سؤال عن قول الامام ابن كثير رحمه الله كل من الامر بالمعروف وفعله واجب

[طالبة فقه]

يقول الامام ابن كثير رحمه الله :(( كل من الامر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط احدهما بترك الاخر ))
كيف و هل من يأمر بالمعروف وهو لا يعمله يدخل في حديث في صحيح مسلم عن اسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار .... الى قوله كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه )
وقوله تعالى : (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)...!؟
ارجو التوضيح احسن الله اليكم.

[متروي]

عقوبة التارك للأمر بالمعروف و التارك لفعله أشد من عقوبة التارك لأحدهما ضرورة إلا أن يكون هذا الآمر منافقا لا يعتقد بما يأمر و في قصة أصحاب السبت يوضح الله عز وجل عقوبة ترك الأمر بالمعروف مع فعله (وَإذْ قَالَتْ أُمَّةٌ منْهُمْ لمَ تَعظُونَ قَومًا اللهُ مُهْلكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَديدًا قَالُوا مَعْذرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا به أَنجَيْنَا الَّذينَ يَنْهَوْنَ عَن السُّوء وَأَخَذْنَا الَّذينَ ظَلَمُوا بعَذَاب بَئيس بمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ.فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قرَدَةً خَاسئينَ) .
والله أعلم

[أبو القـاسم]

المعصية منكر , وترك النهي عن المنكر معصية ,فلا يجمع العاقل على نفسه معصية أخرى فوق ما تلبس به , لكن المراد من الحديث من يفعل ذلك على سبيل الرياء ونحوه, يريد أن يظهر كونه ناصحًا أو أنه على خير ، على أنه لو كان يأتي المعروف وينتهي عن المنكر ويأمرهم مع هذا وينهاهم معجبا بنفسه لكان مستحقا للذم فكيف حين لا يكون ممتثلا ؟! ، قد ذم الله من هذا حاله أشد الذم فقال (لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ) ,

أو يحتمل أن العذاب المذكور لأجل معاصيه التي كان يقترفها , لا لأجل أنه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر , ويكون قولهم : (أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟) على سبيل التقريع أو الاستغراب لأن الناس من شانهم إذا رأت من يامرها بالمعروف يخالف ما يأمر به وضعته من أعينها , ولهذا قال خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) ، فعلى هذا المعنى يكون العذاب أشد لو لم يكن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر , وهو كذلك ..لما تقرر أنه جمع بين معصيتين..

قال سعيد بن جبير التابعي الكبير : (لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء : ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر )..ويتضح هذا المعنى أكثر حين يكون الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر , لا يعلم عنه من يامرهم وقوعه في هذا الذي ينهاهم عنه , فيكون الوجوب هنا آكد ، لأنهم لو كانوا يعلمون لقالوا :انظر إلى نفسك فمرها ! ولما قبلوا منه في الغالب ، ولكن هذا لا يعفيه من الأمر والنهي بشرط الإخلاص ، قياما بهذه الفريضة العظيمة التي جعل الله تركها من موجبات لعن الذين كفروا من بني إسرئيل , ومن معالم خيرية هذه الأمة .. وينبغي حتى يسلم من شبهة النفاق أن يستذكر أمر نفسه معهم , فيكون لسان حاله بنحو قول القائل :أوصي نفسي وإياكم , وأما قول الله (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) فهو تقريع لمن يخلي نفسه من استحقاق الأمر فلا يعود عليها بالملامة أو التوبة أو الشعور بالذنب والتأثم ، والحال أن أمره غيره بالبر : دليل على أنه مستذكر لكونه مقارفا للإثم وليس المعنى أن من وقع في معصية لا يحق له أن ينهى غيره عنها! فهذا من أعظم ما يبغيه شياطين الإنس والجن ، وتقدمت كلمة الإمام سعيد بن جبير الحكيمة ..والله أعلم

[أبو القـاسم]

المعذرة يا شيخ المتروي ..أجبت ولم أر ردك مع أني حدثت الصفحة لأرى إن كان أحد أجاب ..

[متروي]

لو رأيت جوابي ما تمتعنا بجوابك بارك الله فيك .

[ابن عبد البر الصغير]

جزاك الله خيراً أختي لأنك سألتِ هذا السؤال وجعلتنا نستفيد من علم هؤلاء الأكارم من المحاورين، وإن كنتُ أطمع في الاستزادة منهما في هذا الباب .

وأحسبُ أختي أن كلام الإمام ابن كثير واضح في تفسيره وقد أجاب عن سؤالك بدقة فيما بعد جملته المنقولة إلى غاية استئناسه بقصة ابن زيد البصري .

[طالبة فقه]

احسن الله اليكم وجزاكم خيرآ
وجعلنا الله واياكم دعآة مخلصين غير ضالين ولا مضلين.
قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: ( فلو قدر أن رجل يصوم النهار ويقوم في الليل ويزهد في الدنيا كلها، وهو مع هذا لا يغضب لله، ولا يتمعَّر وجهه، ولا يحمر، فلا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله، وأقلهم ديناً، وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه ).
اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر المقيمين لحدودك ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.