المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ ضَرورَةٌ حَتْمِيَّةٌ (2): اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ



المستشار سالم عبد الهادي
01-14-2006, 12:30 PM
السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ ضَرورَةٌ حَتْمِيَّةٌ
(2)
السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ واللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ
(الجزء الأول)


نزل القرآن الكريم بلغة العرب؛ كما قال سبحانه وتعالى واصفًا له: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].
وفي سورة (طه) يقول عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} [طه: 113]
وفي سورة (الشعراء) يقول عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء:192- 195]
وفي سورة (الزمر) يقول سبحانه وتعالى: {قُرْآناً عَرَبِياًّ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: 28]
وفي سورة (فُصِّلَت) يقول سبحانه وتعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3]
وفي سورة (الشورى) يقول سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِياًّ لِّتُنذِرُ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7]
وفي سورة (الزخرف) يقول سبحانه وتعالى: {حم . وَالْكِتَابِ المُبِينِ . إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 1- 3].

وهذا هو الأمر الطبيعي في كتابٍ نزل يتحدَّى العرب بلغتهم وفصاحتهم وبلاغتهم؛ ولو نزل عليهم القرآن بغير لسانهم لما تمت المعجزة ولا قامت عليهم به الحجة.
ولذا قال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الَعَزِيزُ الحَكِيمُ} [إبراهيم: 4].
فكل رسولٍ جاء بلسان قومه ليفهموه ولتقوم عليهم الحجة برسالته.

فلمَّا كانت اللغة العربية هي لغة القرآن التي نزل بها كان لابد في فهمه وتفسيره من الرجوع للغته الأصلية التي نزل بها.
ونحن نرى القانونيين يرجعون في تفسيراتهم لبنود الاتفاقات الدولية إلى اللغة الأصلية التي كُتِبَت بها في الأصل عند بدء وضعها والاتفاق عليها، كما نرى ذلك في المواد التفسيرية والشروحات القانونية.
كما نرى ذلك بوضوحٍ عند المهتمين بدراسة العهدين القديم والجديد (التوراة والإنجيل) فإنهم لا يقنعون بالترجمة العربية، وإنما يرجعون للنُّسَخِ المكتوبة باللغة الأصلية.

اللغة هي وسيلة التخاطب بين الناس، وهي وسيلة نقل المعارف وفهم المقروء والمكتوب، ولا عبرة بمكتوبٍ لا تُعْرَفُ لغته، أو لا يُحْسِن الناظر فيه قراءة سطوره بلغته التي كُتِبَ بها، كما هو الحال لعاميٍّ يعثر على مجلةٍ علميَّةٍ نادرةٍ غير أنها كُتِبَت بالفرنسية أو اليابانية أو الصينية أو غيرها من اللغات التي لا يُتْقنها، ومثله في ذلك مثل الذي يمسك بمجلة وهي لا يستطيع القراءة أصلاً!

فالذي لا يستطيع القراءة من الأساس، والذي يستطيع قراءة لغة غير لغة المكتوب أمامه يقفان جنبًا إلى جنبٍ تجاه هذا المكتوب أمامها ولا يقدران عليه، رغم اختلاف السبب لدى كلٍّ منهما، غير أَنَّ المحصِّلة النهائية واحدة، وهي جهل الاثنين بلغة المكتوب أمامهما.


ومن يتكلم في القرآن مع جهله بلغة القرآن الذي أنزله الله عز وجل عربيًا فصيحًا فسوف يخبط والدنيا ظلام، وستأتي أقرب مسافة بين نتائجه وبين مقاصد القرآن الكريم كما بين السماء والأرض!

ولقد وقفت اللغة العربية ولا زالت وقفة الحارس الأمين تزود عن حياض القرآن الطاهرة، وتفضح كل جاهلٍ يحاول أن يقترب منه بجهلٍ! وحَقٌّ لها أن تغارَ على نفسها وقرآنها الكريم؛ لأنَّه من غير المعقولِ أبدًا أن ينزل القرآن الكريم بلغةٍ عربية واضحةٍ صريحةٍ ثم يأتي أحدهم فيفهمه وفق لهجاتٍ ولغات لم يسمع بها العرب ولا رأوها، ولو رأوها لأنكروها جملةً وتفصيلاً!

ولَمَّا كان القرآن الكريم قد نزل يتحدَّى أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان، مع عِلْم الله بما سيجري على الناس بعد هذه العصور من ضعفٍ في لُغَتِهم وأذواقهم، وهنا تلطَّفَ ربُّكَ بعباده وهو اللطيف الخبير، فنصبَ الرُّسل في حياتِهم مُعَلِّمِين للناس ما نُزِّلَ إليهم من ربِّهم؛ كما قال عز وجل:
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران:164].
ويقول عز وجل في آيةٍ أخرى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ . بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44].

ثم أَوْكَلَ الله عز وجل مَهَمَّة البيان والعِلْم والبلاغ بعد ذلك للعلماء العارفين بطرقِ الاستنباط واستخراج الأحكام من القرآن الكريم، بناءً على التَّطْبيق العمليِّ وشرحه وتفسيره في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وسيرته.

كما قال عز وجل: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].

وأعان الله عز وجل العلماء بالسُّنَّةِ النبوية الضرورية لفهم القرآن الكريم واستخراج الأحكام منه؛ بوصفها الفهم الأصلي للقرآن والتطبيق العملي له على يد من أنزل الله عليه هذا القرآن، فهو أعلم بمراد الله عز وجل، وبما أرسله ربُّه به من غيره.
وهذا من مسلَّمَات العقولِ السليمة.

ولذا رأينا أن الله عز وجل قد كَلَّفَ رسلَه بتبليغ ما أوحاه إليهم إلى الناس كافة، مع بيانه للناس بيانًا شافيًا وافيًا تقوم به الحجة عليهم، ولا تقوم الحجة إلا بإرسال الأنبياء والمرسلين إلى الناس ليبينوا لهم ما نُزِّلَ إليهم من ربِّهم.
كما قال عز وجل: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [البقرة: 129].

وقال عز وجل: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151].

وقال عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164].

وقال تبارك وتعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15].

فبعثَ الله عز وجل الرُّسل والأنبياء لهداية الناس، وأقام الجزاء والعقاب بناءً على هذا الإرسال، وما كان الله عز وجل لِيُعَذِّبَ الناس بما ارتكبوه حتى يبعث لهم رسولاً كما في آية سورة الإسراء التي هنا؛ لكنَّ مهمة الرسول تبينها الآيات السابقة، فتقول:
1- يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ.
2- وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ.
3- وَالْحِكْمَةَ.
4- وَيُزَكِّيهِمْ.

فلا تكتمل إقامة الحجة بالرسالات حتى تكتمل شروط البلاغ والتبيين لمراد الله عز وجل، وتعليم الناس ما نُزِّلَ إليهم من ربِّهم.

ولذا يأمرنا سبحانه وتعالى أن نأخذ بالدين كله، ولا نأخذ ببعضِه دونَ بعضٍ، كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 208].
وقال سبحانه وتعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85].

فلابد إِذَن من الأخذ بجميع الدين الذي أرسله الله عز وجل إلينا وأمرنا بالأخذ به، بكل تفاصيله وأصوله وأركانه، بما في ذلك مهمَّات الرُّسُل والأنبياء وطرق تبليغ الدين إلى البشر.

ثم الإسلام نزل لكافة الناس، وليس لقوم دون قومٍ، ولا لفئة محدودةٍ في زمنٍ محدودٍ، كما قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].

وهذا يدلّ على أمور مهمةٍ:

الأولى: ضرورة الأخذ بكافة أحكام وأركان الدين.
الثانية: ضرورة فهم القرآن الكريم من خلال فهم النبي صلى الله عليه وسلم له، وتطبيقه لأحكامه، وشرحها وبيانها في واقعه وسيرته وسُنَّتِه النبوية الكريمة.
الثالثة: ضرورة فهم القرآن الكريم بناءً على لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم.

وأكتفي بهذه الثلاثية البالغة الأهمية؛ لأنها قوام الإسلام، بل هي قوام أية نقولات دينية أو دنيوية، وعليها اتفقت عقول البشر جميعًا.

فقد اتفق البشر فيما بينهم على أَنَّ أَعْلَم الناس بتفسير القانون واضعه، كما أن أعلم الناس بشرح النظريات العلمية هم واضعوها ومكتشفوها، كما أَنَّ أعلم الناس بالطب هم الأطباء، وأعلمهم بالهندسة هم رجال الهندسة، وهكذا.
فكذلك أعلم الناس بالرسالات وشرح مراد الله عز وجل منها هم رُسُل الله وأنبياء الله عز وجل، كما أَنَّ أعلم الناس بالقرآن الكريم هو من نزل عليه القرآن الكريم.

فلابد في فهم القرآن الكريم من معرفة التطبيق الفعلي له، على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سُنَّته صلى الله عليه وسلم، فالسنة ليست بديلاً عن القرآن الكريم، كما أَنَّ رُسلَ الله عز وجل ليسوا شركاء لله عز وجل في التشريعات، ولكنهم ينفذون وحيًا أوحاه الله عز وجل لهم، وأمرهم بتبليغه، وتعليمه للناس.

وما يذكره النبي صلى الله عليه وسلم من تفسيرات وبيانات وأحاديث نبوية فهو وحي أيضًا، كما قال عز وجل: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}.
ولا مجال للتفريق بين القرآن وغيره هنا فالكل منطوق نطق به النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه خص القرآن بأحكامًا كما خص السنة النبوية بأحكام أخرى.
غير أن الجميع وحي من الله عز وجل، ما لم يقم الدليل على كونه من الأمور الخارجة عن الشريعة والوحي.

فلو لم تأت الآية المذكورة لتقول لنا بأن الجميع وحي من الله؛ لكان العقل من أكبر البواعث والدلائل على ضرورة أن يكون التطبيق الفعلي للنبي صلى الله عليه وسلم وحي هو الآخر؛ لأنه كما ذكرتُ مرارًا في هذا المقال وفي غيره أن التطبيق الفعلي للنبي صلى الله عليه وسلم هو بمثابة التفسير والبيان للنصوص الشرعية الواردة، قرآنًا وسنةً، أو هو بمثابة ((المذكِّرَة التفسيرية)) على حدِّ تعبير رجال القانون الذي استخدمته في مقالي السابق حول ((السنة النبوية والمذكرات التفسيرية)).

ولابد حين يأمرهم سبحانه وتعالى بتعليمه للناس أن يعصمَهم في طريقة التعليم، وأن يوحيها إليهم، كما أوحى إليهم ما يُعَلِّمونه.
فإذا كان الله عز وجل قد أوحى القرآن الكريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإِنَّ العقول السليمة تستدعي أن يوحي الله عز وجل طريقة تعليم هذا القرآن للناس حتى لا يخطئ النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو بشر في تعليمه للناس، ومن أراد أن تنجح خُطَّتُه في الناس فليضع لها تطبيقات مضمونة وأساليب بعيدة عن الخلل والخطأ، ليأمن من تأرجح الخطط في تطبيق النص كل فترة، بما في ذلك من إضعاف للنصِّ نفسه.
وهذا من مُسَلَّمَات العقول السليمة.

ونحن نرى شاهده الآن في حياتنا في تلك القوانين الوضعية التي لا حصر لها، لكنها لكثرة التبديل والتغيير وتعرُّضها للاختراق مراتٍ ومرات، قد صارت أَوْهَى من بيت العنكبوت، ورجعت طرق تطبيق القانون على القانون نفسه بالضعفِ.

وهذا من المسلَّمات كما ذكرتُ مرارًا، وهو من ضرورات العقول.

والفكرة مهما كانت صحيحة فإنها بحاجةٍ إلى تطبيقٍ صحيحٍ يدلُّّ عليها.

ولذا امتنَّ الله عز وجل على عباده بتكليف الرُّسُل ببيان ما نُزِّل إلى الناس، وشرحه وتفسيره لهم، كما قال عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران:164].

ثم هو قد كَلَّف علماء المسلمين بالقيام بهذه المهمة الجليلة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].

وتكتسب السنة النبوية أهمية أخرى إلى أهميتها الأصلية حين نعلم ما وصل إليه حال الناس من ضعفٍ في فهم لغة العرب التي وصل بها القرآن الكريم، فهنا تأتي السنة النبوية الكريمة لتقول قولتَها وتوضح لنا المراد من الأسلوب الإعجازي العظيم في القرآن الكريم، والذي استعصت محاكاته أو الإتيان بمثله على أئمة اللغة والفصاحة قديمًا، فكيف بأهل عصرنا الذين تربَّى أكثرهم على (لغة الشوارع) أو لنقل على (لغة المجلات والصحف اليومية) على أحسن تقدير.

هنا لابد من الرجوع لفهم القرآن وتطبيقه العملي في السنة النبوية المطهرة لنفهم المراد منه حقَّ فهمه.

ولنضرب المثال على ذلك حين أراد بعضهم أن يخرج من مسلَّمات العقول، وضروراتها، وأن لا يعود للسُّنَّةِ النبوية في فهم القرآن الكريم، وهو مثال لكاتبٍ صهيونيٍّ معاصرٍ، لكنه يعمل تحت ستار (إنكار السُّنَّةِ) لينسب نفسه للإسلام، زورًا وبهتانًا.

فلننتقل إلى الكلام عن:
(الزواج بالخالة من الرضاعة) جريمةٌ جديدةٌ لصهاينةِ الْعَرَبِ
تحت ستار (إِنْكار السُّنَّةِ)!!

وذلك في لقاءٍ قريبٍ قادمٍ إن شاء الله عز وجل...