المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشرع والعقل والعلم



مجدي
02-20-2006, 07:39 PM
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على محمد خاتم النبين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه الى يوم الدين وبعد :فان اصدق الكلام كلام الله عز وجل, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

لما ختم الله النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وختم الرسالة وقبلها لنا وأعلمنا بذلك بقوله عز وجل :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) فقد أخبرنا انه تام كي لا نبتدع شيء ,لان التام دونه الناقص ومازاد عليه فهو باطل وقد روى ابن جرير رحمه الله عن ابن عباس في تفسير الاية :"اليوم أكملت لكم دينكم"، وهو الإسلام. قال: أخبر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا، وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبدًا، وقد رضيه الله فلا يَسْخَطه أبدًا.(تفسير ابن جرير (ج9ص518)) وقال ابن كثير رحمه الله : "هذه أكبر نعم الله ، عز وجل، على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خُلْف، كما قال تعالى: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا } [ الأنعام : 115 ] أي: صدقا في الأخبار، وعدلا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل الدين لهم تمت النعمة عليهم ؛ ولهذا قال [تعالى] { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا } أي: فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه."(تفسير ابن كثير( ج3ص26)) فعلم من ذلك ان النقص ان حصل فانما يحصل بتقصير الناس في اتباع الشرع لا بتقصير الشرع ولا ضياعه فانه لا يرفع من الصدور كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ "(صحيح البخاري (ج22ص279)),وروى أحمد رحمه الله عن ابي هريرة قال:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ وَيُرْفَعُ الْعِلْمُ.َلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ يُرْفَعُ الْعِلْمُ قَالَ عُمَرُ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ يُنْزَعُ مِنْ صُدُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ يَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ"(مسند الامام أحمد( ج20ص385)) لأن العلم يجعل الشرع متبوعا والجاهل يجعل هواه شرعا وشتان بين من يتبع الهدى ومن يتبع الهوىقال جل وعلا:" قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"(الانعام56)وقال عز وجل:"أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ"(محمد14)وهذا ما أحب ان ابينه, كيف يزين للانسان سوء عمله فيراه حسنا ؟ وكيف ينظر الانسان لما يشاهده من حوله وما يسمعه من أخبار لماذا يسهل على انسان تصديق شيء ويسهل على الأخر تكذيب؟ هنا سأركز على اكتساب العلم واثر التعليم واكتساب المعرفة على الانسان وهل ما هو بديهي عند انسان هو كذلك عند الأخر ؟

نبدء من حيث انتهى السؤال ونراجع قول شيخ السلام في كتاب درء تعارض العقل والنقل حيث قال رحمه الله تعالى :" وما يحتج به بعضهم على أن هذا ممكن بأنا لا نعلم امتناعه كما نعلم امتناع الأمور الظاهر امتناعها مثل كون الجسم متحركا ساكنا فهذا كاحتجاج بعضهم على أنها ليست بديهية بأن غيرها من البديهيات أجلى منها وهذه حجة ضعيفة لأن البديهي هو ما إذا تصور طرفاه جزم العقل به والمتصوران قد يكونان خفيين فالقضايا تتفاوت في الجلاء والخفاء لتفاوت تصورها كما تتفاوت لتفاوت الأذهان وذلك لا يقدح في كونها ضرورية ولا يوجب أن ما لم يظهر امتناعه يكون ممكنا بل قول هؤلاء أضعف لأن الشيء قد يكون ممتنعا لأمور خفية لازمة له فما لم يعلم انتفاء تلك اللوازم أو عدم لزومها لا يمكن الجزم بإمكانه والمحال هنا أعم من المحال لذاته أو لغيره والإمكان الذهنى حقيقته عدم العلم بالامتناع وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بالإمكان الخارجى بل يبقى الشىء في الذهن غير معلوم الامتناع ولا معلوم الإمكان الخارجى وهذا هو الإمكان الذهني فإن الله سبحانه وتعالى لم يكتف في بيان إمكان المعاد بهذا إذ يمكن أن يكون الشيء ممتنعا ولو لغيره وإن لم يعلم الذهن إمتناعه بخلاف الإمكان الخارجي فإنه إذا علم بطل أن يكون ممتنعا ، والإنسان يعلم الإمكان الخارجي تارة بعلمه بوجود الشيء وتارة بعلمه بوجود نظيره وتارة بعلمه بوجود ما الشيء أولى بالوجود منه فإن وجود الشيء دليل على أن ما هو دونه أولى بالإمكان منه" فهو رحمه الله يتكلم عن اناس الزموا غيرهم بما يعتبروه حقيقة بديهية فبين ان الامر لو كان كذلك لما نازعه غيره فيه , ومن المعلوم ان النزاع على الحقيقة يعني ان احد الطرفين مخطيء على اقل تقدير وقد تكون الحقيقة بين وبين مختفية عن الطرفين لذا فلا يجوز ان تعتبر بديهية وانما هي ظنيات يجب الرجوع بها الى القطعيات ليرد الامر المختلف فيه الى الامر المتفق عليه . فيُحكم على ما اختلف فيه مما اتفق عليه , وبالطبع ليس ما اتفق عليه بعض الناس دون غيرهم , وانما ما يتفق عليه العقلاء عند سماعهم ويتحد حكمهم عليه من غير تواطؤ منهم . وقد بين شيخ الاسلام الاختلاف بالمسألة فقال رحمه الله عن ما يتناسب مع موضوعنا حيث كان يرد على من يزعم ان العقل مقدم على الشرع او العكس فبين ان كلا القولين غير جائز على اطلاقه وبعد ان بين طرق التعارض وقسم الاخبار و العقل تكلم عن زعم البعض بالتعارض وبين سبب هذا الزعم :"والمسائل التي يقال إنه قد تعارض فيها العقل والشرع جميعها مما اضطرب فيه العقلاء ولم يتفقوا فيها على أن موجب العقل كذا بل كل من العقلاءيقول إن العقل أثبت أو أوجب أو سوغ ما يقول الآخر إن العقل نفاه أو أحاله أو منع منه بل قد آل الأمر بينهم إلى التنازع فيما يقولون إنه من العلوم الضرورية فيقول هذا نحن نعلم بالضرورة العقلية ما يقول الآخر إنه غير معلوم بالضرورة العقلية ، كما يقول أكثر العقلاء نحن نعلم بالضرورة العقلية امتناع رؤية مرئى من غير معاينة ومقابلة ويقول طائفة من العقلاء إن ذلك ممكن ، ويقول أكثر العقلاء إنا نعلم أن حدوث حادث بلا سبب حادث ممتنع ويقول طائفة من العقلاء إن ذلك ممكن ، ويقول أكثر العقلاء إن كون الموصوف عالما بلا علم قادرا بلا قدرة حيا بلا حياة ممتنع في ضرورة العقل وآخرون ينازعون في ذلك ، ويقول أكثر العقلاء إن كون الشيء الواحد أمرا نهيا خبرا ممتنع في ضرورة العقل وآخرون ينازعون في ذلك ، ويقول أكثر العقلاء إن كون العقل والعاقل والمعقول والعشق والعاشق والمعشوق والوجود والموجود والوجوب والعناية أمرا واحدا هو ممتنع في ضرورة العقل وآخرون ينازعون في ذلك ، ويقول جمهور العقلاء إن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن وقديم ومحدث وإن لفظ الوجود يعمهما ويتناولها وإن هذا معلوم بضرورة العقل ومن الناس من ينازع في ذلك، ويقول جمهور العقلاء إن حدوث الأصوات المسموعة من العبد بالقرآن أمر معلوم بضرورة العقل ومن الناس من ينازع في ذلك ، وجمهور العقلاء يقولون إثبات موجودين ليس أحدهما مباينا للآخر ولا داخلا فيه أو إثبات موجود ليس بداخل العالم ولا خارجه معلوم الفساد بضرورة العقل ومن الناس من نازع في ذلك ، وجمهور العقلاء يعلمون أن كون نفس الإنسان هي العالمة بالأمور العامة الكلية والأمور الخاصة الجزئية معلوم بضرورة العقل ومن الناس من نازع في ذلك وهذا باب واسع ، فلو قيل بتقديم العقل على الشرع وليست العقول شيئا واحدا بينا بنفسه ولا عليه دليل معلوم للناس بل فيها هذا الإختلاف والإضطراب لوجب أن يحال الناس على شيء لا سبيل إلى ثبوته ومعرفته ولا اتفاق للناس عليه ، وأما الشرع فهو في نفسه قول الصادق وهذه صفة لازمة له لا تختلف باختلاف أحوال الناس والعلم بذلك ممكن ورد الناس إليه ممكن ولهذا جاء التنزيل برد الناس عند التنازع إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ، سورة النساء 59 فأمر الله تعالى المؤمنين عند التنازع بالرد إلى الله والرسول".
يتبع..........................

حازم
02-21-2006, 10:38 AM
تابع اخى الكريم فنحن نتابعك :emrose:

مجدي
02-21-2006, 02:47 PM
فلما كان ما يختلف فيه الناس انما أختلفوا فيه لفهمهم وادراكهم وجب الرجوع الى اصل الشيء لا الى اراء الرجال الذين اختلفوا فيما سموه بديهيات وهي عند غيرهم ليست كذلك ولا بالمستحيلات التي انما استحالت في اذهانهم . ولا بالحق الذي ليس حقا الا في مخيلاتهم ,وانما الحق يعرف من استحالة نسبة للضلالة بوجه صحيح , اما ما يظنه البعض حقا فليس الا أهواء خالطت شهوات وابتعدت عن الحق , ومع الايام يسود الجهال ممن ينقل ما أعجبه من كلام دون فهمه , وما أحب من أحوال دون ادراك حقيقة هذه الاحوال , فلله در الشاطبي اذ يقول عن زمانه:" فكنت على حالة تشبه حالة الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه إذ حكى عن نفسه فقال : عجبت من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني والأبعدين ، والعارفين والمنكرين ، فإني وجدت بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها موافقاً أو مخالفاً ، دعاني إلى متابعته على ما يقوله ، وتصديق قوله والشهادة له ، فإن كنت صدقته فيما يقول وأجزت له ذلك كما يفعله أهل هذا الزمان ـ سماني موافقاً وإن وقفت في حرف من قوله أو في شيء من فعله ـ سماني مخالفاً ، وإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد ، سماني خارجياً ، وإن قرأت عليه حديثاً في التوحيد سماني مشبهاً ، وإن كان في الرؤية سماني سالمياً ، وإن كان في الإيمان سماني مرجئياً ، وإن كان في الأعمال ، سماني قدرياً ، وإن كان في المعرفة سماني كرامياً ، وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر ، سماني ناصبياً ، وإن كان في فضائل أهل البيت سماني رافضياً ، وإن سكت عن تفسير آية أو حديث فلم أجب فيهما إلا بهما ، سماني ظاهرياً ، وإن أجبت بغيرهما ، سماني باطنياً ، وإن أجبت بتأويل ، سماني أشعرياً وإن جحدتهما ، سماني معتزلياً ، وإن كان في السنن مثل القراءة ، سماني شفعوياً ، وإن كان في القنوت ، سماني حنفياً ، وإن كان في القرآن ، سماني حنبلياً ، وإن ذكرت رجحان ما ذهب كل واحد إليه من الأخبار ـ إذ ليس في الحكم والحديث محاباة ـ قالوا : طعن في تزكيتهم ، ثم أعجب من ذلك أنهم يسمونني فيما يقرؤون علي من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشتهون من هذه الأسامي ، ومهما وافقت بعضهم عاداني غيره ، وإن داهنت جماعتهم أسخطت الله تبارك وتعالى ، ولن يغنوا عني من الله شيئاً . وإني مستمسك بالكتاب والسنة وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو وهو الغفور الرحيم .
هذا تمام الحكاية فكأنه رحمه الله تكلم على لسان الجميع . فقلما تجد عالماً مشهوراً أو فاضلاً مذكوراً ، إلا وقد نبذ بهذه الأمور أو بعضها ، لأن الهوى قد يداخل المخالف ، بل سبب الخروج عن السنة الجهل بها ، والهوى المتبع الغالب على أهل الخلاف ، فإذا كان كذلك حمل على صاحب السنة ، إنه غير صاحبها ، ورجع بالتشنيع عليه والتقبيح لقوله وفعله ، حتى ينسب هذه المناسب .
وقد نقل عن السيد العباد بعد الصحابة ( أويس ) القرني أنه قال : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقاً ، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ويجدون في ذلك أعواناً من الفاسقين ، حتى ـ والله لقد رموني بالعظائم ، وأيم الله لا أدع أن أقوم فيهم بحقه .
فمن هذا الباب يرجع الإسلام غريباً كما بدأ ، لأن المؤالف فيه على وصفه الأول قليل ، فصار المخالف هو الكثير ، فاندرست رسوم السنة حتى مدت البدع أعناقها ، فأشكل مرماها على الجمهور فظهر مصداق الحديث الصحيح."(من كتاب الاعتصام ) فسبب الخروج عن السنة الجهل والهوى المتبع كما قال رحمه الله ,وهذا الهوى حذر منه عز وجل أشد تحذير في آيات بينات واضحات وحذر من ان الهوى هو الفساد عينه وان الحق لو اتبع الهوى فكان وفقا لاهواء هؤلاء لفسدت الحياة قال عز وجل"وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ"لان الارض والسماء ومن فيهن يسيروا وفقا لما وضعه الله لهم من قوانين لا يعدونها ولا يجاوزوا منها شيء فالشمس تشرق بوقت والقمر يكون هلالا على أهل الارض بوقت والنجوم تسير وفقا لما قدر له ربنا والارض وما فيها الا موزون فلو اتبع الحق أهواءهم لاختل الميزان وطغى الفساد , بمثل هذا الذي نراه من امراض واكوارث من عمل هؤلاء وهو مصداق قوله تعالى:" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"
فان الفساد هو ما نراه من قتل وتدمير وحرق وحروب من أجل فرض اهواء الذين لا يعلمون . فما كان لنا ان نترك الخير الذي انزله ونتبع اهواء الرجال ولا ان نبتغي الهدي بغير كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ,فقد تركنا عليها بيضاء نقية , وتركها لنا زكية بهية ,وجعل البصيرة سمة الاتباع فقال عز وجل :" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"فالبصيرة تتطلب الفهم والمعرفة , ولذلك كفل الله عز وجل بحفظ الدين للناس الى يوم القيامة, وقيض له علماء أجلاء شرفهم بحمل ما عجزت عنه الجبال فادوها كما أمرهم , وجعل ذلك شرفا يتشرف به العلماء العاملون , ويحتج به المسلمون على من ضل الى يوم الدين , فيكونوا شهداء على التبليغ والحكم لله العلي الكبير قال الحكيم الخبير:" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " وانما الشهادة على التبليغ وهو امر بنشر الدعوة الى الناس جميعا لان وصول الحق حجة على الانسان , لان الله اعطاه ما يميز الحق عن الباطل كما قال ابوا العتاهية :
والحق ابلج لا خفاء به <<<<مذ كان يبصر نوره الاعمى
وقد اخبر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم انما عليه بلاغ الرسالة فقال :" فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ"لان البلاغ هو بيان الحق . فقد نهي أهل الكتاب من اخفاء ما انزل الله على الناس قال تعالى "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ" وبعد هذا لا يكره الانسان بالدخول الى الاسلام وانما حسابه عند الله . لان الحق بين لا خفاء به قال تعالى :" لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". فكان وضوح الحق كافيا لمعرفته وعدم تلبسه بالباطل من القول.



يتبع...............

حسام مجدي
02-21-2006, 05:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين ..

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

هذا موضوع مهم جدًا .. بارك الله بك أخي الحبيب مجدي ..

أرجوا من الجميع أن يقرأوه بتدبر .. أسأل الله سبحانه و تعالى أن يفتح عليكم بذلك ..

أكمل أخونا الحبيب .. نتابعك إن شاء الله سبحانه و تعالى ..

و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ..

مجدي
02-21-2006, 10:00 PM
فقد بين عز وجل ان اختلاف الناس في اصل الشيء ليس اختلافا محمودا وانما هو بسبب يمكن معرفته والاهتداء له ومعرفة سبب الاختلاف والالتباس الذي كان سببا له قال تعالى :" كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"فلم تكن الهداية الا لمن طلبها صادقا ووفقه الله اليها .اما من اتبع هواه فلن يغني عنه الحق شيئا , لان معرفة الحق وحدها لا تكفي بل العمل واتباع الحق هو الامر المطلوب ومن عرف الحق ولم يتبعه كانت المعرفة وبالا عليه وحجة عليه , وبين عز وجل ان هؤلاء لم يتبعوا الحق ولا استخدوا ما ميزهم الله به عن البهائم بل كان اتباعهم لشهواتهم وأهوائهم هو سبب اعراضهم قال تعالى :" بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ" فالمخالفة هنا ليست بسبب غياب الحق ,ولا خفائه عن قلوبهم,وانما بسبب اتباع الهوى . فاختلاف الناس بالفعل هو تبعا لاتباع الحق او الزيغ الى الهوى قال تعالى:" وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (119)
فجمع الناس على شيء واحد لا يكون الا بسلبهم ارادتهم , وبذلك يصبح لا قيمة للطاعة ولا مكان للعصيان وانما فضل بنوا آدم بما ميزهم عن غيرهم بانهم يدركوا ويتعلموا ويبنوا علم على علم ونقلوا العلم وتعلموا وعملوا بما سخر الله لهم وعلمهم . قال تعالى :" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)"قال ابن كثير: يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم، وتكريمه إياهم، في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كما قال: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين: 4 ] أي: يمشي قائمًا منتصبًا على رجليه، ويأكل بيديه -وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه -وجعل له سمعًا وبصرًا وفؤادًا، يفقه بذلك كله وينتفع به، ويفرق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدنيوية والدينية.
{ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ } أي: على الدواب من الأنعام والخيل والبغال، وفي "البحر" أيضًا على السفن الكبار والصغار.
{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } أي: من زروع وثمار، ولحوم وألبان، من سائر أنواع الطعوم والألوان، المشتهاة اللذيذة، والمناظر الحسنة، والملابس الرفيعة من سائر الأنواع، على اختلاف أصنافها وألوانها وأشكالها، مما يصنعونه لأنفسهم، ويجلبه إليهم غيرهم من أقطار الأقاليم والنواحي.
{ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا } أي: من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات." (تفسير ابن كثير (ج5ص97)) وهذا التفضيل هو سبب التكليف وهو الذي ميز به بنوا آدم وعلى اساسه يحاسب الانسان يوم القيامة وهو مصداقا لقوله تعالى :" وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (26)" قال ابن جرير رحمه الله تعالى :" فلم ينفعهم ما أعطاهم من السمع والبصر والفؤاد إذ لم يستعملوها فيما أعطوها له، ولم يعملوها فيما ينجيهم من عقاب الله، ولكنهم استعملوها فيما يقرّبهم من سخطه( إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ) يقول: إذ كانوا يكذّبون بحجج الله وهم رُسله، وينكرون نبوّتهم."(تفسير الطبري( ج22ص131))وقال تعالى" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)" قال ابو جعفرالطبري:" وأما قوله:(لهم قلوبٌ لا يفقهون بها)، فإن معناه: لهؤلاء الذين ذرأهم الله لجهنم من خلقه قلوب لا يتفكرون بها في آيات الله، ولا يتدبرون بها أدلته على وحدانيته، ولا يعتبرون بها حُجَجه لرسله، فيعلموا توحيد ربِّهم، ويعرفوا حقيقة نبوّة أنبيائهم. فوصفهم ربُّنا جل ثناؤه بأنهم: "لا يفقهون بها"، لإعراضهم عن الحق وتركهم تدبُّر صحة [نبوّة] الرسل، وبُطُول الكفر. وكذلك قوله:(ولهم أعين لا يبصرون بها)، معناه: ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته، فيتأملوها ويتفكروا فيها، فيعلموا بها صحة ما تدعوهم إليه رسلهم، وفسادِ ما هم عليه مقيمون، من الشرك بالله، وتكذيب رسله; فوصفهم الله بتركهم إعمالها في الحقّ، بأنهم لا يبصرون بها.
وكذلك قوله:(ولهم آذان لا يسمعون بها)، آيات كتاب الله، فيعتبروها ويتفكروا فيها، ولكنهم يعرضون عنها، ويقولون:( لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ )، [سورة فصلت: 26]. وذلك نظير وصف الله إياهم في موضع آخر بقوله:( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ )، [سورة البقرة: 171] .والعرب تقول ذلك للتارك استعمالَ بعض جوارحه فيما يصلح له، ومنه قول مسكين الدارمي:
أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي خَرَجَتْ... حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي السِّتْرُ وَأَصَمُّ عَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا ... سَمْعِي وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْرِ
فوصف نفسه لتركه النظر والاستماع بالعمى والصمم. ومنه قول الآخر: وَعَوْرَاءُ اللِّئَامِ صَمَمْتُ عَنْهَا... وَإِنِّي لَوْ أَشَاءُ بِهَا سَمِيعُ وَبَادِرَةٍ وَزَعْتُ النَّفْسَ عَنْهَا ... وَقَدْ تَثِقَتْ مِنَ الْغَضَبِ الضُّلُوعُ وذلك كثير في كلام العرب وأشعارها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* * *
* ذكر من قال ذلك:
15450 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا أبو سعد قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله:(لهم قلوب لا يفقهون بها) قال: لا يفقهون بها شيئًا من أمر الآخرة =(ولهم أعين لا يبصرون بها)، الهدى=(ولهم آذان لا يسمعون بها) الحقَّ، ثم جعلهم كالأنعام سواءً، ثم جعلهم شرًّا من الأنعام، فقال:(بل هم أضل)، ثم أخبر أنهم هم الغافلون.
* * *
القول في تأويل قوله : { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) }
قال أ[بو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:(أولئك كالأنعام)، هؤلاء الذين ذرأهم لجهنم، هم كالأنعام، وهي البهائم التي لا تفقه ما يقال لها، ولا تفهم ما أبصرته لما يصلح وما لا يَصْلُح، ولا تعقل بقلوبها الخيرَ من الشر، فتميزبينهما. فشبههم الله بها، إذ كانوا لا يتذكَّرون ما يرون بأبصارهم من حُججه، ولا يتفكرون فيما يسمعون من آي كتابه. ثم قال:(بل هم أضل)، يقول: هؤلاء الكفرة الذين ذَرَأهم لجهنم، أشدُّ ذهابًا عن الحق، وألزم لطريق الباطل من البهائم، لأن البهائم لا اختيار لها ولا تمييز، فتختار وتميز، وإنما هي مسَخَّرة، ومع ذلك تهرب من المضارِّ، وتطلب لأنفسها من الغذاء الأصلح. والذين وصفَ الله صفتهم في هذه الآية، مع ما أعطوا من الأفهام والعقول المميِّزة بين المصالح والمضارّ، تترك ما فيه صلاحُ دنياها وآخرتها، وتطلب ما فيه مضارّها، فالبهائم منها أسدُّ، وهي منها أضل، كما وصفها به ربُّنا جل ثناؤه.
وقوله:(أولئك هم الغافلون)، يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفتُ صفتهم، القومُ الذين غفلوايعني: سهوًا عن آياتي وحُججي، وتركوا تدبُّرها والاعتبارَ بها والاستدلالَ على ما دلّت عليه من توحيد ربّها، لا البهائم التي قد عرّفها ربُّها ما سخَّرها له."(تفسير الطبري( ج13ص279-281)) .

مجدي
02-21-2006, 10:02 PM
اخي حازم واخي حسام بارك الله فيكم .

مجدي
02-22-2006, 05:33 PM
بيان اكتساب المعرفة :
بين لنا الله عز وجل ان اساس المعرفة للشخص مكتسب من البيئة التي تحيط به وفقا لما يمتلك من الجوارح , فقد بين ذلك في قوله تعالى :" وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"
فبين عز وجل ان الانسان يخرج الىالدنيا لا يعرف شيئا مما يعقل وانما خلق الله له السمع والبصر والفؤاد ليكتسبها . قال ابن جرير رحمه الله:" يقول تعالى ذكره: والله تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون، فرزقكم عقولا تفقهون بها ، وتميزون بها الخير من الشرّ وبصَّركم بها ما لم تكونوا تبصرون، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به بينكم والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص فتتعارفون بها وتميزون بها بعضا من بعض.( وَالأفْئِدَةَ ) يقول: والقلوب التي تعرفون بها الأشياء فتحفظونها وتفكرون فتفقهون بها.( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) يقول: فعلنا ذلك بكم، فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك، دون الآلهة والأنداد، فجعلتم له شركاء في الشكر، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك.
وقوله( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ) كلام متناه، ثم ابتدئ الخبر، فقيل: وجعل الله لكم السمع والأبصار والأفئدة. وإنما قلنا ذلك كذلك، لأن الله تعالى ذكره جعل العبادة والسمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم من بطون أمهاتهم، وإنما أعطاهم العلم والعقل بعد ما أخرجهم من بطون أمهاتهم."(الطبري (ج17 ص266)). فكان ابتداء العلم منبداية السمع والبصر وعقل ذلك , وقبل هذا لا يكون الانسان يعلم شيئا الا انه يتصرف بغريزته التي اودعها الله في الناس جميعا العاقل منهم والمجنون والاعمى والبصير والسميع والابكم كلهم بذلك سواء وانما يفضل بعضهم بعضا بالعلم بقدر ما يملك من سمع وبصر وعقل ويفاوت الناس , قال ابن كثير :" ثم ذكر تعالى منَّتَه على عباده، في إخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئًا، ثم بعد هذا يرزقهم تعالى السمع الذي به يدركون الأصوات، والأبصار اللاتي بها يحسون المرئيات، والأفئدة -وهي العقول-التي مركزها القلب على الصحيح، وقيل: الدماغ والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها. وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلا قليلا كلما كبر زِيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده."(تفسير ابن كثير(ج4 ص589)) فمن لا يعلم شيئا لا يكلف حتى يعلم ويعقل ,وانما يولد على الفطرة لا يعلم كفرا ولا ايمانا فتلوث فطرته ما يعلم من الناس وهذا اصل الفطرة ان الانسان ان لم يتعلم ممن حوله شيئا من ما عبدوا من دون الله فانه لن يتعرف عليه ولا يعرف كيف يعبد الله الا بوحي من الله عز وجل ولولا ذلك لعبده بطريقة مبتدعة حسب هواه او متلقاة من الناس وقد بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:"
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" والحديث في الصحيحين فقد شبه النبي ولادة الولد على الفطرة والنقاء من اي فكر ضال يفسد عقله بالابل المولودة من ناقة مقطع جزء من أذنها فانها لا تكون كذلك بل تكون اذنها سليمة حتى يجدعها بنوا آدم ليعلموها عن غيرها .
فالسلوك الفطري هو سلوك من غير تعلم . والتصرف وفق الفطرة هي التصرف السليم .
فلا يمكن لاي انسان ان لم تعرفه بمعبود سوى الله ان يعبده لان هذه الاسماء ابتدعها بنوا آدم وتعاهدوها فلذلك كان حرص قوم نوح عليه السلام ان يتعاهدوا آلهتهم ولا يتركوها قال تعالى مخبرا عنهم :" وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا" فمن اين سيعرف الانسان ودا او سواعا او يغوث او يعوق او نسرا ؟,بالطبع لن يعرف وبالفطرة لن يعرفأيضا فليس شرع منزل فيه ذلك .
اذا الفطرة تنفي تحريف الحق ولذلك احتج القحطاني على المبتدعة ان بدعهم جميعا لا تعرف الا بتعلم أهواءهم ,فلا هي بالوحي ولا هي بالفطرة فقال :
هذا الجويهر والعريض بزعمكم **** أهما لمعرفة الهدى أصلان
من عاش في الدنيا ولم يعرفهما **** وأقر بالإسلام والفرقان
أفمسلم هو عندكم أم كافر **** أم عاقل أم جاهل أم واني

فلا يمكن لانسان ان يعرف هذه التقسيمات الا بتعلمها ممن سبقه , فلا يجوز الا ان تكونا اصلا بالشرع او ان يكون الشرع غني عنها , وبما انها ليست اصلا فيه فان من لا يعرفها لا يزر شيء بذلك .
فمن هنا يفسد اي ادعاء يدعيه انسان بحجة الاصلاح او التغير ما لم يكن له اصل في الشرع ويكون فعله من المحدثات المنهي عنها ,لان الاصل في الشرع الاتباع , لان العبادة لا تقاس برضى الانسان عن شكلها ولا كيفيتها , بل يعبد الله عز وجل بما شرع , وهو قوله تعالى :" أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".
اذا فكل ما يعرفه الانسان هو امر مكسب يتعلمه منذ ولادته الى ان يصل الى ارذل العمر او يفارق الدنيا , وليس شيء مكتسب الا هو محل للدراسة ومعرفة كيف أكتسب . ومن هنا نتكلم عن هذا الامر الذي هو ما بني عليه العلم وبه صدق الانبياء وعليه مدار تأصيل الشريعة و بها استنبطت قواعدها فاتباع الشرع لا يطلب من فاقد عقله وكذا العلم لا يدركه من فقد العقل فكان الشرع والعقل والعلم من الامور التي يجب الا تختلف بينها الا اذا كان شيء منها فاسد او كانت كلها فاسدة وهذا الاخير مستحيل بدليل اننا نفكر ونبحث ونتعلم . اما الاول فالناس فيه مختلفين حسب حالهم وأهوائهم . والغرض من هذا الموضوع بيان واقع العلم والعقل واثبات الشرع لان العلم والعقل من المكتسب الذي هو محل الاختبار اما الشرع فليس تفصيله كله يختبر وانما ما كان منه من حكم او خبر فهو ما يمكن معرفة صدقه اما ما كان من عبادة فان اثبات انها من الوحي واثبات الوحي هو ما يجعلنا نسلم بها , لان العبادة لا تكون الا كما يريد الله عز وجل لا بما يريده العابد والعبادة اساسها الخضوع والتسليم وليست مجالا للاجتهاد في انواعها و لا التطوير فيها .

يتبع .................