أميرة الجلباب
06-05-2012, 11:18 PM
بمناسبة صعود أسهم شفيق وهذه الحيرة التى تعلو الوجوه غير مصدقة لما يحدث تذكرت هذه الحالة المرضية العجيبة التي أظن أنها قد تساهم في تفسير أحد أسباب هذا الصعود ! ..
إنهـا مرض نفسي يسمى "متلازمة ستكهولم"..!!
ولكنها قد تسمى في حالتنا تلك: متلازمة "النظم القمعية"..
عافانا الله وإياكم!
-----.
متلازمة "النظم القمعية"
الخميس 20 جمادى الأولى 1433 هـ - 12 أبريل 2012 م
الكاتب: محمود الغمراوي محمد.
عندما يقع الإنسان ضحية تحت سيطرة غيره؛ سيطرة تمنعه من القدرة على فعل أو قول ما يريد فإنه تلقائيا يبحث في الجاني عن أي إشارة ولو كاذبة، تعطيه إحساس بالاطمئنان لهذا الجاني المعتدي.
وكلما زاد أمد سيطرة الجاني على الضحية تقبلت الضحية لفكرة خضوعها للجاني، وقد يتطور الأمر عن مجرد الشعور بتقبل الجاني إلى محاولة إرضائه، وقد يتطور الأمر لحمايته وإنكار أنه قام باضطهاد المجني عليه، وهذه الحالة المرضية تنتشر بين الأبناء الذين ينشئون في أسر تعتمد العنف من وسائل التربية، وإن كان البعض يرد هذه المشاعر لطبيعة العلاقات الأسرية وحقوق الآباء والأمهات على الأبناء وما إلى ذلك، ولكن الواقع يشهد بوقوع عدد من حالات خضوع الضحية للجاني بشكل مرضي حاد جدا؛ وقد تجسدت هذه المأساة في واقعة سميت بمتلازما ستوكهولم، وهي واقعة حقيقية حدثت في السويد عام 1973 بمدينة ستوكهولم، حيث سطا عدد من اللصوص على بنك يسمى "كريديتبانكين" واتخذوا عددا من موظفي البنك كرهائن و استمرت عملية احتجاز اللصوص للرهائن ستة أيام كاملة.
وكانت المفاجأة أنه بعد تحرير الرهائن قام بعضهم بالدفاع عن الجناة بل وحدثت بعض الارتباطات العاطفية بين عدد من الضحايا وبعض المختطفين لهم! وتتجلى صورة هذه الحالة المرضية بين محترفي البغاء من فتيات ليل وقوادين يمارسون على الفتيات كل ألوان العنف العاطفي والجسدي والنفسي، و مع ذلك نادر ما تترك فتاة ما القواد الذي يحميها ليبتزها ويستغلها في آن واحد.
وطبعا الشعوب التي تقع تحت قبضة حكم ديكتاتوري هي أوضح مثال لهذا المرض الذي أطلق عليه علماء الطب النفسي متلازمة ستوكهولم، ومصر كدولة عريقة في الديكتاتورية وحكم الفرد –حتى أن أحدهم أطلق عليها أقدم ديكتاتورية في التاريخ– وقع شعبها فريسة كل أنواع الحكم القمعي البوليسي الناهب للثروات، ومع طبيعة مصر التي تجبر شعبها على الاستقرار بجوار النيل في واد ضيق، ويعمل غالبية سكانه في مهنة واحدة وهي زراعة الأرض؛ وهذا الوضع الإجباري: أعطى الحاكم المصري ميزة عظيمة لم تتوفر لكثير من الحكام على مر التاريخ في أغلب البلاد، فمنذ حكم الفراعنة وملك مصر هو صاحب الماء والأرض وعلى الشعب أن يقدم له جزءا من محصول الأرض التي يزرعها، وكان خضوع قاطني الأرض وزارعيها للفرعون –حاكم مصر- خضوعا مرضيا؛ ويتذكر أغلبنا قصة بني إسرائيل في مصر، وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابة الكريم في عدد كبير من السور، وكيف تمسك فرعون مصر ببني إسرائيل ليعملوا ويقدموا ثمرة أعمالهم له مع استحلاله أعراضهم وتقتيل أبنائهم، وقد وصف رب العلمين حالهم قبل خروجهم من مصر في سورة القصص بقوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)، وكذلك في سورة البقرة بقوله تعالى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ).
فلما أنجاهم الله من الذل والهوان وأنزل عليهم طعاما من السماء، فما كان منهم إلا أن تاقت نفوسهم لما كانوا فيه، ويصف ربنا هذا المشهد في سورة البقرة بقوله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا، قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكم مَاسَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ).
إذا هي سنة المجتمعات التي تقع تحت الحكم القمعي الظالم لفترات طويلة حتى إنها لا تستعذب الحياة بدون هذا الحكم؛ فهو كان يفكر لها ويقرر لها ويقوم بالتنفيذ مستغلا لها، وتكتفي هذه المجتمعات بما يسمح به لها ذاك النظام الديكتاتوري الظالم من أسباب الحياة، وقد اعتادت هذه المجتمعات على هذه الحياة وتقبلتها، ولا يعني تململها بين الحين والآخر أنها مستعدة للتغيير أو التخلص من قبضة حكامها.
وقد رأينا في قضية بنك "كريدتبانكين" بالسويد في التاريخ المعاصر ومن التاريخ القديم كيف أن الضحية تمسك بمن ظلمه مرة بشكل عاطفي كقضية البنك ومرة بطريقة معيشته كبني إسرائيل.
ومن ينظر للوضع في مصر من منظور مرض متلازمة ستوكهولم قد يفهم لحد ما المخاطر التي تتعرض لها الثورة الآن؛ فإن الضحية يحن للجلاد، وأصبح قطاع عريض من المصريين يرى في أشخاص كعمر سليمان أو أحمد شفيق أو عمرو موسى أو غيرهم من بقايا النظام -الذي مات بعض أفضل من فينا ليسقطوه إلى الأبد- ما زال البعض بيننا يرى فيهم طوق النجاة مما تمر به مصر من وضع يعتبره البعض بداية انهيار؛ لكنه في الحقيقة وضع طبيعي بل تعتبر هذه المرحلة ناجحة إلى أبعد حد لو نظرنا لمستوى سيطرة الدولة بأجهزتها على أسباب الحياة في مصر من أمن، لتموين، لصحة، لتعليم.. لغيره من أوجه أنشطة الدولة، فضلا عن طريقة إدارتها الغارقة في المركزية الخانقة في السيطرة على أدق أمر من أمور الحياة تجعل البسطاء يظنون أنهم غير قادرين على إدارة دولتهم دون الاستعانة بمن أداروها لسنوات طويلة سابقة.
ولكن هذه النظرية المبدئية غير المتعمقة تفتقد لبعدين غاية في الأهمية:
أولهم: أن هذه الدولة أديرت ولو بطريقة بدائية لشهرين كاملين بعد انتهاء أحداث الثورة والدولة مشلولة إداريا تماما؛ فالأمن كان مفككا والقطاع الصحي كان يعمل بشكل عشوائي، ولم تحدث أزمات في إمدادات التموين والمواد الغذائية ولا الوقود، وبعض القصور الذي ظهر لا يتناسب أبدا مع الفارق الشاسع بين الإدارة الشعبية الكاملة للبلاد لمدة شهر ونصف تقريبا، وهي بالتحديد من نهاية فعاليات الثورة وإخلاء الميادين حتى تاريخ الاستفتاء على التعديلات الدستورية؛ وبعد هذا التاريخ عادت دواوين الدولة للعمل ولكن بطريقة جهنمية حيث توحي أنها غير قادرة على القيام بمهماتها على الوجه الأمثل لحالة الانفلات الموجودة في البلاد!
وهنا نتحدث عن البعد الثاني: وهو تعمد إفساد كل أسباب الحياة على مستوى الفرد والمجتمع بما يوحي بالقلق الشديد للبسطاء؛ فعلى سبيل المثال بدأ ملف الانفلات الأمني بشكل مفاجئ وكانت باكورته مشاجرة بحي دار السلام تستمر ليلة كاملة بين عائلتين كبيرتين مع استغاثات متكررة، وتحاول الشرطة التدخل بعد فترة طويلة ثم تنسحب سريعا بدعوى فشلها في السيطرة على الوضع ثم تدخل محدود من قوات الجيش لا ينهي المشاجرة ولكنه يعطي الانطباع بعدم وجود سيطرة أمنية من ناحية ويفتح الباب للمجرمين لإظهار إجرامهم دون خوف من تعقب أو محاسبة.
ودليل افتعال الملف الأمني هو تعاقب الجرائم المتشابهة بين الحين والآخر؛ وأن من يديرون هذا الملف كانوا ينفذون الفصل كاملا من كتاب أعدوه مسبقا لإظهار الانفلات الأمني قبل الانتقال لفصل آخر، فمثلا جرائم خطف متتالية ثم تنتهي لتبدأ مجموعة جرائم سرقة سيارات على الطرق متتالية أيضا، لتنتهي لتبدأ سلسلة جرائم سطو مسلح وهكذا.. مجموعات متتالية من الجرائم المتشابهة وكأن الغرض كان إحداث ضجة بتكرار وقوع الجرائم ليستشعر الأفراد والمجتمعات الافتقاد للأمن، وما كان في الملف الأمني تكرر في عدة ملفات حتى كان ذروته في أزمة الوقود التي لم تحدث وقت اختفاء أجهزة الدولة كاملة، ناهيك عن ارتفاع الأسعار غير المبرر، وهكذا..
فتم الدفع بالمجتمع للشعور بالحنين لجلاده مرة أخرى! بحثا عن حياة آمنة خالية من القلق المستمر من السير في الشارع وضعف الأمن ونفاد وقود السيارة أو نفاد المواد التموينية أو من عدم وجود مرتبات بعد فترة أو من وقوع نزاعات طائفية أو أهلية أو من طول أمد الأزمة السياسية أو من عدم وضوح الرؤية عن غالبية المصريين هل تصبح الدولة إسلامية أم علمانية؟ هل الإخوان أفضل أم العلمانيين أم الليبراليين أم الاشتراكيين؟ من هم الأناركيين؟ متى ستحترق مصر؟
دوامة من المشاكل تقع على رأس مجتمع لم يتخذ قرارا واحدا بقناعاته على مدار ستون عاما على الأقل؛ فمن الطبيعي أن يشعر غالبية المصريين بالخوف والقلق –وهذا يعد نجاح لمن يحاول إعادة عقارب الساعة للوراء- وأصبح من ضمن المرشحين الأقوياء لرئاسة مصر بعد الثورة وجوه ممن انتفض المصريون وثاروا عليهم وفقدوا في سبيل ذلك أطهر وأشرف وأنبل أبنائهم.
وحقيقةً إن لم يجتهد كل من ثار على النظام السابق بكل عزم وتصميم على حرمان رموز النظام السابق والطفيليين من قيادة البلاد.. لعُدنا لوضع ما كنا نتخيله يوم تركنا الميادين ورجعنا لبيوتنا نحلم بالحرية والكرامة.
أدركوا اللحظة الفارقة لنحيا كراما في دولة محترمة وشعب مصون.
اقرأ المزيد : رابطة النهضة والإصلاح. متلازمة "النظم القمعية"
http://www.nahdaislah.com
إنهـا مرض نفسي يسمى "متلازمة ستكهولم"..!!
ولكنها قد تسمى في حالتنا تلك: متلازمة "النظم القمعية"..
عافانا الله وإياكم!
-----.
متلازمة "النظم القمعية"
الخميس 20 جمادى الأولى 1433 هـ - 12 أبريل 2012 م
الكاتب: محمود الغمراوي محمد.
عندما يقع الإنسان ضحية تحت سيطرة غيره؛ سيطرة تمنعه من القدرة على فعل أو قول ما يريد فإنه تلقائيا يبحث في الجاني عن أي إشارة ولو كاذبة، تعطيه إحساس بالاطمئنان لهذا الجاني المعتدي.
وكلما زاد أمد سيطرة الجاني على الضحية تقبلت الضحية لفكرة خضوعها للجاني، وقد يتطور الأمر عن مجرد الشعور بتقبل الجاني إلى محاولة إرضائه، وقد يتطور الأمر لحمايته وإنكار أنه قام باضطهاد المجني عليه، وهذه الحالة المرضية تنتشر بين الأبناء الذين ينشئون في أسر تعتمد العنف من وسائل التربية، وإن كان البعض يرد هذه المشاعر لطبيعة العلاقات الأسرية وحقوق الآباء والأمهات على الأبناء وما إلى ذلك، ولكن الواقع يشهد بوقوع عدد من حالات خضوع الضحية للجاني بشكل مرضي حاد جدا؛ وقد تجسدت هذه المأساة في واقعة سميت بمتلازما ستوكهولم، وهي واقعة حقيقية حدثت في السويد عام 1973 بمدينة ستوكهولم، حيث سطا عدد من اللصوص على بنك يسمى "كريديتبانكين" واتخذوا عددا من موظفي البنك كرهائن و استمرت عملية احتجاز اللصوص للرهائن ستة أيام كاملة.
وكانت المفاجأة أنه بعد تحرير الرهائن قام بعضهم بالدفاع عن الجناة بل وحدثت بعض الارتباطات العاطفية بين عدد من الضحايا وبعض المختطفين لهم! وتتجلى صورة هذه الحالة المرضية بين محترفي البغاء من فتيات ليل وقوادين يمارسون على الفتيات كل ألوان العنف العاطفي والجسدي والنفسي، و مع ذلك نادر ما تترك فتاة ما القواد الذي يحميها ليبتزها ويستغلها في آن واحد.
وطبعا الشعوب التي تقع تحت قبضة حكم ديكتاتوري هي أوضح مثال لهذا المرض الذي أطلق عليه علماء الطب النفسي متلازمة ستوكهولم، ومصر كدولة عريقة في الديكتاتورية وحكم الفرد –حتى أن أحدهم أطلق عليها أقدم ديكتاتورية في التاريخ– وقع شعبها فريسة كل أنواع الحكم القمعي البوليسي الناهب للثروات، ومع طبيعة مصر التي تجبر شعبها على الاستقرار بجوار النيل في واد ضيق، ويعمل غالبية سكانه في مهنة واحدة وهي زراعة الأرض؛ وهذا الوضع الإجباري: أعطى الحاكم المصري ميزة عظيمة لم تتوفر لكثير من الحكام على مر التاريخ في أغلب البلاد، فمنذ حكم الفراعنة وملك مصر هو صاحب الماء والأرض وعلى الشعب أن يقدم له جزءا من محصول الأرض التي يزرعها، وكان خضوع قاطني الأرض وزارعيها للفرعون –حاكم مصر- خضوعا مرضيا؛ ويتذكر أغلبنا قصة بني إسرائيل في مصر، وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابة الكريم في عدد كبير من السور، وكيف تمسك فرعون مصر ببني إسرائيل ليعملوا ويقدموا ثمرة أعمالهم له مع استحلاله أعراضهم وتقتيل أبنائهم، وقد وصف رب العلمين حالهم قبل خروجهم من مصر في سورة القصص بقوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)، وكذلك في سورة البقرة بقوله تعالى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ).
فلما أنجاهم الله من الذل والهوان وأنزل عليهم طعاما من السماء، فما كان منهم إلا أن تاقت نفوسهم لما كانوا فيه، ويصف ربنا هذا المشهد في سورة البقرة بقوله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا، قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكم مَاسَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ).
إذا هي سنة المجتمعات التي تقع تحت الحكم القمعي الظالم لفترات طويلة حتى إنها لا تستعذب الحياة بدون هذا الحكم؛ فهو كان يفكر لها ويقرر لها ويقوم بالتنفيذ مستغلا لها، وتكتفي هذه المجتمعات بما يسمح به لها ذاك النظام الديكتاتوري الظالم من أسباب الحياة، وقد اعتادت هذه المجتمعات على هذه الحياة وتقبلتها، ولا يعني تململها بين الحين والآخر أنها مستعدة للتغيير أو التخلص من قبضة حكامها.
وقد رأينا في قضية بنك "كريدتبانكين" بالسويد في التاريخ المعاصر ومن التاريخ القديم كيف أن الضحية تمسك بمن ظلمه مرة بشكل عاطفي كقضية البنك ومرة بطريقة معيشته كبني إسرائيل.
ومن ينظر للوضع في مصر من منظور مرض متلازمة ستوكهولم قد يفهم لحد ما المخاطر التي تتعرض لها الثورة الآن؛ فإن الضحية يحن للجلاد، وأصبح قطاع عريض من المصريين يرى في أشخاص كعمر سليمان أو أحمد شفيق أو عمرو موسى أو غيرهم من بقايا النظام -الذي مات بعض أفضل من فينا ليسقطوه إلى الأبد- ما زال البعض بيننا يرى فيهم طوق النجاة مما تمر به مصر من وضع يعتبره البعض بداية انهيار؛ لكنه في الحقيقة وضع طبيعي بل تعتبر هذه المرحلة ناجحة إلى أبعد حد لو نظرنا لمستوى سيطرة الدولة بأجهزتها على أسباب الحياة في مصر من أمن، لتموين، لصحة، لتعليم.. لغيره من أوجه أنشطة الدولة، فضلا عن طريقة إدارتها الغارقة في المركزية الخانقة في السيطرة على أدق أمر من أمور الحياة تجعل البسطاء يظنون أنهم غير قادرين على إدارة دولتهم دون الاستعانة بمن أداروها لسنوات طويلة سابقة.
ولكن هذه النظرية المبدئية غير المتعمقة تفتقد لبعدين غاية في الأهمية:
أولهم: أن هذه الدولة أديرت ولو بطريقة بدائية لشهرين كاملين بعد انتهاء أحداث الثورة والدولة مشلولة إداريا تماما؛ فالأمن كان مفككا والقطاع الصحي كان يعمل بشكل عشوائي، ولم تحدث أزمات في إمدادات التموين والمواد الغذائية ولا الوقود، وبعض القصور الذي ظهر لا يتناسب أبدا مع الفارق الشاسع بين الإدارة الشعبية الكاملة للبلاد لمدة شهر ونصف تقريبا، وهي بالتحديد من نهاية فعاليات الثورة وإخلاء الميادين حتى تاريخ الاستفتاء على التعديلات الدستورية؛ وبعد هذا التاريخ عادت دواوين الدولة للعمل ولكن بطريقة جهنمية حيث توحي أنها غير قادرة على القيام بمهماتها على الوجه الأمثل لحالة الانفلات الموجودة في البلاد!
وهنا نتحدث عن البعد الثاني: وهو تعمد إفساد كل أسباب الحياة على مستوى الفرد والمجتمع بما يوحي بالقلق الشديد للبسطاء؛ فعلى سبيل المثال بدأ ملف الانفلات الأمني بشكل مفاجئ وكانت باكورته مشاجرة بحي دار السلام تستمر ليلة كاملة بين عائلتين كبيرتين مع استغاثات متكررة، وتحاول الشرطة التدخل بعد فترة طويلة ثم تنسحب سريعا بدعوى فشلها في السيطرة على الوضع ثم تدخل محدود من قوات الجيش لا ينهي المشاجرة ولكنه يعطي الانطباع بعدم وجود سيطرة أمنية من ناحية ويفتح الباب للمجرمين لإظهار إجرامهم دون خوف من تعقب أو محاسبة.
ودليل افتعال الملف الأمني هو تعاقب الجرائم المتشابهة بين الحين والآخر؛ وأن من يديرون هذا الملف كانوا ينفذون الفصل كاملا من كتاب أعدوه مسبقا لإظهار الانفلات الأمني قبل الانتقال لفصل آخر، فمثلا جرائم خطف متتالية ثم تنتهي لتبدأ مجموعة جرائم سرقة سيارات على الطرق متتالية أيضا، لتنتهي لتبدأ سلسلة جرائم سطو مسلح وهكذا.. مجموعات متتالية من الجرائم المتشابهة وكأن الغرض كان إحداث ضجة بتكرار وقوع الجرائم ليستشعر الأفراد والمجتمعات الافتقاد للأمن، وما كان في الملف الأمني تكرر في عدة ملفات حتى كان ذروته في أزمة الوقود التي لم تحدث وقت اختفاء أجهزة الدولة كاملة، ناهيك عن ارتفاع الأسعار غير المبرر، وهكذا..
فتم الدفع بالمجتمع للشعور بالحنين لجلاده مرة أخرى! بحثا عن حياة آمنة خالية من القلق المستمر من السير في الشارع وضعف الأمن ونفاد وقود السيارة أو نفاد المواد التموينية أو من عدم وجود مرتبات بعد فترة أو من وقوع نزاعات طائفية أو أهلية أو من طول أمد الأزمة السياسية أو من عدم وضوح الرؤية عن غالبية المصريين هل تصبح الدولة إسلامية أم علمانية؟ هل الإخوان أفضل أم العلمانيين أم الليبراليين أم الاشتراكيين؟ من هم الأناركيين؟ متى ستحترق مصر؟
دوامة من المشاكل تقع على رأس مجتمع لم يتخذ قرارا واحدا بقناعاته على مدار ستون عاما على الأقل؛ فمن الطبيعي أن يشعر غالبية المصريين بالخوف والقلق –وهذا يعد نجاح لمن يحاول إعادة عقارب الساعة للوراء- وأصبح من ضمن المرشحين الأقوياء لرئاسة مصر بعد الثورة وجوه ممن انتفض المصريون وثاروا عليهم وفقدوا في سبيل ذلك أطهر وأشرف وأنبل أبنائهم.
وحقيقةً إن لم يجتهد كل من ثار على النظام السابق بكل عزم وتصميم على حرمان رموز النظام السابق والطفيليين من قيادة البلاد.. لعُدنا لوضع ما كنا نتخيله يوم تركنا الميادين ورجعنا لبيوتنا نحلم بالحرية والكرامة.
أدركوا اللحظة الفارقة لنحيا كراما في دولة محترمة وشعب مصون.
اقرأ المزيد : رابطة النهضة والإصلاح. متلازمة "النظم القمعية"
http://www.nahdaislah.com