعادة المجتمع الإسلامي إلي صورته الصحيحة التي ينبغي أن يكون عليها ولكن أحد من " المصحلين " القائمين يومئذ لم يدع إلي ذلك البديل الثالث وظل الخيار المعروض دائما هو إما الإبقاء علي الأوضاع السيئة المتخلفة الجامدة الظالمة وإما محو الإسلام ونبذة والإنسلاخ منه، والاتجاه إلي أوروبا من أجل التقدم والتحضر والرقي، بل إنه حين جاءت الدعوة إلي البديل الثالث في موعدها المقدور وعند الله، وجدت أبشع الاضطهاد والتنكيل من الحكام، ووجدت الاعراض العنيف والمعارضة من " المصلحين " مما يكشف عن الاتجاه الحقيقي لحركات " الإصلاح " التي أقيمت في المجتمع الإسلامي وأن هدفها لم يكن الإصلاح حقا بقدر ما كان هو تحطيم الإسلام أولا.. وليكن بعد ذلك ما يكون!
سقط الحجاب تدريجا عن طريق " بنات المدارس "!
أو لم تقرر المؤتمرات التبشيرية في مخططاتها ضد الإسلام ضرورة العمل علي تعليم المرأة المسلمة وتحريرها؟
وفي مبدأ الأمر لم يكن التبرج والتهتك هو طابع بنات المدارس،ـ بل لم يكن مقبولا أصلا في المدارس!
والحكمة في ذلك واضحة بطبيعة الحال! فلا المجتمع في ذلك الوقت كان يسمح ولا كشف الخطة كاملة منذ اللحظة الأولي كان يمكن من تنفيذها، بل كان قمينا بالقضاء عليها في مهدها!
ولو خرجت بنات المدارس عن تقاليد المجتمع المسلم دفعه واحدة ومن أول لحظة، هل كان يمكن أن يقبل أحد من أولياء الأمور أن يرسل بنته إلي المدرسة لتتعلم؟
كلا بالطبع! إنما لا بد من طمأنة أولياء الأمور تماما ن حتي يسمحوا بإرسال بناتهم إلي المدارس, ولتكن الخطة علي الأسلوب المتبع في عملية التحويل كلها " بطئ ولكنه أكيد المفعول "!" معنا لإثارة الشكوك "!
بالتدريج..
الشعر في مبدأ الأمر مغطي بقبعة.. وتتدلي من الخلف ضفيرتان تربطهما شريطة من القماش.الضفيرتان مكشوفتان أما الرأس فتخفيه القبعة! والوجه سافر..نعم.. ولكن.. صغيرات يا أخي! لا بأس!
ولم يمر الأمر في الحقيقة بسهولة.. ولكنه مر في النهاية! كما مرت كل الخطوات التالية حتي كشف الصدر والظهر والساقين والذراعين والعري علي الشواطئ والتهتك في الطرقات
كيف مر؟!
إن لهذا الأمر دلالاته ولا شك.. نعم كانت هناك جهود شيطانية لإفساد المجتمع المصري بالذات، لتصدير الفساد منه إلي بقية المجتمع الإسلامي كما مر القول، وشاركت في هذه الجهود كل الوسائل الممكنة من صحافة وإذاعة وسينما ومسرح.. إلخ، وكان التركيز عنيفا والوسائل فعالة.. ولكن هل يكفي ذلك كله لتفسير ما حدث؟!
لبيان ذلك نقول: إن كل هذه الوسائل ما تزال مستخدمة حتي هذه اللحظة، وبعنف أشد مما كان قبل خمسين عاما ودون شك، وقد أحدثت هذه الوسائل في خلال ما يزيد علي نصف قرن تيارا هائلا نافرا من الاسلام منسلخا منه.. ومع ذلك توجد اليوم فتيات محجبات، جامعيات مثقفات، لا يتنازلن عن حجابهن ولو دخلن من أجله السجون والمعتقلات.
فما الفرق؟!
بعبارة أخري نسأ: هل كان الحجاب الذي سقط عقدية أم تقاليد؟!
والأخلاق التي سقطت.. هل كانت ذات رصيد إيماني حقيقي أم كانت تقاليد؟! والرجل الذي ثار يوم كشفت " بنات المدارس " عن وجوهن " هل ثار للعقيدة، أم ثار للتقاليد؟!
والرجل الذي ثار يوم نزلت المرأة إلي الشارع لتعمل.هل كانت ثورته نابعة من عقدية حقيقية، دينية أو غير دينية، أم كانت " عنجهية " الرجل هي المحرك، والمحافظة عليها هي الدافع إلي الثورة؟
حين يكون الحجاب عقدية فإنه لا يسقط، مهما سطل عليه من ادوات التحطيم، وحين تكون الأخلاق ذات رصيد إيماني حقيقي، فليس من السهل أن تسقط ولو سلطت عليها عوامل الإفساد – إلا بعد مقاومة شديدة وزمن مديد.
أما التقاليد الخاوية من الروح.. وأما العنجهية الفارغة.. فهي عرضة للسقوط إذا أشتد عليها الضغط، وقد كان الضغط عنيفا بالفعل، بل كان شيطانيا بكل ما تحمله الكلمة من معان!
m m m

بدأت بنات المدارس يكشفن عن وجوههن ويسرن في الطريق علي النحو الذي وصفناه، ولكن في ملابس طويلة تغطي الذراعين جميعا وتصل إلي القدمين، وفي أدب ظاهر و " استقامة " كاملة.
وهل كن يملكن غير ذلك؟!
إن الفتاه التي يحدثها شيطانها أن تلتفت فقط يمنه أو يسرة تضيع! تسقط في نظر المجتمع، وتكون عبرة لمن يعتبر! فمن التي في مبدأ الأمر تلتفت يمنه أويسره؟!
إنما هو الأدب الكامل والانضباط الشديد!
وحين أفتتحت أول مدرسة ثانوية للبنات في القاهرة.. "مدرسة السنية " كانت ناظرتها انجليزية. وكانت " قمة " في المحافظة إلي حد التزمت! فهكذا ينبغي أن تكون الأمور في مبدأ الأمر! حتي يكتب لهذه الخطوة الثبات في الأرض والتمكين، ويمكن مدها فيما بعد إلي آفاق جديدة! أما لو كشف المستور من أول لحظة فلن تدخل فتاة واحدة المدرسة الثانوية، يبوء المخطط كله بالخسران!
كانت هيئة التدريس نسوية خالصة، في ماعدا مدرس اللغة العربية لتعذر وجود مدرسات للغة العربية يومئذ ولكنه كان يختار من الرجال المتقدمين في السن ن المتزوجين، المشهود لهم حقا بالصلاح والتقوي، فهو بالفعل أب يرعي بناته، ويشعرن نحوه بما تشعر به الفتاة نحو أبيها الوقور، فتقدم له الإحترام والتوقير.
وليس في المدرسة كلها رجل آخر إلا كاتب المدرسة، وهو منعزل عن المدرسة كلها في مكتب خاص لمقابلة أولياء الأمور، والقيام بالأمور الكتابية والحسابية للمدرسة، وحارس الباب، وهو كذلك رجل وقور متقدم في العمر تقول له البنات " يا عم!" إذا حدث علي الإطلاق أن وجهن له الكلام!
وكانت الفتيات يحضرن إلي المدرسة في عربات مغطاه بالستائر، ويعدن إلي بيوتهن بنفس الوسيلة ن فأما إن كان أهل الفتاة لا يريدون أن يتحملوا نفقات العربة، فيأتي معها ولي أمرها يسلمها إلي المدرسة صباحا ويتسلمها في نهاية اليوم المدرسي، لكي لا يتركها تسير وحدها في الطريق.
أي شئ يريد الآباء أكثر من ذلك؟!
بل أن " حضرة الناظر " لهي أشد في تأديب البنات من أولياء أمورهن! إنجليزية يا أخري! الإنجليز حازمون في التربية! قل ما تشاء فيهم، ولكن في التربية!
وكانت المناهج في مدارس البنات رجالية في الحقيقة لأمر يراد فيما بعد.. ولكنها بعد مغطاه.. فالفتاة تدرس نفس المناهج المقررة في المدارس الثانوية للبنين، ولكنها تدرس إلي جانبها مواد " نسوية" كالتدبير المنزلي ورعاية النشء … وذلك لإيهام بأن المقصود من التعليم في هذه المدارس هو إعداد الفتاة لحياة الأسرة التي تنتظرها. إذ كانت أشج نقط المعارضة في تعليم البنات بعد المرحلة الابتدائية أن الدراسة الثانوية ستعطل الفتاة عن الزواج وهي في سن الزواج وتبعدها عن جو البيت الذي خلفت له ن والذي ستقضي بقية حياتها فيه
فأما تعطيل الفتاه عن الزواج فقد واجهة أصحاب (القضية) بالمطالبة بإرجاء سن الزواج، وتحريم الزواج قبل سن السادسة عشرة (وصدر تشريع بذلك) ومحاولة تزيين هذا التأخير بمختلف الحجج ن حتي صار أمرا واقعا فيما بعد، لا عند السادسة عشرة، بل عند الثلاثين وما بعدها في بعض الأحيان!
وأما إبعاد البنت عن جو البيت فقد واجهة أصحاب القضية بتلك الدروس المتناثرة في التدبير المنزلي ورعاية النشء، وفي مقابلها تزاد سنوات الدراسة الثانوية للبنات ن فتصبح ست سنوات بدلا من خمس للبين.
حتي إذا هدأت ثورة المعارضين، وصار التعليم الثانوي للبناء أمرا واقعا بعد المعارضة العنيدة التي كانت من قبل، اخذت هذه الدروس النسوية تتضاءل، حتي محيت في نهاية الأمر، وأصبح المنهج رجاليا خالصا في مدارس البنات، وألغيت السنة السادسة، وأصبحت الفتاة تتخرج بعد خمس سنوات علي ذات المناهج التي يتخرج عليها الفتي.. لتصبح للفتاه قضية جديدة.. قضية الدخول إلي الجامعة!
ولكن لا نسبق خطي التاريخ!
m m m

تعددت مدارس البنات الثانوية في القاهرة ثم في الإسكندرية ثم في غيرها من المدن.. وخفت قبضة الناظرة الانجليزية فلم يعد يهمها إلا " النظام " الصارم في داخل المدرسة أما " أخلاق " البنات فلم تعد تعيرها اهتماما كما كانت من قبل، وجاءت بعدها ناظرات مصريات، أقل انضباطا من ناحية النظام، وأقل اهتماما بقضايا الأخلاق.
وسارت الأمور فترة من الزمن سيرها الرتيب، وكثر الإقبال علي مدارس البنات حتي ضاقت بهن ن فقامت إلي جانبها مدارس أهلية تسير علي ذات المنهج م وتحقق ذات الأهداف وأطمأن الناس اليوم علي بناتهم فلم يعودوا يصحبونهن في الذهاب والإياب وأصبحت أفواج البنات تذهب في الطرقات وحدها وتجئ.
ولكن.. هل كان يمكن أن تستمر الأمور في داخل هذا النطاق المحدود؟!
يوجد دائما في كل مجتمع فتاة " جريئة " وفتي "جرئ"!( ) يخرجون علي تقاليد المجتمع ويتحللون منها.
وفي المجتمعات المتماسكة يكون نصيب هؤلاء هو الردع الفوري، الذي يمنع العدوي، ويقضي علي الجرثومة قبل أن يستفحل أمرها، أما في المجتمعات المفككة فلا يحدث الردع المطلوب، أو لا يحدث بالقوة الحاسمة التي تؤتي أثرها،فتظل الجرثومة باقية ن وتظل تنتشر حتي يحدث الوباء.
لذلك مدح الله خير أمة أخرجت للناس بقوله تعالي: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل 3/110]
ولعن شر أمة أخرجت للناس بقوله تعالي: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [سورة المائدة 5/78-79]
وفي المجتمعات التي تتحول فيها القيم والأخلاق إلي " تقاليد " خاوية من الروح، يحدث الإنكار ويحدث الاحتجاج،ولكن لا يحدث الردع الحاسم الذي يقتل الجرثومة قبل أن تستفحل، فتبقي، ثم تنتشر في خطي بطيئة ولكنها أكيدة المفعول!
وهذا هو الذي حدث في المجتمع المصري أمام الغزو الفكري الصليبي في القرن الرابع عشر الهجري، وفي المجتمع الإسلامي كله. كانت هناك بقايا قيم وبقايا دين ن ولكنها كانت تقاليد خاوية من الروح ن فلم تستطيع ان تصمد طويلا أمام الغزو الكاسح ن الذي يزين الفساد للناس باسم الرقي والحضارة والتقدم "التحرر " من الرجعية والتحرر من الجمود
بدأت أول فتاة " جريئة " تلتفت برأسها حين يلقي إليها الفتي " الجرئ" بألفاظ الغزل المستور أو المكشوف.
وتسقط الفتاة الجريئة في نظر المجتمع من أجل هذه الالتفاته، وتعتبر فتاة فاسدة الأخلاق، ولكنها لا تردع! ولا يردع الفتي الجرئ الذي ألقي بألفاظ الغزل علي قارعة الطريق، فيتكرر النموذج من هنا ومن هناك.. وتتبلد أعصاب الناس علي المنظر المكرر,.وتصبح ظاهرة " معاكسة" " بناء المدارس " ظاهرة مألوفة في المجتمع المصري، لا يتحرك لها أحد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ويفرح الشياطين!
ورويدا رويدا تتغير ملابس بنات المدارس!
تقصر "المريلة " قليلا.هل هناك مانع؟! الجورب يغطي ما كشتفه " المريلة" فماذا يحدث؟!
ويقصر الكم قليلا.. هل هناك مانع؟! سنتيمترات قليلة لا تقدم ولا تؤخر.. ماذا يحدث؟! هل تخرب الدنيا إذا قصرت الأكمام قليلا أو قصر " الذيل " لا تحبكوها أيها المتزمتون!
وتتبلد الأعصاب علي المنظر المكرور، فتقصر الأكمام بضعة سنتيمترات اخري أو يقصر الذيل،أو يقصر الجورب.. وينكشف من المرأة ما أمر الله بستره بنفس المقدار!
أف لكم أيها المتزمتون! تفتئون تذكرون الأخلاق وتنادون بالويل والثبور! ماذا حدث للأخلاق حين تراجعت الملابس بضعة سنتيمترات؟ هل تقاس الأخلاق بالسنتيمتر أيها الجامدون؟ الأخلاق قيم (!!).. والقيم محلها القلب (!!) ما دامت الفتاة (مقتنعة) بالقيم في داخل نفسها فلن تفسد ولو سارت عارية في الطريق!
وحين تكثر الفتيات في الشوارع، حاسرات مقصرات، سواء من بنات المدارس الثانوية أو مدارس المعلمات، أو من خريجات المدارس الأخيرة اللوايت صرن معلمات وصارت لهن رواتب خاصة يستطعن الانفاق منها علي حوائجهن.. عند ذلك تبدأ (المودات) في الظهور.. وتصبح هناك صحافة نسوية تتخصص في عرض " المودات" أو ركن في المجالات والصحف العامة يسمي " ركن المرأة " يقدم النصائح ويقدم "المودات "
فأما النصائح فتبدأ في غاية " العفة " وفي غاية الاتزان!
كيف تحافظين علي محبة زوجك؟!
وهل يكره الإسلام أن تتحبب المرأة إلي زوجها وتتجمل له وتتزين؟!
نحن فقط نقدم النصيحة مصورة! لأننا في زمن الصحافة المصورة التي توضح كل شئ بالرسم
وحين تستقر هذه الخطوة نتقدم خطوة أخري الإمام! تمهيدا (لتحرير) المرأة من قيد آخر من قيود الدين والأخلاق والتقاليد!
لقد كان الزوج في المرحلة الأولي هو " المحلل " وانتهت مهمته، فلنكن الآن صرحاء!
كيف تجذبين انتباه الرجل؟!
نعم! وماذا فيها؟!
ألا تتزين إلا المرأة المتزوجة؟! وماذا تفعل الفتاة التي تبحث عن الزوج؟! ألا تتزين ليقع في شباكها " ابن الحلال "؟!
فإن لم يقع " ابن الحلال فمزيدا من التزين
هذا فستان يكشف " مفاتن الصدر " وهذا يكشف " مفاتن الظهر " وهذا يكشف " مفاتن الساقين "! ( )
وتتطور " المودة " العالمية وتتطور، حتي تشكف مفاتن الجسم كله بجميع أجزائه،وتتبعها الصحافة المصرية شبرا بشبرا وذراعا بذراع. " حتي إن دخلوا حجر ضب دخلتموه "! ( )
m m m

وجاء دور الجامعة
كنتم أيها المتزمتون تعارضون في تعليم المرأة حتي في المرحلة الابتدائية! وكنتم تقولون إنها لا تصلح إلا للبيت، وليست لديها القدرة علي التعليم.. واليوم تتحداكم الفتاة المتعلمة! ها هي ذي قد تعلمت علي ذات المناهج التي يتعلم عليها الفتي ( )، ووصلت إلي المرحلة الثانوية وهي لم تلحق به فحسب، بل تفوقت عليه في كثير من الأحيان! ( )
والآن صار من حقها أن تدخل الجامعة، فلماذا أنتم قائلون أيها الرجعيون!
ودارت معركة طويلة بين المدافعين والمعارضين كتلك التي قامت في أوربا من قبل... ( )
وقال المدافعون إنه نفس الدور إن المرأة قضيتها واحدة في كل بلاد العالم وستسير في نفس الخطوات ونتيجتها في النهاية واحدة، هي النتيجة التي وصلت إليها أوروبا التي سبقت العالم كله بقرن من الزمن أو أكثر، وخاضت المرأة فيها ذات المعركة وخرجت منها منتصرة في النهاية.
وفي ظاهر الأمر كان الذي يقوله المدافعون أمرا واقعا في كثير من بلاد الأرض ولكنهم كانوا غافلين عن أمور
كانوا غافلين أولا عن أن القضية لم تأخذ شكلا واحد في كل الأرض بسبب طبيعتها الخاصة كما توهموا، ولكن لأن الأجهزة العالمية التي تدير القضية لحسابها الخاص قد جعلتها تأخذ هذه الصورة لأمر تريده ( ).
وكانوا غافلين ثانيا عن أن قضية المرأة المسلمة ليست هي قضية " أختها " الأوربية! " فأختها " الأوربية ولا أخوة في الحقيقة لأن المسلمة لا تؤاخي المشركة – قد صارت لها قضية لأنه ليس لمجتمعها منهج رباني يسير عليه، إنما يشرع فيه البشر لأنفسهم ـ فيظلمون أنفسهم ويظلمون غيرهم، وقد وقع الظلم هناك من تشريع – أو عرف – وضعه البشر، ثم اختاروا أو اختار لهم الشياطين في الحقيقة حلا ساروا فيه حتي أوصلهم في النيابة إلي الخبال، من تفكك الأسرة وتحلل المجتمع وشقاء الرجل والمرأة كيلهما، وتشرد الأطفال، وجنوح الأحداث، وانتشار الشذوذ والأمراض النفسية والعصبية والقلق والجنون والانتحار والخمر والمخدرات والجريمة.
أما المرأة المسلمة فقضيتها أن الظلم قد وقع عليها من مخالفة المنهج الرباني الذي التزم به مجتمعها عقيدة ولم يلتزم به عملا، وارتدا في هذه النقطة بالذات إلي أعراف الجاهلية الفاسدة
وقد يكون الظلم واحدا أو متشابها، ولكن العلاج يختلف لاختلاف الاسباب فعلاج القضية بالنسب للمرأة المسلمة هو الرجوع إلي المنهج الرباني الصحيح والالتزام به عقيدة وعملا، وليس علاجه هو اتباع الخطوات التي سارت فيها القضية في الغرب ن فخرجت من تخبط إلي تخبط وما تزال
وحقيقة أن المنهج الرباني هو العلاج لكل مشكلات البشرية ن ولو آمنت به أوروبا ونفذته لحلت كل مشكلاتها ولكن الذين ينفذونه بالفعل أو المفروض أن ينفذوه هم الذين ألتزموا به فعلا أي المسلمون فإذا حادوا عنه فإن مهمة " المصلحين " هي تذكيرهم به، ودعوتهم إلي العودة إليه ليطبقوه في عالم الواقع، فتنحل مشاكلهم وينصلح حالهم، أما إتباع أوروبا، وسير المرأة المسلمة في ذات الخطوات التي سارت فيها " اختها " الأوربية فلن يحل مشكلتها، كما لم يحل مشكلة " أختها " وسيصل بها وبمجتمعها وقد وصل بالفعل إلي ذات المصير البائس الذي وصل إليه مجتمع " اختها " من قبل.
ولكن المدافعين يومئذ لم يكونوا يفقهون شيئا من ذلك كله.. وهم يومئذ أحد فريقين: فريق يعلم جيدا أن الطريق الذي تسير فيه " القضية " سيؤدي إلي انحلال أخلاق المجتمع وتفككه كما حدث في أوربا، وهو يريد ذلك ويسعي إليه جاهدا لأنه من {الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة النــور 24/19]( )
وفريق آخر مخدوع مستغفل لأنه مستعبد للغرب، لا يري إلا ما يراه الغرب، ويظن في غفلته وعبوديته – أن سيده دائما علي صواب!
وهذا وذاك معا مسخران لخدمة الصليبية في المجتمع الإسلامي ( ) وخدمة اليهودية العالمية كذلك ( ).
وقال هذا وذاك أن " قضية المرأة " تستلزم أن تدخل الفتاة الجامعة لتؤدي " رسالتها " علي الوجه الأكمل "
وقضية التعليم الجامعي أوغير الجامعي – ليست هي القضية بالنسبة للمرأة المسلمة فلن يمنعها الإسلام من طلب العلم، وهو الذي يدعوها إليه بل يفرضه عليها ولكن الإسلام يشترط وفي تعليمها وفي نشاطها كله شرطين أثنين: أن تحافظ علي دينها وأخلاقها وأن تحافظ علي وظيفتها الأولي التي خلفها الله من أجلها، وهي رعاية الأسرة وتنشئة الأجيال وفي حدود هذين الشرطين تتحرك حركتها كلها وهي حدود واسعة سل عنها الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن.
ولكن عباد الغرب وشاطينه لم يكونوا يريدون شيئا من ذلك بطبيعة الحال وهم يطالبون للفتاه المسلمة بالتعليم الجامعي وما تبع ذلك من " قضايا "!
فأما الشياطين فإنهم ما جاءوا يبتغون الإصلاح إنما جاءوا للتخريب بادئ ذي بدء
وأما العباد فليس لهم إلا طريق واحد لا يرون غيره، ولا يستطعيون رؤية غيره، لأنهم عبيد والعبد لا يري إلا ما يراه سيده له، بل يعتقد في دخيله نفسه أن مجرد اتجاه فكرة إلي شئ غير ما يراه السيد هو إثم غير مغفور!
m m m

دارت المعركة، وطالب المدافعون عن قضية المرأة أن يسمح لها بدخول الجامعة أسوة الرجل ومساواة له
وقال المعارضون إن الفتاه لا تصلح للتعليم الجامعي أصلا لأنه لا يناسب طبيعتها، وسيؤثر علي أنوثتها، فضلا عن أنه سيشغلها عن الزواج ويعطلها عنه عدة سنوات، وسيصرفها عن الأسرة والبيت مهمتها الأصلية وفوق ذلك كله فهناك مشكلة الاختلاط الذي لابد أن يحدث في الجامعة وهو أمر يخالف الدين والأخلاق والتقاليد ( ).
واستغرقت المعركة ردحا من الزمن غير قليل. وتقاذف الفريقان الأتهامات الحادة، وضاعت حقائق كثيرة في وسط المعركة كانت علي الأقل تستحق دراسة مستأنية ليتخذ فيها القرار علي بصيره
فأما المدافعون فالمسألة عندهم منتهية لا حاجة فيها إلي التوقف والدرس فهم مدفوعون دفعا بوعي منهم أو بغير وعي إلي تخريب المجتمع الإسلامي وتدميره، بل مدفوعون دفعا إلي استخدام " قضية المرأة " بالذات لإحداث هذا التدمير
أما المعارضون فمن أي منطلق ينطلقون؟
كان ظاهر الأمر انهم ينطلقون من منطلق إسلامي.. وقد كثر في كلامهم بالفعل ذكر الدين والاخلاق والتقاليد ولكن هل كانوا علي وعي حقيقي بالإسلام
لقد كان وعيهم به ضئيلا في الحقيقة وكان إخلاصهم للتقاليد أعمق في حسهم من الإخلاص للدين! أو قل: إن التقاليد التي كانوا يحرصون عليها ويدافعون عنها كانت مختلطة في حسهم بالدين، ومن ثم كان يختلط عليهم الإخلاص للتقاليد بالاخلاص للدين!
ولكنها لم تكن في الحقيقة تقاليد إسلامية … إنما كانت تقاليد جاهلية ارتدت إليها الأمة المسلمة في فترة تخلفها العقدي، ثم اختلطت في حسها بالإسلام، وظن المدافعون عنها باخلاص أنهم يدافعون عن الدين
وكانت عنجهية الرجل ولا شك عنصرا من عناصر القضية
كان يجب أن يتميز وينفرد بأشياء، سواء كانت مما ميزه الله به حقيقة أو مما ميزته به الجاهلية، ويختلط الأمران معا في حسه فيعتقد أنهما كليهما من صميم الدين وأنه حين يدافع عن مركزه المتميز ويدفع المرأة عن اللحاق به، إنما يدافع عن الدين!
ولم يفت المدافعين عن " قضية المرأة " أن يستغلوا نقطة الضعف هذه في موقف المعارضين، وأن يستغلوها إلي آخر المدي، فدعوا إلي إخراج الدين كله من القضية، والحديث عنها علي أنها قضية تقاليد وحين تكون علي هذه الصورة فهي إذن تقاليد عنيقة باليه وينبغي أن تحطم ويستبدل بها تقاليد جديدة.. عصرية تقدمية متطورة
وبطبيعة الحال لم يرض المتدينون والحريصون علي الأخلاق عن حصر القضية في محيطه التقاليد وإخراجها من دائرة الدين، كما كان أعداؤهم يدعونهم كلما احتدمت المعركة بقولهم: لا تزجوا بالدين في كل الأمور! فالدين لا علاقة له بهذه الأمور!!
ولكنهم في النهاية انهزمو وتراجعوا.. ثم صمتوا.. وتقرر الأمر الذي خطط له المخططون، فأصبح " امرا واقعا " رضي المتدينون أو كرهوا، وأعلنوا رأيهم أو صمتوا عنه
لماذا حدث ذلك؟!
لم يكن " التطور العالمي " كما توهم المتوهمون. ولم يكن ضغط الحضارة الغربية ولم يكن " الحق " الذي كان مغلوبا ثم انتصر كما أذاع المدافعون عن قضية المرأة,. لم تكن " طبيعة القضية " وكونها قضية عالمية لابد أن تأخذ مجراها في كل الأرض بل لم يكن الغزو الفكري في ذاته هو الذي جعل الأمور تأخذ هذه الصورة
إنما كان قبل كل شئ: الهزيمة الداخلية الناشئة من الخواء /، الناجم بدوره عن التخلف العقدي والانبهار بما عند الغرب، والظن بأنه لابد أن يكون صوابا ما دام آتيا من عند الأقوياء الغالبين!
نعم، إنها الهزيمة الروحية هي التي مكنت للغزو الفكري، وهي التي جعلت كل ما يخططه المخططون ينفذ كأنه أمر حتمي لا مرد له، ولاطاقة لأحد بالوقوف في طريقة! وما كان شئ من ذلك ليحدث لو أن المسلمين كانوا علي إسلام صحيح.
فالعقيدة الحية المتمكنة من القلوب لا تقهر، ولا يتخلى عنها أصحابها مهما وقع عليهم من الضغوط ( ).
والاستعلاء بالإيمان يقي الناس من الذوبان في عدوهم، ولو انهزموا أمامه في المعركة الحربية
والغني النفسي الذي يحدثه الإيمان الحق بالله، والغني الواقعي الذي يحدثه التطبيق الصحيح للمنهج الرباني، ويجعل المسلم –فردا وجماعة ومجتمعا ودولة في غني عن الافتراض في عالم القيم والمبادئ فضلا عن التسول! وإذا احتاج لشئ من أمور الدنيا يفتقده عنده فإنه يأخذ في استعلاء المؤمن، ويطوعه لمنهجه الرباني،ويصبح مالكا له لا مملوكا له
وما كان الغزو الفكري ليتسرب إلي نفوس المسلمين لو كانوا علي الإسلام صحيح ولا إلي عقولهم وأفكارهم ومشاعرهم، حتي يزيلهم عن قاعدته ويجرفهم في التيار غثاء كغثاء السيل، كما وصفهم رسول الله e قبل أربعة عشر قرنا من الزمان
وما كان ضغط الحضارة الغربية ليجلي المسلمين عن مواقعهم، وهي حضارة زائفه ممسوخة في عالم القيم، برغم كل التقدم العلمي والمادي والتكنولوجي الذي تشتمل عيه وقد كان المسلمون قمينين أن يأخذوا كل التقدم العلمي والماديوالتكنولوجي الذي يحتاجون إليه كما أخذوا من الروم والفرس أول مرة دون أن يفقدوا إسلامهم أو يتخلوا عن ذاتيتهم، أو تختلط القيم والموازين في حسهم
وما كان " التطور العالمي " ليغلب المسلمين علي أمرهم.. فهو ليس " حتمية " حقيقية كما خيل اليهود للبشرية ليدفعوها في المسار الذي جرفوها إليه إنما انجرفت أوروبا في تيار التطور اليهودي لخوائها من العقدية الصحيحة، ولأن عقيدتها الممسوخة لم تكن تصلح للحياة، ولا كانت تقدر علي الصمود أمام كيد اليهود ( )، ولكن المسلمين كانوا قمينين أن يصمدوا ولا ينهزموا أمام " التطور " المزعوم، الذي انتكس فيه " الإنسان " أكبر نكسبة وقع فيها في تاريخه كله، في مجال القيم والأخلاق والمبادئ بل في مجال " إنسانية الإنسان " ذاتها رغم البريق الخاطف، ورغم كثرة ما قيل في هذا العصر عن " إنسانية الإنسان" كان المسلمون قمينين أن يصمدوا ولا ينهزموا لأنهم يملكون العقيدة الصحيحة من جهة، ولأنهم هم المؤهلون أن يفقوا للكيد اليهودي من جهة أخري لأن الله وعدهم بالنجاة من ذلك الكيد إن استقاموا علي الشرط: {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [سورة آل 3/120].
بل كان المسلمون قمينين أن يصححوا أفكار البشرية الزائغة إزاء لوثة الداروينية، ولوثة التطور،ولوثة المادية، ولوثه التفسير الجنسي للسلوك البشري، والتفسير الآلي للحياة، ولوثة " التحرر " من كل القيم ولوثة إخراج المرأة من بينتها ووظيفتها لتكدح وتشقي من أجل لقمة العيش نوتتبذل وتفسد، وتفسد المجتمع كله معها في نهاية الأمر
ولو كانوا علي إسلام صحيح!
ولكنهم لم يكونوا..فأصابهم ما أصابهم..وبدلا من أن يصححوا للبشرية منهج حياتها، ويهدوها إلي المنهج الحق، تخلوا هم عن منهجهم الرباني، وراحوا يلهثون لهثا وراء الجاهلية الأوروبية، يستأذنونها في مذلة أن تسمح لهم باللهث وراءها، ولا تحتقرهم ولا تستصغرهم إلي أن يتمكنوا من اللحاق بها في آخر الشوط!
وذلك هو التفسير الحقيقي لما حدث في قضية المرأة، وكل القضايا الأخري التي ألمت بالمسلمين في أثناء نهضتهم " المعاصرة .
m m m

دخلت المرأة الجامعة لا " لتتعلم " فقط ولكن " لتتحرر "!
لتتحرر من الدين والأخلاق والتقاليد
فقد قيل لها كما قبل للمرأة الأوروبية من قبل إن التعليم والاختلاط والحرية و" التجربة " كلها " حقوق " للمرأة كان الدين والأخلاق والتقاليد تمنعها من مزاولتها و اليوم ينبغي أن تحطم الحواجزكلها لتحصل المرأة علي ما لها من حقوق.
وبطبيعة الحال لم تكن هناك طفرة.. إنما جاء كل شئ بالتدريج وما كان المخططون يتوقعون أن تحدث الطفرة وإن تلهفت قلوبهم لمشاهدتها – ولا كان ذلك ممكنا في عالم الواقع
لقد دخلت أربع فتيات كليه الآداب في" الجامعة المصرية " مقتحمات كل الحواجز القائمة يومئذ، والمجتمع كله، بين مؤيدا ومعارض يرقب التجربة الجديدة وما يمكن أن تسفر عنه
وكان هناك طبعا قدر من الأدب وقدر من الحياء وقدر من الاحتشام سواء من جانب الفتيات الأربع أو من جانب الطلاب في مدرجات الجامعة وافنيتها، والجو كله مملوء بالحذر والترقب.
ومع ذلك كله كتبت امينة السعيد في مذكراتها التي نشرتها لها " الهلال " وهي إحدي الفتيات الأربع اللواتي " اقتحمن " الحواجز، ليثبتن جدارة الفتاة المصرية بكذا وكذا مما أثبتن جدارتهم به كتبت تقول: إنه في الاختبار الشفوي في آخر العام كانت اللجنة في اختبار اللغة الإنجليزية مكونة من استاذ إنجليزي وأستاذ مصري، وإن الاستاذ الانجليزي ابتدارها في الاختبار بسؤالها عن رأيها في الحب!
تقول أنها من جانبها تلعثمت في بادئ الأمر وإن الاستاذ المصري غضب حتي أحمر وجهه من الغضب وغادر اللجنة فقال لها الأستاذ الانجليزي: لا عليك منه! استمري!
وتقول: إنها وجدت نفسها تنطلق في الحديث عن الحب بلا تلعثم ولا حياء! وهوالمطلوب
m m m

لم تكن الجامعة المصرية كما كانت جامعة القاهرة تسمي في ذلك الحين قد انشئت لترعي القيم الإسلامية ولا لترعي تنشئة الشبان والفتيات تنشئة إسلامية
إنما كانت قد أنشئت لتكون منبرا " حرا" يهاجم منه الدين والأخلاق والتقاليد مهاجمة شفوية وعملية كلما أمكن مع الحذر من الخروج السافر دفعة واحدة، حتي ترسخ أقدام الجامعة وتصبح معلما ثابتا من معالم الحياة المصرية. فلا عليها بعد ذلك أن تفعل ما تشاء علانية بدون مواربه فلن يصيبها يومئذ ما يقتلع جذورها بعد أن تثبت وتستقر
كانت مدرسة المعلمين العليا الدنلوبية قد استنفدت اغراضها في تخريج المدرسين الذين سيوالون تعليم الأجيال فترة غير قصيرة من الزمن، يبثون فيهم ما بث فيهم من قبل من نفور من الدين وأهله، وانسلاخ من آدابه وقيمه، وعبوديته مقنعة أو سافره للغرب
واليوم يراد توسع الدائرة فالمدرسون مهمون نعم ومطالبون نعم، ولكن المدرس بطبيعة نشأته محدود الأفق، محصور في دائرته لا يغادرها، تتحول حياته بعد حين إلي رتابه ممله، فينغلق علي نفسه، ويفقد حيويته وخصوبة فكرة، إلا النادر القليل.
ونريد اليوم أن يكون لدينا " مفكرون ".. " احرار " … لينشروا " حرية الفكر " علي مستوي المجتمع كله. رحاله ونسائه وكل من فيه
ومدرسة المعلمين العليا بكل ما قدمت من "خدمات " عاجزة بطبيعة تكوينها عن أداء هذه المهمة الخطيرة إنما الذي يقدر علي ذلك هو الجامعة
ومن هنا كانت الجامعة محددة الأهداف عند مخططيها من أول لحظة
ولقد فرح الناس بها فرحا شديدا عند مولدها، وأقبل الشباب عليها بلهفة وتشوق، لأنها في ظاهرها كانت خطوة تعليمية وثقافية ضخمة، سدت ثغرة كانت موجودة في الحياة المصرية، بعد تجميد الأزهر، وانصراف الناس عنه، والعزلة التي فرضها عليه دنلوب.. ثم لأمر آخر كان يخالج تلك النفوس ويزيد من فرحتها: لقد صرنا الآن مثل أوروبا صارت لدينا جامعة!
ولم يكن كثيرون يتوقعون أن تصبح الجامعة منبرا لمهاجمة الإسلام، ولتخريج شباب يستخفون علانية بكل القيم الدينية ن ويستخفهم الغرور العلمي أو الجهلي! متكئين إلي أنه " خريجوا الجامعة " أي " الطراز " الحديث! فليس لأحد أن يتصدي لهم أو يناقشهم أو يخطئهم، وإلا فهو جاهل رجعي متخلف.. فهنا في الجامعة وهنا فقط يوجد العلم الحق ن والأفق الواسع، والفكر المتحرر، والنظرة التقدمية، والروح العلمية، وإرادة الحياة الحرة.. وفي كل مكان آخر أيا يكن ذلك المكان توجد الرجعية والجمود والتأخر والعفن المنتن الذي خلفته عصور الانحطاط، والجهل الفاضح الذي يعيش في الظلمات غير منفتح علي تيار الحياة الحي، ويكفي أهله سواء وجهلة وتخلفا أنهم لا يعرفون " لغة أجنبية " ( ).
ولعل الناس فوجئوا في أول الأمر بالمستشرقين الذين يقدحون في الإسلام ت ويشوهون صورته، ويهاجمونه، أساتذة في كلية الآداب يدرسون أفكارهم للطلاب، تحت إشراف طه حسين " عميد الأدب العربي " ورئيس قسم اللغة العربية يومئذ ومن بينهم المسشرق اليهودي" مرجوليوث" الذي كان يقول إن محمدا e مجهول النسب! فقد كانت العرب تطلق علي من لا تعرف نسبه اسم عبد الله، ومن ثم فمحمد بن عبد الله e هو ابن رجل مجهول النسب! وهي فريه لم يقلها أحد غيره من المشتشرقين! ( ).
ولعلهم فوجئوا بطه حسين الذي قال في كتاب الشعر الجاهلي للتوراه والإنجيل أن يحدثانا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما كذلك، ولكن هذا وذاك لا يثبت لهما وجودا تاريخيا! ( ) يصبح في مكان الصدارة في الجامعة الجديدة ن ثم يقول في فترة لاحقه، في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " إن مصر لم تكن قط جزءا من الشرق، وإنما كانت دائما جزءا من حوض البحر الأبيض المتوسط، وكل ما جاءها من الشر جاءها من الشرق!.
ولعلهم فوجئوا بمن يقول إن قصص القرآن قصص "فني" يعني لا يتحدث عن حقائق تاريخية وأشخاص حقيقيين، إنما هي قصص فنية، مبتدعة من الخيال لأغراض فنيه! ( )
وفوجئوا وفوجئوا وفوجئوا وثارت ثائرة من ثار منهم ولكنها ثورة أضعف من أن تغير شيئا من الواقع ومضي الجديد يثبت أركانه، يمد له المخططون من وراء الستار، وتتبلد عليه مشاعر الناس. حتي جاء الوقت الذي أصبح " الناس " هم أنفسهم خريجي الجامعة، (أو الجامعات فيما بعد) فتجانست الأفكار والتصورات والدوافع وأنماط السلوك! ولم يعد شئ مما يجري في الجامعات يثير ما يمسي " الرأي العام "!
m m m

وإذا كانت كلية الآداب بالذات قد خصصت " لتفريخ" مثل هذه الأفكار والتصورات، وتخريج " مفكرين أحرار " يقومون " بواجبهم " في إزالة " العفن " و" النتن " من الأفكار والعقول، ليضعوا بدلا منها المفاهيم الغربية عن الدين والأخلاق والتقاليد، ولينشئوا مجتمعا جديدا علي هدي المخططين الذي يخططون من وراء الستار قد"تحرر " أبناؤها وبناته وصاروا " طلقاء " يفعلون بالدين ما يراد منهم. فإن كلية الحقوق قد أنشئت لتخريج أجيال تدعو إلي القانون الوضعي لأنه تخصصها الذي ربيت عليه، ولم تعلم غيره فمن الطبيعي أن تتعصب له، وتعادي كل شئ غيره وتبعد عن الأذهان نهائيا قضية تحكين شريعة الله، لأنها غير واردة في أذهانهم أصلا ومن هؤلاء يكون رجال السياسية ورجال الحكم، والأسماء البارزة اللامعة في المجال الإجتماعي
أما الكليات العلمية فهي تخرج الفنيين من أطباء ومهندسين وزراعيين وغيرهم, ولكنها تخرجهم علي الطريقة الغربية البحتة، أي " علمانيين " ( ) لا يطيقون الحديث في أمور الدين، فضلا عن ان يتدينوا هم أنفسهم لانهم طلاب " علم " والدين خرافة، ولأنهم " واقعيون" والدين أساطير، ولأنهم " عقول مفكرة " لا ينبغي لها أن تتدني إلي مستوي العوام الذي لم يطلعوا علي " الحقائق العلمية " وفضلا عن ذلك فإنهم " يتميزون " عن أمثالهم من " العلمانيين " في الغرب، بكونهم يحتقرون لغة بلادهم، لأنها لغة متخلفة لا تصلح للعلم، ويتحدثون من ثم بغلة السادة المتحضرين، ويرفضون أن ينظروا في أي كلام مكتوب بالعربية لأن العربية أصلا هي لغة الجمود والتخلف، ولو كان المكتوب بالعربية هو القرآن بل إن هذا الكتاب بالذات هو أشد ما ينفرون من قراءته أو النظر إليه!
وهكذا تتواكب الكليات وتتواكب التخصصات لتخرج في النهاية الجيل المطلوب لأعداء الإسلام! الجيل المتجه بكليته إلي الغرب، النافر من " الرجوع" للإسلام ( ).
m m m

وكما كان من أهداف الجامعة تخريج الجيل الجديد من " الرجال المتحررين " الذين أداروا ظهورهم للإسلام وولوا وجهوهم شطر الغرب سواء من كلية الآداب أو الحقوق أو الكليات العلمية، فقد كان من أهدافها كذلك تخريج الجيل الجديد من " النساء المتحررات " اللواتي انسخلن من الدين والأخلاق والتقاليد فقد كانت " الفتاة الجامعية ".. " المثقفة ".. " المتحررة " … عنوانا للتغير المطلوب، ودافعا في الوقت ذاته إلي مزيد من " التحرر " المطلوب!
ولكن هنا تأتي وسائل الإعلام الأخري لمتمد " قضية المرأة " باللهيب الدائم الذي لا يخبو أوراه، حتي يتم المطلوب كله، وفي أقصي صورة ممكنة
فلئن كان " اللهيب " قد ابتدأ أو اشتعل في مسرحية المظاهرة النسائية التي أحرقت الحجاب في ميدان الإسماعيلية أمام ثكنات الجيش الإنجليزي فالصحافة المصرية اللبنانية المسيحية المارونية ( )- تواكب " القضية " وتدفعها دائما إلي الإمام
إن عدسه الصحافة تلاحق " الفتاة الجامعية " لترصد جميع تحركاتها وتختار بطبيعة الحال الوجوه الجميلة لتجعها "إعلانا " عن القصية وتتنوع التعليقات، ولكنها كلها تبارك تلك الخطوة الجبارة التي خطتها الفتاة المصرية، والتي حطمت فيها القيود والحواجز، وأخرجت المرأة المصرية من سجن " التقاليد " المظلم، ومن عقلية القرون الوسطي المظلمة( ).. لتري النور.. لتتحرر.. لتشارك في أمول المجتمع!
وفي ظل تلك التعليقات تسنح الفرصة وهي دائما سانحة لمهاجمة تلك " التقاليد " التي تجعل المرأة حبيسة البيت مستبعدة للرجل، ناقصة الآدمية، مهضومة الحقوق، لا عمل لها إلا الحمل والولادة والرضاعة و " خدمة " الرجل وتربية الأولاد!
ولابد من وقفه هنا لبيان حقيقة، سبقت الإشارة إليها، ولكنها تحتاج إلي مزيد من الإيضاح.
إن المرأة كانت مظلومة بالفعل وكانت تعامل معاملة سيئة بالفعل، وكانت تعير بأنها جاهلة، وبأن مهمتها هي أن تحمل وتلد ولا شأن لها بشئ أخر.. وكانت هذه نظرة " جاهلية " تسربت إلي المجتمع المسلم حين تخلف عقديا، وفسد كثير من مفاهيمه الإسلامية، والجاهليات تجنح غالبا إلي تحقير المرأة وإزدرائها، إلا أن تجنح كالجاهلية الإغريقية الرومانية ووريثتها الجاهلية المعاصرة إلي تدلي المرأة وإفسادها خلقا لتصبح مسرحا لشهوة الرجل
وكان وضع المرأة في مصر وفي العالم الإسلامي كله في حاجة إلي تصحيح لرد الكرامة الإنسانية إليها، ووضعها في المكانة اللائقة بها بوصفها " إنسانه" كرمها الله حين قرر الكرامة لكل بني آدم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ..} [سورة الإسراء 17/70] وساواها في الإنسانية بالرجل حين قرر أنه {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [سورة آل 3/195] وقرر لها احتراما وتوقيرا خاصا في وضع الأمومة من أجل ما تتكبده في الحمل والرضاعة: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [سورة الأحقاف 46/15] وجعل الجنة تحت أقدامها علي لسان رسوله e
وكان هذا الوضع المنحرف عن أوامر الإسلام وتوجيهاته هو هو الذي فتح الثغرة للغزو الفكري، وهو هو الذي استغله الشياطين لينفذوا منه إلي المجتمع الإسلامي في كل بلاد الإسلام وينفذوا مخططاتهم فيه.
ولو كان المجتمع الإسلامي يطبق الإسلام في صورته الصحيحة، فمن أين كان ينفذ الشياطين؟
كانت أوربا في جاهليتها ستصيح صيحتها و" تحرر" نساءها من الدين والأخلاق والتقاليد، وتخرج المرأة هناك سافرة متبرجة عارية، وتملأ الشوارع والمصانع والمكاتب والدواوين، ونغرق هي والرجل في علاقات دنسة، وتدنس الجسد والروح، وتتفكك الأسرة، ويتشرد الأطفال، وتنتشر الجريمة والخمر والمخدرات والقلق والأمراض العصبية والنفسية والانتحار والجنون، ويظل المجتمع الإسلامي في تماسكه ورفعته ونظافته وتطهره، ينظر رجاله ونساؤه إلي تلك الجاهلية نظرة استنكار ونفور واستعلاء.
وربما قال قائل: إن ما بدأ اليوم من عوار الجاهلية المعاصرة لم يكن واضحا للعيان يوم بدأت " الحركة النسائية " في العالم الإسلامي، ومن ثم كان العالم الإسلامي عرضه للافتتان " بقضية المرأة" في وجهها " الإصلاحي " قبل أن يظهر ما تحتويه في باطنها من الفساد
وهذا قول مردود
ففي وقت مبكر نسبيا عام 1929 م كتب " ول ديورانت" الكاتب الأمريكي، في كتابه " مباهج الفلسفة "هذه الكلمات:
" فحياة المدينة تفضي إلي كل مثبط عن الزواج، في الوقت الذي تقدم فيه إلي الناس كل باعث علي الصلة الجنسية، وكل سبيل يسهل أداءها ولكن النمو الجنسي يتم مبكرا عما كان من قبل، كما يتأخر النمو الاقتصادي، ولا مفر من أن يأخذ الجسم في الثورة وأن تضعف القوة علي ضبط النفس عما كان في الزمن القديم وتصبح العفة التي كانت فضيلة موضعا للسخرية ويختفي الحياء الذي كان يضفي علي الجمال جمالا، ويفاخر الرجال بتعداد خطاياهم وتطالب النساء بحقها في مغامرات غير محدودة علي قدم المساواة مع الرجال ويصبح الأتصال قبل الزواج أمرا مألوفا وتختفي البغايا من الشوارع بمنافسة الهاويات لا برقابة البوليس
" وما يحدق من إباحة بعد الزواج فهو في الغالب ثمرة التعود قبله وقد نحاول فهم العلل الحيوية والاجتماعية في هذه الصناعة المزدهرة ( ), وقد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر لامفر منه في عالم الإنسان ن وهذا هو الرأي الشائع لمعظم المفكرين في الوقت الحاضر غير أنه من المخجل أن نرضي في سرور عن صورة نصف مليون فتاة أمريكية يقدمن انفسهم ضحايا علي مذبح الإباحية ن وهي تعرض علينا في المسارح وكتب الأدب المكشوف تلك التي تحاول كسب المال باستثارة الرغبة الجنسية في الرجال والنساء المحرومين وهم في حمي الفوضي الصناعية من حمي الزواج ورعايته للصحة".
"حتي إذا سئمت فتاة المدينة الانتظار، اندفعت بما لم يسبق له مثيل في تيار المغامرات الواهية فهي واقعة تحت تأثير إغراء مخيف من الغزل والتسلية وهدايا من الجوارب وحفلات من الشمبانيا في نظير الاستمتاع بالمناهج الجنسية وقد ترجع حرية سلوكها في بعض الأحيان إلي إنعكاس حريتها الاقتصادية فلم تعد تعتمد علي الرجل في معاشها وقد لا يقبل الرجل علي الزواج من إمرأة برعت مثله في فنون الحب.
فقدرتها علي كسب دخل حسن هوالذي يجعل الزوج المنتظر مترددا، إذا كيف يمكن أن يكفي اجره المتواضع للإنفاق عليهما معا في مستواهما الحاضر من المعيشة؟" ( ).
".. ولندع غيرها من الذين يعرفون يخبرونا عن نتائج تجاربنا.. أكبر الظن أنها لن تكون شيئا نرغب فيه أو نريده.. فنحن غارقون في تيار من التغيير، سيحملنا بلا ريب إلي نهايات محتومة لا حيلة لنا في اختيارها. وأي شئ قد يحدث مع هذا الفيضان الجارف من العادات والتقاليد والنظم..." ( ).
فإذا كان هذا قد كان واضحا عند رجل غير مسلم بل رجل ملحد ساخربكل القيم الدينية والأخلاقية مثل ول ديورانت قبل أكثر من نصف قرن من الزمان فقد كان الأخري أن يكون واضحا تمام عند المجتمع المسلم، الذي يهتدي ببصيرته الإيمانية المستمدة من إيمانه بكتاب الله وسنه رسوله e والذي يري حتميته السنين الربانية في الحياة البشرية حين يقدم الناس لها الأسباب ويؤمن بالنتائج السيئة المترتبة علي فساد الأخلاق في حياة الأمم وحياة الأفراد
ولكن القضية أن المجتمع الاسلامي كان بعيدا عن حقيقة الإسلام
ومن هنا وجدت الثغرة التي ينفذ منها الشياطين
وحين نفذوا فإنهم لم يقولوا إن المجتمع قد بعد عن الإسلام الصحيح وينبغي أن يعود إليه فما لهذا جاءوا وما لهذا أطلقوا صيحاتهم! إنما هم كانوا يعملون بجهدهم كله ليخرجوا هذه الأمة من الإسلام وليرسموا لها الطريق الذي يبعدها نهائيا عنه، ويمنعها بكل سبيل من العودة إليه.
ولئن كانوا قد استخدموا الإسلام في مبادئ حركتهم كما استخدمه قاسم أمين وغيره ليتترسوا به من قذائف المعارضين الذين سيرمونهم ولا شك بالمروق من الدين،فإن هذه المرحلة سرعان ما استنفدت اغراضها ووقفوا موقفهم الحقيقي من الإسلام، وهو موقف النبذ والمعارضة والهجوم، علي مرحلتين متتابعتين بحكم الظروف الأولي هي مهاجمة التقاليد والأخري هي مهاجمة الدين باسمه الصريح
في مرحلة الهجوم الأولي هاجموا التقاليد التي كانت ظالمة بالفعل من تأثير الردة الجاهلية التي كان المجتمع الإسلامي قد ارتد إليها نتيجة تخلفه العقدي، وعدم تطبيقه الإسلامي علي صورته الحقيقية ولكنهم حرصوا علي أن يدخلوا في دائرة الهجوم التقاليد الإسلامية الحقيقة التي قررها الله ورسوله، جنبا إلي جنب مع التقاليد الفاسدة، ويطلقوا عليها جميعا أنها تقاليد " باليه " ينبغي أن تحطم وأن تغير كما حرصوا علي ان سموها كلها بانها من تراث العصور الوسيط " المظلمة" التي ينبغي لها أن تمحي من الوجود في العصر الحديث عصر النور التحرر والإنطلاق!
وكان في هذا الهجوم علي هذا النحو خبث ماكر ولا شك فحقيقة إن كلا النوعين من التقاليد الصحيح والفاسد كان قائما في الحياة الإسلامية بعضه إلي جانب عض ولكن كان من السهل لو خلصت النيات فرز هذه من تلك، والإبقاء علي التقاليد الحقة والمستمدة بالفعل من كتاب الله وسنه رسوله e، ومحاربه التقاليد الفاسدة التي جاءت من الردة الجاهلية في شأن المرأة ن حتي لو اقضتي الأمر خوض معركة مع المتمسكين بها فإنما برز العلماء في حياة هذه الأمة بالمعارك الحادة التي خاضوها ضد انحرافات المجتمع ولو كان المجتمع كله غارقا فيها وتركوا بمصاتها الإصلاحية بمقدار ما بذلوا من جهد وبمقدار ماكان كان هذا الجهد مخلصا متجردا لله
لكن الخبثاء استغلوا ما غشي الإسلام من غبش في نفوس معتنقية، فلم يعودوا يمزون بين الحق والباطل واستغلوا بصفة خاصة جهالة " المثقفين " فهاجموا الظلم البين الذي يأباه الله ورسوله وأدخلوا معه تقاليد الإسلام الحقيقة علي أنها من الظلم الذي ينغي إزالته وزعموا في بادئ الأمر انها ليست من الدين إنما هي من وضع رجال متزمتين اخترعوا من عند انفسهم وألصقوا لهذا النفور الثبات والرسوخ في قلوبهم صارحوهم في المرحلة الأخيرة أنها من الدين! وقالوا لهم جهرة إن الدين ذاته هو البلاء الذي ينبغي التخلص منه ونبذه وراء الظهور!
هاجموا ترك المرأة جاهلة بلا تعليم وكان هذا بالفعل من التقاليد الفاسدة التي انزلق إليها المجتمع الاسلامي بعيدا عن تعاليم الإسلام.
وهاجموا احتقارها وازدراءها وتعييرها بأنها تحمل وتلد ولا شأن لها بشئ آخر، وكان هذا بالفعل من التقاليد الفاسدة المضادة تماما لتعاليم الإسلام
وهاجموا تزويجها بغير إذانها وبغير رغبتها وكان هذا كذلك من التقاليد الفاسدة المخالفة للنصوص الصريحة من أحاديث الرسول e.
ولكنهم إلي جانب ذلك هاجموا حجابها، وهاجموا استقرارها في بيتها وعدم خروجها إلا للضرورة وصوروا ذلك بأنه سجن وضعها الرجل فيه أنانية منه وظلما بينما هي أوامر صريحة من الله سبحانه وتعالي لأمهات المؤمنين ولنساء المؤمنين معهن وطالبوا بخروجها إلي "المجتمع " سافرة |" متحررة " بغير قيد هو أمر نهي الله عنه نهيا صريحا في آيات مبينات:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [سورة الأحزاب 33/33]
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب 33/59]
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ( ) وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [سورة النــور 24/31]
ولكن المهاجمين في الجولة الأولي خلطوا الحابل بالنابل عن عمدا وجعلوا القضايا كلها تقاليد عتيقة باليه عفي عليها الزمن ولم يعد يستساغ وجودها في عصر الحرية والنور!
أما في الجولة الثانية (وسياتي الحديث عنها) فقد أصبح الدين ذاته هو الرجعية التي ينبغي أن ننبذها لنكون(تقدميين)!
m m m

قلنا إن الصحافة سواء اللبنانية المسيحية المارونية أو المصرية الصميمه التي يشرف عليها من يحملون أسماء إسلامية ( )- قد تابعت " قضية المرأة " باهتمام ملحوظ، وحرصت علي تغذية المعركة بالوقود الدائم الذى لا يفتر، كما حرصت علي متابعة الفتاه الجامعية وهي تشق طريقها " الصاعد " الذي تدوس فيه كل المقدسات لكي تصل إلي النور
وكان من بين ما حرصت عليه تلك الصحافة والمجلات الأسبوعية بصفة خاصة إبراز " الروح الجامعية"
و لا يتبادر إلي ذهن أحد أن المقصود بالروح الجامعية هو روح البحث العلمي والتعمق في أخذ الأمور وعدم التسرع في إصدار الأحكام حتي يثبت الباحث من أن لديه من الدلائل ما يسند الحكم الذي وصل إليه إلي أخر هذه المعاني التي تخطر علي البال حين تذكر " الجامعة " وتذكر الروح الجامعية والتي كان نصيب الجامعين منها في غالبية الأحيان ضئيلا للغاية!
إنما " الروح الجامعية " أعلم هداك الله هي ممارسة الاختلاط في الجامعة بين البنين والبنات ومقدار ما يقع في هذه الممارسة من تحرر وإنطلاق وانعتاق من سجن التقاليد البالية التي تفصل شقي المجتمع بعضهما عن بعض، وتضع بينهما الحواجز التي تعيق الأمة كلها عن التقدم والارتقاء..!!
وحذار أيتها الفتاة أن تهزمي في المعركة! فغض البصر معناه عدم الثقة بالنفس، وهو من مخلفات القرون الوسطي المظلمة التي كانت تنظر إلي المرأة علي أنها دون الرجل.. فتغض بصرها ( ) أما أنت يا حاملة الراية فارفعي رأسك عاليا، لتثبتي أنك مساوية للرحل في كل شئ وإنك ند له في كل شئ.
شيئان ينبغي أن " تحرر" منهما الفتاة الجامعية..غض البصر... والحياء!
m m m

وفتاة الجامعة ينبغي كذلك أن تكون رشيقة خفيفة الحركة!
فاليك الأزياء.. انتقي منها منها يناسبك وما يظهر رشاقتك وأظهري من "زينتك" بقدر طاقتك!
لا حرج عليك - ماذا تخشين؟!
تخشين الدين؟ والأخلاق؟ والقاليد؟
تعالي معا نحطم الدين والأخلاق والتقاليد، واليت تريد أن تكبلك في حركتك فلا تكوني رشيقة كما ينبغي لك!
فهكذا المرأة "المتحررة" من صفاتها أن تكون جذابة.. في مشيتها في حركتها -في حديثها!
ألا ترغبين أن " ينجذب " إليك فتي الأحلام.. شريك المستقبل؟!
إن لم ينجذب هذا، فلينجذب غيره. المهم أن يكون هناك دائما من يتطلب إليك - ويعجب بك.. ويرغب فيك!
وبدأت " الفتاة الجامعية " ( ) تتخلع في مشيتها وتتكسر، وتتخلع في حديثها وتتكسر وأصبح هذا عنوان " المرأة الحديثة " أو "المرأة المتحررة " التي تملأ الشارع فيعج الشارع بالفتنة الهائجة التي لا تهدأ ولا تستقر.. وهو المطلوب!
m m m

أما البيت..فآخر ما تفكر فيه الفتاه الجامعية
لقد نعت لها بكل نعت مقززة منفرد حتي اصبح البقاء فيه هو المعرة التي لا تطيق فتاة جامعية ان تلصق بها
البيت هو السجن.. هو الضيق..هو الظلام - هو التأخر - هو الرجعية هو " عصر الحريم " هو التقاليد البالية هو القرون الوسطي المظلمة هو دكتاتورية الرجل هو شل المجتمع عن الحركة ودفعة إلي الوراء!
إنما تتعلم الفتاة الجامعية لتعمل لا لتبقي في البيت كما كانت تصنع جدتها الجاهلة المتأخرة الرجعية القابعة في سجن التقاليد المستعبدة للرجل
وحين تعمل تنمي شخصيتها تصبح إنسانة ناضجة!
أما حين تبقي في البيت فلاي شئ تبقي؟! لتطبخ وتغسل.. يا للعار!! أو تحمل وتلد وترضع إن هذا الأمر حتي لو حدث لا ينغي أن يمنعها من العمل فالمرأة الحديثة قد تغلبت علي هذه المشكلة ونسقت بين حياتها الزوجية وبين العمل فلم يعد شئ يعوقها عن العمل بعد الزواج أم قبل الزواج فالعمل ولا شئ غير العمل!
ولسنا هنا نناقش هذه اللوثة ولا الآثار التي ترتبت علي ترجيل المرأة في أوربا وإفساد فطرتها وتنفيرها من أن تكون علي فطرتها الله عليها ودفعها دفعا إلي التنصل من كل ما يتعلق بأنوثتها من قيم وممارسات (وتركيز الأنوثة كلها في لحظة الجنس الدنسة المسعورة) ودفعها إلي التشبه بالرجل وتعليمها علي مناهج الرجل، وتوجيه مشاعرها إلي العمل لا إلي البيت ...
لا نناقش هنا هذه اللوثة ويكفينا أن نشير إلي أن المرأة الأوربية نفسها قد بدأت تتعب من لوثتها ونحن إلي العودة إلي بيتها وفطرتها وبدأت تدرك أن اللعبة كلها لم تكن لصالحها .. ( )
إنما نتتبع فقط في بلادنا خط إخراج الأمة الإسلامية وتركيز المخططين علي قضية المرأة لعلمهم أنها من أفعل الوسائل في الوصول إلي الهدف المطلوب.
m m m

لم تكن الصحافة وحدها هي التي تعمل.. وإن كانت من أهم الأدوات.
إنما القصة والمسرحية والسينما والإذاعة.. كلها أدوات.
فأما القصة والمسرحية فقد بدأتا – كما كان متوقعاً – بالترجمة، وانتهتا بالتأليف. وأما السينما فقد ظلت أجنبية فترة غير قصيرة من الوقت، حتى قام ناس فقالوا إن من العار علينا ألا تكون لنا سينما وأفلام (وطنية " أي تكملة باللغة العربية (نقصد العامية!) فقامت " الجهود " وتكافت حتي برزت تلك الأفلام إلي الوجود..
فأما الإذاعة فقد جاءت متأخرة نوعا ما.. ولكنها سرعان ما لحقت الركب، وشاركت في الموكب " الكبير "
لقد تكاتفت الأدوات كلها للوصول في النهاية إلى هدف واحد. صرف هذه الأمة عن دينها وأخلاقها وتقاليدها. وإنشاء مجتمع "جديد" لا يحفل شيئاً بالقيم الدينية؛ لا يجعلها نصب عينيه، ولا يستمد منها منهج حياته، ولا يلجأ إليها في تكوين أفكاره ولا اهتماماته ولا عاداته ولا أنماط سلوكه. بل إن ذكرها – في أى وقت – فهو ذكر السخرية والاستهزاء والاستخفاف.
ولا نحتاج هنا أن نتحدث عن هذه الوسائل (خاصة بعد أن أضيف إليها التليفزيون والفيديو) وعن آثارها المدمرة في حياة الأمة، فهذا واقع مشهود، يشهده الناس كل يوم وكل لحظة، ويرون بأعينهم آثاره في أولادهم وبناتهم، ويرون بأعينهم كيف يعجزون عن صد آثاره المتلفة، ووقاية أولادهم وبناتهم من تلك الآثار.
إنما نذكر فقد "عينات" سريعة قد تعين في تصور التخطيط الذي يكمن وراء التنفيذ.
كتبت "روز اليوسف" في مذكراتها – وكانت تقوم بالتمثيل على المسرح قبل اشتغالها بالصحافة وإصدار مجلتها التي تحمل اسمها، كتبت تقول إنها طلبت إعانة لمسرحها من الحكومة، وكانت مصر إذ ذاك خاضعة للنفوذ البريطاني المباشر، فنصحها المندوب السامي البريطاني (وهو الحاكم الحقيقي في مصر في ذلك الحين) أن تذهب إلي الريف، وتعرض مسرحياتها هناك، فإن فعلت ذلك نالت الإعانة في الحال ( )!.
والهدف واضح.
فالريف المصري في ذلك الوقت "مسلم" في عمومه، محافظ على باقيا من الدين والأخلاق، ومحافظ بشدة على "التقاليد" المستمدة من الإسلام (بصرف النظر عما غشاها في ببعض الجوانب من انحرافات) ومن أشد ما يحافظ عليه الريف من التقاليد – وفي الصعيد خاصة – قضية الحجاب وقضية العفة وقضية العرض. وقضية صيانة المرأة بصفة عامة من التبذل والانحلال و"الانفلات".
وبقاء الريف على هذه الصورة عقبة ولا شك أمام المخططين. فالريف هو معظم مصر. ولن يؤتى المخطط ثماره كاملة إن فسدت العاصمة وحدها، وبقى الريف سليماً حتى ولو في محيط التقاليد. فإن هذا يطيل الأمر على المخططين، ويستنفد من وقتهم وجهدهم شيئاً غير قليل (لم تكن الإذاعة قد أنشئت بعد، ولا التليفزيون بطبيعة الحال) فمن هنا يوجه المندوب السامي البريطاني "روز اليوسف" – وهو أعلم بحقيقتها، وحقيقة دورها – أن تذهب إلى الريف، لعل مسرحها ومسرحياتها أن تزحزحه قليلاً عن تقاليده الصامدة، فيأخذ في "الذوبان". فتنفرج الأمور ( ).
نجيب الريحانى ممثل فكاهي موهوب، وصاحب "مدرسة" في التمثيلي كما يقول نقاد المسرح. ولكنه صليبي لا ينسى صليبيته، وإن غلفها "بالفن". بل هي عن طريق "الفن" تبلغ مداها الخبيث دون أن يحس الناس بالأمر، لأنهم مشدودون إلى البراعة الفنية المؤثرة، فيتلقون التأثير الخفي وهم في نشوة الإعجاب. فينساقون وراء التأثير.
له فيلم سينمائي ( ) يسخر فيه من مدرس اللغة العربية ومن اللغة العربية سخرية ماكرة – مقصودة بلا شك – فيصور مدرس اللغة العربية بائساً مسكيناً تبعث كل مواقفه على السخرية به، ولا يثير الاحترام عند أحد، ويجعل فتاة مائعة تحاول أن تقرأ نصاً عربياً في درس المطالعة فتخطئ أخطاء مضحكة – يضحك لها الجمهور الغافل – ولكنها تقدم في سياق الأحداث بالصورة التي توحي للمشاهد أن البنت معذورة. فاللغة هكذا. صعبة على الإفهام! لا يمكن للمتعلم أن يستوعبها مهما بذل المعلم من الجهد!
جورجى زيدان هو أحد مؤسسي دار الهلال (والآخر هو أخوه إميل زيدان) وهما – كما أسلفنا – من اللبنانيين المسيحيين المارونيين الذي اتجهوا إلى تأسيس الصحافة في مصر. ولكن جورجى زيدان يزيد – على كونه صحفياً – أنه يكتب قصصاً وروايات "إسلامية!" تتناول أحداث التاريخ الإسلامي في ثوب فني. وقد تناول في رواياته عدة أحداث تاريخية، وله قدر من البراعة الفنية – بالنسبة لوقته على الأقل – تجعل القارئ يتابع رواياته في شغف وتأثر.
فكيف تناول أحداث التاريخ الإسلامي؟!
إنه ما من مرة ينسى فيصور المسلمين في موقف "إسلامي" يبعث عن الإعجاب بهم، أو تقديرهم واحترامهم، فضلاً عن أن يبعث في المسلم الاعتزاز بأمجاد الإسلام.
إنهم – أى المسلمون – إما غارقون في الطرب واللهو، والجري وراء شهواتهم، سواء شهوة الجنس أو شهوة الملك أو شهوة المال. وإما واقفون مواقف جادة تثير الإعجاب، لأن واحداً من "أهل الكتاب" – سواء كان يهودياً أو نصرانياً – هو الذي يشير عليهم ويخطط لهم، ويقف وراءهم يساندهم في التنفيذ! فإن لم يكن ذلك الواحد من أهل الكتاب حاضراً في الصورة، فالمسلمون في لهوهم وعبثهم، وخلافاتهم وشجاراتهم، مؤامراتهم الهابطة.. يسلمون أنفسهم إلى الضياع.. وهذا متى؟ في أشد الأوقات التي كان المسلمون فيها مكنين في الأرض، تدين لهم الدنيا بالطاعة والإذعان!! ( )
تخصص مجموعة من القصصين والمسرحيين والسينمائيين في موضوع معين، يتكرر بصور مختلفة، خلاصته أن فتاة – جامعية في الغالب، ومتعلمة بصفة عامة – لها "صديق". يقع بينهما ما يقع – لعى درجات مختلفة من الوقوع! – ثم يتقدم للزواج منها فيرفضه أبواها – الريفيان في الغالب، والرجعيان التقليديان بصفة عامة – إما لأنهما يرتبان لها زواجاً معيناً بعقليتهما المختلفة، وإما لأنهما – حرصا منهما على "التقاليد" – يشعران بميل الفتاة له فيرفضانه من أجل هذا السبب بعينه. ثم تمضى القصة أو المسرحية أو الفيلم بإصرار الفتاة على موقفها، بصور مختلفة من الإصرار، أدناها رفض الخطيب الذي يقدمه لها والدها، وأشدها ترك البيت والهروب مع " الصديق " وينتهي الأمر في كل حالة بتنفيذ ما أصرت عليه الفتاة ورضي الوالدين، أو تسليمهما لأمر الفتاة التقدمية إذعانا للأمر الواقع، أو قاتناع الأم خاصة، ومحاولة اقناعها الأب بأنهما كانا مخطئين، وأن الفتاة علي حق! ( )
تخصص مجموعة من الكتاب في وقت من الأوقات ( ) في القول بأن المجتمع لم يكن نظيفا من الجريمة الخلقية وقت أن كان محافظا علي التقاليد.. وأن الفاحشة كانت تقع تحت ستار الحجاب وذلك رد علي الذين كانوا يقولون إن السفور والاختلاط سيؤديان حتما إلي التحلل الخلقي.
وكون المجتمع – أى مجتمع مهما كان محافظاً – لا يخلو من وقوع جريمة فيه، فهذه حقيقة. يكفي شاهداً لها أن الفاحشة وقعت في مجتمع رسول الله (. ولكنه من التبجح الغليظ أن يقال إنه ما دامت الفاحشة تقع هنا وتقع هناك، فلا فائدة في الدين، ولا فائدة في الأخلاق، ولا فائدة في التقاليد، ولا قيمة لكل التوجيهات الخلقية! فهناك فارق ضخم بين مجتمع لا تقع فيه الجريمة إلا شذوذاً يستنكر، وتنال عقوبتها الرادعة حين تقع، ومجتمع يعج بالفاحشة حتى تصبح العفة فيه هي الشذوذ المستنكر!
كتب إحسان عبد القدوس في أحد توجيهاته التي كان يبثها في مجلة "روز اليوسف" ( ): إننى أطالب كل فتاه تأخذ صديقها في يدها، وتذهب إلي أبيها، وتقول له: هذا صديقي!
كتب أنيس منصور في إحدي مقالات في اخبار اليوم، أنه زار إحدي الجامعات الألمانية ورأي هناك الأولاد والبنات أزواجا أزواجا مستلقين علي الحشائش في فناء الجامعة قال: فقلت في نفسي: متي أري ذلك المنظر في جامعة أسيوط! لكى تراه عيون أهل الصعيد، وتتعود عليه!
هذا وغيره فضلاً عن آلاف بل ملايين الصور العارية.. والأغاني العارية.. والأفكار العارية.. والنكت العارية.. التي تملأ الصحف والمجلات والإذاعة والسينما والتليفزيون.. وآلاف بل ملايين الأجساد العارية في كل مكان: في الشوارع والمكاتب ووسائل المواصلات والشواطئ العارية في فصل الصيف.
وفضلاً عن التفاهة التي تشيعها السينما والإذاعة والتليفزيون في نفوس مشاهديها ومستمعيها.. التفاهة التي تجعل النفوس لا تتجه لشئ جاد.. فضلاً عن أن تتجه لله واليوم الآخر، أو للجهاد في سبل الله!
m m m

ولم تكن "قضية المرأة" وحدها، وما نتج عنها من الفساد الخلقي، هي التي استخدمت في ك ارتباط المجتمع بجذوره الإسلامية، فقد كان الجهد المبذول شاملاً لجميع الميادين بلا استثناء، وإن كانت "قضية المرأة" والفساد الخلقة الناشئ من "التحرر"، من أفعل الوسائل في فك ذلك الارتباط.
ولنُشر هنا إلى مجالين رئيسيين فعمل فيهما الغزو الفكري بنشاط وافر، هما مجال الفكر والآداب، ومجال السياسة.
m m m
===========

( ) راجع "مذكرات قاسم أمين".
( ) تنازل عن هذه المغالطة في كتابه الثاني "المرأة الجديدة" كما سيجئ.
( ) سنتحدث في فقرة تالية عن دور سعد زغللول في حياة مصر الحديثة.
( ) الهلال, أول يونيه 1928, ص 949.
( ) تحدثت عن هذه القضية وأطوارها المتتابعة في أوربا في فصل "دور اليهود في إفساد أوربا" في كتاب "مذاهب فكرية معاصرة".
( ) فصلت أسبابها عند الحديث عن الثورة الصناعية وآثارها في الحياة الأوربية, في فصل "دور اليهود في إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة".
( ) أشرت في هامشة سابقة إلي هذه الحقيقة رداً علي الذين يجادلون في وقائع التاريخ, ويزعمون أن الحجاب كان تقليداً عربياً صحراوياً قائماً قبل الإسلام... وذكرت قول عائشة رضضي الله عنها في مدح نساء الأنصار "لما نزلت آية الحجاب قدمت كل واحدة منهن إلي ثوبها فاعتجرت به".
( ) يقول ذلك اليوم مرتدون متبجحون ممن يحملون أسماء إسلامية, فينسبون الظلم إلي الله ورسوله, وإلي الدين الذذي نزل من عند الله.
( ) سبق ذكره.
( ) واليهود يخططون معهم كما سيجئ.
( ) في أي قرن يا تري سلبها ذلك "الحق"؟!.
( ) سنتحدثث عن الثورة المصرية في فقرة تالية.
( ) كانت جادة وإن شابها الانحراف الذي سنتحدث عنه فيما بعد.
( ) اسمها الحقيقي صفية مصصطفي فهمي. ولكنها سميت صفية زغلول باسم زوجها سعد زغلول علي طريقةر الأوربيين في إلحاق الزوجات بأسماء أزواجهن, تأثراً بالغزو الفكري وعملية التغريب... ولكن "الجماهير" لم تفطن لذلك ولم تستنكره!.
( ) سمي مييدان الإسماعلية الذي تحللت فيه المرأة من حججابها الإسلامي ميدان "التحرير" "تخليداً" لهذه الذذكري العظيمة!.
( ) منّة أي قوة.
( ) متفق عليه.
( ) أقيمت في شواطئ الإسكندرية (ونشرتها الصحف!) مسابقة بعنوان "أبو عيون جريئة!" يكون الفائز فيها هو أوقح الشبان أو أقلهم حياء وأدباً!.
( ) هذذه العبالرات ورردت بنصها في مجلات "المودة" وفي "ركن المرأة" في المجلات التي تخصص ركناً للمرأة.
( ) قال رسول الله e: "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع, حتي إن دخلوا جحر ضب دخلتموه" قالوا من يا رسول الله؟ قال" اليهود والنصاري" أخرجه الشيخان.
( ) هذه هي "حكمة" تعليم الفتاة علي منهج الفتيان, ليصبح هناك وجه لقضية "المساواة" بين جنسين, التي تصل في النهاية إلي المساواة في "حق" الفساد! وهناك حكمة أخري لا تقل عنها حكمة هي إلغاء "قوامة" الرجل علي المرأة أو خلخلة أساسها علي الأقل بعد أن "يتساويا" في نوع التعليم!.
( ) كان هذا التفوق يحدث بالفعل لأن الأولاد ينشغلون بالشارع والنادي والمقهي ورفقة الأصحاب, بينما البنات في البيوت متفرغات لمراجعة الدروس, فضلاً عن روح التحدي التي تحفز المرأة لتحدي الرجل.
( ) تحدثت عن هذه المعركة في كتاب "مذاهب فكرية معاصرة".
( ) راجع -إن شئت- فصل "دور اليهود في إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة".
( ) قال تعالي: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [سورة النــور 24/19].
( ) إلا أن يكون هو ذاته صليبياً كسلامة موسي فهو يشارك في تنفيذ المخطط الصليبي مدفوعاً ببصليبيته الذاتية.
( ) كان لليهود مشاركة ضخمة في تحطيم الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي, لأهداف عدة من بينها إنشاء الدولة اليهودية في الأرض الإسلامية.
( ) لم يفكر أحد في إقامة جامعة نسوة خاصة!.
( ) انظر ما وقع من الضغوط علي الجماعة المسلمة في مكة, وانظر ما يقع اليوم من المذابح البشعة لإخماد الصحوة الإسلامية وهي مع ذلك لا تخمد.
( ) راجع -إن شئت - فصل "دور اليهود في إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة".
( ) ربما لا يعلم كثير من القراء أنني من خريجي تلك الجامعة, ومن دارسي اللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي فيها, فلست أصدر فيما أقرر هنا عن عصبية معهدية ضد الجامعة! إنما هي الحقيقة التي أحسبها -الآن- لم تعد خافية! ولا ينكر أحد أنه من الناحية "الثقافية" كانت الجامعة أوس ع أفقاً, وخريجوها أكثر احتكاكاً بالأفكار "العالمية" ولكنها لم تكن توجه طلابها لنقد الحضارة الغربية, واختيار الصالح من ثمارها للاستفادة به في "نهضة" حقيقة, مع طرح الفاسد من هذه الثامر, إنما كانت علي العكس من ذلك من أكبر أدوات "التغريب".
( ) انظر فصل "الديانة المحمدية Mohamedanism" تأليف مرجوليوث, في موسوعة تاريخ العالم: Universal Histiry of the World.
( ) الأفكار الرئيسية في هذا الكتاب -وهي القول بأن الشعر الجاهلي الحقيقي كان أبلغ من القرآن, ولذلك طمس عليه المسلمون, وانتحلوا شعراً أقل منه بلاغة ونسبوه إلي الشعراء الجاهلين, "ليزعموا" بعد ذلك أن القرآآن أبلغ من الشعر الجاهلي! هي أفكار مرجوليوث المشار إليه, انتحلها طه حسين! وقد صودر هذا الكتاب حين أثار ما أثار من ضجة, ولكن طه حسين سئل في حديث صحفي أجراه معه محمود عوض في مجلة صباح الخير قبل وفاة طه حسينن بعام واحد عن أفكاره في هذا الكتاب فقرر أنه ما زال مؤمناً بكل حرف فيهاً.
( ) الدكتور محمد أحمد خلف الله في كتاب "الفن القصصي في القرآن الكريم".
( ) لفظة "علمانية" هي ترجمة عربية مضللة للكلمة Secularism كما أشرنا من قبل, والأولي أن تسمي "اللا دينية" انظر -إن شئت- فصل "العلمانية" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة". ومما هو جدير بالذكرر أن هذذه الترجمة المضللة كانت من صنع اللبنانيين المسيحيين!.
( ) لا ينفي ذلك ببطبيعة الحال أن يكون من بين ذلك الجيل, أو تلك الأجيال, من لم يخضع لعملية التغريب, وبقي محافظاً علي إسلامه, وذذاتيته, ولكنهم -قبل "الصحوة الإسلامية" التي سنتحدثث عنها في الفصل القادم- كانوا قلة لا يحسب لهم حساب.
( ) وكانت هناك كلك صحافة "مصرية" صميمة, ولكنها كانت -ببوعي أو بغير وعي- تتقتفي أثر الصحف اللبنانية المسيحية المارونية التي أرست "القواعد الصحفية" في مصر, بل قد تزيد عليها تبذلا لتكسب مزيداً من القراء من "الأجيال الصاعدة" من الأولاد والبنات!.
( ) تعبير "القرون الوسطي المظلمة" من تعبيرات الغزو الفكرير التي تجري - بطلاقة!س - علي ألسنة المستعبدين للغربب, ويقصد بها - في حسهم - الإسلام! وأوربا تصف - بحق - قرونها الوسطي بأنها مظلمة, لأنها كانت مظلمة حقاً. وتقول - بحق - أن "الدين" عندها كان سبب ذلك الظلام, وإن التحرير منه هو الذي أرجها من قرونها المظلمة, لأن ذلك الدين لم يكن ربانياً, إنما كان ديناً بشرياً - جاهلياً - من صنع الكنيسة, يحتوي من الخرافات والخزعبلات والافتراء علي الله ما لا تستسيغه فطرة سليمة ولا فكر "حر". أما المستعبدون للغزو الفكري فينسون أولاً أن هناك فارقاً رئيسياً بين الإسلام - الدين الرباني غير المحرف - وبين دين الكنيسة المحرف, ويينسون ثانياً أن القرون الوسطي المظلمة في أوربا كانت هي الفترة التاريخية المشرقة بنور الإسلام, سواء في المشرق أو المغرب والأندلس, حيث تعلمت أوربا لتخرج من الظلمات إلي النور!.
( ) يقصد صناعة البغاء.. ويلاحظ أنه يلتمس لها المبررات رغم الأسي الذي يحسه علي الفتاة الأمريكية!.
( ) يقصد أن الرجل قد يرفض الزواح من الفتاد الفاسدة الأخلاق, ولكن الضغط الاقتصادي يجعله يقبل في النهاية بعد تردد!.
( ) مقتطفات سريعة من كتاب "مباهج الفلسفة" لول ديورانت, ترجمة عبد العزيز جاويد, وفي الأصل توسع في هذا الموضوع استتغرق مابين ص 126 وص 236 من الترجمة العربية.
( ) الخمار كما هو معلوم من اللغة هو غطاء الرأس, والجيب في اللغة هو فتحة الصدر. فالمسلمة بنص الآية تغطيي رأسها بالخمار, وتغطي صدرها كذلك, أمراً من عند الله, لا من عند الرجال المتزمت الذي يظلم المرأة بأناتيته.
( ) كان هناك "مسملون" لا يربطهم بالإسلام شئ, وكان هناك متمسلمون مثل "روز اليوسف" وهي يهودية أو مسيحية سمت نفسها "فاطمة اليوسف".
( ) غض البصر كما هو معلوم من أمر هذا الدين, هو أمر رباني للرجال والنساء معاً:
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [سورة النــور 24/30-31]. فلا دخل لها الأمر بالدوانية! إنما هو الاحتشام اللائق "بالإنسان" لكيلا يتحول إلي حيوان شهواني. وقد كان من أكثر من ألح علي الفتاة أن تخلع حياءها ولا تغض من بصصرها الكاتب الصليبي سلامة موسي, لغاية في نفسه مفهومة وواضحة, بيتما تروي كتب السيرة عن قمة البشرية محمد e أنه كان أشد حياء من العذراء.
( ) يقول الله سبحانه وتعالي مخاطباً "أمهات المؤمنين": {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [سورة الأحزاب 33/32] وهن زوجات الرسول e. وأمهات المؤؤمنين, وفي عصر الذروة الذي ارتفع فيه المجتمع الإسلامي إلي ققم لم تصل إليها البشرية في أي جيل من أجيالها السابقة أو اللاحقة, فييف بفتاة لا تعرف عن الإسلام إلا اسمه, ومجتمع شارد عن الإسلام؟ هل كان لهذه التوجيهات المسمومة إلا نتيجة واحدة: أن ينحل المجتمع, ويقضي علي ما بقي فيه من دين وأخلاق وتقاليد؟.
( ) ناقشت هذه القضايا في أكثر من كتاب, منها "الإنسان بيين المادية والإسلام" و "منهج التربية الإسلامية" الجزء الثاني, و"مذاهب فكرية معاصرة" ولا يتسع المجال هنا لإعادة المناقشة, فحسبنا هنا التقرير.
( ) وهذا يفسر لنا حرص الفرق التمثثيلية في ذلك الوقققت علي أن تجوب الريف, مع قلة من يفهمون "الفن" إذ ذاك!.
( ) لا نعجب إذا وجدنا الكاتب اليهودي الأمريكي "مرو برجر" في كتابه "العالم العربي اليوم" الذي صدر سنة 1962 ينص نصاً علي أن المدينة ينبغي أن تصب خلاصة "تجربتها الحضارية" في الريف والبادية, بعد أن يقرر - بوضوح - أن الإسلام قد ضعف تأثيره في المدينة ولكنه مازال باقياً علي قوته في الريف والبادية!! ولا نعجب كذلك من حرص جمال عبد الناصر علي توصيل الكهرباء إلي الريف المصري - وإلي الصعيد خاصة - عن طريق توليد الطاقة من السد العالي, ليشاهد الريفيون التليفزيون! وحرصه كذلك - من حربه مع اليمن - علي إدخال التليفزيون إلي اليمن!.
( ) اسمه "غزل البنات".
( ) مما يؤسف له أن الذين يتجهون إلي "مسرحة" أحداث التاريخ الإسلامي للإذاعة أو التليفزيون من "المؤؤلفين", يتجهون أول ما يتجهون إلي أعمال جورجي زيدان! فإن لم يجدوا فيها طلبتهم بحثوا عن مرجع آخر!.
( ) لا يذكر ببطبيعة الحال موقف الإسلام في هذه القضية, لأنه ليس المققصود هو التصحيح باسم الإسلام, إنما باسم التقدم والتحرر والخروج علي الإسلام! فضلاً عن أن الأسلام لن يرضي عن العلاقة القائمة بين الولد والبنت قبل الزواج, وهذه العلاقة بالذات هي موضوع "الدعوة" في القصة والمسرحية والفيلم!.
( ) ربما لم تعد هذه الموضوعات تطرق في مصر اليوم فقد استنفدت أغراضها, ولكنها ما تزال تستخدم في بقاع أخري من العالم الإسلامي, حيث توجد بقية من التقاليد يراد القضاء عليها!.
( ) روز اليوسف هي أم إحسان عبد القدوس.
===================



المصدر: فصل من كتاب (واقعنا المعاصر) للشيخ محمد قطب أثابه الله.

muslimah
12-09-2005, 11:32 AM
ليس هناك قضية تحرير للمرأة فهي ليست مستعبدة من قبل بشر
وإنما القضية الحقيقية التي يتسترون خلفها هي قضية تحليل المرأة من جميع الضوابط التي فرضها الله عليها حماية لها منهم ومن أمثالهم
فهم يريدونها في متناوا أيديهم وأبصارهم
فلتتنبه امرأة لما يُكاد لها
ولتعلم أنها درة مكنونة لا ينبغي أن تلوثها أيديهم وأبصارهم

نسأل الله العفو والعافية
والحمد لله على نعمة الإسلام