المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هــي أيــضا عـقـول مـهـاجـرة



حاتــم
12-10-2005, 12:34 AM
هــي أيــضا عـقـول مـهـاجـرة!!!


أستشعر حسرة شديدة على هجرة عقول هذه الأمة، أقول "هجرة عقول"ولكن ليس بالمعنى المتداول في كتاباتنا وأجهزتنا الإعلامية التي تحسب أن هذه الهجرة مقتصرة على شخوص ذوي شهادات أكاديمية لم يوفر لهم بلدهم العربي موقع عمل أو مناخ الحرية، فهاجروا إلى الغرب، أجل هذه بلا ريب خسارة فادحة، لكن الأفدح منها في تقديري هو أن ثمة عقولا أخرى مهاجرة وإن استبطنت جماجم وأجسادا تطأ أرضا عربية إسلامية، أقصد عقولا تفكر بمنطق الغرب وتستسيغ ذوقه، لأن هذا النمط من العقول هو أيضا تضييع لطاقات التفكير عندنا، لأنها عقول لا تفكر ولا تبدع، بل يفكر لها الغرب ويملي عليها، ومن ثم فهي عندما تقارب مشكلة من مشكلات واقعنا فهي تقاربها بمعالجات مستوردة لا تنسجم مع خصوصيتنا. لذا أولى بنا ألا نعالج إشكالية "هجرة العقول"بمعايير الجغرافيا فقط بل لابد من استحضار معيار الفكر، فنتساءل عن طبيعة المنهج الفكري الذي يحكم هذه العقول المغتربة رغم أنها موجودة في أوطانها.

لقد ساد عقل النخبة المثقفة في العالم الإسلامي منذ نشأتها الحديثة في بداية القرن الميلادي الماضي منطق التبعية والإمعية، حتى أصبحت تقاليد الوسط الفكري عندنا شبيهة بتقاليد دور الأزياء في تقلبها النزق وبحثها الدائم عن الجديد الغريب، ففي بداية القرن العشرين كان اللباس الثقافي الذي يناسب الموضة وقتئذ هو اللبرالية ومفاهيمها الفلسفية والقانونية، ولذا لم يكن الشخص "مثقفا"في نظر النخبة إلا إذا آمن بفردانية الشخص وحريته المطلقة، وخلع عن نفسه قيود الأخلاق وثار على التقاليد الموروثة. ثم امتدت في منتصف القرن موجة الماركسية، وشاعت مفاهيم "الجماعية"بدل "الفردانية"، والتأميم والاشتراك في مقدرات المجتمع وثرواته بدل "الملكية الخاصة"، واختزلت الحقيقة الفلسفية في المادة الصماء، وبجرة قلم ألغيت الأبعاد المعنوية والدينية من حياة الإنسان، إذ أصبحت مجرد خرافة متجاوزة، وهكذا أخذت تلتمع في صحفنا ومنتدياتنا أسماء لينين وينبغي أن تؤخذ أفكارهم وأفعالهم بالتسليم والانقياد، لا بشر مثل باقي خلق الله يجب أن تؤخذ أفكارهم وسلوكاتهم بالتفكير والإنتقاد.

ومع انتهاء عقد السبعينات أخذت الموضة الفكرية في التبدل إلى نقيض الماركسية، حيث انتشرت "فلسفة"البنيوية القائلة بـ "الثبات" و"النسقية" و"العلائقية" على مستوى الرؤية المنهجية، ضد مفاهيم الجدلية والتطور والنفي، التي كانت الماركسية تقول بها، فأخذ المشهد الثقافي عندنا يسرع في تبديل ولائه وأسماء "أنبيائه"، فشاعت أسماء دي سوسير ورولان بارت ومشيل فوكو وليفي ستروس.

واليوم مع تصاعد فلسفة "الاختلاف" أصبح مثقفنا أيضا من دعاة التفكيك والاختلاف، ويسوغ لتقليده الفج هذا بالقول ان "الاختلاف" موقف فلسفي يقبل بالخصوصية والتميز، وهكذا لا نجتهد في الإبداع بل نجتهد في تسويغ التقليد والإتباع.

والغريب أن مثقفنا الحداثي سليط اللسان حين يتعلق الأمر بحضارته وتراثه، لكنه ذليل مطيع حين يتعلق الأمر بتراث الغرب وعطاءات مفكريه، فهو مشدود ببلاهة برقاص الزمن وعقارب التاريخ، لذا تجده يرفض كل تراثه الثقافي الإسلامي، ويدعو إلى اتباع الغرب وآخر تقليعاته لكي يكون معاصرا حاضرا في زمانه، إذ يفهم المعاصرة الحضارية تزامنا شبيها بتزامن أجهزة الساعات، فيفضل لواقعنا الفكري أن يمتلئ بالحديث النزق عن "التفكيك" و"اللامعقول" و"فلسفة موت الإنسان"، ويزدان بأسماء نيتشه ودولوز ودريدا، ويحسب بذلك أننا قد تعاصرنا وارتقينا إلى مستوى الزمن الثقافي الراهن. ومثلما تجهل هذه النخبة المتعالمة أن لكل حضارة منطقها الفكري الخاص بها وعقلانيتها المتميزة، تجهل أيضا أن الغرب لم ينتقد العقل والعقلانية إلا بعد أن تمكن منها ومارسها وبنى حضارة على قوائم العقلنة. فكان نقد الغرب للعقلانية نقدا لشيء هو أصلا موجود لديه. والبعض هنا تماشيا مع تقليد آخر موضة، يريد اللامعقول، وتفكيك العقل وتدميره مع أنه ابتداء مستثنى من حياتنا أو على أقل تقدير مهمش فيها.

والواقع أن الاتباع الساذج للآخر يغرق واقعنا في مشاكل وهمية. فإذا كان فوكو "يبشر" بموت الإنسان في كتابه "الكلمات والأشياء"، فنحن بالأحرى بحاجة إلى إحيائه، وإذا أكد جاك دريدا على تفكيك الهوية وتدميرها فنحن كعالم عربي وإسلامي أحوج ما نكون إلى توحيد الهوية ولم شتات الذات، ولكنها للأسف عقلية التقليد والتبعية الساذجة التي تحكم وعي النخبة في علاقتها مع نتاجات الفكر الغربي فتجعلها تأخذ بلا تبصر ولا وعي ولا قراءة نقدية.

بل الغريب في الأمر أن الرموز الفكرية الكبيرة أيضا نجدها تعيش باستمرار تحت سكرة الموضة الفكرية، فهي إن أرادت تبديل ولاء فكري لفلسفة غربية، لا تفعل إلا لتنقل ولاءها إلى فلسفة أخرى من داخل النسق الثقافي الغربي، وهكذا يظل عقل النخبة عقلاً إمعياً مستلباً.

لنستمع إلى الدكتور هاشم صالح، أحد النماذج المعاصرة في نخبتنا المثقفة كيف استفاق من وهمه، ليعلن رفضه لفلسفة "ما بعد الحداثة"وتحرره منها في شجاعة أدبية نادرة، وهو سعيد بهذا الاكتشاف والحرية، ولكنها في الحقيقة حرية زائفة، لأنه لم يفعل إلا نقل ولائه من فلسفة مابعد الحداثة إلى ما قبلها.

يقول د.هاشم صالح: "أعترف بأنني أمضيت أكثر من عشرة أعوام في أوروبا (فرنسا تحديدا) لكي أفهم أني أضيع وقتي في الحديث عن مشيل فوكو وجاك دريدا وجيل دولوز، ومشاكل الحداثة وما بعد الحداثة... أكثر من عشر سنوات كانت ضرورية لكي أفهم أني معاصر لأناس القرن السابع عشر بدءا من ديكارت وسبينوزا، وأناس عصر التنوير من أمثال روسو، وديدرو، وفولتير، ودالامبير، أكثر مما أنا معاصر لمفكري فرنسا والغرب الحاليين، ولا أشعر بأي حرج أو انزعاج إذ أصرح بذلك، على العكس أشعر بسعادة غامرة بعدما اكتشفت موقعي. واستغربت كيف أمضيت كل تلك السنين في البحث عن مشاكل وهمية تخص المجتمع الفرنسي الحالي، ولا تخص مجتمعاتنا العربية الإسلامية إلا من بعيد البعيد".

والمفارقة أن الدكتور هاشم صالح نشر كلامه هذا في مقالة موسومة بعنوان "حول مفهوم الحس التاريخي" وهنا أتساءل أي حس تاريخي هذا الذي يجعل صاحبه لا يحس بخصوصية واقعه وحضارته، ولا ينصت لحقيقة تاريخ أمته؟ وأي حس تاريخي هذا الذي يجعل صاحبه يحتاج إلى أن يضيع عشر سنوات، ليس لكي يدرك أنه يضيع وقته في غير ما نفع بالحديث عن مشكلات ما بعد الحداثة لأنها تخص مجتمع الفرنسي والغربي ولا تخص مجتمعاتنا، بل لكي يسقط في مزلق آخر أقبح من سابقه وهو الاعتقاد بأن ما يخص مجتمعاتنا نحن هي مشكلات المجتمع الفرنسي في القرنين السابع عشر والثامن عشر؟!!!!

د. هشام عزمي
12-10-2005, 01:39 AM
لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع ...
صدق الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى .

Takhinen
12-10-2005, 05:39 PM
عزيزي حاتم
اولا لا يسعني الا ان ارحب بمشاركتك الاخيره وخاصة بعد طول انقطاع , ومع ذلك اسمح لي ان اتناول موضوعك من وجهة نظر الاخر


لكن الأفدح منها في تقديري هو أن ثمة عقولا أخرى مهاجرة وإن استبطنت جماجم وأجسادا تطأ أرضا عربية إسلامية، أقصد عقولا تفكر بمنطق الغرب وتستسيغ ذوقه، لأن هذا النمط من العقول هو أيضا تضييع لطاقات التفكير عندنا،
عزيزي حاتم , الا ترى معي ان التنوع هو سنه كونيه لا تمت الى الرغبات الذاتيه او التحسرات الوقتيه على الاختلاف مع الاخر
ومتى كان اي مجتمع ما متوحد في اعراضه رغم اشتراكه في جوهره
اذا كان البعض ينظر الى ما يطلق عليهم بالمرسلين - ينظر اليهم بنوع من القداسه الذي يستبدل قداسة الفكره - فالعيب في البعض وليس في الاخر الذي يعيهم كفكر ينشا نتيجة للوسط المعاش في انه ..
ومن خلال هذه النظره يصبح التمسك بالمبنى والمظهر هو اسر للعقل وتقوقع على الذات وسكر بدون خمر وتغييب للعقل
هم كانوا رجالا مفكرين ونحن كذلك
كانت لهم ظروفهم وتفاعلاتهم مع وسطهم ونحن كذلك , لكن الحال في الان ليس كما هو في الماضي التليد
غيرنا يتعلم الهندسه والطب والفلك ويصنع السياره والطائره وينتج فكرا يكون كاشفا لطريق المستفبل
فهل بحجة الذاتيه ( ولا اقول العنصريه *) يجب ان نلفظ الهندسه والفلك والرياضيات وعلوم الذره وصنع السيارات والطائرات(عندما يمكن ) بدعوى الاغتراب والانحصار في بوتقة تفكير السلف المبدع في حينه
يؤلمني ويحزنني كثيرا , ان ارى من يركب الطائره والسياره وينظر الى التلفزيون وما الى ذلك من مخترعات وابداعات بشريه ثم يقول بان الاخر كله ضلال لان فكره لا يتوافق مع فكر احد اجدادنا العظماء
ايكون الانغلاق الفكري هو المقياس لعدم الاغتراب
لا استطيع ان استوعب ذلك وارثي لزملائي الذين يتوقف تفكيرهم عند وحدانية الابداع المنصرم
وان كان لنا فيهم عبره - ان نكون مثلهم اصحاب فكر متجدد يستقي مصادره من كل ما ابدعته البشريه دون خوف .
صحيح ان هناك بعض الحداثيين المقلدين الذين لا يراعوا ظروفا او مستوى للجماعه - وهم بعاطفتهم لا بعقولهم يعتقدوا ان النسخ الكلي يؤدي الى التشابه الكلي مع الاخر
لكن الوسط المعاش وللاسف يبتعد كثيرا عن وسط المنتج الفكري المتقدم عتد الاخر
فما هو الحل ؟
ليس هذا ولا ذاك
ان كنا لانستطيع ان نستخدم سياره عندما لا تكون هناك طرق معبده فالاولى ان ان نستخدم ما يتلائم مع ظروفنا ونعبد الطرق ونصنع السيارات مثلا , لا ان نكتفي بالدواب - اجلكم الله
ثم ان هناك امر في غاية الاهميه - الا وهو
ان معظم العقول الانسانيه تجريبيه ... وهذا يبدا مع الطفل منذ ولادته اثناء تعرفه على وسطه المحيط
من هنا لا يمكن الا ان نتفهم من جرب ويجرب في الصناعه الماديه او الابداع الفكري
ونادرا ما يبرز الوسط عبقريه من الوزن الثقيل - وخاصة عندما لا تكتمل المقومات لذلك
فهي كالثمره التي تنضج في حينها
لذلك لا ارى الهجوم على فكر الاخر الا من قبيل التشبث بالفكر الذاتي الذي بان بانه لا يسمن ولا يغني عن جوع
ثم هناك امر اخر
اذا كانت الافكار العقليه هي المحرك للبنائيه القديمه في المجتمع , فان الحال قد تغير ! الا تلاحظوا ذلك ؟
لم يعد مهما ما هو دينك او ايمانك لان ذلك لا يقدم ولا يؤخر في صناعة كرسي او طاوله سياره او طائره
لقد انقلب المحرك الاجتماعي من التفكير في الموضوع الميتافيزيقي الى التفكير في الموضوع المادي المحسوس والملموس من اجل اعادة التشكيل للوسط وامتلاءاته
واعتقد ان نظره سريعه لتاريخ الفكر الانساني تدلل على ما للتغير من تاثير في الامساك بالخيط الذي يوصل الى استخدام الفكره كموجه ودليل للخطوات اللاحقه وليس لاجترار خطوات واشواط مقطوعه

لكن وللاسف فان التمسك بالثبات ينبع اصلا من الفكره التي تجتاح الرؤوس في معانده لواقع معاش
بعضهم ضد التغير , بدعوى المحافظه على نقاوة فكره متخيله تريد العوده الى الماضي ولا تشد الرحال نحو المستقبل

ومع ذلك فانا احزن عندما ارى عقولا جماعيه لا تستطيع ان تكون موضوعيه تجاه الذات كما هي تجاه الاخر في نقد ما هو قديم وانساني ومتغير فيما يعتقده ثابت وقطعي والهي
هو ليس كذلك عند الاخر اما عند الذات فيختلف - وتلك تسبب الحسره على الجهد الضائع


تحياتي لك

مجدي
12-10-2005, 06:17 PM
الزميل Takhinen
لم يقصد حاتم التطور العلمي . لان التطور العلمي لا يعرف معنى الثقافة وانما يعرف العلم والتعلم والتجريب .
فصنع الطائرة او السيارة ليست بالامر الذي يعجز ثقافة دون اخرى انها بحاجة لمجهود مادي وعلمي .
لعلك تعرف ان الوجهة الحديثة للتصنيع تقوم على اساس استخدام المصانع في الدول الفقيرة . وأكبر مثال على ذلك تصنيع الولايات المتحدة لمعظم الاجهزة المنزلية والحاسبات في الصين .
الخلط بين مفهوم التطور العلمي والتقدم الفكري امر دارج في اواسط المغربين , فتراهم للاسف يريدوا نقل الثقافة الغربية ولا ينقلوا العلم الغربي والتكنلوجيا الغربية.
فهل سمعت بأحد من هؤلاء نقل لقومه التكنلوجيا والتطور وليس العري .
وحتى انه من المفارقات الغريبة ان دعاة التغريب يدعون الى اعمال المرأة ولا ينظرون الى البطالة المتفشية بالرجال أصلا !!!!
ينقلوا الاختلاط واللبس الفاضح ولا ينقلوا الالتزام بالمواعيد والدقة والرقابة والتزام القوانين .
هذا كله وللاسف يدعوك للتأمل : ماذا يريد هؤلاء.