المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا لايرى الجميع بعقولهم الخالق العظيم ؟



ابو مارية القرشي
12-22-2005, 05:59 PM
منقول من المثنوي العربي النوري للشيخ سعيد النورسي رحمه الله

سؤال: لماذا لايرى الجميع بعقولهم الخالق العظيم ؟

الجواب: لكمال ظهوره جل وعلا، ولعدم الضد.

تأمل سطور الكائنات فانها من الملأ الاعلى اليك رسائل

فهذا الكتاب الكوني العظيم يتجلى فيه النظام بوضوح تام بحيث يُظهر النّظام كالشمس في رابعة النهار، فتظهر معجزة القدرة في كل كلمة أو حرف فيه. فتأليف هذا الكتاب البديع فيه من الاعجاز الباهر بحيث لو فرضنا - فرضاً محالاً - ان كل سبب من الاسباب الطبيعية فاعلاً مختاراً، لسجدت تلك الاسباب جميعاً - بكمال العجز - أمام ذلك الاعجاز، قائلة: سبحانك... لاقدرة لنا... انك انت العزيز الحكيم. اذ انك ترى أن في هذا الكتاب من النظم الدقيق المتشابك المتساند بحيث يلزم لايجاد نقطة في مكانها الصحيح قدرة مطلقة تستطيع ايجاد الكون كله، وذلك لأن كل حرف من حروفه - ولاسيما ما كان ذا حياة - له وجه ناظر الى كل جملة من جمل الكتاب، وله عين شاخصة اليها، بل ان كل كلمة فيه لها ارتباط وثيق مع كلمات الكتاب كلها.. فالذي خلق عين البعوضة اذاً هو خالق الشمس ايضاً، والذي نظّم معدة البرغوث هو الذي ينظم المنظومة الشمسية. فان شئت راجع كتاب "السانحات" لترى حقيقة الآية الكريمة: (ما خلقكم ولا بعثكم اِلاّ كنفسٍ واحدة) (لقمان: 28). ولتشهد كيف يقطر شهدُ الشهادة الصادقة من لسان معجزة القدرة، النحل، الذي يمثل كلمة صغيرة من هذا الكتاب. او ان شئت فتأمل في نقطة من هذا الكتاب، في حيوان مجهري لا يُرى بالعين المجردة، لتشهد كيف انه يمثل نموذجاً مصغراً للكائنات. فالذي كتبه على هذه الصورة المعجزة كتب الكائنات. فلو امعنت النظر فيه لرأيته يضم من المكائن الدقيقة والاجهزة البديعة ما يثبت لك يقيناً انه لا يمكن ان يفوّض أمره الى الاسباب الجامدة البسيطة الطبيعية التى لا تميز بين الامكانات. الاّ اذا توهمت ان في كل ذرة شعورالحكماء وحكمة الاطباء ودهاء الساسة والحكام، وانها تتحاور فيما بينها دون وساطة !!. وما هذا الاّ





المثنوي العربي النوري - ص: 424

خرافة يخجل منها الخرافيون. فلا يمكن ان تكون تلك الماكنة الحية الصغيرة اذاً الاّ معجزة قدرة إلهية. ألا ترى ان العقول تنبهر امامها؟ فهي اذاً ليست من صنع الاسباب الطبيعية، بل من ابداع من يقدر على ايجاد الكائنات كلها وينظم شؤونها، اذ هو محال ان يجتمع اس اساس تلك الأسباب المادية وهو: القوة الجاذبة والقوة الدافعة معاً في جزء لايتجزأ للقيام بتلك الصنعة الحكيمة.

نعم ! ان ما يظنونه اساساً لكل شئ من جذب ودفع وحركة وقوة وامثالها، انما هو ناموس الهي يمثل قوانين عادات الله، واسم لها. فهذه القوانين مقبولة بشرط الاّ تنتقل من كونها قاعدة الى طبيعة فاعلة، ومن شئٍ ذهني الى حقيقة خارجية، ومن امرٍ اعتباري الى حقيقة مشهودة، ومن آلة قياس الى مؤثر حقيقي.

سؤال: مع ان هذه الشهادة قاطعة، فكيف اذاً يعتقد البعض بأزلية المادة، وتشكّل الانواع من حركات الذرات (اي بالمصادفة) وامثالها من الامور ؟

الجواب: لمجرد اقناع النفس بشئ آخر (غير الايمان بالله)، ولأنهم لايدركون فساد الفكرة بالنظر السطحي التقليدي، ينشأ لديهم هذا الاحتمال. ولكن اذا قصد الانسان وتوجّه بالذات الى اقناع نفسه، فلابد انه سيقف على محالية الفكرة وبُعدها عن المنطق والعقل. ولو اعتقد بها فلا يعتقد الاّ بسبب التغافل عن الخالق سبحانه. فما اعجب الضلال !... ان من يضيق عقله عن ازلية الله سبحانه وايجاده الاشياء كلها - وهي صفة لازمة ضرورية للذات الجليلة - كيف يعطي تلك الازلية والايجاد الى ذرات غير متناهية والى اشياء عاجزة ؟!. فلقد اشتهرت حادثة: انه بينما كان الناس يراقيون هلال العيد، ولم يره احد، اذا بشيخ هرم يحلف انه قد رأى الهلال، ثم تبين ان مارآه لم يكن هلالاً بل شعرة بيضاء مقوسة قد تدلت من حاجبه! فاين تلك الشعرة من الهلال ؟ واين حركات الذرات من تشكيل الانواع؟.

ان الانسان لكونه مكرّماً فطرةً يبحث عن الحق دوماً، واثناء بحثه يعثر على الباطل احياناً فيخفيه في صدره ويحفظه. وقد يقع الضلالُ - بلا اختيار منه - على رأسه اثناء تنقيبه عن الحقيقة، فيظنه حقاً، فيلبسه كالقلنسوة على رأسه.!!





المثنوي العربي النوري - ص: 425

سؤال: ما هذه "الطبيعة" و"القوانين" و "القوى" التي يسلّون بها انفسهم؟

الجواب: ان الطبيعة هي شريعة إلهية كبرى أوقعت نظاماً دقيقاً بين افعال وعناصر واعضاء جسد الخليقة المسمى بعالم الشهادة. هذه الشريعة الفطرية هي التي تسمى بـ"سنة الله" و "الطبيعة" وهي محصلة وخلاصة مجموع القوانين الاعتبارية الجارية في الكون.

أما ما يسمونه بـ "القوى" فكل منها هو حكمٌ من احكام هذه الشريعة.

و"القوانين" كل منها عبارة عن مسألة من مسائلها.

ولكن لاستمرار احكام هذه الشريعة واطراد مسائلها توهّم الخيال فجسّمها في "الطبيعة" واعتبرها موجوداً خارجياً مؤثراً وحقيقة واقعية فاعلة، بينما هي امر اعتباري ذهني. فترى النفوس التي ترى الخيال حقيقة والامر الاعتباري الذهني امراً خارجياً ألبست هذه الطبيعة طور المؤثر الحقيقي. والحال لا يقنع القلبُ بأي مبرر، ولا يعجب الفكر بأي مسوغ، بل لاتأنس الحقيقة: بكون هذه الطبيعة الجاهلة مصدراً للاشياء. فما ساقهم الى هذه الفكرة غير المعقولة الاّ توهمهم انكار الخالق الجليل، وذلك لعجزهم عن ادراك آثار قدرته المعجزة المحيرة للعقول.

فالطبيعة مطبعة مثالية وليست طابعة، نقش لانقاشة، قابلة للانفعال لا فاعلة، مسطر لا مصدر، نظام لا نظّام، قانون لا قدرة، شريعة ارادية لا حقيقة خارجية.

فلو قدم شخص في ريعان الشباب الى هذا العالم البديع مباشرة، ودخل قصراً فخماً مزيناً بأروع الآثار وافترض لنفسه ان ليس هناك من أحد خارج البناء قد قام بتشييده وتزيينه، وبدأ يتحرى السبب الفاعل في ارجاء القصر، ووقع بصره على كتاب جامع لأنظمة القصر وخارطته، فانه يتصور - من جهله - ان هذا الكتاب هو الفاعل، لما ينعكس في شعوره من البحث عن علّة حقيقية، فيضطر الى هذه العلة بسبب افتراضه الموهوم مقدماً!. وهكذا البعض يسلّي نفسه بالطبيعة بسبب تغافله عن الخالق الجليل، فيضطر الى خداع نفسه بنفسه ويتيه في مثل هذه الامور الخارجة عن منطق العقل.





المثنوي العربي النوري - ص: 426

والشريعة الالهية اثنتان:

احداهما: الشريعة الآتية من صفة الكلام التي تنظم افعال العباد الاختيارية.

والثانية: الشريعة الآتية من صفة الارادة التي تسمى بالاوامر التكوينية والشريعة الفطرية وهي محصلة قوانين عادات الله الجارية في الكون.

فكما ان الشريعة الاولى عبارة عن قوانين معقولة، فان الشريعة الثانية ايضاً عبارة عن مجموع القوانين الاعتبارية، والتي تسمى - خطأ - بالطبيعة فهذه القوانين لاتملك التأثير الحقيقي ولا الايجاد، اللذين هما من خواص القدرة الالهية.

ولقد شرحنا - أثناء بياننا التوحيد - ان كل شئ مرتبط بالاشياء جميعاً، فلا شئ يحدث من دون الاشياء جميعاً. فالذي يخلق شيئاً قد خلق جميع الاشياء، لذا فليس الخالق لشئ الاّ الواحد الأحد الصمد. بينما الاسباب الطبيعية التي يسوقها أهل الضلالة هي متعددة، فضلا عن انها جاهلة لا يعرف بعضها بعضاً. علاوة على انها عمياء، وليس بين يديها الاّ المصادفة العمياء.. فـ (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) (الانعام: 91)

الخلاصة: ان الاعجاز الباهر الظاهر في النظام والتناسق والاطراد المشاهد في كتاب الكون الكبير - وهو برهاننا الثاني على التوحيد - يظهر بوضوح تام كالشمس الساطعة ان الكون وما فيه ليس الاّ آثار قدرة مطلقة وعلم لا يتناهى وارادة ازلية.

| سؤال: بم يثبت النظام والانتظام والتناسق ؟.

الجواب: ان العلوم الكونية التي توصل اليها الانسان، هي كالحواس لنوع الانسان وكالجواسيس تكشف له عن مجاهيل لا يصلها بنفسه. فبالاستقراء التام يمكنه ان يتوصل الى كشف ذلك النظام بتلك الحواس والجواسيس. فكل نوع من انواع الكائنات قد خصّ بعلم أو في طريقه الى ذلك، لذا يُظهر كلُ علمٍ ما في نوعه من انتظام ونظام بكلية قواعده، لأن كل علم في الحقيقة عبارة عن دساتير وقواعد كلية. وكلية القواعد تدل على حسن النظام؛ اذ ما لا نظام له لا تجري فيه الكلية. فالانسان مع انه قد لا يحيط بنفسه بالنظام كلّه الا انه يدركه بجواسيس العلوم، فيرى أن الانسان الاكبر - وهو العالم - منظمٌ كالانسان الأصغر سواءً بسواء. فما من شئ الاّ ومبني على اسس حكيمة، فلا عبث، ولا شئ سدىً.





المثنوي العربي النوري - ص: 427

فبرهاننا هذا ليس قاصراً -كما ترى - على اركان الكائنات واعضائها، بل يشمل الخلايا وجميع الكائنات الحية، بل يشمل الذرات جميعاً،فكلها لسان ذاكر يلهج بالتوحيد، والجميع يذكرون معاً: "لا اله الاّ الله"

خلوصي
03-26-2011, 09:16 PM
لم تجد أخي أبا مارية تجاوبًا فتركت !
ألم ؟ يقل لك الأستاذ :
" التزم وظيفتك و كِل أمر النتائج إلى الله "
بسمات