الجاحـظ
12-14-2005, 12:33 AM
ملاحظة: الموضوع يحتوي على أفكار ومصطلحات علمية جنسية بحتة، نرجو من القراء الخجولين عدم قراءة الموضوع
نظرية الانتقاء الجنسي
نظرًا لفشل قانون الانتخاب الطبيعي في تفسير الكثير من المشاهدات العلمية، فقد تحول البحث إلى تبني نظرية جديدة تستوعب جميع المشاهدات والجوانب العلمية في مختلف العلوم الإنسانية والحيوية، من هنا كانت انطلاقة نظرية الانتقاء الجنسي.
تعود هذه النظرية إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين تنبه العالم دارون إلى أن قانون الانتخاب الطبيعي لا يتفق مع تواجد ذيل الطاووس، إذ أن هذا الذيل الضخم يعيق صاحبه عن الحركة بسرعة سواء في الهرب من مفترسيه أو لحاقًا بطعامه، فتحولت الملاحظة نحو الجانب الجمالي لهذا الذيل والذي يساعد صاحبه على إغراء الإناث وجذبهم إليه أكثر من نظرائه من الطواويس.
عندها لم تعد فكرة البقاء للأصلح ( القوة والسلاح) هي الوحيدة المحددة لسير نظام التطور، بل صارت تسير جنبًا إلى جنب مع نظرية الانتقاء الجنسي، وأيما مشكلة ظهرت، كانت إحدى هذه النظريتين لها بالمرصاد.
لقد ميز دارون بين تنافس الذكور على الإناث، وبين اختيار الأنثى للذكر، فالأولى تورث صفات القوة والأسلحة للأبناء (حيث أن الذكر الأقوى هو الذي يظفر بالأنثى)، والثانية تورث صفات الجمال للسلالة (لأن الإناث يفضلن الذكر الأكثر جاذبية).
لقد كانت هذه الأفكار التي بذرها دارون في تفسير التنوع الشكلي والتطوري في الكائنات الحية مصدر انزعاج وهدف هجوم للكثير من الأشخاص، إذ أن فكرة كون الأنثى هي المسؤولة عن دفع عجلة التطور أمرًا غريبًا شاذًا هاجمه ألفرد راسل وفرويد ووالاس والمدرسة المندلية في الثلاثينات من القرن الماضي، وبقيت هذه النظرية شاذة مهملة منسية لغاية السبعينات من القرن المنصرم، حين ابتدأت بذورها بالنمو مجددًا. وتعد هذه النظرية هي الأولى في التاريخ التي تحقق نجاحًا بعد مائة سنة تقريبًا من وضعها !!
فيشر (1920) كان أحد أنصار هذه النظرية، وعمل على تعديلها تحت مسمى (الانتقاء الجنسي المستمر)، حيث افترض وجود نوع من التغذية الراجعة المحفزة بين الصفات المحسَنة في الذكر وبين انتقاء الأنثى له، يعمل كل منهما على تقوية الآخر واستمراره، وقد هوجم فيشر أيضًا وهُمشت نظريته التي ما لبثت أن عادت بقوة في الثمانينات بعد أن وُجد انسجامها مع دراسات علم السلوك في الحيوانات.
لقد وقفت هذه النظرية المدفونة من جديد وفرضت نفسها على كافة العلماء المؤيدين والمخالفين لها نظرًا لانسجامها مع العلوم الإنسانية والحيوية المختلفة، وأحدثت نوعًا من الثورة المعرفية السريعة وشكلت أساسًا يفسر –بشكل غريب- علم النفس والسلوكيات والعلوم الإنسانية وعلم المجتمع والأحياء والرئيسيات والتطور والوراثة كلها متجمعة !
الانتقاء الجنسي في البشر Hominids
كما أسلفنا، فقد كان الخلاف في هذه النظرية حول أيهما أرجح: التنافس الذكري؟ أم الاختيار الأنثوي، ولما مالت الكفة لصالح الأنثى، كان لزامًا علينا أن نعرف على ماذا يقوم الاختيار الأنثوي للجنس.
يروي علماء التطور أننا (أسلافنا من الرئيسيات) جئنا نتيجة نوع من التزاوج يسمى متعدد الذكور- متعدد الإناث polymale polygyny، حيث يتكون القطيع من مجموعة من الذكور المتآلفين مع مجموعة من الإناث، وتكون السيادة للذكور الأقوى، بينما الذكور الأضعف يتولون حماية الإناث والأطفال، وتأتي أهمية الذكور الأقوياء في توريث صفات القوة والعنف وسيادة هذا التآلف.
يتنافس أقوياء الذكور على ممارسة الجنس مع الإناث الشبقات oestrus females، حيث أن وجود هذا النوع من الإناث هو من أهم عوامل نقل الصفات، فهو يعطي حقلاً نموذجيًا للتنافس المنوي بين الذكور، وعددًا أكبر من الاتصالات الجنسية مما يزيد احتمال فرص الانتقاء لصفات القوة وتوريثها. فالعملية الجنسية تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة، لذا فإن الذكر القوي يمكنه تفريغ حيوانته المنوية في الأنثى الشبقة مرة بعد مرة مع تحمله للطاقة المستهلكة، وكلما كانت الحيوانات المنوية "قوية" كلما زادت فرصة توريثها لتلك الصفات القوية! كما أن تناوب الذكور الأقوياء على هذه الشبقة يتيح الفرصة أمام الحيوانات المنوية المختلفة للتنافس فيما بينها ومن ثم الفوز لأقواها!
هذا يمثل جانب التنافس الذكوري في نظرية الانتقاء الجنسي، والذي يتفق مع قانون الانتخاب الطبيعي المتمثل في البقاء للأصلح وتوريث صفات القوة والصلاح للنسل بين أعضاء متفاوتين في نفس النوع، ولنأتِ الآن للجانب الأنثوي من هذه النظرية والتي يقع عليها المسؤولية الكبرى في ظهورنا نحن البشر من أفراد وأشكال وصفات ومجتمعات!
اختيار الأنثى للذكر
يحظى البشر بصفة الازدواج الشكلي الجنسي sexual dimorphism، حيث يختلف الذكر عن الأنثى في حجم الجسم وشكله الخارجي (يضيف البعض القدرات الذهنية مع التحفظ عليها لوجود جدل كبير)، وهذه الخصيصة أتت من نظرية الانتقاء الجنسي.
وقد احتوت بعضًا من عيوب الجانب الأول من النظرية، فتنافس الذكور لا يولي اهتمامًا بالأساس الذي ينتقي فيه الذكر الأنثى باستثناء الشبق، وهذا لا يورث إلا صفات القوة ولا يفسر ظهور البشر بشكلهم الحالي.
كما أن استقراء سلوك الحيوانات والرئيسيات ينفي وجود الاغتصاب القهري للأنثى إلا في النذر اليسير، وهذا يناقض فكرة التنافس الذكوري الذي لا يفترض دورًا للأنثى باستثناء الشبق، فالأنثى الرافضة للاتصال الجنسي لا يمكن للذكر اغتصابها.
لقد فسر دارون تطور الأعضاء التناسلية عن طريق الانتخاب الطبيعي فقط، فالقضيب الضخم يوفر حيوانات منوية بكمية أكبر وبنوعية أفضل من القضيب الصغير، إلا أن هذا التفسير خاطئ علميًا ولا علاقة لنوعية الحيوانات المنوية بحجم القضيب، مما دفع نظرية الانتقاء الجنسي للتدخل وتفسير تطور الأعضاء التناسلية بأنه نتيجة اختيار الأنثى! فالإناث كن يفضلن القضيب الضخم وهكذا وصلتنا القضبان الضخمة نسبيًا !
ثم إن الإناث اللواتي يتمتعن بالرعشة عند النشوة الجنسية female orgasm، هن أفضل من غيرهن من الإناث، إذ أن هذه الرعشة تساعد على شفط الحيوانات المنوية إلى الداخل أكثر! وتحفظها من السقوط خارج جسمها إذا تحركت بعد ممارسة الجنس!
كما أن الإناث اللواتي لهن بظر كبير الحجم أفضل من غيرهن وأكثر مساهمة في إعطاء السلالة التي منها نحن! فهذا البظر الكبير لا يشبعه إلا قضيب نظير له في الكبر! وبالتالي فإن الأنثى في الماضي كانت تختار الذكر ذو القضيب الضخم ليشبع رغبتها الجنسية ويوصلها إلى النشوة والرعشة المضاعِفة للفائدة، وكل هذا أدى إلى إيصال هذه الصفة الذكورية إلينا! وفي المقابل أوصلت إلى إناثنا الآن صفة الرعشة الجنسية والتي توجد في الجنس البشري ويندر وجودها في الأنواع الأخرى، وهذا مثال على نظرية فيشر في التغذية الرجعية المحفزة، فكلا الصفتين تدعمان بعضهما البعض.
هذه بعض الأمثلة فقط على تفسير هذه النظرية لظهور صفاتنا نحن البشر واختلافها عن نظائرنا من الرئيسيات الأخرى، ولو أكملنا الكلام، فلن يزيدنا إلا اشمئزازًا.
الانتقاء الجنسي وتطور العقل البشري
لم تترك نظرية الانتقاء الجنسي المجال للنظرية الانتخاب الطبيعي بالاستمرار في تفسيرها لتطور الدماغ البشري وما لحقه من عمليات التفكير والحساب واللغة، فقد فشل الانتخاب الطبيعي في تعليل التطور المفاجئ للدماغ البشري والذي في فترة مليوني سنة تقريبًا تضاعف ثلاثة أضعاف حجمه الأصلي، ثم توقف هذا التطور فجأة مرة أخرى قبل مائة ألف سنة، بينما لم يحدث نفس الشيء لبقية الرئيسيات الأخرى والتي تعيش في نفس البيئة، فتولت نظرية فيشر المهمة مرة أخرى وفسرتها في ضوء التغذية المحفزة والتي –حسب ادعائهم- يمكنها تسريع توالد الصفات المحسنة ولأنها لا ترتبط بالظروف البيئية المحيطة.
فالذكر الذي يتمتع بذكاء أكثر من قرنائه يحظى باهتمام الأنثى أكثر، إذ يمكنه خداعهن والحظوة بهن، أو إغراؤهن بطرق ذكية، أو توفير الحماية والطعام لهن بشكل أكبر من غيره، أو أن يكون مرشدًا لهن في التعامل مع المشاكل والمعارك والصيد والأمراض، أو أن يكون مسليًا لهن ويبتدع طرق جديدة في الممارسة الجنسية.
كل هذا يندرج تحت مسمى الإبداع الجديد neophilia، وأرجو من القارئ ألا يظن أنني أمزح حين أقول له أن هذه الفكرة هي ما يبني عليه علماء النفس التطوري كل ما نحن عليه الآن من علوم الفنون والآداب والموسيقا والذكاء والتفكير والحساب والسياسة واللغة والأزياء والرقص والإباحية الجنسية!!! فهذه الإبداعات حكر على الإنسان، وكانت الإناث في الماضي يخترن الذكر الذي يسليهن ويعلمهن الشيء الجديد ويسمحن له بمزاولة الجنس ومن ثم يورثن هذا الإبداع!!!
[line]
هذه هي نظرية الانتقاء الجنسي بتلخيص سريع لأهم نقاطها وأفكارها وتفسيراتها لظهورنا نحن بني البشر واختلافنا عن باقي الأنواع من الرئيسيات والحيوانات وما يُلصق بها من تفسيرها لكافة العلوم الإنسانية والحيوية الحالية وما أحدثته من "ثورة" في عالم التطور! هذه هي البروباغندا التي نقرؤها في عناوين الأبحاث والمقالات في عالم التطور الحيوي والنفسي ولا نعرف عن تفاصيلها الكثير، هذا هو التفسير المادي لنا ولتواجدنا نحن البشر.
وما أسهل نقد هذه الأفكار والـ"نظريات" إن صح تسميتها بذلك، فكما نرى ما يقوم به العلماء لا يتعدى إرخاء العنان لخيالهم وافتراض تفسيرات ساذجة للحقائق المشاهدة وجمعها في منظومة هشة يطلقون عليها اسم "نظرية" ويجعلونها تفسيرًا لكل شيء.
إن ما نراه ونعرفه من "حب عذري" و "إتيكيت" لهو طارئ على هذه النظريات العظيمة التي فسرت كل جوانب حياتنا البشرية، فالأصل في التقاء الناس هو الجنس والجنس فقط، والاتصال الجنسي ليس إلا لترويج الحيوانات المنوية ونقلها للأجيال، بل إن من سخف كلام هؤلاء الـ"علماء" في الاستدلال على استمرار هذه النظرية هو أن المرأة التي تذهب إلى بنك الحيوانات المنوية لتخصيبها (في حالة عقم الرجل) تختار الحيوانات المنوية لرجل يتصف بالقوة والجمال والصفات المحسنة !!!!!
هذا ما وددت إيضاحه في أن الفكر المادي لا يعطينا قيمة إنسانية مغايرة عن الحيوانات، وما نراه من "حب عذري" و"إيتيكيت" ليس إلا طارئًا على مسيرة التطور لا قيمة له ولا أساس له، فالأصل في التقاء البشر وتعارفهم ومحبتهم وعلاقاتهم هو الجنس فقط، بل وليس الاتصال الجنسي لوحده إنما توريث الصفات المرغوبة واستبعاد المكروهة، فأي فكر هذا في مقابل الفكر الديني الذي كرم الإنسان وميزه عن غيره من البهائم؟
نظرية الانتقاء الجنسي
نظرًا لفشل قانون الانتخاب الطبيعي في تفسير الكثير من المشاهدات العلمية، فقد تحول البحث إلى تبني نظرية جديدة تستوعب جميع المشاهدات والجوانب العلمية في مختلف العلوم الإنسانية والحيوية، من هنا كانت انطلاقة نظرية الانتقاء الجنسي.
تعود هذه النظرية إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين تنبه العالم دارون إلى أن قانون الانتخاب الطبيعي لا يتفق مع تواجد ذيل الطاووس، إذ أن هذا الذيل الضخم يعيق صاحبه عن الحركة بسرعة سواء في الهرب من مفترسيه أو لحاقًا بطعامه، فتحولت الملاحظة نحو الجانب الجمالي لهذا الذيل والذي يساعد صاحبه على إغراء الإناث وجذبهم إليه أكثر من نظرائه من الطواويس.
عندها لم تعد فكرة البقاء للأصلح ( القوة والسلاح) هي الوحيدة المحددة لسير نظام التطور، بل صارت تسير جنبًا إلى جنب مع نظرية الانتقاء الجنسي، وأيما مشكلة ظهرت، كانت إحدى هذه النظريتين لها بالمرصاد.
لقد ميز دارون بين تنافس الذكور على الإناث، وبين اختيار الأنثى للذكر، فالأولى تورث صفات القوة والأسلحة للأبناء (حيث أن الذكر الأقوى هو الذي يظفر بالأنثى)، والثانية تورث صفات الجمال للسلالة (لأن الإناث يفضلن الذكر الأكثر جاذبية).
لقد كانت هذه الأفكار التي بذرها دارون في تفسير التنوع الشكلي والتطوري في الكائنات الحية مصدر انزعاج وهدف هجوم للكثير من الأشخاص، إذ أن فكرة كون الأنثى هي المسؤولة عن دفع عجلة التطور أمرًا غريبًا شاذًا هاجمه ألفرد راسل وفرويد ووالاس والمدرسة المندلية في الثلاثينات من القرن الماضي، وبقيت هذه النظرية شاذة مهملة منسية لغاية السبعينات من القرن المنصرم، حين ابتدأت بذورها بالنمو مجددًا. وتعد هذه النظرية هي الأولى في التاريخ التي تحقق نجاحًا بعد مائة سنة تقريبًا من وضعها !!
فيشر (1920) كان أحد أنصار هذه النظرية، وعمل على تعديلها تحت مسمى (الانتقاء الجنسي المستمر)، حيث افترض وجود نوع من التغذية الراجعة المحفزة بين الصفات المحسَنة في الذكر وبين انتقاء الأنثى له، يعمل كل منهما على تقوية الآخر واستمراره، وقد هوجم فيشر أيضًا وهُمشت نظريته التي ما لبثت أن عادت بقوة في الثمانينات بعد أن وُجد انسجامها مع دراسات علم السلوك في الحيوانات.
لقد وقفت هذه النظرية المدفونة من جديد وفرضت نفسها على كافة العلماء المؤيدين والمخالفين لها نظرًا لانسجامها مع العلوم الإنسانية والحيوية المختلفة، وأحدثت نوعًا من الثورة المعرفية السريعة وشكلت أساسًا يفسر –بشكل غريب- علم النفس والسلوكيات والعلوم الإنسانية وعلم المجتمع والأحياء والرئيسيات والتطور والوراثة كلها متجمعة !
الانتقاء الجنسي في البشر Hominids
كما أسلفنا، فقد كان الخلاف في هذه النظرية حول أيهما أرجح: التنافس الذكري؟ أم الاختيار الأنثوي، ولما مالت الكفة لصالح الأنثى، كان لزامًا علينا أن نعرف على ماذا يقوم الاختيار الأنثوي للجنس.
يروي علماء التطور أننا (أسلافنا من الرئيسيات) جئنا نتيجة نوع من التزاوج يسمى متعدد الذكور- متعدد الإناث polymale polygyny، حيث يتكون القطيع من مجموعة من الذكور المتآلفين مع مجموعة من الإناث، وتكون السيادة للذكور الأقوى، بينما الذكور الأضعف يتولون حماية الإناث والأطفال، وتأتي أهمية الذكور الأقوياء في توريث صفات القوة والعنف وسيادة هذا التآلف.
يتنافس أقوياء الذكور على ممارسة الجنس مع الإناث الشبقات oestrus females، حيث أن وجود هذا النوع من الإناث هو من أهم عوامل نقل الصفات، فهو يعطي حقلاً نموذجيًا للتنافس المنوي بين الذكور، وعددًا أكبر من الاتصالات الجنسية مما يزيد احتمال فرص الانتقاء لصفات القوة وتوريثها. فالعملية الجنسية تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة، لذا فإن الذكر القوي يمكنه تفريغ حيوانته المنوية في الأنثى الشبقة مرة بعد مرة مع تحمله للطاقة المستهلكة، وكلما كانت الحيوانات المنوية "قوية" كلما زادت فرصة توريثها لتلك الصفات القوية! كما أن تناوب الذكور الأقوياء على هذه الشبقة يتيح الفرصة أمام الحيوانات المنوية المختلفة للتنافس فيما بينها ومن ثم الفوز لأقواها!
هذا يمثل جانب التنافس الذكوري في نظرية الانتقاء الجنسي، والذي يتفق مع قانون الانتخاب الطبيعي المتمثل في البقاء للأصلح وتوريث صفات القوة والصلاح للنسل بين أعضاء متفاوتين في نفس النوع، ولنأتِ الآن للجانب الأنثوي من هذه النظرية والتي يقع عليها المسؤولية الكبرى في ظهورنا نحن البشر من أفراد وأشكال وصفات ومجتمعات!
اختيار الأنثى للذكر
يحظى البشر بصفة الازدواج الشكلي الجنسي sexual dimorphism، حيث يختلف الذكر عن الأنثى في حجم الجسم وشكله الخارجي (يضيف البعض القدرات الذهنية مع التحفظ عليها لوجود جدل كبير)، وهذه الخصيصة أتت من نظرية الانتقاء الجنسي.
وقد احتوت بعضًا من عيوب الجانب الأول من النظرية، فتنافس الذكور لا يولي اهتمامًا بالأساس الذي ينتقي فيه الذكر الأنثى باستثناء الشبق، وهذا لا يورث إلا صفات القوة ولا يفسر ظهور البشر بشكلهم الحالي.
كما أن استقراء سلوك الحيوانات والرئيسيات ينفي وجود الاغتصاب القهري للأنثى إلا في النذر اليسير، وهذا يناقض فكرة التنافس الذكوري الذي لا يفترض دورًا للأنثى باستثناء الشبق، فالأنثى الرافضة للاتصال الجنسي لا يمكن للذكر اغتصابها.
لقد فسر دارون تطور الأعضاء التناسلية عن طريق الانتخاب الطبيعي فقط، فالقضيب الضخم يوفر حيوانات منوية بكمية أكبر وبنوعية أفضل من القضيب الصغير، إلا أن هذا التفسير خاطئ علميًا ولا علاقة لنوعية الحيوانات المنوية بحجم القضيب، مما دفع نظرية الانتقاء الجنسي للتدخل وتفسير تطور الأعضاء التناسلية بأنه نتيجة اختيار الأنثى! فالإناث كن يفضلن القضيب الضخم وهكذا وصلتنا القضبان الضخمة نسبيًا !
ثم إن الإناث اللواتي يتمتعن بالرعشة عند النشوة الجنسية female orgasm، هن أفضل من غيرهن من الإناث، إذ أن هذه الرعشة تساعد على شفط الحيوانات المنوية إلى الداخل أكثر! وتحفظها من السقوط خارج جسمها إذا تحركت بعد ممارسة الجنس!
كما أن الإناث اللواتي لهن بظر كبير الحجم أفضل من غيرهن وأكثر مساهمة في إعطاء السلالة التي منها نحن! فهذا البظر الكبير لا يشبعه إلا قضيب نظير له في الكبر! وبالتالي فإن الأنثى في الماضي كانت تختار الذكر ذو القضيب الضخم ليشبع رغبتها الجنسية ويوصلها إلى النشوة والرعشة المضاعِفة للفائدة، وكل هذا أدى إلى إيصال هذه الصفة الذكورية إلينا! وفي المقابل أوصلت إلى إناثنا الآن صفة الرعشة الجنسية والتي توجد في الجنس البشري ويندر وجودها في الأنواع الأخرى، وهذا مثال على نظرية فيشر في التغذية الرجعية المحفزة، فكلا الصفتين تدعمان بعضهما البعض.
هذه بعض الأمثلة فقط على تفسير هذه النظرية لظهور صفاتنا نحن البشر واختلافها عن نظائرنا من الرئيسيات الأخرى، ولو أكملنا الكلام، فلن يزيدنا إلا اشمئزازًا.
الانتقاء الجنسي وتطور العقل البشري
لم تترك نظرية الانتقاء الجنسي المجال للنظرية الانتخاب الطبيعي بالاستمرار في تفسيرها لتطور الدماغ البشري وما لحقه من عمليات التفكير والحساب واللغة، فقد فشل الانتخاب الطبيعي في تعليل التطور المفاجئ للدماغ البشري والذي في فترة مليوني سنة تقريبًا تضاعف ثلاثة أضعاف حجمه الأصلي، ثم توقف هذا التطور فجأة مرة أخرى قبل مائة ألف سنة، بينما لم يحدث نفس الشيء لبقية الرئيسيات الأخرى والتي تعيش في نفس البيئة، فتولت نظرية فيشر المهمة مرة أخرى وفسرتها في ضوء التغذية المحفزة والتي –حسب ادعائهم- يمكنها تسريع توالد الصفات المحسنة ولأنها لا ترتبط بالظروف البيئية المحيطة.
فالذكر الذي يتمتع بذكاء أكثر من قرنائه يحظى باهتمام الأنثى أكثر، إذ يمكنه خداعهن والحظوة بهن، أو إغراؤهن بطرق ذكية، أو توفير الحماية والطعام لهن بشكل أكبر من غيره، أو أن يكون مرشدًا لهن في التعامل مع المشاكل والمعارك والصيد والأمراض، أو أن يكون مسليًا لهن ويبتدع طرق جديدة في الممارسة الجنسية.
كل هذا يندرج تحت مسمى الإبداع الجديد neophilia، وأرجو من القارئ ألا يظن أنني أمزح حين أقول له أن هذه الفكرة هي ما يبني عليه علماء النفس التطوري كل ما نحن عليه الآن من علوم الفنون والآداب والموسيقا والذكاء والتفكير والحساب والسياسة واللغة والأزياء والرقص والإباحية الجنسية!!! فهذه الإبداعات حكر على الإنسان، وكانت الإناث في الماضي يخترن الذكر الذي يسليهن ويعلمهن الشيء الجديد ويسمحن له بمزاولة الجنس ومن ثم يورثن هذا الإبداع!!!
[line]
هذه هي نظرية الانتقاء الجنسي بتلخيص سريع لأهم نقاطها وأفكارها وتفسيراتها لظهورنا نحن بني البشر واختلافنا عن باقي الأنواع من الرئيسيات والحيوانات وما يُلصق بها من تفسيرها لكافة العلوم الإنسانية والحيوية الحالية وما أحدثته من "ثورة" في عالم التطور! هذه هي البروباغندا التي نقرؤها في عناوين الأبحاث والمقالات في عالم التطور الحيوي والنفسي ولا نعرف عن تفاصيلها الكثير، هذا هو التفسير المادي لنا ولتواجدنا نحن البشر.
وما أسهل نقد هذه الأفكار والـ"نظريات" إن صح تسميتها بذلك، فكما نرى ما يقوم به العلماء لا يتعدى إرخاء العنان لخيالهم وافتراض تفسيرات ساذجة للحقائق المشاهدة وجمعها في منظومة هشة يطلقون عليها اسم "نظرية" ويجعلونها تفسيرًا لكل شيء.
إن ما نراه ونعرفه من "حب عذري" و "إتيكيت" لهو طارئ على هذه النظريات العظيمة التي فسرت كل جوانب حياتنا البشرية، فالأصل في التقاء الناس هو الجنس والجنس فقط، والاتصال الجنسي ليس إلا لترويج الحيوانات المنوية ونقلها للأجيال، بل إن من سخف كلام هؤلاء الـ"علماء" في الاستدلال على استمرار هذه النظرية هو أن المرأة التي تذهب إلى بنك الحيوانات المنوية لتخصيبها (في حالة عقم الرجل) تختار الحيوانات المنوية لرجل يتصف بالقوة والجمال والصفات المحسنة !!!!!
هذا ما وددت إيضاحه في أن الفكر المادي لا يعطينا قيمة إنسانية مغايرة عن الحيوانات، وما نراه من "حب عذري" و"إيتيكيت" ليس إلا طارئًا على مسيرة التطور لا قيمة له ولا أساس له، فالأصل في التقاء البشر وتعارفهم ومحبتهم وعلاقاتهم هو الجنس فقط، بل وليس الاتصال الجنسي لوحده إنما توريث الصفات المرغوبة واستبعاد المكروهة، فأي فكر هذا في مقابل الفكر الديني الذي كرم الإنسان وميزه عن غيره من البهائم؟