المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جُسَيم الرب: آية للمؤمنين وفتنة للملحدين



إبراهيم الرماح
07-12-2012, 03:22 PM
جُسَيم الرب: آية للمؤمنين وفتنة للملحدين

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وسبحان الله وبحمده "الَّذِي لَهُ مُلْكُ ‏السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً".‏
‏"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ ‏عَلِيمٌ". ‏
‏"أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ‏كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".‏

قصة (جسيم الرب):‏
في عام 1964 قَدَّم الفيزيائي (بيتر هيجز) وآخرون نظريةً عن الجسيم المسؤول عن كتلة الجسيمات ‏الأولية –وهي البوزونات: الجسيمات حاملة الطاقة، والفرميونات: الجسيمات حاملة المادة أو الكتلة-، ‏واقترحوا نموذجاً لآلية تكتسب بواسطتها الجسيمات كتلتها عن طريق تآثرها –التآثر هو التأثير ثنائي ‏الاتجاه- مع مجال سمي بـ (مجال هيغز)، وسمي الجسيم المقترح لإكمال النموذج المعياري لفيزياء ‏الجسيمات باسم: بوزون هيجز ‏‎(Higgs Boson)‎‏. ثم شاع في وسائل الإعلام تسميته بــ: جسيم ‏الرب ‏‎(God Particle)‎‏ بعد ظهور كتاب (ليون ليدرمان) بعنوان: (جسيم الرب: إذا كان الكون هو ‏الجواب، فما هو السؤال؟)‏
‎(The God Particle: If the Universe Is the Answer, What Is the ‎Question?)‎‏ ‏
وقد عارض مقدم النظرية (بيتر هيجز) هذه التسمية. وقال ليدرمان: إنه سماه بهذا الاسم لأن فَهْمَ ‏طبيعة هذا الجسيم مركزيٌ ومهم جداً لفهم بنية المادة وكيف نشأ هذا الكون والنظرية الكبرى التي ‏تحكمه؛ فهو الجسيم الذي يُظن أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها.‏
ثم توالت الأبحاث في هذا المجال، وأُنْشِئَ مصادم الهادرونات الكبير‎ ‎‏ ‏‎(Large Hadron ‎Collider LHC)‎‏ بغرض الإجابة عن أسئلة الفيزياء المتعلقة ببناء الكون عن طريق فهم ‏الجسيمات المكونة للكون، وعلاقتها ببعضها، وكيف نشأت وإِلامَ تصير.‏
ويوجد هذا (المصادم) تحت الحدود الفرنسية السويسرية بالقرب من مدينة جنيف. وقد تبنت‎ ‎المنظمة ‏الأوروبية للبحث النووي‎ (CERN) ‎بناءه، وشارك في ذلك أكثر من 10000‏‎ ‎فيزيائي‎ ‎ومهندس‎ ‎من ‏‏100 دولة ومئات من المراكز البحثية. وقد كلف المشروع نحو 7.5 مليار يورو (وهناك تقديرات ‏أخرى لهذا).‏
ومن المسائل التي جرى بحثها ولا زال مستمراً: مسألة (بوزون هيجز) أو (جسيم الرب) وهل هو ‏موجود فعلاً أم هي مجرد فرضية، وطبيعة المادة المظلمة في الكون، ومسائل أخرى كثيرة.‏
وفي 4 يوليو 2012، أعلن الباحثون أنهم متأكدون بنسبة 99.999% أن هذا الجسيم موجود.‏
وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه يسهم إسهاماً كبيراً في وضع ما يسمى بـــ (نظرية كل شيء) ‏Theory of Everything، والتي بها تنتظم القوانين المتفرقة التي تحكم حركة الكون تحت ‏قانون واحد. وذكر بعضهم أن هذا الاكتشاف سيحدث ثورة في علم الفيزياء وستتغير تبعاً لذلك بعض ‏مقرراته، كما غيرت قوانينُ اينشتاين في النسبية والكمومية قوانينَ نيوتن ونموذجه الميكانيكي في تفسير ‏الكون.‏

نظرة الملاحدة لهذا الاكتشاف:‏
الأصل في العلوم كالفيزياء والأحياء وغيرها أنها علوم موضوعية قوامها التجربة والمشاهدة، لا يدخلها ‏الهوى ولا تخضع للآراء المجردة عن البراهين.‏
لكن الملاحدة يعمدون بخبث إلى (ربط) تصوراتهم الباطلة عن حقيقة الكون وأيدلوجيتهم الإلحادية ‏بالمكتشفات العلمية حتى يتوهم الجاهل أن للإلحاد سنداً علمياً يدعمه، وهذه هي (الأدلجة) الباطلة. ‏وفي جولة في بعض المواقع والمنتديات الإلحادية –العربية والانجليزية- وجدت الملاحدة فرحين بهذا ‏الاكتشاف وكأنه الذي سيقوض بنيان الإيمان!‏
وقد زعم الملاحدة أن وجود هذه الجسيمات يجعل الكون مكتفياً بذاته وأنه خَلَقَ نفسه بنفسه فلا ‏يحتاج إلى خالق مدبر! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.‏

نظرة المؤمنين لهذا الاكتشاف:‏
كل اكتشاف جديد يُتوصل إليه في هذا الكون إنما هو دليل جديد على عظمة الله تعالى "الذِي أَحْسَنَ ‏كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ".‏
قال د. مصطفى محمود في رحلته من الشك إلى الإيمان: "كل يوم يجتمع لدي المزيد من الأدلة بأن ‏الكون هو بالفعل مسرح للتوازن العظيم في كل شيء، وأن كل شيء فيه قد قُدِّرَ تقديراً دقيقاً".‏
ولا شك أن الفطرة السليمة والعقل الصحيح يثبتان وجود خالق عظيم لهذا الكون، فلا يُتصور أن يكون ‏هذا الكون بدقته العجيبة، وقوانينه البديعة، وصنعته المتقنة، أتى من انفجار عظيم دون أن يكون هناك ‏إلهٌ وضع له هذه القوانين التي تحكمه!‏
وقولهم إن الانفجار العظيم حصل (صدفة) ونشأ منه هذا الكون الذي يسير فيه كل شيء وفق نظام ‏دقيق ومدار محدد ومقادير وأبعاد معينة = يشبه قول القائل: (إنه يمكن تشكل قاموس ضخم مرتب ‏ترتيباً هجائياً دقيقاً حسب الأحرف نتيجة انفجار مطبعة)!! ‏
سيقول الملاحدة: وجود المادة والطاقة والفراغ كافٍ لنشأة الكون!‏
فيقال لهم: فأين العلم والقدرة التي تخرجه إلى حيز الوجود؟! وهل للكون مشيئة وإرادة واختيار؟
سيقولون: لا، ولكنه مع ذلك خلق نفسه!‏
فيقال لهم: أي الفكرتين أقرب للعقل: كونٌ فاقدُ الإرادة يخلق نفسه بنفسه، أم خالقٌ أزليٌ عالمٌ قادرٌ ‏خبيرٌ خَلَقَ الكون؟! لا شك أن هذا أقرب للعقل من تصور ِكونٍ مُحْدَثٍ عديمِ الإرادة والمشيئة يخلقُ ‏نفسه! " فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".‏
وأما هذا الجسيم الذي اكتُشف مؤخراً فلا يعدو كونه أحد المخلوقات التي سخرها الله عز وجل لتوازن ‏الكون .. "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ ‏كَانَ حَلِيماً غَفُوراً".‏
فهذا الاكتشاف لا يساند الإلحاد أبداً وإنما يستخدمه الملاحدة بخبث لتمرير فكرتهم في إنكار ‏الخالق. وليس كل الفيزيائيين يرون هذا الاكتشاف داعماً للإلحاد، بل المؤمنون منهم بوجود الخالق ‏يرون هذا دليلاً جديداً من دلائل عظمة الخالق وقدرته.‏
وقد سألت أستاذ فيزياء الجسيمات في جامعة مانشستر: براين كوكس (‏Brian Cox‏): هل هذا ‏الاكتشاف يدعم فكرة الإلحاد؟ فقال: لا.‏
وقد قال العالم جون لينوكس في رده على الملحد داوكنز: إن قوانين الفيزياء لا يمكن أن تخلق شيئاً، ‏إنما تفسر ما هو موجود فعلاً وما يمكن أن يحدث تحت شروط معينة.‏
وبعضهم سمى هذا الجسيم: جسيم الإيمان ‏‎(Particle of Faith)‎؛ لأنه دليل جديد من دلائل ‏عظمة الله تعالى وقدرته وإتقان صنعته "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ".‏

لماذا يقع بعض عباقرة العلوم في الإلحاد؟
قد يستطيع علماء الطبيعة أن يفهموا (كيف) نشأ الكون، لكنهم لن يستطيعوا الإجابة عن (الغاية) من ‏نشأته و(لماذا) وُجد، إلا بنورٍ من الوحي وأثارةٍ من علم النبوة. وقد يكون المرء ذكياً في فهم دقائق ‏الأمور لكنه أعمى عن رؤية عظائمها. ومثالٌ على عمى البصائر ما قاله (واينبيرج): لا يمكن إثبات دليل ‏على عدم وجود الخالق، لكنه ملحد لأن الأدلة على وجود الخالق ليست كافية في نظره. ويقول: إذا ‏أرسل الخالقُ صواعقَ على كل الكافرين فهذا دليل قوي على وجوده!‏
وهذا كما أخبر الله تعالى عن كفار قريش: "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا ‏حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ". فما هو إلا العناد والمكابرة "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ‏ظُلْمًا وَعُلُواً". وهذا الكِبر والغرور هو الذي يحملهم على إنكار وجود الخالق جل وعلا "وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ ‏فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ". ‏
‏(فالعبد مفتقر إلى الله في أن يهديه ويلهمه رشده، وإذا حصل له علمٌ بدليل عقلي فهو مفتقر إلى الله في ‏أن يُحدث في قلبه تصور مقدمات ذلك الدليل ويجمعها في قلبه، ثم يُحدث العلم الذي حصل بها.‏
وقد يكون الرجل من أذكياء الناس وأحدهم نظراً ويعميه عن أظهر الأشياء، وقد يكون من أبلد الناس ‏وأضعفهم نظراً ويهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فلا حول ولا قوة إلا به. ‏
فمن اتكل على نظره واستدلاله أو عقله ومعرفته خُذل؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في ‏الأحاديث الصحيحة كثيراً ما يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، ويقول في يمينه: "لا ‏ومقلب القلوب"، ويقول: "والذي نفسي بيده"، ويقول: "ما من قلب من قلوب العباد إلا وهو بين ‏إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه". ‏
‏ وكان إذا قام من الليل يقول: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم ‏الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق ‏بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"). ‏‎]‎درء تعارض العقل والنقل 4/382‏‎[‎

خاتمة:‏
كثيرٌ من الملاحدة الغربيين كانت خلفياتهم نصرانية، أو متأثرة بوثنيات الرومان واليونان وما فيها من ‏أساطير و(آلهة) عديدة متصارعة! ولذلك فإن نظرتَهم إلى الأديان عموماً وازدراءَهم لها ناشئٌ عن ‏استدعاء أذهانهم لهذه الأفكار الخرافية، فَسَوَّوْا بذلك بين جميع الأديان ورأوها مواداً للأساطير ‏‏(الميثولوجيا).‏
لهذا وغيره ينبغي علينا حين نرد على هؤلاء ألا نضع أنفسنا في موقف المدافع عن الأديان جملةً ضد ‏الإلحاد، بل يجب أن نضع الإسلام (وحده) في مواجهة الإلحاد؛ فالأديان الأرضية الوضعية -كمن يعبد ‏الشمس أو القمر أو النار أو البقر أو غير ذلك- فيها من السخف والتهافت ما لا يصمد أمام الأفكار ‏الإلحادية المتدثرة –زوراً وتمويهاً- بالعلم. وكل الأديان السماوية السابقة قد دخلها التحريف وفيها ما ‏يناقض العقل، كما أن تصورهم عن الخالق جل جلاله تصورٌ باطل؛ فاليهود ينسبون إلى الله تعالى ‏النقائص كالتعب والفقر والبخل والبَدَاء –وهو ظهور الأمور بعد خفائها-، وينسبون إلى الأنبياء –عليهم ‏السلام- رذائل الأخلاق كما هو موجود في كتبهم المحرفة. والنصارى كذلك، فعقائدهم في التثليث ‏والخطيئة الأولى والصلب والفداء وغيرها أضعف من أن تواجه الأفكار الإلحادية. كما تجد في كتبهم ‏الأخبارَ ظاهرةَ البطلان والتي تناقض العقل والحس؛ كقولهم إن عمر الدنيا سبع آلاف سنة، وغير ذلك ‏من الأباطيل.‏
فلا يمكن أن يواجهَ الإلحادَ إلا الإسلامُ وحده بنقائه وصفائه، بعقيدته الصحيحة الواضحة وتشريعاته ‏الكاملة، المتفقة مع العقل والفطرة.‏
والله أعلم وأحكم. وصلى الله على نبينا محمدٍ وسلم.‏

مراقب 2
07-12-2012, 05:38 PM
جزاك الله خيرًا يا أخي على هذا المقال المناسب في الوقت المناسب تمامًا .

بالمناسبة ، هل أنت إبراهيم الرماح صاحب مقال (جولة في ناصية ملحد) ؟

هشام بن الزبير
07-12-2012, 06:16 PM
جزاك الله خيرا ومرحبا بك بين إخوانك أخي إبراهيم.

إبراهيم الرماح
07-12-2012, 06:55 PM
بارك الله فيكم جميعاً.

نعم.

د. هشام عزمي
07-12-2012, 09:09 PM
أحسنت يا أخي ، بارك الله فيك .

علي الادربسي
07-12-2012, 10:33 PM
بارك الله فيك أخي الكريم كنت أبحت عن معلومات وافية عن الموضوع
جازاك الله خيرا .

إبراهيم الرماح
07-13-2012, 02:05 AM
أشكركم على مروركم جميعاً أيها الأفاضل