سبع البوادي
02-09-2006, 12:20 PM
لاديني ترعرع وسط مجتمع متدين، لكنه لا يؤمن بالديانات بصفة عامة، وليس لديه أي توجه ديني بحيث يشك في كل شيء.
بحث في جميع الديانات السماوية، وغير السماوية، وتبين له أن كل ذلك مجرد أيديولوجيا لتمرير خطاب معين، أو توجيه شعب نحو فكرة معينة تخدم الطبقة الحاكمة، يؤيد فكرة ماركس" الدين أفيون الشعوب".
وعن مصير الإنسان بعد الموت الذي اختلفت فيه جميع الطوائف/ تناسخ أرواح- جنة و نار- حساب و عقاب-تحمل خطايا الناس.
يقول الدكتور عزت عطية أستاذ الحديث بكلية أصول الدين- جامعة الأزهر:
نبدأ من الآخر بدلاً من الأول، وهو مصير الإنسان بعد الموت، فالتناسخ يعني أن الروح الواحدة تحل في أجساد متعددة، وأن كل مرحلة فيها تكون تابعة للمرحلة التي قبلها، خيراً أو شراً، وعلى ذلك فلا نهاية للعالم، ولا خلاص من التكليف، سواء في الجسد الأول أو الثاني أو العاشر أو المليون، وهو شقاء أبدي يكتب على المخلوق، تبعا لهذه النظرية، لا مخلص منه، ورحمة الله تأبى ذلك.
وأما تحمل خطايا البشر فلا يناسب التكليف والعدل الإلهي، ولا يظهر فيه الفضل الإلهي على الناس، لأنه يجرد الإنسان من شخصيته أو مسئوليته، وينتهي بالجميع إلى الغفران، بصرف النظر عما يفعله كل واحد.
ولو كان الأمر كذلك عند معتقديه لما وُجِدَ قانون للجنايات، ولا عقاب على إساءة، ولا نظام للحياة تتميز فيه الناس بجهودهم ونفعهم أو ضرهم للآخرين أما ما تقوم عليه الأديان السماوية وما جاء في الرسالات الإلهية فهو المناسب لأحوال الناس حيث تكون الدنيا فترة اختبار وتمييز ثم يكون الجزاء في الآخرة.
فإذا أضفنا إلى ذلك الأدلة الدامغة على النبوة، من الإعجاز، ومن أحوال الأنبياء، ومن التعاليم التي وردت عنهم، ومن التفرقة الضرورية بين أهل الصلاح وأهل الفساد، وبين الدين كما جاء من عند الله، والدين كما صورته الشياطين من الأنس والجن، إذا أضفنا ذلك ظهر لنا أثر الدين في الحياة الشخصية الظاهرة و الباطنة، الفكرية والسلوكية والشعورية، كما ظهر لنا أثر الدين في الأخلاق العامة، وفي الإنتاج، وفي التوازن الاجتماعي.
وكل ذلك ينافي كون الدين أفيون الشعوب، فالأفيون يدمر ولا يبني، يدمر العقل والإحساس، ولا ينمي الشعور، فالدين حياة وإحياء، والأفيون دمار وهلاك، وقد استبدل ماركس الدين الإلهي بالتدين الشيطاني، وانتهى الأمر بأفكاره إلى الجحيم، وانصرف عنه المؤيدون والمشجعون.
واقرأ معي قوله تعالى، في الدستور السماوي الخالد :( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ* أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ).
ويقول الدكتور شوقي أبو خليل، دكتوراه في التاريخ الإسلامي، والمحاضر بكلية الشريعة جامعة دمشق، في مقال له منشور بأحد المواقع الإلكترونية، تحت عنوان (حول مقولة الدين أفيون الشعوب) :
قال صاحبي : الدين أفيون الشعوب!! . قلت مجيباً : اللهم نعم.. وألف نعم. فدهش الرجل واحتار. لقد توقع مني غير هذا الكلام، فقال : أنت موافق على أن الدين أفيون الشعوب؟!، قلت له : نعم.. أنا موافق على هذا القول، أو على هذه النظرية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
قال : وكيف ذلك؟ . قلت: لأنها قيلت بحق أوربة عندما عطلت الكنيسة فيها العقل وجمدته، وشكلت طبقة من الإكليروس متميزة، ظهر منها، ما لا يليق بها.. وخاضت صراعاً عنيفاً بين العلم والدين، وقالت للإنسان: ((أطع وأنت أعمى)).. لذلك جابهت العلماء، وحرقت بعضهم- وعلى سبيل المثال ـ جعلت القول بكروية الأرض ودورانها جريمة. فهذه الأحوال المعطلة للعقل، والصادة عن العلم، والواقفة عقبة كأداء في سبيل تقدمه، يحق فيها ما قيل عنها.
أما الدين الذي جعل من تعاليمه تقديس العقل وتكريم العلم والعلماء في أي اختصاص.. فلا ينطبق عليه القول.. إن الدين الذي من تعاليمه: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) [البقرة: 111]، لا ينطبق عليه القول المذكور. والدين الذي جعل من مبادئه: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [المجادلة: 11] . لا ينطبق عليه القول المذكور. إن الدراسة ـ التي عُممت ـ تمت على واقع أوربة في القرنين الماضيين.. فالقول الصحيح: ((الدين ـ في أوربة ـ أفيون الشعوب)).
قلتُ: يا صاحبي، سأضع بين يديك شواهد وأدلة من إسلامنا، كل واحد منها كاف لرد التعميم القائل: ((الدين أفيون الشعوب)) زمنها :
1 ـ يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: (لا خير في كثير من نجواهم إلا مَن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومَن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) [النساء: 113]. دين يجعل المجالس التي ليس فيها إصلاح للمجتمع لا خير فيها، دين ليس أفيوناً، إنه دين المجتمع الفاضل المتكافل المتحاب..
2 ـ دين يجعل من مبادئه: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) [النجم: 39]، دين ينبذ الكسل والتواكل، ويحب السعي والعمل.. استعاذ نبيه، صلى الله عليه وسلم، من الجبن والبخل والعجز والكسل.. دين يجعل السعي مبدأ، والعمل أساساً.. دين ليس أفيوناً.
3 ـ دين يجعل من تعاليمه: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) [التوبة: 106]، دين يقدس العمل ويأمر به، دين الحركة الدائبة في طلب الرزق الحلال.. ليس أفيوناً.
4 ـ دين ورد في دستوره: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً، فكلي واشربي وقري عيناً) [مريم: 24، 25]، فدين يعلم أتباعه، ألا تواكل، وأنتم في أضعف حالة من القوة والنشاط، لن يصلكم رزقكم إلا بالعمل، قدموا طاقتكم، وابذلوا ما في وسعكم.. دين حياة، وليس أفيوناً.. فالخطاب في الآية الكريمة لمريم، وهي في ساعة الولادة.. ومع ذلك لم يرسل الله لها رزقها دون حركة وعمل.. بل قال لها: (هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً...) وهذا تعليم للمؤمنين.. ألا رزق بدون سعي فلا رطب بدون هز جذع النخلة.. فدين هذه تعاليمه، هل هو أفيون؟ لا أحسب عاقلاً يقول هذا.
5 ـ قال نبي الإنسانية، صلى الله عليه وسلم، : ((لأن يأخذ أحدكم أحبُله (جمع حبل) ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكُفّ الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)). وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)). وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَن بات كالاً من عمل يده، بات مغفوراً له)).. ولما رأى عليه الصلاة والسلام صحابياً يده خشنة قال له: ((ما هذا الذي أرى بيدك؟))، فقال الصحابي: من أثر المر والمسحاة، أضربُ وأعمل وأنفق على عيالي.. فسُرَ النبيُ الكريم، وقدر اليد العاملة وقال: ((هذه يدُ لا تمسها النار)). فهل دين فيه هذا التقدير من نبيه للعمل والعمال، دين تخدير وأفيون؟ أيقول عاقل هذا؟؟!! علماً أن من صريح تعاليمه: ((إن الله يكره العبد البطال)) و ((إن الله يحب المؤمن المحترف)).
6 ـ ورد في الحديث الشريف، ((المؤمن كيس فَطن حذر)) ومعنى المؤمن الكيس: المؤمن العاقل المدرك.. أما المؤمن الفطن: فالمؤمن الذكي النبيه ((ليس بالخب والخب لا يخدعه)).. منتهى اليقظة والتنبه.. فأين التخدير والأفيون؟ الإسلام عقل مدرك، وفطنة وذكاء..
7 ـ كان عمر (رضي الله عنه) يرى الرجل فيسأله عن مهنته، فإذا قال لا مهنة لي، سقط من عينه. وكان يقول: ((لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: أللهم ارزقني، فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة)). ونظر مرة إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة، وقال: لا تُمت علينا ديننا، أماتك الله)). وقال عمر على المنبر: ((مَن أحيا أرضاً ميتة فهي له)).. وكان يشجع الناس على استقطاع الأرض الفلاة، بغية إعمارها.. فأين التخدير والأفيون.. والإسلام عمل وعزة و إعمار..
8 ـ قال صلى الله عليه وسلم : ((أللهم بارك لأمتي في بكورها)) فالإسلام نبذ للكسل، وهمة عالية في استقبال نهار جديد، خاصة أن عشرات الآيات الكريمة تحض على استعمال العقل والتفكير واليقظة..
9 ـ مَن يقول: (الدين أفيون الشعوب) بحجة عقيدة القدر، نقول له : الإيمان بالقدر.. إتيان بالأسباب على أكمل الوجوه.. ثم توكل على مسبب الأسباب، وإن حدث ما يُسيء المرء وينغص معيشته، فالقدر يُبيد الحادثة المزعجة، ويحفز همته من جديد لاستقبال أيامه المقبلة بيقين الواثق بالفوز، وبأمل جديد يدفعه للمحاولة من جديد.. فليست عقيدة القدر معطلة للهمة، باعثة للكسل والتواكل.. لقد كانت عقيدة القدر قوة دافعة إلى الأمام، للجهاد، للفتوح، للاستشهاد..
10 ـ وأخيراً.. نختم بقولنا : لقد كانت هذه الأمة في أفيون، في مخدر.. عندما كان بأسها بينها شديد، وعدوها يتربع فوق أرضها في العراق والشام واليمن، مخدرة عن عدوها بثاراتها وغزوها.. سكرانة في تفاخر أجوف، وعظمة مفتعلة.. فجاءها الموقظ، جاءها المنشط، جاءها الحافز، جاءها المنبه.. لقد لامست كلمة (الله أكبر) أسماع العرب فأيقظتهم.. لو كان الإسلام أفيوناً لما وصل به المسلمون إلى الصين والهند وأندونيسية، ولا إلى قلب روسية وكل سيبيرية، ولا إلى ثلثي القارة الإفريقية.. رحم الله العقاد، عندما اطلع على فكر وفلسفة هؤلاء، ثم كتب كتابه (المذاهب الهدامة أفيون الشعوب)!!؟!
بحث في جميع الديانات السماوية، وغير السماوية، وتبين له أن كل ذلك مجرد أيديولوجيا لتمرير خطاب معين، أو توجيه شعب نحو فكرة معينة تخدم الطبقة الحاكمة، يؤيد فكرة ماركس" الدين أفيون الشعوب".
وعن مصير الإنسان بعد الموت الذي اختلفت فيه جميع الطوائف/ تناسخ أرواح- جنة و نار- حساب و عقاب-تحمل خطايا الناس.
يقول الدكتور عزت عطية أستاذ الحديث بكلية أصول الدين- جامعة الأزهر:
نبدأ من الآخر بدلاً من الأول، وهو مصير الإنسان بعد الموت، فالتناسخ يعني أن الروح الواحدة تحل في أجساد متعددة، وأن كل مرحلة فيها تكون تابعة للمرحلة التي قبلها، خيراً أو شراً، وعلى ذلك فلا نهاية للعالم، ولا خلاص من التكليف، سواء في الجسد الأول أو الثاني أو العاشر أو المليون، وهو شقاء أبدي يكتب على المخلوق، تبعا لهذه النظرية، لا مخلص منه، ورحمة الله تأبى ذلك.
وأما تحمل خطايا البشر فلا يناسب التكليف والعدل الإلهي، ولا يظهر فيه الفضل الإلهي على الناس، لأنه يجرد الإنسان من شخصيته أو مسئوليته، وينتهي بالجميع إلى الغفران، بصرف النظر عما يفعله كل واحد.
ولو كان الأمر كذلك عند معتقديه لما وُجِدَ قانون للجنايات، ولا عقاب على إساءة، ولا نظام للحياة تتميز فيه الناس بجهودهم ونفعهم أو ضرهم للآخرين أما ما تقوم عليه الأديان السماوية وما جاء في الرسالات الإلهية فهو المناسب لأحوال الناس حيث تكون الدنيا فترة اختبار وتمييز ثم يكون الجزاء في الآخرة.
فإذا أضفنا إلى ذلك الأدلة الدامغة على النبوة، من الإعجاز، ومن أحوال الأنبياء، ومن التعاليم التي وردت عنهم، ومن التفرقة الضرورية بين أهل الصلاح وأهل الفساد، وبين الدين كما جاء من عند الله، والدين كما صورته الشياطين من الأنس والجن، إذا أضفنا ذلك ظهر لنا أثر الدين في الحياة الشخصية الظاهرة و الباطنة، الفكرية والسلوكية والشعورية، كما ظهر لنا أثر الدين في الأخلاق العامة، وفي الإنتاج، وفي التوازن الاجتماعي.
وكل ذلك ينافي كون الدين أفيون الشعوب، فالأفيون يدمر ولا يبني، يدمر العقل والإحساس، ولا ينمي الشعور، فالدين حياة وإحياء، والأفيون دمار وهلاك، وقد استبدل ماركس الدين الإلهي بالتدين الشيطاني، وانتهى الأمر بأفكاره إلى الجحيم، وانصرف عنه المؤيدون والمشجعون.
واقرأ معي قوله تعالى، في الدستور السماوي الخالد :( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ* أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ).
ويقول الدكتور شوقي أبو خليل، دكتوراه في التاريخ الإسلامي، والمحاضر بكلية الشريعة جامعة دمشق، في مقال له منشور بأحد المواقع الإلكترونية، تحت عنوان (حول مقولة الدين أفيون الشعوب) :
قال صاحبي : الدين أفيون الشعوب!! . قلت مجيباً : اللهم نعم.. وألف نعم. فدهش الرجل واحتار. لقد توقع مني غير هذا الكلام، فقال : أنت موافق على أن الدين أفيون الشعوب؟!، قلت له : نعم.. أنا موافق على هذا القول، أو على هذه النظرية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
قال : وكيف ذلك؟ . قلت: لأنها قيلت بحق أوربة عندما عطلت الكنيسة فيها العقل وجمدته، وشكلت طبقة من الإكليروس متميزة، ظهر منها، ما لا يليق بها.. وخاضت صراعاً عنيفاً بين العلم والدين، وقالت للإنسان: ((أطع وأنت أعمى)).. لذلك جابهت العلماء، وحرقت بعضهم- وعلى سبيل المثال ـ جعلت القول بكروية الأرض ودورانها جريمة. فهذه الأحوال المعطلة للعقل، والصادة عن العلم، والواقفة عقبة كأداء في سبيل تقدمه، يحق فيها ما قيل عنها.
أما الدين الذي جعل من تعاليمه تقديس العقل وتكريم العلم والعلماء في أي اختصاص.. فلا ينطبق عليه القول.. إن الدين الذي من تعاليمه: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) [البقرة: 111]، لا ينطبق عليه القول المذكور. والدين الذي جعل من مبادئه: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [المجادلة: 11] . لا ينطبق عليه القول المذكور. إن الدراسة ـ التي عُممت ـ تمت على واقع أوربة في القرنين الماضيين.. فالقول الصحيح: ((الدين ـ في أوربة ـ أفيون الشعوب)).
قلتُ: يا صاحبي، سأضع بين يديك شواهد وأدلة من إسلامنا، كل واحد منها كاف لرد التعميم القائل: ((الدين أفيون الشعوب)) زمنها :
1 ـ يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: (لا خير في كثير من نجواهم إلا مَن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومَن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) [النساء: 113]. دين يجعل المجالس التي ليس فيها إصلاح للمجتمع لا خير فيها، دين ليس أفيوناً، إنه دين المجتمع الفاضل المتكافل المتحاب..
2 ـ دين يجعل من مبادئه: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) [النجم: 39]، دين ينبذ الكسل والتواكل، ويحب السعي والعمل.. استعاذ نبيه، صلى الله عليه وسلم، من الجبن والبخل والعجز والكسل.. دين يجعل السعي مبدأ، والعمل أساساً.. دين ليس أفيوناً.
3 ـ دين يجعل من تعاليمه: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) [التوبة: 106]، دين يقدس العمل ويأمر به، دين الحركة الدائبة في طلب الرزق الحلال.. ليس أفيوناً.
4 ـ دين ورد في دستوره: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً، فكلي واشربي وقري عيناً) [مريم: 24، 25]، فدين يعلم أتباعه، ألا تواكل، وأنتم في أضعف حالة من القوة والنشاط، لن يصلكم رزقكم إلا بالعمل، قدموا طاقتكم، وابذلوا ما في وسعكم.. دين حياة، وليس أفيوناً.. فالخطاب في الآية الكريمة لمريم، وهي في ساعة الولادة.. ومع ذلك لم يرسل الله لها رزقها دون حركة وعمل.. بل قال لها: (هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً...) وهذا تعليم للمؤمنين.. ألا رزق بدون سعي فلا رطب بدون هز جذع النخلة.. فدين هذه تعاليمه، هل هو أفيون؟ لا أحسب عاقلاً يقول هذا.
5 ـ قال نبي الإنسانية، صلى الله عليه وسلم، : ((لأن يأخذ أحدكم أحبُله (جمع حبل) ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكُفّ الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)). وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)). وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَن بات كالاً من عمل يده، بات مغفوراً له)).. ولما رأى عليه الصلاة والسلام صحابياً يده خشنة قال له: ((ما هذا الذي أرى بيدك؟))، فقال الصحابي: من أثر المر والمسحاة، أضربُ وأعمل وأنفق على عيالي.. فسُرَ النبيُ الكريم، وقدر اليد العاملة وقال: ((هذه يدُ لا تمسها النار)). فهل دين فيه هذا التقدير من نبيه للعمل والعمال، دين تخدير وأفيون؟ أيقول عاقل هذا؟؟!! علماً أن من صريح تعاليمه: ((إن الله يكره العبد البطال)) و ((إن الله يحب المؤمن المحترف)).
6 ـ ورد في الحديث الشريف، ((المؤمن كيس فَطن حذر)) ومعنى المؤمن الكيس: المؤمن العاقل المدرك.. أما المؤمن الفطن: فالمؤمن الذكي النبيه ((ليس بالخب والخب لا يخدعه)).. منتهى اليقظة والتنبه.. فأين التخدير والأفيون؟ الإسلام عقل مدرك، وفطنة وذكاء..
7 ـ كان عمر (رضي الله عنه) يرى الرجل فيسأله عن مهنته، فإذا قال لا مهنة لي، سقط من عينه. وكان يقول: ((لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: أللهم ارزقني، فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة)). ونظر مرة إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة، وقال: لا تُمت علينا ديننا، أماتك الله)). وقال عمر على المنبر: ((مَن أحيا أرضاً ميتة فهي له)).. وكان يشجع الناس على استقطاع الأرض الفلاة، بغية إعمارها.. فأين التخدير والأفيون.. والإسلام عمل وعزة و إعمار..
8 ـ قال صلى الله عليه وسلم : ((أللهم بارك لأمتي في بكورها)) فالإسلام نبذ للكسل، وهمة عالية في استقبال نهار جديد، خاصة أن عشرات الآيات الكريمة تحض على استعمال العقل والتفكير واليقظة..
9 ـ مَن يقول: (الدين أفيون الشعوب) بحجة عقيدة القدر، نقول له : الإيمان بالقدر.. إتيان بالأسباب على أكمل الوجوه.. ثم توكل على مسبب الأسباب، وإن حدث ما يُسيء المرء وينغص معيشته، فالقدر يُبيد الحادثة المزعجة، ويحفز همته من جديد لاستقبال أيامه المقبلة بيقين الواثق بالفوز، وبأمل جديد يدفعه للمحاولة من جديد.. فليست عقيدة القدر معطلة للهمة، باعثة للكسل والتواكل.. لقد كانت عقيدة القدر قوة دافعة إلى الأمام، للجهاد، للفتوح، للاستشهاد..
10 ـ وأخيراً.. نختم بقولنا : لقد كانت هذه الأمة في أفيون، في مخدر.. عندما كان بأسها بينها شديد، وعدوها يتربع فوق أرضها في العراق والشام واليمن، مخدرة عن عدوها بثاراتها وغزوها.. سكرانة في تفاخر أجوف، وعظمة مفتعلة.. فجاءها الموقظ، جاءها المنشط، جاءها الحافز، جاءها المنبه.. لقد لامست كلمة (الله أكبر) أسماع العرب فأيقظتهم.. لو كان الإسلام أفيوناً لما وصل به المسلمون إلى الصين والهند وأندونيسية، ولا إلى قلب روسية وكل سيبيرية، ولا إلى ثلثي القارة الإفريقية.. رحم الله العقاد، عندما اطلع على فكر وفلسفة هؤلاء، ثم كتب كتابه (المذاهب الهدامة أفيون الشعوب)!!؟!