المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منهاج أهل السنة والجماعة



قاهر
12-21-2005, 11:32 PM
الشيخ محمد بن صالح العثيمين

تحقيق
ابوعبدالله النعماني الأثري

بسم الله الرحم الرحيم

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه سراجا منيرا فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى اله و أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :

فان الله تعالى يقول ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ )(النساء1)

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )( الأحزاب70-71)

المراد بأهل السنة والجماعة وبيان تطبيقهم

أهل السنة والجماعة هم الذين هداهم الله تعالى لما اختلف فيه من الحق باذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، وكلنا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بالهدى ودين الحق، الهدى : الذي ليس في ضلالة ، ودين الحق : الذي ليس في غواية، وبقي الناس في عهده على هذا المنهاج السليم القويم ، وكذلك عامة زمن خلفائه الراشدين ، ولكن الأمة بعد ذلك تفرقت تفرقا عظيما متباينا، حتى كانوا على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بهذا نقول: إن هذه الفرقة هي فرقة أهل السنة والجماعة.

وهذا الوصف لا يحتاج إلي شرح في بيان انهم هم الذين على الحق، لانهم أهل السنة المتمسكون بها، و أهل الجماعة المجتمعون عليها. ولا تكاد ترى طائفة سواهم إلا وهم بعيدون عن السنة بقدر ما ابتعدوا في دين الله سبحانه وتعالى ، ولا تجد فرقة غيرهم إلا وجدتهم فرقة متفرقين فيما هم عليه من النحلة.

وقد قال سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )( الأنعام 159)

إذنْ ، لا حاجة لنا إلى التطويل بتعريف أهل السنة والجماعة ؛ لان هذا اللقب يبرهن على معناه برهانا كاملا وانهم المتمسكون بالسنة المجتمعون عليها ، ونحن نلخص الكلام في نقاط رئيسية وهي :

أولا : بيان طريق أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته مع أمثلة توضح تلك الطريقة

أهل السنة والجماعة طريقتهم في أسماء الله وصفاته: انهم يعتبرون إن ما ثبت من أسماء الله وصفاته في كتاب الله أو فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو حق على حقيقته- يراد به ظاهره، ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين ، وذلك لأن تحريف المحرفين مبني على سوء قصد أو سوء فهم ، حيث ظنوا انهم إذا اثبتوا تلك النصوص أو تلك الأسماء والصفات على ظاهرها ظنوا إن ذلك إثبات للتمثيل، ولهذا صاروا يحرفون الكلم عن مواضعه ، وقد يكونون ممن لم يفهموا هذا الفهم ولكن لهم سوء قصد في تفريق هذه الأمة الإسلامية شيعا كل رحب بما لديهم فرحون .

و أهل السنة والجماعة يؤمنون بان ما سمى الله به نفسه وما وصف الله به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو حق على حقيقته وعلى ظاهره، ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين، بل هو ابعد ما يكون عن ذلك، وهو أيضا لا يمكن أن يفهم منه ما لا يليق بالله عز وجل من صفات النقص أو المماثلة بالمخلوقين بهذه الطريقة المثلى يسلمون من الزيغ و الإلحاد في أسمـاء الله وصفاته، فــلا يثبتون لله إلا ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، غير زائدين في ذلك ولا ناقصين عنه، ولهذا كانت طريقتهم إن أسماء الله وصفاته توقيفية لا يمكن لاحد إن يسمي الله بما لم يسم به نفسه، أو أن يصف الله بما لم يصف به نفسه .

فان أي إنسانٍ يقول: إن من أسماء الله كذا ، أو ليس من أسماء الله، أو : إن من صفات الله كذا ، أو : ليس من صفان الله ، بلا دليل، لأنه لا شك قول على الله بلا علم، وقد قال الله سبحانه وتعالى ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (الأعراف33)

وقال تعالى( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )(الإسراء36)

ثم إن طريقتهم في أسماء الله تعالى : إن ما سمى به الله نفسه.

* فان كان من الأسماء المُتعدية فانهم يرون من شرط تحقيق الإيمان به بما يلي:

1. أن يؤمن المرء بذلك الاسم اسما له عز وجل.
2. أن يؤمن بما دل عليه من الصفة، سواء كانت الدلالة تضمناً أو التزاماً.
3. أن يؤمن بأثر ذلك الاسم الذي كان مما دل عليه الاسم من الصفةِ.

ونحن هنا نضرب مثلا :

من أسماء الله تعالى : " السميع " ، يجب على طريق أهل السنة والجماعة أن يُثبت هذا الاسم من أسماء الله ، فيُدعى الله به، فيقال- مثلا- عبد السميع , ويقال : يا سميع ، يا عليم ، و ما أشبه ذلك؛ لان الله تعالى يقول ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا... ) (الأعراف180 )

وكذلك أيضاً يثبت ما دل عليه هذا الاسم من الصفة، وهي السمع ، فنثبت لله سمعاً عاماً شاملاً لا يخفى عليه أي صوت وإن ضعُف.

كما يثبت أيضا اثر هذه الصفة ، و هي أن الله تبارك وتعالى يسمع كل شيء. وبهذا ننتفع انتفاعاً كبيراً من أسماء الله ؛ لانه يلزم من هذه الأمور الثلاثة التي أثبتناها في الاسم إذا كان متعديا أن نتعبد الله بها , فنحقق قول الله عز وجل ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا... ) (الأعراف180 )

فأنت إذا آمنت بان الله يسمع ؛ فانك تؤمن انك مهما قلت من قول سواء كان سراً أم علنا فان الله تبارك وتعالى يسمعه، وسوف ينبئك بما كنت تقول يوم القيامة .

وسوف يحاسبك على ذلك على حسب ما تقتضيه حكمته في كيفية من يحاسبهم تبارك وتعالى.

إذنْ : القاعدة عند أهل السنة والجماعة : إن الاسم من أسماء الله إذا كان متعديا فانه لا يمكن تحقيق الإيمان به إلا بالإيمان بهذه الأمور الثلاثة:

1. أن تؤمن به اسما من أسماء الله ، فنثبته من أسمائه.
2. أن نؤمن بما دل عليه من صفة.
3. أن نؤمن بما يترتب على تلك الصفة من الأثر.

وبهذا يتحقق الإيمان بأسماء الله تبارك وتعالى المتعدية.

* أما إذا كان الاسم لازماً فانهم يثبتون هذا الاسم من أسماء الله ، ويسمون الله به ويدعون الله به، ويثبتون ما دل عليه الاسم من صفة على الوجه الأكمل اللائق بالله تعالى، ولكن هنا لا يكون اثر ؛ لان هذا الاسم مشتق من شيء لا يتعدى موصوفه، فلذلك لا يكون اثر .

* ونضرب مثلا ( الحي ) : فان ( الحي ) من أسماء الله عز وجل، ونثبته اسماً لله ، فنقول : من أسماء الله تعالى ( الحي ) ، وندعو الله به، فنقول ( يا حي ، يا قيوم ).

ونؤمن بما دل عليه من صفة، سواء كان ذلك تضمناً أو التزاماً، وهي الحياة الكاملة التي تتضمن كل ما يكون من صفات الكمال في الحي من علم، وقدرة، وسمع، وبصر ، وكلام، وغير ذلك.

فعلى هذا نقول : إذا كان الاسم من أسماء الله غير متعد فان تحقيق الإيمان به يكون بأمرين :

أحدهما: إثباته اسماً من أسماء الله تعالى.

والثاني: إثبات ما دل عليه من الصفة على وجه الكمال اللائق بالله تبارك وتعالى

أما الصفات فإننا لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه سواء ذكر الصفة وحدها بدون إن يتسمى بما دلت عليه، أو كانت هذه الصفة مما دلت عليه أسماؤه ، فانه يجب علينا أن نؤمن بهذه الصفة على حقيقتها .

مثال ذلك : اثبت الله تبارك وتعالى لنفسه انه استوى على عرشه وهو يخاطبنا بالقرآن النازل باللسان العربي المبين وكل الناس الذين لهم ذوق في اللغة العربية. يعْلمون معنى( اسْتوى ) في اللـغة العربية
و لهذا قال الأمام مالك رحمه الله تعالى – و قد سؤال عن قوله تعالى(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )(طه5) , كيف استوى؟ فقال " الاستواء معلوم، و الكيف مجهول، و الإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ". هذا هو اللفظ المشهور عنه و اللفظ الذي نقل عنه بالسند قال " الاستواء غير مجهول، و الكيف غير معقول، و الإيمان به واجب، و السؤال عنه بدعة" . وهذا اللفظ أدق من اللفظ الذي سقناه قبل ؛ لأن كلمة " الكيف غير معقول" تدل على أنه إذا انتفى عنه الدليلان النقلي و العقلي فإنه لا يمكن التكلم به.

هذه الصفة من صفات الله تعالى لم يردْ اسمٌ من أسماء الله مُشتقٌ منها , فلم يرد من أسـمائه ( المستوي ) ولكننا نقول : إنه استوى على العرش . ونؤمن بهذه الصفة على الوجه اللائق به .

و نعلم أن معنى الاستواء هو العلو ، فهو علو خاص بالعرش ، ليس العلو المطلق على جميع المخلوقات، بل هو علو خاص ، و لهذا نقول في قوله تعالى( ...ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ... ) (الأعراف54) أي: علا و اسْتقر على وجه يليق بجلالةِ وعظمتِه. وليس كاستواء الإنسان على البعير و الكرسي مثلا؛ لأن الاستواء على البعير و الكرسي استواء مُفتقر إلى مكانه الذي يستوي عليه، أما استواءُ الله جل ذكره فإنه ليس استواء مفتقرٍ، بل إن الله تبارك و تعالى غني عن كل شيء، كل شيء مفتقرٌ إلى الله، والله تبارك و تعالى غنيٌّ عنه .

ومن زعم أنه بحاجة إلى عرش يُقله فقد أساء بربه عز رجل؛ فهو سبحانه وتعالى غيرُ مفتقر إلى شيء من مخلوقاته، بل جميع مخلوقاته مفتقرةٌ إليه.

وكذلك النزول إلى سماء الدنيا حينما يبقى ثلث الليل الآخر نؤمن به على أنه نزولٌ حقيقي، لكنه يليق بالله عز وجل لا يشبه نزول المخلوقين .

ومن هنا نقول : إنه يجب على المؤمن أن يتحاشى أمراً يلقيه الشيطانُ في باله، أمراً خطيراً للغاية – وهو أمرٌ حمل أهل البدع على تحريف النصوص من أجل هذا الأمر الذي يجعله الشيطانُ في قلوب الناس- ، ألا وهو تخيل كَيْفِيَّةِ صفة من صفات الله، أو تخيل كَيْفِيةِ ذات الله عز وجل!

فاعلم انه لا يجوز أبدا أن يتخيل كيفية ذات الله ، أو كيفية صفة من صفاته، واعلم انك إن تخيلت أو حاولت التخيل فانك لا بد أن تقع في أحد محذورين: إما التحريف والتعطيل ، و إما التمثيل والتشبيه .
ولهذا يجب عليكم أيها الاخوة أن لا تتخيلوا أي شيء من كيفية صفات الله عز وجل، لا أقول : لا تثبتوا المعنى ؛ لأن المعنى يجب أن يُثبتَ ، لكن تخيل كيفية تلك الصفة لا يمكن أن تتخيلها، وعلى أيِّ مقياس تقيس هذا التخيل ؟!

لا يمكن أبداً أن تتخيل كيفية صفات الله عز وجل لا بالتقدير ولا بالقول! يجب عليك أن تتجنب هذا ؛ لأنك تحاول مالا يمكن الوصول إليه ! بل تحاول ما يُخشى أن يوقعك في أمر عظيم لا تستطيع الخلاص منه إلا بسلوك التمثيل والتعطيل! وذلك لان الرب جلت عظمته لا يمكن لاحد أن يتخيله على كيفية معينة؛ لانه إن فعل ذلك فقد قَفَا ما ليس له به علم، وقد قال الله تعالى( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )(الإسراء36).

وإن تخيله على وصف مقارب بمثيل فقد مثل الله، والله سبحانه وتعالى يقول ( ...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )(الشورى11) .

لا يمكن أبداً أن تتخيل كيفية صفات الله عز وجل لا بالتقدير ولا بالقول! يجب عليك أن تتجنب هذا ؛ لأنك تحاول مالا يمكن الوصول إليه ! بل تحاول ما يُخشى أن يوقعك في أمر عظيم لا تستطيع الخلاص منه إلا بسلوك التمثيل والتعطيل! وذلك لان الرب جلت عظمته لا يمكن لاحد أن يتخيله على كيفية معينة؛ لانه إن فعل ذلك فقد قَفَا ما ليس له به علم، وقد قال الله تعالى( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )(الإسراء36).

وإن تخيله على وصف مقارب بمثيل فقد مثل الله، والله سبحانه وتعالى يقول ( ...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )(الشورى11) .

وبهذا نعلم أن من أنكر صفات الله أنكرها لانه تخيل أولاً ، ثم قال: هذا التخيل يلزم منه التمثيل ، ثم حرفوا! ولهذا نقول: إن كل معطل ومُنكر للصفات فانه مُمَثلٌ سبق تمثيله تعطـيله. مثل أولاً وعطل ثانياً ولو انه قدر الله حق تقديره ولم يتعرض لتخيل صفاته سبحانه ما احتاج إلى هذا الإنكار والى هذا التعطيل.

ثانيا: طريقة أهل السنة والجماعة في عبادة الله

أما كونهم يعبدون الله لله؛ فمعنى ذلك الإخلاص ، يخلصون لله عز وجل، لا يريدون بعبادتهم إلا ربهم، لا يتقربون إلى أحد سواه، إنما( ...يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَه... )(الإسراء57) ، ما يعبدون الله لان فلاناً يراهم، وما يعبدون الله لانهم يعظمون بين الناس ، ولا يعبدون الله لانهم يُلقبون بَلَقب العابد! لكن يعبدون الله لله.

و أما كونهم يعبدون الله بالله؛ أي : مستعينين به، لا يمكن أن يفخروا بأنفسهم، أو أن يروا انهم مُستقلون بعبادتهم عن الله، بل هم محققون لقول الله تعالى( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )( الفاتحة5) . (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) يبعدون الله لله، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )يعبدون الله بالله. فستعينونه على عبادته تبارك وتعالى .

و أما كونهم يعبدون الله في الله ؛ في دين الله، في الدين الذي شرعته على السنة رسله، وهم وأهل السنة والجماعة في هذه الأمة يعبدون الله بما شرعه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لا يزيدون فيه ولا ينقصون منه، فهم يعبدون الله في الله في شريعته في دينه لا يخرجون عنه لا زيادة ولا نقصانا، لذلك كانت عبادتهم هي العبادة الحَقةَ السالمةَ من شوائب الشرك والبدع ؛ لأن من قصد غير الله بعبادته فقد أشرك به، ومن تَعبدَ الله بغير شريعته فقد ابتدع في دينه، والله سبحانه وتعالى يقول( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )(البينه5) .

فعبادتهم لله في دين الله لا يبتدعون ما تستحسنه أهواؤهم لا أقول : ما تستحسنه عقولهم ؛ لأن العقول الصحيحة لا تستحسن الخروج عن شريعة الله ؛ لأن لزوم شريعة الله مقتضى العقل الصريح ، ولهذا كان الله سبحانه وتعالى ينعي على المكذبين لرسوله عقولهم ويقول( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ )(العنكبوت63) .

ولو كنا نتعبد لله بما تهواه نفوسنا وعلى حسب أهوائنا لكنا فِرَقا وشيعاً ، كل يستحسن ما يريد ، فيتعبد لله به! وحينئذٍ لا يتحقق فينا وصف الله سبحانه وتعالى في قوله( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ... )(المؤمنون52) .

ولننظر إلى هؤلاء الذين يتعبدون لله بالبدع التي ما أَذِن الله بها ولا أنزل بها من سلطان، كيف كانوا فرقاً يكفر بعضهم بعضا ويفسق بعضهم بعضا، وهم يقولون انهم مسلمون! لقد كُفِّر بعض الناس ببعض أمور لا تخرج الإنسان إلى الكفر! ولكن الهوى أصمهم و أعمى أبصارهم.

نحن نقول : إننا إذا سرنا على هذا الخط لا نعبد الله إلا في دين الله فإننا سوف نكون أمة واحدة، لو عبدنا الله تعالى بشرعه وهداه لا بهوانا لكنا أمة واحدة، فشريعة الله هي الهدى وليست الهوى.

إذنْ : لو أن أحدا من أهل البدع ابتدع طريقة عَقَديةً ( أي تعود للعقيدة) أو عملية ( تعود للعمل ) من قول أو فعل ، إن هذه حسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجُرها وأجر منْ عمِل بها إلى يوم القيامة ) , قلنا له بكل بساطة : هذا الحُسنُ الذي ادعيْت إنه في هذه البدعة هل كان خافياً لدى الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو كان معلوماً عنده لكنه كتمه ، ولم يَطلِع عليه أحدٌ من سلفِ الأمة حتى ادُّخِر لك علمه ؟!

والجواب: إن قال بالأول فشرٌ ، وان قال بالثاني فأُظم واشرٌَ.

فإن قال : إن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم حُسنَ هذه البدعة ولذلك لم يشرعها.

قلنا: رميت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر عظيم، حيث جهلته بدين الله وشريعته.!!

وإن قال : إنه يعلم ولكن كتمه عن الخلق.

قلنا له: وهذه أدهى وأمر ؛ لأنك وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو الأمين الكريم وصفته بالخيانة وعدم الجود بعلمه وهذا أشر من وصفه بعدم الجود بماله، مع انه صلى الله عليه وسلم كان أجودَ الناس ! وهنا شرٌّ قد يكونُ احتمالاً بان الرسول صلى الله عليه وسلم علمها وبلِّغها ولكنْ لم تصلْ إلينا.

فنقول له: وحينئذ طعنت في كلام الله عز وجل ؛ لان الله تعـالى يقول( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )(الحجر9) و إذا ضاعت شريعة من شريعةٌ الذكر فمعنى ذلك إن الله لم يقم بحفظه، بل نَقَصَ من حفظه إياه بقدر ما فات من هذه الشريعة التي نزل من اجلها هذا الذكر!!

وعلى كل حال : فان كل إنسان يبتدع ما يتقرب به إلى ربه من عقيدة أو عمل قولي أو فعلي فانه ضال ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل بدعة ضلالة ) , وهذه كلية عامة لا يُستثنى منها شيء إطلاقا ، فكل بدعة في دين الله فإنها ضلالة وليس فيها من الحق شيء ؛ فان الله تعالى يقول( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) يونس32) .

ثم نقول: إن الحديث لا يدل على كل بدعة! بل قال ( من سنة في الإسلام ). وما خرج عن شريعة الرسول ليس من الإسلام، بل قد قال ( من سنة في الإسلام سنة حسنة ) . وبهذا نعرف أنه لا بد أن تكون هذه السنة مما أثبته الإسلام , وإلا ليست سنة في الإسلام , ومن علِم سَبَبَ الحديث الذي ذكرناه عَلِمَ أن المراد بالسنة : المبادرة بالعمل , أو السبق إلى تنفيذ سنة كان أسبق الناس بها , لأن سبب الحديث معلومٌ وهو أن جماعةٌ جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وكانوا فقراء , فَحَث المسلمين على التصدق عليهم , فأتى رجلٌ من الأنصار بصرةٍ قد أثقلتْ يده فوضعها بين يديه صلى الله عليه وسلم ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها ) . وبهذا عرفنا المراد أن منْ سنها ليس من شرعها ، لكن من عمل بها أولا ؛ لانه بذلك( أي بعمله أولا ) يكون هو إماما للناس فيها، فيكون قدوة خير وحسنة ، فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .

ولا يرد على ذلك ما ابْتدعَ من الوسائل الموصلَة إلى الأمور الشرعية؛ فان هذه وان تَلَجْلَجَ بها أهلُ البدع وقعدُوا بها بدعَهم فإنه لا نصيب لهم منها، إلا أن يكون الراقم الماء له نصيب من الحروف بارزة في الماء !

أقول : ان بعض الناس يستدلون على تحسين بدعهم التي ابتدعوها في دين الله والتي يلزم منها ما سبق ذكره بما احدث من الوسائل لغايات محمودة.

احتجوا على ذلك بجمع القران ، وبتوحيده في مصحف واحد و بالتأليف، وببناء دور العلم وغير ذلك مما هو وسائل لا غايات! فهناك فرق بين الشيء الذي يكون وسيلةً إلى غاية محمودة مثبتةٍ شرعاً لكنها لا تتحقق إلا بفعل هذه الوسيلة ؛ فهذه الوسيلة طبعاً تتجدد بتجدد الزمن وتختلف باختلاف العصور، ها هو قوله عز وجل( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ... )( الانفال60) و إعدادُ القوة على عهده عليه الصلاة والسلام غير إعداد القوة في زمننا هذا، فإذا ما أحدثنا عملاً معيناً نتوصل به إلى إعداد القوة فان هذه بدعةُ وسيلةٍ وليستْ بدعةُ غايةٍ يُتقرب بها إلى الله، ولكنها بدعةُ وسيلةٍ، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن للوسائل أحكام المقاصد وبهذا أن ما تلجْلجَ به مبتدع الحوادث في دين الله باستدلالهم بمثل هذه القضايا انه ليس لهم فيها دليل أبداً؛ لان كل ما حصل فهو وسائل لغايات محمودة.

فجمع القرآن من تصنيف وما أشبه ذلك كله وسائل لغايات هي مشروعة في نفسها، فيجب على الإنسان أن يفرق بين الغاية والوسيلة، فما قصد لذاته فقد تم تشريعه من عند الرسول عليه الصلاة والسلام بما أوحاه الله إليه من الكتاب العظيم ومن السنة المطهرة، ولدينا ولله الحمد آية نتلوها في كتاب الله، وهي قوله تعالى ( ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا... )( المائدة3) , فلو كان من المحدثات ما يكمل به الدين لكانت قد شُرعتْ وبُينتْ وبُلغتْ وحُفظتْ، ولكن ليس فيها شيء يكون فيه كمال الدين، بل نقص في دين الله .

قد يقول بعض الناس: إننا نجد في هذه الحوادث عاطفة دينيةً ورقةً قلبية واجتماعاً عليها.

فنقول : إن الله تعالى اخبر عن الشيطان انه قال( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ...)(الاعراف17) , يُزَينها الشيطان في قلب الإنسان ليصده عما خُلِق له، عن عبادة الله التي شرع ، فترضخ النفس بواسطة تسلُّط الشيطان على المرءِ حتى يصده عن دين الحق ، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بان ( الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) ، بل في القرآن قبل ذلك قال الله تعالى ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) (النحل99-100) , فجعل الله للشيطان سلطاناً على من تولاه و أشرك به، أي جعل لله شريكاً به بواسطة الشيطان.

وكل من جعل له متبوعاً في بدعة من دين الله فقد أشرك بالله عز وجل، وجعل هذا المتبوع شريكاً لله تعالى في الحكم! وحكم الله الشرعي والقدري لا شريك له أبدا ( ...إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ... )(يوسف40) , وركزت على هذا الأمر لكي يعلم أهل الإحداث المُحدِثُون انه لا حجة لهم فيما أحدثوه.

واعلم رحمك الله انه لا طريق إلى الوصول إلى الله عز وجل والى دار كرامته إلا من الطريق الذي وضعه هو سبحانه وتعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( ...وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى... )(النحل60) , لو أن ملكاً من الملوك فتح باباً للدخول عليه، وقال: من أراد أن يصل إليَّ فليدخل من هذا الباب ، فما ظنكم بِمْن ذهب إلى أبوابٍ أخرى، هل يَصِلُ إليه؟ كلا بالطبع .

والملك العظيم ، ملم الملوك، وخالق الخلق، جعل طريقاً إليه خاصاً بما جاءه به رسله وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعد بعثه لا يمكن لأي بشر أن ينال السعادة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم.

والحقيقة أن تعظيم الرسول صلى الله عليه و سلم ، وأن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، أن نسلك ما سلك ، ونذر ما ترك، وان لا نتقدم بين يديه فنقول في دينه ما لم يقل، أو نحدث في دينه ما لم يشرع.

هل من محبة الرسول عليه الصلاة والسلام وتعظيمه أن نُحدث في دينه شيئا يقول هو عنه ( كل بدعه ضلالة ) . ويقول ( من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد ) , هل هذا من محبة الرسول ؟! هل هذا من محبة الله عز وجل ؟! إن تُشَرِّعَ في دين الله ما لم يشرع ؟ ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(ال عمران31) .

ثالثا: طريقة أهل السنة والجماعة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم

من المعلوم انه لا يتم الإسلام إلا بشهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله، والشهادة لا تَتَحققُ إلا بثلاثة أمور :
1. عقيدة في القلب.
2. نطق باللسان .
3. عمل بالأركان

ولهذا يقول المنافقون للرسول عليه الصلاة والسلام إذا جاؤوه( ... نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ...) . ويقول الباري جل ذكره فيهم( ...وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )(المنافقون1) لماذا ؟ لان هذه الشهادة فُقد منها أعظمُ ركنٍ فيها وهو العقيدة ، فهم يقولون بألسنتهم ما لا يعتقدونه في قلوبهم.

فمن قال : اشهد أن محمداً رسول الله. ولكن قلبه خالٍ من هذه الشهادة فانه لم يُحقِّقْ شهادة أن محمدا رسول الله.

ومن اعتقد ذلك ولم يقله بلسانه فانه لم يحقق شهادة أن محمدا رسول الله.

ومن قال ذلك لكن لم يتبعه في شريعته فانه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله. وكيف تخالفه و أنت تعتقد بأنه رسول رب العالمين وان شريعة الله هو ما جاء به ؟!

كيف تقول انك شهدت أن محمدا رسول الله على وجه التحقيق ؟! لهذا نعتقد أن كل منْ عصى الله ورسوله فانه لم يحقق شهادة أن محمدا رسول الله.

لستُ أقول : انه ما يشهد ، ولكنه لم يحقق، وقد نقص من تحقيقه إياه بقدر ما حصل منه مِن} مخالفة

إذنْ : طريقةُ أهل السنة والجماعة في حقِّ رسول الله عليه الصلاة والسلام الشهادة له بقلوبهم وألسنتهم و أعمالهم انه رسول الله، كذلك- أيضا - يُحِبونه حب تقدير حباً تابعاً لمحبة الله عز وجل.

وليسوا يحبونه من باب التعبد له بمحبته؛ لان الرسولَ الله عليه الصلاة والسلام يُتعبدُ لله به- أي بشَرْعِه-، ولكنه لا يعبد هو .

فهم يحبون الرسولَ عليه الصلاة والسلام لأنه رسولُ ربِّ العالمين . ومحبتهم له من محبة الله تبارك وتعالى، ولو لا إن الله أرسل محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي لكان رجلاً من بني هاشم لا يستحق هذه المرتبة التي استحقها بالرسالة.

إذن : نحن نحبه ونعظمه لأننا نُحِبُّ الله ونُعظمه، فمن أجل انه رسول الله وان الله تبارك وتعالى هدى به الأمة ، حينئذٍ نحبه.

فالرسول عليه الصلاة والسلام عند أهل السنة والجماعة محبوب، لانه رسول رب العالمين، ولا شك انه أحق الناس، بل أحق الخلق و أجْدرهم بتحمُّل هذه الرسالة العظيمة عليه الصلاة والسلام.

كذلك – أيضا- يعظمون الرسول عليه الصلاة والسلام حق التعظيم ويرون انه اعظم الناس قدرا عند الله عز وجل.

لكن مع ذلك لا يُنْزِلُونه فوق منزلتهِ التي أَنزلهُ الله، ويقولون : إنه عبد الله، بل أَعْبدُ الناس لله عز وجل حتى إنه يقوم حتى تَتَوَرّمَ قدماه، فيقال: كيف ذلك وقد غَفَرَ لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول ( أَفَلا أَحِبُّ أن أكونَ عبداً شكورا ) .

من يحقق العبادة كتحقيق الرسول عليه الصلاة والسلام ؟! ولهذا قال ( إِنِّي والله أخْشاكمْ لله و أعْلمُكمْ بما أتقي ) . فهو بلا شك أعظم العابدين عبادة و أشدهم تحقيقا لها صلى الله عليه وسلم، ولهذا حين تحدث عن البصـل و الكراثِ قال المسلـمون : حرمت. قال ( أيها الناس! إنه ليـسَ لي تحـريم ما أحل الله ) .

انظروا إلى هذا الأدب مع الله عزوجل ! هكذا العبودية , ولهذا هم يقولون : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم , عَبْد من عبدا الله , وهو أكمل الناس في عبوديته لله .

ويؤمنون –أيضاً- بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يَعْلم الغيبَ إلا ما أطلعه الله عليه , لا يملكُ لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا لغيره , والله تعالى قد أمره أن يُبلغ ذلك إلى الأمة فقال ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ )(الأنعام50)

وما هي وظيفته ؟ ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )(الأحقاف9) ومنْ زَعم أن الرسولَ عليه الصلاة والسلام يعلمُ شيئاً من الغيب غير ما أطلعه عليه فهو كافر بالله ورسوله , لأنه مكذبٌ لله ورسوله .

فإن الرسول أم أن يقول –وقال - قولا يُتلى إلى يوم القيامة قوله ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ )(الأنعام50)

وبمناسبة هذه الآية الكريمة أودُّ أن أقولَ: إن القرآن الكريم أحياناً تُصدَّرُ الأخبارُ فيه بكلمة ( قل ) وكلُّ شيءً صُدَّرَ بهذه الكلمة معناه: أن الله سبحانه وتعالى اعْتنَى به عنايةً خاصةَ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، قد أُمرَ أن يقولَ كلَّ القرآن ؛ ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )(المائدة 67) لكن هذا الذي خُصَّ بكلمة ( قل ) فيه عنايةُ خاصةٌ استحقَّ أن يُصدَّرَ بالأمر بالتبليغ على وجه الخصوص، مثل هذه الآية ومثلها في الأحكام ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ... ) (النور: 30) , ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ...)(النور31) والأمثلةُ كثيرةٌ في القرآن.

إذن : الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيبَ إلاَّ ما أَطْلَعه الله، ولا يَمْلكُ لنفسه ضرّاً ولا نفعاً، بل ولا لغيره أيضاً؛ ( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ) (الجن21) , ( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) (الجن22) لو أراد الله بي شيئاً ما أجارني أحدٌ منه ولن أجدَ من دونه مُلتحداً.

ويعتقدون أن الرسول عليه الصلاة والسلام بَشَرٌ ليس له من شئون الربوبية شيء، ولا يعلم الغيبَ إلا ما أطلعه ]الله[ عليه، حتى إنه عليه الصلاة والسلام يُسْأل أحياناً عن شيءً من الأحكام الشرعية، فيتوقف حتى يأتيه الوحي، حتى إنه أحياناً يُصْدرُ القولَ، فيأتيه الاستثناءُ من عند الله عز وجل؛ فقد سُئلَ عليه الصلاة والسلام عن الشهادة: هل تُكَفَّرُ كلَّ شيء؟ فقال: ( نعم ) . ثم قال ( أين السَّائلُ؟ ) فقال ( إلاَّ الدَّيْنَ؛ أَخْبرني بذلكَ جبريلُ آنفاً ) , أحياناً يجَتْهَدُ عليه الصلاة والسلام ولكن يأتـيه الوحيُ من الله عز وجل بأن الخيرَ في كذا وكذا خلافَ ما اجتهد فيه صلى الله عليه وسلم.

إذن : الرسول عليه الصلاة والسلام عبد عابد لله عز وجل وليس له من شئون الربوبية شيء، هذا هو قول أهل السنة والجماعة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يعتقد أهل السنة والجماعة أيضاً: أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ تَجُوزُ عليه كُلُّ الخصائص البشرية والجسدية: فينامُ، ويأكلُ، وَيشربُ، وَيمرضُ، وَيتألَّمُ، وَيحْزَنُ، ويَرضىَ، وَيغضب – عليه الصلاة والسلام - ، ويَموتُ كما يموتُ الناس ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (الزمر30-31) , ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ...) (آل عمران144) , ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قد مات ميتةً جسديةً فارقت روحه جسده فيها , وقاه أهله وأصحابه بما يقومون به في غيره من شئون الموتى , سوى أنه عليه الصلاة والسلام لم يجرد عند تغسيله , والمعروف أن لم يُصل عليه جماعة , إنما كان الناس يصلون عليه أفراداً , لأنه الإمام عليه الصلاة والسلام .

ومن زعم أنه جيُّ في قبره حياةً جسديةً لا حياةً برزخيةً وأنه يصلي ويصومُ ويحجُ وأنه يعلمُ ما تقوله الأمةُ وتفعله فإنه قد قال قولاً بلا علمٍ

فالرسول عليه الصلاة والسلام انقطع عمله بموته , كما قال هو نفسه ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث , صدقة جارية , أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له )

فعمله الذي يعمله بنفسه انقطع بموته , ولكن لا شك أن كل علم علمناه من شريعة الله فإنه بواسطته عليه الصلاة والسلام , وحينئذ فيكون منتفعاً من كل هذه العلوم التي علمناها بعد موته صلى الله عليه وسلم , وكذلك الأعمال الصالحة التي نعلمها كانت بدلالته صلى الله عليه وسلم فيكون له مثل أجر العاملين .


رابعا : طريقة أهل السنة والجماعة في حق الصحابة رضي الله عنهم

أهل السنة والجماعة يعرفون للصحابة قدرهم , وأنهم خير القرون بشهادة الني صلى الله عليه وسلم قال – فيما ثبت عنه من حديث عمران بن حصين ( خيرُُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم ) , فالصحابة خير هذه الأمة بلا شك , ولكنهم على مراتب : بعضهم أفضل من بعض .

قال الله تعالى ( ... لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ... )(الحديد10) , وقال تعالى ( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ... ) (النساء95) .

ولكن ]مع[ هذه المراتب وهذه الفضائل يجب أن نعرف أن الواحد فيهم له مرتبة على الإطلاق وله مرتبة خاصة , أي أنه قد يكون أفضل من غيره على سبيل العموم والإطلاق , ويكون في غيره خصلةٌ هو أفضلُ منه فيها , وأهل السنة والجماعة يقولون : إن أفضل الصحابة الخلفاء الأربعة , وأفضلهم أبوبكر , ثم عمر , ثم عثمان , ثم علي , يرتبونهم في الفضل حسب ترتبيهم في الخلافة , ولكن لا يلزم من كون أبي بكر أفضل الصحابة أن يتميز أحد من الصحابة عن أبي بكر بمنقبةٍ خاصةٍ .

وقد يكون لعلي بن أبي طالب منقبة ليست لأبي بكر , وقد يكون لعمر منقبةٌ ليست لأبي بكر , كذلك قد يكون لعثمان , ولكن الكلام على الفضل المطلق والمربتة الكليةِ العامة , فإن مراتب الصحابة تختلف اختلافاً اتفق عليه أهل السنة والجماعة وهو دلالة القرآن ودلالة السنة أيضاً .

فإن خالد بن الوليد وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما تنازعا في أمر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد ( لا تسبوا أصحابي , فوالذي نفسه بيده لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه )

كذلك أيضا أهل السنة والجماعة يقولون : إن بعض الصحابة له مزيةٌّ ليست لغيرهم , فيجب أن ننْزلهم في منازلهم , فإذا كان الصحابي من آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام كعلي بن أبي طالب و وحمزة , والعباس , وابن عباس وغيرهم , فإننا نحبه أكثر من غيره , من حيث قربه من الرسول عليه الصلاة والسلام , لا على سبيل الإطلاق .

فنعرف له حقه بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يلزم من ذلك أن نفضله على غيره تفضيلا مطلقاً ممن له قدمُ راسخُ في الإسلام أكثر من هذا القريب من الرسول صلى الله عليه وسلم , لأن المراتب والفضائل هي صفات يتميز الإنسان بصفةٍ منها لا يتميز بها الآخر .

وأهل السنة والجماعة في آل البيت لا يغلو غلو الروافض و ولاينصبون العداوة لهم نصب النواصب , ولكنهم وسط بين طرفين , يعرفون لهم حقهم بقرابتهم من الرسول عليه الصلاة والسلام , ولكنهم لا يتجاوزن بهم منزلتهم



خامساً : طريقة أهل السنة والجماعة في حق الأولياء ، والأئمة:

أئمة هذه الشريعة الإسلامية ولله الحمد أئمةٌ مشهورون أثُنتْ عليهم الأمّةُ وعرفت لهم قَدْرَهُمْ ، ولكنها لا تعتقد فيهم العصمة ، فليس عند أهل السنة والجماعة أحدٌ معصومٌ من الخطأ ولا من الإقرار على الخطأ إلا الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإنه معصومٌ من الإقرار على الخطأ , أما غيره مهما بلغت إمامته فإنه ليس معصوماً أبداً، كل يخطئ وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله تعالى بطاعته على الإطلاق.

فهم يقولون : لا شك أن في هذه الأمة أئمة، ولا شك أن فيها أولياء ، ولكننا لا نريد بذلك أن نثبت العصمة لأحد من هؤلاء الأئمة ، ولا أن نُثبت لأحد من الأولياء أنه يعلم الغيب أو يتصرف في الكون، وهم أيضاً لا يجعلون الولي من قال عن نفسه أنه ولي، أو أتى بالدعايات الباطلة لأجل أن يجِلب الناس إليه، يقولون : إن الولي بيَّنَه الله تعالى بقوله ( ألآ إن أوليآء اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون الذين ءامنوا وكانوا يتقون )(يونس 62-63) هؤلاء الأولياء : الذين آمنوا وكانوا يتقون. فالإيمان : العقيدة , والتقوى : العمل قولاً كان أو فعلاً . وأخذ شيخ الإسلام من هذه الآية عبارة طيبة وهي قوله ( من كان مؤمناً تقيّاً كان لله وليّاً ) هذا الوليُّ حقيقة، لا الولي الذي يجلبُ الناسَ إليه، ويجمع الحاشية ويقول: أنا أفعل، ويستعين بالشياطين على معرفة الخفي ، ثم يبهر الناسَ بما يقول، فيقولون: هذا ولي لا؛ لأن الولاية تكون باتّباع الرسول علية الصلاة والسلام، وبإيمانه وتقواه. فإن كان مؤمناً تقياً فهو ولي.

ولكن هؤلاء الأولياء أيضاً لا يلزم في كل ولي أن يجعل لله له كرامة! فما أكثر الأولياء الذين لا كرامة لهم؛ لأن الكرامة في الغالب لا تأتي إلا لنصر حق أو دفع باطل، لا لتثبيت شخص بعينه، فلا يلزم –إذن- أن يكون لكل ولي كرامةٌ. قد يَحْيَى الوليُّ ويموتُ وليس له كرامةٌ، وقد يكون له كراماتٌ متعددة ، وهذه الكراماتُ قال أهل العلم: كل كرامة لولي فإنها آية للنبي الذي اتبعه. ولا أقول ( معجزة ) لأن الأوْلي أن تُسمَّي آيةٌ؛ لأن هذا التعبير القرآني، والآية أبلغ من المعجزة؛ لأن الآية معناها: العلامة على صدق ما جاء به هذا الرسول، والمعجزةُ قد تكون على يد مُشَعوذ أو على يد إنسان قوي يفعل ما يعجز عنه غيره، لكن التعبير بـ( الآية ) وهي التعبير القرآني، فنسمَّي المعجزات بالآيات، هذا هو الصواب.
يوجد أناسٌ حسب ما نَسمع في هذه الأمة يَدَّعُون أنهم أولياء! ولكن من تأمل حالهم وجد أنهم بعيدون عن الولاية، وأنه لا حظ لهم فيها! لكن لهم شياطين يُعينونهم على ما يُريدون فيخدعون بذلك البُسَطَاءَ من الناس.



سادساً: طريقة أهل السنة والجماعة في إصلاح المجتمع

يَرى أهل السنة والجماعة أن المجتمع الإسلامي لا يكمل صلاحه إلا إذا تمشى مع ما شرعه الله سبحانه وتعالى له، ولهذا يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعروف : كل ما عرفه الشرع وأقره ، والمنكر: كل ما أنكره الشرع وحرمه. فهم يرون أن المجتمع الإسلامي لا يصلُح إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأننا لو فقدنا هذا المقوم لحصل التفرق، كما يشير إليه قول الله عز وجل ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ن وألئك هم المفلحون , ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) (آل عمران 104 – 105)

وهذا المقوم وللأسف في هذا الوقت ضاع أو كاد؛ لأنك لا تجد شخصاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى في المحيط القليل المحصور إلا ما ندر. وإذا تُرك الناس هكذا، كل إنسان يعمل ما يريد؛ تفرق الناس. ولكن إذا تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر؛ صاروا أمة واحدة.

ولكن لا يلزم إذا رأيت أمراً معروفاً أن يكون عند غيرك ! إلا في شيء لا مجال للاجتهاد فيه ؛ إنما ما للاجتهاد فيه مجال فقد أرى أن هذا من المعروف ويرى الآخر أنه ليس منه. وحينئذ يكون المرجع في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ( ... فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ... )(النساء 59) ولكن طريقة أهل السنة والجماعة في هذا الباب العظيم الذي فضلت فيه هذه الأمة على غيرها أنهم يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقومات المجتمع الإسلامي، ولكنه يحتاج إلى أمور:

أولاً: أن يكون الإنسان عالماً بالحكم بحيث يعرف أن هذا معروفٌ وأن هذا منكر أما أن يأتي عن جهل ثم يأمر بشيءٍ يراه معروفاً في ظنه وهو ليس بمعروف فهذا قد يكون ضره أكبر من نفعه لذلك لو فرضنا شخصاً تربى في مجتمع يرون أن هذه البدعة معروفٌ , ثم يأتي إلى مجتمع جديد غيره يجدهم لا يفعلونها , فيقوم وينكرُ عليهم عدم الفعل ويأمرهم بها , فهذا خطأ ! فلا تأمر بشيءٍ إلا حيثُ تَعرف أن معروفٌ في شريعة الله , ليس بعقيدتك أنت وما نشأت عنه ! فلا بد من معرفة الحكم وأن هذا معروفٌ حتى تأمر به وكذلك المنكر .

ثانياً : لابد أن تعلم أن المعروف لم يُفعل , وأن هذا المنكر قد فُعل , وكم من إنسان أمر شخصاً بمعروف فإذا هو فاعله , فيكون في هذا الأمر عبئاً على غيره ! وربما يضع ذلك من قدره بين الناس .

وإذا رأينا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وجدنا أن هذه طريقته , دخل رجلٌ يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطـبُ وجلس , فقـال صلى الله عليه وسـلم : ( أصليت ) قال : لا , قال ( فقم فصـل ركعتين ) .

صلاة الركعتين لداخل المسجد من المعروف ولا شك , ولكن صلى الله عليه وسلم ما أمره به مباشرة حتى علم أن لم يفعله . فأنت قد تأمر هذا الرجل أن يفعل شيئا , وإذا هو قد فعله , فتنسب إلى التعجل وعدم التريث وتحُط من قدرك , ولكن اسأل وتحقق , إذا لم يفعل حينئذ تأمر به .

وكذلك أيضاً بالنسبة للمعاصي , فبعض الناس قد ينهى شخصاً عما يراه منكراً وليس بمنكر , مثال ذلك :

رأيت رجلاً يصلي الفريضة وهو جالس , فنهيته بأنِْ ليس له حق أن يصلي وهو جالسٌ , فهذا غير صحيح ! لكن اسأل أولاً : لماذا جلس , قد يكون له عذر في جلوسه وأنت لا تعلم ! حينئذ الحكم الشرعي , وأن تعرف الحال التي عليها المأمور والمنهي حتى تكون على بصيرة من أمرك .

ثالثاً : أن لا يترتب على فعل المعروف ما هو منكرٌ أعظم مفسدةً من منفعةِ المعروف فإن درأ المفاسد أولىْ من جلْب المصالح .

وهذه الكلمة المعروفة هي القاعدة التي دل عليها القرآن ليست أيضاً على إطلاقها ! أي : أنه ليست مفسدةٍ درؤها أوْلى من جلْب مصلحةٍ , بل إذا تكافئت مع المصلحة فدرءُ المفسدة أولى , وإذا كانت أعظم من المصلحة فدرءُ المفسدة أولى , والله سبحانه وتعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )(الأنعام108) , فسبُ آلهةِ المشركين كل يعلمُ أنه مصلحة وأن فيه خيراً , لكن إذا تضمنت هذه المصلحة ما هو أنكر – وأنكر من باب التفاضل الذي ليس في الطرف الآخر من شيء- إذا تضمن مفسدةً عظيمةً فإنها تترك , لأننا إذا سببنْا آلهتهم ونحن نسُبها بحق سبُّوا الله عدواً بغير علم , فهذه نقطة ينبغي أن نتفطن لها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

أما إذا كانت المفسدة تنغمر في جانب المصلحة , فإننا نفضل المصلحة ولا يهمنا وهذا عليه شيء كثير من أحكام الله الشرعية والكونية . فمثلاً : هذا المطر الذي ينزل وفيه مصلحة عامة , لكن فيه ضرراً على إنسان بنى سقفه الآن وجاء المطر فأفسده لكن هذه المفسدة القليلة مُنغمرة في جانب المصلحة العامة .

وهكذا أيضاً الأحكام الشرعية كالأحكام الكونية وهذا أمر ينبغي التنبه له , وهو أننا قد لا يكون من المصلحة أن ننهى عن هذا المنكر لأنه يتضمن مفسدة أكبر , ولكننا نتريث حتى تتم الأمور .

ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتدرج في التشريع حتى يقبلها الناسُ شيئاً فشيئاً , وهكذا المنكر لا يد أن نأخذ الناسَ فيه بالمعالجة حتى يتم الأمر .

وهذه هي الأمور الثلاث :

1-العلمُ بالحكمِ -2- العلمُ بالحالِ -3-أن لا يترتب على فعلِ المعروف منكرٌ أعظم مفسدةً .


سابعاً : قول أهل السنة والجماعة في الإيمان

الإيمان حقيقته عند أهل السنة والجماعة هو : ( اعتقاد القلب , وقول اللسان , وعمل الجوارح ) ويستدلون لقولهم هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الإيمان بضعٌ وسبعون شعبةً , أعلاها قول – لا إله إلا الله – وأدناها –إماطة الأذى عن الطريق . والحياء شُعبة مِنَ الإيمان ) . فالقول : قول ( لا إله إلا الله ) , وعمل الجوارح وعمل القلب ( الحياء ) ( وإماطة الأذى عن الطريق ) . أما عقيدة القلب فقوله صلى الله عليه وسلم ( الإيمان أن تـؤمن بالله وملائكـته وكتبه ورُسلهِ , واليوم الآخر , والقدر خيرهِ وشرهِ )

وهم أيضاً يقولون : إن الإيمان يزيد وينقص , فالقرآن قد دل على زيادته , والضرورة العقلية تقتضي أن كل ما ثبت أن يزيد فهو ينقص , إذ لا تُعقلُ الزيادة بدون نقص ( ويزداد الذين ءامنوا إيماناً )(المدثر31) , ( فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيماناً )(التوبة124) , ولاشك في ذلك ومتى قلنا : إن الإيمان قول وعمل , فإنه لا شك أن الأقوال تختلف , فليس من قال ( سبحان الله والحمد لله , والله أكبر ) مرةً كمن قالها أكثر ! وكذلك أيضاً نقول : أن الإيمان الذي هو عقيدة القلب يختلفُ قوةً وضعفاً , وقد قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام ( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )(البقرة260) , فإنه ليس الخبر كالمعاينة والمشاهدة

رجلٌ أُخبر بخبر , أخبره رجلٌ واحدٌ , حصل عنده شيءٌ من هذا الخبر , فإذا جاء ثانٍ ازداد قوةً فيه , وإذا جاءه الثالث , ازداد قوةً , وهلم .

وعليه نقول : الإيمان يزيد وينقصُ حتي في عقيدة القلب , وهذا أمر يعلمهُ كل إنسانٍ من نفسه , وأما من أنكر زيادته ونقصانه فإنه مخالفٌ للشرع والواقع , فهو يزيد وينقص .