AbuOmar
12-12-2005, 10:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
يعترض شهاب الدمشقي على حد الردة (كما هو الحال مع كل من يُشكك في الإسلام) ويضع بعض التساؤلات في مقالٍ له بعنوان "حد الردة.. لماذا؟" ويُورِد بعض التساؤلات حول هذا الموضوع.
يبدأ المقال بهذه المقدمة:
"من الحقائق المعروفة في علم الاجتماع دور الوسط الاجتماعي في اعتناق الانسان لفكرة ورفضه اخرى ، فمن ينشأ في بيئة لا تعرف عقيدة بعينها يصعب عليه ان يعتنق تلك العقيدة ، وان من ينشأ في بيئة تحكمها بقوة عقيدة معينة يصعب عليه ايضا ان يحيد عن حدود تلك العقيدة. اذا سلمنا بهذه الحقيقة جاز لنا ان نسأل : لماذا ُيكرَه الانسان على وضعية لم يكن له الخيار فيها اصلا ؟؟؟ لماذا يُحرم الانسان من حقه في اختيار دينه ؟؟؟
كلام علم الاجتماع عن تأثير الوسط الاجتماعي في العقيدة كلام سليم، ولكن شهاب الدمشقي يُغفل أيضاً أن التغيير الفكري الفردي والجماعي شيء واقعي، فالدمشقي كان مسلماً وأصبح لادينياً هو مثال للتغيير الفكر الفردي، وظهور النصرانية بين اليهود، وظهور المسلمون في بيئة وثنية نوع من التغير الفكري للمجتمع، إن الإنسان الذي ينشأ في بيئة لها عقيدة معيّنة، ويعتنق هذه العقيدة، يصعب عليه أن يحيد عن حدود تلك العقيدة، وهذا أمر صحيح ومقبول، لكنّ السبب هو ليس الإكراه، لأن معظم أفراد المجتمع هم ليسوا من الفلاسفة والمفكرين أو ممن يُصنَّفون كمثقّفين، ومن يدّعي أن الإنسان يجب أن يختار عقيدته عن دراسة وتمحيص (مثل المفكرين والفلاسفة) هو إنسان يعيش في "يوتوبيا" المدينة الفاضلة، وهو إنسان بعيد جداًً عن الواقع ويعيش في عالم الخيال.
إن السؤال العربي القديم "بِمَ سُدتَ قومك؟"هو سؤال يُلخّص سبب الرضا المجتمعي عن شخصٍ ما وقيادته لهم وتبنّي المجتمع لأفكاره، فتجربة المجتمع لرجاحة عقل هذا الشخص (بالإضافة لشجاعته وكرمه وأخلاقه) تؤدي إلى تقبّل الواقع الفكري الذي يعتنقه سيد القوم، أي أن الأفكار المَرضِي عنها في مُجتمع ما، هي نتيجة تجربة واقعية للمُجتمع قامت بتحريكه من واقع سلبي إلى واقع إيجابي (أو المُحافَظَة على واقعة الإيجابي) وليس فقط مجرّد أفكار تستند إلى المنطق، وفي الوقت الذي تفقد فيه الأفكار القدرة على المحافظة على الواقع الإيجابي الذي يعيشه المجتمع (أو تغيير الواقع من سلبي إلى إيجابي)، تخسر هذه الأفكار احترامها لدى المُجتمع مهما كانت منطقية، وانهيار روسيا دليل على ذلك.
أمّا بالنسبة لتساؤلات الدمشقي حول مدى عدالة حد الردة، فيُمكن تلخيصهما كالتالي:
إنسان وُلِدَ لأُسرة مسلمة في مجتمع مُسلم، هذا الإنسان لم يختر هذه الأسرة ولم يَختَر أن يُصبح مسلماً، لماذا إذاً يُقام عليه حد الردة (القتل) إذا بدّل دينه؟؟
هذا التساؤل يختص بقضية مجموعة واحدة من مجموعتين من المسلمين، مجموعة مارست تعاليم هذا الدين ورضيت به وتُدافع عنه، أو حتى ترفض استبداله، هي مجموعة لا تبدو أنها مُكرةٌ على الإسلام، كما أن هذه المجموعة بالذات تُمثّل الأغلبية في المجتمع الإسلامي، وخير دليل على ذلك التفوّق الشعبي الإسلامي في الانتخابات (على مستوى الدولة أو الجامعات أو استفتاءات تطبيق الشريعة).
أمّا المجموعة الثانية فهي غير مُقتنعة بالإسلام وترفضه كدِين أو فكر، وعدم القناعة هذه ناتجة عن أحد أمرين، إما تضارب مصالح هذا الفرد مع مبادئ الدين الإسلامي (وقصة عمر بن الخطاب مع أحد وُلاتُه في الحج مثال على ذلك)، أو عن طريق العقل والفكر كما يقول الملحدون واللادينيون عموماً.
بالنسبة لِمَن لم يقتنع بالإسلام لتضارب المصالح، فإنه حتماً سيتبنّى أي معتقدات تتماشى مع مصالحه وتحميها، وهذا الشخص لن يناله حد الردة طبعاً، لأنه لن يتواجد في الدولة الإسلامية التي تقوم بتطبيق حد الردة أو سيُخفي ردّته (لأن المصلحة تقتضي ذلك)، أما من يرفض الإسلام نتيجة التفكير العقلي، فهم قسمين، قسم يرفُض الإسلام ولا يُظهر ذلك، وهؤلاء هم المنافقون، وقسم يُظهر رفضه علناً، لذلك فإن مشكلة التساؤل الذي طرحه الدمشقي تَمُس فئة قليلة وقليلة جداً من الناس في المجتمع الإسلامي.
بالنسبة لمن وُلِد مسلماً ثم أظهر رفضه للدين فهناك اختلاف فقهي في عقوبته، وكثيراً ما يستشهد الدمشقي بكتب الفقه حتى لا يُتَّهم أنه يُفسّر الإسلام على هواه، ولكن لماذا لم يُورِد في مقاله (على غير العادة في المقالات الأخرى) بعض الآراء الفقهية في حد الردة، فمثلاً: "وأما من ثبت له الإسلام لكونه مولودا من أب مسلم فقد اختلف فيما إذا كان يقتل إذا بلغ ولم يرض بالإسلام أم لا، فعند الأحناف والشافعية لا يقتل، قال الكرابيسي في الفروق وهو حنفي: من ثبت له حكم الإسلام بالدار أو بأحد أبويه ثم ارتد لم يقتل وحبس حتى يعود إلى الإسلام، ومن كان بالغا فأسلم بنفسه ثم ارتد قتل." (موقع الشبكة الإسلامية/رقم الفتوى:50846).
عندما ننظُر للدول الديمقراطية، هناك ما يُسمّى بالتَّعدُّديّة السياسية، فكل حزب من هذه الأحزاب له رُؤية في طريقة تحقيق طموحات وأهداف الدولة، أي تتشابه هذه الأحزاب في الأساسيات وتختلف في عملية التطبيق كلٌّ حسب رؤيته (فمثلاً هناك حزب إسرائيلي يُريد احتلالاً إلى الأبد، أما الحزب المُعارض فخلافه أنه يُريد احتلالاً مدى الحياة!!)، أما اختلاف الحزب مع قيم الدولة الأساسية فهو أمر مرفوض أن يتعدّى عالم الأفكار إلى عالم التطبيق، فأحزاب المعارضة هي شكل مسموح به في هذه الدول كنوع من إظهار تمتُّع هذه الدول بالحرية، ولكن لن تسمح الدولة (النخبة المسيطرة) بتفعيل تأثير هذه الأحزاب في حال تعارضها مع أساسيات فكر الدولة (فإسرائيل ستئد أي حزب ينطلق من فكرة الحديث عن الفلسطينيين الذين أُخرِجوا عام 1948 مثلاً).
إن فلسفة حد الردة تُقدِّم مصلحة الأمّة على رغبة فرد يُريد أن يجهر بفكرة تصدم مشاعر الناس ومقدّساتهم، فحد الردة هو تشدُّد مع الفكرة أكثر من الممارسة، لأن المناداة الفكرية أكبر تأثيراً من الممارسة، وأضرب مثالاً على ذلك، شخص مُقتنع قناعة تامة بالفكر الماركسي ويعيش في فرنسا، ولكنه يُمارس حياته العادية حسب القوانين الفرنسية، ولا يُظهر هذه الأفكار، ما الفرق بين هذا الشخص وآخر فرنسي أباً عن جد، مُقتنع بالفكر الماركسي قناعة تامّة ويعيش في فرنسا ولكنه يُنادي بترك القيم العلمانية علناً ويكتب في الصحف والمجلات ؟؟؟ وماذا ستكون ردة فعل فرنسا من هذا الشخص؟؟وماذا ستفعل فرنسا إذا اكتشفت أن استطلاعات الرأي تُشير إلى تصاعد مؤيّديه؟؟؟
مثل آخر مادّي، شخص متأثّر جداً بفلسفة "نيتشه" قرأ من فلسفته عن اللص أنه إنسان شُجاع وقوي، ولولا هذه الصفتين لما استطاع أن يسرق، فاقتنع بهذه الفكرة، وارتبطت عنده صفة الشجاعة والقوة بالسرقة، ممارسة السرقة بالنسبة لهذا الشخص تحصر مشاكلها بين مجموعة صغيرة من الناس، أما تسليط هذه الفكرة للمجتمع وبثّها بين الناس فهي أخطر، وتأثيرها على المجتمع أكبر، وعملية مكافحتها تتم بالدرجة الأولى مع الفكرة.
وملخّص القول أن فلسفة حد الردة هي فلسفة مُطبّقة من جميع دول العالم سواء في الماضي أو الحاضر، وتختلف بينها في التسميات وطريقة العقوبة، كما أن هذه الفلسفة تشمل عيّنة صغيرة وصغيرة جداً من المجتمع، ولكنها تُحارب تأثيرها الكبير على المجتمع، والعجيب هنا أن الجميع الإيديولوجيات في العالم تعيب حد الردة في الإسلام مع ممارستها له تحت مسميات كثيرة وممارسات أكثر عنفاً!!!
"الواقع ان 90 % على الاقل من المسلمين قد اُكرهوا على الاسلام اكراها اجتماعيا، فلم يكن اسلامهم وليد قناعات فكرية وعقلية بل اكتسابا من البيئة وارثا من الاجداد !! اذن بأي حق يعاقبون على ترك دين لم يختاروه اصلا ؟؟؟
لماذا يجبرون على البقاء في دين لم يكن لهم ارادة في اختياره منذ البداية ؟؟؟
اليس هذا تناقضا مع حرية الاعتقاد الديني ؟؟؟"
الواقع أن "90%" لا أدري كيف ومن أين جاء بها ، فلا هي نتاج دراسة قام بها، ولا هي إحصائية أشارت إليها مؤسسات بحثيّة، كما أن الواقع لا يدعم هذه النسبة، فكما قلت أن التفوق الشعبي الإسلامي يؤكِّد الاقتناع، والاقتناع يتعارض مع الإجبار، ثم الدمشقي مازال يركّز على "حرية" الاعتقاد الديني، فهو هنا وفي الكثير من المقالات يتعامل مع الحرية كقيمة مُطلقة، أي أنها قيمة ليس لها حدود، مع أن أغلب المُفكّرين في العالم تكلموا عن الحرية على أنها "القيمة المستحيلة"، أي أنه لا توجد حرية مُطلقة، وقال العديد من المفكّرين أن الحرية لها حدود، وكلما تعدّى المجتمع هذه الحدود زادت المشاكل، ومن يُشكك في هذا القول عليه أن يُفسّر لنا "لماذا القوانين؟"، وإذا كانت جميع الحريات في الدنيا لها خطوط حمراء لا يجب تجاوزها، فما هي الخطوط الحمراء بنظر العلمانيين واللادينيين لحرية الاعتقاد الديني (أو الفكري)؟؟؟؟ وهل توجد حرّيّات ليس لها خطوط حمراء؟؟؟
هل صحيح ان هيبة الدين يمكن ان تهتز بردة شخص او شخصين او حتى مئة شخص ؟؟؟
هل صحيح ان المجتمع الاسلامي بهذه الهشاشة بحيث يمكن لبعض المرتدين ان يحطموا اسسه ويزعزعوا اركانه ؟؟؟
هل صحيح ان تدين ملايين المسلمين بهذا الضعف يحيث يمكن لنفر من المرتدين ان يشوشوا عليهم افكارهم ويبثوا الشكوك في عقولهم؟؟
هل صحيح ان المرتديين يشكلون خطرا حقيقا على الاسلام و المسلمين ومستقبل الدعوة ؟؟؟
إن حروب الردة هي دليل واضح على خطر الارتداد على المجتمع الإسلامي، وكما قلت فإن الدعوة الفكرية أخطر بكثير من الممارسة العملية الفردية أو بين مجموعة، ثم هل يستطيع أحد أن يدّعي أن جميع من ارتدّوا وكانوا من أتباع مسيلمة هم من المفكرين؟؟ إن من يتساءل التساؤلات السابقة يؤكّد أنه صاحب فكر مثالي يجافي الواقع.
لماذا يكون المرتد عن الاسلام عميلا مأجورا ينفذ مخططا لتدمير الاسلام ويهدف من ردته بث سمومه وزعزعة عقائد المسلمين وكلامه عن الاسلام اكاذيب واوهام ، في حين ان المسيحي او اليهودي الذي يرتد عن دينه ويعتنق الاسلام هو رجل صادق جريء باحث عن الحقيقة ذو عقل منفتح وناضج ، ونقده لديانته السابقة حقائق علمية ينبغي دراستها والاستفادة منها ؟؟؟
يعيب الدمشقي على المسلمين أنهم يقولون أن النصراني أو اليهودي الذي يترك دينه إلى الإسلام هو رجل صادق جريء باحث عن الحقيقة، بينما ينسى (أو يتناسى) أن اللادينيين يقولون نفس الكلام عن أي شخص ديني يترك دينه ويُصبح لادينيياً!! ألا يدّعي اللادينيون أن التحول من الدين إلى اللادين هو خروج من دائرة التخلّف؟؟ أليس كل من تركه دينه وأصبح لادينياً هو إنسان بدأ باستخدام عقله؟!! أليس كل من ترك اللادينية وعاد إلى دينه مرة أخرى يُتّهم بأنه شخص كان يتظاهر باللادينية؟؟ أو يُحاولون التسفيه من هذا التصرف ومن قام بهذا التصرف..
والواقع ان المعلومة ( مهما كان نوعها ) لم تعد محجوبة عن المتلقي ، فثورة الاتصالات التي نعيشها اليوم فتحت الباب على مصراعيه امام صاحب كل فكرة كي يوصل فكرته الى العالم باسره ، ومن المعلوم ان المسلمين يوظفون ثورة الاتصالات بشكل جيد ، اذ يمتلكون شبكة ضخمة من الصحف والمجلات والمحطات المسموعة والمرئية ، فضلا عن ملايين المواقع على شبكة الانترنت وبكافة اللغات الحية ..
وبالمقابل من اليسير على خصوم الاسلام ان يوصلوا رسالتهم المضادة الى العالم باسره حتى وان كانوا يعيشون في عقر دار الاسلام !! ( ولعل شبكة الانترنت دليل على هذا ، فهي بوابة على العالم لا تعرف معنى للرقابة او الحدود الجغرافية )
اذن ......
ما جدوى قمع المرتد ومنعه من الكلام ؟؟ الن يستطيع ايصال صوته الى العالم باسره اذا شاء ؟؟
وما مبرر الخوف مما سيقوله المرتد او يتقوله على الاسلام ؟؟؟ الن يكون بوسع المسلمين ان يدحضوا كلامه بما يملكونه من وسائل اعلامية ضخمة ؟؟؟
تُشير إحصائيات International Telecommunication Union عن الحالة المعلوماتية في العالم أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم يُعادل 13% فقط من عدد سكان العالم للعام 2004!! كما تُشير الإحصائيات أن الإمارات صاحبة المركز الأول (بالنسبة للدول العربية) في عدد المستخدمين نسبة إلى عدد السكان بنسبة 27%، في المقابل نسبة مستخدمي الإنترنت في سوريا تُشكّل 4.39%، مصر 5.5%، الكويت 23%، السعودية 6.3% ، الأردن 10%، كما ويمتلك 30% من سكان العالم أجهزة تلفاز، بينما 1% يمتلكون أطباق لاقطة، في الكويت مثلاً 57% يمتلكون أطباق لاقطة وقنوات عبر اشتراكات الكيبل، في الإمارات 25%، مصر 43%، سوريا 38%...
يبدو أن الدمشقي قد بالغ في الوصف السابق عن حالة المعلوماتية العالمية والإسلامية...
وبمناسبة ذكر الإنترنت، يجدر الإشارة إلى أن فرنسا حالياً في اتجاه إقرار قانون إغلاق مواقع (إسلامية) معينة على الإنترنت تدعو إلى الإرهاب (خبر عن صحيفة الرأي الأردنية 2-12-2005)!!! هل الفرنسيين بهذه الهشاشة وهل الإعلام الفرنسي أصبح يُفكّر بذات الأسلوب الذي يُفكّر به إعلام الدول الدكتاتورية؟؟؟!!!!
وأود قبل أن أختم، تقديم بعض الأمثلة على حرياّت بعض الدول العلمانية (وكيف أن أي دولة تحمي قيمها وأفكارها):
بعد سقوط الشيوعيّة في روسيا، أصدر البرلمان قانوناً ينص على حظر التبشير بأي دين لم يكن موجوداً قبل ثورة 1917م. لماذا ؟! يبدو أنّهم أرادوا حماية الأرثوذكسيّة، لأنّ الروس في حالةٍ من الفقر والحاجة، ويمكن استغلال حالة عدم التوازن والفراغ الفكري لصالح جماعات تبشيريّة تملك المال، وبالتالي تستطيع أن تؤثر في المدرسة، والمستشفى، والصحيفة، كيف لا، والغالبية العظمى من أي شعب لا تملك القدرات الفكريّة التي تمكنها من الاختيار الحقيقي.
فرنسا هي رائدة للعلمانيّات في العالم، وعلى الرُّغم من تبجّحها بشعارات الحريّة فقد وجدناها لا تطيق أن ترى قلّة من الفتيات المسلمات يلبسن غطاء الرأس، وليس غطاء الوجه، واستدعى الأمر تدخّل أعلى سلطة في الدولة وكذلك البرلمان، فكان من ثمرة ذلك القانون سيِّء السمعة والمتعلّق بحظر الحجاب. أما لماذا كان هذا الخروج على أبسط الحقوق، فنجدهم يتعللون بأمور منها: أنّ غطاء الرأس للفتاة الصغيرة نوع من التبشير الديني الصامت. والسؤال هنا: لنفترض أنّ هذا صحيح، فما الخطأ في ذلك في دولة علمانيّة، والأمر يتعلّق بتلميذة وليس بمعلمة؟ والإجابة عن ذلك: من واجبنا حماية القيم العلمانيّة.
تقدّمت جماعة فرنسيّة بطلب لتشكيل حزب يدعو إلى عودة النظام الملكي، وبالطبع تكون هذه العودة بإقرار من أغلبيّة الشعب وفق النظام الديمقراطي الفرنسي. لقد رُفض الطلب، والعنوان هو حماية القيم العلمانيّة.
روجيه جارودي فيلسوف فرنسي، شكك في عدد اليهود الذين قتلوا في ألمانيا، وقدّم الأدلة على أنّ عددهم أقل من مليون بقليل وليس ستة ملايين، كما يزعم اليهود، وقدّم الأدلة على أنّ أفران الغاز المزعومة لم تكن موجودة، فكانت النتيجة أن قُدّم إلى المحاكمة. ولم يكن هو الوحيد الذي يُقَدّم إلى المحاكمة بمثل هذه التهمة. أما لماذا كان مثل هذا الحجر على العقول؟! فالجواب ببساطة أنّ هناك قانوناً يحظر التشكيك في هذه المسألة.
الكاتب سلمان رشدي يشتم الرسول، عليه الصلاة والسلام، فتقدّم له بريطانيا الحماية، لأنّ هذا من الحريات التي كفلها القانون البريطاني. ولو كان الكاتب نفسه يمس بقدسية المسيح، أو موسى، عليهما السلام، لما عاد الأمر يتعلّق بالحرّيات، لأنّ هناك قانوناً في بريطانيا يُجرّم التجذيف على اليهوديّة والمسيحيّة، وليس هناك قانون يتعلق بالتجذيف على الإسلام، وإن كان عدد المسلمين في بريطانيا أكثر بكثير من عدد اليهود، فالاعتبار لما يقدسون!
في إسرائيل استطاع حزب كاخ أن يدخل البرلمان الإسرائيلي عبر الانتخاب الحر، ثم ما لبث الكنيست الإسرائيلي أن صوّت لمنع كاخ من الترشّح للكنيست، لماذا؟ لأن أفكار حزب كاخ تضر بالمصلحة الإسرائيليّة العليا، من هنا لا بد أن يُمنع من الترشُّح للانتخابات!
يعترض شهاب الدمشقي على حد الردة (كما هو الحال مع كل من يُشكك في الإسلام) ويضع بعض التساؤلات في مقالٍ له بعنوان "حد الردة.. لماذا؟" ويُورِد بعض التساؤلات حول هذا الموضوع.
يبدأ المقال بهذه المقدمة:
"من الحقائق المعروفة في علم الاجتماع دور الوسط الاجتماعي في اعتناق الانسان لفكرة ورفضه اخرى ، فمن ينشأ في بيئة لا تعرف عقيدة بعينها يصعب عليه ان يعتنق تلك العقيدة ، وان من ينشأ في بيئة تحكمها بقوة عقيدة معينة يصعب عليه ايضا ان يحيد عن حدود تلك العقيدة. اذا سلمنا بهذه الحقيقة جاز لنا ان نسأل : لماذا ُيكرَه الانسان على وضعية لم يكن له الخيار فيها اصلا ؟؟؟ لماذا يُحرم الانسان من حقه في اختيار دينه ؟؟؟
كلام علم الاجتماع عن تأثير الوسط الاجتماعي في العقيدة كلام سليم، ولكن شهاب الدمشقي يُغفل أيضاً أن التغيير الفكري الفردي والجماعي شيء واقعي، فالدمشقي كان مسلماً وأصبح لادينياً هو مثال للتغيير الفكر الفردي، وظهور النصرانية بين اليهود، وظهور المسلمون في بيئة وثنية نوع من التغير الفكري للمجتمع، إن الإنسان الذي ينشأ في بيئة لها عقيدة معيّنة، ويعتنق هذه العقيدة، يصعب عليه أن يحيد عن حدود تلك العقيدة، وهذا أمر صحيح ومقبول، لكنّ السبب هو ليس الإكراه، لأن معظم أفراد المجتمع هم ليسوا من الفلاسفة والمفكرين أو ممن يُصنَّفون كمثقّفين، ومن يدّعي أن الإنسان يجب أن يختار عقيدته عن دراسة وتمحيص (مثل المفكرين والفلاسفة) هو إنسان يعيش في "يوتوبيا" المدينة الفاضلة، وهو إنسان بعيد جداًً عن الواقع ويعيش في عالم الخيال.
إن السؤال العربي القديم "بِمَ سُدتَ قومك؟"هو سؤال يُلخّص سبب الرضا المجتمعي عن شخصٍ ما وقيادته لهم وتبنّي المجتمع لأفكاره، فتجربة المجتمع لرجاحة عقل هذا الشخص (بالإضافة لشجاعته وكرمه وأخلاقه) تؤدي إلى تقبّل الواقع الفكري الذي يعتنقه سيد القوم، أي أن الأفكار المَرضِي عنها في مُجتمع ما، هي نتيجة تجربة واقعية للمُجتمع قامت بتحريكه من واقع سلبي إلى واقع إيجابي (أو المُحافَظَة على واقعة الإيجابي) وليس فقط مجرّد أفكار تستند إلى المنطق، وفي الوقت الذي تفقد فيه الأفكار القدرة على المحافظة على الواقع الإيجابي الذي يعيشه المجتمع (أو تغيير الواقع من سلبي إلى إيجابي)، تخسر هذه الأفكار احترامها لدى المُجتمع مهما كانت منطقية، وانهيار روسيا دليل على ذلك.
أمّا بالنسبة لتساؤلات الدمشقي حول مدى عدالة حد الردة، فيُمكن تلخيصهما كالتالي:
إنسان وُلِدَ لأُسرة مسلمة في مجتمع مُسلم، هذا الإنسان لم يختر هذه الأسرة ولم يَختَر أن يُصبح مسلماً، لماذا إذاً يُقام عليه حد الردة (القتل) إذا بدّل دينه؟؟
هذا التساؤل يختص بقضية مجموعة واحدة من مجموعتين من المسلمين، مجموعة مارست تعاليم هذا الدين ورضيت به وتُدافع عنه، أو حتى ترفض استبداله، هي مجموعة لا تبدو أنها مُكرةٌ على الإسلام، كما أن هذه المجموعة بالذات تُمثّل الأغلبية في المجتمع الإسلامي، وخير دليل على ذلك التفوّق الشعبي الإسلامي في الانتخابات (على مستوى الدولة أو الجامعات أو استفتاءات تطبيق الشريعة).
أمّا المجموعة الثانية فهي غير مُقتنعة بالإسلام وترفضه كدِين أو فكر، وعدم القناعة هذه ناتجة عن أحد أمرين، إما تضارب مصالح هذا الفرد مع مبادئ الدين الإسلامي (وقصة عمر بن الخطاب مع أحد وُلاتُه في الحج مثال على ذلك)، أو عن طريق العقل والفكر كما يقول الملحدون واللادينيون عموماً.
بالنسبة لِمَن لم يقتنع بالإسلام لتضارب المصالح، فإنه حتماً سيتبنّى أي معتقدات تتماشى مع مصالحه وتحميها، وهذا الشخص لن يناله حد الردة طبعاً، لأنه لن يتواجد في الدولة الإسلامية التي تقوم بتطبيق حد الردة أو سيُخفي ردّته (لأن المصلحة تقتضي ذلك)، أما من يرفض الإسلام نتيجة التفكير العقلي، فهم قسمين، قسم يرفُض الإسلام ولا يُظهر ذلك، وهؤلاء هم المنافقون، وقسم يُظهر رفضه علناً، لذلك فإن مشكلة التساؤل الذي طرحه الدمشقي تَمُس فئة قليلة وقليلة جداً من الناس في المجتمع الإسلامي.
بالنسبة لمن وُلِد مسلماً ثم أظهر رفضه للدين فهناك اختلاف فقهي في عقوبته، وكثيراً ما يستشهد الدمشقي بكتب الفقه حتى لا يُتَّهم أنه يُفسّر الإسلام على هواه، ولكن لماذا لم يُورِد في مقاله (على غير العادة في المقالات الأخرى) بعض الآراء الفقهية في حد الردة، فمثلاً: "وأما من ثبت له الإسلام لكونه مولودا من أب مسلم فقد اختلف فيما إذا كان يقتل إذا بلغ ولم يرض بالإسلام أم لا، فعند الأحناف والشافعية لا يقتل، قال الكرابيسي في الفروق وهو حنفي: من ثبت له حكم الإسلام بالدار أو بأحد أبويه ثم ارتد لم يقتل وحبس حتى يعود إلى الإسلام، ومن كان بالغا فأسلم بنفسه ثم ارتد قتل." (موقع الشبكة الإسلامية/رقم الفتوى:50846).
عندما ننظُر للدول الديمقراطية، هناك ما يُسمّى بالتَّعدُّديّة السياسية، فكل حزب من هذه الأحزاب له رُؤية في طريقة تحقيق طموحات وأهداف الدولة، أي تتشابه هذه الأحزاب في الأساسيات وتختلف في عملية التطبيق كلٌّ حسب رؤيته (فمثلاً هناك حزب إسرائيلي يُريد احتلالاً إلى الأبد، أما الحزب المُعارض فخلافه أنه يُريد احتلالاً مدى الحياة!!)، أما اختلاف الحزب مع قيم الدولة الأساسية فهو أمر مرفوض أن يتعدّى عالم الأفكار إلى عالم التطبيق، فأحزاب المعارضة هي شكل مسموح به في هذه الدول كنوع من إظهار تمتُّع هذه الدول بالحرية، ولكن لن تسمح الدولة (النخبة المسيطرة) بتفعيل تأثير هذه الأحزاب في حال تعارضها مع أساسيات فكر الدولة (فإسرائيل ستئد أي حزب ينطلق من فكرة الحديث عن الفلسطينيين الذين أُخرِجوا عام 1948 مثلاً).
إن فلسفة حد الردة تُقدِّم مصلحة الأمّة على رغبة فرد يُريد أن يجهر بفكرة تصدم مشاعر الناس ومقدّساتهم، فحد الردة هو تشدُّد مع الفكرة أكثر من الممارسة، لأن المناداة الفكرية أكبر تأثيراً من الممارسة، وأضرب مثالاً على ذلك، شخص مُقتنع قناعة تامة بالفكر الماركسي ويعيش في فرنسا، ولكنه يُمارس حياته العادية حسب القوانين الفرنسية، ولا يُظهر هذه الأفكار، ما الفرق بين هذا الشخص وآخر فرنسي أباً عن جد، مُقتنع بالفكر الماركسي قناعة تامّة ويعيش في فرنسا ولكنه يُنادي بترك القيم العلمانية علناً ويكتب في الصحف والمجلات ؟؟؟ وماذا ستكون ردة فعل فرنسا من هذا الشخص؟؟وماذا ستفعل فرنسا إذا اكتشفت أن استطلاعات الرأي تُشير إلى تصاعد مؤيّديه؟؟؟
مثل آخر مادّي، شخص متأثّر جداً بفلسفة "نيتشه" قرأ من فلسفته عن اللص أنه إنسان شُجاع وقوي، ولولا هذه الصفتين لما استطاع أن يسرق، فاقتنع بهذه الفكرة، وارتبطت عنده صفة الشجاعة والقوة بالسرقة، ممارسة السرقة بالنسبة لهذا الشخص تحصر مشاكلها بين مجموعة صغيرة من الناس، أما تسليط هذه الفكرة للمجتمع وبثّها بين الناس فهي أخطر، وتأثيرها على المجتمع أكبر، وعملية مكافحتها تتم بالدرجة الأولى مع الفكرة.
وملخّص القول أن فلسفة حد الردة هي فلسفة مُطبّقة من جميع دول العالم سواء في الماضي أو الحاضر، وتختلف بينها في التسميات وطريقة العقوبة، كما أن هذه الفلسفة تشمل عيّنة صغيرة وصغيرة جداً من المجتمع، ولكنها تُحارب تأثيرها الكبير على المجتمع، والعجيب هنا أن الجميع الإيديولوجيات في العالم تعيب حد الردة في الإسلام مع ممارستها له تحت مسميات كثيرة وممارسات أكثر عنفاً!!!
"الواقع ان 90 % على الاقل من المسلمين قد اُكرهوا على الاسلام اكراها اجتماعيا، فلم يكن اسلامهم وليد قناعات فكرية وعقلية بل اكتسابا من البيئة وارثا من الاجداد !! اذن بأي حق يعاقبون على ترك دين لم يختاروه اصلا ؟؟؟
لماذا يجبرون على البقاء في دين لم يكن لهم ارادة في اختياره منذ البداية ؟؟؟
اليس هذا تناقضا مع حرية الاعتقاد الديني ؟؟؟"
الواقع أن "90%" لا أدري كيف ومن أين جاء بها ، فلا هي نتاج دراسة قام بها، ولا هي إحصائية أشارت إليها مؤسسات بحثيّة، كما أن الواقع لا يدعم هذه النسبة، فكما قلت أن التفوق الشعبي الإسلامي يؤكِّد الاقتناع، والاقتناع يتعارض مع الإجبار، ثم الدمشقي مازال يركّز على "حرية" الاعتقاد الديني، فهو هنا وفي الكثير من المقالات يتعامل مع الحرية كقيمة مُطلقة، أي أنها قيمة ليس لها حدود، مع أن أغلب المُفكّرين في العالم تكلموا عن الحرية على أنها "القيمة المستحيلة"، أي أنه لا توجد حرية مُطلقة، وقال العديد من المفكّرين أن الحرية لها حدود، وكلما تعدّى المجتمع هذه الحدود زادت المشاكل، ومن يُشكك في هذا القول عليه أن يُفسّر لنا "لماذا القوانين؟"، وإذا كانت جميع الحريات في الدنيا لها خطوط حمراء لا يجب تجاوزها، فما هي الخطوط الحمراء بنظر العلمانيين واللادينيين لحرية الاعتقاد الديني (أو الفكري)؟؟؟؟ وهل توجد حرّيّات ليس لها خطوط حمراء؟؟؟
هل صحيح ان هيبة الدين يمكن ان تهتز بردة شخص او شخصين او حتى مئة شخص ؟؟؟
هل صحيح ان المجتمع الاسلامي بهذه الهشاشة بحيث يمكن لبعض المرتدين ان يحطموا اسسه ويزعزعوا اركانه ؟؟؟
هل صحيح ان تدين ملايين المسلمين بهذا الضعف يحيث يمكن لنفر من المرتدين ان يشوشوا عليهم افكارهم ويبثوا الشكوك في عقولهم؟؟
هل صحيح ان المرتديين يشكلون خطرا حقيقا على الاسلام و المسلمين ومستقبل الدعوة ؟؟؟
إن حروب الردة هي دليل واضح على خطر الارتداد على المجتمع الإسلامي، وكما قلت فإن الدعوة الفكرية أخطر بكثير من الممارسة العملية الفردية أو بين مجموعة، ثم هل يستطيع أحد أن يدّعي أن جميع من ارتدّوا وكانوا من أتباع مسيلمة هم من المفكرين؟؟ إن من يتساءل التساؤلات السابقة يؤكّد أنه صاحب فكر مثالي يجافي الواقع.
لماذا يكون المرتد عن الاسلام عميلا مأجورا ينفذ مخططا لتدمير الاسلام ويهدف من ردته بث سمومه وزعزعة عقائد المسلمين وكلامه عن الاسلام اكاذيب واوهام ، في حين ان المسيحي او اليهودي الذي يرتد عن دينه ويعتنق الاسلام هو رجل صادق جريء باحث عن الحقيقة ذو عقل منفتح وناضج ، ونقده لديانته السابقة حقائق علمية ينبغي دراستها والاستفادة منها ؟؟؟
يعيب الدمشقي على المسلمين أنهم يقولون أن النصراني أو اليهودي الذي يترك دينه إلى الإسلام هو رجل صادق جريء باحث عن الحقيقة، بينما ينسى (أو يتناسى) أن اللادينيين يقولون نفس الكلام عن أي شخص ديني يترك دينه ويُصبح لادينيياً!! ألا يدّعي اللادينيون أن التحول من الدين إلى اللادين هو خروج من دائرة التخلّف؟؟ أليس كل من تركه دينه وأصبح لادينياً هو إنسان بدأ باستخدام عقله؟!! أليس كل من ترك اللادينية وعاد إلى دينه مرة أخرى يُتّهم بأنه شخص كان يتظاهر باللادينية؟؟ أو يُحاولون التسفيه من هذا التصرف ومن قام بهذا التصرف..
والواقع ان المعلومة ( مهما كان نوعها ) لم تعد محجوبة عن المتلقي ، فثورة الاتصالات التي نعيشها اليوم فتحت الباب على مصراعيه امام صاحب كل فكرة كي يوصل فكرته الى العالم باسره ، ومن المعلوم ان المسلمين يوظفون ثورة الاتصالات بشكل جيد ، اذ يمتلكون شبكة ضخمة من الصحف والمجلات والمحطات المسموعة والمرئية ، فضلا عن ملايين المواقع على شبكة الانترنت وبكافة اللغات الحية ..
وبالمقابل من اليسير على خصوم الاسلام ان يوصلوا رسالتهم المضادة الى العالم باسره حتى وان كانوا يعيشون في عقر دار الاسلام !! ( ولعل شبكة الانترنت دليل على هذا ، فهي بوابة على العالم لا تعرف معنى للرقابة او الحدود الجغرافية )
اذن ......
ما جدوى قمع المرتد ومنعه من الكلام ؟؟ الن يستطيع ايصال صوته الى العالم باسره اذا شاء ؟؟
وما مبرر الخوف مما سيقوله المرتد او يتقوله على الاسلام ؟؟؟ الن يكون بوسع المسلمين ان يدحضوا كلامه بما يملكونه من وسائل اعلامية ضخمة ؟؟؟
تُشير إحصائيات International Telecommunication Union عن الحالة المعلوماتية في العالم أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم يُعادل 13% فقط من عدد سكان العالم للعام 2004!! كما تُشير الإحصائيات أن الإمارات صاحبة المركز الأول (بالنسبة للدول العربية) في عدد المستخدمين نسبة إلى عدد السكان بنسبة 27%، في المقابل نسبة مستخدمي الإنترنت في سوريا تُشكّل 4.39%، مصر 5.5%، الكويت 23%، السعودية 6.3% ، الأردن 10%، كما ويمتلك 30% من سكان العالم أجهزة تلفاز، بينما 1% يمتلكون أطباق لاقطة، في الكويت مثلاً 57% يمتلكون أطباق لاقطة وقنوات عبر اشتراكات الكيبل، في الإمارات 25%، مصر 43%، سوريا 38%...
يبدو أن الدمشقي قد بالغ في الوصف السابق عن حالة المعلوماتية العالمية والإسلامية...
وبمناسبة ذكر الإنترنت، يجدر الإشارة إلى أن فرنسا حالياً في اتجاه إقرار قانون إغلاق مواقع (إسلامية) معينة على الإنترنت تدعو إلى الإرهاب (خبر عن صحيفة الرأي الأردنية 2-12-2005)!!! هل الفرنسيين بهذه الهشاشة وهل الإعلام الفرنسي أصبح يُفكّر بذات الأسلوب الذي يُفكّر به إعلام الدول الدكتاتورية؟؟؟!!!!
وأود قبل أن أختم، تقديم بعض الأمثلة على حرياّت بعض الدول العلمانية (وكيف أن أي دولة تحمي قيمها وأفكارها):
بعد سقوط الشيوعيّة في روسيا، أصدر البرلمان قانوناً ينص على حظر التبشير بأي دين لم يكن موجوداً قبل ثورة 1917م. لماذا ؟! يبدو أنّهم أرادوا حماية الأرثوذكسيّة، لأنّ الروس في حالةٍ من الفقر والحاجة، ويمكن استغلال حالة عدم التوازن والفراغ الفكري لصالح جماعات تبشيريّة تملك المال، وبالتالي تستطيع أن تؤثر في المدرسة، والمستشفى، والصحيفة، كيف لا، والغالبية العظمى من أي شعب لا تملك القدرات الفكريّة التي تمكنها من الاختيار الحقيقي.
فرنسا هي رائدة للعلمانيّات في العالم، وعلى الرُّغم من تبجّحها بشعارات الحريّة فقد وجدناها لا تطيق أن ترى قلّة من الفتيات المسلمات يلبسن غطاء الرأس، وليس غطاء الوجه، واستدعى الأمر تدخّل أعلى سلطة في الدولة وكذلك البرلمان، فكان من ثمرة ذلك القانون سيِّء السمعة والمتعلّق بحظر الحجاب. أما لماذا كان هذا الخروج على أبسط الحقوق، فنجدهم يتعللون بأمور منها: أنّ غطاء الرأس للفتاة الصغيرة نوع من التبشير الديني الصامت. والسؤال هنا: لنفترض أنّ هذا صحيح، فما الخطأ في ذلك في دولة علمانيّة، والأمر يتعلّق بتلميذة وليس بمعلمة؟ والإجابة عن ذلك: من واجبنا حماية القيم العلمانيّة.
تقدّمت جماعة فرنسيّة بطلب لتشكيل حزب يدعو إلى عودة النظام الملكي، وبالطبع تكون هذه العودة بإقرار من أغلبيّة الشعب وفق النظام الديمقراطي الفرنسي. لقد رُفض الطلب، والعنوان هو حماية القيم العلمانيّة.
روجيه جارودي فيلسوف فرنسي، شكك في عدد اليهود الذين قتلوا في ألمانيا، وقدّم الأدلة على أنّ عددهم أقل من مليون بقليل وليس ستة ملايين، كما يزعم اليهود، وقدّم الأدلة على أنّ أفران الغاز المزعومة لم تكن موجودة، فكانت النتيجة أن قُدّم إلى المحاكمة. ولم يكن هو الوحيد الذي يُقَدّم إلى المحاكمة بمثل هذه التهمة. أما لماذا كان مثل هذا الحجر على العقول؟! فالجواب ببساطة أنّ هناك قانوناً يحظر التشكيك في هذه المسألة.
الكاتب سلمان رشدي يشتم الرسول، عليه الصلاة والسلام، فتقدّم له بريطانيا الحماية، لأنّ هذا من الحريات التي كفلها القانون البريطاني. ولو كان الكاتب نفسه يمس بقدسية المسيح، أو موسى، عليهما السلام، لما عاد الأمر يتعلّق بالحرّيات، لأنّ هناك قانوناً في بريطانيا يُجرّم التجذيف على اليهوديّة والمسيحيّة، وليس هناك قانون يتعلق بالتجذيف على الإسلام، وإن كان عدد المسلمين في بريطانيا أكثر بكثير من عدد اليهود، فالاعتبار لما يقدسون!
في إسرائيل استطاع حزب كاخ أن يدخل البرلمان الإسرائيلي عبر الانتخاب الحر، ثم ما لبث الكنيست الإسرائيلي أن صوّت لمنع كاخ من الترشّح للكنيست، لماذا؟ لأن أفكار حزب كاخ تضر بالمصلحة الإسرائيليّة العليا، من هنا لا بد أن يُمنع من الترشُّح للانتخابات!