المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاغتباط بالتخلص من الإحتباط (منقول)



ابنة الاسلام2
07-01-2012, 09:43 AM
السلام عليكم ورحمة الله

أحببت ان أنقل لكم هذا الموضوع للفائدة



الاغتباط بالتخلص من الإحباط


الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فإن الإحباط شعور يَعْتَوِرُ الإنسان فيقعده عن العمل لتحقيق الأمل، وهو آفة من الآفات التي تفتك بالعزيمة وتنحرف بالإرادة، وإذا استسلم لها الإنسان أذاقته مرارة الحرمان ومكابدة الخسران، وعزلته عن ميدان النجاح والفلاح.
وهذه القضية النفسية الكبيرة قد عالجتها الشريعة أحسن علاج وأنفعه، وبيان ذلك في آيات الكتاب المبين الذي يهدي للتي هي أقوم في كل شيء، وفي أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي هديه أحسن الهدي في كل الأمور، وفي آثار أئمة الدين من الصحابة والتابعين وعلماء الإسلام الذين هم صفوة هذه الأمة وخيرتها.

وأصل هذه القضية أن الشعور باليأس والإحباط والفشل وعدم جدوى الأسباب كل ذلك من إلقاءات الشيطان على الإنسان ليحزنه ويضعفه ويستحوذ عليه ثم يملي عليه ما شاء حتى يورده المهالك، وقد حذرنا الله من كيد الشيطان ومكره واتباع خطواته
فقال تعالى: ﴿ ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

لذلك فإن العلم النافع واليقين بالله تعالى وحسن الظن به والثقة به تعالى هو سبيل النجاة والفوز والفلاح والعزة والرفعة في الدنيا والآخرة.

والشعور باليأس والإحباط يدل على أمرين:
أحدهما: أن الإنسان المصاب به ليس على يقين من صحة المسلك الذي يسلكه.
والآخر: أن هذا الإنسان لديه سوء ظن بالله عز وجل وضعف كبير في الإيمان به والتوكل عليه والتصديق بوعده.

وهو فرصة لمحاسبة النفس وتصحيح المسار إن وجد فيه خطأ، فإذا صحح الأخطاء وهذب نفسه فينبغي أن يكون على يقين تام بأنه على الحق ويتوكل على الله ويثق بوعده ونصره.
وهذا عام في كل القضايا التي تعترض الإنسان والهموم التي تواجهه سواء أكانت دعوية أم اجتماعية أم مالية أم غيرها.
والأدلة في الكتاب والسنة على هذه الحقيقة الكبيرة كثيرة:
منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً)) (تغدوا: تذهب في أول النهار، وتروح: ترجع في آخره، خماصاً: جياعاً، بطاناً: شبعى)
وقال تعالى: ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ ﴾ وقال: ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾
والله عز وجل كريم وهاب لا يُرَغِّبُ في شيء ثم يخلف وعده أبداً، فمن سأل الله وهو مصدق بوعده مؤمن به متوكل عليه فليكن على يقين تام بالإجابة، فليصبر وليحتسب وليبذل ما يستطيع من الأسباب التي هدى الله إليها حتى يأتيه فرج الله، وليحذر كل الحذر أن يقطع عليه الشيطان الطريق ويحول بينه وبين التصديق بوعد الله فيبقى أسير همومه وضيق حاله، فلا هو سلم من الأذى، ولا هو صبر فظفر بوعد الله.

وهذه المواقف تتجلى بحق في الأزمات، وانظر إلى مواقف الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه كيف تجلى لديهم اليقين بالله وبصدق وعده، واليقين بصحة منهجهم ومسلكهم؛ فهذا موسى عليه السلام خلد الله له في القرآن هذا الموقف المشرف العظيم إذ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
فالبحر أمامه والعدو خلفه، ومع ذلك لم يتزعزع إيمانه بالله تعالى ، ولم يسئ الظن به جل وعلا.

وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى فيه: ﴿ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾
ولما شكى إليه أبو بكر قال له: ((يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!!))


وانظر إلى هذا الموقف العظيم الذي سجله الله لهود عليه السلام وجعل له سورة في القرآن الكريم تنويهاً بذكره وتشريفاً له وحثاً على الاتساء به، قال تعالى: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) ﴾
تأمل كيف يفيض خطابه لقومه عزة وثقة وإيماناً وثباتاً، وكيف تحدَّاهم وهم قوم جبابرة عتاة مستكبرون؛ فلم يستطيعوا أن يضروه شيئا مع حرصهم على إيذائه والفتك به، فلم يخفهم وذلك لتوكله على الله وقوة إيمانه ويقينه به.
وقوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
فيه معنى الثقة بعدل الله وصدق وعده ونصره لأوليائه، فيمتنع أن يخذل من آمن به وتوكل عليه وسعى في مرضاته.

وهكذا فليكن الإيمان واليقين بالله، فإن الله تعالى يحب أن يُحسَن الظن به، ويحب أن يجيب دعاء الداعي المؤمن به.

وفي الحديث القدسي: [أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي عبدي ما شاء]
وهذا الحديث خطير جداً وفيه بيان سر عظيم من أسرار القضاء والقدر، فالقضاء على نوعين: خير وشر، وكلاهما يجب الإيمان به.
وسبب قضاء الشر: سوء الظن بالله عز وجل.
كما قال تعالى: ﴿ وذَ ‌ٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
وقال: ﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾
والله عز وجل يمقت من يسيء الظن به، وقد توعد من أساء الظن به بالعذاب العظيم، وبين أن سوء الظن بالله من ألصق صفات الكفار والمنافقين، قال تعالى: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾.
فليحذر المسلم من التشبه بالكفار والمنافقين في هذه الخصلة الذميمة.

وخلاصة القول: أن المخرج من الإحباطات والشعور بالفشل يكون بأمور:
الأمر الأول: الجمع بين اليقين والتوكل؛ فيكون عند المؤمن يقين عظيم بأنه على الحق، وذلك يُدرك بالعلم الصحيح، فشعور المؤمن بأنه على الحق يدفع عنه أذى كثيراً من شياطين الإنس والجن وتضليلاتهم وقلبهم للحقائق وتسميتهم للأمور بغير اسمها، وعذل الجهلة له، ولنا في رسول الله أسوة حسنة فلما اشتد نكير الكفار عليه واجتمعت كلمتهم على وصفه بأبشع الأوصاف واتهامه بالكذب والسحر والجنون وطلب الرياسة وأنه داعية ضلال كما قالوا: ﴿ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ﴾ أتاه التثبيت من الله ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾
فجمع بين اليقين بأنه على الحق المبين، وهذا يورثه إقداما وشجاعة وثباتاً على الحق.
والتوكل على الله يفيض على قلبه من الطمأنينة والانشراح والتصديق بوعد الله ما يذهب عن القلب آثار كيدهم وتضليلهم.
وتحقيق التوكل يكون بصدق الاعتماد على الله وتفويض الأمر إليه وفعل ما هدى إليه من الأسباب.
ومن حقق اليقين والتوكل استراح، وأتاه ما يرجو و خير مما يرجو؛ مع ما يُدَّخر له من الثواب العظيم.
فإذا أتبعَ ذلك بعبادة الرضا فقد كمَّل هذه المقامات وذاق طعم الإيمان ((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا)).

الأمر الثاني: التصديق بوعد الله، وحسن الظن به، وتتبع -هداك الله - ما ذكره الله في كتابه الكريم، وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الوعود الكريمة فاعتنِ بها عنايتك بالكنوز العظيمة فإنها وعود حق لا تتخلف أبداً ﴿ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾
ومتى امتلأ قلبك بالتصديق بوعد الله، وصدقت في بذل ما تستطيع من الأسباب: تخلصت من اليأس والإحباط ((واعْلَم أنّ النَّصرَ مع الصّبر وأن الفرج مع الكَرب وأنَّ مع العُسرِ يُسراً)).
الأمر الثالث: الاستعاذة بالله من نزغات الشياطين، وما تلقيه في قلب العبد من الوساوس والخطرات المضلة والمردية. ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾
الأمر الرابع: أن يعلم العبد أنه لا يُكلَّف من الأسباب إلا ما يستطيع ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾، ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾، ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ وما زاد على قدر الاستطاعة فلا يكلَّف به، وهذه الأسباب مع صدق التوكل كافية في تحقيق ما وعده الله به.


اللهم إن نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، ونسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، ونسألك قلوباً سليمة وألسنة صادقة، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب.

عبد العزيز الداخل / معهد افاق التيسير