المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقول لم تجر العادة أن يستدل بها على نبوة الرسول



أبو القـاسم
07-20-2012, 07:39 AM
هذه السلسة المقصود منها بيان أن دلائل النبوة وأماراتها لمن رام أن يرقبها عن كثب : أوسع من أن تحصر في مواقف مشهورة من ذكر المعجزات ونحوها ..فسأوقف القاريء النبيل على بعض الأمثلة القليلة بحيث يحصل الغرض..لمن أراد أن ينسج على المنوال فينفتح له من ذلك أبواب بحسب تيسير الله جل وعلا ..

قال الإمام البخاري في صحيحه : حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، أخبرني الزهري، أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: (
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية....وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي هبط عليهم منها، بركت به راحلته فقال الناس: حل حل، فألحت.فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل" .ثم قال: "والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها"

ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش،فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه..)
-الملون بالحمرة جليٌ أنه من معجزاته صلى الله عليه وسلم ..وليس هذا من مقصودي في هذا المقال .

-بركت فجأة ناقة الرسول(ص) واسمها القصواء ، وهم متجهون نحو مكة المقدسة فقال الصحابة :خلأت القصواء أي امتنعت عن التقدم مع حثها على المشي تبقى لابثة من غير علة ظاهرة، فلم يُمِرّ النبي (ص) هذا التعليل حتى أعله ودافع عن خلق الدابة التي يعرف مبِينا عن خلقه العظيم وحسبك بالعدالة جلالا وبالإحسان جمالا أن يبلغ هذا المبلغ ..كيف يتزيا في ثوب الغش من لا يمشّي وصفهم في بهيمة تأبى أن تمشي ، حتى يقوّمه بالحق ..

-قال "حبسها حابس الفيل " يعني عليه الصلاة والسلام : حبسها عن التقدم ما حبس فيل أبرهة وهو أن الله تعالى عصم البيت الحرام من أن تسفك فيه الدماء حين هم أصحاب الفيلة باقتحام البيت ،والكفار في قصة الحديبية كانوا على أهبة لمنع المسلمين وكانت ستقع مقتلة عظيمة، الشاهد : أن قصة أبرهة وأفياله مشهورة عند العرب حتى أرّخوا بها ..قكل الناس تعلم مولد رسول الله (ص) عام الفيل ، هذه القصة وما وقع للغزاة من قذائف الطير الأبابيل تدل على أن البيت الحرام معظم حقا عند الله تعالى ، فكان من شريعة الإسلام دون غيره من الأديان تعظيمه وجعله قبلة ، مع الإنكار على شرك المشركين ..

-قوة الثقة التي جزم فيها رسول الله على أن القصواء ما خلأت ( وأنه إنما حبسها الذي حبس الفيل حتى انه لمّا عدل بها رسول الله وولى راجعا عن وجهتها التي حبسها الله عنها مشت ولم تخلأ) : يشير إلى سلوك نبيٍ لا مصلح اجتماعي ، صلى الله عليه وسلم

إلى حب الله
07-20-2012, 10:21 AM
لطيفة : لطيفة يا أبا القاسم ....... :):
لا تبخل علينا بمثلها ...
ولعلك كما قلت : تشحذ بها عقولا ًلأن تحذو حذوك ...
وفقك الله ...

د. هشام عزمي
07-20-2012, 01:15 PM
جزاك الله خيرًا يا شيخنا أبا القاسم على هذه اللفتة اللطيفة ..
وأذكر أنه في لقاء لي بأحد الإخوة أصحاب الشبهات سألني عن كيفية وجود هذه الثقة وهذا اليقين لدي في صحة الإسلام والنبوة والقرآن ..
فأجبته بأن الأمر لا يعتمد على دليل واحد يكون قطعيًّا أسرده ثم يأتي اليقين ..
بل المسألة عبارة عن تراكم أدلة كثيرة وقد لا يبلغ أيها درجة اليقين القطعي وحده ، لكن تكاثرها وتعاضدها يؤسس لهذا اليقين ..
وضربت له مثالاً بحقيقة أن طوكيو هي عاصمة اليابان ..
فأنا لم أذهب لليابان قطٌ ، ولا أعلم أحدًا من معارفي سافر إليها ..
وليس لدي وثيقة موقعة ومختومة من بلدية طوكيو تقول إنها عاصمة اليابان ..
لكن حقيقة أن طوكيو عاصمة اليابان معلومة قطعية لا ريب فيها إطلاقًا ..
لماذا ؟
لأني طوال حياتي أسمع خبرًا من هنا وخبرًا من هناك وأقرأ في كتاب مرة وفي رواية ..
ثم تأتيني المعلومة على لسان واحد وآخر وثالث ورابع .. إلخ ..
حتى يتأسس لدي هذا اليقين دون أن ينبني في أصله على دليل قطعي يقيني ..
فهكذا تأسس اليقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لدى معاصريه ..
فهم شهدوا هذه الوقائع الصغيرة يومًا وراء يوم ، وساعة وراء ساعة حتى نما لديهم علم يقيني بصحة نبوة هذا الرجل ..
فضلاً عن الأدلة اليقينة القطعية التي يكفي الواحد منها لإيمان شعوبًا كاملة ..
لهذا آمنّا بالوحي والنبوة والرسالة والقرآن لمجرد قراءتنا لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ..
والله أعلم .

بن حيان
07-20-2012, 02:52 PM
أولا أسأل الله العظيم أن يتقبل صيامنا وقيامنا وأن يفرحنا بهلاك طاغية الشام وأن يكتب لك أخي المقدسي جميل الأجر لما تقدمه من أدلة تستنبطها من المنقول من سيرة الرسول533 أو ما ثبت من صحيح السنة
ثم إنه لا شك أن من منَّ الله عليه بالإيمان فقد حاز نعمة لا يدانيها نعمة لهذا تمر الحياة بحلوها ومرها والمؤمن في حالة من السعادة مصداقا لقول النبي 533 عجبا لأمر المؤمن إن أمره له كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا ولا يكون ذلك إلا للمؤمن
فيا لشقاء من حرم من نعمة الإيمان بالله

أبو القـاسم
07-20-2012, 04:14 PM
اللهم ربنا آمين ، ومرحبًا بالأفاضل الكرام ..تقبل الله منا اجمعين ، وجمعنا وإياكم على محابّه..

فأجبته بأن الأمر لا يعتمد على دليل واحد يكون قطعيًّا أسرده ثم يأتي اليقين ..
لو تأذن يا دكتورنا الحبيب الشيخ هشام ، عبارتك في غير هذا الموضع كانت أدق ، فبينت حسبما أذكر أن من الأدلة ما يفيد اليقين لوحده ، ومنها ما لا يبلغ وحده ذلك ولكن باجتماع نظائره يبلغه..

أبو القـاسم
07-20-2012, 04:51 PM
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإسلام : أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " . قال : صدقت ، قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك " . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ . قال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . قال : فأخبرني عن أمارتها ؟ قال : " أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " . ثم انطلق ، فلبثت مليا ، ثم قال لي : " يا عمر ، أتدري من السائل ؟ . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) ، في رواية أبي هريرة للحديث :ثم ادبر الرجل فقال رسول الله (ص) : عليّ بالرجل فأخذوا ليردوه ، فلم يروا شيئًا ، فقال رسول الله (ص) :هذا جبريل ..إلخ
--------

* كما سبق ليس من مقصودي المعلّم بالأحمر فهذا من دلائل النبوة البينة ..

-رجل بهذا الوصف الباعث على الاندهاش ..سمعتم عمر رضي الله عنه يذكره ، يأتيهم في مكان ليس هو القاهرة مثلًا فلا يلتبس عند القوم يومئذ كل غريب ياتي ديارهم بمن هو من ساكن بين أظهرهم كما يدرك هذا سكان القرى الصغيرة اليوم ، فلا هو من أهل المدينة "ولا يعرفه منا أحد" ولا هيأته تتيح للفكر أن يقول :أتى هذا من سفر ..

-ثم حين ولى الرجل وأرادوا من فورهم أن يلتمسوه لم يجدوا شيئًا ، فأي شيء يكون؟! ، وهل يلوم الصحابة على إيمانهم عاقل ، وهم يرون هذه الآيات تترى في سلوكه وأقواله وهديه وملابسات دعوته ؟ يصدّق بعضهم بعضًا ،في ذكر الأخبار التي وقفوا عليها وهم -كما ترى في هذا الحديث مثلا- جمعٌ جلوس عند رسول الله (ص)

-ثم حين تكلم عن الإسلام والإيمان والإحسان جاء بجمل شريفة جامعة ، يقع في نفس الصحيح الفهم إذا سمعها تصورٌ شافٍ عن حقيقة هذا الدين بأوجز عبارة ، يأطره على أن يسلّم له ويسلم وجهه لله رب العالمين ، فالصلاة صلة مع الله عز وجل حبًا وتعظيمًا والزكاة تزكية للمال وإخراج النفس عن داعية الطمع ، والصوم جُنّة يحمل على التقوى والإخلاص ، والحج قصد للبيت المعظّم تلبية بالتوحيد ونبذًا للشرك ، وبثًا لروح الجماعة والوحدة على قاعدة لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ثم الإيمان حين عرفه في هذا السياق المقرون بالإسلام بمعنى مخصوص ،ثم الإحسان.. يرى الواقف على هذه المعاني إذا كان خاليا عن الصوارف :دينا يجمع بين حاجات الروح والبدن والعقل وبين عبادة بدنية وقولية ومالية ، وبين القيام بحق الخالق وحق المخلوق والجماعة، وبين أعمال القلوب وأعمال الجوارح ، فلا يملك إلا ان يؤمن به ..

أحمد يعقوب2
07-21-2012, 11:43 AM
بارك الله فيك وزادك علماً استاذنا / أبو القاسم المقدسي
الموضوع رائع جداً .

أبو القـاسم
07-21-2012, 06:45 PM
أخرج البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لم تراعوا لم تراعوا قال وجدناه بحرا أو إنه لبحر قال وكان فرسا يبطأ ) وفي رواية للبخاري : (فزع الناس فركب رسول الله (ص) فرسا لأبي طلحة بطيئا ...فما سبق بعد ذلك اليوم )
---

* أن يخرج رسول الله (ص) وحده وهو بغية للعدو ..ومحل طلب لهم ورصد ، يودون لو يفتكون به ، حين سمع الناس صوتًا مفزعًا غير مكترث على فرس عري من غير سرج أو لجام ثم يرجع قبل خروج الناس ، هذا أقل ما يقال فيه :إنه قائد سما به النبل لا أقول إلى أن يتنزه عن أن يغش جماعته أو يكذب أهله فحسب، بل إلى حيث الخصال التي تكون في الأنبياء أو الخلص من أتباعهم ، ووجه الحجة في ذلك : أن رسول الله صاحب رسالة ،ومن شأن صاحب الغاية التي تملأ وجدانه أن يحوطها بالعناية حتى يتم له ما كان يحيا من اجله ، ولو قد شاء لكان يمكنه أن يتلبث في بيته حتى تنكشف الدلجة ، فلما اقتحم لجج الخوف وحده باذلا نفسه لاجل الجماعة ،ثم رجع يطمئهم : دل على سلوك رجل في أعلى مراتب الصدق ، ولهذا صدّر أنس رضي الله عنه كلامه بحقيقة : كان رسول الله أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس..وهل من كانت مطيته الشهامة والشجاعة و والبذل في كل ميدان مكارم الأخلاق عامة ، يتصور عاقل أن تكون مطيته الكذب في ذات الوقت ! ؟ لا أعلمه يقول ذا إلا مجنون ..

-ثم الفرس الذي ركبه لأبي طلحة معروف بانه بطيء كما رأيتم ، فلما امتطاه وجده رسول الله بحرًا كما وصفه : يعني عليه الصلاة والسلام أنه كان سريع الجري ،على غير المعهود عنه من بطء ، وهذا من محالّ العناية الإلهية كما هي في عامة مقامات المسيرة الدعوية المباركة ..

-وأما الفرس البطيء الذي لم يعد يسبقه فرس بعد ذلك فهذا أظهر في كونه من دلائل النبوة البيّنة..والحمد لله رب العالمين

أبو القـاسم
07-21-2012, 06:50 PM
الله يجزيك خيرا أخي الحبيب أحمد على اهتمامك وقراءتك ..