المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصر# ‬بين# ‬مدنية# ‬أردوغانية# ‬وعسكرة# ‬أتاتوركية# ‬



Digital
07-12-2012, 12:10 PM
مصر# ‬بين# ‬مدنية# ‬أردوغانية# ‬وعسكرة# ‬أتاتوركية# ‬

مصر التي رحّل ميدان التحرير فيها رئيسا مخلوعا إلى السجن المؤبد تنتظر في الساعات القادمة تحرير الرئيس المنتخب المعتقل في الصندوق على ذمة التحقيق، وإنتاج تسوية بين عسكر المشير، وأبناء العم صام، وإخوة المرشد العام.
كان يفترض أن يكون يوم الخميس الماضي موعدا لتسليم السلطة للرئيس المنتخب الجديد وعودة الجيش المصري إلى قواعده سالما، ليكتمل المسار الذي رسمته "ثورة" 25 يناير، كما يحلو للمصريين وصف ما حدث، غير أن أسبوعا واحدا من المواجهة قلب المسار رأسا على عقب، وتتالت ضربات الهدم بسرعة خارقة، بدأت بقرار المحكمة الدستورية العليا الذي اعتبر مجلس الشعب المنتخب باطلا منحلا بقوة القانون وحده، ثم إصدار المجلس العسكري إعلانا دستوريا نهاية اليوم الثاني من الانتخابات الرئاسية، استبق به ما قد يحدث من مفاجآت.
تسريح# ‬بلا# ‬إحسان# ‬في# ‬زواج# ‬مثلي‬
حتى قبل صدور الإعلان الدستوري المكمل، كنت قد وصفت قرار المحكمة الدستورية العليا بالانقلاب الناعم للعسكر مستعينا بالقضاء المصري، بل قلت أن قرار المحكمة هو إعلان متأخر عن انقلاب عسكري حدث في فبراير من سنة 2011، ومرر تحت غطاء حراك شعبي، أدير ببراعة من أكثر من# ‬طرف،# ‬كانوا# ‬وقتها# ‬على# ‬قدر# ‬من# ‬التوافق# ‬بعد# ‬أن# ‬تقاطعت# ‬مصالحهم# ‬على# ‬تنحية# ‬الرئيس# ‬مبارك،# ‬وإبطال# ‬مسار# ‬التوريث#.‬
#"‬مجمل# ‬مسارات# ‬ما# ‬سمي# ‬بالربيع# ‬العربي# ‬لا# ‬تستقيم،# ‬ولن# ‬تؤتي# ‬أكلها# ‬كما# ‬تريده# ‬الإدارة# ‬الأمريكية،# ‬ما# ‬لم# ‬ينجح# ‬المسار# ‬في# ‬مصر# ‬وسورية#"‬
ولأجل ذلك، لم أفاجأ بما حدث ويحدث اليوم بعد أن دخل الثلاثي المرح في صدام، وتتحرك مجددا آلة الترحيل الأمريكية المتوثبة لإسقاط النظم، لتقول للمجلس العسكري المصري بلغة مازالت مهذبة "ارحل" حتى قبل أن تعيد تحريك أدوات ميدان التحرير، وجاء بيان وزارة الخارجية الأمريكية بمطالب أربعة، تأمر عسكر مصر بالعدول عن حل مجلس الشعب، والتراجع عن مضامين الإعلان الدستوري الجديد، وتسليم السلطة كاملة غير منقوصة للرئيس المنتخب، ولم تخف العواصم الغربية انزعاجها من الانقلاب الحاصل في المشهد المصري، المرشح لتطورات قد تقضي على ما اعتبر# ‬من# ‬أهم# ‬انجازات# ‬الربيع# ‬العربي#.‬
تأليب# ‬الميدان# ‬على# ‬عسكر# ‬سليمان
ذلك أن مجمل مسارات ما سمي بالربيع العربي لا تستقيم، ولن تؤتي أكلها كما تريده الإدارة الأمريكية، ما لم ينجح المسار في مصر وسورية، وأن الفشل في مصر قد يحبط الفرص القليلة القائمة لنجاح المسار في سورية.
فقبل سنة من الآن كان الأبطال الثلاثة: المجلس العسكري والإخوان والولايات المتحدة على قلب رجل واحد، فكانت الإدارة الأمريكية راضية كل الرضا عن المجلس العسكري، الذي استجاب لكل ما طلب منه، ولم تكن الإدارة الأمريكية تحتج وقتها على القمع الدموي لـ"فلول الثوار" المطالبين بالدستور أولا، كما لم يصدر عن الإدارة الأمريكية أي انزعاج أو قلق حين أفضت التشريعيات إلى هيمنة مطلقة للإسلاميين على غرفتي البرلمان، وكان الجميع يشيد بالإدارة النزيهة للمسارات الانتخابية، إلى أن جاءت اللحظة التي أراد فيها العسكر من الشريكين الالتزام# ‬بما# ‬وعد# ‬به# ‬العسكر# ‬في# ‬الصفقة،# ‬وعلى# ‬رأسها# ‬تحرير# ‬الدستور# ‬القادم# ‬بضمانات# ‬كافية# ‬للعسكر# ‬قوبلت# ‬بالرفض#.‬
ولمن شاء أن يؤرخ لبداية الطلاق بين العسكر والإخوان نحيله إلى المواجهة الأولى بين الطرفين حول ما سمي بوثيقة السلمي التي أراد العسكر من خلالها تثبيت موقع دستوري خاص للمؤسسة العسكرية قبل الدخول في كتابة الدستور، ثم توسعت المواجهة لتشمل منازعة العسكر بشأن الحكومة،# ‬وأخيرا# ‬إصرار# ‬الإخوان# ‬على# ‬تثبيت# ‬أغلبية# ‬تصويتية# ‬مطلقة# ‬داخل# ‬لجنة# ‬كتابة# ‬الدستور# ‬كانت# ‬ستنتهي# ‬بإخراج# ‬العسكر# ‬من# ‬اللعبة#.‬
سوء# ‬التقدير# ‬لمقاومة# ‬النظم# ‬العسكرية
ثمة بلا شك سوء تقدير يكون قد حصل، سواء عند الإخوان أو عند الإدارة الأمريكية، فالطرفان لم يقدرا على ما يبدو قوة المقاومة عند الأنظمة التي نشأت على أيدي الجيش، وكانا ضحية الخدعة البصرية التي أنتجتها الحالة التونسية، ثم الليبية، وتجاهلا تجارب سابقة، أهمها ما حصل# ‬في# ‬الجزائر# ‬حين# ‬صمد# ‬النظام# ‬والدولة# ‬أمام# ‬عشر# ‬سنوات# ‬من# ‬العنف# ‬والمواجهة# ‬المفتوحة# ‬مع# ‬التيار# ‬الإسلامي#.‬
فالنظام التونسي لم يؤسسه الجيش التونسي، الذي ظل منذ النشأة على هامش السلطة، ولم تنجح الولايات المتحدة في لي ذراع علي صالح إلا بعد أن ضمنت له خروجا آمنا مع الإبقاء على موقع محمود للعسكر اليمني، وهي اليوم متعثرة في سورية، لأنها لم تنجح في تقديم ضمانات للمؤسسة العسكرية السورية حتى تعزل الأسد ونظامه، وكان يفترض لها وللإخوان -وهما أكثر الجهات دراية بموقع العسكر في النظام المصري منذ "ثورة" الضباط الأحرار- أن ينتهجا مع المؤسسة العسكرية المصرية مسارا متدرجا، شبيها بما حصل مع عسكر تركيا، ولاحقا مع العساكر في دول أوروبا# ‬الشرقية# ‬بعد# ‬#"‬الثورات#"‬# ‬المخملية#.‬
تخيير# ‬الإخوان# ‬بين# ‬الثورة# ‬والإذعان# ‬
التسرع الأحمق الذي أظهره الإخوان والإدارة الأمريكية في الاستعداء المبكر للمؤسسة العسكرية، كان محفزا قويا للمجلس العسكري للانتقال بسرعة من موقع الشريك في الانقلاب الناعم على مبارك وزمرة التوريث، إلى التحضير في هدوء لانقلاب فعلي على جميع مفردات ما سمي بثورة 25 يناير، ليضع الشريكين أمام خيارات لن يكون فيها العسكر وحده الخاسر، حين تنتقل المواجهة من الدائرة القانونية والسياسية إلى المواجهة العنيفة الصرفة، وهي قادمة بلا ريب ما لم تسارع الإدارة الأمريكية والإخوان إلى الدخول في تفاوض جدي مع المجلس العسكري، والبحث عن مخرج للصدام الذي له الآن أكثر من صاعق، لعل أخطرها الإعلان اليوم أو غدا عن فوز الفريق أحمد شفيق بالاستحقاق الرئاسي، يليه في الخطورة امتناع مرشح الإخوان في حال فوزه عن أداء القسم أمام الدستورية العليا، أما الصاعق الثالث فقد يفجر يوم الثلاثاء القادم، حين يصدر# ‬حكم# ‬المحكمة# ‬ببطلان# ‬اللجنة# ‬الثانية# ‬لكتابة# ‬الدستور،# ‬وتفرد# ‬المجلس# ‬العسكري# ‬بعده# ‬بتشكيل# ‬اللجنة# ‬كما# ‬ورد# ‬في# ‬الإعلان# ‬الدستوري#.‬
#"‬الإدارة# ‬الأمريكية# ‬والإخوان# ‬لم# ‬يقدرا# ‬قوة# ‬المقاومة# ‬عند# ‬الأنظمة# ‬التي# ‬نشأت# ‬على# ‬أيدي# ‬الجيش،# ‬وكانا# ‬ضحية# ‬الخدعة# ‬البصرية# ‬التي# ‬أنتجتها# ‬الحالة# ‬التونسية# ‬ثم# ‬الليبية#"‬
وقد يكون السيناريو الأقل سوء، أن يعلن عن فوز مرشح الإخوان، وأن يستجيب بقدر من البراغماتية لميزان القوة الجديد، باستلام منصب الرئاسة بهذا الانتقاص الحاصل في صلاحياته، ويقبل الإخوان بخارطة الطريق الجديدة التي رسمها العسكر، إلى حين الاستفتاء على الدستور وإعادة# ‬بناء# ‬السلطة# ‬التشريعية،# ‬التي# ‬لن# ‬تعود# ‬بتلك# ‬الهيمنة# ‬الإسلامية،# ‬كيفما# ‬كان# ‬تجاوب# ‬الناخب# ‬المصري# ‬مع# ‬الأحزاب# ‬الإسلامية#.‬
الترتيبات السريعة التي اتخذها المجلس العسكري تشير إلى أنه قد شعر بنوع من الخيانة والخداع، تحديدا من جهة الإدارة الأمريكية التي دخلت في حوارات مكثفة مع قيادات الإخوان بعيدا عن أنظار أركان الجيش المصري، كما يكون قد شعر بمخاوف حقيقية من قيام تصفية وتطهير واسعين# ‬في# ‬صفوف# ‬المجلس# ‬العسكري،# ‬بالنظر# ‬إلى# ‬التهديدات# ‬الفجة# ‬التي# ‬صدرت# ‬عن# ‬بعض# ‬قيادات# ‬الإخوان#.‬
استدراك# ‬المشير# ‬على# ‬سنن# ‬أتاتورك
في كل الأحوال ليس ثمة ما يشير إلى احتمال تراجع المجلس العسكري، لا عن قرار حل مجلس الشعب، ولا عن الإعلان الدستوري، وليس مؤملا أن تتمكن الإدارة الأمريكية والإخوان من إعادة بناء الثقة مع العسكر إلا بعد صدور دستور جديد يتضمن حماية كافية للمؤسسة العسكرية، ويضع قيودا لأي رئيس مدني قادم تجاه إدارة المؤسسة العسكرية، التي قد تقبل بحكم مدني في إدارة الشأن العام كيفما كان الفصيل السياسي الذي تفرزه الانتخابات، ما لم يجرد قيادة الجيش من صلاحيات حصرية لإدارة شؤون العسكر على ما كان عليه عسكر الأتراك.
قد لا يعنينا كثيرا الموقف الأمريكي الذي مازال يتطاول على السيادة المصرية حد القدح في قرارات القضاء المصري، وقد نتفهم حسابات الطرف الأمريكي الذي راهن على عوائد المغالبة بين العسكر والإخوان، إما بإخضاع الجيش لقيادة مدنية إخوانية، قد التزمت في وقت بمبكر بمعاهدة كامب دافيد، لتكون داعما يعول عليه أكثر من العسكر في إنجاح ترتيبات مشروع الشرق الأوسط الأمريكي الجديد، أو تدفع نحو مواجهة بين الإخوان والعسكر، تنتهي بإضعاف الطرفين وإنهاكهما كما فعلت مع السلطة الفلسطينية وحماس.
بوكر# ‬أمريكي# ‬بأوراق# ‬مكشوفة
غير أن قيادة الإخوان، وربما الإدارة الأمريكية نفسها تجاهلتا ما بين أيدي المؤسسة العسكرية المصرية من أوراق لعب ومناورة، بعد أن تخلصت من عبء حكم مبارك وزمرة التوريث، وأنه ما كان يصلح في فبراير 2011 لم يعد ينفع اليوم، في لعبة البوكر الأمريكي التي يريد عسكر مصر# ‬لعبها# ‬بأوراق# ‬مكشوفة#.‬
فعلى المستوى الداخلي، استطاع العسكر أن يزرع الفرقة في صفوف القوى السياسية، ويعزل الإخوان ويسوقهم للشارع المصري كطلاب سلطة لا غير، واستطاع أن يبطل في شهور قليلة مفاعيل المليونيات التي كان يعول عليها الإخوان ويديرونها ببراعة، وأنتج حالة من التعب واليأس عند عامة# ‬المصريين،# ‬كانت# ‬وراء# ‬حصول# ‬مرشح# ‬متهم# ‬بإعادة# ‬بناء# ‬النظام# ‬الساقط# ‬على# ‬أصوات# ‬مساوية# ‬لأصوات# ‬مرشح# ‬الإخوان# ‬إن# ‬لم# ‬يكن# ‬قد# ‬تغلب# ‬عليه#.‬
#"‬السيناريو# ‬الأقل# ‬سوءا،# ‬أن# ‬يعلن# ‬عن# ‬فوز# ‬مرشح# ‬الإخوان،# ‬ويقبل# ‬الإخوان# ‬بخارطة# ‬الطريق# ‬الجديدة# ‬التي# ‬رسمها# ‬العسكر# ‬إلى# ‬حين# ‬الاستفتاء# ‬على# ‬الدستور# ‬وإعادة# ‬بناء# ‬السلطة# ‬التشريعية#"‬
ثم إن المجلس العسكري قد نجح في بناء فراغ دستوري، لا يمكن إعادة بنائه دون شراكة مع العسكر وفق خارطة الطريق الجديدة التي تضمنها الإعلان الدستوري، فالرئيس الجديد لا يملك حق إصدار إعلان دستوري جديد، وليس له سلطة التشريع، ولن يفوز بالشرعية إلا بأداء القسم وفق الإعلان الدستوري، ولن يستطيع تنظيم أي مسار انتخابي دون مشاركة العسكر والشرطة وخاصة القضاء المصري، الذي يكون قد اصطف إلى جانب العسكر، كما أن المؤسسة العسكرية المصرية لا تشعر اليوم بالعزلة كما قد يتوهم الإخوان.
لقد فتحت الأحداث الجارية في سورية أمام العسكر ساحة مناورة أوسع، قد يلوح بتفعيلها في أية لحظة، خاصة مع وجود المشير طنطاوي على رأس المجلس، وهو ابن المدرسة السوفييتية الذي نجا من عملية تطهير الجيش المصري من تبعات المرحلة الناصرية، وقد ينجح في إقناع خلانه بإمكانية الدخول في عملية استكشاف مع الروس والصينيين، العائدين بقوة للشراكة في إدارة الشرق الأوسط، كما قد يجد في التنافس القطري السعودي فسحة لبناء تقارب مصري سعودي، يستعيد فيه السعوديون كثيرا من المواقع التي خسروها في لبنان وسورية.
رئيس# ‬في# ‬السجن# ‬وآخر# ‬في# ‬الصندوق
الساعات القليلة القادمة قد تكون أخطر لحظات تعيشها مصر، تبدأ بالإعلان الرسمي عن المرشح الفائز الذي قد يفجر الأوضاع فور الإعلان في حال فوز أحمد شفيق، أو يؤجل الانفجار إلى اللحظة التي يكون فيها لزاما على مرشح الإخوان، في حال فوزه، بين مسار طلب الشرعية الدستورية بالإذعان لأحكام الإعلان الدستوري، والقبول بخارطة الطريق الجديدة، أو الدخول في مواجهة مفتوحة، برفض القسم أمام الدستورية العليا، والعودة إلى ميدان التحرير للي ذراع المجلس العسكري، وإنتاج مشهد غير بعيد عن المشهد الليبي أو السوري.
الخيار الأول سوف يقود الإخوان إلى القطيعة والطلاق البائن مع بقية شركائهم في الميدان، ويحكم عزلتهم، والثاني يقودهم إلى مواجهة مفتوحة وغير آمنة مع عسكر، قد أعد العدة للدفاع عن نفسه ومصالح المؤسسة أيا كان الثمن كما يفعل أقرانه في سورية.
وما لم تفض الحوارات السرية الجارية بين الأطراف الثلاثة، فإن أم الدنيا تكون قد وضعت على كف عفريت له في الساحة المصرية المنفلتة العقال ألف نصير من كبار وصغار الشياطين، من أنصار رئيس مخلوع أودع السجن المؤبد، وآخر في الحبس الاحتياطي على ذمة تحقيق قضاة اللجنة الانتخابية#.