ابن عبد البر الصغير
06-24-2012, 10:54 PM
" رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" - له ذكر في بعض كتب السنة وهو ضعيف- كلمة قالها ملك المغرب محمد الخامس رحمه الله بعد حصول المغرب على استقلاله ودحره للاستعمارين الفرنسي والإسباني ورجوعه من المنفى، وكان هذا الملك فقيها مكوناً تكوينا شرعيا متينا، فقصد بالجهاد الأكبر إعادة النهوض بالدولة المغربية العريقة وترسيخ القيم الإسلامية ودحر فلول الاستعمار.
لكن هذا الملك رحمه الله لم يستطع التغلب على الفلول حتى مماته المفاجئ وعمل الغرب على استبدال النخب وتيسير المسائل عليهم، حتى أصبحوا في ظل حكم حفيده - الملك محمد السادس -متنفذين إلى أقصى درجة، كامنين في جذور الدولة .
وأراد مالك الملك عز وجل أن يعز أقواما ويذل آخرين فجاءت الثورات، واهتزت الأركان، وبدأت الزلازل فتتابع سقوط الطغاة والجبابرة بما يعرف " بالربيع العربي " وصُدم الغرب مع فلوله، وبدأ كل حاكم يخشى على نفسه الثورة، فصعد الإسلاميون في المغرب وتونس ومصر، في سابقة فريدة من نوعها حيث أن الأحزاب الإسلامية كان مضيقا عليها من طرف هذه الدول، فيتبادر بذلك سؤال إلى الذهن يقول أين هذا الغرب بمخابراته وفلوله ؟ أيُعقل أن يفرط في مصالحه بهذه السهولة ويستسلم ويسمح للإسلاميين بالصعود ليعيدوا دولة الرشاد التي حكمت العالم قرونا ؟؟
الجواب ببساطة هو "نعم سيسمح للإسلاميين بالصعود ولكن.."، هذا هو شعار المرحلة، وهي سياسة جديدة للغرب في تعامله مع البلدان العربية الأقوى وذلك بـ :
* السماح للإسلاميين بالصعود ومجاراة كل واحد منهم على حدة، لإرغامهم على تقديم تنازلات تعرقل مسيرتهم الإصلاحية المنشودة، فـ :
- إن كان الرئيس إسلاميا فالحكومة لن تكون خالصة للإسلاميين، بل سيكون فيها بعض العلمانيين والليبرالين والاشتراكيين، لكن كيف سيكون ذلك ؟ ببساطة عبر عدم منحهم الأغلبية المنشودة في البرلمانات ومجالس الشعب وكل هيأة تشريعية قانونية في الدولة، وهذا الذي حصل في المغرب، حيث اضطر حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى التحالف مع أحزاب ليبرالية ليضمن الغالبية التشريعية لتسهيل الإصلاح، فاغتنمت هذه الأحزاب الفرصة وبدؤوا يفاوضونه على حقائب وزارية هامة وإلا فلا ... وطبعاً لن توافق أحزاب الأغلبية ذات التوجهات العلمانية والليبرالية بعد ذلك على عدة برامج إسلامية المنهج والمنطق، وسيكون الشعار هو : " لنتعاون فيما هو مشترك بيننا ولنترك الخلاف من أجل صالح المغرب " وكان هذا أول تنازل قاصم لمسيرة للإصلاح.
- إن كانت الحكومة إسلامية - عبر غالبية في البرلمان- فالرئيس لن يكون إسلاميا قطعاً : بل سوف يكون رئيسا علمانيا خالصا أو ليبراليا يقيد أيدي الحكومة الإسلامية، لا تقولوا له شريعة أو سنحكم بجزء منها بل لن يوافق على برنامج يعارض الليبرالية والعلمانية، وهذا الحاصل في تونس وسوف يكون الشعار مرة أخرى " لنتعاون فيما هو مشترك بيننا ولنترك الخلاف جانباً من أجل صالح تونس "، .. وهذا تنازل قاصم سيعطل مسيرة الإصلاح .
- أما في الحالة المصرية فقد تبعثرت الأوراق، كان شفيق هو الرئيس القادم لإعادة سيناريو تونس، والإسلاميون هم الغالبية في مجلس الشعب وغيره، لكن الناس لم تهدأ ويهددون بثورة لان المرشح المرتضى في مصر هو من الفلول - وهو الخطأ القاصم الذي ارتكبه الغرب في مصر - فلم يبحثوا عن معارض علماني كان مغضوبا عليه من طرف مبارك كما هو الحال في تونس ، وكان الأسلم ترك الإسلاميين في الرئاسة، لكن المشكلة في حصولهم على أغلبية في المؤسسات التشريعية ؟ إذن الحل في الحل، حلُُ مجلس الشعب وتنظيم انتخابات أخرى سيحصل فيها الليبراليون والعلمانيون على الأغلبية، وسيتكرر السيناريو المغربي، فالرئيس إسلامي ولكن عددا من وزرائه ليسوا إسلاميين والتحالف سيقودنا إلى شعار " لنتعاون فيما هو مشترك بيننا ولنترك الخلاف جانباً من أجل صالح مصر" .
في كل الحالات ستكون الحكومة "نصف ملتحية" وبالتالي تعطل الإصلاح المنشود، وذلك عبر إلصاق بعض المخلصين للفلول أو للغرب في طاقم الحكومة، في مراكز الظل، وهو ما يُعرف في السياسة بـ " حكومة الظل" وسيشمل ذلك هذه المراكز - كلها أو جلها أو بعضها- :
- المستشارون، المساعدون، كتاب الدولة، الوزراء المنتدبون لدى الوزارات، الولاة، العمال ، المحافظون ، العمداء، الموظفون السامون والمؤثرون في مختلف قطاعات الدولة.
وسيكون بالتالي قطار الإصلاح أبطأ من السلحفاة، وسيتم التركيز في الإعلام كله على مشاكل المواطنين وقضايا الاقتصاد والخارجية وغيرها، في ظل هذه الأزمات المتعاقبة والضغوطات المتراكمة والفلول التي تشتغل داخل الدولة وسيتم تصوير الإسلاميين على أنهم ليسوا رجال المرحلة ولا يصلحون لحكم ولا رياسة، وسيلمس المواطن هذا البطء في الإصلاح نظرا لمقاومة المفسدين وسيسقط الإسلاميون من عين المخيال الشعبي، وبعد أربع أو خمس سنوات، لن يحصل أي إسلامي على شيء وسيعود النظام العلماني الغربي حاكماً مرة أخرى.
هذا ببساطة ما أرى الغرب تبناه كإستراتيجية لإفشال تجربة الإسلاميين في الحكم، وعلى الإخوة التنبه إلى هذا السيناريو، عبر عدم تقديم تنازلات قاصمة ومحاربة الفساد ومحاولة اقتلاعه، فإن استطعتم ذلك فهنيئا لكم هذا الجهاد الأكبر وإنكم على الدرب سائرون، وإن تبين أن الفساد أكبر من أن يقضى عليه بهذه الوسائل فتقديم الاستقالة أسلم من التضحية بحب الشعب، واهتزاز الثقة بالمرشحين الإسلاميين، فالناس تحاكم المنهج وليس الأشخاص عادة . والله المستعان الموفق .
لكن هذا الملك رحمه الله لم يستطع التغلب على الفلول حتى مماته المفاجئ وعمل الغرب على استبدال النخب وتيسير المسائل عليهم، حتى أصبحوا في ظل حكم حفيده - الملك محمد السادس -متنفذين إلى أقصى درجة، كامنين في جذور الدولة .
وأراد مالك الملك عز وجل أن يعز أقواما ويذل آخرين فجاءت الثورات، واهتزت الأركان، وبدأت الزلازل فتتابع سقوط الطغاة والجبابرة بما يعرف " بالربيع العربي " وصُدم الغرب مع فلوله، وبدأ كل حاكم يخشى على نفسه الثورة، فصعد الإسلاميون في المغرب وتونس ومصر، في سابقة فريدة من نوعها حيث أن الأحزاب الإسلامية كان مضيقا عليها من طرف هذه الدول، فيتبادر بذلك سؤال إلى الذهن يقول أين هذا الغرب بمخابراته وفلوله ؟ أيُعقل أن يفرط في مصالحه بهذه السهولة ويستسلم ويسمح للإسلاميين بالصعود ليعيدوا دولة الرشاد التي حكمت العالم قرونا ؟؟
الجواب ببساطة هو "نعم سيسمح للإسلاميين بالصعود ولكن.."، هذا هو شعار المرحلة، وهي سياسة جديدة للغرب في تعامله مع البلدان العربية الأقوى وذلك بـ :
* السماح للإسلاميين بالصعود ومجاراة كل واحد منهم على حدة، لإرغامهم على تقديم تنازلات تعرقل مسيرتهم الإصلاحية المنشودة، فـ :
- إن كان الرئيس إسلاميا فالحكومة لن تكون خالصة للإسلاميين، بل سيكون فيها بعض العلمانيين والليبرالين والاشتراكيين، لكن كيف سيكون ذلك ؟ ببساطة عبر عدم منحهم الأغلبية المنشودة في البرلمانات ومجالس الشعب وكل هيأة تشريعية قانونية في الدولة، وهذا الذي حصل في المغرب، حيث اضطر حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى التحالف مع أحزاب ليبرالية ليضمن الغالبية التشريعية لتسهيل الإصلاح، فاغتنمت هذه الأحزاب الفرصة وبدؤوا يفاوضونه على حقائب وزارية هامة وإلا فلا ... وطبعاً لن توافق أحزاب الأغلبية ذات التوجهات العلمانية والليبرالية بعد ذلك على عدة برامج إسلامية المنهج والمنطق، وسيكون الشعار هو : " لنتعاون فيما هو مشترك بيننا ولنترك الخلاف من أجل صالح المغرب " وكان هذا أول تنازل قاصم لمسيرة للإصلاح.
- إن كانت الحكومة إسلامية - عبر غالبية في البرلمان- فالرئيس لن يكون إسلاميا قطعاً : بل سوف يكون رئيسا علمانيا خالصا أو ليبراليا يقيد أيدي الحكومة الإسلامية، لا تقولوا له شريعة أو سنحكم بجزء منها بل لن يوافق على برنامج يعارض الليبرالية والعلمانية، وهذا الحاصل في تونس وسوف يكون الشعار مرة أخرى " لنتعاون فيما هو مشترك بيننا ولنترك الخلاف جانباً من أجل صالح تونس "، .. وهذا تنازل قاصم سيعطل مسيرة الإصلاح .
- أما في الحالة المصرية فقد تبعثرت الأوراق، كان شفيق هو الرئيس القادم لإعادة سيناريو تونس، والإسلاميون هم الغالبية في مجلس الشعب وغيره، لكن الناس لم تهدأ ويهددون بثورة لان المرشح المرتضى في مصر هو من الفلول - وهو الخطأ القاصم الذي ارتكبه الغرب في مصر - فلم يبحثوا عن معارض علماني كان مغضوبا عليه من طرف مبارك كما هو الحال في تونس ، وكان الأسلم ترك الإسلاميين في الرئاسة، لكن المشكلة في حصولهم على أغلبية في المؤسسات التشريعية ؟ إذن الحل في الحل، حلُُ مجلس الشعب وتنظيم انتخابات أخرى سيحصل فيها الليبراليون والعلمانيون على الأغلبية، وسيتكرر السيناريو المغربي، فالرئيس إسلامي ولكن عددا من وزرائه ليسوا إسلاميين والتحالف سيقودنا إلى شعار " لنتعاون فيما هو مشترك بيننا ولنترك الخلاف جانباً من أجل صالح مصر" .
في كل الحالات ستكون الحكومة "نصف ملتحية" وبالتالي تعطل الإصلاح المنشود، وذلك عبر إلصاق بعض المخلصين للفلول أو للغرب في طاقم الحكومة، في مراكز الظل، وهو ما يُعرف في السياسة بـ " حكومة الظل" وسيشمل ذلك هذه المراكز - كلها أو جلها أو بعضها- :
- المستشارون، المساعدون، كتاب الدولة، الوزراء المنتدبون لدى الوزارات، الولاة، العمال ، المحافظون ، العمداء، الموظفون السامون والمؤثرون في مختلف قطاعات الدولة.
وسيكون بالتالي قطار الإصلاح أبطأ من السلحفاة، وسيتم التركيز في الإعلام كله على مشاكل المواطنين وقضايا الاقتصاد والخارجية وغيرها، في ظل هذه الأزمات المتعاقبة والضغوطات المتراكمة والفلول التي تشتغل داخل الدولة وسيتم تصوير الإسلاميين على أنهم ليسوا رجال المرحلة ولا يصلحون لحكم ولا رياسة، وسيلمس المواطن هذا البطء في الإصلاح نظرا لمقاومة المفسدين وسيسقط الإسلاميون من عين المخيال الشعبي، وبعد أربع أو خمس سنوات، لن يحصل أي إسلامي على شيء وسيعود النظام العلماني الغربي حاكماً مرة أخرى.
هذا ببساطة ما أرى الغرب تبناه كإستراتيجية لإفشال تجربة الإسلاميين في الحكم، وعلى الإخوة التنبه إلى هذا السيناريو، عبر عدم تقديم تنازلات قاصمة ومحاربة الفساد ومحاولة اقتلاعه، فإن استطعتم ذلك فهنيئا لكم هذا الجهاد الأكبر وإنكم على الدرب سائرون، وإن تبين أن الفساد أكبر من أن يقضى عليه بهذه الوسائل فتقديم الاستقالة أسلم من التضحية بحب الشعب، واهتزاز الثقة بالمرشحين الإسلاميين، فالناس تحاكم المنهج وليس الأشخاص عادة . والله المستعان الموفق .