محمد الصيعري
07-05-2012, 05:46 PM
الرجاء من المشرفين جعل هذا الموضوع متاح لكل الزائرين حتى للذين لم يشتركوا في المنتدى لأنني باعثه إلى مناظر شيعي اسمه ( علاء العراقي )
أما ذكرك أخي أن موضع الخلاف ليس في عموم التوسل - فهو جائز - ولكن مُقيد شرعا ًبالتوسل بالأحياء : لا بالأموات !!!..
وقد اختلط الأمر على بعض المسلمين في تجويز التوسل بالنبي بعد مماته :
إما خطأ ٌفي فقه وفهم الأحاديث والربط فيما بينها - لأنه لم تكن تصل الأحاديث كلها لكل أحد -
وإما خطأ ٌفي الاعتماد على أحاديث أو زيادات حديثية لا تصح - وهذا هو ما اعتمد عليه ذاك الشيعي -
وقبل أن أ ُعقب على كلامه : فإليك كلامي الذي قلته لك من قبل أولا ً:
الهيثمي - مجمع الزوائد - أبواب العيدين - باب صلاة الحاجة - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 279 )
لمَن لا يعرف : فمجمع الزوائد للهيثمي رحمه الله : هو عبارة عن زوائد على أحاديث صحيحة : منها زيادات صحيحة : ومنها زيادات لا تصح .. وتخضع هي الأخرى في قبولها : إلى نفس شروط قبول سند الأحاديث وشروط صحتها ...
وكثيرا ًما يستغل الصوفية وغيرهم بعض هذه الزيادات الغير صحيحة : للتلبيس على العامة بذكرها مع الأحاديث الصحيحة : فيضعون السم في العسل .. ولعل من أبرز ما تعرضنا له في ذلك قول الفتان مفتن مصر علي جمعة : بجواز بناء مسجد على قبر : وأن دليل ذلك في صحيح البخاري !!.. وأن ابن حجر تكلم فيه إلخ إلخ إلخ ..
والصواب :
أن البخاري بريء من ذلك .. وإنما الذي تعمد تلبيسه المفتن على العوام هو : زيادة في آخر حديث أبي بصير الشهير في صحيح البخاري : وهو الصحابي الذي رفض النبي استقباله في المدينة بعد أن أسلم : إلتزاما ًبصلح الحديبية : وتركه ليذهب إلى ساحل البحر : فلحق به أبو جندل وجماعة من المسلمين : وصاروا يقطعون على قريش تجارتهم : حتى أرسلت قريش نفسها للنبي بإلغاء هذا الشرط من الصلح .. وأن يقبل مَن جاءه مسلما ًمن قريش ...
فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جندل وأبي بصير : ليقـُدما عليه في المدينة ومن معهما من المسلمين .. فجاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل : وكان بجواره أبي بصير يموت .. فدفنه أبو جندل في مكانه .. وصلى عليه ..
(((( وبنى على قبره مسجدا )))) ..
أقول : فهذه الجملة الزائدة الأخيرة : " وبنى على قبره مسجدا " : ليست في صحيح البخاري !!!
وإنما هي زائدة لم تأتي في كتب الاحاديث : ولا تصح سندا ً!!!.. لأنها مرسلة عن الزهري ..
ومثال أيضا ًللزيادات المنكرة وسط الأحاديث : جملة " وغير ضالين ولا مُضلين " في الحديث الشهير :
" اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان .. والسلامة والإسلام .. وغير ضالين ولا مضلين .. ربي وربك الله " ..
فلم تذكرها كتب الأحاديث أيضا ً...
وهكذا ....
والآن .. وبعد أن فهمنا ما هي الزيادات المنكرة أو التي لا تصح سندا ً...
فتعال بنا نوضح ما فعله هؤلاء الشيعة في إيراد الزيادة المعلولة عن الهيثمي إلى حديث صحيح ..
فالحديث الصحيح هنا : هو ما وقع من توسل >> في حياة النبي >> وليس بعد موته ..
والحديث هو :
عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه :
" أن أعمىً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله .. ادع الله أن يكشف لي عن بصري .. قال : أو أدعك ؟ (أي أولا تبقى على عماك فيكون صبرك عليه خيرٌ لك عند الله وفي الجنة ؟) قال : يا رسول الله .. إنه قد شق عليّ ذهاب بصري .. قال : فانطلق .. فتوضأ .. ثم صل ركعتين .. ثم قل : اللهم إني أسألك : وأتوجه إليك بنبي محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة .. يا محمد : إني أتوجه إلى ربي بك : أن يكشف لي عن بصري .. اللهم شفعه فيّ وشفعني في نفسي .. فرجع وقد كشف الله عن بصره " ...
والحديث :
رواه الترمذي والنسائي - واللفظ له - وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وصححه الألباني : وليس عند الترمذي ثم صل ركعتين ..
أقول :
فهذا هو الحديث الصحيح ...
وليس فيه أن ذلك التوسل بالنبي كان بعد مماته صلى الله عليه وسلم .. وإنما كانت كرامة ًله في حياته ولمَن عاصره من الصحابة والمسلمين ..
فإن كانت كرامته شملت كفار مكة أن لم يأخذهم الله تعالى بعذاب وهو فيهم : " وما كان الله ليُعذبهم وأنت فيهم : وما كان الله مُعذبهم وهم يستغفرون " : فمن باب أولى أن تشمل كرامته أهل الإيمان في حياته صلى الله عليه وسلم ...
ومن هنا :
فقد قام الوضاعون بوضع زيادتين على الحديث السابق : لتعميم التوسل بالنبي حتى بعد مماته ...
وقد ذكر الإمام الألباني رحمه الله في كتابه الماتع (التوسل) الزيادتين : وبين سقوطهما ...
>>
الزيادة الأولى :
وهي زيادة حماد بن سلمة قال : حدثنا أبو جعفر الخطمي .. فساق إسناده مثل رواية شعبة وكذلك المتن - إلا أنه اختصره بعض الشيء - وزاد في آخره بعد قوله : وشفع نبيي في رد بصري : ( وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك ) ..
وهذه الزيادة الأخيرة رواها أبو بكر بن أبي خثيمة في تاريخه ..
وانظر لعلتها في كتاب التوسل للألباني صـ 83 - 84 .. حيث خالف حماد بتلك الزيادة مَن هو أوثق منه وهو شعبة .. وذكر الألباني أنها حتى لو صحت (تنزلا ًفقط مع المخالف وهي عادة القوي الحُجة مع الضعيف الحُجة) : فليس فيها تصريح ٌبكون هذه الحاجة : بعد موت النبي !!.. ويمكنك تنزيل الكتاب من هنا :
http://www.soufia-h.net/showthread.php?t=180
>>
وأما الزيادة الثانية :
فهي ما ساقه ذلك الشيعي من القصة التي حدثت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه .. وهي التي يستدل بها على أن صحابيا ًفعل التوسل بالنبي أو أرشد إليه بعد موت النبي .. فالقصة كلها زائدة لا تصح ...
وأتركك مع كلام الشيخ الألباني عنها رحمه الله من صـ 85 - 90 حيث يقول----
الزيادة الثانية:
قصة الرجل مع عثمان بن عفان ، وتوسله به صلى الله عليه وسلم حتى قضى له حاجته ، أخرجها الطبراني في ( المعجم الصغير ) وفي ( الكبير ) من طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له ، فكان عثمان لا يلتفت إليه ، ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف ، فشكا ذلك إليه ، فقال له عثمان: ائت الميضأة فتوضأ ، ثم ائت المسجد ، فصل فيه ركعتين ، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، وتذكر حاجتك ، ورح إليّ حتى أروح معك ، فانطلق الرجل فصنع ما قال ، ثم أتى باب عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله عليه ، فأجلسه معه على الطنفسة ، وقال: حاجتك ؟ فذكر حاجته ، فقضاها له ، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال: ما كانت لك من حاجة فأتنا . ثم إن الرجل خرج من عنده ، فلقي عثمان بن حنيف ، فقال له: جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ، ولا يلتفت إليّ حتى كلمته في ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير ، فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فتصبر ، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد ، وقد شق علي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ائت الميضأة ، فتوضأ ثم صل ركعتين ، ثم ادع بهذه الدعوات ) قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا ، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط . قال الطبراني: ( لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة ، وهو الذي يحدث عنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي ، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي - واسمه عمير بن يزيد - وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة ، والحديث صحيح ) .
قلت: لا شك في صحة الحديث ، وإنما البحث الآن في هذه القصة التي تفرد بها شبيب بن سعيد كما قال الطبراني ، وشبيب هذا متكلم فيه ، وخاصة في رواية ابن وهب عنه ، لكن تابعه عنه إسماعيل وأحمد ابنا شبيب بن سعيد هذا ، أما إسماعيل فلا أعرفه ، ولم أجد من ذكره ، ولقد أغفلوه حتى لم يذكروه في الرواة عن أبيه ، بخلاف أخيه أحمد فإنه صدوق ، وأما أبوه شبيب فملخص كلامهم فيه أنه ثقة في حفظه ضعف ، إلا في رواية ابنه أحمد هذا عنه عن يونس خاصة فهو حجة ، فقال الذهبي في ( الميزان ) : ( صدوق يغرب ، ذكره ابن عدي في ( كامله ) فقال
. . . له نسخة عن يونس بن زيد مستقيمة ، حدث عنه ابن وهب بمناكير ، قال ابن المديني: كان يختلف في تجارة إلى مصر ، وكتابه صحيح قد كتبه عن ابنه أحمد . قال ابن عدي: كان شبيب لعله يغلط ويهم إذا حدث من حفظه ، وأرجو أنه لا يعتمد ، فإذا حدث عنه ابنه أحمد بأحاديث يونس فكأنه يونس آخر . يعني يجوّد ) فهذا الكلام يفيد أن شبيباً هذا لا بأس بحديثه بشرطين اثنين: الأول لأن يكون من رواية ابنه أحمد عنه ، والثاني أن يكون من رواية شبيب عن يونس ، والسبب في ذلك أنه كان عنده كتب يونس بن يزيد ، كما قال ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) عن أبيه ، فهو إذا حدث من كتبه هذه أجاد ، وإذا حدث من حفظه وهم كما قال ابن عدي ، وعلى هذا فقول الحافظ في ترجمته من ( التقريب ) :
( لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه ، لا من رواية ابن وهب ) فيه نظر ، لأنه أوهم أنه لا بأس بحديثه من رواية أحمد عنه مطلقاً ، وليس كذلك ، بل هذا مقيد بأن يكون من روايته هو عن يونس لما سبق ، ويؤيده أن الحافظ نفسه أشار لهذا القيد ، فإنه أورد شبيباً هذا في ( مَن طعن فيه من رجال البخاري ) من ( مقدمة فتح الباري ) ثم دفع الطعن عنه - بعد أن ذكر من وثقه وقول ابن عدي فيه - بقوله: ( قلت: أخرج البخاري من رواية ابنه عنه عن يونس أحاديث ، ولم يخرج من روايته عن غير يونس ، ولا من رواية ابن وهب عنه شيئاً ) . فقد أشار رحمه الله بهذا الكلام إلى أن الطعن قائم في شبيب إذا كانت روايته عن غير يونس ، ولو من رواية ابنه أحمد عنه ، وهذا هو الصواب كما بينته آنفاً ، وعليه يجب أن يحمل كلامه في ( التقريب ) توفيقاً بين كلاميه ، ورفعاً للتعارض بينهما .
إذا تبين هذا يظهر لك ضعف هذه القصة ، وعدم صلاحية الاحتجاج بها . ثم ظهر لي فيها علة أخرى وهي الاختلاف على أحمد فيها ، فقد أخرج الحديث ابن السني في ( عمل اليوم والليلة ) والحاكم من ثلاثة طرق عن أحمد بن شبيب بدون القصة ، وكذلك رواه عون بن عمارة البصري ثنا روح ابن القاسم به ، أخرجه الحاكم ، وعون هذا وإن كان ضعيفاً ، فروايته أولى من رواية شبيب ، لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي .
وخلاصة القول: إن هذه القصة ضعيفة منكرة ، لأمور ثلاث:
ضعف حفظ المتفرد بها ،
والاختلاف عليه فيها ،
ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في الحديث ،
وأمر واحد من هذه الأمور كاف لإسقاط هذه القصة ، فكيف بها مجتمعة ؟
ومن عجائب التعصب واتباع الهوى أن الشيخ الغماري أورد روايات هذه القصة في ( المصباح ) من طريق البيهقي في ( الدلائل ) والطبراني ، ثم لم يتكلم عليها مطلقاً لا تصحيحاً ولا تضعيفاً ، والسبب واضح ، أما التصحيح فغير ممكن صناعة ، وأما التضعيف فهو الحق ولكن . . .
ونحو ذلك فعل من لم يوفق في ( الإصابة ) ، فإنهم أوردوا الحديث بهذه القصة ، ثم قالوا: ( وهذا الحديث صححه الطبراني في الصغير والكبير ) !
وفي هذا القول على صغره جهالات:
أولاً: أن الطبراني لم يصحح الحديث في ( الكبير ) بل في ( الصغير ) فقط ، وأنا نقلت الحديث عنه للقارئين مباشرة ، لا بالواسطة كما يفعل أولئك ، لقصر باعهم في هذا العلم الشريف ( ومن ورد البحر استقل السواقيا ) .
ثانياً: أن الطبراني إنما صحح الحديث فقط دون القصة ، بدليل قوله . وقد سبق: ( قد روى الحديث شعبة . . والحديث صحيح ) فهذا نص على أنه أراد حديث شعبة ، وشعبة لم يرو هذه القصة ، فلم يصححها إذن الطبراني ، فلا حجة لهم في كلامه .
ثالثاً: أن عثمان بن حنيف لو ثبتت عنه القصة لم يُعلّم ذلك الرجل فيها دعاء الضرير بتمامه ، فإنه أسقط منه جملة ( اللهم فشفعه في ، وشفعني فيه ) لأنه يفهم بسليقته العربية أن هذا القول يستلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعياً لذلك الرجل ، كما كان داعياً للأعمى ، ولما كان هذا منفياً بالنسبة للرجل ، لم يذكر هذه الجملة ؟ قال شيخ الإسلام:
( ومعلوم أن الواحد بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه - مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع له - كان هذا كلاماً باطلاً ، مع أن عثمان بن حنيف لم يأمره أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، ولا أن يقول: ( فشفعه في ) ، ولم يأمره بالدعاء المأثور على وجهه ، وإنما أمره ببعضه ، وليس هناك من النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة ، ولا ما يظن أنه شفاعة ، فلو قال بعد موته: ( فشفعه في ) لكان كلاماً لا معنى له ، ولهذا لم يأمر به عثمان ، والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ، والذي أمر به ليس مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثل هذا لا تثبت به شريعة ، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في حسن العبادات أو الإباحات أو الإيجابيات أو التحريمات إذ لم يوافقه غيره من الصحابة عليه ، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه ولا يوافقه ، لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها ، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد ، ومما تنازعت فيه الأمة ، فيجب رده إلى والرسول ) .
ثم ذكر أمثلة كثيرة مما تفرد به بعض الصحابة ، ولم يُتبع عليه مثل إدخال ابن عمر الماء في عينيه في الوضوء ، ونحو ذلك فراجعه . ثم قال:
(وإذا كان ذلك كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعياً له ، ولا شافعاً فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعاً بعد مماته كما كان يشرع في حياته ، بل كانوا في الاستسقاء في حياته صلى الله عليه وسلم يتوسلون ، فلما مات لم يتوسلوا به ، بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور ، لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر: لا يأكل سميناً حتى يخصب الناس ، ثم لما استسقى بالناس قال: اللهم إنا كنا إذا أجدَبنا نتوسل إليك بنبينا ، فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا . فيسقون . وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة ، ولم ينكره أحد مع شهرته ، وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية ، ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته ، فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا: كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما ، ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق ، وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله -------
2...
وأما قول ذلك الشيعي :
الميت يعلم بعمل الحي ويدعو له
((( إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا))
فالحديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني (2/863) ..
وأزيدك :
حديث :
"الله الله في أصحاب القبور : فإن أعمالكم تعرض عليهم " ...!
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة أيضا ًللألباني (1/443) ...
وأزيدك :
حديث :
" حياتي (أي النبي) : خيرٌ لكم : تحدثون ويحدث لكم .. ووفاتي : خيرٌ لكم : تـُعرض عليّ أعمالكم .. فما رأيت مِن خير : حمدت الله عليه .. وما رأيت مِن شر : استغفرت الله لكم " !!!..
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة أيضا ًللألباني (2/975) ...
وأما الصواب في السُـنة الصحيحة فقط فهو : إبلاغ الله تعالى لصلاة المؤمنين على النبي في حياته البرزخية بعد موته في قبره - ونحن نثبت موت النبي بعكس غلاة الصوفية : وما يجري في حياة البرزخ ليس من جنس ما يعرفه البشر في حياتهم قبل الموت - .. وهذا مِن كرامة الله تعالى لنبيه بعد الممات ..
والحديث الصحيح هو :
" إن مِن أفضل أيامكم : يوم الجمعة .. فيه خــُلق آدم .. وفيه قــُبض .. وفيه النفخة .. وفيه الصعقة .. فأكثروا عليّ مِن الصلاة فيه .. فإن صلاتكم معروضة ًعليّ .. إن الله حرّم على الأرض : أن تأكل أجساد الأنبياء " ...
رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني ........
أما ذكرك أخي أن موضع الخلاف ليس في عموم التوسل - فهو جائز - ولكن مُقيد شرعا ًبالتوسل بالأحياء : لا بالأموات !!!..
وقد اختلط الأمر على بعض المسلمين في تجويز التوسل بالنبي بعد مماته :
إما خطأ ٌفي فقه وفهم الأحاديث والربط فيما بينها - لأنه لم تكن تصل الأحاديث كلها لكل أحد -
وإما خطأ ٌفي الاعتماد على أحاديث أو زيادات حديثية لا تصح - وهذا هو ما اعتمد عليه ذاك الشيعي -
وقبل أن أ ُعقب على كلامه : فإليك كلامي الذي قلته لك من قبل أولا ً:
الهيثمي - مجمع الزوائد - أبواب العيدين - باب صلاة الحاجة - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 279 )
لمَن لا يعرف : فمجمع الزوائد للهيثمي رحمه الله : هو عبارة عن زوائد على أحاديث صحيحة : منها زيادات صحيحة : ومنها زيادات لا تصح .. وتخضع هي الأخرى في قبولها : إلى نفس شروط قبول سند الأحاديث وشروط صحتها ...
وكثيرا ًما يستغل الصوفية وغيرهم بعض هذه الزيادات الغير صحيحة : للتلبيس على العامة بذكرها مع الأحاديث الصحيحة : فيضعون السم في العسل .. ولعل من أبرز ما تعرضنا له في ذلك قول الفتان مفتن مصر علي جمعة : بجواز بناء مسجد على قبر : وأن دليل ذلك في صحيح البخاري !!.. وأن ابن حجر تكلم فيه إلخ إلخ إلخ ..
والصواب :
أن البخاري بريء من ذلك .. وإنما الذي تعمد تلبيسه المفتن على العوام هو : زيادة في آخر حديث أبي بصير الشهير في صحيح البخاري : وهو الصحابي الذي رفض النبي استقباله في المدينة بعد أن أسلم : إلتزاما ًبصلح الحديبية : وتركه ليذهب إلى ساحل البحر : فلحق به أبو جندل وجماعة من المسلمين : وصاروا يقطعون على قريش تجارتهم : حتى أرسلت قريش نفسها للنبي بإلغاء هذا الشرط من الصلح .. وأن يقبل مَن جاءه مسلما ًمن قريش ...
فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جندل وأبي بصير : ليقـُدما عليه في المدينة ومن معهما من المسلمين .. فجاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل : وكان بجواره أبي بصير يموت .. فدفنه أبو جندل في مكانه .. وصلى عليه ..
(((( وبنى على قبره مسجدا )))) ..
أقول : فهذه الجملة الزائدة الأخيرة : " وبنى على قبره مسجدا " : ليست في صحيح البخاري !!!
وإنما هي زائدة لم تأتي في كتب الاحاديث : ولا تصح سندا ً!!!.. لأنها مرسلة عن الزهري ..
ومثال أيضا ًللزيادات المنكرة وسط الأحاديث : جملة " وغير ضالين ولا مُضلين " في الحديث الشهير :
" اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان .. والسلامة والإسلام .. وغير ضالين ولا مضلين .. ربي وربك الله " ..
فلم تذكرها كتب الأحاديث أيضا ً...
وهكذا ....
والآن .. وبعد أن فهمنا ما هي الزيادات المنكرة أو التي لا تصح سندا ً...
فتعال بنا نوضح ما فعله هؤلاء الشيعة في إيراد الزيادة المعلولة عن الهيثمي إلى حديث صحيح ..
فالحديث الصحيح هنا : هو ما وقع من توسل >> في حياة النبي >> وليس بعد موته ..
والحديث هو :
عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه :
" أن أعمىً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله .. ادع الله أن يكشف لي عن بصري .. قال : أو أدعك ؟ (أي أولا تبقى على عماك فيكون صبرك عليه خيرٌ لك عند الله وفي الجنة ؟) قال : يا رسول الله .. إنه قد شق عليّ ذهاب بصري .. قال : فانطلق .. فتوضأ .. ثم صل ركعتين .. ثم قل : اللهم إني أسألك : وأتوجه إليك بنبي محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة .. يا محمد : إني أتوجه إلى ربي بك : أن يكشف لي عن بصري .. اللهم شفعه فيّ وشفعني في نفسي .. فرجع وقد كشف الله عن بصره " ...
والحديث :
رواه الترمذي والنسائي - واللفظ له - وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وصححه الألباني : وليس عند الترمذي ثم صل ركعتين ..
أقول :
فهذا هو الحديث الصحيح ...
وليس فيه أن ذلك التوسل بالنبي كان بعد مماته صلى الله عليه وسلم .. وإنما كانت كرامة ًله في حياته ولمَن عاصره من الصحابة والمسلمين ..
فإن كانت كرامته شملت كفار مكة أن لم يأخذهم الله تعالى بعذاب وهو فيهم : " وما كان الله ليُعذبهم وأنت فيهم : وما كان الله مُعذبهم وهم يستغفرون " : فمن باب أولى أن تشمل كرامته أهل الإيمان في حياته صلى الله عليه وسلم ...
ومن هنا :
فقد قام الوضاعون بوضع زيادتين على الحديث السابق : لتعميم التوسل بالنبي حتى بعد مماته ...
وقد ذكر الإمام الألباني رحمه الله في كتابه الماتع (التوسل) الزيادتين : وبين سقوطهما ...
>>
الزيادة الأولى :
وهي زيادة حماد بن سلمة قال : حدثنا أبو جعفر الخطمي .. فساق إسناده مثل رواية شعبة وكذلك المتن - إلا أنه اختصره بعض الشيء - وزاد في آخره بعد قوله : وشفع نبيي في رد بصري : ( وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك ) ..
وهذه الزيادة الأخيرة رواها أبو بكر بن أبي خثيمة في تاريخه ..
وانظر لعلتها في كتاب التوسل للألباني صـ 83 - 84 .. حيث خالف حماد بتلك الزيادة مَن هو أوثق منه وهو شعبة .. وذكر الألباني أنها حتى لو صحت (تنزلا ًفقط مع المخالف وهي عادة القوي الحُجة مع الضعيف الحُجة) : فليس فيها تصريح ٌبكون هذه الحاجة : بعد موت النبي !!.. ويمكنك تنزيل الكتاب من هنا :
http://www.soufia-h.net/showthread.php?t=180
>>
وأما الزيادة الثانية :
فهي ما ساقه ذلك الشيعي من القصة التي حدثت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه .. وهي التي يستدل بها على أن صحابيا ًفعل التوسل بالنبي أو أرشد إليه بعد موت النبي .. فالقصة كلها زائدة لا تصح ...
وأتركك مع كلام الشيخ الألباني عنها رحمه الله من صـ 85 - 90 حيث يقول----
الزيادة الثانية:
قصة الرجل مع عثمان بن عفان ، وتوسله به صلى الله عليه وسلم حتى قضى له حاجته ، أخرجها الطبراني في ( المعجم الصغير ) وفي ( الكبير ) من طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له ، فكان عثمان لا يلتفت إليه ، ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف ، فشكا ذلك إليه ، فقال له عثمان: ائت الميضأة فتوضأ ، ثم ائت المسجد ، فصل فيه ركعتين ، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، وتذكر حاجتك ، ورح إليّ حتى أروح معك ، فانطلق الرجل فصنع ما قال ، ثم أتى باب عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله عليه ، فأجلسه معه على الطنفسة ، وقال: حاجتك ؟ فذكر حاجته ، فقضاها له ، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال: ما كانت لك من حاجة فأتنا . ثم إن الرجل خرج من عنده ، فلقي عثمان بن حنيف ، فقال له: جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ، ولا يلتفت إليّ حتى كلمته في ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير ، فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فتصبر ، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد ، وقد شق علي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ائت الميضأة ، فتوضأ ثم صل ركعتين ، ثم ادع بهذه الدعوات ) قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا ، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط . قال الطبراني: ( لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة ، وهو الذي يحدث عنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي ، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي - واسمه عمير بن يزيد - وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة ، والحديث صحيح ) .
قلت: لا شك في صحة الحديث ، وإنما البحث الآن في هذه القصة التي تفرد بها شبيب بن سعيد كما قال الطبراني ، وشبيب هذا متكلم فيه ، وخاصة في رواية ابن وهب عنه ، لكن تابعه عنه إسماعيل وأحمد ابنا شبيب بن سعيد هذا ، أما إسماعيل فلا أعرفه ، ولم أجد من ذكره ، ولقد أغفلوه حتى لم يذكروه في الرواة عن أبيه ، بخلاف أخيه أحمد فإنه صدوق ، وأما أبوه شبيب فملخص كلامهم فيه أنه ثقة في حفظه ضعف ، إلا في رواية ابنه أحمد هذا عنه عن يونس خاصة فهو حجة ، فقال الذهبي في ( الميزان ) : ( صدوق يغرب ، ذكره ابن عدي في ( كامله ) فقال
. . . له نسخة عن يونس بن زيد مستقيمة ، حدث عنه ابن وهب بمناكير ، قال ابن المديني: كان يختلف في تجارة إلى مصر ، وكتابه صحيح قد كتبه عن ابنه أحمد . قال ابن عدي: كان شبيب لعله يغلط ويهم إذا حدث من حفظه ، وأرجو أنه لا يعتمد ، فإذا حدث عنه ابنه أحمد بأحاديث يونس فكأنه يونس آخر . يعني يجوّد ) فهذا الكلام يفيد أن شبيباً هذا لا بأس بحديثه بشرطين اثنين: الأول لأن يكون من رواية ابنه أحمد عنه ، والثاني أن يكون من رواية شبيب عن يونس ، والسبب في ذلك أنه كان عنده كتب يونس بن يزيد ، كما قال ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) عن أبيه ، فهو إذا حدث من كتبه هذه أجاد ، وإذا حدث من حفظه وهم كما قال ابن عدي ، وعلى هذا فقول الحافظ في ترجمته من ( التقريب ) :
( لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه ، لا من رواية ابن وهب ) فيه نظر ، لأنه أوهم أنه لا بأس بحديثه من رواية أحمد عنه مطلقاً ، وليس كذلك ، بل هذا مقيد بأن يكون من روايته هو عن يونس لما سبق ، ويؤيده أن الحافظ نفسه أشار لهذا القيد ، فإنه أورد شبيباً هذا في ( مَن طعن فيه من رجال البخاري ) من ( مقدمة فتح الباري ) ثم دفع الطعن عنه - بعد أن ذكر من وثقه وقول ابن عدي فيه - بقوله: ( قلت: أخرج البخاري من رواية ابنه عنه عن يونس أحاديث ، ولم يخرج من روايته عن غير يونس ، ولا من رواية ابن وهب عنه شيئاً ) . فقد أشار رحمه الله بهذا الكلام إلى أن الطعن قائم في شبيب إذا كانت روايته عن غير يونس ، ولو من رواية ابنه أحمد عنه ، وهذا هو الصواب كما بينته آنفاً ، وعليه يجب أن يحمل كلامه في ( التقريب ) توفيقاً بين كلاميه ، ورفعاً للتعارض بينهما .
إذا تبين هذا يظهر لك ضعف هذه القصة ، وعدم صلاحية الاحتجاج بها . ثم ظهر لي فيها علة أخرى وهي الاختلاف على أحمد فيها ، فقد أخرج الحديث ابن السني في ( عمل اليوم والليلة ) والحاكم من ثلاثة طرق عن أحمد بن شبيب بدون القصة ، وكذلك رواه عون بن عمارة البصري ثنا روح ابن القاسم به ، أخرجه الحاكم ، وعون هذا وإن كان ضعيفاً ، فروايته أولى من رواية شبيب ، لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي .
وخلاصة القول: إن هذه القصة ضعيفة منكرة ، لأمور ثلاث:
ضعف حفظ المتفرد بها ،
والاختلاف عليه فيها ،
ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في الحديث ،
وأمر واحد من هذه الأمور كاف لإسقاط هذه القصة ، فكيف بها مجتمعة ؟
ومن عجائب التعصب واتباع الهوى أن الشيخ الغماري أورد روايات هذه القصة في ( المصباح ) من طريق البيهقي في ( الدلائل ) والطبراني ، ثم لم يتكلم عليها مطلقاً لا تصحيحاً ولا تضعيفاً ، والسبب واضح ، أما التصحيح فغير ممكن صناعة ، وأما التضعيف فهو الحق ولكن . . .
ونحو ذلك فعل من لم يوفق في ( الإصابة ) ، فإنهم أوردوا الحديث بهذه القصة ، ثم قالوا: ( وهذا الحديث صححه الطبراني في الصغير والكبير ) !
وفي هذا القول على صغره جهالات:
أولاً: أن الطبراني لم يصحح الحديث في ( الكبير ) بل في ( الصغير ) فقط ، وأنا نقلت الحديث عنه للقارئين مباشرة ، لا بالواسطة كما يفعل أولئك ، لقصر باعهم في هذا العلم الشريف ( ومن ورد البحر استقل السواقيا ) .
ثانياً: أن الطبراني إنما صحح الحديث فقط دون القصة ، بدليل قوله . وقد سبق: ( قد روى الحديث شعبة . . والحديث صحيح ) فهذا نص على أنه أراد حديث شعبة ، وشعبة لم يرو هذه القصة ، فلم يصححها إذن الطبراني ، فلا حجة لهم في كلامه .
ثالثاً: أن عثمان بن حنيف لو ثبتت عنه القصة لم يُعلّم ذلك الرجل فيها دعاء الضرير بتمامه ، فإنه أسقط منه جملة ( اللهم فشفعه في ، وشفعني فيه ) لأنه يفهم بسليقته العربية أن هذا القول يستلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعياً لذلك الرجل ، كما كان داعياً للأعمى ، ولما كان هذا منفياً بالنسبة للرجل ، لم يذكر هذه الجملة ؟ قال شيخ الإسلام:
( ومعلوم أن الواحد بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه - مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع له - كان هذا كلاماً باطلاً ، مع أن عثمان بن حنيف لم يأمره أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، ولا أن يقول: ( فشفعه في ) ، ولم يأمره بالدعاء المأثور على وجهه ، وإنما أمره ببعضه ، وليس هناك من النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة ، ولا ما يظن أنه شفاعة ، فلو قال بعد موته: ( فشفعه في ) لكان كلاماً لا معنى له ، ولهذا لم يأمر به عثمان ، والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ، والذي أمر به ليس مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثل هذا لا تثبت به شريعة ، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في حسن العبادات أو الإباحات أو الإيجابيات أو التحريمات إذ لم يوافقه غيره من الصحابة عليه ، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه ولا يوافقه ، لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها ، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد ، ومما تنازعت فيه الأمة ، فيجب رده إلى والرسول ) .
ثم ذكر أمثلة كثيرة مما تفرد به بعض الصحابة ، ولم يُتبع عليه مثل إدخال ابن عمر الماء في عينيه في الوضوء ، ونحو ذلك فراجعه . ثم قال:
(وإذا كان ذلك كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعياً له ، ولا شافعاً فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعاً بعد مماته كما كان يشرع في حياته ، بل كانوا في الاستسقاء في حياته صلى الله عليه وسلم يتوسلون ، فلما مات لم يتوسلوا به ، بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور ، لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر: لا يأكل سميناً حتى يخصب الناس ، ثم لما استسقى بالناس قال: اللهم إنا كنا إذا أجدَبنا نتوسل إليك بنبينا ، فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا . فيسقون . وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة ، ولم ينكره أحد مع شهرته ، وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية ، ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته ، فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا: كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما ، ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق ، وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله -------
2...
وأما قول ذلك الشيعي :
الميت يعلم بعمل الحي ويدعو له
((( إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا))
فالحديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني (2/863) ..
وأزيدك :
حديث :
"الله الله في أصحاب القبور : فإن أعمالكم تعرض عليهم " ...!
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة أيضا ًللألباني (1/443) ...
وأزيدك :
حديث :
" حياتي (أي النبي) : خيرٌ لكم : تحدثون ويحدث لكم .. ووفاتي : خيرٌ لكم : تـُعرض عليّ أعمالكم .. فما رأيت مِن خير : حمدت الله عليه .. وما رأيت مِن شر : استغفرت الله لكم " !!!..
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة أيضا ًللألباني (2/975) ...
وأما الصواب في السُـنة الصحيحة فقط فهو : إبلاغ الله تعالى لصلاة المؤمنين على النبي في حياته البرزخية بعد موته في قبره - ونحن نثبت موت النبي بعكس غلاة الصوفية : وما يجري في حياة البرزخ ليس من جنس ما يعرفه البشر في حياتهم قبل الموت - .. وهذا مِن كرامة الله تعالى لنبيه بعد الممات ..
والحديث الصحيح هو :
" إن مِن أفضل أيامكم : يوم الجمعة .. فيه خــُلق آدم .. وفيه قــُبض .. وفيه النفخة .. وفيه الصعقة .. فأكثروا عليّ مِن الصلاة فيه .. فإن صلاتكم معروضة ًعليّ .. إن الله حرّم على الأرض : أن تأكل أجساد الأنبياء " ...
رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني ........